لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (3) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-10, 04:13 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 




5- هدنة جميلة
بعد أن تناول ماتيو وجاكلين طعام الأفطار الذي أعده لهما كويسي ذو العينين المثقلتين بالنوم, أنطلقا بأتجاه الشمال الساعة الخامسة صباحا, وما زال الليل مخيما والجو باردا.
كان كل شيء هادىء من حولهما , ولم تكن حركة المرور قد بدأت تنشط بعد , سألها:
" هل زرت شمال غانا قبل الآن؟".
" أجل زرته عدة مرات مع والدي , ومع صديقة لي هولندية , أتى والداها وهما طبيبان في بعثة طبية الى أفريقيا , ركبنا سيارة شحن , وتابعنا بقية الرحلة متطفلتين , نوقف السيارات لنركب مجانا".
" أجل أن البلاد هنا آمنة أكثر من الولايات المتحدة".
" لن أحلم بالتنقل هكذا في أميركا".
" بالتأكيد لأن المجتمع الأفريقي متفوق في تهذيبه".
" أن هذا أحد الأسباب التي دفعتني الى العودة الى غانا".
ألتفت اليها , ثم نظر أمامه قائلا:
" أنك تحبين هذه البلاد أليس كذلك؟".
" نعم خاصة الشعب , فالناس هنا طيبون ومرحون , أن الأفريقين فخورون كثيرا بأنفسهم ومحترمون".
مرت بهما شاحنة كتب على مؤخرتها: لا تستطيع أن تغير شيئا من مصيرك.
ضحكت جاكلين وقالت:
" وهم فلاسفة أيضا , أنظر الى تلك الشاحنة".
أضفت الشمس البراقة حلة رائعة على الكون ,ما لبثت أن تحولت الى وهج متلألىء , كانت الطريق الى كوماسي مكتظة بالسيارات , ومع هذا فالسائقون يقودون سيارتهم بسرعة جنونية ويحدثون ضوضاء مروعة , كانت التلال مغطاة بغابة خضراء , سرّت جاكلين بهذه المنظر الجميلة ,وتأملت القرى التي مرا بها ,تناثرت أبنية صغيرة الى جانب الأكواخ التقليدية التي صنعت سقوفها من سعف النخيل.
وتحت ظلال أشجار المانغا , جلست النساء على مقاعد طويلة تحضرن الطعام , أو تطعمن صغارهن.
تناولا غداءهما في مطعم كوماسي , وغادراه بسرعة كبيرة كيلا يفوتهما وقت أنطلاق المركب ياجي عبر بحيرة الفولتا.
كانت مدينة البحيرة تعم بالنشاط حتى منتصف النهار , وتحت أشعة الشمس المحرقة , كان المركب في منتصف البحيرة ولن تستغرق عودته أكثر من ساعة , وتحت أشعة الشمس وقفت السيارات الخاصة أولا , ثم عدد كبير من السيارات والشاحنات , تمدد بعض سائقي الشاحنات تحت ناقلاتهم , أتقاء للحر الشديد بعد أن طال أنتظارهم لعدة أيام.
منتديات ليلاس
ظهرت بعض النعاج هنا وهناك , تحوم بينهم علها تجد مأوى من أشعة الشمس المحرقة.
تقدم ماتيو بسيارته متجاوزا سيارات الشحن , متفاديا الأطفال والكائنات الحية الأخرى , التي كانت تتمشى بين السيارات دون وعي أو أدراك.
تمشى ماتيو وجاكلين حتى وصلا الى طرف البحيرة , فشاهدا المركب يتهادى ببطء فوق المياه , أنتشرت قوارب الصيادين المطلية بألوان براقة على الشاطىء تنتظر أن تبدأ رحلة جديدة.
مرت بجانبهما فتاة صغيرة تحمل قرط موز على رأسها , توقفت تحملق بها بعينين متسعتين ,وعلى وجهها نظرة باردة لا حياة فيها , ألتف حولهما أولاد آخرون , ينظرون أليهما بصمت , أو يشيرون بأصابعهم وهم يقهقهون , ضحك ماتيو وقال:
" أنهم يحدقون بك , وأراهن بأنهم لم يروا فتاة ذات شعر أشقر هكذا ".
غمز الأولاد بعينه , فأنفجروا بالضحك عاليا , وكأن غمزة العين مضحكة للغااية , أخذ ماتيو يغمز الأطفال أينما وجدهم , فسألته جاكلين:
" هل يغمزك أحد بدوره؟".
" أبدا , أنهم يحملقون , أو يضحكون أو يصيحون".
" سيظنون أنك ساحر , تقوم بأشياء مجنونة بواسطة عينيك".
" وهذه غايتي".
" وهل تريد أن تعطي الناس أنطباعا خاطئا عنك؟".
أجابها وفي عينيه أبتسامة:
" وهل هذا ما أفعله؟ هل أخذت أنطباعا خاطئا؟ لست شابا سيئا كما ظننت في البداية , مغاليا في تحيزه , شرسا ,وذا كبرياء متعال , وغير متزن وذا أخلاق سيئة ألخ... ألخ".
" لم أقرر بعد".
بدا على وجهه أضطراب ساخر:
" ربما لم أقنعك بعد بهذا , أنني رائع فعلا , ولكن لم تتح لي الفرصة الكاملة لأثبات ذلك".
" أحب أن تثبت ما تقول".
وما أن نطقت ذلك , وأدركت المعنى المزدوج لجملتها , حتى شعرت بالخجل يضرج وجنتيها , فنظر ماتيو اليها وضحك من أعماقه مما زادها أحمرارا. تلعثمت وقالت:
" لم أقصد...".
أجابها وهو ما زال يضحك:
" نعم فهمت خلفيات هذه الجملة التي لم تعنيها , لسانك يزل أحيانا وهذا خطر كثيرا".
الحمد لله... ها قد تى المركب وعليهما أن يعودا الى السيارة , أتجهت جموع المشاة الى الشاطىء يحملون الحزم والسلال والأطفال , ثم أتى دور السيارات.
كان عليهما أن يسيرا ببطء كي تحمل السيارة فوق المركب وقفا لتعليمات رجل يصرخ ويؤشر بما يفوق طاقته , تبعتهم شاحنة كتب عليها شعار: الأشياء الحلوة لا تدوم.
بدا النهار مملا وطويلا , وكأنه لا يود أن ينصرم , كان جسمها يؤلمها من الحر والتعب أنعشهما النسيم قليلا في السيارة على الرغم من أنه كان مثقلا بالغبار والحرارة , وبعد أن حل الظلام وأشارت الساعة الى ما بعد السادسة , وصلا الى الفندق كيننغ ريست هاوس لم يكن لدى جاكلين أية طاقة تمكنها من النهوض من مقعدها , فقد شعرت أنها ملتصقة به من العرق , وجدا مكتب الأستقبال خاويا , وبعد برهة أستطاع ماتيو أن يعثر على الرجل الذي بدا نائما , وأخذ يقلب دفاتره من الأمام الى الوراء وبالعكس عدة مرات , ليعثر على أشعار الحجز الخاص بهما , نظرت جاكلين الى ماتيو , ويكاد رأسها يهوي في أية لحظة , أنها بحاجة الى دوش وسرير ولا شيء غير ذلك.
" ها هو ".
قال الرجل أخيرا وعلامات الأرتياح بادية عليه , المنتجات الغذائية الدولية بيت من طابق واحد رقم 26 لمدة ليلتين.
فقال ماتيو مترددا:
" حجزنا من أجل شخصين , أعني غرفتين واحدة للسيدة وأخرى لي ".
" لم يحجز سوى مكان واحد , يوجد في البيت الريفي سريران ".
فأجابه ماتيو بحنق:
"أننا نريد غرفة أخرى".
داهمت عينا الرجل نظرة مسكونة وأجاب:
" آسف يا سيدي فالمكان ممتلىء ,هناك مؤتمر في المدينة ... ولكن قد تجد غرفة ثانية في الغد".
" أريد غرفة ثانية اليوم , وأريد أن أقابل المدير من فضلك".
رد الموظف ببرود:
" لقد سافر المدير يا سيدي".
خشيت جاكلين أن ينفجر ماتيو غاضبا , ولكن شيئا من هذا لم يحدث , ساد صمت لبرهة وجيزة , ثم ألتفت الى جاكلين بأستسلام وتعب ظاهر على وجهه وقال:
" حسنا ليس علينا ألا أن نتشارك البيت الريفي , بما أن المؤتمر سيعقد في المدينة , فسيكون بيت البعثة ممتلئا أيضا".
أخذت جاكلين تفكر بالموقف ... سأشترك مع ماتيو في الغرفة نفسها , وسريره بجانب سريري , تواردت في مخيلتها كل الأحتمالات , ستجني المتاعب , لم يفارقها المشهد الذي حصل في غرفتها , وتساءلت أن كان ماتيو سيستغل هذه الفرصة أذا ناما في الغرفة نفسها.
" بحق السماء لا تنظري اليّ هكذا , وكأنني تدبرت هذا الموقف".
أحمرت خجلا , تساءلت ترى هل قرأ أفكارها .
" أنني أفضل الأنفراد بنفسي".
شعرت أنها سخيفة عندما قالت ذلك , ولكن كان عليها أن تقول شيئا , قد يكون هو الآخر راغبا في الأنفراد بنفسه , ولكن ليس هناك من خيار.
" أن الأنفراد بنفسك في غرفة خاصة بك رفاهية , يجب أن تتنازلي عنها , أننا بحاجة للنوم والراحة , لن أتخذ السيارة بيتا , ولو حلت علي اللعنة لأنك محتشمة , خاصة وأنه يتوفر لي سرير جيد وسأنام عليه".
أدار ظهره ومشى نحو البيت الريفي بدون أن يتيح لها أية فرصة أخرى للمناقشة , فلم تر بدا من أن تتبعه ,كان بيتا ريفيا فقيرا ,يتألف من غرفة جلوس كالعلبة , وحمام وغرفة نوم , كانت الجدران قديما مطلية باللون الأزرق , وقد أصبح لونها رماديا بتأثير الغبار , ولمسات الأصابع , أما أغطية السرير فممزقة وقديمة , ولكنها نظيفة وكأنها غسلت لتوها ,وضع جهاز لتكييف الهواء في غرفة النوم , أدارت جاكلين مفتاحه بدون حماس يذكر ظنا منها أنه لا يعمل , صدرت زمجرة وببطء دار المحرك وبدأ يعمل .... مطلقا نفحة من هواء بارد.
قالت مندهشة:
"أنه يعمل".
أجاب ماتيو ساخرا:
" تمتعي به قبل أن يتوقف , أو يقطع تيار الكهرباء في منتصف الليل ".
وعندما أخذا حوائجهما من السيارة , أخذ ماتيو مجلته , وأستلقى فوق أحد الأسرة وقال لها وهو يشير الى الحمام:
" أدخلي أولا".
جمعت جاكلين حوائجها ودخلت الحمام , كان الحمام قديما بنيا وخشنا , أذ تركت مياه الأتربة آثارها واضحة عليه , أما حامل الدوش , فقد كان مزودا بسطل مليء بالماء , كما وجد سطل آخر الى جانب المرحاض مم يشير على أن ماء الصنابير لا يجري , شعرت بالأستياء فهذه أول مرة تأخذ دوشا بهذه الطريقة بعد يوم متعب, أستحمت وأرتدت ملابسها وعادت الى الغرفة.
تنهدت بأرتياح عندما لفح وجهها نسيم جميل أتى من غرفة النوم , سيتمتعان بجو لطيف , وبارد أثناء النوم , نام ماتيو بسرعة ومجلته على صدره , أضحكها منظره الذي بدا غريبا , خلعت جاكلين عباءتها ودست نفسها في الفراش , غطت نفسها حتى ذقنها بالغطاء الأول , لن يستطيع ماتيو النوم وهو متسخ لهذا هتفت:
" أنهض يا ماتيو لقد أنتهيت من الحمام".
زمجر وجلس , فسقطت المجلة:
" هل تظنين أن الدوش ضروري الآن؟".
" نعم ... ستنعم بنوم هادىء عندما تكون نظيفا".
" أعتقد ذلك , وقف ونظر اليها وهي في السرير.
" أتريدين عشاء ... طعاما لذيذا , ديك حبش مع أرز مثلا؟".
" لا , أريد أن أنام".
" هل أنت متأكدة من هذا؟".
" أجل".
سحبت الملاءة حول نفسها , وكأنها درع سيحميها , كما شعرت برغبة في ضربه , هل يلعب مباراة معها , وهل يظن أن دمه خفيف.
أخذ ماتيو حاجاته ودخل الى الحمام , أغلقت جاكلين عينيها , وشعرت بأرتياح مؤقت , لم تشعر بالأطمئنان الذي كانت تحلم به , أنتظرت بأضطراب عودة ماتيو الى الغرفة , زادت ضربات قلبها عندما عاد الى الغرفة يلف منشفة حول وسطه , طويلا , قويا , ذا لون أسمر داكن , بدا كفتى الأحلام الذي تتمناه كل أمرأة , أجتاحهتها موجة عارمة في أن تلمسه وأن تدفن ودنتيها في صدره , وتداعب شعره الأسود الكثيف بأصابعها .
تضرجت وجنتاها وقالت:
" كان بأمكانك أن ترتدي شيئا ".
" آسف لأحراجك , لم يخطر في بالي أبدا أننا سنتقاسم الغرفة ".
نظرت الى الأتجاه الآخر , كيلا يشعر بأضطرابها , لكن جهودها ذهبت سدى أذ أنه يفهمها جيدا.


أهتز الفراش عندما جلس ماتيو عليه ثم نظر اليها مبتسما :
" هل تشعرين بالخوف مني؟".
حاولت أن تجيبه بلهجة عادية , ولكن صوتها فضح أرتباكها:
" خائفة منك... أنا... لماذا؟".
" لا تتظاهري أنك لست خائفة".
نظرت اليه وأدهشتها رقة نظراته , وأشياء أخرى لم تفهمها , شيء ما جعلها ترتجف , فخفق قلبها بجنون, لم تستطع عيناها أن تفارق وجهه ولم تعلم كم مضى من الوقت وكلاهما يتأمل الآخر.
وبرقة أخذ وجهها بين يديه هامسا:
" أنك جميلة .... جميلة بطريقة خاصة".
ثم أنحنى عليها وعانقها بدفء ونعومة , كان هذا آخر ما توقعته .
تلاشى غضبها ومقاومتها ,وشعرت بقلبها يختلج جاهدا , بدا لها أن العالم قد أنهار , وأنها أمام حقيقة واحدة لا مفر منها وهي أحساسها به , أحاطها بذراعيه .... هل هذا ما تريد؟ هل هذا ما تنتظره؟ ولكنها لم تستطع أن تفكر بهذا في هذه اللحظة ... شيء ما يشغلها.
" جاكي.... جاكي....".
وفجأة أبعدها عنه وذهب الى السرير الآخر .
" تصبحين على خير يا جاكي".
مددت نفسها في الفراش وهي ترتجف ,ماذا حدث .... ولماذا تركها هكذا.
" ماتيو ... ماتيو".
لا تعلم لماذا نادته , ولكنه قال:
" نامي يا جاكي نامي".
لم تجرؤ على الكلام ثانية , كان عقلها مضطربا ,ولم تستطع أن تهدأ , سمعت أنفاسه تملأ الغرفة , بماذا كان يفكر ... ما هو شعوره الآن , ليتها تعلم , لم يكن نائما أنها متأكدة من ذلك , داهمها النوم فعانقت أحلامها ,وعندما أستيقظت سمعت صوته يصفر في الحمام , عاد للغرفة وهو يفرك رأسه بمنشفة , وقال بصوت مجرد ودون أن يقصد شيئا معينا:
" صباح الخير يا سيدتي الجميلة , كيف نمت؟".
" كالقتيلة".
سألته ضاحكة وكأن هذا اليوم لا يمت بصلة الى الأيام الأخرى:
" ما نوع هذا اليوم".
" دعيني أخمن , مشمس , وحار مثقل بالرطوبة , الحرارة حوالي خمس وتسعين درجة أذا حالفنا الحظ , ما رأيك؟".
" سيء".
ثم تابع:
" ما رأيك بالنهوض من السرير أم تريدين المساعدة ؟".
أجابت بأستخفاف مثله:
" لا أشكرك , سأ نهض عندما تخرج من الغرفة"." حاضر , سأخرج لأتكلم مع العصافير , ولكن أسرعي فأنني أتضور جوعا , حبذا لو تأخذين أشياءك معك , ولو أننا سنعود في المساء".
تابعا سفرهما حوالي الساعة السابعة , كان الطريق يعج بالحركة فالنساء والبنات يحملن على رؤوسهن أوعية كبيرة مليئة بالماء , لفح وجهها هواء بارد من النافذة , فسرت قشعريرة في جسدها.
" هل تشعرين بالبرد؟".
" نعم , وبدأت بأغلاق النافذة , أن ما يدهشني حقا كيف ينقلب الطقس فجأة أثناء السفر , لم يمض سوى نهار واحد , ونحن نسير بأتجاه الشمال , ومع هذا فقد غدا الجو باردا هنا , وقد خفت الرطوبة أيضا ".
ضحكت جاكلين وهتفت:
" أيتها الصحراء ها أنذا آتية اليك".
كان عليهما أن يسافرا مدة يومين آخرين شمالا كي يصلا الى الصحراء , أن مناخ الصحراء يتميز بالحرارة والجفاف ,والأيام الحارقة الحارة والليالي الباردة المتجمدة , كم تتوق أن ترى الصحراء بشعبها ومدنها , وأن تشاهد الجمال والواحات المليئة بالنخيل , وأشجار البرتقال , لقد سمعت قصصا مشوقة من رفاقها الذين تطفلوا على السيارات ليتنقلوا في الصحراء من غانا الى مراكش.
شعرت جاكلين براحة تامة أذ لم يتكلم ماتيو عن موضوع الليلة الماضية , بل تجاذبا أطراف الأحاديث العامة والبسيطة بهدوء , مما أمدّها بالأرتياح والطمأنينة , خاصة بعد أن زال معظم التوتر الذي كان سائدا بينهما , ألا أن ذكرى دايانا تقلقها , ولكن يكفيها ما حققته وماتيو من أنسجام .
لم يذكر ماتيو دايانا قط , منذ أن غادرت قبل عدة أشهر , ترى هل ما زال يحبها وهل ستعود في يوم ما؟
لم تزل تصرفات ماتيو تربك جاكلين على الرغم من شعورها بالأرتياح , تداعت أفكارها تباعا , لماذا عانقها أذا كان لا يهتم بها ؟ ترى هل أوحى لها خيالها بذلك , ولكن ترى هل تركت لمساتها أثرا في نفس ماتيو ؟ فكرت بحنق لا , يجب ألا أفكر بهذا الموضوع فأنه لا يجدي نفعا , تحركت في مقعدها ونظرت الى الخرج.
منتديات ليلاس
تبدل منظر الطبيعة بشكل ملحوظ بعد أن غادرا غانا أمس , أختفت الغابات الأستوائية الخضراء في المنطقة الساحلية ,وبدأت الأراضي صفراء جافة , كما أضفت الأكواخ الدائرية الشكل والتي تجمعت قرب بعضها بعضا كآبة وفقرا وجفافا.


