كاتب الموضوع :
هناء الوكيلي
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
-لعالم ما ليس فيه إلا أنا و..
"بتر كلماته حينما بدت له تلك النظرة الكسولة من صديقه، والتي يخفي وراءها ضحكة
ساخرة..فنهض وهو يتابع"سأذهب للنوم قبل أن أهشم أسنانك حتى تنسى الطريق
للضحك..
علت ضحكة خالد أكثر وهو يقول:
-أخبرني فقط ماذا كنت تفعل مع السنيورة وحدكما في ذاك العالم..؟
هز صلاح رأسه استخفافا ليسأله بعدما قفز من القارب:
-ألن تعود لبيتك؟؟
-أوووه لا فزوجتي تنام ليلتها عند أهلها..سأقضي الليل هنا..
ضحك صلاح وهو يقول:
-عليك أن تطلقها أو تتزوج عليها، حتى لا تفكر في المبيت بعيدا عنك..
نفث دخانه ببطء حتى كون مجموعة من الدوائر في الهواء، هذه عادته حينما يكون
منتشيا، يحبس الدخان في حنجرته قليلا ثم يخرجه ببطء فيكون بذلك مجموعة من
الدوائر..
-أنا ضد تلك الفكرة، وضد أولائك الأزواج الذين يمنعون زوجاتهم من المبيت عند أهلهن..
-بالمناسبة ألا تفكر جديا بالزواج؟؟
رمقه بنظرة جانبية قائلا:
-اذهب للنوم يا صاحبي..
عاد صلاح وهو يقول بجدية:
-لا أيها الذئب أخبرني ألا تفكر في الزواج، عليك أن..
تنهد خالد وهو يعدل من جلسته بعدما استعان بيد صلاح، فقد أثقله الحشيش، ويبدو أن
جودته عالية هذه المرة..
جمع قبضته وهو يتأملها، وتأملها صلاح جيدا، تلك اليد القوية، وتلك الأظافر البيضاء،
التي تعلوها، وتلك الخطوط الواضحة والمحفورة كأنهار شقت طريقها بعنف وسط غابة
كثيفة فتكسر بذلك كل ما يأتي بطريقها..
-روحي أقبضها بين يدي، وأهبها في أي لحظة لبارئها فكيف لي أن أقبض روحين..
وجمع قبضة اليد الثانية ليصبحا متوازيتين أمام ناظريهما..
قرب صلاح بين قبضتي صديقه وهو يقول:
-حينما يجتمعان روحان تسعى كل منهما لحماية الروح الثانية..
ابتسم له خالد وهو يقول:
-وهل لديك عروس؟؟
استغرب من سؤاله وهو يقول:
-لا على الأقل ليس الآن، لكن سأبحث لك
مسح خالد على شعره وهو يقول:
-إذن حتى ذلك الحين الذي تجد لي فيه عروسا، أقفل الموضوع أرجوك..
ابتسم صلاح وقد أحس أنه جرح خالد صديقه حينما فتح الموضوع معه، فارتأى أن يصمت
مكتفيا بقول:
-تصبح على خير..
لم يجبه خالد بل اتكأ على جنبه، بعدما دهس سيجارته بالأرض، ونام..
في الصباح وكالعادة نفس العمل الروتيني، انشغل العمال ومن بينهم صلاح، وكريم، في
حمل الصناديق وإدخالها للمخزن..
لم تكن الشحنة ذلك الصباح كثيرة، فانتهيا حوالي العاشرة والنصف، ليستغرب الجميع
ويتجمعوا كمجموعات، ويكثر لغطهم كل يتكلم في وقت واحد، إلى أن جاء الحارس للمخزن
وهو يقول بصوت غليظ:
-اسمعوا عليكم أن تحملوا الصناديق التي بالمخزن، كلها وتشحنوها لتلك الشاحنات التي
في الساحة، "التفت الجميع حيث أشار هناك لعدد كبير من الشاحنات، المصطفة ثم تابع
يقول بصوت عال خشن" أريد رجالا تشق الجدران، عملا قويا وسريعا، ومن تعاني بألم
في مفاصلها فلتعد لمنزلها..
