كاتب الموضوع :
my faith
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
(13)
الحب المستحيل
شعرت نور بالارتباك أمام تلك العيون المبتسمة لها .. والتي تدعوها للمجيء .. أخذت حجابها المعلق بجانب باب الخروج .. ولفته بأنامل مرتعشة حول رأسها .. ما الذي يحدث لي .. بدأت تحدث نفسها بشرود قبل أن تفتح الباب .. وتحاول إخماد تلك النار التي تتأجج بداخلها .. هل مجرد رؤية حسام برفقه فتاه تسبب لي كل هذا ال .. هذا ال .. أغمضت نور عينيها بضيق .. وهي لا تجد وصفا لمشاعرها .. ماذا دهاها .. مؤكد أنها رأته من قبل يتحدث مع فتيات .. فهو طبيب .. وعلاقاته يجب أن تكون كثيرة .. ولكنها لم تشعر بمثل هذا الإحساس من قبل ..
لما ؟.. ربما لأنه ينظر إلى هذه الفتاه بطريقه مختلفة .. بالطبع لم تكن نفس تلك النظرة الخاصة بها .. ولكنها نظرة تحمل عطفا بين طياتها ..
ظلت التساؤلات تغزو تفكيرها دون رحمه .. وهي تتقدم بخطوات مترددة نحوهما .. لم تنتبه لها الشابة الانجليزية .. وكأنها لا ترى سوى حسام .. مما جعلها تحس بحزن غريب يلفها في تلك اللحظة بعد أن أجزمت بإحساس الأنثى .. عشق هذه الفتاه لحسام .. كانت عينيها تلمعان بفرحه صادقه .. وعندما اقتربت نور أكثر منهما .. سمعت حديثها الملهوف :
- من المؤكد أنني أعيش حلما جميلا يا حسام .. عندما أخبرتني إحدى الممرضات في المشفى بعودتك .. كدت أن أكذبها ..
ضحك حسام ورد عليها مبررا بحياء :
- أنا حقا خجل منك يا ماري .. كان ينبغي أن أُعلمك بوجودي منذ اللحظة التي دخلت فيها أجواء لندن .
احمرت وجنتاها خجلا وتقبلت تبريره برحابه صدر :
- لا عليك .. فها أنا قد أتيت .
ثم أردفت ضاحكه :
- حتى أنني لم أرى مقياس سرعة السيارة في طريقي إلى هنا .
كانت الفتاه تتحدث العربية بطلاقه شديدة .. بل إنها تتكلم باللهجة العدنية .. لم تكن نور لتشك بأنها يمنيه لولا ملامحها الغربية .. مزيدا من التساؤلات المحيرة راحت تجول في خاطرها .. ثم أحست بان معدتها توشك أن تقلب .. لم تعد تقوى على تحمل تلك الفرحة التي تشع من تلك الشقراء .. ذلك الحريق الذي ينتشر في عروقها .. توقفت على بعد خطوات .. شعور مؤلم بالغربة اجتاحها بعنف .. وفكرت لبرهة بالهرب إلى البيت .. نعم فهي تحس وكأنها تنتهك لحظة خاصة بهما .. عضت على شفتها السفلى كي تمنع تلك العبرات التي بدأت تتلألأ في عينيها .. ومن شده اضطرابها لم تكن ترى عيون حسام المركزة عليها منذ أن خرجت من البيت .. لم تعي نظرته القلقة عليها إلا بعد أن أدارت الفتاه رأسها تتبع عيني حسام الشاردة عنها ..
ومع علامات الاستفهام التي راحت تلوح في العيون الزرقاء شعرت نور كمن يوقظها من غفوة .. وأسرعت الخطى نحو حسام .. وكأنها ترمي عليه مسؤولية الإجابة .
علت الدهشة ملامح ماري وكادت أن تفغر فاهها .. عندما انحنى حسام قليلا وراح يحدث نور بذلك الرفق المعتاد وهو يمسك بأناملها الرقيقة :
- ما بك صغيرتي ؟.
هزت نور رأسها مع تلك الابتسامة الخجولة .. لابد أن كل ما تحسه يتجلى بوضوح على صفحه وجهها .. وحتى أن استطاعت إخفاء مشاعرها .. مؤكد أن عيني حسام قادرة على الإحساس بها .. تحدثت مبرره :
- لقد شعرت ببعض الصداع .. اعتذر على مقاطعتكما .
لم تنطق ماري بشيء .. وتكفل حسام بالرد حينما عرفهما على بعض ونبره السرور ترن في كلماته :
- نور هذه زميله دراستي في لندن ماري .
