كاتب الموضوع :
هناء الوكيلي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
العواء الثامن
انقلب الحي رأسا على عقب، لم يستطع أحد من الساكنة تصديق ما حصل، لكنهم كالعادة
سيقفون بجانب بعضهم البعض، ويساندون صلاح في محنته..
بدت زهرة واجمة حينما أفاقت وهي تحاول جاهدة تذكر ما حصل..
لم تستطع حبس دموعها، ولا كتم صرخة الفقدان، وهي تنهار من جديد
حاولت جارتها عائشة أن تصبرها وتذكرها بذكر الله واحتساب الأجر، لتهدأ أخيرا
وحال لسانها يتمتم بدعوات لله عز وجل..
تقدم إليهم والدموع تمنعه من الرؤية أمامه، وقد اختلطت بدماء وجهه، كان الألم يعتصر
قلبه وتلك النظرات تلاحقه من كل صوب...
وبشفتين مرتعشتين همس لها:
-أمي..
لم تشعر زهرة بنفسها إلا وهي تبصق على وجهه، وبقوة أنهكتها المحن، ركلته بعيدا عنها
وهي تصرخ بصوت مشروخ:
-أغرب عني قلبي غضبان عليك ليوم الدين..
ودفنت وجهها بين يديها وهي تشيح به عنه
كان الألم يعتصر قلبه وهو يركع أمام قدميها يبللهما بقبلاته ودموعه متوسلا إياها:
-أمي أنا لم أفعل شيئا أقسم لك..
لم تكن زهرة في حالة تسمح لها بسماعه، فتوجهت إليه عائشة مشفقة على حاله وهي
تقول له:
-قم يا بني دعها الآن وبعد أن تتحسن يمكنك الحديث معها..
كان يشعر أن العالم أصبح أضيق حتى كاد يطبق أنفاسه، وبعجز حاول أن يتحدث أن يصرخ
بما يعتمل قلبه:
-أ قسم يا خالتي أنا لم أفعل شيئا لصلاح..أقسم لك
حاولت تهدئته رغم ما تشعر من غضب اتجاهه فالجميع يعلم انه كاذب، ربما قد ندم الآن
لكن ندمه أبدا لن يشفع له:
-حسنا حاول أن تعود بعد أن تهدأ الأمور..اذهب أرجوك الآن..فوجودك..يصعب الأمر أكثر
أحنى رأسه بيأس وهو يتطلع لوالدته وسمرا بجانبها،ثم قال:
-حسنا سأذهب..اعتني بهما أرجوك..
*******
-ماذا يا دكتور؟؟ ما بها ابنتي؟؟
-لا تنس لقد تعرضت لصدمة قوية، على العموم لقد أعطيتها مهدئا، ووصفت لها هنا بعض
الأدوية'منحه وصفة الدواء' ستنام للصباح بعدها ارجوا أن تحاول أن تتحدث إليها بهدوء..
-حسنا أشكرك كثيرا
-هذا واجب..
بعدما دفع أجرة الطبيب دخل لغرفة ليلى ابنته الوحيدة، وهي نائمة بهدوء تبدو كالملاك..
كانت حالتها صعبة جدا، لم يسبق له أن رآها هكذا حتى حينما توفت والدتها، في ذلك
الحادث المروع..
لم ينس وقتها كيف ضمته ليلى بصمت، وهي تقول:
-لقد قتلوا أمي..
ربما لم يكن قتلا كما اعتبرته المحكمة أيضا، لكن ما ألمني كثيرا وقتها هو استهتار السائق
فلو توقف لحظتها وحملها للمستشفى على الأقل لبردت ناري، لكنه تركها هناك تعاني ألمها
وحدها، بدون شفقة ولا رحمة..
وهاهي ابنتي الآن تجرع من نفس الكأس، لكني لن أتخلى عنها أبدا، سأخلصها من هذا
العذاب لن أسمح بأن تستمر هذه الزيجة مهما كلفني الأمر..
لم تشرق شمس ذلك الصباح إلا بعدما كان سيقتلهم الانتظار، حينما فتحت ليلى عينيها بثقل
أخيرا، كانت الدموع تبلل رموشها وقد اختلطت بالكحل، لم تستطع أن تنهض فسارع والدها
إليها لتضمه بصمت وهي تبكي..
صمتها كان يقتله..لم تنطق بكلمة أبدا، ليتها صرخت أو كسرت أي شيء أمامها لكنها أبت
أن تقول شيئا أو تريح والدها..
********
اليوم سيمر صلاح أمام المحكمة
وحينما أعلنت الساعة العاشرة، صباحا كان الجميع يجتمع حول المحامي الذي وكله السيد
البشير لصلاح..
كان يحاول أن يطمئن الجميع، وهو يتطلع إلى تلك الأوراق..
-اسمعي سيدتي سأحاول أن أقوم بوسعي..لا أستطيع أن أعدك بشيء
لأول مرة يشعر خالد بعجزه، وبالضعف والخوف..
