كاتب الموضوع :
my faith
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
(12)
مفاجئة !..
ظل حسام ينظر إليها بهدوئه المعتاد .. بينما آلاف التساؤلات تتصارع بداخله .. ولكن حيرته لم تطول فلقد بدأت نور تتحدث بعد برهة من الصمت :
- لقد أخبرتني بالأمس يا حسام .. بأنك تود أن يبارك الله أيامنا معا .
- نعم .. صغيرتي .
- لذلك اتخذت أنا قرارا .. وأريدك أن تساعدني .
كانت تحاول طرد خجلها وهي تتحدث .. وتقنع نفسها بأن هذا الحياء لا مبرر له .. فقرارها لا يتعارض مع شكليه ارتباطهما بشيء :
- يجب أن لا أفكر بسامح بعد اليوم .. إن كنت أود أن يبارك الله أيامي معك .. فيجب أن أتصرف كزوجه مخلصه .. حتى بمشاعري .
كانت تتحاشى النظر إلى عينيه .. ثم اختلست نظره سريعة وهي تردف قائله بصوت خافت :
- إن هذا اقل ما أشكرك به يا حسام ..
شعرت بكفه تتحرك فوق الطاولة لتتخلل أنامله بين أناملها الناعمة .. والتقت أعينهما .. كانت ابتسامته الجذابة تستقر بين شفتيه .. ورأت في ملامحه المبتهجة تأيده لقرارها :
- تعلمين بأنني سأقف بجانبك .. وقراراك هذا يسعدني يا نور .
شعرت نور بالفرح يتسلل إلى قلبها .. وبسعادة غريبة تغمرها .. لمجرد إحساسها بفرحة حسام .... بادلتها نور الابتسام بابتسامتها المشرقة زينت شفتيها ..
انتهيا من تناول طعام الإفطار والمزاح لا ينقطع بينهما .. ثم أسرعا بالخروج من البيت حتى يتوجهان لمطار عدن الدولي ..
تجسدت كميه زاخرة من المشاعر بداخلها .. لم تقوى على تمييز شعور محدد في تلك اللحظة .. وراحت تشرد في بحر أفكارها .. شعور بالحنين منذ الآن .. لوالدتها وصديقتها رهف .. وللبيئة التي ترعرعت فيها .. والتي ستفرقها للمرة الأولى .. ويتسرب إلى قلبها القلق والخوف .. مما ستواجهه من معاناة بسبب مرضها .. ولكن رغم كل تلك الأحاسيس السلبية يظل ينمو بداخلها شعورها بالسعادة لتواجدها مع شاب مميز مثل حسام .. يؤازرها في مشوارها القصير والصعب هذا ..
لم تكن تلقي بالا على الطريق .. فأخرجها حسام من شرودها :
- ما رأيك أن تودعي الخالة حياة قبل ذهابنا .
التفتت إليه بحماس .. وفرحه الأطفال ترن في كلماتها :
- حقا يا حسام .
- نعم .
كانت سيارته تتحرك نحو طريق بيتها .. ولكنها استوقفته فجأة بجانب محل لبيع الحلويات العدنية :
- لحظه .. لحظه .
- ماذا هنالك ؟.
- توقف هنا .. أرجوك .
أخبرته بجديه تحاول بها إخفاء خجل بدأ يتسلل إليها .. ويفضحه تورد خداها :
- هل من الممكن أن تشتري الكثير من الحلوى المتنوعة .. لتقدمها لأمي ؟.
ضحك حسام وبالرغم من أنه لم يفهم شيئا .. ولكنه نفذ كلامها .. وعندما عاد من محل الحلوى .. بدأ يتساءل وهو يحرك السيارة من جديد :
- هل ستخبرينني الآن عن سر الحلوى ؟.
نظرت إليه نور باستغراب .. وتساءلت بحياء وهي تداري ابتسامتها :
- ألا تعرف ؟.
حدثها حسام مبتسما بسعادة .. لرؤية معاناتها مع الخجل :
- لا .. فلتخبريني أنت .
اختصرت نور حديثها بكلمتين :
- إنها إحدى التقاليد اليمنية .
صمت حسام لوهلة .. ثم عاود تساؤلاته :
- إحدى تقاليدنا أن يحضر العريس لوالدة العروس كميه من الحلوى في اليوم التالي للعرس .
