كانت خائفة من بول , الذي ذكرها في اليوم السابق فقط , أن الشرف ضمن ما أقسمت عليه عندما أصبحت زوجته.
وكانت تضع أحمر الشفاه الوردي على شفتيها , عندما دخل بول الغرفة , ويده في جيب البنطلون الخفيف الذي كان يرتديه مع قميص سبور في لون الرمل ,وسأل:
" ألا تريدان أيتها الفتاتان أية منعشات؟ الشاي يقدم الآن في الشرفة".
وقالت دومني:
" أنني أرتب ملابسي يا بول".
منتديات ليلاس
وتمنت ألا تخبره أخته بما أعتراها من ضعف منذ لحظة , وراقبته في المرآة عندما أنحنى فوق كارا , وأخذ وجهها بين يديه ...وسأل مبتسما:
" لماذا هذا التعبير الشارد يا صغيرتي ؟ أعتقدت أنك سررت لرؤية أخيك , كنت غاية في السخاء بقبلاتك عندما ألتقينا أمام باب البيت".
ونظرت كارا اليه , ورفعت يدها الى شعره ,والى الندبة , وكلمته باليونانية , وتأكدت دومني التي بدأت تفهم قليلا أن كارا تفكر شيئا عن أزمات الصداع التي تنتابه , ولم تفهم أجابته , ولكن نغمة صوته كانت رقيقة , وأضاف بالأنكليزية:
" حسنا يا كارا, ماذا كان رأيك في الهدية التي أرسلتها اليك من أثينا؟".
وأشرق وجه الفتاة ,وكانت دومني قد عرفت من بول أن أخته مولعة بالموسيقى الشعبية , وكانت تجمع الأغاني القديمة كما تجمع الفتيات الأخريات الدمى , وكانت تعزف على عدة آلات موسيقية , وقد عثر بول في أحد محلات بلاكا على آلة (ماندولين) جميلة , فأشتراها وأرسلها لكارا.
وقالت كارا بحماسة:
" أوتارها ذات رنين رائع , سأعزف عليها لك ولدومني بعد العشاء".
وأبتسم بول قائلا:
" سننتظر عزفك بلهفة , دومني نفسها موسيقية , أنها تعزف على البيانو ببراعة".
ولمعت عينا كارا كالماس الأسود وقالت:
" دومني تحب الموسيقى؟ أوه , الأقدار معي اليوم , دومني لطيفة مثلما هي جميلة , وهي أيضا تعزف على البيانو!".
وأحتضنت كارا أخاها وأستطردت قائلة:
" شكرا لك يا أخي الكبير على الماندولين , وعلى دومني".
وقال بول وهو ينظر الى دومني :
" أنا سعيد لأعجابك المزدوج!".
وأستدار ناحية زوجته وقال:
" هل أنت مستعدة يا عزيزتي؟".
وأومأت , وأبتسمت لكارا , فقد أدركت مدى تعلقها ببول , ومدى أشراقها ,وأعجبت بنظرات الطفولة الصريحة التي تلازمها , ووقفت دومني في الشرفة ,
وبدت لها ميناء أنديلوس أشبه بلوحة مزدهرة الألوان , وأخذ بول وكارا يلفتان نظرها الى مراكب الصيد بأشرعتها الملونة , والدير المبني من الحجر الأبيض ,
وقد تسلقت جدرانه النباتات الأرجوانية , والى الجزر القريبة المتناثرة كأنها كتل المرجان ,ونظرت دومني حولها في أهتمام وكانت الشمس تلمع فوق شعرها , وثوبها ينساب في نعومة , فبدت هشة بجانب زوجها القوي.
ولم تنتبه الى أنها كانت موضع تحديق الرجل الذي جلس على مقعد مجاور حيث جلست عمة بول , وكانت كارا هي التي لاحظت نظراته عندما أستدارت فجأة بطريقتها المعتادة ,وهتفت:
" أهلا , لم تكن لدي أدنى فكرة أنك ستأتي لتناول الشاي".
أجاب :
" أردت أن أشترك في الترحيب بعودة الغائب".
وتجمدت دومني في مكانها لدى سماع صوته , ثم ألتفتت في بطء , ووجدت نفسها وجها لوجه مع باري سوتيرن مرة أخرى! لم يكن قد تغير على الأطلاق ,
بأستثناء لمسات النضج المتزايد , وحملقت عيناه الشقراوان الناعستان في عينيها ,وتذكرت جيدا ذلك الفم الواسع الباسم , وتلك الخصلة المتهدلة من الشعر ألذهبي وتساءلت بقلق أذا كان سيعلن معرفته بها ,
ثم أكدت لها غريزتها أنه لن يفعل , وأحست بالأضطراب عندما نهض من مقعده , وقال لبول بأبتسامة ماكرة :
" أنت شديد الحظ .... أراهن أنك أذا سقطت في البحر , تخرج ومحارة في أذنك , محارة داخلها لؤلؤة !".
" أرى يا صديقي من النظرة اللامعة في عينيك الفنانة , أن (لؤلؤتي) تروق لك ".
وعندها قاد بول دومني الى المائدة في الشرفة ليقدم باري اليها , أحست بقبضة ذراعيه القوية حول خصرها.
وقالت دومني:
" كارا أخبرتني يا سيد سوتيرن أن أعمالك رائعة".
وأحست وهي تتعامل مع باري كغريب , أنها تلعب لعبة خطيرة , ورد هو:
" سأكون سعيدا بأن أريك بعض أعمالي ذات يوم يا دومني".
وأحست بقلبها يحذرها , حين رأت بول يرمق باري بواحدة من نظراته الحادة , ولكنها في الوقت نفسه أرادت أن تقول :
" لقد عرفت هذا الرجل قبل أن تقتحم أنت حياتي يا طاغيتي الوسيم بوقت طويل , لقد جاءني بالمرح ,وليس بالتهديد , وذهب عني لأنني كنت صغيرة عندما تقابلنا , ولأنه كان يريد أن يثبت أقدامه كرسام".
ولكنها قالت:
" سأتطلع الى رؤية بعض أعمالك يا سيد سوتيرن , ويخيل الي أن نوعية الضوء هنا في اليونان لا بد أن ترك تأثيرها الرائع على عمل الفنان و الألوان والخطوط لا شك أنها ذات رونق مضاعف".
منتديات ليلاس
قال وهو يضغط على حروف الأسم:
" هذا صحيح , بكل تأكيد يا سيدة ستيفانوس".
وأرتفعت عيناه الى وجهها الذي أحاط به شعرها العسلي فوجدهما جامدتين , باردتين , وتذكر جيدا مرحها في الماضي , وشعر بالأنزعاج وهو يتأملها تجلس على مقعد بجوار عمة بول , وتجيب على أسئلة العمة صوفيولا عن حفلة العرس , وشهر العسل , بينما كانت الأخيرة تصب الشاي ,وقدمت كارا الحلوى والفاكهة, ثم جلست على ذراع مقعد أخيها ,وهي تأكل حبة تين كبيرة.