ثم أردف وهو يحول نظره نحو زميلته التي تحولت حيرتها إلى ما يشبه الصدمة بعد أن انتهى من جملته :
- ماري .. أعرفك بزوجتي نور .
خفضت نور عينيها بحياء تحت تلك النظرات الزرقاء المتفحصة .. كانت تشعر بارتباك ماري التي انطفأ بريق عينيها ولفها صمت كئيب .. بعد ثواني تساءلت باستغراب :
- هل هي صغيرتك نور ؟.
رد عليها حسام مبتسما .. وهو يضغط على أنامل نور التي تسكن بين أنامله :
- نعم .
- لكن .. لكن ..
خشيت نور على الفتاه التي شحب لونها الأبيض الثلجي متحولا إلى الأصفر .. لم تجد ماري كلاما تكمل به جملتها .. فأنقذتها من تلك المعاناة :
- لابد انك تخيلتني طفله صغيره .
هزت ماري رأسها بالإيجاب .. وكان هذه الفتاه العربية الجميلة تنطق بما لم تستطع التعبير عنه هي .. عادت نور تمازحها بلطف :
- هذه عاده حسام في الحديث عني .. ولستِ الوحيدة التي وصلت إلى مثل هذا الاستنتاج .
كانت كلمات نور اللطيفة بمثابة يد حنون تربت على ماري .. ابتلعت ريقها بصعوبة .. وراحت تنظر لحسام الذي خبت ابتسامته وهو يرى اضطرابها :
- مبروك يا حسام .. لم اعرف سوى الآن .. اعذرني .
- لم يمر على زواجنا سوى بضعه أشهر .
أزاحت ماري عن وجهها إحدى تلك الخصلات الشقراء والتي حركتها نسمات خفيفة .. ونظرت إلى نور مره أخرى :
- مبروك مدام نور .. مؤكد انك إنسانه رائعة ليوفقك الله بزوج مثل حسام .
كانت كلماتها الحزينة بحدة خنجر يغرس في صدر نور .. إنها تشعر الآن بقوه تلك العلاقة التي تربطهما مما يزيد من الحرقة بداخلها .. ولكنها في نفس الوقت ترثي حال هذه الشابة المصدومة .. فهي لم تتعود رؤية شخصا يعاني الألم .. فردت بتهذيب بعد أن اختلست نظره خجولة نحو حسام :
- شكرا لك .
تلفتت ماري حولها باضطراب وكأنها تبحث عن منفذ للهرب في ساحة البيت الجميلة .. والمليئة بالورود الطبيعية .. ثم حدثتهما أخيرا وهي تحاول وضع ابتسامه لطيفه على شفتيها :
- يجب أن اذهب الآن .
استوقفها حسام وشعور بالقلق ينموا بداخله :
- لما لا تدخلين قليلا .. حتى تتعرف عليك نور .
أيدته نور بسرعة :
- نعم .. فأنت لم تمضي الكثير هنا .
ردت ماري بحياء على كلماتها اللطيفة .. ولكن كان يجب أن تتركهما الآن .. خصوصا أن حسام لا يزال يشبك أنامله بين أنامل زوجته الرقيقة .. يجب أن ترحل قبل أن تفضحها عبراتها الحارة .. والتي تستغرب قدرتها على حبسها إلى الآن .. لذلك اعتذرت محاوله تحاشى عيني حسام :
- أنا حقا على عجله من أمري .. وإن شاء الله سيأتي يوم أتعرف به على نور .
رد عليها الزوجان في آن واحد وبنفس النبرة الرءوفة :
- إن شاء الله .
دخل حسام برفقه نور إلى المنزل .. بعد أن ودعا ماري التي ركبت سيارتها الوردية الجميلة واختفت من أمامهما بسرعة ..
لم تكن تلك المعلومات التي عرفتها نور عن ماري خلال الحديث معها بالكافية .. بل أن مزيدا من التساؤلات راحت تحتشد بفكرها .. هنالك حقائق مؤكده لها ولا تحتاج الاستفسار عنها .. وأهمها أن ماري مغرمه بحسام .. مؤكد أنها كذلك .. شعرت نور بيد قاسيه تعتصر قلبها .. وراحت تختلس النظر نحو حسام الذي بدى طبيعيا .. يا ترى هل يكن لها هو نفس المشاعر .. فنظرته كانت حنونة .. مثلما هو حسام دائما ..