- ليس شرطا أن يحضر الحلوى في اليوم التالي .
- متى إذا ؟.
ضغطت نور على شفتها السفلى بأسنانها .. ثم نظرت إليه بشك :
- أحقا لا تعرف يا حسام ؟.
رفع حسام كتفيه بتلقائية وهو لا يزال يبتسم بمرح :
- ومن أين لي أن أعرف ؟.
لم يكن غريبا أن يجهل حسام بعض التقاليد اليمنية .. فلقد قضى في لندن فتره ليست بالبسيطة .. كما أن نور نفسها كانت تجهل مثل تلك الأشياء .. ولم تعرفها سوى قريبا .. ضغطت على أسنانها .. وكأنها مقبله على معركة .. ثم ألقت بجملتها بتردد .. محاوله ما استطاعت إيصال الفكرة له :
- إن العريس يقدم الحلوى لوالده العروس .. عندما تسير الأمور بينهما بشكل جيد .. وذلك لتطمئن على ابنتها .
- أوه ...
لم يضف حسام بكلمه أخرى .. ولكنه عاد يتساءل بعد أن بدأ يستمتع بإثارة حيائها :
- وهل تودين أن طمئنه الخالة حياة عنك ؟.
- نعم .
- لماذا ؟.
كادت نور تضحك في وجهه .. وهي تتخيله طفل كثير الأسئلة .. ولكن ملامحه كانت هادئة .. وكأنه يود فعلا معرفه الإجابة :
- إنها طريقه أفضل بدل أن تسألني .
راحت هي تتطلع عبر النافذة لتخفي وجهها المحمر خجلا .. ولم يحرجها حسام بتساؤلات أخرى .. أشاع تواجدهما الفرحة في البيت .. وكانت مفاجئه سارة للخالة حياة .. فاستقبلتهما بالكثير من الزغاريد والدعوات بالسلامة .. وبينما كانت نور تودع والدتها بأعين دامعة .. شعرت بالخال نبيل ينزوي بحسام ليحدثه .. لم يرقها ذلك التصرف فلقد كانت تدرك نفسه الجشعة ..
- ما الذي كان يريده منك الخال نبيل ؟.
تساءلت نور بريبه عندما كانا يتجهان إلى المطار بالسيارة .. فأجابها حسام ببساطه :
- لا شيء .
- لا تكذب يا حسام .. مؤكد أنه أحرجك بطلب المال .
- كان محتاجا لمبلغ صغير .
رفعت نور احد حاجبيها وتساءلت باشمئزاز من ذلك الإنسان الذي لا يوجد أمل من صلاح حاله :
- وهل صدقته ؟.
- إنه ليس بالمبلغ الكبير يا نور .
- نعم فهو يلبي احتياجات القات في هذا الأسبوع .
شعرت بأن دمائها تغلي من هذا التصرف المخجل .. ولكن حسام استطاع تغيير الموضوع .. وافلح بتعديل مزاجها بسرعة ..
كانت رحلتهما طويلة جدا .. وقاموا بإجراءات كثيرة في مطار بلدها وكذلك في لندن .. وكانت الفوارق تتجلى بوضوح أمام نور .. فمؤكد أن التعامل كان أسرع وأسهل في لندن .. ولكن رغم كل شيء يظل وطنها غالي على قلبها بكل ما فيه من تناقضات .. فهي منذ الآن تشتاق إليه .. وإلى ذراه الرمال التي تتناثر على أراضيه الطيبة ..
كانت البرودة هي أول أحساس شعرت به في تلك المدينة الكبيرة .. لذلك حسام يحتضن كفيها بين يديه منذ أن كانا في الطائرة حتى يشعرها بالدفء .. وفي طريقهم نحو الفندق بهرتها كل تلك المناظر الجميلة التي تمر أمامها .. كانت مدينة في غاية الرقي والجمال ..
عندما استقر بهما المقام في غرفه الفندق .. أخذ حسام حماما ساخنا .. واتجه مسرعا نحو السرير لينام بعد أن قبلها على جبينها وتمنى لها ليله سعيدة .. أشفقت عليه نور .. فالإرهاق كان بادٍ عليه .. لم تكن تشعر هي بالنعاس بعد .. ففضلت ترتيب بعض الملابس في الدولاب .. بدأت بحقيبة حسام لتفرغها .. وعندما بدأت بنقل أول كميه من ملابسه .. جذبتها تلك الرائحة اللطيفة المنبعثة منهم .. فقربتها من انفها .. لطالما كانت رائحته ذات عبق مميز ..
