وكانت شوارع البلاكا مهملة وضيقة ,ومليئة بمحلات مفتحة الأبواب كالسوق وبيوت ذات شرفات خشبية ....
وشعرت دومني بأصابع بول الدافئة على مرفقها وهو يشير الى الثوم والفلفل الأسود في واجهة محل بقالة , والأحذية الشعبية القديمة خارج محل أحذية ,
سلال الفاكهة الجميلة , وكان هناك بائع أسفنج يحمل مجموعة أشبه بالجالونات الملونة , وبائع بطيخ يجر عربة خشبية (كارو) , وأشترى بول شرائح من البطيخ ,وبعدما أكلت دومني قطعتها تلاشى أحمر الشفا مع العصير , وبدت كمراهقة في أجازة وهي تحملق حولها في الناس الذين أمتلأت بهم الشوارع الصاخبة الزاهية .
منتديات ليلاس
وضحكت من فوق كتفها لبول وقالت:
" أنه مثل زقاق أعرفه في بلادنا , بائع الأسفنج سيختفي أذا داهمته الرياح".
وأبتسم , وأقترب منها قليلا ,وقال:
" هل أنت سعيدة؟".
وأومأت برأسها , ذلك أن البلاكا كانت ذات سحر لا يقاوم , وأمسك بول بأصابعها المبللة بماء البطيخ ,وصعدا معا السلالم غير المستوية , ومرا أمام المقاهي القديمة حيث جلس الشيوخ أمام أكواب القهوة التركية , يمضغون الكلمات اليونانية , فيبدون كما لو كانوا يتشاجرون.
ورأت دومني اليونانيات , ذوات الأجسام الضخمة بصحبة بناتهن الرشيقات , ولاحظت أن شبانا عديدين كانوا على الكثير من الوسامة بتشبههم الأسود وكثيرون بالملابس العسكرية , وأخبرها بول أن الخدمة العسكرية أجبارية , وعندما نظرت اليه لمحت ظلالا تتحرك على صفحة وجهه , ثم نظر جانبا الى أحد المحلات , ولم تستطع أن ترى عينيه وكانت نظارته الشمسية في جيب قميصه , لأنه لم يكن بحاجة اليها في ذلك المكان حيث أختفت الشمس وراء سطوح المنازل.
ووقف أمام واجهة محل صغير يعرض بعض المصنوعات الوطنية , أحذية مطرزة , وحقائب يد , وشرائط حريرية من الخرز وكذلك من المشابك والأقراط , وقال بول وهو ينحني فوق المعروضات:
" دعيني أشتري لك تذكارا لزيارتك بلاكا".
وخرج من المحل رجل معمم ,ووقف يرقب بول وهو ينتقي قرطا على شكل قلب , وسأل الرجل عن الثمن , ودفعه له , ثم جذب دومني , وعلق القلبين الزرقاوين الصغيرين في أذنيها , وهتفت:
" القرط رائع يا بول , يجعلني أشعر كما لو كنت من جواري الحريم ".
ولكن بول لم يبتسم , وأمسك بها فجأة من خصرها , ورفع ذقنها بيده الأخرى وبدا فمه في مثل عنف ذراعه , وحدق بعينيه الذهبيتين في عينيها , وقال في صوت خافت , أجش :
" هل هذا ما تشعرين به؟ مثل جواري الحريم ,اللواتي كن يشترين بالمجوهرات؟".
ونظرت اليه مغلوبة على أمرها , وقالت مرتبكة:
" لم أقصد ذلك, كنت أمزح".
" اللاشعور أحيانا يدفعنا الى نطق كلمات نعتقد أننا لم نكن نعنيها".
ثم حرها من قبضته , وأكملا مسيرتهما الى الأكروبوليس في صمت.... وشعرت دومني بالرغبة في البكاء .... جواري الحريم! أنزلقت الكلمات من فمها لتفسد عليه بهجته بشراء هدية صغيرة لها.
ووقفت دومني وهي تشعر بضآلتها وسط الأعمدة الشامخة تنظر أعلى فأعلى وتستشعر تناسق هذه الأعمدة وعظمتها وهي أشبه بالأصابع تشير نحو السماء.
أخذها بول الى دهليز العذارى حيث صوّب السياح ألات التصوير وأخذوا يلمسون التماثيل التي بدت وكأنها تتحرك- وأراها شجرة الزيتون القديمة التي ما زالت موجودة , رمزا للأمل.
وتسمرت نظراتها عليه وهو واقف على السلم الكبير وقد أغرقته الشمس بأشعتها الذهبية , ولمحت من جديد على وجهه ذلك التعبير , كما لو كانت ذكرى متوحشةداهمته وهو يتأمل عاصمة اليونان القديمة.
وكان بول يحمل معه آلة تصوير , فألتقط لها عدة صور وهي متكئة على عمود أستر , وقال في أبتسامة ساخرة:
" ستتوقع كارا أن نحمل معنا مجموعة من صور شهر العسل".
" أذن لا بد أن نأخذ صورا معا , لنسعد كارا".
وبمساعدة أحد السياح الأمركيين وقفا جنبا الى جنب ,وبدأ هو يستعد لألتقاط عدة صور لهما , وقال الأميركي وهو يداعبهما بلهجته المرحة:
" أعرف أنكم معشر اليونانيين تتحفظون أمام الآخرين , ولكن وضع ذراعك حول السيدة سيبدو لطيفا".
ورمق بول دومني بنظرة متهكمة ثم أحاط خصرها الدقيق بذراعه , وجذبها الى جانبه , وكانت أبتسامتها أمام آلة التصوير متوترة كجسمها , وشعرت بأصابعه تغوص في خصرها وتؤلمها , ثم أنتهى التصوير , وتركها متجها الى السائح الأميركي الذي قال له:
" ستظهر صو زوجتك رائعة , تماما مثل واحدة من بنات الأغريق".
وأبتسم بول للسائح شاكرا وهو يسترد آلة التصوير , فرد الأميركي العفو باليونانية وهو مغتبط بنفسه لأنه تمكن من معرفة هذا القدر من النونانية .
ثم ألقى بول نظرة الى ساعة معصمه وقال لزوجته:
" لا بد أنك جائعة , هل نأكل في أحد المطاعم هنا؟ أم تفضلين أن نعود الى الفندق؟".
منتديات ليلاس
وجزعت من فكرة العودة الى الفندق, ليس بعد ! المطعم قد يكون صاخبا, مكتظا بالغرباء الذين تستطيع أن تنسى بينهم نفسها ساعة أخرى على الأقل , وقالت بسرعة:
" أحب أن آكل هنا في أحد المطاعم طعاما يونانيا".
وهبطا السلم المغطى بالحشائش , وتنبهت الى أن الناس ينظرون اليهما , ينظرون الى اليوناني الطويل الوسيم , وعروسه الأنكليزية , تماما كما حدث في كورنوال ذلك اليوم حين ذهبا الى لوو لأسترجاع الشيكات , ولكن في ذلك اليوم شعرت دومني بفوران جميل يسري في شرايينها , أما الآن , فالفوران ما زال موجودا لكنه لم يعد جميلا
...........نهاية الفصل الرابع...........