هو يستمد قوته من وجود صلاح بجانبه، كيف يستطيع العيش بدونه؟؟
كيف يستطيع الاستمرار وهو يعلم جيدا أن صلاح يقبع في زنزانة متعفنة، يقضي سنينه
بين جدرانها بسبب جنحة لم يرتكبها..
كانت قضية صلاح هي القضية الثالثة ذلك الصباح، والتي لم يتم نطق الحكم فيها إلا الثانية
بعد الزوال،لتقرر المحكمة بعد الاطلاع على كل الأوراق والاستماع لشهود الإثبات وكذا
شهود النفي..وإلى أقوال المتهم الذي أصر على النفي طوال فترة استنطاقه، الحكم عليه
بسنتين نافذة..
أكدت محكمة الاستئناف الحكم الأول على صلاح وبالتالي فقد الأمل في رؤية النور قبل
سنتين...
لم يقل شيئا، بدا هادئا كعادته، وهو ينظر لليلى التي كان جسدها يهتز ودموعها تنزل
بهدوء..كهدوء أنفاسه وهو يتطلع إلى تلك الزوجة التي أحب ولم يكن القدر في صفه حتى
يعترف لها بكل ما يختلج صدره..
ضم خالد الذي اعترض طريق الضابطين
لم يشعر بمدى حبه لهذا الصديق إلا الآن، وهو يعلم أنه لن يستمع لمشاكساته، لسنتين..
كم تبدو بعيدة جدا...
فقضاء عشر سنوات في السجن ظالما، أهون من قضاء يوم واحد مظلوما..
عاد الجميع ذلك الصباح، إلى منازلهم كل يحمل ألمه..
ليلى تبكي فقد الزوج الذي لم تتمنى طوال حياتها سواه..
سمرا تبكي الأخ الذي كان سندا وظهرا لها..
خالد يبكي الأخ الذي فقد والحبيبة التي لم يضعف قلبه سوى حبها، وهاهي الآن تحقره
وتلومه على كل الذي حصل..
أما زهرة فبكت ولديها معا صلاح الذي ذهب ضحية أنانية أخيه، وأنور الذي ذهب ضحية
نفسه الأمارة بالسوء..
ليس هناك ما يوجع القلب أكثر من فقد الولد...
لا بد أني أخطأت في شيء ما، مع أنور حتى حولت ابني لوحش يستطيع أن يدمر أخاه
بدون شفقة ولا رحمة..
كنت اعلم جيدا أن أنور يكره صلاح، لم تكن الأمور غيرة فقط لكني لم أتصور قط أنه
يستطيع أن يفعل شيئا كهذا..
كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحا حينما أفاق الحي على صرخات أنور، وهو يقذف
بقوارير الخمر بعدما حشا عقله بكمية كبيرة من الحشيش الذي جاءه هدية من صديق له
في كتامة..لم يكن يستطيع أبدا الوقوف على قدميه وهو يترنح من شدة الثمالة طارقا باب
المنزل بقوة:
-أمي أرجوك افتحي الباب..افتحي يا سمرا أنا لم أفعل شيئا..أقسم أني جئت لأودعكم ليلتها
فقط..
حاولت سمرا أن تسرع إليه وتفتح الباب، لكن والدتها منعتها:
-دعيه لقد تبرأت منه وصرخت 'بأعلى صوتها حتى يتسنى له سماعها'هل تسمع يا أنور
قلبي بريئ منك إلى يوم الدين..
لم يكن يبدو عليه سماعها وهو يضرب رأسه بالباب ووسط دموعه الحارقة يقول:
-أمي أقسم لك لم أفعل شيئا لصلاح..
ظل يردد هذه الجملة وهو يضرب رأسه بحائط المنزل حتى أشرقت شمس الصباح
ليطل السيد البشير وهو يحاول الخروج لعمله، فوجده نائما على الأرض..حركه قليلا وهو
يقول بشفقة كبيرة:
-يا إلهي يا أنور لقد تبولت على نفسك..انهض يا بني هيا..
لكنه كان بلا حياة..أطرافه باردة جدا وقد اكتستها زرقة الموت..
ودماء غزيرة تسيل من رأسه، ارتعش قلب البشير لذلك المنظر الرهيب..
وهو يحمل هاتفه النقال ليتصل بالشرطة..
بعدها طرق باب السيدة زهرة، لينقل لها الخبر..
أسرعت لولدها البكر، تتلمسه بيديها المرتعشتين، كاتمة أنفاسها، وتلك الغصة تحرق
حنجرتها، ألن تراه بعد الآن؟؟ ألن تخبره أنها تحبه وأنها ما كانت لتتبرأ منه مهما فعل،
أيحرق كبدها عليه لهذه الدرجة؟؟ ألن تستطيع أن شعر بوجوده في حياتها بعد اليوم؟؟
-قم يا أنور، لا تدعي ذلك..أعلم أنها إحدى خدعك، حتى أسامحك..
انهض يا بني لقد سامحتك..انهض يا حبيبي..
حاول السيد البشير أن يقترب منها وهو يهمس لها من بين دموعه:
-هيا يا زهرة لقد مات..