وبعد قليل أنعطفت السيارة نحو طريق ترابي ضيق , وبعد أن قطعا ببطء كبير , وجهد بالغ عدة أميال أخرى , وصلا الى الساحة حيث وجدا السيد منيلا في أنتظارهما , حياهما وقال بلهجة أميركية بحتة :
" أنني مسرور لقدومك يا آنسة دونلي".
كان يرتدي ثوبا فضفاضا , لم يستطع هذا الثوب أن يخفي آثار أميركا وكانساس بالذات , قادهما الى منزله المكون من مزيج من الطين حيثقدم لهما أخوه بعض القهوة , أنه رائع ... همست جاكلين في أعماقها , وهي تنظر الى مينيلا , بدا طويلا وأنيقا ومثيرا في هذا الثوب الذي تعاكس لونه مع لون بشرته الأسود , تساءلت فيما لو أن مينيلا كان يرتدي هذا الثوب في أميركا , وعندما سألته أجابها قائلا والسرور يلمع في عينيه :
" كنت أرتديه في فصل الصيف عندما أشعر بالحر , وبالطبع عندما أذهب للحفلات , فليس هناك وسيلة أفضل منه لأثارة الفتيات".
أجابت جاكلين ولا تزال مندهشة من الأزدواج الحضاري الممزوج داخل هذا الشخص الذي يبدو أميركيا بحتا , لكن نظراته لا تخفي أنه أفريقي أصلا.
" لا أشك في هذا".
عادوا بعد ذلك الى وسط الساحة حيث كانت القرية بأجمعها تنتظرهم بمن فيها: رئيس البلد , والأعيان , وحتى الفرقة الموسيقية المحلية , جلس الرئيس وهو نسخة طبق الأصل مكبرة للسيد مينيلا طويلا وأنيقا , جلس على وسادة محشوة فوق منصة فرشت بالجلود , وجلس الأعيان بأثوابهم الطويلة فوق درجات المنصة , قدمهما مينيلا الى الجميع , ثم أحتلا مكانهما , جلس ماتيو على مقعد خشبي , بينما جلست جاكلين على أريكة , غمز لها ماتيو فأدركت أنهم يعاملونها معاملة خاصة للترحيب بها , فلولا وجودها معه, لجلس ماتيو على الأريكة المريحة.
ألقى الرئيس خطابا بلغته , فترجمه مينيلا لهم , كانت جاكلين تختلس النظرات من حولها بأنتباه ,جلسوا في ظل منزل الرئيس المؤلف من عدة أبنية من اللبن بما فيها الأبنية التي بدت كأنها مستودعات للقطن , بدت القرية قاحلة ومغبرة , وخالية من جميع المزروعات عدا بعض الأشجار .
أتى دور ماتيو في الحديث , فحدثهم عن شركته وطريقة عملها ,ترجم مينيلا مرة أخرى حديث ماتيو , راقبته جاكلين عن كثب , فلم تسمعه من قبل وهو يتحدث الى جمهور كبير , فشعرت بمزيد من الأعجاب به , لما يتمتع به من ثقة بالذات , كان متحدثا بارعا , يختار كلماته بحذر ودقة , وكان واضحا أنه أثر أهتمام الحضور كما أثار أهتمامها , كانت تحب أن تنظر اليه , بدا طويلا , منتصب القامة ... كان لون قميصه الأبيض ذي الكم القصير لا يتناسب مع لون بشرته البرونزي , بدا مطمئنا لحديثه وللموقف جميعه ,حتى أنه أستطاع أن يرمي بعض الطرائف , ويضحك الجمهور على الرغم من وجود العوائق اللغوية والحضارية , صفق الحضور له كثيرا عندما أنهى حديثه , أنتهت أجراءات الأستقبال , وذهب كل لأداء واجباته اليومية ... كنقل الماء , أو صناعة الأواني الفخارية , جلست جاكلين وماتيو مع الرئيس والأعيان , يناقشون الأعمال بشكل جدي , أخرجت جاكلين دفترها وقلمها , لتدون بعض الملاحظات حول الموضوع.
أبتدأ السيد مينيلا حديثه قائلا:
"لدينا ألف هكتار , لقد زرعنا القطن لعدة أعوام متتابعة , لم يعد القطن ينمو بشكل حسن , لأن الأرض لم تعد ملائمة , لهذا تناقشت مع السادة الأعيان والمواطنين للبدء بزراعة فول الصويا".
" وكيف كانت ردود فعلهم؟".
عقد السيد مينيلا ما بين حاجبيه :
" ترددوا في البداية , لأن فول الصويا ليس مألوفا لديهم , وتساءلوا هل سيكون طعاما جديدا ؟ وأخيرا أقتنعوا بأنها فكرة جيدة خاصة لأن القطن لا يؤكل , ولم تعد موارده كافية".
تكلم ماتيو قائلا:
" قلت أن خيرات الأرض أستنفذت ,ماذا ستفعل من أجل ذلك؟".
تتابعت الأسئلة , وأخذت جاكلين تدونها بسرعة .


أرتفعت حرارة الجو ,فتصبب عرق جاكلين , ومسحته بيدها فلم تستطع أن تكتب , ولحسن حظها لم يداهمها الصداع.
شعر الجميع بالجوع والعطش , وأنتهى الأجتماع بعد نصف ساعة , دعاهم الرئيس لتناول الطعام في مسكنه , قدموا لهما بعض المرطبات والقهوة ,وعندما أنتهى الغداء ذهبوا جميعا لألقاء نظرة على الأراضي , كانت الشمس محرقة حتى أن الأرض بدت لامعة مضيئة , تمشزا بين الصفوف المزروعة بالقطن الهزيل , تألمت جاكلين من قدميها , وتبللت ملابسها بالعرق.
أنتبهت جاكلين جيدا لحديث السيد مينيلا عندما تكلم عن خططه , وبعد ساعة لم تعد تسمع شيئا , أذ أستنفذت حرارة الشمس طاقتها , أما ماتيو فلم ينزعج كثيرا من الحر , مع أن قميصه كان مبللا بعرقه ,ولكنه ما زال يتكلم ويستفهم , ويمشي بدون أن يبذل مجهودا كبيرا فوق الأرض العطشى.
أستغرق التجوال ساعة أخرى عادوا بعدها الى منزل السيد مينيلا , فقدموا لهم العصير الذي لم يكن باردا تماما , وبعد أن أستجمعت جاكلين قواها , طلبت أن تزو عيادة البلدة.
أجابها مينيلا:
" بالتأكيد , وقد تجاوزت الساعة الرابعة ولا بد أن كارول وكوني الممرضتين موجودتان الآن , أما كورت الطبيب الألماني فذهب الى أوغادوغو لبضعة أيام , أنه محبوب من الجميع , فهو شاب رائع ,والممرضات لطيفات , أننا محظوظون كثيرا بوجودهن هنا".
كانت العيادة عبارة عن بناء أبيض مبني في ظل شجرة ضخمة عند أحد أطراف القرية ,حيت الممرضتان الأميركيتان جاكلين وماتيو بحرارة , ودعتهما بفخر لمشاهدة العيادة .
كانت أولاهما نحيلة وطويلة , والثانية قصيرة وبدينة , مما جعل منظرهما يثير الضحك , قالت جاكلين في سرها:
" أن صداقتهما الحميمة تساعدهما على تحمل الظروف التي تعيشانها ".
سألتهم كوني الممرضة البدينة:
"هل تنتظرون لنقدم الشاي لكم؟".
كان وجهها مليئا بالنمش , وعيناها الرماديتان تلمعان ببريق من الأمل , فأجابها ماتيو:
" لا , نشكرك , لا نستطيع , علينا أن نعود لتامال ,لا أحب قيادة السيارة في الظلام على هذه الطرقات".
أردفت كارول قائلة:
" لماذا لا تقضيان هذه الليلة هنا ؟ لدينا المزيد من الأسرة".
فأردفت كوني وهي تنظرمن جاكلين الى ماتيو وبالعكس:
" رجاء , لدينا علبة دراق من أوغادوغو سنفتحها ونحتفل بوجودكما ".
" دراق , كيف لنا أن نرفض؟".
صرخت كوني معربة عن فرحها , فتابع ماتيو كلامه قائلا:
" في الحقيقة أنها فكرة حسنة أن نبقى هنا , فلدي المزيد من الأسئلة عن الشعب".
أشتركت الممرضتان في بيت ريفي من الأسمنت الرمادي , لم يضف أي بهجة على ما حوله , أدخلت جاكلين وملتيو حقائبهما , نظرت جاكلين بسرور لما رأته من لوحات كبيرة ملونة على الجدران , غصت الرفوف بالكتب , كما وضعت بعض الألعاب المسلية كالمونوبولي والسكرابل , في أحد الزوايا ,شاهدت جاكلين بعض الأدوات المنقوشة وكرسيا من الجلد , وبعض الوسائد المغطاة بقماش عادي , مما أضفى على الغرفة جوا مريحا , وهادئا , حتى أن جاكلين شعرت وكأنها في منزلها , سألت جاكلين:
" أين يعيش الدكتو ر؟".
أجابت كارول , وهي تؤشر بأتجاه بيت آخر في الممر نفسه الذي يتصل بالعيادة:
" في ذلك المنزل ".
وتابعت حديثها قائلة:
" يستطيع ماتيو في هذه الليلة أن يمكث في منزل الطبيب كورت , لن يعترض كورت , وتستطيع جاكلين أن تنام في السرير المجاور لسريري ".
وفجأة أحمر وجهها , وأستدركت الأمر قائلة :
" أذا كان هذا يناسبكما , وألا تستطيعان المبيت معا".
بدا أضطراب كارول واضحا فقالت جاكلين:
"لا , أشكرك أنني متيقنة أنه سيشخر".
نظر ماتيو في وجهها وغمزها بعينه:
" أنني لا أشخر , وأنت تعرفين هذا جيدا".
جاء جوابه محرجا لجاكلين , فبدا أضطرابها ظاهرا , عندئذ تظاهرت الممرضتان بأن لديهما بعض الأعمال , فأتجهت كارول الى المطبخ تهمهم ببعض الكلمات بأنها ستحض الشاي.
أما كوني فأخذت فناجين القهوة كي تحضر فناجين الشاي , حاولت جاكلين جاهدة أن تجد ما تقول ولكن عبثا , عبس ماتيو في وجهها بحقد وقال:
" أنت التي دفعتني لذلك , سأحمل الأمتعة الى غرفة كورت ".
ثم سأل كوني:
" هل الباب مفتوح ؟ أم لديك مفتاح؟".
" أنه مفتوح , أننا لا نقفل أي شيء هنا , لأن السرقة محرمة هنا سواء على الزوار أو المرضى".
وعندما غادر ماتيو الغرفة , قالت كوني لجاكلين وعيناها تضحكان بخبث:
" أن كارول محتشمة جدا , تحاول أن تتخلص من هذا الأحتشام , ولكنها لا تستطيع , ألحقي به فلن يهتم أحدا لهذا".
هزت جاكلين رأسها وقالت:
" لا , كان ماتيو يحاول أن يضايقني عمدا , أذ كان يتكلم عن ليلة أمس فقد أضطررنا أن نتشارك الغرفة أذ حصل خطأ ما , فقد حجزوا لنا مكانا واحدا ,أنني مساعدته الأدارية , وهذه فترة عمل قاسية , هذه هي الحقيقة سواء صدقتها أم لا".
قهقهت كوني:
" أنظري الى كارول ونحن نخبرها بما حدث ليلة أمس , سيحمر وجهها خجلا".
عاد ماتيو وكارول الى الغرفة في اللحظة نفسها فسألها:
" أليس لديكم من يحل مكان الطبيب في حال غيابه؟".
أجابته كارول:
" لا , نتدبر ألأمر بأنفسنا , أما أذا كان الأمر صعبا , فأننا ننقل المريض الى المستشفى في تامال".
شربوا شايا , وأكلوا طبقا مليئا من زبدة فستق العبيد المحضرة منزليا .
نظر ماتيو الى جاكلين عبر المائدة , وفي عينيه لذة الأنتصار , ولكنها ضحكت له معربة أنها لا تأبه لأنتصاره , ولا تهتم لأنها تعيش في القرن التاسع عشر , ولا يهمها أيضا ما قد تظنه الفتاتان بها , صبت لنفسها قدحا آخر من الشاي ,وسألتهما:
" ألا تشعران بالوحدة هنا؟ فمعظم الناس لا يتكلمون الأنكليزية هنا على ما أعتقد".
أجابت كارول :
" بالتأكيد , ولكننا متفاهمون مع بعضنا بعضا هنا وهذا ما يساعدنا كثيرا , أن كورت رائع ,وأحيانا يأتي بابا الى هنا فنقضي أمسيات سعيدة ".
" ومن يكون بابا هذا؟".
ضحك ماتيو وقال:
" أنه يروي قصصا مشوقة لا تصدق , وحديثه شيق كثيرا".
ثم أضافت كارول :
" أننا نعرف بعض الأشخاص من البعثة الألمانية في تامال , ونذهب معا في بعض الأحيان ,ونقوم بكثير من المسابقات هنا , بابا يحب لعبة المونوبولي".