دخلت نور إلى المطبخ لتعد طعام الغداء بصمت مطبق بينما الحوار كان يحتد بداخلها .. لم تنتبه حتى لتلك النظرات المختلسة التي كان حسام يجس حالتها بها .. وعادت تتساءل .. عندما ارتسمت صوره ماري بعينيها الزرقاوات وشعرها الشقر وبشرتها الثلجية أمام عينيها .. كيف تستطيع التحدث باللهجة اليمنية والعدنية أيضا ؟.. كما أنها قالت إن شاء الله .. هل هي مسلمه ؟.. أم أن لحسام دخل في ذلك ؟.. هل هذا جواب يخبرها بقوه علاقتهما ببعض ؟..
شعرت بضيق صدرها .. وأخذت نفسا عميقا لتطلقه محاوله عدم التفكير بشيء .. دون جدوى .. عندما أوشكت على الانتهاء شعرت بشخص يقف خلفها .. انتفضت قليلا فهي لم تشعر بقدومه نحوها .. طل حسام برأسه من فوق كتفها ليلقي نظره على الطعام الذي شارف على النضج .. وتساءل بلهجة مرحه :
- ما هي الأخبار أيتها الطاهية نور ؟.
عادت تلك الحالة الهستيرية لقلبها وراح نبضه المجنون يتزايد .. وللحظه تبخرت كل الأفكار من رأسها .. لم تعد تشعر إلا بهذا الجسد الطويل الواقف خلفها وهذا الوجه الأسمر الجذاب والذي يكاد يلتصق بخدها .. التفتت إليه مبتسمة .. ومحاوله تهدئه أنفاسها الثائرة .. استغربت تلك السعادة التي تلمع في عينيه وهو يرمقها .. وقبل أن ترد على سؤاله خبت ابتسامتها وحلت محلها تعقيده خفيفة لحواجبها تترجم بها ذلك الاستنتاج الطارئ .. فمؤكد أن حسام سعيد لرؤية ماري .. مرت سحابه حزن على وجهها البريء .. كانت تكره هذه المشاعر الغريبة عنها .. تشعر بأنها تنتزعها من عالم لطيف كانت تحيى فيه مع حسام .. لقد أصبحت الآن تحس بالضياع .. أشياء كثيرة تجهلها .. بل وتخشى معرفتها بنفس الوقت ..
شعرت بأنامل دافئة تداعب خدها .. واسترعاها حسام من ذلك الشرود الكئيب بصوته العميق :
- نور .. هل ما زلتي تشعرين بالصداع ؟.
نظرته الحنونة والمليئة بالقلق .. جعلتها تخجل من تصرفها .. وطمأنته وهي تتحدث بحماستها المعهودة :
- لا .. انه يخف مع الوقت .
ظل حسام يتابع خطواتها في المطبخ .. وعندما شعرت بأنه لم يقتنع .. عادت تمازحه وهي تلتف خلفه وتدفعه نحو مخرج ذلك المطبخ النظيف والمطل على الصالة :
- هيا فلتخرج الآن كي لا تعرف أسرار الأكلات التي أعدها ..
ضحك حسام .. وأطاع أوامرها لكنه جلس على كرسي أمام تلك الطاولة التي تفصل بين المطبخ والصالة .. شعرت ببعض الارتياح لتواجد حسام بجانبها .. ولرؤيتها تلك النظرة الخاصة بها .. وكأنه يحميها من كل إحساس سيئ قد تشعر به ..
سألته بحياء شيئا مختلفا عما كانت تفكر فيه :
- حسام ..
- نعم صغيرتي .
- ما هي تلك الأغنية التي كنت تدندن بها وأنت تصلح سيارتك .
لم تسمع رده .. وطال الصمت .. فالتفتت لتجده ما يزال يطالعها بتلك النظرة الدافئة والتي تبعث بالحرارة إلى صدرها لتترك قلبها ينبض بجنون .. كانت ترتسم على شفتيه ابتسامه بها شيء من الحزن .. أو أنها لم تعد تستطيع تفسير ما يدور حلوها اليوم .. ولكنه تحدث مع التفاتتها :
- إنها أغنيه لكاظم .. واسمها الحب المستحيل .
أردف بعد ذلك بمرح :
- هل أعجبتك ؟.
- كثيرا .
عاد الصمت يحلق فوق رأسيهما .. ثم تساءل حسام ببساطه .. وهو يدخل للمطبخ مجددا ليساعدها في نقل الأطباق إلى مائدة الطعام :
- متى تنوين إخباري ؟.
تساءلت نور بسرعة وكأنها تنفي تهمه عن نفسها :
- بماذا ؟.
- بما يشغل تفكيرك .
نظرت له نور بمرح وشاغبته قائله :
- أنت تشغل تفكيري .