شهقت وهي تحاول عبثا أن تكتم تلك الصرخة التي فرت منها،نافية قوله بهستيرية:
-لا لا تقل ذلك إنه ابني وأنا أعرفه..إنه يدعي ذلك فقط حتى يجعلني أسامحه لطالما ادعى
ذلك وهو صغير..أجل لطالما فعلها..وإلا أي ذنب هذا الذي فعلته حتى أعاقب بهذا الشكل..
-هس لا تقولي ذلك استغفري ربك..لله ما أعطى ولله ما أخذ..
حاولت عائشة أن تهدئها وبسكون ضمتها وهي ترى سيارة الاسعاف تحمل جثة أنور
ذلك الابن البكر الذي ربته زهرة وقضت حياتها تحاول أن تجعله غنسانا صالحا، لم يكن
كذلك أبدا هي لاتعلم كيف أصبح على هذا النحو لكن ماتعلمه جيدا انه لم يكن كذلك..
ألقت سمرا ببعينيها بعيدا عن خالد الذي كان يجهز لمراسم الدفن، لتقترب منها ليلى
وهي تهمس بخفوت:
-هل ستخبرون صلاح؟؟
التفت إليها سمرا والدموع تتحجر بعينيها، لتمسح العرق المتصبب من جبهتها وهي تتنهد
قائلة:
-لست أدري لكن أعتقد أنه عليه أن يعلم بذلك..وغطت وجهها بيديها ويه تقول بصوت
مخنوق"لم يعد لنا احد يا ليلى ..
قاطها صوت خالد الذي وهو يتقدم إليها بخطوات سريعة:
-كيف تقولين ذلك ياسمرا، وأنا أين ذهبت..؟؟
أشاحت بوجهها بغضب وهي تقول من بين أسنانها:
-فلتذهب للجحيم..
شهقت ليلى شهقة خوف فمامن احد يجرؤ لقول مثل هذا للذئب، وينجوا
هذه المرة طفح الكيل ولن يتحملها أبدا:
-اسمعي ياسمرا ليس لدي الوقت لهذا عليك أن تعلمي انه لست أنت من يقرر ذلك
كانت تنظر إلي عينيه الغاضبتين، بينما ليلى تحاول تهدئتها وهي تربت على ذراعيها
بلطف.
بعدما لم يصله ردها..التفت إلى مصطفى وهو يمنحه المال للبدء بمراسم الجنازة...
لو لم يكن الواجب لما دفع فلسا واحدا في جنازته، لم اقترفه في حق أخيه..
لكن نفسه لن تطاوعه على التخلي عن مساعدة أهله..
نفس العادات ونفس التقاليد المتبعة في أحيائهم، وكما أقيمت جنازة أبو سكة سابقا
هاهي جنازة أنور كذلك..
أخيرا هدأ الحي إلا من صوت القطط، وصراخ ذلك السكير الذي يتشاجر كل ليلة مع عجوز
بالحي..
عاد خالد متاخرا كعادته من المقهى، وهو يجر رجليه بتثاقل، يعيد ذكر تعرفه بصلاح
وكيف كان يشتاق لمعانقته، حينما حمل نفسه من الدار البيضاء ليحط الرحال هنا بمدينته
الصغيرة حيث ولد في نفس الحي ، الحي الذي لايعترف بالقوانين..كل يصنع قانونه الخاص
بقوته..
كانت قوته التي منحه الله إياها أحد اهم الأسباب في بقائه حيا، حتى هذه الساعة، وحماية
صلاح هي الدافع الوحيد لاستمراره في هذه الحياة..
كم تاق إليه وإلى تلك الأيام التي كانا يقضيانها بالجبل، كل نهاية أسبوع..
لقد مرت الأيام بسرعة كبيرة، حتى لم نشعر بها أبدا..
لم اكن أتوقع انا صلاح بهذه القوة أبدا، خصوصا بعدما كنت اسمع انه يتعرض للضرب
دائما، وان من يدافع عنه هو انور، حينها فقط أقسمت الا يصيبه مكروه طالما انا حي
أرزق، وساحافظ على عهدي ماحييت..
وها انا اليوم اعيش أيامي بدون أن أسمع خطاه بجانبي..
ليتك تتعفن في قبرك يا أنور ..
قاطع حبل أفكاره بكر الذي اوقف سيارته وترجل منها بهدوء..
ماالذي جاء به في هذا الوقت؟؟؟
وكأن بكر قرأ افكار خالد، حينما قال بصوت هادئ:
-هل قرات الجرائد اليوم؟؟
عقد خالد ذراعيه القوية ببعض، وتلك النظرة الكسولة تكتسي عينيه، وابتسامة ساخرة
تكاد تنفلت منه :
-هل تكبدت كل هذا العناء لتسأني؟؟
تأفف بكر بعصبية وهو يقول متجاهلا سؤال خالد الساخر:
-لقد كتبت الصحافة عن تزايد الموت الغريب في عدد كبير من المملكة هذه الأشهر القليلة
وهي تعزو ذلك لتعاطي المخدرات..