أعجبت جاكلين بالممرضتين ,وبطريقة معيشتهما وصبرهما ,وقدرتهما على التحمل, خاصة أنهما تمارسان الطب هنا ,وليس لديهما من الأدوات الا القليل , وهذا ما يؤرق مضجع الأطباء عادة.
وفي صباح اليوم التالي غادر ماتيو وجاكلين القرية محملين بالهدايا , أرطال من الأرز الأسمر , وديكا حبش يصيحان في مؤخرة السيارة , وثلاث دزينات من بيض الدجاج الحبشي.
قالت جاكلين :
" أنني أكره أن آخذ هذه الهدايا , أشعر وكأنني أختطفهم من أفواه الأطفال".
" لا يوجد حل آخر , أذا رفضنا أخذ هذه الأشياء , فكأننا نذل أصحابها , ونحقرهم بعنف".
تابع ماتيو وجاكلين مسيرهما وأهل القرية جميعا من نساء وأطفال ورجال يهتفون ويلوحون بأيديهم .
صاحت كوني بأعلى صوتها:
" سأراكمن في أكرا".
قالت جاكلين لماتيو وهما في طريق العودة:
" لا أستطيع يا ماتيو أن أتخيل أنني ممرضة في الأدغال , حيث لا أجد مكانا آخر أذهب اليه , ولا يوجد أناس أكلمهم ألا أولئك المرضى , سأجن حتما".
" أنك تحبين حفلاتك وولائمك أليس كذلك؟".
أجابته بغضب:
" ليست الولائم والحفلات ما تهمني , اريد أن أخالط الناس , وأسر بالعيش بين نماذج مختلفة منهم , أكتشف ماذا عملوا , وماذا أنجز هؤلاء ؟ وأين كان أولئك؟".
" أن تعليقي مجرد أنتقاد يا جاكي ".
هز رأسه ضاحكا :
" لماذا يزعج كل منا الآخر؟ دعينا نتخلص من هذا؟".
تعجبت كاكلين من قوله وهمست في سرها:
" لقد قال نحن, ولم يقل أنت , أذن أنه يشعر أنه بدوره , يبدو أن أشياء صغيرة ستطرد هذا التوتر , أن هذه الرحلة ممتعة لقد سرت جدا خلالها , وسيبقيان معا حتى ليلا في فندق تامال , داهمها شعور بالزهو عندما تذكرت تلك الليلة في الفندق متذكرة عناقه لها , الأفضل أن تنسى ذلك , فنظرت خارجا كيلا تسرح بأفكارها من جديد.
وصلا الى كوماسي وقضيا ليلة في فندق المدينة ,وفي صباح اليوم التالي , تجولت جاكلين في المدينة مدة ساعتين ., بينما ذهب ماتيو ليقضي بعض أعماله ,ثم أتجها الى أكرا بعد ظهر ذلك اليوم ,وما أن أستقرا حتى باشرا بالعمل.
كانت جاكلين تقرأ تقريرا عن رحلتهما الى الشمال , حرصت أن يكون التقرير جيدا لتثبت جدارتها ,أصبح عدم أزعاج ماتيو أمرا يهمها , أنه مسرور بعملها حتى الآن , لكنه لم يعترف بفعاليتها وجدارتها ألا مرة واحدة.
منتديات ليلاس
أنها ليست مقتنعة ولا تعلم لماذا , أنها تتوق لموافقته ويختلج في داخلها تساؤل : هل عليها أن تفعل شيئا آخر له , لا علاقة له بالعمل , شيئا آخر يفوق تفوقها بعملها.
كانت ذكرى ليلة تامال تداهمها في أوقات غير مناسبة , تحوم حولها الذكريات مرات ومرات حتى أنها تشعر بالضيق أحيانا , لقد حقرها مرارا , وأزعجها , وأغضبها , ولكن عندما أحتضنها بدا وكأنه رجل آخر , عطوف , ناعم ,ومحب , لقد أيقظ بها أحاسيس لم تكن تعرفها , لم يعانقها للتسلية , أنها لا تصدق ذلك , ولكن لماذا يتركها فجأة أذا كان بدافع الحب ؟ هل تكمن دايانا في أعماقه؟ أما زال يحبها؟ وأن صح ذلك , فهل يضايقها هذا الأحتمال؟ أجل أنه يؤرقها , ويقض مضجعها , لكنها تشعر بالذل كلما تذكرت أنها تستسلم للمساته بدون أية مقاومة , أنها ترفض أن يكون تأثيره عليها عنيفا , حتى ولو كان بحاجة الى دايانا.
وفي صباح أحد الأيام , وبينما كانت تعمل , وجدت ماتيو واقفا أمامها في مكتبها:
" جاكي".
نظرت اليه وهي توقف عملها مجيبة:
" نعم".
" هل أنت مشغولة جدا؟ أريد أن أتحدث اليك ,أريد أن أقول لك شيئا مهما ".
" سأنهي عملي خلال دقائق , وآتي الى مكتبك".
" حسنا ".
سمعته يتوقف في صالة الأستقبال , ويطلب قهوة لكليهما , ثم أخبر بيشنس قائلا:
" لا أريد أن يزعجني أحد".
لم تستطع جاكلين أن تتخيل ما الشيء المهم؟ حتما أنه لا يتعلق بالعمل.
لن تنقلب الدنيا , ولم تسمع أن أحدا يتوقع هذا , كما أن العلاقات الشخصية بينهما على ما يرام , وفجأة شعرت أن شيئا يحطم أعماقها... أنها دايانا ستعود قريبا , يجب أن يكون الأمر كذلك , أن ماتيو سعيد منذ الصباح , وسيخبرها الآن أن دايانا ستعود , وأنهما سيتزوجان قريبا , لهذا يجب عليها أن تترك مسكنها , وأن تجد مكانا آخر تسكن فيه , لم يرق لها هذا التفكير ... فقد أصبحت الشقة منزلا لها , ولا تريد تركها , وترفض عودة دايانا , كان عقلها يغلي أضطرابا ,وفجأة شعرت أنها مريضة.




 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:15 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



6- الشرارة المفقودة
كان ماتيو يجلس الى مكتبه , عندما دخلت جاكلين غرفته ,وضع فنجاني القهوة على المكتب , أخذت أحدهما وجلست , أدركت تماما أنه كان يتأملها , سألها:
" ما بك؟".
" لا شيء ,كنت أتساءل ما هي الأخبار الهامة".
" تشجعي ... أنها أخبار جيدة".
" لك أم لي".
" لنا معا".
لم يكن سؤالها ينم عن ذكاء , ولكن لم يكن لديها سواه , سألها :
" بماذا تفكرين؟".
هزت كتفيها وقالت:
" كنت أخشى أن تكون الأخبار سيئة , ربما أرتكبت خطأ ما , شيء لا أعرفه , لا أعلم , لا بأس حدثني عن الأخبار العظيمة".
كتف يديه ودفع كرسيه الى الخلف وقال:
" ما رأيك في ترقية؟".
" ترقية لي أنا؟".
منتديات ليلاس
أجابت مندهشة فقد كان هذا آخر ما توقعته.
" نعم لك , لا تحلمي بالكثير أنها ترقية صغيرة صغيرة".
بلعت لعابها , ترقية كم تحب ذلك! ولكن هل يعتبر ماتيو الترقية أخبارا هامة ,كان شعورها بالراحة يفوق سعادتها , فقد فكرت بأشياء سيئة للغاية.
" ولماذا تعتبر هذه الأخبار سارة لك؟".
" لأنك ستستلمين عملا آخر بعد ترقيتك , أريد أن تهتمي بتقويم المراحل الأولى للمشروع , هل تذكرين التقرير الذي متبته عن زيارتنا لقرية مينيلا؟".
" بالتأكيد"


" كان تقريرا ممتازا , أن أسلوبك جيد جدا , فقد تبين أن لديك نظرة ثاقبة وواضحة لتفهم المشاكل والظروف المحيطة بالمشاريع , وبدا هذا واضحا من طريقة عرضك للموضوع , أنحنى قليلا للأمام ,ونظر اليها عن كثب , لقد جعلني هذا التقرير أثق بمحاكمتك للأمور , وأريدك من الآن فصاعدا أن تحددي جميع متطلبات المشاريع الجديدة , أجيبي على البريد , وقابلي الأشخاص الذين يأتون الى المكتب لأخذ المعلومات ".
حرك قهوته وأبتسم:
" تبدين مرتبكة قليلا".
" أجل! لست متمرنة على تطوير المشاريع".
" ليست المراحل الأولى معقدة , كما أن لديك كشوفا , وكما قلت لك أنني واثق من محاكمتك للأمور".
" أنني ... أنني سعيدة جدا , ولكن أخبرني ماذا علي أن أفعل!".
" أن الشق الأول بسيط , تستلمين رسائل من أشخاص يطلبون فيها ثمن محراث لزراعة الذرة في قطعة أرضهم , تكتبين رسالة أعتذار لبقة بأننا لا نعطي المال , وتعرضين فيها خدمات ميكانيكية وفنية فقط , قد تتلقين رسالة تطلب أنشاء معمل للسكر , فمصانع السكر شائعة هذه الأيام ,ولكننا لا نهتم بهذا وفق مقاييسنا , أذ أن السكر ليس غذاء هاما , فهو يعطي الجسم سعرات حرارية خالية من المواد الغذائية , ولا يفيد الصحة ".
لوّح بيده وتابع:
" طبعا لا تهتمي بمثل تلك الرسالة".
أخرج رسالة من ملفه وقال لها:
" أعتبري أنك تجرين فحصا الآن , أن السيد دونكر يطلب مساعدة لزراعة مكسرات الكاجو , ولديه مؤهلات ممتازة كالأرض وبعض المال , فما رأيك؟".
" لا يصلح".
فأجابها والدهشة في عينيه:
" ولماذا لا يصلح! أن الكاجو مصدر للبروتين".
" أعتقد أنه مصدر للعملات الأجنبية , لأن الكاجو لا يستعمل للأستهلاك المحلي , سيصدرون الأنتاج , وسنجده متصدرا على موائد الحفلات في لندن".
" تفكير سليم , ظننت أنني سأوقعك في الفخ هذه المرة".
قلب أوراق ملفه مرة أخرى.
" في كل حال هناك العديد من المشاريع الجديدة كفول الصويا واللوبياء وأطعمة جاهزة للرضع المفطومين , أدرسي هذه المواضيع , وأخبريني رأيك".
سألته بدورها:
" وماذا أفعل بالمشاريع التي أوافق عليها؟".
" هذه هي الخطوة الثانية , قومي ببعض الأبحاث عن الموضوع , أنظري أن كان قد جرّب أم لا".
أعطاها تفصيلات أخرى, فشعرت جاكلين أن موجة من القلق المشوب بالفرح تنتابها , غيّرت جلستها , وكتفت يديها وكأنها تعانق نفسها:
" يبدو أن الأمر ممتع للغاية , أتمنى أن أشارك بالأعمال الفعلية للمشاريع".
تأمل وجهها طويلا , كانت نظراته دافئة وممزوجة بشيء لم تستطع تفسيره , لقد شاهدت تلك النظرات من قبل في تلك الليلة في تامال , تدافعت الذكريات أمامها سريعة, وبوضوح منذر بالخطر ,شعرت برغبة عارمة بعناقه مرة أخرى , نظرت اليه , وأيقنت بجنون أنه يفكر أيضا بعناقها وبتلك اللحظة , خفق قلبها... ألتقت نظراتهما لمدة طويلة , ثم نظر الى الأوراق التي على مكتبه ,وقال:
" الخطوة الثالثة هي....".
تابع كلامه بصوت هادىء وغير متقطع , أستجمعت جاكلين قواها ,وركزت ذهنها على حديثه , عادت بعد لحظات الى غرفتها , وشعرت بموجة من السرور والفرح , أن عملها الجديد يدل على أن ماتيو أصبح واثقا منها , ولهذا عهد اليها بمسؤوليات جديدة , وهذا ما يهمها كثيرا ,ولكنها تريد شيئا آخر أدركته في تلك اللحظة , عندما نظر اليها نظرة غريبة لاحت في عينيه.
جلست جاكلين الى مكتبها , ووضعت وجهها بين يديها :
" لا تفعلي هذا بنفسك ".
همست في أعماقها :
" لا تجعلي من الحبة قبة , لا تتخيلي شيئا لم يكن ".
وبعد أن أستطاعت أن تبعد كل الأفكار الأخرى عن ذهنها , أخذت تركز أهتمامها على عملها , وفي مساء ذلك اليوم , رن جرس الهاتف وما أن رفعت السماعة حتى سمعت صوت ديفيد عبر الأسلاك , لم تشاهده بعد عودتها من الشمال فقد كان في واشنطن.
" آلو ديفيد".
" كيف حالك يا جاكي؟ ما رأيك لو نتناول العشاء معا الليلة؟".
" أتمنى من أعماقي , وسأدفع الحساب , أذ نلت اليوم ترقية".
" وكيف حصل هذا؟ أن هذا كثير بالنسبة لفتاة مدرسة لا تؤخذ مأخذ الجد".
ضحكت جاكلين قائلة:
" سأخبرك المزيد".
كانت الوجبة هادئة في مطعم شاطىء النخيل , وبعد العشاء تمشيا فوق رمال الشاطىء , يحملان أحذيتهما بأيديهما , يتكلمان ويضحكان , كانت الرمال المبللة باردة تحت أقدامهما العارية .


خيم الصمت لبرهة , فتمشيا وهما ينصتان الى الأصوات الصادرة عن البحر , كان الشاطىء هادئا , وخاليا من الناس , أحبت جاكلين الوحدة , وفرحت لعدم ظهور الجماهير , والحر , والضجة وهم المعالم الرئيسية للحياة في أكرا , وفجأة قطع ديفيد دابر الصمت وقال:
" لنجلس.....".
رمى نفسه على الرمال وجذبها اليه , داعب نسيم لطيف وجنتيها , ورفع ديفيد خصلة من شعرها خلف أذنيها .
" أن شعرك ينسدل بنعومة , فلماذا لا تتركينه على أكتافك؟".
أمتزج صوته بنبرة غريبة , شعرت جاكلين بأحساس غريب لم تستطع تحديده:
" ديفيد!".
" لا تتكلمي".
أحاطها بيديه وعانقها.
" لا يا ديفيد , رجاء".
همس بأذنيها :
" أنني أريدك يا جاكي".
تصلب جسمها ,وقالت متوسلة:
" أرجوك يا ديفيد .... لا...".
" ما الأمر؟".
" لا أستطيع ... أنني لا أستطيع".
أبتعدت عنه وهي تشعر بالحزن , وكادت دموعها أن تنهمر , لا أنها لا تريد هذا! ولم تطلب ذلك! قال لها بصوت متزن وهادىء:
" تعالي هنا يا جاكي... لماذا هذا الخوف؟".
غطت وجهها بيديها وقالت:
" أنني آسفة يا ديفيد , لا أريد أن تكون جادا في طلبي... أنني لا أريد أن أزعجك".
فقال بلهجة قاطعة:
" أنك لا تحبينني يا جاكي!".
" ليس الأمر كذلك".
" تعالي هنا يا جاكي".
أمسك بيدها .
" دعينا نتكلم عن هذا الموضوع ".
أقتربت منه , فوضع يده على كتفها برقة وقال:
" النقطة الأولى: أنك صديقتي يا جاكي , وأحب أن أكون معك , أننا نستمتع بأوقاتنا وأحاديثنا معا , أنك تتمتعين بالعقل والأحساس كأي أنسان آخر , النقطة الثانية: وبالأضافة الى أنك أنسانة , فأنك أمرأة بكل معنى الكلمة ".
توقف عن الكلام ونظر اليها :
" كما أنني شاب طبيعي كباقي الشبان , وسيكون الأمر شاذا أذا لم أرغب أن يحدث شيء ما بيننا".
هز رأسه وهو يبتسم لها , كانت عيناه مندهشتين مما أشعرها أنها فتاة صغيرة وسخيفة:
" هل تسخر مني يا ديفيد؟".
" ما زلت صغيرة ... صغيرة , لا تقلقي لهذا الشأن , ولا تفكري به كثيرا , ستنفجر مشاعرك ذات يوم , وعندها ستدركين ما تجهلينه الآن".
ألتقط حذاءه وهزه ليزيل الرمل عنه وقال:
" سأبقى صديقك في الوقت الحاضر أن كنت ترغبين بذلك لأتمتع بصحبتك الممتازة , وسأكبح عواطفي".
دلّت ضحكتها الصادرة من أعماقها عن زوال قلقها ,وقالت:
" أنك يا ديفيد صديق بكل ما في الكلمة من معنى".
أنه لا
يريد أن يسيء اليها , ولكنها لم تستطع أن تتخلص من الشعور بالذنب لأنها رفضته , وأنما لأنها لا تكن له ألا عاطفة الصداقة الأخوية , وشعورها بذلك واضح , عادا الى السيارة , وتعثرا بالرمال ,وبدأت تتساءل ترى: هل أحبها ديفيد؟ لم يشر الى حبه لها, وكانت تعتقد أن عاطفة الصداقة بينهما متبادلة لماذا لا يكون الأمر بهذه البساطة؟
منتديات ليلاس
وعندما عادت الى المنزل , لم تر سيارة ماتيو في مكانها المعتاد , فعلمت أنه ذهب النادي حيث يقضي معظم أوقات فراغه يسبح , أو يمارس أحدى هوايته الرياضية.
دخلت الى المنزل وأستعدت للنوم , كانت بعض حبات الرمال ما زالت عالقة على ملابسها ,وشعرها وحتى على جلدها , لن تتخلص منه ألا أذا أستحمت , تداعت الأفكار في ذهنها تباعا , فلم تستطع أن تنام , كانت تفكر بديفيد ... لماذا لا تحبه؟ أنه لطيف , وصديق مخلص ,ولكن للأسف لم يحرك مشاعرها الدفينة , لكن ماتيو أيقظ مشاعرها ولا تستطيع أنكار ذلك , ترى هل كان أنسجامهما أنسجاما فيزيائيا أم طبخة كيميائية صحيحة؟ أم أن عواطفها تحركت؟ ترى هل هذا ما يسمونه الحب؟