شاع السرور في ملامح حسام .. ورد عليها بنفس طريقتها :
- حقا .. لابد أن تفكرك محظوظ لأني اشغله .
ضحكت نور رغما عنها .. وضربة كتفه بخفه :
- أيها المغرور .
كانت ترى بوضوح هذه الفرحة المتراقصة بين عينيه .. والتي زادتها حيره .. راحا يتناولان طعامهما .. ولم تستطع هي الاحتفاظ بتساؤلاتها مطولا :
- حسام .. هل لي أن أسألك سؤالا ؟.
ابتسم لها وكأنه كان يتوقع استسلامها :
- اسألي .
- كيف تستطيع ماري التحدث بالعربية .. بل باللهجة العدنية .. هل علمتها أنت ؟.
- لا لم اعلمها فهي فتاه يمنيه .
- وكيف ذلك ؟.
ضحك حسام لتساؤلاتها .. وبدأ يحدثها بمرح وهو مستمع بالحيرة التي تطل من عينيها السوداويين الجميلتين :
- نور .. كيف تكون الفتاه يمنيه برأيك ؟.. يأتي شاب يمني ويتزوج من فتاه وعندما يرزق بالأطفال يصبحون يمنيين .
قلبت نور عيونها تسخر من حديثه الموجه للأطفال .. وحاولت التغلب على ابتسامتها :
- أنا اعرف هذا .
قاطعها مشاغبا :
- إذا لماذا تسألين ؟.
نهرته نور وهي تضحك :
- حسام .. دعني أفهمك قصدي .
- حسنا فلتفهميني .
- كيف تكون يمنيه وهي تشبه الأجنبيات .
- آه .. حسنا .. ماري أباها من اليمن .. ووالدتها من لندن .
أردفت نور وهي تهز رأسها :
- لابد أنها تشبه أمها إذا .
أشار لها حسام برأسه إيجابا وهو يمضغ بعض الطعام الذي لم تتناول نور منه الكثير .. وعادت تتساءل :
- هل هي مسلمه ؟.
- نعم .. هي ووالدتها أيضا .
- لكنها لا ترتدي الحجاب .
قلب حسام شفتيه ببساطه :
- مثل كثير من المسلمات والغير محجبات .
صمتت نور .. فأردف هو مبررا :
- إن ماري خلقت في لندن .. وهي فتاه في غاية الأخلاق .. والرقي .. تلتزم بكثير من التقاليد الإسلامية .. بدافع منها ولحبها للإسلام .. لذلك والدها يترك لها حرية القرار في شتى الأمور ومن بينهم مسألة الحجاب .
- لابد انك تعرف الكثير عنها .
شعرت نور بالندم بعد أن نطقت بجملتها الأخيرة .. مؤكد أن نبرتها الباردة ضايقت حسام .. ولكن على العكس وجدته يبتسم لها بمرح اكبر .. وكأنه لا يحس بهذا الغضب الذي يتملكها عندنا يتحدث عن ماري :
- نور .. إنها زميلة دراسة دامت سبع سنوات .. مؤكد أننا نعرف الكثير عن بعضنا .
ظلت نور تمطر عليه بشتى التساؤلات .. حتى بعد أن انتهيا من طعامهما واتجه هو نحو حجره النوم .. تبعته بعد أن انتهت من تنظيف أطباق الطعام .. دخلت إلى الحجرة بهدوء :
- حسام .
- نعم .
- هل نمت ؟.
- نعم .
ابتسمت وجلست بجانبه :
- لا تنام فانا لم انتهي بعد .
فتح حسام إحدى عينيه .. ثم وضع رأسه على فخدها وأردف قائلا :
- حسنا .. فلتسأليني إلا أن أنام .
بدأت نبضات قلبها تتسارع .. وراحت تعمل على تهدئتها .. بينا تتخلل بأناملها تلك الخصلات القصيرة في شعر حسام :
- هل ماري مرتبطة ؟.
هنا أجاب حسام باقتضاب .. أو هكذا تهيأ لها :
- لا .
- لما وهي فتاه جميله ؟.
- وما أدرني أنا يا نور .
- هل من الممكن أن تكون تنتظر شخص بذاته ؟.
فتح حسام عينيه .. وعلى شفتيه ابتسامه شقيه :
- ربما .
شعرت نور بان حسام يستطيع قراه تلك التساؤلات التي لم تنطق بها بعد .. مؤكد انه يملك القدرة على ذلك .. لهذا فضلت الصمت .
حثها حسام بلؤم :
- هل نفذت جعبتك ؟.
- نعم .. ربما لهذا اليوم .
فاجئها بسؤاله :
- ما سر اهتمامك بها ؟.