تعالت الضحكات وقتها، مما زاد من غضب الحارس الذي كان يهدف لإهانتهم لكن حتى
الاهانة أصبحوا يستقبلونها كما تستقبل النكتة..
بعدها توجهوا لمتابعة العمل الجديد في المخزن ونقل الصناديق للشاحنات، وكان عملهم
ثنائيا، وكالعادة اشتغل صلاح مع كريم على مجموعة اختارها كريم،
وبهمة كما المعتاد حملا الصناديق للشاحنة الثالثة، وقد كان صلاح يستمتع بصوت كريم
العذب وهو يدندن أغنية لنعمان الحلو وتلك الكلمات الرائعة التي يعشقها..
بلادي يا زين البلدان...... يا جنات على حد الشوف
يا أرض كريمة مضيافة...... و جمالها ناطق بحروف
ناسها نخوة و ظرافة...... وكرمهم شايع معروف
اشحال يا بلادي و لافة...... و اللي سال يجي و يشوف
بلادي يا قرة الأعيان....... و الشمس ضوات عليها
عروسة ما بين الشطان..... و الجبال تغني ليها
يا اللي هارب من الأحزان.... زور بلادي تتشافى
طبيعة و دواء للإنسان...... واللي شرب مائها يتعافى
بلادنا يا دار السلوان..... يا شربة من نبع الصفا
كان صوته جميلا وهادئا، يطرب الأذن، وكم كان يستمتع صلاح بدندناته حينما يكون
مزاجه جيدا، وبينما هما كذلك رن هاتف كريم ليمنح صندوقا على عجل لصلاح وهو يقول
بفرحة:
-ربما هو نداء عمل يا صاحبي
بدت السعادة على محيا صلاح وهو يقول:
-حظا موفقا يا صاحبي..
وتابع ترتيب السلع بالشاحنة، قبل أن يتمتم بعدم رضا:
-كم مرة أقول له ضع الصناديق بشكل أفقي، يا إلهي أين يكون عقله هذا، وانشغل فوق
سطح الشاحنة وهو يرتب تلك الصناديق ويعيدها لوضعيتها الأصلية:
-صلاح ماذا تفعل؟؟
انتبه أخيرا لصوت عمه البشير الذي كان يتحدث إليه:
-اووه عذرا عمي لقد كنت منهمكا في عملي..
بدا الضيق على ملامح العجوز وهو يقول له بنبرة غاضبة رغم محاولته في إخفائها:
-تعال يا صلاح..
نفض يديه ومسح عرقه بذراعيه، وهو يلحق بالبشير للمكتب..
سارا بخطى منتظمة، وبصمت مطبق لا تسمع فيه إلا أصوات تنفس العم المجهدة، ليدخلا
بعد ذلك لمكتب أنيق، مزود بتكيييف، يشعرك بالبرودة والانتعاش بدل تلك الحرارة التي
توجد خارجا، وتجعل ملابسك ملتصقة مع جلدك حتى تصبح لا تفرق بينهما..
أخذ مكانه وراء مكتبه ذو الخشب الأسود اللامع، واضعا يديه على ذقنه، بعدما أشار له
بالجلوس ليقول بعد ما جلس صلاح:
-صلاح أنت تعلم مقدار معزتي إليك..
"هز صلاح رأسه وهم أن يقول شيئا لكن إشارة البشير تلك منعته من الكلام، ليتابع العم
كلامه"وأنا لا أشك أبدا في مقدار حبك لي، لكن ألا تعتقد أن أولاد الناس عليهم الدخول
من الأبواب بدل تسلق النوافذ؟؟
فتح صلاح فاه بدهشة، بل بعدم تصديق لما يسمعه، أيرمي العم لحبه لليلى؟؟
لكنه تمالك نفسه وتغلب على دهشته ليقول ببرود:
-لم أفهم ما تقصده يا عمي
تراجع للوراء مسندا ظهره على ظهر الكرسي صاحب الجلد الناعم، ليقول كمن يتعمد حرق
أعصاب الشخص الذي أمامه:
-بلى أنت تفهمني جيدا..