بعد أن انتهت من إفراغ الأشياء المهمة من الحقائب .. أخذت هي أيضا حماما ساخنا .. وأخرجت تلك الرواية التي كانت تقرأ فيها منذ بدء سفرهما .. لكاتبها المفضل يوسف السباعي .. والتي تحمل اسم ((ابتسامه على شفتيه)) .. شعرت بالبرودة تسري في أوصالها .. بالرغم من تشغيل التدفئة ..
فأخذت نور بطانية وهي تتجه نحو السرير .. تنظر لحسام الغارق في النوم باستغراب .. فلقد كان يستلقي باسترخاء تام بصدره العاري .. وذلك البنطلون القصير .. غطته نور بالبطانية .. واستلقت بجانبه .. وبدأت تقرأ الفصل الأخير من روايتها .. في تلك اللحظة غير حسام من وضعيه نومه .. فاحتضن خصرها بذراعه .. واستقر رأسه فوق صدرها .. شعرت نور بسريان ذلك الدفء اللطيف من جسده .. حبست أنفاسها .. وبدأت نبضاتها بالتسارع .. كانت تدرك استغراق حسام في النوم من ملامحه المسترخية .. وجاهدت للسيطرة على قلبها المجنون .. كي لا يزعجه ذلك الهيجان الذي يقوم به .. بعد فتره ليست بالقصيرة استطاعة تمالك أعصابها .. ولكنها لم تتجرأ على سحب نفسها حتى لا توقظه .. وتابعة قراءه روايتها بهدوء تام ..
بعد دقائق استيقظ حسام مفزوعا .. بسبب نشيجها المكتوم .. كان وجهها غارقا بالدموع .. وتطبق بإحدى يديها على فمها .. كي لا تفلت مزيدا من نشيجها .. بينما كان صدرها يتحرك بعنف ليتناغم مع بكاءها الحاد ..
مسح حسام تلك العبرات الساخنة بكلتا يديه .. وسألها والقلق ينطق في عيونه :
- نور .. ما بك ؟.
هزت نور رأسها بالنفي .. ثم حاولت أن تحدثه .. كان خوفها يزداد .. وهي ترى اللوعة تتزايد بداخله .. وشعرت بالخجل يكتنفها .. بماذا ستخبره الآن .. لكنها رغم ذلك نطقت بما تحس به :
- لقد مات عمار يا حسام .
تعقدت حاجبي حسام بتوتر بالغ .. وكأنه يحاول عصر دماغه ليتذكر عمار .. فتساءل بخوف بعد أن فشل في إنعاش ذاكرته :
- عمار .. عمار من ؟.
أشارت نور لتلك الرواية بين يديها وهي تعاود البكاء رغما عنها :
- بطل الرواية .
للحظه لم يستوعب حسام ما قالته .. ولكنه أطلق تنهيده راحة .. ثم راح يضحك عليها :
- لقد كدتِ أن تتسببين لي بجلطه .. صغيرتي .
وضعت نور يدها المرتجفة على خده وهي تزجره بخوف :
- ربي يحميك يا حسام .. لا تقل مثل هذا الكلام مره أخرى .
ابتسم لها حسام .. ثم اختطف تلك الرواية ليضعها جانبا .. وعاود نومه بعد أن احتضنها بحنان .. وراح يتخلل شعرها الطويل بأنامله الدافئة :
- هيا .. كفاك بكاءً .. وسهرا .. ينتظرنا يوم حافل بالغد .
راح قلبها ينبض من جديد .. لقربها منه .. كان حسام يتصرف بتلقائية شديدة :
- يجب أن أتأكد من نسبه دمائك .
- لما ؟.
- لان بروده جسدك هذه غير طبيعيه .
كان حسام محقا .. فلقد كانت نور بعكسه تمامه سريعا ما تتجمد .. ولكنها الآن تجد سببا آخرا غير جو لندن الشتوي .. يجعل البرودة تسري بداخلها .. لكن حسام لم يشعرها بالغرابة أبدا .. كما أنها سمعت نبضا يتسابق مع نبضات قلبها .. في حنايا ذلك الصدر العريض والذي يطوقها برفق ..
