وأستغرقت دومني في قراءة القصة وجاء يانيس حوالي الساعة الحادية عشرة حاملا سلة الطعام التي أمر بها بول , ولم تكن السلة ثقيلة ,ولكن يا نيس أصر على أن يحملها الى الشاطىء وكانت دومني تشعر بأعزاز نحو خادم بول الجاد ,
الذي كان يستطيع أن يذكر كل أسماء طيور الجزيرة وورودها النامية على جانبي الممر المؤدي الى البحر , ولم يكن هو وليتا قد أنجبا , وبدا لدومني أنهما بطريقة ما ينظران اليها : طفلة , وكانا يديران البيت بمهارة ,حتى أنه لم يكن لدى دومني ما تفعله سوى أكتشاف الغرف الكبيرة , والسلالم الملتوية المؤدية الى مخازن الأمتعة القديمة .
وقالت دومني:
" كم تبدو الجزيرة هادئة وجميلة اليوم يا يانيس".
ووقفت مبهورة أمام منظر البحر , وأشعة الشمس تنعكس فوقه والرمال والصخور , وأبتسم يا نيس وهو يرى مدى أنبهار دومني التي أخذ النسيم يداعب خصلات شعرها وصاحت وهي تشير ناحية البحيرة التي ظهر فيها الدرفيل يقفز كما لو كانت لها أجنحة ثم يغوص في الأعماق.
" أوه , أنظر هناك يا يانيس!".
وكانت دومني تأخذ حمام شمس عندما لحق بها بول على الشاطىء , لم تسمع وقع أقدامه وهو قادم فوق الرمال, لكنها أحست بظله الطويل فوقها , وعندما جلست ورأت وجهه , بدا لها أنه مرهق وسألته:
" هل تريد الغداء حالا؟".
" كلا , ألا أذا كنت تريدين , أعتقد أننا ربما نخرج في نزهة بحرية أولا".
وقفزت قائلة:
" أنت على حق".
ومن جديد تمهلت عيناها فوق وجهه , وتبينت أنه يعاني من الصداع وأنه كان يتمنى أن يخفف نسيم البحر من حدة األألم , ولمست ذراعه بأصابع مرتجفة , وقالت:
" بول , ماذا يقول الأطباء عن صداعك؟".
منتديات ليلاس
وواجهها بأبتسامة ساخرة , وعينين غير مقرؤتين خلف نظارة الشمس , وقال:
" يا عزيزتي .... هل أنت فعلا مهتمة بي؟".
" أنا لا أحب أن أرى أحدا يتألم".
ثم سحبت يدها من فوق ذراعه , وقالت:
" آسفة أذا كنت تطفلت".
" سيتلاشى الألم بعد فترة".
وقفز الى الزورق ,وفك الرباط ودفعه في المياه , وخلع قميصه وساعد دومني على القفز بدورها , وظل ممسكا بها لحظة , وهو يبتسم مثل قرصان أغريقي , وهمس:
" أحيانا , يا أسيرتي الصغيرة , لا أظن أنك تكرهينني".
ورفعت بصرها نحوه , ومن جديد تذكرت الكلمات التي تفوه بها في ذلك الصباح , وقالت بفتور:
" أنا أبذل ما في وسعي لأنقاذ صفقة سيئة , لكنني أعرف الآن أن عقوبتي ليست مؤبدة".
وضحك وتركها , وقاد الزورق , ولفترة ظلت الدرافيل تجذب أنتباه دومني , وأعادت لعينيها بريقهما , وصاحت ليصله صوتها خلال هدير المحرك :
" كيف حال صداعك ؟".
صاح بدوره من فوق كتفيه :
" أحسن كثيرا.... الدرافيل تجيد اللعب.... هيه؟ أنظري الى ذلك البرونزي اللون!".
وكان الدرفيل الضخم كبيرا , حتى أنه أستطاع أن يميل الزورق عدة مرات ,وأوشك أن يلقي دومني في الماء , وضحكت من أعماقها ,ولكن بول حذرها قائلا:
" لا يوجد فقد درافيل في هذه المياه".
وكان يقصد سمك القرش , ورفض أن يدع دومني تقفز للسباحة حتى يدخلا منطقة الأمان في البحيرة , حيث الأسماك صغيرة جدا , ولا تجتذب الأنواع المفترسة .
وعادا الى الشاطىء , وجلست دومني على صخرة , شاردة تماما مع أفكارها , فجفت الرمال بين أصابعها , ونهضت وركضت في أتجاه المياه لتغسلها , لكنها أحست بشيء ما يطعن باطن قدمها اليسرى , فأطلقت صرخة ألم.
وأتضح أنها داست فوق قنفذا مائي صغير , وتبينت أن بعض الشوك نفذ تحت الجلد , وكانت دومني تعرف أنها لا بد أن تتقيح أذا لم تنزع , وجلست فوق صخرة قريبة , وحاولت أن تنزع الشوك بأظافرها.
وجاء بول بجانبها متسائلا:
" ماذا فعلت؟".
وأخبرته, فركع أمامها , وأمسك بقدمها الصغيرة في يده.... وبعد لحظة نظر اليها قائلا:
" لا بد من نزع الشوك بملقاط .... لكن أذا سرت على قدميك , فستتغلغل الأشواك داخل جلدك , تعالي ,سأحملك حتى البيت".
وضحكت بعصبية وهي تبتعد عنه قائلة:
" لن يمكنك أن تصعد بي التلة يا بول , أزداد وزني منذ جئت الى اليونان".
" أما زلت تشعرين بالتوتر معي يا دومني؟".
وعبر بها الشاطىء , ومنه تحت قوس الكهف الموصل الى البيت وأحست بخفقات قلبه كاللمسات , وفجأة وكما حدث في المركب منذ ساعة أو أكثر , أحست في كيانها ضعفا ,
وبدأت تدرك حقيقة لم تكن واضحة بعد في ذهنها , ولكنها في المركب أستطاعت أن تهرب من رقابة بول في الجانب الآخر , أما هنا بين ذراعيه.... فكانت أسيرة , وأزدادت ظلمة الكهف , وهما يتوغلان داخله ,وفجأة ,
مثل زئير حيوان مختفي , ترددت أصداء من فوقهم , وأصوات ضوضاء مخيفة , وتسمر بول في مكانه , وقد أزداد ضغط ذراعيه حول دومني , التي أمسكت بكتفه العاري بقوة ,وغرست دون وعي أظافرها في جلده وهي تقول:
" ما هذا يا بول؟".
ولم يجبها في الحال , لكنه ظل يرهف السمع, وهو يحدق كالقط في وجود الخطر المفاجىء ومن جديد أرتفع صوت شيء يتصدع , وأهتزت الأرض , وأوقف بول دومني على قدميها وقال ملهوفا:
" أركضي يا صغيرتي , الكهف سينقض علينا ".
منتديات ليلاس
وخفق قلبها وهي تركض , كانت تعرف أنهما على بعد دقائق من الباب الذي يمكن أن ينقذهما من الخطر المحدق بالكهف , ويوصلهما الى البيت ,
ومن جديد أرتفعت أصوات التصدع , وكانت دومني تنظر الى فوق مذعورة , عندما أنفتح سقف الكهف وتهاوت الصخور وقذفت بها على ركبتيها , وأرغمتها على أطلاق صرخة , سرعان ما خمدت وسط سيل الغبار والألم.
...........نهاية الفصل العاشر..........