نامت على بطنها تضغط وجهها بالوسادة , كان رأسها ينفلق كالصخر , وعيناها تؤلمانها , الحب... ما هو الحب؟ هل ستعرفه في يوم من الأيام؟
لم تشعر جاكلين بتحسن , الصداع ما زال يزعجها , فنهضت من سريرها لتأخذ بعض الأسبرين ,لم تجد أية حبة , فقد نسيت أين وضعت الزجاجة عندما أستعملتها آخر مرة , قد تجد بعضا منها في حمام ماتيو , لكنها لا تحب أن تتجسس على مكانه الخاص , ألا أنها بحاجة ماسة لبعض الأسبرين , وألا لن تنام الليلة من شدة الصداع.
ذهبت الى حمامه , فلم تجد أيا من الأسبرين لا في علبة الأدوية ولا في مكان آخر من الحمام , أن هذا مضحك , وبينما كانت تقف في الرواق , سمعت صوت الباب الأمامي يفتح , دخلت غرفة الجلوس في اللحظة نفسها التي دخل ماتيو الغرفة , مرتديا بنطالا قصيرا , مع قميص أبيض حاملا مضرب الكرة , أرتبكت جاكلين كثيرا , ونظرت اليه بقلق وقالت:
" كنت ... كنت أـبحث عن جبوب الأسبرين , ولم أجد أيا منها".
نزل شعرها على عينيها فرفعته بعصبية الى الخلف.
" بحثت في حمامك ولم أجد شيئا , آمل ألا أكون قد أزعجتك".
" أنني لا أحتفظ بالأسرار في حمامي , وأعتقد أن الأسبرين في المطبخ , لقد أخذت منه أمس وتركته هناك , أجلسي سأحضره لك".
سمعت صوت الثلاجة يفتح , فعلمت أن ماتيو يصب لها كأسا من الماء المثلج , عاد الى الغرفة وناولها حبتين منه وكأس ماء.
" صداع؟".
هزت رأسها موافقة , وبلعت الأسبرين مع الماء , لم تبعد نظراتها عنه , أذ بدا جميلا في ملابس الرياضة , بدا شعره أشعث , فأنتابتها موجة جنون عارمة أن تخلل أصابعها في هذا الشعر الكثيف , ألتقطت عيناه نظراتها وقال:
" هل هناك شيء آخر؟ ".
وضع يده على جبينها , فأرتعشت فجأة , عقد ما بين حاجبيه :
" هل تأخذين الدواء المضاد للملاريا؟".
" نعم , طبعا".
" هل حرارتك مرتفعة؟".
" لا لدي صداع فقط".
أثار أهتمامه بها أضطرابها , ضحك ضحكة هزيلة وقال:
" أريد أن أتأكد فأنني لا أستطيع أحتمال مرض مساعدتي الأدارية ! كما تعلمين".
أزعجها تعليقه لبرهة , أذا كان مقدرا لها أن تمرض , فسيحصل هذا شاء أم أبى , قد يستطيع المكتب أن يمارس أعماله لعدة أيام بدون حضورها أذا كان هذا ما يخشاه , نهضت وهي تشد ثوبها حول نفسها وضعت شعرها خلف كتفها وقالت:
"يحسن بي أن أذهب للنوم , أشكرك من أجل الأسبرين".
شعرت بأرتياح في صباح اليوم التالي , وعندما دخلت غرفة الجلوس لتناول وجبة الأفطار , وجدت ماتيو يقرأ جريدة الصباح , رفع رأسه وقال:
" صباح الخير , ما أخبار الصداع؟".
" لقد زال أشكرك".
ذهبت جاكلين لتحضر شيئا من القهوة , فحيّت كويسي الذي كان يقلي بيضا , ويحمص الخبز , كان الطقس غائما منذرا بالمطر , أدارت مفتاح الضوء قائلة:
" أن المطبخ مظلم".
أجابها كويسي:
"أجل ستهطل الأمطار".
أنقضى الصباح بسرعة , وأنتهت التقارير المالية الشهرية في موعدها المحدد لأن الطريقة التي أتبعتها كانت فعالة.


أنقضى الصباح بسرعة , وأنتهت التقارير المالية الشهرية في موعدها المحدد لأن الطريقة التي أتبعتها كانت فعالة.
وبعد الغداء بدأت قراءة تقرير عن مزارع الماعز , عندما هبت رياح عاصفة من النافذة المفتوحة , فبعثرت جميع الأوراق على الأرض , ثم صفع باب وتلاه آخر , أغلقت النافذة , ووقفت صامتة لمدة , وهي تتأمل أشجار جوز الهند المتمايلة مع الهواء , كان الهواء منذرا بالعاصفة حيث كان يشتد في كل ثانية . حل الظلام على الغرفة , فأضطرت أن تدير مفتاح الضوء , ستنقشع الغيوم سريعا , وتهطل الأمطار , رحبت جاكلين في التغيير الجوي فهي تحب الأمطار , ورائحة الأرض المبللة بمياه المطر , وحفيف الأشجار الندية.
وبعد أن جمعت أوراقها , جلست لتنسقها من جديد , قرعت بيشنس الباب , وأدخلت لها فنجانا من القهوة , كان الفنجان يقعقع فوق صحنه مما يدل على أن الفتاة ترتجف , فسألتها جاكلين:
" هل تخافين المطر يا بيشنس؟".
" لا... لا ... لا أعلم ماذا جرى للسيد سيمونز".
سألتها جاكلين:
" ماذا حدث؟ ماذا تقصدين!".
قالت بيشنس:
" سلمته بريده منذ لحظات , وبدا سعيدا , وطلب فنجان قهوة ,وعندما أحضرته اليه ( حملقت عيناها وبنظرات قلقة تابعا) لم يكن على ما يرام يا آنسة دونلي".
هرعت جاكلين الى الباب قبل أن تفكر ماذا ستفعل ؟ قرعت بلطف باب مكتبه الذي كان مفتوحا قليلا ودخلت , لم ينظر اليها , وهالها منظر ماتيو مرميا على الكرسي , وكأنه بالون متلاش , وعندما حاولت أن تقترب منه , شعرت كأن ساقيها من المطاط يتحركان ببطء , وسألته:
"هل من شيء يا ماتيو؟".
كان يحملق في بعض الأوراق التي أمامه , نظر اليها بهدوء وبوجه رمادي وعينين ممتلئتين بأحساس مبهم وداكن , أجابها:
" لن يكون أي خطأ بعد الآن , لقد توضح كل شيء , أصبح الأمر واضحا تماما".
جفلت جاكلين لدى سماع صوته الحزين , راقبته وهو يجمع أوراقه ويضعها في حقيبته , ثم دفع كرسيه الى الخلف بعصبية ونهض:
" عفوا! أعذريني".
وتخطاها الى الباب وخرج , تسمرت في مكانها , هل حدث مكروه له؟ لم تعرف كيف تتصرف , سمعت صوت سيارته ينطلق فوق الطريق المفروشة بالحصى , هطل المطر بعد لحظة , فشعرت بقشعريرة في جسدها , وتملكها أحساس بالخوف لا فكرة لديها عما تكلم أو أين ذهب , عادت الى أوراقها , فوجدت قهوتها دافئة , دخلت بيشنس الغرفة وعلى وجهها تغيير مروع وسألتها:
" هل هو بخير؟".
" لا أعلم يا بيشنس , أتعقد أنه ذهب لمنزله لا سيما أن الطقس رديء للغاية".
أستمر المطر يهطل وقد أشاعت الرطوبة السوداء في الجو كآبة وذبولا , شعرت جاكلين بالأضطراي والعصبية , فلم تنجز شيئا من عملها طوال فترة بعد الظهر , وعندما أشارت الساعة الى الخامسة مساء , ولم ينقطع المطر , قادت جاكلين بيشنس وسامسون الى منازلهما كيلا يتبللا بالمطر , وهما ينتظران الباص , كان المنزل مهجورا عندما عادت اليه , فقد كان كويسي بعطلته الأسبوعية , وماتيو خارج المنزل , أين ذهب يا ترى في هذا الطقس الرديء جدا ؟ لماذا تقلق عليه وهو قادر على الأهتمام بنفسه؟ أعدت وجبة مما كان في الثلاجة , وعندما أشارت الساعة السابعة مساء ,ولم يأت تساءلت أن كان عليها أن تنتظره , وبعد لحظات أشتد هطول المطر وأصبح المنزل كئيبا وموحشا , أعترتها هواجس مختلفة , أخذت تتزايد ساعة بعد أخرى , شيء ما قد حدث له؟ حادث سيارة مثلا ؟ يجب أن تخبر أحدا بذلك؟ من؟ ديفيد.وعندما سمعت صوت ديفيد يجيب على الهاتف قالت:
" أني مسرورة لأنك بالمنزل".
أجابته بقلق:
" أجل أنه يتعلق بماتيو , فقد ذهب ولم يعد ولا أعلم أين هو؟".
أخبرته عما حدث ولكن ديفيد ضحك وأجابها:
" تبدين يا جاكلين كزوجة قلقة , أسترخي , يستطيع الأهتمام بنفسه ".
" حاولت ... حاولت دون جدوى , لا أعلم لماذا... كانت حالته سيئة جدا عندما غادر المكتب".
ساد الصمت فترة طويلة ثم أتى صوت ديفيد :
" حسنا يا جاكي سأبحث عنه".
" آه ديفيد أشكرك".
وأخيرا توقف هطول المطر , فداهمت المنطقة جماهير غفيرة من حشرات غريبة تشبه الفراشات المجنحة تطير على النوافذ.
وما أن تجاوزت الساعة الحادية عشر ليلا حتى رن جرس الهاتف:
" هل كنت في الفراش؟".
سألها ديفيد.
أجابته بصوت متقطع:
" لا".
" لم أتعقد ذلك , أنه في طريقه الى المنزل , سيصل حالا".
تنفست الصعداء وسألته:
" أين كان يا ترى؟".
" لا أدري أين أمضى فترة بعد الظهر , ولكنه أتى الى هنا بعد أن أغلقت الخط مباشرة يا جاكي , جلس عندي طوال السهرة , يتناول بعض المرطبات , فلم أستطع أن أخارك , لأنه كان الى جانبي".
" معك حق يا ديفيد , أنني أقدر الموقف... هل أكثر من تناول المرطبات؟".
" لا... لا... قليلا , لقد أجبرته ألا يقود سيارته وأرسلت كوفي معه وسيعود بسيارة أجرة".
" كوفي المشرف على منزلك أليس كذلك؟ معذرة فقد نسيت هذا , لأنني لا أستطيع جمع شتات أفكاري هذه الليلة".
فأجابها ساخرا:
" لقد وجدت النعجة الضالة , بأمكانك أن تنامي الليلة".
سمعت صرير البوابة , ثم صوت العجلات على الطريقالمفروشة بالحصى.
" أنه هنا , لقد وصل , من الأحسن أن ننهي المكالمة ".
فقال ديفيد :
" أطلبيني عندما تريدين , أتفقنا".
" نعم , سأفعل , أشكرك جدا".
قفز قلبها بين أضلعها عندما راقبته وهو يدخل من الباب , بدا وجهه رماديا ومنهكا , ونظراته مبهمة وداكنة , قال:
" على الفتيات أن يكن في أسرتهن في هذه الساعة المتأخرة من الليل".
"لم أستطع النوم , فهذه الضفادع اللعينة تصدر أصواتا مزعجة للغاية".
أنهار فوق المقعد الوثير:
" تعالي يا جاكي , وأجلسي بجانبي ,يجب أن نتكلم , لم نتكلم أبدا , أننا نتخاصم".
منتديات ليلاس
ردت عليه:
" لم نتخاصم منذ عدة أسابيع , لقد أوقفنا العداء , كنت في طريقي الى المطبخ كي أصنع القهوة , هل تريد فنجانا؟".
نظر اليها بملل وقال:
" أجل".
مضت جاكلين الى المطبخ, وهي ترتجف كالورقة , أنه جنون , قعقعت الفناجين في يدها ووقعت الملعقة أرضا.


قال ماتيو وهو يأخذ فنجانه :
" أن ديفيد شاب من الطبقة الأرستقراطية , أنك محظوظة يا جاكي".
عضت شفتيها لتكبح غضبها وقالت:
" أن ديفيد صديق ودود , عرفته منذ زمن مضى".
أجاب دون أن يفصح عما يريد:
" الصداقة القديمة شيء جيد".
لم تسعفها الكلمات , فجلست أمامه ترشف قهوتها , بدا كل شيء من حولهما ساكنا لبرهة لولا نقيق الضفادع المستمر في الخارج , كان ماتيو مشغولا بأفكاره يتداولها في سره وهو يحملق بفنجان قهوته , أحاطت جاكلين فنجانها بأصابعها القوية ,وهي تشعر بالأحباط , ليت لديها ما تقول , ليتها تعلم كيف ستمزق هذا الجمود , وتصل الى أعماقه ,لتساعده أو تفعل أي شيء من أجله , ولكن ليست لديها أية فكرة عما أعتراه , وفجأة نهض من مكانه قائلا:
" أريد أن أريك شيئا , تعالي".
جذبها من يدها وقادها الى غرفة نومه التي لم تدخلها حتى ذلك الوقت , كانت متسعة , ولها أرضية خشبية كباقي أنحاء المنزل ,وضع السرير الكبير المغطى بالقماش الملون , الباهظ الثمن في أحد أطراف الغرفة , مشى ماتيو الى خزانة صغيرة وأخرج شيئا من الدرج ناولها أياه قائلا:
" من هذه يا ترى؟".
كانت صورة لفتاة تقف على الشاطىء , أمام أشجار جوز الهند في ثوب السباحة الأسود جميلة وطويلة جدا , لها أطراف نحيلة , وكتل من الشعر الأحمر المتدلي على كتفيها بشكل لفافة كثيفة , شعرت جاكلين بجفاف في حنجرتها وبلعت لعابها وقالت :
" أنها... أنها... خطيبتك".
بدت ضحكته قصيرة ومريرة:
"خطيبة ؟ هذا ما ظننته؟ بل هذا ما ظنه الجميع".
" لا أفهم ما تعنيه يا ماتيو".
منتديات ليلاس
أتى صوتها غريبا ومنخفضا وكأنها تهمس ذلك لنفسها , أجابها بضحكة مريرة:
" لم تفكر أبدا أن تتزوجني , كما تعلمين ... لم تفكر أبدا"..
وضحك ثانية بصوت بارد وحزين , تمنت لو أنه توقف عن الضحك فقد آلمتها المرارة الصادرة من أعماقه , مشى ماتيو الى السرير , وتهاوى عليه وهو يخلع حذاءه , قال وهو يحملق بالسقف بجمود:
" لم تقرر أبدا أن تتزوجني".

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:18 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