ازدرد لعابه بصعوبة وهو ينفي قائلا:
-لا زلت لم أفهم شيئا، لذلك أتمنى أن توفر علي..
-ليلى
ارتعشت أوصال صلاح لذكر ليلى وهو يتساءل بخفوت:
-ما بالها ليلى؟؟
مال بجسده إليه وهو يقول:
-علمت ليلة أمس أنكما تحبان بعض..فما رأيك أنت؟؟
ابتسم صلاح لذلك الخبر وهو يؤكد قائلا:
-يبدو أنك تعلم أكثر مما أعلمه، فما أعلمه هو أني أنا من يحبها لكني لست أدري عنها..
عاد الأب ليتراجع للوراء قائلا:
-لم ألستما على علاقة؟؟
بدا الغضب على وجه صلاح وهو يقول:
-ما عدا الله إن كنت لا ترضاها لابنتك فأنا لا أرضاها لمن ستحمل اسمي..
تنهد البشير وهو يقول:
-لقد اعتقد..
قاطعه قائلا:
-عمي أنت بمثابة أب لي، و أنت تعلم كم احترمك وأحترم ليلى وقد كنت أنتظر الفرصة
المواتية لأفتح معك الموضوع..
ابتسم العم وهو يقول:
-اعتبر أن الفرصة جاءت و أنك فتحت الموضوع وأن الأب سينتظرك في نهاية الأسبوع
ولا تأتي وحدك..
ونهض من مكانه تاركا صلاح في دهشة وفرحة تكاد تخنقه وقبل أن تطأ قدم البشير عتبة
المكتب خارجا، انتبه صلاح لنفسه وهو يتساءل:
-ماذا تقصد؟؟
لم يلتفت إليه البشير وهو يقول:
-من الغد صباحا ستصبح المهندس المسئول عن قسم الالكترونيات، ولن تعود لك حجة
تمنعك من زيارتي أنت والوالدة..
في المساء وبعد انتهاء العمل، كان خالد أول من زف له صلاح الخبر، لكنه تجاوزه ببضع
خطوات ليقول صلاح بضيق:
-ألست سعيدا؟؟
لم يلتفت إليه وهو يجيب بسؤال:
-وهل أبدو لك سعيدا أيها الذئب؟؟
وتابع سيره وهو يقذف كل ما يعترض طريقه، كقوارير الخمر الرخيص، و علب العصائر
وعلب المشروبات الغازية، وكذا الأحجار الغليظة
أوقفه كلام صلاح الذي قال:
-وهل اعتبرها غيرة؟؟
التفت ببطء وهو يقول:
-اجل يا صلاح غيرة لكنها غيرة عليك وشدد على كل حرف من كلماته حتى ظهر الصدق
فيها وظهرت بعض الدموع الخفيفة على عينيه..وهو يمضي بسرعة بعيدا عن صديقه...
كان قد ابتعد عنه بخطوات كبيرة حينما صرخ صلاح بغضب:
-ماذا حصل لكل هذا؟؟ أليس من حقي أن أعيش حياتي، لست مثلك يا خالد ولن أكون أبدا
مثلك، لست ذئبا وأنت تعلم ذلك..لن أخوض معكم هذه القضية..فلتحترقوا بغاز كلكم "أبو
سكة وعفاف والطفل أيضا، وحتى أنت أيها الذئب فلتذهب للجحيم، واصطحب معك ذاك
الثري.."