اقترب منه خالد حتى يستنى له سماعه، فالحشيش هذه الليلة كان ثقيلا وقد شعر بأنه عطل
أجهزة السمع له..ثم قال بتثاقل:
-هل هناك مايدعوا الشك؟؟
مرر بكر يديه المرتعشة على شعره الأسود وهو يجيبه:
-لست أدري لكن اليوم وانا أقرأ الاحصاء الذي قامت به إحدى الصحفيات، لا حظت ان
الضحايا هم من فئة عمرية متقاربة حيث اغلبهم شباب أو أطفال كما من بيئة متقاربة جدا..
الطبقة الكديحة او المتوسطة..
يكاد خالد يجزم انه لم يفهم الكثير مما قاله بكر، ليس لأنه يفتقر للعلم، لكن تلك الكمية الي
شرب اليوم كانت كافية لتجعله يبدو كالأطرش في الزفة..لكنه حاول مسايرته حتى لا يبدو
بمنظر الغبي أمامه..
-حسنا سأحاول أن أبحث في الموضوع انا أيضا غدا بحول الله..
-حسنا..
ظل كل منهما ينظر لنقطة ما من الفضاء، قبل أن يتساءل بكر :
-كيف حال سمرا؟؟
تغير لون خالد فجأة رغم أنه حاول ألا يظهر ذلك وهو يتنحنح قليلا ليقول في اختصار:
-بخير..
لم يبد على بكر أنه لاحظ تغير ملامح خالد، حيث انه تابع يقول:
-مسكينة هذه الفتاة كيف ستتحمل كل هذه المعاناة؟
تجاوزه خالد ببضع خطوات فلحق به بكر وهو يسأله:
-ما بك خالد؟؟
تنهد ببطء وهو يجيب بشرود:
-لا شيء..لاشيء يا بكر
ظلا معا تلك الليلة مطولا، يتحدثان في كل شيء، حكى له بكر عن علاقته بعفاف ثم عن
والده وكيف عاش طفولته، كان خالد يستمع إليه بهدوء، وبكر يثني على والده رحمه الله
وكيف انه رباه جيدا، وعلمه، وكيف كان طيبا شخصا يقتدى به..
تمنى لو أن له ابنا، يستطيع أن يتحدث عنه كما يتحدث بكر عن والده..
وابتسم لذلك الحلم الجميل..
-هل تحب الأطفال؟؟
ندمت على طرح هذا السؤال الذي بدا لها غبيا، وهي ترى تلك الدموع لأول مرة تتحجر
بعيونه، لكن لم يبق على المرافعة سوى عشرة أيام، وملفها غير جاهز بعد، ويبدو أن
الذئب غير مستوعب لهذا، ففي كل جلسة معه، يبدأ بالسرد دون توقف، حتى تنسى نفسها
وسط ذلك التشويق الذي يغلف الرواية، لو أنها لا تعرفه ولم تقرأ عنه، والأكثر من هذا
اقتربت من لحظات صدقه لقالت انه يتعمد فن التشويق في حديثه، ككاتب رواية يسعى
لجذب القارئ..
تراجعت للوراء وهي تمسح نظارتها الطبية، منتظرة كعادتها أن يمن عليها بالجواب..
والذي كالعادة يكون مقطعا من روايته التي يسردها على مسامعها..
تقاسيم وجهه توحي بالقوة، لا تدري هي لا تحب أن تنجرف بأي مشاعر خاصة اتجاهه
لكن وجهه يجبرها على ذلك، وهدوئه يحثها على طرح ألف سؤال..
لكنها لا تجرؤ ذلك على الأقل الآن..
-أحببتها كثيرا، فوق تصور أي مخلوق، لم أكن اعلم أني أحبها بهذا الشكل إلا حينما رأيتها
جثة هامدة أمام عيناي..
التفت حول الغرفة بعينيه، كاتما أنفاسه داخل حنجرته لبرهة قبل أن يطردها من فمه...
ليتابع بلامبالاة:
-أحب الأطفال كثيرا، وكنت أتمنى فعلا أن يكون لي طفل منها..
تأملته منى مطولا وهي تتساءل في قرارة نفسها، كيف كان سيكون ابنه، لو كتب له
الحياة؟؟؟
وأخيرا تساءل ببلاهة:
-هل أستطيع المتابعة؟؟
ابتسمت له بعذوبة وهي تومئ برأسها إيجابا..
ليتابع بنفس ذلك الهدوء، والصمت الذي يلف المكان إلا من طقطة أصابعه على الطاولة،
في ذلك الصباح التقى الجميع أمام مركز السجن، لزيارة صلاح، بدا هادئا بنفس ذلك
الهدوء المعتاد، وأنيقا جدا عكس كل أولئك السجناء الذين معه، سارع إلى خالد وهو يبتسم
له ببطء رغم ذلك الحزن الذي لف عينيه إلا انه كان يصر على عدم إظهار ذلك خصوصا
لسمرا..التي تعلقت بيديه تلثمهما بقبلاتها، وتلك الدموع تلفهما..
تساءل با ارتباك:
-أين والدتي ألم تأتي؟؟
أحنت سمرا رأسها بحزن وهي تجيبه من بين دموعها:
-لقد توفي أنور..