7- يملأ عالمها
تأملت جاكلين الصورة بدقة , ثم وضعتها على الخزانة الصغيرة , محاولة أن تجد ما تقول , كان ماتيو مضطجعا على سريره يراقبها , ناداها ضاحكا:
" تعالي الى هنا يا جاكي, لا تقفي هكذا".
لم تستطع تحريك قدميها , ولم تستطع أن تنظر اليه , بدا كشخص غريب الآن , تملكها شعور غريب لم تستطع أدراكه , ترى هل هو الغضب ؟ أم الأسف؟ أم الزن؟ لم تكن متأكدة من ذلك , لاحظ ماتيو ترددها , فربت بيده على الفراش وقال:
" تعالي أجلسي هنا... لا تخشي شيئا".
جلست على حافة السرير ترتجف بردا , جاء صوت ماتيو قاطعا حبل الصمت:
" كانت دايانا عارضة أزياء , هل علمت هذا؟".
أجابته بصوت هامس وكأنها لا تريد التحدث عنها ,ولا الأستماع الى رأيه فيها:
" نعم".
" كانت جميلة , وناجحة جدا , تعرفت عليها في كينيا , هل زرتها؟".
"لا".
تمنت أن ينهي الحديث عنها ,أرادت أن تنهض , وتمضي لشأنها ,ولكن شيئا ما كان يشدها الى غرفته وكأنها لاصقة بالسرير.
" ذهبت دايانا الى كينيا في رحلة عمل , حيث كانت تقوم بعرض نماذج من ملابس الصيف الجديدة , أرادوا أن يصوروها في بلاد مشرقة حيث تتجول الفيلة والأسود في خلفيات المشهد".
لم تتفوه جاكلين بكلمة , ولم يكن لديها ما تقول , بل كانت تحس بعصبية قماش غطاء السرير الملون المفتول باليد , وعيناها مأخوذتان بألوانه الزاهية , البرتقالي والأزرق والأخضر , جذبها صوت ماتيو يقول:
" طبعا لم أدرك أن أفكاري تختلف عن أفكارها في ذلك الوقت , كنت أحب ذاك الشعر الأحمر ولم أر سواها ( ضحك بمرارة وتابع) أما هي فقد وقعت في غرام سيارتي اللاندروفر , كانت لديها أفكار جنونية تتعلق بنمط معيشتي , ظنا منها أنني أحد الصيادين المتألقين البيض".
همست جاكلين في سرها ألا يدرك وبسهولة أنه يبدو كأحد الصيادين البيض بجسمه القوي المحروق بأشعة الشمس , وبوجهه المربع الصارم وعينيه السوداوين اللتين تعكسان مسحة من الغرور والتعالي , لم يبق ألا أن يرتدي ثياب الصيادين , ويركب سيارته اللاندروفر حتى يغدو المشهد عندئذ حقيقة , لكن جاكلين متأكدة أن عمله في كينيا تطلّب منه كل أوقاته بمزيد من الجهد والعناء فأنى له الفرصة المناسبة ليمارس هواية الصيد ألم تدرك دايانا هذا يا ترى؟
وفجأة تابع ماتيو:
" لم يكن الأمر سيئا في البداية فنيروبي مدينة زاخرة بكل متطلبات الحياة ,أستطاعت دايانا أن تقوم بأشياء كثيرة دون ملل , ثم أتت الى هنا , هل تستطيعين تخيل فتاة مثلها في هذا المكان؟ تصوري أنها لم تجد أحمر الشفاه المناسب , فكرهت المدينة وكرهتني لأنني لم أحقق لها آمالها ,كانت تنتمي الى مجتمع نيويورك بكامل تدفقه الحضاري , حرك رأسه ,ولم ينظر الى جاكلين , وكأنه قد نسي وجودها على الأطلاق , أما هنا فلا شيء ينتمي اليها , ( وفجأة ضحك ببرود وتابع بصوت ينم عن أحتقاره لنفسه ) أردت أن أتزوجها ... فتاة بتلك الأوصاف , كم كنت مغفلا , قالت أنها لا تؤمن بالزواج وخاصة الزواج التقليدي المرتبك بالجذور القديمة من عقد وتسجيل وغير ذلك , ثم قالت أنني رجل تقليدي وأنظر هكذا للحياة , وكالمغفلين أقنعت نفسي أنها ستبدل رأيها وتعود الي, ( حملق بجاكلين وسألها) ترى هل تقبلين أنت الزواج مني؟".
خفق قلبها بشدة وقالت:
" ماتيو... أنا... أنا..".
فقاطعها قائلا:
" أن أشياء كثيرة تلائمك هنا أكثر من دايانا , أنت تحبين هذا المكان ولا تخافين من الزواحف , تأكلين الطعام , ولا تصرخين مزمجرة لعدم توفر بعض الأشياء , ولا تتذمرين من نقص الخدم , ولا تشكين الملل ,( ضحك بطرف فمه) ولديك كتاب السحر يعلمك كيف تصنعين سائلا للجلي وتهتمين بعملك ( حملق بالسقف وأضاف) لم تهتم دايانا يوما بعملي , بل كانت تسخر مني وتطلق علي أسم : ماتيو منقذ العالم".
كانت عينا جاكلين متعلقتين بثنايا وجهه الى جانب فمه , وبشفتيه المعبرتين عن يأس مريع , فأعتراها حزن عميق مؤلم ,ونظرت في أرجاء الغرفة تتفحصها ,ولكنها بالحقيقة لم تر شيئا ,ألتزم ماتيو الصمت , وعندما نظرت اليه ثانية كان مطبق الأجفان , فظنت أنه نائم ,وعندما حاولت أن تنهض , أمسك بيدها وسحبها الى جانبه , أحاطها بذراعيه , وتلعثمت كلماته وهو نصف نائم وقال:
" لا تذهبي يا جاكي رجاء أبقي معي".
منتديات ليلاس
كان رأسها يدور , والدماء تغلي في عروقها حتى سمعتها بأذنيها , وغدا صوتها أعلى من نقيق الضفادع في الخارج , كانت تخشى ضخامته , وفجأة أعترتها رغبة جامحة في أن تلصق وجهها بوجهه , وأن تبقى معه حتى الصباح , أخافها هذا الشعور , فأدارت وجهها الى الجانب الآخر.
" لا شك أنني مجنونة.... لا شك أنني فقدت عقلي ".
وعندما نام نوما عميقا مسترخيا ... ترك يدها , فأنسحبت في هدوء , وعادت الى غرفتها.
كان الصباح براقا ومنعشا وحارا كثيرا , أتى ماتيو لتناول الأفطار كعادته واثقا من نفسه وأردف:
" يجب أن أعتذر عما بدر مني بالأمس يا جاكلين , فلم يكن من عادتي أن أفقد توازني لأي سبب".
أجابته بهدوء:
" أعلم هذا".
تأملها لبرهة بعينين باردتين وأردف:
" أنني واثق أنك تعلمين ذلك".
لم يكتف بهذا القدر من الأعتذار اللطيف بل تابع حديثه :
" آسف كنت مزعجا أمس".
ردت جاكلين :
" لم تكن غير متزن, ولم تكن مزعجا ,ولكن طرأ عليك تغيير بسيط".
" لست واثقا بما حدثتك أمس ,ولكنني مستعد أن أسرد لك الحقائق الآن".
عضت جاكلين شفتها ونظرت الى طبقها وقالت:
" لا أرجوك , لا تفعل , لست مضطرا أن تشرح أي شيء ... أنس ما حدث".
شعر ماتيو بأضطرابها ... ولاح شبح أبتسامة على فمه وهو ينظر اليها ثم أردف:
" هل كان ما قلته سيئا للغاية؟".
" لا على الأطلاق ... ولكن...".
" أذن... ما الأمر؟".
فكرت لحظة كيف تترجم شعورها الى كلمات؟ قد تكون الصراحة المطلقة أسهل وأفضل طريقة للتعبير فقالت:
" طلبت مني أن أبقى بغرفتك , وحدثتني عن أشياء لا تخصني , كنت مسترسلا في سرد الأخبار , فلم أوفق في أن أجعلك تلتزم الصمت".
" حسنا( شرب قهوته وقال) لنبسط الأمور أذن لقد أخبرتك أنني أجتمعت بديانا في كينيا قبل قدومي الى هنا بوقت قصير , وأردت أن أتزوجها , كان لديها أتجاه آخر , عاشت معي لفترة , ولكنها لم تحتمل العيش هنا , لهذا سافرت , لقد أستلمت منها رسالة بالأمس , تخبرني أنها لن تعود , وأن علاقتنا قد أنتهت , لقد أنتقدت في معرض رسالتها طريقة معيشتي وأفكاري , لا بل لم تنتقد فقط بل شرحت ما عندها مما أفقدني توازني , لا أعلم لماذا أستأت هكذا مع أن الأمر متوقع , وأنه لمن الغباء أن أور بهذا الشكل فهي لا تستحق ذلك , وها أنذا أعتذر منك".
أتى صوته باردا وهادئا وكأنه يروي قصة لا تمت اليه بصلة , نظرت جاكلين اليه , بعينين حائرتين , أذ كانت الأفكار تتلاطم في رأسها , بينما شرب ماتيو آخر نقطة من قهوته ونهض قائلا:
" لنذهب الى المكتب".
أنصرم الأسبوع الذي تلا هذا الحديث كما أقبل , بدون أن يجلب معه ألا الأمطار والرطوبة.
لم يعد ماتيو يشير الى تلك الليلة التي تكلم فيها عن دايانا , وأفضى عندئذ بما يجول في نفسه, لكن جاكلين لم تستطع أن تطرد من مخيلتها الجملة التي كانت دايانا تنعته بها : ماتيو منقذ العالم.
وجدت جاكلين هذه الكلمات قاسية جدا , لأنها لمست من خلال أحتكاكها المتواصل بماتيو أنها لا تنطبق عليه , فهو لا يعمل من أجل الشهرة ,ولا لجمع المال ولا يعتقد أنه مسخر لخدمة البشرية في أفريقيا , أن مثاليته لا تتعارض مع المنطق السليم , أو حقيقة العالم المادي , كان مقتنعا في أعماقه بمبدأ المساواة , وأن تتاح جميع الفرص المتكافئة لتحقيق كيان محترم , لقد سخرت دايانا من مبادئه , وأخطأت في فهمه , لذا نعتته بتلك الصفات , ما الذي دفعها الى ذلك؟ رغبتها في أيلامه؟ أم غيرتها؟ لم تفهمه جيدا , لأنها لم تمتشف أهمية العمل بالنسبة اليه , ولم تستطع أن تشاركه هذا الشعور بل سخرت منه , فحياتها كعارضة أزياء تؤهلها أن تفهم ماتيو ,في أحدى الأمسيات , تناولت جاكلين كتابا تقرأه , لكنها لم تستطع فهم ما قرأت فقد كان السؤال نفسه يجول في خاطرها :
هل يحب ماتيو دايانا فعلا؟ طبعا أنه يحبها , كانت ترفض بأصرار أحيانا هذا الواقع مصفوعة بغيرة عنيفة , هل ما زال يحب دايانا مع كل هذه الأختلافات بينهما؟ لم تشأ أن تسأل نفسها هذا السؤال , ولكنه كان جاثما بين طيات دماغها منذ زمن طويل , وأذا كان لا يحبها ؟ فلماذا أستاء من رسالتها الأخيرة؟ وأختفى ساعات ليعود مصعوقا ومهتزا وحائرا , لقد تكلم عنها تلك الليلة , لكنه لم يسرد صفاتها ,ولم يتغزل بها.



أقترب عيد ميلاد جاكلين الواقع في الواحد من شهر آب , وأصبح قاب قوسين أو أدنى , فبدأت تشعر بالأشياء , لأنها تريد تناول العشاء في مكان ما خارج المنزل , لكنها لا تستطيع أخبار ديفيد بذلك اليوم أذ ستضطره أن يشتري لها هدية وهذا ما لا تريده , أضطربت جاكلين وبدأت تقنع نفسها بأن عليها أن تتصرف بحكمة , وليس كطفلة صغيرة في الرابعة من عمرها يرضيها قالب كاتو وبعض الشموع , أتى يوم عيدها ,ولم يحصل معها شيء يذكر , شعرت بالوحدة والألم لأنها منبوذة ومنسية , حتى أنها لم تستلم تهنئة من والديها ... قد تأتي غدا , كانت تعد نفسها بيوم غد , سيطر عليها حزن عميق , ولم تستطع أن تفهم ضحكات ستيفن ولا طرائفه المتعلقة بالنعاج الشاردة , لا شيء أستطاع أن يخلصها من رثاء ذاتها .
كانت الساعة تشير الى الخامسة عندما أحضرت بيشنس مذكرة من ماتيو كتب على المذكرة: هل من مشاريع الليلة؟
حملقت جاكلين بالأحرف المنتشرة على الورقة ,هل عرف ماتيو أن اليوم هو عيدها , لماذا لم يذكره لها , ولم يشر اليه من قبل , رفعت كتفيها , لا أنه لا يعلم ,والأرجح أنه يستفسر أذا كان بأمكانها أن تعمل ساعات أضافية في المكتب , أو أنهما سيدرسان مشروعا مفيدا هذه الليلة معا في المنزل , كالمرتين الماضيتين , لا بأس.... لن يؤثر هذا في شيء حتى ولو عملت ليلة عيد ميلادها ,لاحظت أن بيشنس ما زالت تقف أمام مكتبها وبسرعة دونت( لا....ليس لدي أي أرتباط)ثم أعطت بيشنس الورقة قائلة:
" أعطي هذه للسيد سيمونز من فضلك".
أبتعدت بيشنس وسمعت جاكلين صوت حذائها عبر غرفة الأستقبال , رتبت جاكلين مكتبها , وتأبطت حقيبة كتفها , يجب أن تذهب الى المنزل أولا كي تأكل شيئا , كان ماتية يقف في الرواق ,بأتجاه غرفتها بخطى طويلة ووثيدة , أنها تستمتع بالنظر اليه والى تحركاته , رافعا رأسه ومبتسم , لم يكن أنيقا ,ولكن شخصيته الصارمة جذبتها اليه , أنها دوما تخشى من هذا الأنجذاب , قال وهو يدعوها للعشاء:
" حسنا , أذا لم يكن لديك ما تعملينه الليلة , فما رأيك أن تنتاول العشاء خارجا , ونبتعد هذه الأمسية عن طعام كويسي الرائع؟".
أجابت بهدوء:
" أتمنى ذلك".
قطب جبينه وسألها:
" أين ديفيد ؟ ل هو خارج المدينة؟".
" لا , أن ديفيد في أكرا كما أعتقد".
زاد من تقطيب جبينه :
" أخبريني , أين تريدين أن نذهب؟".
" أي مكان تريد عدا مطعم كودي كودي حيث يتناول به معظم الموظفين الغانيين طعامهم لقربه من المكتب".
ضحك وقال:
" لم أكن أفكر بمثل هذا المكان , أنني أفكر بمكان متطرف ".
" أذن أنني أفضل كومودور , كم أتمنى أن أتناول بعض المأكولات اللبنانية كالتبولة والكبة والحمص".
" حسنا , سنذهب اليه أذن".
لم يشر الى عيد ميلادها , وما زالت جاكلين مرتبكة , لماذا يدعوها للعشاء؟ قال ماتيو:
"ليتك تتركين شعرك منسدلا فهو جميل".
كان شعرها طويلا ومتموجا ومنسابا حتى خصرها , لن يضايقها , ولن تشعر بالحر بسببه ما دام المطعم مكيفا , وشعرت وكأنها فتاة مراهقة تلبي أول دعوة من صديقها للمرة الأولى , لم تدرك لماذا كانت تشعر بالخجل وبالسرور معا عندما أخذ ماتيو يطري شعرها.
طلب ماتيو عشاء فاخرا مع بعض المرطبات الباهظة الثمن , وعندما أحتجت جاكلين ضحك ماتيو وقال:
" هل يحتفل أحد بعيد ميلاده بلا مرطبات فاخرة؟".
سألته ضاحكة:
" كيف علمت أن اليوم عيد ميلادي؟".
ضحك بدوره وقال:
" من الملف الخاص بك, فعندما عهدت اليك بعملك الجديد في الشهر الماضي , كان علي أن أعود الى ملفك من أجل الترقية التي حصلت عليها , عندها لاحظت تاريخ ولادتك".
وضع يده في جيبه وأخرج منها علبة صغيرة دفعها اليها عبر المائدة قائلا:
" وهذه هي هدية العيد لأفضل مساعدة أدارية في أفريقيا الغربية ".
سكتت وكأنها مصعوقة ثم نظرت الى العلبة دون أن تلمسها , أبتسم لها وقال:
"ألا تريدين أن تري ما بداخلها؟".
أعترضت قائلة:
" لا ... لا أستطيع أن أقبلها".
أجاب بسخرية ممزوجة برعب:
" لا تخبريني أنك تريدين أن نتشاجر هنا وأمام الناس؟ ماذا سيظنون ؟".
وعندما لم تجبه ألتقط العلبة ,وفتحها ثم وضعها بالقرب من طبقها .
" هذه هدية مني لك , أرجو أن تقبليها".
أخفضت جاكلين عينيها , ونظرت الى العلبة , أقراط صغيرة ناعمة من الذهب الصافي الذي صنع في غانا , وبحذر رفعتهما ووضعتهما على راحة يدها وهمست:
" أوه يا ماتيو , ولم هذه الهدية الباهظة الثمن؟".
" ألم تعجبك؟".
" أوه رائعة... ... أنها جميلة ".
" ولكنني أحب أن أراها تتمايل في أذنيك , أخذ منها الأقراط وقال :
" أحب أن أضعهما لك بنفسي".
أخجلتها الذكريات فتضرجت وجنتاها أحمرارا:
" لا تحرجني يا ماتيو... أن المكان مظلم ,ولن تشاهد بشكل جيد ".
" هل تراهنين ؟".
دار حول المنضدة , وجلس على كرسي بالقرب منها :
" ألتفتي الي".