ترددت قليلا .. ولكنها مؤكد لن تستطيع إخفاء مشاعرها مطولا عنه .. فصارحته بما يختلج بداخلها من شكوك :
- إنها تنظر إليك بطريقه لا تعجبني .
ضحك حسام .. وعاد يستحثها على الحديث .. وبأنامله كان يداعب خصلات نور الطويلة والمتدلية من على كتفها :
- كيف ؟.
غزت الحمرة وجنتيها .. وهي تغالب تلك النار التي عادت تحرق صدرها :
- مؤكد أنها تهيم حبا بك يا حسام .
- نعم فانا شخص محبوب .
ابتسمت نور على إجابته السريعة .. وراحت تنهره كأم تؤنب صغيرها :
- كف عن هذا الغرور .. فأنا أتكلم بجديه .
- وانأ أتكلم بجديه .. وإن يكن .
شعرت نور بنبضها يكاد يشق صدرها .. رغم حديث حسام المرح .. والمليء بالمزاح لكنه لم يطمئنها بعد .. جلس حسام فجأة عندما عاودها الشرود .. واختطفها محتضنا خصرها .. ليدور بها برفق حتى صارت تستلقي بين أحضانه .. ثم همس بأذنها :
- أنا لا أحب سوى صغيرتي نور .
كانت تلك الحركة السريعة منه كفيله بإشعال انتفاضة لذلك المجنون السجين بين الضلوع .. شعرت بالتهاب وجنتيها .. وبعد ثواني قليله .. دق هاتف حسام لكي ينقذها من ذلك الصمت الخجل .. كان المشفى يطلب حضوره لوجود حاله تحتاج لعمليه سريعة .. نهض حسام مسرعا وراح يحضر نفسه بعجل .. كانت نور تجري خلفه وتناوله كل ما ينقصه .. وقلبها يعتصر ألما وهي تفكر بذلك أو بتلك الطفلة التي تحتاج لعمليه في بداية حياتها .. حمدا لله أنها لم تصبح طبيبه مؤكد أنها ستموت ألف مره مع كل أنين تسمعه من مرضاها ..
التفت إليها حسام قبل أن يخرج .. وقال لها محذرا :
- يجب أن تنامي .. ولا ترهقي نفسك بمزيد من التساؤلات تذكري فقط أني احبك صغيرتي .
أنهى جملته بقبله دافئة طبعها على خدها .. ورحل دون أن يدرك مدى الاضطراب الذي يسببه لها بتلك الحركات التلقائية .. أو لعله يدرك ويتعمد فعل ذلك .. كانت تحب هذا التقارب الذي سمحت به علاقة الزوجية بينهما .. ومؤكد أنها لا تستنكر أيا من لمساته .. لكنها شعرت بنوع من الأنانية يجتاحها .. هل يحق لها أن تحقق معه بمثل تلك الطريقة .. حتى وان كانت هنالك علاقة بينه وبين ماري تلك .. لا يحق لها أن تزعجه بتساؤلاتها .. حسام شاب خلوق ومميز .. ويستحق أن يحيا حياته الخاصة .. ولكن هل ماري هي تلك الحياة .. تغضن وجهها بشكل تلقائي .. وراحت تستبعد صوره ماري .. يبدوا أنها فتاه لطيفه ولكنها لا تليق بحسام .. هكذا حدثت نفسها .. كلمتها الأخيرة بثت الرضا إلى صدرها .. ولكنها عادت تتساءل بحيرة أكبر عن مشاعرها هي .. هل توجد فتاه مناسبة له بنظري يا ترى ؟.
لم تجب عن سؤالها خوفها من أن تعاودها تلك الأحاسيس الغريبة التي أمسكت بتلابيبها منذ رؤيتها لماري .. ودخلت إلى البيت .. أخرجت بكره الصوف وراحت تكمل غزل ذلك الشال الأبيض الذي كانت تصنعه لحسام دون أن يعلم ..
------------------
رن هاتف نور لينتشلها من بحر الأكواد البرمجية التي كانت تغوص فيها أمام جهاز الحاسوب المحمول .. والذي تقوم من خلاله بالعمل على المشروع المكلفة به من قبل الجامعة .. رأت رقم حسام .. وانتبهت في تلك اللحظة أنها لم تعد الغداء بعد .. ضغطت على أسنانها بضيق ثم ردت على ذلك الرنين المتزايد وهي تؤنب نفسها على التهائها بالدراسة :
- مرحبا .
- مرحبا .. صغيرتي .. كيف حالك ؟.
- الحمد لله .