للوهلة الأولى اعتقد أنها ستقول أن والدته توفيت، نقل بصره بينها وبين خالد الذي كان
يعقد ذراعيه، على صدره، ثم عاد ليتساءل في شك:
-أنور مات؟؟ لم؟؟ أقصد كيف ذلك؟؟
-لا نعلم لكنه ليلتها جاء إلينا وهو يبكي، طالبا أن يقابل والدتنا، لكنها رفضت ذلك..
وغطت وجهها بيدها حتى تخفي تلك الدموع..
مرر يديه المرتعشة بين خصلات شعره الأسود، وهو ينظر لخالد بعجز قبل أن يحاول تهدئة
سمرا:
-حسنا لا تبك تعلمين أني لا أتحمل دموعك..فليغفر له الله..
مرت الزيارة بشكل سريع، حاول خلالها أن يسأل عن الجميع، وعن ليلى التي علم أنها لم
تستطع المجيء...
يعرفها جيدا لن تستطيع تحمل رؤيته في هذا الوضع..
كان الأمر موحشا جدا، أن تشعر أنك مقيد كل الأشياء تتغير من حولك بسرعة كبيرة وأنت
لا تستطيع أبدا أن تفعل شيئا..
-كيف حالك يا صلاح؟؟
رفع رأسه وهو يمسح ذلك العرق المتصبب من جبهته كما الندى وهو يجيب بابتسامة
خافتة:
-بخير يا سيد ابراهيم..
ربت على كتفه وهو يجيبه بمرح:
-ألم أخبرك أننا هنا متساوون؟؟
-أوووه لا وهل يعلى الحاجب على العين يا سيدي..
هذه المرة كان جوابه يحمل مغزى كبيرا لم يستطع صلاح تفسيره أبدا:
-أجل في بعض الأحيان يعلو.. يا صلاح
ابتسم له بارتباك ثم أخذ مكانا بجانبه ليرتاح من عناء الحفر، مظللا جسده القوي ، تحت
إحدى الأشجار الموجودة بالساحة الواسعة حيث يعمل كل السجناء على حفر أرضها..
ثم قال بهدوء:
-اخبرني كيف وصلت إلى هنا يا سيد ابراهيم؟؟ في تلك الليلة التي أيقظتني فيها لم أستطع
أن أصدق أنك حي ترزق وبالضبط في هذا المكان..
علت ضحكة ابراهيم وهو ينفث دخان سيجارته في الهواء قائلا بسخرية:
-إنه القدر يا بني نفس القدر الذي حملك إلى هنا..
أجاب بسخط:
-إنه أخي يا سيدي هو من حملني إلى هنا..
اتكأ ابراهيم على تلك الشجرة الكبيرة، التي تتوسط تلك الساحة، وهو يتأمل وجه صلاح
وكأنه يرى فيه ماعجز عن رؤيته في نفسه..
ارتبك صلاح من نظراته، ثم تمتم بخفوت قائلا:
-لكن أخبرني يا سيد ابراهيم، ماهي حكايتك؟؟
ابتسم له العجوز وهو يعيد تلك الذكرى الأليمة، حينما كان عائدا من العمل، ليلتها كان
يشرف على الشحنة التي وصلت لتوها من اسبانيا، وذلك اليوم أيضا اتصل به أحد الجيران
يخبره أن زوجته أنجبت طفلا والحمد لله صحتها جيدة..
لم يكن يستطيع أحد ان يصف تلك السعادة التي شعر بها يومها، وهو قادم بشوق
للمستشفى حاملا باقة من الورد، مختارة بعناية وكيسا من الفاكهة الطازجة مما تحب
زوجته، وفجأة توقفه الشرطة طالبة تفتيش الكيس، لم يدرك سبب ذلك حتى أخرج أحد
الشرطيين أكياسا صغيرة شفافة، بها مسحوق أبيض سرعان ما عرفها ابراهيم، إنها
الهروين كان مصطفا بعناية، تحت الفاكهة..بعض البرتقال والموز والأجاص وأدرك اللعبة
القدرة التي قاموا بها، حتى يخرسوا لسانه..لكنه أبدا لن يسكت على حقه..وسينتقم منهم
بدأت الأمور تسير ببطء بعد ذلك، كل الأيام تتشابه على صلاح حتى أصبحت سيان بالنسبة
له، لم يعد يعرف بداية الأسبوع من نهايتها، حتى يفاجأ بزيارة له ليعرف أنه يوم الأربعاء..
غالبا ما يزوره خالد..وبكر وسمرا..وأحيانا قليلة تأتي زهرة، بخطواتها الثقيلة تصارع
الزمن للبقاء..أنهكها المرض، وصحتها بدأت تتدهور شيئا فشيئا..
لكن ليلى لم تزره يوما، مل من السؤال عليها حتى لم يعد يتساءل بعدما كان يلمح نظرة
التردد في عيون كل من يزوره، كثيرا ما كان والدها يزوره كل خميس، مستغلا معارفه
لزيارته..