استيقظ حسام بالصباح ليجدها تجلس أمام المرآة وتسرح شعرها .. لم يشعر بها عندما أفاقت .. ظل مستلقيا بهدوء يتابع حركات المشط وتلك الأنامل الناعمة بين خصلات شعرها الأسود الطويل .. أحاسيس كثيرة تجتاحه بعنف عندما تقع عينيه عليها .. لطالما كانت أجمل فتاه .. فهي جميلة في كل شيء .. في أحاسيسها المرهفة .. في لطف تعاملها مع الآخرين .. وفي تلك البراءة التي تلون تقاسيم وجهها الجميل .. لطالما أحبها .. وأعجب بفكرها الواعي منذ صغرها .. ولكنه كان بارعا بإخفاء كل تلك المشاعر الفياضة .. التي يختزنها لهذه المحبوبة الرائعة .. ولطالما كانت سعادتها هي أقصى أمنياته .. فهو يشعر بالتمزق عندما يرى دمعه في عينيها ..
همت نور بعقص شعرها خلف رأسها بعد انتهاءها من تسريحه .. فاستوقفها حسام بصوته الدافئ والذي لا يزال النعاس مسيطرا عليه :
- اتركيه مفتوحا .
انتفضت نور بعد أن باغثها صوته .. ثم أفلتت خصلات شعرها .. وحولت نظرها نحوه مبتسمة .. كان مستلقيا على بطنه بخمول .. فراحت تشاكسه :
- هل انتقلت لك عدوى الكسل ؟.
لم يتجاوب حسام مع شقاوتها .. كان ينظر لها بتلك الطريقة الحالمة والتي تهز كيانها.. أشار لها كي تجلس بجانبه .. فاقتربت منه بخضوع .. عدل من جلسته وراح يتخلل خصلاتها الناعمة بأنامله .. ثم استنشق ذلك العبير المنبعث منها .. كان سعيدا بتلك الحمرة التي بدأت تتسلل إلى وجنتيها :
- هل تتذكرين كيف كان شعرك في الصغر ؟.
لم تستطع نور كتمان ابتسامتها المرحة وهي تهز رأسها .. أردف حسام وابتسامه كبيره تغزو شفتيه :
- لقد كنت اسمع صوتك من ركن الحارة .. عندما كانت الخالة حياة تسرحه لك .
- نعم .. معك حق .. كان تسريحه هو الجحيم بعينه .
- لذلك كنتُ أخذك للحلاق كي يقصه لك مثل الأولاد .
- نعم .. أتذكر .. وكنتَ تصرف وقتا طويلا لإقناع أمي بذلك .
تشاركا الضحك .. ثم فجأة عاودت حسام نظراته المبهمة .. والتي تحرك بداخل نور أحاسيس عميقة لم تختبرها إلا بسبب هاتين العينين اللتان تكتنفان أسرارا تجهلها :
- أنا أكره أي شيء يسبب لك العذاب صغيرتي .
لاذت نور بالصمت .. فهنالك أحساس قوي بداخلها يشعرها بأن حسام يعني ما يقوله :
- انظري كيف صرتي الآن .. آية في الجمال .
لم تستطع نور الرد عليه بنفس تلقائيته .. وفضلت التركيز والسيطرة على أنفاسها المتلاحقة ..
ابتسم حسام عند رؤيتها تغالب خجلها .. ثم احتضن وجهها بين يديه .. وطبع قبلته الدافئة على جبينها .. ثم نهض بسرعة متجها نحو الحمام .. ليتركها تعاني التوتر وحدها .. وضعت نور يدها على صدرها .. وروعها ذلك الصوت النابض بعنف بين ضلوعها .. وكأنه يحاول تكسير ضلوعها ..
كيف يستطيع حسام بلمسه .. أو قبله بريئة .. أن يدفع كل حواسها نحو الجنون .. إنه يخلق بداخلها أحاسيس اكبر منها .. هل يتعمد فعل ذلك .. هل يحاول إشعارها بمشاعر أخرى تتجاوز الأخوة .. أم أنها تبالغ في ردود أفعالها .. شعرت بالضياع للحظة .. فهي لم تعد تفهم نفسها .. كما أنها ترفض التعلق بخيوط وهميه .. والقيام بترجمة خاطئة لاهتمام حسام المعتاد ..