كانت عيناه تعانق نظراتها , فقررت أن تتابع هذه اللعبة معه , رفعت يدها ونزعت القرط الذي كان في أذنها ,فرفع لها شعرها عن وجهها , شعرت ببرودة يديه عندما لمس وجنتيها الدافئتين , وقرب وجهه كثيرا منها وهو منهمك بعمله , أقلقها أقترابه منها , كما كان يحدث دائما ,وبدأ قلبها ينبض بجنون.
وضع ماتيو الأقراط بسرعة , ولم يواجه صعوبة في ذلك , وعندما أنتهى لم يتحرك بل نظر اليها :
" أنك جميلة , خاصة عندما تحمر وجنتاك هكذا".
" أشكرك".
" عيد سعيد يا جاكي".
كانت مسرورة وسعادتها تفوق الوصف , ضحكت في وجه ماتيو وقالت:
"ولماذا أخترت هذه الهدية؟".
" هدية السلام , لأنني كنت غبيا بشكل لا يغتفر له عندما وصلت الى هنا , ولأشكرك على لطفك لأنك أستمعت الي وأنا أفضي اليك بأسراري , كنت في حاجة ماسة الى البوح لأي شخص بما يقلقني ويقض مضجعي".
" أشكرك يا ماتيو , أنني مسرورة جدا".
لكنها شعرت بالذنب أيضا , فلم تكن بريئة هي الأخرى لأنها تركته في حيرة من أمرها ,ولم تخبره عن حقيقتها , وعن عملها السابق حتى وصل الملف الخاص بحياتها فأكتشف ذلك بنفسه.
" أنني مسرور ".
أمسك شوكته وبدأ طعامه.
وضعت جاكلين قليلا من التبولة على ورقة خس , ثم وضعتها في صحنها وقالت:
" ماتيو".
نظر اليها نظرة ضاحكة أسرت عينيها:
" نعم".
" أريد أن أعتذر لك بدوري ".
" تعتذرين ولماذا؟".
" لم أكن أنا أيضا صريحة ,كان علي أن أحدك عن خبرتي في العمل ,تركتك تعتقد أشياء خاطئة , فقد كنت حمقاء".
" أعلم ".
منتديات ليلاس
بدا في عينيه لمعان داكن وعميق , دعينا ننسى الآن , أنني أعرفك جيدا الآن".
توقف قلب جاكلين للحظة:
" ماذا تعرف؟".
" أعرف أنك تحبين عملك , وتقومين به بأخلاص , يا جاكي لا أريد أن أفقدك ولو كلفني ذلك العالم بأجمعه".
هذا ما تتمنى فعلا أن تسمعه منذ أن عملت معه , فأن باح لها بشيء , فقد قال لها ما تريد , أعتراها قلق غامض لشيء تجهله ولم تدرك كنهه , فشعرت بالأنزعاج , ماذا كانت تتوقع أذن , أخذت تتساءل.
" دعينا ننسى البداية السيئة ..... أنني أجد أن الأمور غدت أفضل في الآونة الأخيرة".
" نعم".
وتابعت طعامها.
لم يكن المطعم مزدحما , وقد أضفت الشموع عليه جوا وديا وعاطفيا , مما جعل جاكلين تتأثر بهذا العشاء الفاخر , وتستمع بأهتمام الى ماتيو وهو يروي لها قصصا مختلفة عن طفولته : منها المضحك ومنها الحزين.
وصلا الى المنزل في وقت متأخر من الليل , ففتح لها ماتيو الباب الواصل الى غرفتها ,تأملته ,كان طويلا جدا , سيطر على حواسها , فشعرت برغبة جامحة لعناقه , شعور لم تستطع أن تفهمه قالت:
" لقد أمضيت أمسية سعيدة يا ماتيو أشكرك".
بدت نظراته دافئة وباسمة:
" حسنا , لقد أستمتعت بصحبتك يا جاكي , أنك صديقة لطيفة ".
لم يتحرك أحد منهما ,شعرت جاكلين بعودة الشرارة وبالأهتزاز في أعماقها.
أخفضت عينيها , ونظرت الى سترته الحريرية المطبعة بمشتقات اللون الأخضر , أرادت أن تخفي وجهها في صدره وأن تشعر بيديه حولها .
رفع رأسها برقة ,فأزداد أختلاج قلبها , ألتقت عيونهما ... وأمتلأت نظرته بالحنان وبشيء آخر لم تفهمه , وفجأة تغيرت عيناه ... أصبحت نظرته داكنة , ومبهمة , أنزل يده عن وجهها بقل وقال:
" تصبحين على خير يا جاكي".
" أشكرك من أجل الأقراط".
ضحك ضحكة خفيفة وقال:
" أنه من دواعي سروري يا جاكي أن أشتري لك أقراطا".
لم يبق ألا أن تغلق الباب , أتكأت عليه ... داهمها شعور بالحزن , مشت ببطء الى الحمام ونظرت في المرآة , بدا وجهها حزينا , لكن الأقراط أضفت عليه لمعانا خفيفا تحت أنعكاس الضوء , وللحظة تأملت نفسها في المرآة , ثم ما لبثت أن غطت وجهها بيديها , همست :
"لا ... آه...لا..."
لقد وقعت في حب ماتيو , لن تستطيع أنكار هذا أكثر من ذلك , لقد نمت مشاعرها في أعماقها تدريجيا , ولكنها للآن لا تريد البوح بذلك , شعور عميق خاص ... لا يقاوم , أنه الحب.
لم تكن لمساته تلك التي جعلتها تشعر بهذا الدفء , كانت تحب كل ما حوله , عمله , ومشاعره ومعتقداته , وشخصيته , وقوته , وكبرياءه الذي سمح له أن يعتذر منها , لتصرفاته الخاطئة , وعلاوة على ذلك أنها تحب لحظات ضعفه وعناده وأنفعاله.
وعندما أضطجعت في سريرها , أخذت تفكر لماذا تخيفها حقيقة مشاعرها الى هذه الدرجة , يقولون أن الحب أحساس ممتع ورائع يحيي القلوب والأوصال , ولكن هل هي حلاوة لا تدوم , لاح أمامها الشعار الذي حملته الشاحنة : لا ليس الحب لذيذا دوما.
تتالت الأيام على ما هي عليه , ألى أن فاجأها ماتيو يوما قائلا:
" أريد أن أقضي أجازتي في الولايات المتحدة , هل لك أن تتدبري أمر البطاقة والحجز؟".
أجابت كالأغبياء:
" أتسافر الى الوطن؟".
" ألا تظنين أنني بحاجة لزيارة الوطن".
" نعم... نعم.... طبعا".
وسرحت وهي تفكر أن ماتيو سيعود الى الوطن , سيسافر مدة شهر , ليته فكر في الذهاب قبل الآن , أما الآن فأن مجرد التفكير بسفره لا يطاق ثم تابع وهو يضحك:
" ألا تريدينني أن أذهب؟".
" أنما كنا أفكر ماذا سنفعل خلال غيابك؟".
" أنني متأكد أنك والزملاء تستطيعون أن تتدبروا الأمر بشكل لائق".
" ومتى ستذهب؟".
" من منتصف أيلول وحتى منتصف تشرين الأول".


أعطاها بعض التفصيلات ,وعاد الى مكتبه ,وفي أحد الأيام أتى مينيلا الى المكتب مع كوني الممرضة , فحصلت بعض التغييرات , أتي مينيلا الى أكرا لأنهاء عمل له وقد نزل عند بعض أقربائه , تحدث مع ماتيو وقدم له أعتذاره , لأنه لم يكلمه فور وصوله , طلب ماتيو من كوني أن تنام في غرفة الضيوف , تركت جاكلين عملها لتصحبها الى المنزل , مكثت كوني أسبوعا عندهما , أستغرق حصولها على الأدوات الطبية يومين , حتى أستلمتها من الميناء مما أثار غضبها , كان ماتيو وجاكلين خلال مدة مكوثها معهما يستمعتن الى التفاصيل الدقيقة جدا عن ضروب المحنة التي ألمت بها , وعلى الرغم من أن جاكلين سرت بزيارة كوني , ألا أنها تنفست الصعداء عندما غادرتهما أخيرا , كما أن ماتيو رفع عينيه نحو السماء بأرتياح , ضحكت جاكلين وقالت:
" ولكنها في الحقيقة لطيفة يا ماتيو".
" صحيح ,كادت ثرثرتها أن تصيبني بالجنون".
غادر ديفيد بعد أسبوع متجها الى كينيا , حيث سيعمل ستة أو سبعة أشهر , كانت الأسابيع الأخيرة فوضوية وغريبة , حتى أن جاكلين شعرت أنها تكافح بذهول هذه الأيام , وتشعر بعدم توازن , عملت جاكلين جاهدة , ولساعة متأخرة من الليل , كي تنهي أكبر قدر من الأعمال في الأسابيع التي سبقت سفر ماتيو , فأنجاز العمل أثناء وجوده سيخفف من أعباء العمل , أرادت أن تشغل نفسها كيلا تفكر بأمورها الخاصة , وفي المساء كانت تقرأ كي تنام , وصلها بعد عيد ميلادها بيومين عدة كتب من والديها كهدية , أيقن والداها أن الكتب ملكية ثمينة في بلاد لا يتوفر فيها الكثير من مجالات التسلية , حان سفر ماتيو فقادته جاكلين في الصباح الباكر الى المطار , أخذت تراقب الناس بينما وقف ينتظر دوره لتفتيش حقائبه , أجتمع جمهور متنوع من المسافرين في بهو المطار من أفريقيين , وأمريكيين , مرتدين ثيابا رائعة , بما فيهم جماعة من اللاعبين الرياضيين ونساء من نيجريا بجدائلهن المتقنة, تلألأت أقراط وسلاسل الذهب في أذانهن وعلى صدورهن , كانت أمتعتهن محزومة في سلال وعلب مربوطة بالخيوط , أنها لا تمل أبدا مراقبة الناس.
أعلن وقت أقلاع الطائرة , فحمل ماتيو حقيبة يده وقال:
" لا تنتظري يا جاكي... لأننا سنبقى في قاعة الترانزيت مدة من الزمن".
قالت بصوت طبيعي لم تخالطه ثورة أعماقها:
" حسنا , تمتع بعطلتك".
ضحك في وجهها , وربت على كتفيها قائلا:
" حظا سعيدا يا جاكي , سأراك الشهر المقبل".
راقبته حتى غاب عن أنظارها ,م أدارت وجهها تحاول أن تبتلع لعابها على الرغم من تقلص حنجرتها ,وببطء ذهبت الى الشرفة , دفعت الى الفتاة التي تقف عند الباب خمس قطع نقدية صغيرة , بدت الطائرة ضخمة ... حدقت بها جاكلين لمدة , بدأ الركاب يصعدون متن الطائرة , , وهي ما زالت على الشرفة , راقبت ماتيو وهو يتقدم بخطى ويدة يصعد الدرج ثم يختفي داخل الطائرة , شعور بالوحدة سيطر عليها , وأمتلأت عيناها بالدموع :
" أنك غبية".
همست في أعماقها , مجنونة وحمقاء غبية , دارت وخرجت من المطار وكل شيء يهتز من حولها , والألوان تضطرب أمامها , لم تكن قد أبتعدت كيرا عندما سمعت صوت الطائرة يشق عنان السماء , هطلت دموعها بدون توقف , لم تستطع جالين أن تواجه المنزل الموحش أو المكتب , وعند مفترق ساحة داكاه أنعطفت نحو اليسار بأتجاه بيت ليزا.
حيّت المشرف على منزل ليزا وقالت عندما دخلت المطبخ:
" صباح الخير يا غوردسون هل السيدة تورنر موجودة؟".
" أنها في غرفة الجلوس يا سيدتي".
كانت ليزا جالسة على الأريكة تنظر الى مجلاتها المكدسة , نظرت الى الأعلى وما أن رأت جاكلين حتى بدت دهشتها واضحة , ألصقت نظارتها بوجهها وهي تحييها:
" أهلا جاكلين , ماذا تفعلين هنا في منتصف أيام الأسبوع ؟ وخلال ساعات العمل هل طردك رئيسك؟".
أجابتها جاكلين :
" لا".
دفعت ليزا بالمجلات جانبا ثم سألت جاكلين:
"تشربين القهوة معي أليس كذلك؟".
" أجل بكل سرور".
ذهبت ليزا لتعطي تعليماتها لغوردسون , وعندما عادت نظرت الى جاكلين وعلى وجهها تعبير قاس , وقالت لها:
" حسنا , أليس اليوم موعد أنطلاق الرئيس الى وطنه؟".
جاء صوت جاكلين هزيلا يفتقر الى الحماس وأجابت:
"نعم , لقد عدت لتوي من المطار , لم أرغب أن أعود فورا الى المكتب , سأحتفل معك بأرتداد حريتي المفقودة ونشرب فنجانا من القهوة".
علقت ليزا ضاحكة:
" شيء معقول فعلا".


دخل غوردسون الغرفة وهو يحمل صينية القهوة , نهضت ليزا وأخذتها منه:
" شكرا يا غوردسون".
وضعت الصينية على المنضدة ونظرت الى جاكلين:
" تشربين قهوتك بلا سكر أو حليب".
" نعم , قهوة فقط من فضلك".
تناولت الفنجان من ليزا وقالت:
" يبدو أن المكان هادىء ... أين طفلتك؟".
" أخذتها كريس في نزهة , فهي تدرجها في عربتها كل يوم بعد تناول فطورها قبل أن يشتد الحر".
جلست ليزا ورشفت رشفة من فنجانها , وهي تتفحص جاكلين وقالت:
أذن ما هي المشكلة يا جاكلين؟".
تنهدت جاكلين وقالت لنفسها لن تستطيعي أخفاء الأمر عن ليزا ولن تخدعيها , وأردفت قائلة:
"نظرا لكل الحقائق والوثائق المثبتة لديك يا ليزا ألا تظنين أنني سأشعر بالسرور لأن ماتيو سيغيب عن وجهي شهرا كاملا ؟".
ردت ليزا ببرود:
" من المحتمل".
" واذا تعني من المحتمل؟".
تابعت ليزا :
" منذ مدة مضت كنت أجزم أنك ستقفزين فرحا أذا غاب عنك ,ولكنني لست متأكدة الآن , ( توقفت قليلا) والأرجح أنك حزينة وأعتقد أنك كنت تبكين لتةك".
لم تتفوه جاكلين بكلمة , حدقت في النوافذ العريضة حيث بدت من خلالها أزهار البوغنفليه الزهرية والبرتقالية , وكأنها سحابة من غيوم أمام الزجاج ,ترى متى وليزا تشعر أن أحاسيس جاكلين تغيرت أتجاه ماتيو , ثم تابعت ضاحكة:
" جاكي , هل تريدين أن تسمعي تحليلي؟".
ضحكت جاكلين قليلا في وجه ليزا وقالت:
" نعم أحب أن أسمع رأيا آخر".
" أليك رأيي أذن , أنك تعانين من أزمة قلبية يسمونها الحب ... مستعصية ولا تعالج , ( ضحكت ليزا متابعة) شعرت بأصابتك منذ مدة بسيطة".
أعترت جاكلين موجة ساحقة من اليأس وضحكت بمرارة في وجه صديقتها وقالت:
" أي شيء سيء هذا الذي أصابني ؟ كم يصبح الأنسان أحمق أحيانا ".
ضحكت ليزا وقالت:
" أي أحمق هذا , أنا لا أرى أية حماقة في هذا الموضوع , في الحقيقة أرك ذكية تماما".
" آه".
" لست حمقاء لأنك تجاهلت علائم الحب التي أعترتك , متظاهرة أنك لا تحبينه , في حين بدأت تشعرين بهذه العاطفة وتحاولين تجاهلها , لقد أعترفت بالحقائق لنفسك , وتستطيعين الآن أن تدرسيها".
ردت جاكلين:
" رجاء! أخبريني كيف؟".
" لنتحدث عن الأشياء الأولى أولا , ماذا عن دايانا؟ لم تعد على ما أظن , أما زالت صورتها ماثلة أمامه؟".
هزت جاكلين رأسها:
" لقد أنتهى كل شيء بينهما".
" أذن أنه أنسان حر الآن".
: نعم".
" أذن فما هي المشكلة الآن؟".
كانت جاكلين معجبة بتصرفات ليزا الواضحة والمباشرة , أما الآن فقد شعرت جاكلين بالأرتباك حيالها , أنتزع تحليل ليزا مشاعر جاكلين أذ شعرت أنها تنتقدها , وأنها تطرح مشكلتها كأي عملية حسابية 1+1= 2 ولكن الحب ليس هكذا , على الأقل ليس في هذه الحالة الخاصة , كررت ليزا:
" أذن ما هي المشكلة؟".
" أوه يا ليزا لا أعلم , أتمنى لو أعلم ".
أحنت رأسها ووضعت وجهها بين يديها وأردفت :
" أريده أن يبادلني هذا الحب , ولكنه لا يفعل , وبكل بساطة لا يفعل".
قالت ليزا بصوت ناعم:
" أنني أعلم ما الذي حدث بين ماتيو ودايانا , ولكن مهما حدث فأنه مؤلم حتما , لقد آلمته .... أمنحيه فرصة كي يعود لنفسه".
" وهل تظنين أنه سيحبني مع الزمن؟".
ضحكت ليزا وهي تلصق نظاراتها في وجهها مرددة شعارا قرأته على أحدى الشاحنات:
" لا تفقدي الأمل يا جاكي , أعطه فرصة كي يجمع أشلاء نفسه ,أذا كنت تحبينه فعلا , فقليل من الأنتظار لن يؤذيك".
همست في سرها :
" قليل من الأنتظار لا يؤذيني كيف؟ وأنا أشعر أن غيابه عدة أسابيع قد طال , كان المكتب موحشا ومملا أثناء غيابه , لقد أفتقد الجميع غيابه , كأنه وحده سبب كل نشاط وفاعلية".
حاولت في البداية أن تحيي الجو ألا أن كل الموظفين عبروا عن أستيائهم وتناقص حماسهم , ولهذا أوقفت جاكلين محاولتها.
ذهبت الى السرير في وقت مبكر حيث قرأت لمدة أطول مما أعتادت , تناولت الطعام مع ليزا وزوجها مرتين وكان هذا أمتدادا لحياتها الأجتماعية , لو كان ديفيد هنا ... أخذت تفكر ولكنه ما زال في نيروبي , كل يتمتع بأوقاته ألا هي.
وكي تزداد الأمور تعقيدا لم تسر الأمور على ما يرام أثناء غياب ماتيو , فقد مرضت بيشنس وتوقفت عن آداء عملها ,كما توقفت الثلاجة عن العمل , والثلاجة الكبيرة كانت ممتلئة بالسمك , ودجاج الحبش , والأرانب , فأخذت جاكلين تسعى من هنا الى هناك طوال صباح يوم الأثنين علها تجد متسعا في أحدى الثلاجات , أودعت قسما من الأطعمة لدى ليزا , ثم أودعت البقية في ثلاجة ديفيد , بعد أن أمضت ثلاث ساعات تبحث عن مفاتيح شقته , وأخيرا وبعد عدة مكالمات , أتى الميكانيكي , وسحب الثلاجة فوق سيارة شاحنة صغيرة.
ومضى أسبوع لم تتلق جاكلين أي مكالمة من شركة التبريد التي تتدعي أنها ذات خدمات سريعة , مما أضطرها أن تذهب الى الورشة لتتأكد بنفسها.
فأجابها السيد آزو :
" أننا نبحث عن القطعة الناقصة ".
مؤكدا أن نصف موظفيه قد قلبوا المدينة بحا عنها ليلا نهارا دون جدوى.
فسألته:
" هل أستطيع أن أدون مواصفات القطعة الناقصة ,ورقم موديل الثلاجة ... الرقم المتسلسل ألخ.".
أحضر لها القطعة وأخذ يملي عليها ما تريد , أخرجت جاكلين دفترها وقلمها وسجلت ما تريد من معلومات بشأن القطعة , وعندما عادت الى مكتبها , أرسلت برقية الى نيويورك , تطلب منهم شراء القطعة وأرسالها مع ماتيو ,ومن حسن حظه فأن القطعة صغيرة.