قاطعه هذه المرة صوت ذلك الرجل السكير الذي يقضي ليله ونهاره، في شم خرقات من
السليسيون وهو يقول بصوت متقطع:
-فليحترق العالم كله، ولتحترق أمريكا..وليسقط الاستعمار..ليعيش المغرب حرا
ضحك صلاح رغما عنه وهو يتأمل ذلك الرجل الذي عاد بذاكرته لزمن ولى، ثم التحق
بصديقه الذي كان يتابع سيره ببطء، لف ذراعيه حول عنقه وهو يقول:
-آسف أيها الذئب..
"لم يجبه بل كان منشغلا بقذف كل ما يصادف طريقه..فوكزه صلاح وهو يقول"فليكن قلبك
أبيضا وسامحني..ألست صديقك؟؟
هز رأسه ببطء نفيا، فأبعد صلاح يديه وهو يقول بنبرة عاتبة:
-حسنا كنت أعتبر نفسي صديقا لك
وتجاوزه هذه المرة صلاح ليقول خالد بنبرة متهكمة:
-كنت أحسبك أخا لا صديقا.."وبسط يديه بطريقة مسرحية وهو يتابع" أرأيت الفرق بيننا
أيها المهندس...لست مجرد صديق مهما كان غاليا فسيعوض بآخر، لكن لا أحد يعوض فقد
الأخ..
عاد صلاح إليه فاتحا ذراعيه وهو يقول:
-وأنت تعلم كم أعتبرك غاليا..فأنت نعم الأخ..
ابتسم خالد وهو يقول:
- تأكد يا صلاح لن أدع أحدا يؤذيك حتى آخر رمق لي....
ابتسم صلاح بتردد وهو يسأله:
-هل علمت شيئا عن أنور؟؟
مسح خالد شعره وهو يقول:
-لا كما تعلم فقد كنت منشغلا هذه الأيام، لكن ما عرفته من سعد أنه يتحامى في عصابة
إسماعيل
عقد صلاح حاجبيه وهو يتساءل بسخرية:
-وهل إسماعيل كون عصابة؟؟
-اجل هل كنت لتصدق ذلك؟؟
بعد أسبوع، من ذلك اليوم والذي كان صلاح منشغلا فيه بشكل رهيب، ما بين عمله الجديد
ومكتبه الأنيق، لتجهيزه لليلة الخطوبة التي اتفق عليها مع والدته، وسمرا اللتان كانتا
ستموتان من الفرحة، ولم تسعهما الأرض حينما سمعا ذلك، أما ليلى فقد شعرت أنها تكاد
تختنق وسمرا تزف لها الخبر..وقد استمتعت برؤية صدرها وهو يعلو وينخفض، وجفاف
شفتيها التي تحاول عبثا أن تبللهما، تساءلت لعدة مرات:
-هل صحيح ذلك؟؟ هل سيتزوجني اخيرا..يا إلهي لك الحمد وفجأة غطت وجهها بيديها
وهي تبكي بحرقة، اقتربت منها سمرا وهي تسألها بخوف:
-ما بك يا ليلى ؟؟
ضمتها إليها وقد زاد نحيبها وهي تقول بصوت متقطع:
-لكم تمنيت أن تشاركني والدتي هذه الفرحة
-أوووه يا حبيبتي ، لابد أنها سعيدة وسعيدة جدا لأنك ستتزوجين من تحبين، لقد سمعت ان
الاموات يحسون بمن يحبون..
مسحت ليلى عينيها التي بدأت تتورم بسرعة، وهي تحاول ان ترسم على شفتيها ابتسامة..
ثم بعد ذلك قالت بحماس:
-اسمعي علينا ان نذهب للسوق لنختار فستانا يليق بي..
وسرعان ما تناست شوقها لوالدتها رحمها الله وهي تغرق في حديث مشوق مع سمرا،
حديث لطالما كان حلما تمنته من أعماقها، حلما كان يبدو لها في كثير من الأحيان قريبا
قرب الموت للإنسان، وأحيانا مستحيلا استحالة الخلود في الدنيا..
لكنه هاهو الآن بدأ يقترب منها، يخطو بخطواته نحوها..
لم يعد يفصلها به إلا أياما قليلة ..قليلة جدا...
|