في الخارج .. بدأ حسام يريها أماكن غاية في الجمال .. كانت تشعر بأنه احد أبناء تلك المدينة الراقية في حواريها .. والخلابة في طبيعتها .. لكن سرعان ما خنقها القلق عندما خطت أول خطوه في ذلك المشفى النظيف .. والذي تم تحديد موعد مع طبيب مختص بحالات الخُدار .. في غرفه الانتظار كانت تجلس شاردة تفكر باللاشيء .. وراح نبضها يعد الثواني معها .. عندما شعرت بكف دافئة تطوق يديها المتجمدتين والمتشابكتين فوق فخديها .. ابتسم لها حسام تلك الابتسامة الجذابة والمهدئة .. لم يحدثها بشيء ولكن حركة أنامله البطيئة فوق أناملها زادتها اضطرابا .. ولكنه ذلك الاضطراب اللذيذ والذي يشعرها بحرارة خجل تسري في عروقها لتشتعل في وجنتيها ملوحة بحيائها ..
خرجت تلك الممرضة الجميلة .. لتنادي باسم نور بطريقه ملتوية .. فتبعاها نحو غرفه الطبيب .. بث ذلك الوجه الأشيب البشوش الطمأنينة إلى صدرها .. وقبل أن يحدثها لمحت ابتسامه حنون بين شفتيها .. وكأنه والد حنون أكثر منه طبيبا .. استقبلهما بترحيب حار .. وكاد يحتضن حسام من شده فرحته .. عرفهما حسام ببعض .. وعلمت أنه كان احد أساتذة حسام في الجامعة .. شعرت نور بسعادة الطبيب عندما وجدها تتحدث اللغة الانجليزية .. فتكونت بينهما علاقة أبويه مثلما وصفته عند دخولها ..
توالت الأيام وهي غارقة في تلك الاختبارات والتحاليل .. والتي كان ذلك الحنان الذي يفيض من طبيبها يخفف عليها حدة مشاعرها .. كما أن تواجد حسام يشعرها بالأمان ..
أكد الطبيب ديفيد إصابة نور بمرض الخُدار .. شعرت نور بالكآبة عند سماعها ذلك الخبر الذي كانت تمني نفسها بتكذيب طبيبها الأشيب الحنون له .. ولكنها حمدت الله أخيرا على ذلك الاختبار الصعب ..
ذات مساء حدثها حسام عن ذلك العرض الذي تلقاه من الطبيب ديفيد بالنيابة عن إدارة المشفى .. لكي يعمل لديهم .. رغم اشتياق نور المتزايد لبلدها وأحبتها في اليمن .. إلا أن فكره الاستقرار في لندن راقتها .. خصوصا بعد أن أغلقت في وجهها كل أبواب الشك .. وصار مرضها حقيقة .. تجبر على التعايش معها .. كما أنها شعرت برغبة حسام للاستقرار في لندن .. ظل أياما شاردا قبل أن يحدثها .. مما جعلها تعرف صفات جديدة فيه .. فهو يصبح كثير الصمت .. عندما يشغله أمر ما .. تكفل هو بإبلاغ الأهل في اليمن بذلك القرار المفاجئ .. وطالب ببعث أوراق نور الجامعية فلقد أصر على إكمال داستها في جامعه لندن .. كما أن الخال صلاح قدم لهما مساعدات كثيرة .. وأرسل لحسام مالا إضافيا فوق ثمن سيارة حسام التي باعها له كي يشتري غيرها هنا ..
وبعد شهر تقريبا .. من وصولهما للندن صارا يستقران في بيت لطيف .. يطل على حديقة غناء .. تزينها أنواع الورود .. وكان هذا أهم الأسباب التي جعلت نور تتعلق بذلك البيت الأبيض الخلاب ..
كان يوم انتقالهما الأول للبيت بمثابة التعذيب لحسام .. فنور لم يرضها أبدا ترتيب أثاث البيت .. وغيرت في كثير من الحجرات .. ولكنه كان كذلك يوما ممتعا رغم ازدحامه بالمهام ..
----------------------
كانت الأيام تمر بروتين ممتع .. بدأت نور تألف ذلك الجو الأسري الذي يجمعها مع حسام .. صارت ربه منزل ممتازة .. بعد أن جعلت من حسام حقل لتجاربها المطبخية .. واستطاعت التوفيق بين مهام منزلها .. ودراستها الجامعية في ذلك البلد الغريب عنها ..