- نور .. من الممكن أن لا أعود للغداء اليوم .. فلدي الكثير من المهام هنا .. لا تنتظريني صغيرتي .. ولا تنسي تناول دوائك .
- حسنا .
أغلقت الخط بعد أن ودعا بعضهما .. ثم أغلقت جهاز الحاسوب بعجله .. وتوجهت مسرعه نحو المطبخ .. بدأت تعد إحدى الأكلات التي يحبها حسام .. شعور قوي يجتاحها نحوه في تلك اللحظة .. فهو يرهق نفسه كثيرا من اجل رسم ابتسامه صادقه في قلب طفل مريض .. تملكتها نشوه غريبة .. لم تكن تلك المرة الأولى .. فإحساسها بان حسام سيتذوق هذا الطعام يجعلها أكثر حذرا .. بالرغم من انه يبدي إعجابه بكل شيء تصنعه ..
ابتسمت نور وهي تتذكر كيف تجلس قبالته وتبدأ بالسؤال ((هل مذاقه حلو ؟)) .. قبل أن يبتلع لقمته الأولى .. فأصبح حسام يتغزل بالطعام قبل حتى أن يتذوقه .. راحت نور تجهز نفسها بعد أن انتهت من إعداد الطعام .. ووضعه في أطباق مخصصه لحمله .. ولم تنسى وضع ذلك الشال الأبيض الدافئ والذي انتهت منه بالأمس بداخل حقيبتها ..
لم يكن المشفى الذي يعمل بها حسام غريبا عنها .. فلقد تلقت علاجها بداخلها ..
في إحدى الممرات وجدت طبيبها المعالج ديفيد برفقه ماري .. تقدمت منهما بحياء لتلقي التحية :
- السلام عليكم .
- وعليكم السلام ..
رد الاثنان .. لكن رد ذلك الطبيب المسيحي الأشيب كان أكثر حرارة .. كانت نور تعلم انه يحب المسلمين ويحب الترحيب بهم بتحيتهم :
- مرحبا بالعربية الجميلة نور .
احمرت وجنتي نور من الخجل تحت وقع ذلك الإطراء اللطيف .. أيضا ماري رحبت بها وابتسامه جميله تعلو شفتيها .. فضلت الفتاتين التحدث بالانجليزية مراعاةً للطبيب ديفيد .. بينما راح هو يمازحها :
- هل اشتقت لزوجك ؟.
- لا .. اقصد .. لقد أحضرت له الغذاء .
كان سؤاله مفاجئا ومحرجا لها بنفس الوقت .. ضحك الثلاثة على جوابها الخجول .. وودعتهما بعد أن تمنى لها طبيبها الذي يفيض بالحنان الأبوي أن يسعد الله أيامها .
نقرت نور على باب حجره حسام .. ثم طلت بوجهها لتجده منهمك على بعض الفحوصات دون أن يلقي أي التفاته نحو الباب المفتوح .. أشفقت عليه .. وقالت ممازحه وهي تقترب منه متقمصه دور شاب توصيل الطلبات :
- لقد أحضرت لك أحب الأكلات سيدي .. ولكن هذا سيكلفك ضعف ثمن الطعام .
شاع السرور على ملامح حسام المتعبة .. وبدأ الزوجان بتناول طعام الغذاء معا .. ظلت نور تحدثه عن مشروعها الجامعي الجديد .. وهو ينصت إليها باهتمام بالغ رغم انه لا يفهم الكثير مما تقوله .. وجدته يتأملها بتلك النظرة التي تفلح بخطف أنفاسها في كل مره بعد انتهاءهما من الغذاء .. أخرجت ذلك الشال الصوفي من حقيبتها وهي تعاني الاضطراب اللذيذ من نظره حسام .. وقدمته بحياء بالغ :
- ما هذا ؟.
تساءل والإعجاب بادي على ملامحه .. فأجابته وهي تتقدم منه وتلف الشال حول عنقه :
- لأنك تهمل صحتك كثيرا .. وتنسى ارتداء ما يدفئ جسدك .
- مؤكد لن أنساه بعد اليوم .
كانت عينيه الحالمتين مركزتين نحوها .. وازداد تسارع نبضها عندما شعرت بأنامله تتحسس يدها .. ثم ترفعها ببطء ليطبع قبله ناعمة على ظاهر يدها .. شعرت بالدوار يلفها .. وانتشر اللون الأحمر في وجنتيها .. سمعا نقرا خفيفا على الباب .. وظل حسام محتضنا لأناملها الرقيقة بين كفيه عندما طلب من الطارق الدخول .. تساءلت ماري بمرح وهي ترى نور :
- حمدا لله انك ما زلتي هنا .
