ودفعها نيكوس وهو يقول:
" تفضلي يا سيدتي ".
وأستدار ليلقي بأبتسامة الى بول قائلا:
" سنسير أمامك يا أبن الخال , النجوم منخفضة الليلة حتى , يمكنك تقبيلها".
وقالت دومني وبول يوجه السيارة في أتجاه الميناء:
" أنها جميلة , هذه النجوم , لم أكن أعرف أن النجوم يمكن أن تظهر ضخمة هكذا , أستطيع أن أخطف واحدة لنفسي".
وسأل بول:
" هل تعتقدين أنك ستحبين الحياة في الجزيرة؟".
وأستنشقت دومني عبير الأزهار النامية فوق الهضاب , ولم تستطع أن تنكر تجاوبها مع سحر أنديلوس الأسطوري , وقالت مبتسمة:
" أجل يا بول , الجزيرة ساحرة , مكان مناسب للنسور والأفاعي".
وقالت وأصابعها تداعب حقيبة يدها :
" فكرت يا بول أنه سيكون لطيفا أذا أقامت كارا معنا فترة , أنا على ثقة بأنها ستسر بذلك , أنها متعلقة بك للغاية , ثم أنني أجدها شخصية ممتعة".
ولم يرد لمدة دقائق ,ثم قال:
" أعرف أنك تحبين كارا , ولكنني أعتقد أن دافعك هو خوفك أن تكوني وحدك معي".
قالت وهي تشعر بنظراته مصوبة نحوها:
" أنك لم تفكر في أن تجعلني أسيرتك".
وكانت تجلس بجانبه تماما , ووشاحها حول كتفيها , وقد تدلى من أذنيها القرط ذو القلب اللؤلؤي الذي أهداه لها ,وقال بول برقة:
" هل من الضروري أن تتحدثي بهذه الطريقة المأساوية يا حبيبتي؟".
وأحتقن وجهها غضبا وهي تقول:
" لك أن تتظاهر أمام الآخرين بأنك الروح المغرم يا بول , ولكن لا تفعل ذلك عندما نكون بمفردنا , دعنا على الأقل نكون صادقين في أن وجهي وجسمي هما كل ما تريد , أما الأنسانة داخل هذا الجسم فلا تهمك أبدا , أنني أشك أنك تعرف شيئا عن تلك الأنسانة , ما أذا كانت عندما تزوجتك تهتم بآخر أم لا, أنك لم تفكر أبدا في أن تسأل , هل فكرت يا بول , شيء لا يهمك مادمت قد حصلت على ما تريد".
وأقتربت السيارة من الميناء , وعلى بعد حوالي نصف ميل كان يقف يخت تنبعث منه أصوات الموسيقى والضحكات , وبهدوء سأل بول:
" هل كنت مهتمة بشخص آخر؟".
وتفحصت دومني جانب وجهه , كان في كمال الفن الأغريقي , ولكنه أيضا كان باردا وجامدا كارخام الذي نحت منه الأغريق تماثيلهم , وكم تلهفت أن تعلن بأنها كانت تهتم برجل آخر – وأنها لم تكف عن الأهتمام به , وأنها منحته كل العواطف التي لن تستطيع أبدا أن تمنحها سواه.
ولكنها حتى في أنفعالها وغضبها .... كان لخوفها من بول اليد العليا , وأستدارت جانبا لتقول ببرود:
" وما الذي يمكن أن يعنيك في ذلك؟ ما كنت لتهتم بمشاعري , أنك مخلوق من حجر".
قال ببطء:
" ليس تماما , الرجل المخلوق من حجر لا يحركه وجه أو جسم , ولا يجرحه برودهما".
وأرتجفت .... كأنه لمسها بكلماته , وأحكمت وضع الوشاح , فما الذي يتوقعه بول ؟ ليس الحب بكل تأكيد من أمرأة منحته نفسها لتنقذ أسرتها من الفضيحة , كلا , أنه لا يتوقع منها العاطفة , ولكن حدث ذات ليلة في أثينا أنها تيقنت أن بول يعيش منطويا معزولا عن الناس , وأنه يعاني وحدة غريبة , كان في السادسة والثلاثين من عمره , ولكنه كان يبدو أحيانا أكبر من تلك السن بكثير.
منتديات ليلاس
وعاودت دومني أحداث تلك الليلة بوضوح ,كانا قد أمضيا اليوم كله في السباق , حيث بدأ يعاني الصداع وتأثرت هي لمعاناته , ووتعجلته العودة الى الفندق , حيث تناولا عشاءهما في شرفة جناحهما , ورغم أنهما لم يتحدثا ألا قليلا ,ولكن شيئا من الألفة كان يقربهما , وعندما ذهب الى غرفته , وبقيت هي وحدها في غرفتها , سمعته يزرع الغرفة ذهابا وأيابا لأكثر من ساعة .... ذهابا وأيابا .... مثل نمر في قفصه , بينما بقيت هي في فراشها قلقة تتساءل أذا كان ضميره هو الذي يؤرقه , وتسربت حلقات دخان سيكاره الى غرفتها , ومرة أو أكثر همت بالنهوض لتذهب اليه , وكانت يدها على الغطاء ,
وعلى وشك أن تقذف به , عندما أنقطع صوت خطواته , وسمعته يأوي الى فراشه , وتبينت من الخطوط العميقة على صفحة وجهه صباح اليوم التالي ,
أنه لم يقدر على النوم وبخشونة عانقها في ثوبها الحريري , وسحق السؤال المهذب عن فمها , وضحك بدون مزاح قائلا:
" أذن سمعتني وأنا أزرع الغرفة".