لكنه لم يخبره يوما عنها، اشتاق لسماع صوتها..وتلك الحركة التي تقوم بها دافعة شعرها
الأشقر وراء أذنيها، كلما شعرت بالخجل..
لم يكن خالد يشعر بالراحة من وجود بكر، المستمر معهما وزيارته المستمرة لبيت سمرا،
وتقديم المساعدة لهما..والأدهى أنها كانت ترفض الحديث مع خالد، ومساعداته أيضا..في
حين تبدو أكثر سعادة وهي تتحدث إلى بكر..
هل هي الغيرة يا خالد؟؟
لست أدري لكني أشعر بشعور غريب، يتملكني كلما رأيت نظراتها إليه، أو حديثها معه..
أنهت اتصالها وكالعادة ضمت الهاتف إلى صدرها، فباغتتها والدتها وهي تقول:
-هل بكر من تحدث إليك يا سمرا؟؟
ارتبكت..هل أصبحت مشاعرها مفضوحة هكذا؟؟
-أجل يا أمي يسأل إن كنا نحتاج لشيء
تنهدت الوالدة بارتياح وهي تقول:
-انه ابن حلال يا سمرا..
تخضبت وجنتاها خجلا وهي تؤكد كلام والدتها:
-اجل يا أمي انه طيب..
توجهت الوالدة إلى لحافها الذي يتوسط البهو، وتمددت كالعادة كلما شعرت بالتعب لتلحق
بها سمرا، واضعة رأسها على قدمي والدتها وهي تمرر يديها برفق عليهما وتقول بحب:
-أمي؟؟
أجابت بصوت ضعيف:
-نعم يا سمرا
-هل تعلمين بكر شخص طيب، منذ وفاة أنور، ودخول صلاح للسجن لم يتركنا لحظة واحدة
-أجل إنه طيب..
-هل تعلمين أعتقد أنه لم يعد يتذكر عفاف تلك.."استدركت قولها بسرعة" أقصد رحمها
الله طبعا..لكنه لم يعد يأتي على ذكرها..حتى انها لم تعد تطفو على عينيه..
ابتسمت زهرة وهي تنصت لابنتها الوحيدة ثم تساءلت بضعف كبير:
-وكيف كانت تطفو على عينيه؟؟
هزت كتفيها دلالة جهلها ثم قبلت قدم والدتها بحب..بينما كانت زهرة كعادتها تمرر أصابعها
على شعر سمرا ..هي عادة تحبها سمرا كثيرا، منذ صغرها..
-لست أدري لكني دائما كنت أشعر بوجودها معنا، دائما ماكنت أرى صورتها في عينيه
رغم أني لم أرها يوما..لكنها كانت موجودة..
-يوما ما ستجدين رجلا يحبك بجنون..يا سمرا
ابتسمت سمرا بغنج، وهي تتساءل:
-كحب صلاح لي؟؟
ضحكت والدتها بتثاقل وهي تجيب:
-حب صلاح مختلف جدا..لكني أتحدث عن الحب الذي..
قاطعتها سمرا وهي تجيب:
-أجل يا أمي أعرف ما تقصدين لكني لا اعتقد أن هناك من سيحبني أكثر من صلاح..
تنهدت الوالدة وهي تجيبها:
-أدام الله حبكما يا ابنتي..
-آمين..لكن ليلى لا تستحقه..أبدا..رفضت أن تلتقي به..لقد أخبرتني أنها لا تريد رؤيته أبدا
لقد صدقت أنه قد يفعل شيئا كهذا..
إنها جاحدة..حسنا دع الخلق للخالق..أمي؟؟
لم توقفت عن تخليل شعري..أتعبت بهذه السرعة؟؟
لم يصلها رد من والدتها..فضحكت وهي ترفع رأسها متصنعة الغضب:
-هل نمت كالعادة وأنا أتحدث إليك؟؟
كان رأس زهرة كعادتها وهي نائمة مسندا على الحائط، وكعادة سمرا..رفعته قليلا..
حتى تريحه على الوسادة..لكنها هذه المرة شعرت بثقل جسدها..وبرودته..شعرت بدقات
قلبها تتسارع وهي تحرك جسد والدتها النحيل المنهك..
بعد مدة قليلة، بعدما استطاعت سمرا أن تدرك ما حصل لوالدتها...
تسارع الجيران إليها حينما هزت صرختها أركان الحي..
في أقل من شهر واحد، يسجن صلاح، ويموت أنور وهاهي زهرة الآن..تفارق الحياة تاركة
سمرا وحيدة..تصارع الحياة..وصلاح يتخبط داخل أسوار السجن..مقيد اليدين..
تركت سمرا محط كل ذئب بشري قد يطمع في وحدتها..وقلة حيلتها..وتركت صلاح ذاك
الشاب الذي كان يعيش تحت ظلها..
لم تستطع زهرة تحمل موت ابنها وهو يعتقد أنها بريئة منه، فرحلت حاملة معها سرها
الوحيد..رحلت قبل أن تعترف بما كان يكتم أنفاسها..
كانت عقارب الساعة تتحرك في أرجاء الكون كله، إلا على صلاح وسمرا..كل منهما يشعر
أن الوقت ضده..أعلن انسحابه من ساحتهما..