سحبت نور يدها من بين كفي حسام بسرعة بعد أن لاحظت تغير تعابير ماري المرحة بمجرد أن انتبهت للأيدي المتشابكة .. وتساءل حسام بهدوئه المعهود :
- أهلا بك يا ماري .
- لقد جئت أخبركما أن والدتي تود أقامه حفل نسائي صغير بعد الغد .. لكي تستطيع نور التعرف على صديقاتنا اليمنيات هنا .
ظلت نور صامته تنتظر رد حسام الذي حدثها بلطف :
- مؤكد ستستمتعين برفقه والده ماري .. ما رأيك صغيرتي ؟.
هزت نور رأسها بالموافقة ووجهت حديثها لماري :
- حسنا .. وشكرا لهذه الدعوة اللطيفة .
- لا داعي للشكر حبيبتي .
استأذنت ماري بالخروج .. وراحت نور تشرد في تلك الفتاه الشقراء اللطيفة .. والتي تشعرها بالكثير من التناقضات .. فهي تجدها محببة في كثير من الأوقات .. ولكنها لا تزال تتذكر أول يوم رأتها فيه .. وذلك الشوق المشتعل في عينيها .. والذي أحست نور بأنه احرق قلبها هي .
مر اليوم الذي يسبق الحفلة بشكل سريع .. وكانت نور تعيش في حيره تامة خلاله .. فهي لا تدري ماذا ترتدي .. ولا كيف تسريح شعرها .. كادت أن تصيب حسام بالجنون من كثره الملابس التي عرضتها عليه .. ولكنها استقرت على رأي قبل الموعد بساعة .. لبست فستانا أسود قصير يحمل تصميما كلاسيكيا .. كان بسيطا جدا يغطي الصدر ويرتفع حتى العنق .. وينحسر بعض الشيء عن ركبتيها وتصميمه يبرز ضيق خصرها وتناسق جسدها .. كما انه يكشف عن ظهرها بقصه أنيقة على شكل الرقم سبعه .. وجعلت خصلاتها الطويلة الناعمة تنام بخمول على كتفها الأيمن حتى تصل إلى نهاية خصرها .. لم تبالغ كعادتها بالأصباغ .. وكانت تعرف أن حسام يفضل رؤية ملامحها البريئة .. خرجت من الحجرة تسير بحياء مع نظراته المفتونة .. ابتسم هو للخدين المتوردين بتلك الحمرة التي يعشقها .. تساءلت نور بقلق واضح :
- هل سيعجبون بي ؟.
- لما كل هذا القلق ؟.
- أحس بأنهم يودون رؤية زوجه حسام .. لذلك أحب أن انقل صوره جميله عنك .
اتسعت تلك الابتسامة الجذابة على شفتيه .. واقترب منها قليلا .. كان يود أن يهمس لها بشيء .. لكن عطسه خفيفة منعته من ذلك :
- رحمك الله .
قالتها نور وهي تغالب ضحكتها .. ثم أفلتت تلك الضحكة عندما حاول أن يرد عليها فعاوده العطس مره أخرى :
- يبدوا أن العطس لا يريدك أن تحدثني .
ثم أردفت وهي ترتدي عباءتها وحجابها :
- هيا قبل أن نتأخر .
لم يكن بيت ماري يبعد كثيرا عن بيتهم .. وقبل أن تطرق باب البيت رن هاتفها بنغمه الرسائل .. فتحتها لتجد رسالة تحتوي كلمتين فقط من حسام ((أنت الأجمل)) .. كان ذلك كفيلا ببث الاطمئنان إلى قلبها .. طرقت الباب بثقة اكبر .. جاءها صوت ماري من الداخل .. وبعد أن فتحت لها الباب .. شعرت بألفه كبيره وسط ذلك البيت القريب جدا من تصميم البيوت اليمنية .. وأحبت والدته ماري كثيرا وذكرتها بوالدتها هي مع اختلاف الملامح .. كانت حفله لطيفه .. وزادتها تقربا من ماري التي أبدت سعادة صادقه بتواجد نور بينهم ..
عندما حان موعد العودة .. ارتدت حجابها ولكن قبل أن تخرج أصر والد ماري الذي كان يجلس في مكتبه بإدخال حسام ليسلم عليه .. استغربت نور عندما وجدت والدة ماري ترتدي حجابا لتستقبل زميل ابنتها .. وشعرت بالفخر من ذلك الترحيب الحار الذي يتلقاه حسام من الجميع .. لكنها لاحظت تغير صوته قليلا .. تقدمت نحوه بقلق ظاهر ممسكه بإحدى يديه :
- هل أنت بخير يا حسام ؟.