لم يكن بقاؤها بلا ثلاجة أمرا مستحيلا فقد تكيفت مع ظروف أصعب من هذه
تنهدت وهي تنظر الى كدسة الأوراق التي على مكتبها , فقد تأخرت بدراسة الملف المالي , حاولت جاهدة أن تضبط أمور الملف المالي ولكن دون جدوى , وعندما عادت ظهر أحد الأيام لتناول طعام الغداء , أخبرها كويسي أن المكواة قد أحترقت , فشعرت بحاجة الى الصراخ , قالت بسرعة وهي تبتلع طعامها:
"سأتدبر أمرها فيما بعد".
وفي المكتب عادت لدراسة الملف المالي وتابعت عملها , ولمل أشارت الساعة الى الرابعة بعد الظهر , وجدت أنها لم تستطع أنهاء عملها , أذ كان الخطأ في الحسابات ما زال كما هو , خرجت من المكتب غاضبة , ولم تعد ترى أي رقم آخر بعد ذلك , وفي المنزل أمسكت بالمكواة وهي في حيرة من أمرها , ماذا ستفعل بها , تذكرت أنها شاهدت محل كهربائي في نهاية الشارع لا يبعد كثيرا عنها , أخذتها اليه وأصلحتها وأعادتها الى البيت .
أنهكها التقرير المالي , فأحضرته معها الى المنزل , علها نهيه في تلك الأمسية , جلست الى مائدة الطعام الكبيرة التي تغطت بأوراقها الكثيرة , وعادت لتتفحص كل رقم لديها مرة ثانية , يجب أن يكون هناك غلطة حمقاء في مكان ما .
وأخيرا وجدت الغلط في تقرير النفقات الصادر عن ماتيو: تراقصت الأرقام أمام عينيها ,وهمست لنفسها وهي تشعر بخيبة مريرة ,آه منك يا ماتيو , ألا تستطيع أن تتركني وشأني حتى وأنت بعيد... دفعت بالأوراق جانبا ووضعت رأسها بين يديها.
عاد ديفيد من كينيا الى غانا قبل أسبوع من قدوم ماتيو , حاملا معه لجاكلين الكثير من الهدايا كالقهوة , والجبن , وقطعة قماش وسجادة من جلد الدب لم تستطع جاكلين عندما رأتها أن تكتم دهشتها , فقالت بنفس متقطع:
" أوه ديفيد ما هذا ؟ لماذا جلبت كل هذا؟".
أشرق وجهه بالأبتسام :
" بكل سرور , أن قطعة القماش رشوة كي تصنعي لنا فطيرا بالجبن مع بعض القهوة المنشطة م لدعوتي لتناول العشاء في وقت آخر طبعا".
أمسكت جاكلين بالقماش كي ترى ألوانه الباهرة وأردفت:
" أنه رائع يا ديفيد.... لن أعثر عل ما يماثله في الأسواق هنا".
فأجابها وهو يحاول أن يستفزها:
" يفصل بين غانا وكينيا قارة بأكملها".
حاولت جاهدة أن تلتزم الصمت فلم تفلح فأجابته:
" أعلم هذا ولكنني أردت أن أبدي ملاحظة فقط".
ثم طوت قطعة القماش ووضعتها جانبا وسألته:
"هل أعد لك طعاما , ليس لدي الكثير لأن ثلاجتي لا تعمل هذه الأيام".
" لا , أشكرك , أتيت كي أصطحبك الى العشاء , وأحدثك عن رحلتي , لقد أصطدت ثلاثة أسود فطاردتها قبل ثم أبتلعتها الأحصنة".
أجابته وهي تستوعب تماما هذه الطرفة:
" ولكنك نسيت الأفاعي , والقردة ( هزت رأسها وتابعت) آسفة يا ديفيد ستجد هذه القصص المثيرة أهتماما أكبر في الوطن حيث يتوفر لديك جمهور ساذج هناك".
" كم تفسدين متعتي".
" هل كينيا جميلة كما يقال؟".
" أنها عظيمة وساحرة , نعم أنها جميلة ,حسّني من مظهرك قليلا لنخرج".
تأخرت طائرة ماتيو , أنتظرتها جاكلين بعصبية لم تشعر بها في أي وقت مضى , كان المطار مكتظا وصاخبا وفوضويا , والطقس حار رطبا , حتى عندما وقفت خارجا على شرفة المطار كي تشاهد الطائرة عن كثب بم تشعر بأي نسيم عليل.
حطت الطائرة أخيرا , حملقت جاكلين جاهدة في جميع المسافرين وهم يهبطون سلم الطائرة ,ومشت الى نهاية الممر , لم تر ماتيو , ترى أين هو أذن؟
أنتظرت حتى خرج آخر مسافر من قاعة الجمارك , أستسلمت للأمر عندما وجدت أن المطار غدا مهجورا , لم يأت , لم يكن على متن الطائرة , زمجر الأستياء في داخلها , فعادت أدراجها الى سيارتها , تشعر بالهزيمة وهي حزينة , لن تأتي أية طائرة من نيويورك قبل الأسبوع المقبل .
مضت ليلتان وبينما كانت جاكلين تنعم بنوم هادىء , سمعت قرعا خفيفا على مكيف هواء غرفتها وصوتا يهمس:
" جاكي ... أفتحي لي ... أنا ماتيو".
وبسرعة بحثت عن عباءتها فلم تجدها ... في الغسيل لا بأس , ركضت الى الباب وقلبها يقفز بين ضلوعها.
" أنني آسف أضطررت أن أوقظك , ولكن مفتاحي ليس معي , ولم أجد كويسي في المنزل".
تخطاها الى غرفة الجلوس , قالت وهي تتوق أن تعانقه:
" لا تهتم لذلك".
لكنه تابع سيره دون أن يتوقف , مشى الى الباب الواصل الى غرفة الجلوس الرئيسية , ووضع حقيبته على أرض الغرفة بدون أن ينظر اليها مرة أخرى ,تبعته الى الغرفة:
" من أين أتيت يا ماتيو؟".
" من لندن".
"لندن!".
" أجل كان لدي مقابلة مع بعض رجال المصارف من أجل برنامج الأعتماد المالي , تقرر الأجتماع في آخر لحظة , ولم يكن لدي وقت لأعلمك بذلك , آسف لأنك ذهبت الى المطار يوم الثلاثاء بدون جدوى".
" لا يهم".
فرك عنقه وقال:
" يا ألهي ما هذه السفرة؟ كان المفروض أن أصل الى هنا قبل ساعات , ما أن حان وقت هبوط الطائرة حتى أنقطعت الكهرباء , فأضطررنا للعودة الى أبيدجان , حي مكثنا في مطارها ما يفوق الساعة الى أن أصلح التيار الكهربائي ".
بدا مرهقا.
" هل أحضر لك شيئا تأكله أو عصيرا تشربه؟".
قال وهي متأكدة أنه لا يشعر بوجودها:
ط لا أشكرك , أنني بحاجة الى النوم فقط , ما الأخبار هنا؟".
" حسنة ,لم نواجه الكير من المتاعب".
منتديات ليلاس
" سأستحم وأذهب الى الفراش , وسنتكلم في الغد".
أدار وجهه وذهب الى غرفته , جلست جاكلين على الأريكة ر تستطيع الحراك , لم ينظر اليها , كم تمنت أن تنكر ما أصابها من خيبة مريرة , ماذا كانت تتوقع أذن؟ حتما لم تتوقع أن يعانقها ويضمها بعاطفة قوية , لم تشعر كم مضى من الوقت عندما عاد الى غرفة الجلوس مرتديا قميصا أبيض وسيرا جلديا.
" هل ما زلت هنا ؟ ظننت أنك عدت الى سريرك".
" ليس لدي رغبة في النوم".
خفق قلبها بشدة عندما جلس الى جانبها.
" وأنا كذلك , أنعشني الحمام , شعرت بالحيوية الآن".
خلل أصابعه بين شعره وضحك:
" كنت في طريقي للمطبخ لأحضر كأسا من الشراب , هل تريدين كأسا منه؟".
" لا شكرا , لا يوجد لدينا شيء بارد".
" حسنا , سأشرب قهوة , لقد أحضرت قطعة الثلاجة معي".
أحضر القهوة وقال:
" لم تحص أية مأساة في غيالي أذن؟".
" لا , مرضت بيشنس وغابت عن العمل لمدة أسبوع , تعطلت الثلاجة , وتوقفت المكواة عن العمل , وأستغرق تنظيم التقرير المالي ثلاثة أيام".
ولم تضف أن السبب بعود الى خطأ أرتكبه هو.
" هل هذا كل شيء , أنني متأكد أنك لم تنسي شيئا".
ضحك , فلم تستطع جاكلين النظر في عينيه ,وبيد مرتجفة أمسكت فنجان قهوتها.
" هل أنت بخير يا جاكي , أرى أنك ترتجفين".
أخذ الفنجان من يدها وأمسك بوجهها , ونظر اليها قائلا:
"أخبريني هل هناك شيء؟ هل حدث مكروه؟".
" لا ..... لا".
أجلبته وقلبها يخفق بشدة حتى أنها كانت واثقة من أنه يسمعه , أنها مشتاقة اليه , الى نظراته ولمساته , لم تستطع كبح جماح عواطفها فأغلقت عينيها.
وقالت:
" عانقني يا ماتيو".
أتى صوتها هامسا .... لم تستطع مقاومة عاطفتها أتجاهه , أنها بحاجة اليه... عانقته بذراعيها , وعانقها بدوره بحب وشوق يعجز الخيال عن وصفهما , أنه بحاجة مماثلة اليها , لم تفكر بشيء سوى بموجات الحب والأشتياق الجامحة التي غدت كموجات الألم , دام أنسجامهما لدقائق, وشعرت بيده تعانقها بحب , وفجأة وبعنف وقسوة ومرارة أبعدها عنه...
"ماذا تظنين أنك اعلة؟".
أتت كلماته كالصاعقة فوق رأسها , ودار العالم من حولها ... شعرت أن الألم يسحقها.... تجمدت أوصالها .... خافت من عاطفتها التي لا تقاوم ,حملقت في وجهه فرأته قاسيا , وتلاشى الحب من نظراته لتصبح باردة وداكنة ,كانت ترتعد , وتشعر بالأشمئزاز من نفسها خجلا , غصت الكلمات في حلقها , أنها لا تستطيع أن تصلح الأمر الآن , أرادت أن تهرب .... أن تموت .... أن تدفن في التراب , وقف ينظر اليها من برجه العالي قائلا:
" أشكرك لهذا العرض.... أشكرك لما قدمته لي ... لكن لا.... ليس لي ألا أن أشكرك".
وغادر الغرفة.


 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:21 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



8- لا.... لا تخدعني
لم تعلم جاكلين كيف وصلت الى سريرها , كانت ترتجف من الأهانة , وكاد ضيق صدرها يمزقها , أنهمرت دموعها بغزارة ,وبللت وجنتيها الى أن أستقرت على الوسادة , آه يا ألهي! ماذا فعلت؟ وكيف حدث هذا؟ لا لن أستطيع مقابلته بعد الآن , كان عليها أن تقابله , ولا تستطيع أن تتفاداه بطريقة أو بأخرى ... ستقابله في المكتب ... وفي المنزل ... ليس بالأمر حيلة , أشارت الساعة الثالثة صباحا ... ولم تزل جاكلين منفعلة , وعصبية المزاج , حامت كلماته حول رأسها كالأشباح ... أشكرك لهذه التقدمة... لكن لا... شكرا ,ماذا كان يقصد؟ عادت كلماته مرة أخرى تقرع ناقوس أفكارها , هل يقصد أن الفتيات ذوات الأخلاق الفاضلة لا يتهاتفن على الشبان هكذا؟ وهل لهذا علاقة بحسن التربية , أنها تحبه وتسيطر جاذبيته عليها تماما فلا تستطيع مقاومته ,وبعد محاولات عديدة , داهمها نوم خفيف متقطع... ثم ما لبثت أن أستيقظت وهي تشعر بالأنهاك , سحبت نفسها من السرير , ونظرت الى وجهها في مرآة الحمام, بدا وجهها كئيبا بتأثير الدوائر التي
ظهرت تحت عينيها ,وتساءلت هل ستقابل ماتيو على مائدة الأفطار؟ عكس وجهها توقعاتها بعصبية , وبشكل لا أرادي ,جمعت قبضة يديها وبشدة وهمست لنفسها:
" أخرجي اليه , وألقي عليه تحية الصباح , ثم أجلسي في الطرف المقابل له عبر المائدة , تناولي طعامك دون أن تتكلمي كثيرا , أرفعي رأسك عاليا , وأنظري له وجها لوجه".
نرى هل تستطيع حقا أن ترفع رأسها عاليا؟ كما تملي عليها أفكارها؟ ليتها تستطيع ... أنها تريد أن تبقى تحت الملاءات , لئلا تراه ثانية ... والى الأبد.
أستحمت , وأرتدت ملابسها باذلة المزيد من الجهد كي تخفي آار حزنها , فوضعت كمية من مساحيق التجميل على وجهها , بينما بدأت معدتها تتقلص حتى أنها شعرت أنها أستحلت عقدا, بدأت قدماها ترتجفان وهي تفتح الباب المؤدي الى الغرفة الرئيسية , لم يكن ماتيو موجودا , وكان كويسي في المطبخ منهمكا بقلي البيض فسألته:
" هل شاهدت السيد سيمونز؟".
نظر كويسي اليها بأرتباك وقال:
" وهل عاد السيد سيمونز؟".
منتديات ليلاس
لم يكن كويسي على علم بعودة سيمونز أثناء الليل ,ومن الطبيعي أن ماتيو لم ينهض باكرا كالمعتاد بعد أن عاد منهكا من لندن, تنهدت بأرتياح وهمست لنفسها:
" أذن سيتأجل لقاؤنا حتى وقت آخر من هذا اليوم".
دخل ماتيو المكتب بعد عدة ساعات أنيقا ونظيفا بدون أن تبدو عليه أمارات التعب , قفز قلبها عندما رأته , وتنشقت رائحة عطره ثم قال ببرود وهدوء:
" صباح الخير , أن بريدي مليء بالأوراق , ولا أدري كيف أرتبه ,فهل لك أن تساعديني لتسجيل الأولويات".
" سألحق بك خلال دقيقة , هل تريد بعض القهوة؟".
" نعم من فضلك".
أنها علاقة عمل بينهما ... لم تعلم جاكلين كيف أستطاعت الأحتفاظ برباطة جأشها , نظرت اليه وكلمته ,وكأن شيئا لم يكن , ولكنها نجحت مهما كانت الطريقة التي أتبعتها.
مضت الأسابيع تباعا , وجاكلين مرهقة كئيبة , تعمل بنشاط كبير محاولة ألا تفكر بشيء خاص ,حتى بدت كالمخدرين , لا تعي شيئا مما حولها , فقد كانت هذه الطريقة الوحيدة التي جعلتها قادرة على التلاؤم مع الحياة من جديد.
كانا يلتزمان الصمت , أو يتكلمان عن أشياء تافهة , كلما جلسا الى المائدة , لم يلحظ ماتيو أن تصرفات جاكلين قد تبدلت , ولربما أراد ذلك.
غدت تصرفاتهما كتصرفات الغرباء , ليس لأحدهما علاقة بالآخر , يبدو أن هذا الحاجز سيبقى صامدا بينهما , لكن جاكلين بدأت تشعر بالفراغ العاطفي الكبير وكأنها من عداد الأموات , كم من مرة أجتاحتها موجات ألم نفسي حاد , عندما كانت تختلس النظر الى أصابعه القوية ذات اللون الغامق وهو يوقع الرسائل ,والى شعره الملتف حول أذنيه , أنها لا تكرهه وعلى يقين من ذلك , ولا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تكرهه , يا ألهي! ما الذي أنتابها في تلك الليلة عندما عاد من لندن ؟ ما الذي جعلها تتأمل , أو تظن أنه يكن لها الأحساس نفسه.
أنه الحب! تلك الكلمة التي حلمت بها كما تحلم الفتيات الصغيرات بأمسيات , حالمة في ضوء القمر , قبلات وورود ولمسات شاعرية في الظلام.
أمتلأت أحلامها في النهار بصورة الفرسان المدرعين ,والأمراء الأنيقين ... ثم تتابعت أحلامها لتستقر على رجل يصبح شريكا لها , رجل يحبها ويحترمها لا لجمال شعرها الأشقر , وعينيها الزرقاوين , رجل يدخل أعماق نفسها ليرى ما فيها فيقدرها.
" أنني أعرفك جيدا".
لقد همس ماتيو هذه الجملة وهما يتناولان طعام العشاء في أمسية عيد ميلادها , ولكن ما الذي يعرفه أذن؟ أنه يعرف أنها عاملة مجدة , لكنه لا يعرف أنها أمرأة ,ولم يشر الى هذالأن أنوثتها لم تثره , أذن لماذا عانقها بعطف وحنان؟
أخذ أضطراب جاكلين بالأزدياد , كلما فكرت بالأمر , وماذا بدر منها ؟
لم تكن واثقة من شيء سوى حبها لماتيو , أنه الشيء الوحيد الذي لن يتغير , أحبته , ولكنها لا تستطيع أن تفهم خيبة أملها , أنه الرجل الذي تريده , وتريد أن تشاركه حياته.
أن حماس ماتيو لعمله , وأهتمامه بالذين حوله , كانا دوما مصدر أعجابها , أنه يكافح ويناضل ليساعد الناس , أنه رجل حنون , بل أنه رجل بكل ما في هذه الكلمة من معنى , لقد أيقظ في داخلها أحساسا لم يشعرها به أحد من قبل , وأيقظت لمساته مشاعرها الدفينة التي أخذت تزمجر في داخلها طالبة المزيد من الحب , أنها تشعر بحبها يزحف في داخلها كالألم العميق , أغمضت عينيها طاردة جميع الأفكار الأخرى من رأسها... يجب أن تعتاد الحياة بدون ماتيو , وبلا حبه.
دعاهما ديفيد الى حفل في منزله , وحاول أن يتكلم مع جاكلين عندما شعر أن حزنا ما يلوح في الأفق , وبعد أن غادر الضيوف منزله , قال لها:
" لن تستطيعي يا جاكي أن تقنعيني بأن شيئا لم يحدث , فأنا واثق أن هناك شيئا ما قد حصل وألا لما ظهرت وكأن الحياة قد سلبت منك".
أجابته بصوت حزين:
" لا أستطيع أن أتكلم عما يؤرقني يا ديفيد؟".
" لا تنسي أنني صديقك".
" أنا ... أنا...".
سحقها حزن مفاجىء , فأرتعش صوتها , وتلاشت رباطة جأشها , حام وجه ماتيو حول ناظريها ... وكأن صوته جاءها من مكان بعيد:
" أنك جميلة يا جاكي ... أنك جميلة بشكل خاص ".
شعرت بذراعيه حولها.