الآن لم يعد شيء يشغله سوى سمرا..
كيف ستعيش؟؟ من سيحميها بعده؟؟
أجل يا صلاح لقد حان الوقت لفعل هذا..
لن تجد أنسب منه، زوجا لها..يحمها..ويخاف عليها..
لطالما شعرت بحبه الدفين لها..لكنه كان يبعد نفسه عن عالمها، حتى لا يخاطر بتلك
المشاعر وصداقتكما..
ظل صلاح طوال الشهر الذي مر وهو يفكر في الموضوع وفي كل مرة يحاول فتحه مع
سمرا..
التي كانت تحاول دائما أن تخفي معاناتها..لكنه كان يغير رأيه، ويلبس الصمت..
بعدما انتهت ذكرى الأربعين لوفاة والدته..كان يعلم جيدا أن البيت سيخلو على سمرا..
وستشعر بالخوف الشديد..وحدها..بالبيت..فكان عليه أن يأخذ قراره..
وجاء يوم الأربعاء..ذلك الصباح ولأول مرة يتخلف خالد عن الحضور..لتلتقي سمرا ببكر..
الذي أوقفها أمام باب السجن قبل أن يدخلا معا..
-سمرا..هلي أن أتحدث إليك..؟؟
ارتعشت سمرا وهي تخفض رأسها ربما كانت تشعر بما سيخبره بها، وربما لان ذلك هو ما
كانت تتمناه دائما منذ أن سمعت صوته وهو يعترف لعفاف بحبه، ربما هو ضرب من
الجنون لكنها تمنت فعلا لو كانت الكلمة موجهة لها..
أخيرا استطاعت أن تجيب بعدما بللت شفتيها بلسانها:
-أجل يا بكر أنا أسمعك..
لم يعرف في البداية بكر كيف سيخبر سمرا، قد تكون والدته شجعته كثيرا، فمنذ أن رأت
سمرا في جنازة أنور وهي تثني على أخلاقها وجمالها الهادئ..
كما لا ينكر أنها وفي مدة وجيزة استطاعت أن تحتل مكانة كبيرة بقلبه، ولن تكون هناك
زوجة أنسب له منها..رغم كل الظروف والفوارق بينهما..
تنحنحت قليلا ربما كي تحثه على الكلام أو ربما لأنها شعرت بالحرج من صمته..
-لقد أردت أن أطلب يديك من صلاح..لكني قلت لنفسي ربما يكون لك رأي آخر..
سأكون ممتنا لو سمعته منك..
لا تنكر أن الخبر أسعدها كثيرا، لكنها كانت تتوقع أن يكون أكثر رومانسية، لا تدري..
كان يركع أمامها ويفتح لها علبة مخملية، بها خاتم ماسي كما الأفلام الغربية القديمة.
.
لكن أن يطلب يدها بهذا الشكل وأمام باب السجن يبدو أنه فأل سيء للغاية..
يا لغبائك يا سمرا..ألم يكن هذا حلمك؟؟ والآن تنتقدين كل شيء فقط لتفسدي هذه
اللحظات..
أخرست ذلك الشيطان الأحمق الذي يحدثها، ثم أخفضت رأسها هذه المرة حياءاُ
صاحبه ابتسامة طفيفة رسمت على حواف شفتيها الزهرية..
وهي تجيبه:
-أعتقد أن رأيي لن يختلف عن رأي صلاح..
حك شعره وهو سعيد بإنهاء نصف المهمة، فطبعا صلاح لن يرفض بكر عريسا لأخته..
أجابها والابتسامة تزين ملامحه الوسيمة:
-حسنا فلندخل ونعرف رأيه الآن...
كان خالد أول من يسأل عنه صلاح هذه المرة، فأخبرته سمرا بانزعاج انه تخلف عن
موعده لهما..هذا الصباح..وتذمرت من تصرفه لأنها اضطرت للمجيء وحدها..
تنهدت وهي تقول بغضب:
-لست ادري أين أصبح يذهب هذا الرجل..
قطب صلاح حاجبيه وهو يغمز بكر الذي كان كعادته بنفس ذلك الهدوء ينظر إليهما..
في حين تساءل صلاح بخبث:
-هل هي غيرة ياسمرا؟؟
شعر بكر بدوار بمعدته، وهو يسرع بنظرات متشككة لسمرا، التي هداته وهي تنفي قول
صلاح باستغراب واضح:
-غيرة؟؟ هل جننت؟؟ ولم أغار فأمره لا يعنيني..
امسك صلاح يديها وهو يقبلهما بحب، قائلا بصوت منخفض ودافئ:
-سمرا يجب أن يهمك أمره من الآن فصاعدا..
ارتجفت سمرا وقد شعرت فجأة بالبرد، وهي تتساءل:
-صلاح خالد ليس طفلا صغيرا يحتاج لمن يهتم لأمره، يستطيع أن يتزوج ونرتاح منه..
وأطلقت ضحكتها وهي تفكر في هذه التعيسة التي ستتزوج خالد..
كان الله في عونها..
