" لا يمكن أن يؤذيني ما يظنه الآخرون عني , أنا يوناني , ولا يهمني ألا ما أعتقده أنا في نفسي , عقدنا صفقة يا دومني , هذا الصباح , أنت زوجتي ولن أدعك تذهبين".
وأحست أنه يعني كل كلمة نطق بها , كان ذلك مسطورا على صفحة وجهه , الوجه الجميل , القاسي , تنبعث من عينيه أشعاعات تطاردها وتخيفها , وفجأة تخلصت من ذراعيه , وقفزت من الشرفة الكبيرة , وأسرعت بجنون في أتجاه الشاطىء.
وتقاذفتها الرياح الباردة , وتعثرت فوق الرمال بحذائها ذي الكعب العالي , فوقها كان القمر مختفيا وراء السحب , يلقي عليها ضوءا باهتا من الظلال".
وألقت نظرة مذعورة خلفها , كان بول يتبعها , وفي الضوء الخافت بدا وجهه شيطانيا ,وأنطلقت تجري بكل قواها , بيأس غريب دفعها الى الهرب منه ,
حتى أنها لم تتبين مدى قربها من البحر والصخور النائية عند طرف الشاطىء , وفجأة أرتفعت أمواج البحر , وأطلقت دومني صرخة عندما تعثرت وسقطت على صخرة , ثم شعرت بموجة هائلة تغطيها , وتسحبها, وأصابتها برودة الماء بصدمة بدأت تفقدها وعيها , لكن صوتا هادرا كان يتردد في أذنيها :
" دومني... دومني".
مصحوبا بكلمة يونانية ضاعت وسط هدير الأمواج.
وقفز بول بعدما خلع حذاءه غير عابىء بالعاصفة وسبح بقوة في اتجاه الذراع النحيل الذي كان كل ما ظهر له من زوجته , وعلى ضوء البرق بدأ يلمح وجهها المذعور , وبعد لحظة , كان يضمها وسط الأمواج بينما تشبثت هي فيه بعنف كتشبث الأنسان بالحياة , وساعدها على رفع رأسها فوق الماء , وبدأت تتنبه , وتدرك من هو منقذها ... بول... زوجها , الذي تركت جسمها المذعور في حمايته.
وحملها حتى الشاطىء , وصعد بها سلالم الفيللا , ودلف الى غرفة الجلوس من خلال الشرفة الكبيرة , وأرتجفت دومني بين ذراعيه , وسعلت قليلا , وعندما نظر اليها تساقطت المياه من شعره الداكن على وجهها , وفتحت عينيها الزرقاوين وتحركت شفتاها بلا صوت ترددان أسمه ..... وقال هو بمنتهى الرقة :
" كل شيء على ما يرام يا طفلتي الحمقاء , أنت الآن في أمان".
وأسرع الى الأريكة البيضاء بجوار المدفأة ,وضغط على الجرس مستدعيا يا نيس , الذي أقبل ليجد بول راكعا بجانب الأريكة , مقتربا من شفتي دومني المرتجفتين كأسا من الشراب , وحملق الخادم فيهما , وقال بول بلهجة جادة:
" كنا نتنزه على الشاطىء , وسقطت زوجتي في الماء أخبر لينا أنني أريد زجاجات ماء ساخن في سرير زوجتي حالا , وأيضا أن تعد لها حماما ساخنا , وأحضر لي أزار الحمام السميك , بسرعة".
وجرى يانيس الى المطبخ ,وباليونانية شرح للينا ما حدث , فبدت الدهشة في عينيها , وقالت:
" هذا كارثة ليست علامة طيبة يا يانيس , يقال أن من يغني في الصباح يبكي قبل الصباح التالي".
" ما الذي تتحدثين عنه أيتها المرأة ؟".
منتديات ليلاس
وحدق يانيس في زوجته بينما كانت تملأ الزجاجات بالماء الساخن , فقالت:
"ألم تسمعه يغني قبل الأفطار هذا الصباح؟ عروسان يتنزهان على الشاطىء في ليلة عاصفة .... أليس ذلك غريبا؟".
" تعتقدين أنهما تشاجرا؟".
" أظن أنه من الأفضل أن تسرع بأحضار أزار الحمام , وألا ملأ البيت صياحا ".