وقبل أن يجيبها وجدت ماري تشاركها قلقها .. بل أنها تحسست جبينه وهي تردف بضيق :
- ما هذا يا حسام .. إن حرارتك مرتفعه .
ضايق ذلك التصرف نور بعض الشيء .. ولكنها عادت تحدث نفسها بأنها طبيبه وهذا يعد واجبا عليها .. بينما أجابهما حسام بحياء :
- أنا بخير حقا لا تقلقا .
ولكن ماري نهرته بحزم :
- لم تتغير أبدا .. طبيب ومهمل بصحتك .
تقبل حسام حديثها بابتسامته الخجولة .. وقبل أن يودعا تلك الأسرة الطيبة .. أعطت ماري بعض الدواء لنور وأوصتها :
- لا تقلقي يا نور .. ولكن إذا زادت حرارته أعطيه هذا الدواء مع كمادات باردة .
تلقت نور تلك النصائح بهدوء .. دون أن تبين حدة تلك المشاعر التي تجتاحها ..
في البيت ارتمى حسام على السرير فور دخولهم .. مما زادها خوفا عليه .. مسحت قطرات العرق المتجمعة على جبينه بكفها الناعمة :
- حسام .. هل تشعر بالألم ؟.
أجابها وهو لا يزال مغمضا لعينيه .. ويبدوا انه يحاول التغلب على وجعه :
- لا تقلقي صغيرتي .. ولكني احتاج لبعض النوم ..
حاولت إقناعه بتناول بعض الدواء دون جدوى .. فراحت تنفذ ما أمرتها به ماري .. وأحضرت كميه من المياه الباردة وبللت بها قطعه من القماش ثم اعتصرتها لتضعها على جبين حسام الملتهب .. ظلت ساهرة بجانبه تكرر تلك الحركات بصبر .. وشعرت كأن حرارته تتسلل إلى قلبها .. بدأت عبراتها بالانهمار عندما سمعته يئن ويهلوس بكلام غير مفهوم تحت سطوه الحمى ..
رفع يده بحركة منهكة .. وكأنه يحاول الإمساك بشيء .. لم تفهم من كلامه سوى القليل .. ولكن ما فهمته جعلها تعاود بكائها وهو يقول بصوته المحموم ((متى ستشعرين)) .. ((لا تتركيني)) .. ((فانا احبك)) .. احتضنت نور تلك اليد الملتهبة .. وقبلتها بحنان بالغ بعد أن بللتها بعبرات ساخنة .. لا تدري لما بتلك اللحظة تذكرت صوته الشجي وهو يغني كلمات الحب المستحيل .. كما أنها لا تدري سببا محدد لهذه الدموع .. هل هي رؤيته مريضا ؟.. أم ذلك العذاب الذي يعانيه وحيدا وكشفته هذه الحمى الخبيثة ؟.. أم هو ذلك الشك الذي يزداد بداخلها عن هوية الفتاه التي يقصدها حسام بهذه الكلمات المحمومة ؟.. تلك الفتاه الشقراء التي جعلتها تختبر إحساسا جديدا مؤكد انه الغيرة ؟.. نعم فهي تغار من ماري .. من تلك الذكريات المجهولة التي تشاطرها مع حسام .. من نظره الشوق في عينيها ولهفتها القلقة عليه ..
راحت دموعها تنهمر بغزاره اكبر وهي تتأمل ملامح ذلك الوجه الأسمر الجذاب .. والذي لا تملك الحق مطلقا بامتلاكه .. نعم لا يحق لي أن أغار فهو يحبها .. يجب أن اكف عن أنانيتي الطفوليه .. ولابد أن يحضا حسام بالسعادة التي يستحقها .. ويكفيني هذا الحب العذب الذي اشعر به الآن اتجاه شخص لطالما عاش لرؤية ابتسامتي ..
في الصباح استيقظت نور .. وشعرت بتحجر الدموع على خديها .. كانت تحس بيد خفيه تحاول انتزاع قلبها كلما تذكرت استنتاجات الأمس .. تلفتت حولها بهلع ولم تجد أثرا يدل على تواجد حسام .. قفزت من فوق السرير .. وراحت تفتش في أرجاء البيت وهي تناديه بصوت مهزوز .. لكن ما من مجيب .. شعرت بنبضها يتسارع كدقات قنبلة موقوتة .. أين سيذهب وهو بتلك الحالة .. دعت الله بان يحميه .. وجاهدت كي تطرد كل أفكارها السوداء .. محاوله البحث عن طريقه تطمئن بها عليه ..
|