لم تستطع منع نفسها من موجة الضحك الهستيري الذي أصابها، وهي تتخيل خالد يجر
زوجته المسكينة وراءه، في حين يستعرض هو عضلاته بالحي...
قاطع صلاح حبل أفكارها وهو يقول بنبرة تحمل مغزى كبير..
-لقد حان الوقت لزواجك يا سمرا...
علت ابتسامتها وهي تنظر بنصف عين لبكر، الذي كان يتأهب للحديث لولا أن صلاح تابع
يقول:
-لن تجدي أنسب من خالد يرعاك يا سمرا..
تراجعت بضع خطوات للوراء، وهي تعيد كلماته في ذهول:
-لن أجد انسب من خالد؟؟
بلى يا أخي وجدت انسب منه بكثير..
ظلت هذه الجملة تتردد في صدرها، لكنها لم تستطع أن تخرجها..
ربما لأنها لاحظت صمت خالد المطبق، وعجزه عن الدفاع عنها..أو ربما لأنها
لا تستطيع أن ترفض طلبا لصلاح..
لم تشعر بنفسها إلا وهي تقبل يد صلاح والدموع تنهمر من عينيها لتحرق وجنتيها كما
حرق قلبها:
-أرجوك صلاح..لا تفعل بي هذا..أقسم أنك ستقتلني..
مسح على شعرها الأسود، وهو يجيبها بحنانه:
-لا يا سمرا صدقيني ذلك أفضل لك..
مسحت دموعها وهي تتساءل في حنق:
-أفضل لي ؟؟
-خالد سيحميك يا سمرا..
-خالد سيدمرني..ستدمرانني يا صلاح.. بهذه الزيجة..
يعرف نفسه جيدا لن يتحمل رؤيتها تبكي بهذا الشكل الفظيع، لذلك كان عليه أن يحسم أمره
وهو يقول بنبرة حازمة، تدرك سمرا أنه لا مجال للتراجع فيها...
-سيكون عقد القران إن شاء الله يوم الخميس..
لم ينطق بكر بكلمة واحدة، ظل يعتصر ذلك الألم لوحده ويتخبط بين مشاعره، وما يراه
صلاح مناسبا لأخته..
أما سمرا فقد شل لسانها، ليس لما أمرها به صلاح فقط، بل لأن الشخص الذي أحبته
لم يستحقها، لم يستطع حتى أن يدافع عنها..وعن حبهما..
أخيرا تمتمت في خضوع:
-حسنا يا أخي...
********
لم تكن سمرا في مزاج لسماع بكر وتبريراته، فلم تشعر بنفسها إلا وهي تومئ له بالصمت
فلبى طلبها، كانت تبدو غاضبة ودموعها تسبقها، يا لسخرية القدر...
سينتهي بي المطاف زوجة للذئب..
سأقضي حياتي بين هلع أن تلقي الشرطة القبض عليه، أو تنهي حياته رصاصة طائشة
من عصابات المخدرات..أو ربما سأتبعه في كل سجون المملكة، حاملة له سلل الأكل..
أهذا هو الزوج المناسب يا أخي لي؟؟
أهذا من تعتقد أنه سيحميني؟؟
قاطع تساؤلاتها بكر وهو يقول:
-سمرا أنا آسف..
رمقته بنظرة غاضبة ثم قالت باستهزاء:
-لا عليك اعرف أن حظي قليل في هذه الدنيا، لكني لم أكن أعرف انه بهذه القسوة
قاطع خالد تفكيرهما وهو يسرع بخطاه إليهما متسائلا:
-هل رأيتم صلاح؟؟
لوت سمرا شفتيها امتعاضا لصوته الغليظ الذي بدأت تكرهه وبشدة خصوصا بعدما علمت
أن بكر يحبها، ويرغب بالزواج منها..لكنها ستزف إلى الذئب...
لا حظ وجومها فتساءل:
-ما بك يا سمرا ؟؟ هل أنت بخير؟؟
اختلط صوتها بمزيج من الغضب والاستهزاء والتذمر وهي تجيب:
-لا شيء أيها الذئب..
التفت في حيرة لبكر الذي كان يدس يديه في جيبه، وينظر إليهما بنفس ذلك الهدوء..
فتساءلت عينا خالد عن الموضوع..
أخيرا أخرج بكر يديه في تخاذل وهو يربت على كتف خالد قائلا بنبرة ساخرة:
-ألف مبروك يا عريس..
استغرب خالد من قول بكر، الذي لم يمنحه فرصة الشرح، بل تجاوزه بخطوات سريعة
في حين تبعته سمرا تجر خيبتها...
-ماذا؟؟؟؟
لم يستطع خالد أن يصدق ما يسمعه من رفيقه، الذي تابع يقول بهدوئه المعتاد:
-كما سمعت لن أأمن على سمرا مع غيرك أبدا...
هز خالد رأسه في عدم تصديق وهو يجيبه:
-لا يا صلاح إن ما تطلبه مني هو المستحيل بعينه..آسف يا صاحبي لن أتزوج سمرا
أبدا..
تم البارت بعون الله القاكم في العواء القادم
|