ذات صباح يوم سبت وهو يوم الإجازة الأسبوعية .. خرج حسام ليصلح الخلل في سيارته الجديدة .. وجلست نور تتفقد بريدها الإلكتروني .. وجدت عدة رسائل من صديقتها رهف .. كانت كل رسالة تصف شوق ولوعه لفراق صديقه الطفولة ورفيقه الصبا .. كانت نور تقرأ الرسائل ودموعها تتسابق على خديها .. فهي تشعر بنار تشتعل بصدرها عند تذكرها لرهف .. ولا تقوى على ترجمه ذلك الكم من الحب الذي تكنه لها .. فهي تشتاق لمجرد النظر إليها .. للحديث معها .. ولتلك الهالة المرحة التي تغمر بها كل من حولها ..
مسحت نور دموعها الحارة .. وراحت تطبع لصديقتها اسطر تنبض خلالها دقات شوقها :
" كلمات كثيرة ادخرتها .. في قلبي .. في وجداني ..
لأقولها لك وأنت ماثلة أمامي
حقيقة .. لا حلم .. أن تكوني أمامي
ولكن كلماتي بدت تافهة لا معنى لها
وقد كانت كبيره المعاني
نعم .. صديقه عمري
حلمت كثيرا بتقطع المسافات الطويلة
التي تفصل حلمي عن حلمك
حلمت بلقاء الأماني
ولكن .. كثيرا ما خدعتني أحلامي
نعم .. توأم روحي
ها أنا أراك أمامي حقيق لا حلم
ولكنه لقاء قصير .. فتلك المسافات تهيج خلف لقائي بك
لتفتك بحلم اللقاء
ولكني لا أنسى أبدا أن المسافات مهما كانت طوال
فهي قصيرة ما دامت هناك ذكرى
صديقتي .. لا تحزني لفراقي فهناك أمل .. وهناك لقاء
صديقتي .. حزنك يرقد أيضا في صدري
ولكني انظر إليه مترقبة الفرح
الم اقل لك أن وسط الغيوم دائما هنالك شعاع من نور .."
أرسلت نور كلماتها القليلة .. والمفعمة بالألم .. وراحت تمسح دموعها قبل أن تتوجه نحو النافذة لتشاهد حسام .. لم تكن تود أن تريه مزيدا من دموعها فلطالما رأت العذاب في عينه عند بكائها ..
كان حسام يرتدي بنطالا جنزيا قصيرا .. مع قميص رياضي .. ويلف حول السيارة ليتفقدها .. تسللت ابتسامه لطيفه إلى شفتي نور .. كان حسام في غاية الجاذبية رغم بساطه شكله .. وقفت تستمع له مرهفه الأحاسيس .. وهو يدندن بأغنية لم تسمعها من قبل .. كانت كلماتها تصل أذانها بلطف عبر ذلك الصوت الحنون الخافت ..
ما هي إلا لحظات .. حتى توقفت سيارة صغيره ذات لون وردي فاقع .. خرجت منها فتاه شقراء غربيه الملامح .. كانت جميلة ولكنه جمال بارد بعض الشيء .. أو هكذا رأتها نور ..
اندفعت الشابة الأجنبية نحو حسام .. وكأنها تهم باحتضانه .. شعرت نور في تلك اللحظة وكأن ملايين من الإبر تغرز في جميع أنحاء جسدها .. حتى أنها نسيت كيف تتنفس .. هل حقا ستجرؤ على احتضانه .. لكن الفتاه تراجعت ما أن أصبحت أمامه .. سلمت على حسام وبقت أناملهما متشابكة لفترة .. لم يخفى على نور لهفه تلك الشقراء .. ولمعة العشق في عينيها الزرقاوات .. سحب حسام يده بأدب .. ولكنه كان يبتسم لها بلطف أيضا .. كانت السعادة بادية على ملامحه هو الآخر .. كانا يتحدثان ببساطه .. وكأنهما يعرفان بعض دهرا من الزمن ..
تفجرت آلاف المشاعر والأحاسيس في كيان نور .. لم تعد تدرك شيئا .. ولم تجد تسميه لتلك الحرارة التي اجتاحت جسدها لتستقر في صدرها .. ولم تشعر بتعقد حاجبيها إلى عندما نظر حسام نحو البيت ولمحها ...
|