لم تكن تلك ذراعي ماتيو ... بل ذراعي ديفيد, همس:
" جاكي جاكي ".
ضمها اليه وهو يمسح شعرها بيده.صرخت أعماقها ... لن أبكي ...لا لن أبكي , فضغطت على حنجرتها , لتحبس صوتها فآلمتها , وأحترقت الدموع في مقلتيها .
وبعد لحظات هدأت , ورأسها فوق كتف ديفيد , ومع أنها أدركت أنها لا ينبغي أن تفعل ذلك , لكنها لم تهتم , أخيرا رفعت رأسها وقالت:
" آسفة يا ديفيد".
" لا تعتذري يا جاكي , أبعد شعرها عن وجهها , وأنحنى يعانقها فلم تقاوم .
ليته كان ماتيو ... لا لم يكن ماتيو من يعانقها ... أنه ديفيد , ديفيد الذي كان وما زال لطيفا ودودا دائما , وهو صديقا ويفهمها جيدا , ليتها تحبه لأنتهى الأمر بكل بساطة ,ولكنها لا تحبه كما ينبغي أن تحب المرأة الرجل , أبتعدت عنه وقالت:
" يجب أن أذهب الى المنزل".
" لماذا لا تبقين هنا يا جاكي؟".
أنتابتها موجة أغراء ما لبثت أن زالت :
" نعم لم لا أبقى! لا يوجد عدد كثير من الرجال ممن لهم صفات ديفيد , سيكون لطيفا وأنيسا كما أنه يستلطفني وأنا كذلك".
لا أن هذا لا يكفي , أنها ليست بحاجة الى هذا الآن فردت مبتسمة :
" لا أستطيع يا ديفيد , ليس من اللائق أن أبقى".
" أنك أعند أمرأة ألتقيت بها في حياتي ".
هز رأسه:
" تعالي سأقودك الى المنزل".
وفي سكون الليل , وما أن جلست في السيارة الى جانب ديفيد , حتى أنتابها شعور بأن شيئا ما سيحد , لن تستطيع جاكلين الأستمرار هكذا , وهي تشعر بالخواء عاطفي في نفسها.
أوصلها ديفيد الى البوابة الكبيرة , طبع قبلة على خدها , وتمنى لها ليلة سعيدة.
أغلق علي الباب وراءها , وما أن وصلت الى غرفتها , حتى وجدت الباب المؤدي الى حجرة الجلوس مفتوحا على مصراعيه , كان ماتيو واقفا أمام الباب كالبرج يحملق فيها ... زفجأة شحن الجو بالتوتر , وساد الصمت , بدد غضبه السكون , وقال بلهجة عنيفة وكأنما صفع جاكلين على وجهها:
" أين كنت حتى هذا الوقت من الليل؟".
نظرت اليه محاولة أن تهدىء من روعها:
" لا علاقة لك بهذا".
أجابها وهو يتأملها بأزدراء من رأسها حتى أخمص قدميها:
" أستطيع أن أخمن بنفسي ".

وتابع وهو ينظر الى ثوبها , وأقراطها المتدلية من أذنيها .
" الساعة الثانية من صباح يوم الأربعاء , هل تعلمين هذا؟ هل كنت تسحرين أحدا؟ أم تتعشين معه مرة أخرى؟".
جفلت جاكلين لدى سماعها صوته المزمجر:
" أذا كنت تسمح لي فأنني سأدخل الى غرفتي لأنام".
وما أن خطت نحو غرفة نومها , حتى وقفت مذعورة ومتسمرة في مكانها , فقد شعرت بيده القوية تقبض بشدة على ذراعها , حاولت أن تتحرر منه فلم تستطع فصرخت:
" أتركني ".
تفجر الغضب في وجه كل منهما , وشحن الجو بينهما بمزيد من التوتر الغاضب , وتطاير الشرر , فقال وهو يضبط صوته:
" أتتك مخابرة هاتفية الساعة الواحدة ليلا , ذهبت لأوقظك فلم أجدك في سريرك".
أعتراها خوف مفاجىء ... مخابرة بعد منتصف الليل , لا بد أن هناك كارثة ... مخابرة من أميركا ... هل أاب والداها أم جدتها أي مكروه؟ فسألته:
" ومن كان المتكلم؟".
" لا أعلم , لم يعطني الأسم , أعتقد أنه أحد أصدقائك الشباب المعتوهين".
وعندما وصلت لأرفع السماعة كان قد غير رأيه , وأقفل الخط".
سرت في أوصالها الراحة ... لو كانت مخابرة دولية لأدرك ذلك .
" آسفة لأزعاجك في مثل ذلك الوقت".
" ليست المسألة مسألة أزعاج , المشكلة الحقيقية هي أنك لم تكوني في فراشك , وقد تجاوزت الساعة الواحدة ليلا , ظننت أنك مطروحة في أحدى القنوات تعانين من سكرات الموت , أو دهسك أحد سائقي سيارات الأجرة المجانين, لا تستطيعين أن تتصوري بماذا كنت أفكر".
لا ... لم تستطع جاكلين أن تشاركه مخاوفه , لأن هناك أماكن أخرى من الممكن أن يكون قد فكر فيها كبيت ديفيد مثلا.
ردت جاكلين ببرود:
" أنني مسرورة من أعماقي لأهتمامك هذا... دعني أنام الآن".
ودون أن يتفوه بكلمة , أدار ظهره وخرج صافعا الباب وراءه , فدوى صوته في أنحاء المنزل.
جلست جاكلين على الشرفة , تحاول أن تقرأ كتابا بعد ظهر أحد الأيام من منتصف تشرين الثاني , لم يجذبها الكتاب , بل سرحت تتأمل الأزهار , وألوان الحديقة الخضراء المتعددة , كم تحب هذا المكان , وأن فقد كل شيء ضياءه وبريقه هذه الأيام.
أمضت جاكلين أيامها التالية ,وكأنها لعبة أوتوماتيكية تحاول ألا تشعر , أو تفكر , أنما تقوم بالأعمال الواجب تأديتتها دون أي أهتمام , ولكن ما أن تخلد الى هدوئها , وتعود الى نفسها في مثل هذه اللحظات , حتى كانت الأسئلة تطاردها كالأشباح , لماذا أحبت ماتيو؟ ولم لا تحد من تفكيرها وتنساه؟


أن الحب يضفي أشراقة على حياة المحب , ويجعله يتوهج بالسعادة , لكنها مع الأسف لا تشعر بهذا , أجل , للحب حلاوة ولكن ليس في جميع الأحوال , أن حبها حزين , ويملأ نفسها ألمل , فكلما شاهدت ماتيو أو سمعت صوته , أو فكرت به , تشعر بالحزن العميق فمتى ستتخلص من هذا الشعور؟
طقطقت داجات كويسي في الخار ج , وأخذت تتطاير لتقف على الجدار الذي يفصل حديقتها عن حديقة الجيران , سمعت صوتا بعيدا , وما لبثت سيارة ديفيد أن وقفت عند البوابة الكبيرة , نظر اليها بتكشيرة عريضة , وشعره الأشقر يتلألأ , بدا رائعا بلباس الجينز والحذاء البلاستيكي .
منتديات ليلاس
" مرحبا يا حلوة , هل أنت مشغولة؟".
" لست مشغولة , أجلس هل تريد شرابا باردا أم قهوة؟".
"أفضل شايا مثلجا من فضلك".
قفزت جاكلين بسرعة الى المطبخ حيث جبت الأبريق والكؤوس وفاجأها قائلا:
" لدي أخبار سارة أريد أن أزفها لك , فأنت أول أنسان يجب أن يعلم بها".
" أجبرني , أخبرني".
أجابت بحماس.
" لقد نلت ترقية في عملي , وسيرسلونني الى الفيليبين ".
حملقت في وجهه وقالت:
" الفيليبين؟".
" نعم يا جاكلين , سأغادر في الشهر المقبل".
" أوه يا ديفيد!".
" ألست فرحة من أجلي؟".
" نعم , ولكنني سأفتقدك".
" وأنا أيضا يا جاكي ".
حملقا ببعضهما بعضا , أنهما يعنيان ذلك , وبصوت منخفض سألته:
" ما بك يا ديفيد؟".
نظر اليها نظرة طويلة وأجاب:
" لا , لا شيء يا جاكي , لم نحصل معا على ما نريد".
" ليتنا أستطعنا".
" يا ليت".
" كم تمنيت أن أحبك بدوري , وأذهب معك الى الفيليبينو....".
حانت حفلات الوداع , ودعيت جاكلين وماتيو الى معظمها , فكان كل منهما يذهب بسياته وحيدا ويعود كذلك, أقامت ليزا في منزلها حفلا تشكريا , دعيت جاكلين اليه , في حين لم تعلم جاكلين عن ماتيو شيئا , وأين يمضي ذاك المساء.
أقام أحد أصدقاء ديفيد حفلا في بيته الريفي على الشاطىء , كان كريما أذ أنار الشاطىء بمصابيح على البطارية , وقدم طعاما فرنسيا باهظ التكاليف , أحضره من توغو, أمتلأ الشاطىء بالرقصات والأنغام الموسيقية , وقد أحضر بعض المدعوين ملابس السباحة , وقفزوا فوق الأمواد يسبحون ويمرحون , أرتدت جاكلين ثوب سباحتها ... وقفزت في البحر بتردد... أنها لا تحب أن تسبح ليلا , فقد كان الظلام حالكا , والتيارات شديدة , لم تستمتع بالحفل , لأنها لا تعرف معظم المدعوين , ولم تكن لديها الرغبة في التعرف على أحد منهم , بل لم تكن لديها الرغبة في أن تفعل شيئا في الآونة الأخيرة.
أبتعدت عن الناس والأضواء والضحكات , وجلست وحدها بعيدة على زند شجرة قرب مياه الشاطىء , لم تستطع الأبتعاد أكثر , فقد كان الظلام شديدا , وهي منهكة القوى .
كانت تنظر الى أفق البحر الأسود المخدرين , وتستمع الى صوت أرتطام الأمواج العالي على الشاطىء ,وتنظر الى زبد الموج المتلألىء تحت أشعة القمر.
أحست فجأة أن أحدا يقترب منها... ولم تتعرف اليه ألا عندما لاح خياله الطويل ,ووقف مخيما أمامها كالبرج.
" جاكلين؟".
" ماتيو".
أمتزج الألم مع دقات قلبها المتسارعة , لماذا الرعشة والخوف؟ مم تخافين؟ أنه ماتيو .... همست ماتيو.
جلس الى جانبها على زند الشجرة وقال:
" أريد أن أتحدث اليك يا جاكي".
" لا أريد... أنني هنا في حفل وأو الأستمتاع به".
" ليس الحديث عن العمل .... ليذهب العمل الى الجحيم".
م تجبه بل تقلصت كل عروقها , وأخذ قلبها ككرة الطاولة يقفز بجنون من مكان لآخر.
" لم تنظري ألي , ولم تكلميني منذ أسابيع , ولم أستطع الأنفراد بك , فأحيانا يعترضني كويسي , وأخرى بيشنس , أو أي شخص آخر".
" لا أريد أن أكون وحدي معك ".
لم تشعر أن صوتها ممتلىء بالخوف , وبدا الغضب واضحا في كلماتها.
" لكنني أريد أن أكون وحيدا معك".
أمسك بكتفيها , وجذبها اليه بعنف, تسللت يداه حولها , وقبل أن تدرك ما حدث كان يعانقها بعنف , كانت تشعر به , يقترب منها , فأجتاحتها موجة من الذعر , لن تدع المأساة تتكرر ... لا لن تدعها ... أبعدت وجهها عنه بعنف وقالت:
" لا تلمسني ... لا تلمسني أبدا بعد الآن".
لكن ذراعيه طوقتاها بشدة ولم يدعها تذهب.
تدفقت ذكريات تلك الليلة في ذهنها عندما عاد من لندن , وحز في نفسها الذل الذي عانته , لم تشعر به وكأن كل أحساس أتجاهه قد أختفى فجأة ,ولم يبق لديها ألا الألم والمرارة , التي شعرت بهما في تلك الليلة , والهستيريا التي أخذت تتصاعد في أعماقها لدى كل لمسة من لمساته , لا أنها لا تريد أن يلمسها ... أنها لا تريد , صرخت:
" دعني أذهب دعني".
حاولت أن تحطم أغلاله , لكنه أمسكها بعنف وكأن ذراعيه طوق من حديد , وكلما حاولت الأبتعاد عنه ,كلما ضمها اليه بعنف أشد .
" أهدأي يا جاكي , أهدأي".
أمسك بكتفيها , وأخذ يهزها بعنف , سرت رجفات غريبة في أوصالها , وأدركت أنها كانت تشهق ,ولم تستطع أن تكبح جماح نفسها , كان البحر يزمجر في أذنيها , وبمحاولة يائسة أخيرة أستطاعت أن تحرر نفسها أو أنه تركها , وبخطوات متعثرة هربت منه تتلمس طريقها في الظلام عائدة الى البيت , فتحت الأبواب , فوجدت غرفة نوم , رمت نفسها فوق أحد الأسرة تشهق بحركات لا أرادية , وما أن مضت لحظات حتى كان ديفيد يقف الى جانبها والقلق باد على وجهه .
" جاكي بحق السماء ماذا حصل؟".
" لا شيء؟".
وأشاحت بوجهها عنه :
" لا شيء .... أتركني وحدي رجاء".
" لقد دخلت الغرفة وأنت تبكين , كأن العالم قد أنتهى , وتقولين ليس هناك شيء".
قرب المصباح الموجود على المنضدة منها حتى يراها بوضوح أكثر.
" ما هذا؟".
لمست أصابعه ظهرها , كانت لمسات ماتيو واضحة , وتحت نظراته الفاحصة شعرت جاكلين أنها بثوب السباحة .
" لا شيء .... لا شيء".
" هل حاول أحد أن ... جاكي أخبريني ".
" لا ... لا ... ليس كما تتخيل , ليس شيء من هذا القبيل يا ديفيد ".
سمعا طرقا خفيفا على الباب فأستوت جاكلين في جلستها .
" لا تدعه يدخل يا ديفيد .... لا تدعه ".


خرج ديفيد من الغرفة في اللحظة نفسها ., سمعت أصواتا عالية ومضطربة ثم غدت خافتة , لم تسمع كلمة واحدة مما قيل , أضطجعت بظهرها على الوسادة وهي تشعر بتقلص في جسمها , بدا الوقت طويلا قبل أن يعود ديفيد وحده الى الغرفة.
قدم لها كوبا من العصير المثلج , أخذت تشربه ببطء دون أن تنظر اليه :
" هل كان ماتيو بالباب هنا؟".
ساد صمت قبل أن يجيبها:
" أجل أنه ماتيو ".
" لم يحدث ما تخيلت يا ديفيد".
" لا , أنني أعلم ".
لن يخبرها ديفيد عن حديثه مع ماتيو , ولكن الأمر لا يهمها , أنعشها العصير , وهدأ من روعها , فتركها ديفيد كي تعود الى الحفل , أطفأت المصباح , وحملقت في الظلام , فلم تر ألا عقدة الناموسية التي أضاءها ديفيد , كانت أصوات الموسيقى , وضحكات الحضور تتهادى اليها عبر النافذة على أجنحة النسيم .
فكرت مليا وأخذت تخطط ماذا ستفعل.
يجب أن أذهب... لن أتحمل أكثر من ذلك , يجب أن أغادر هذا البلد , وأطلب نقلي الى بلد آخر , لا أستطيع العيش هنا .
عاد ديفيد بعد حوالي الساعة الى غرفتها , وقد جلب لها ملابسها , وقال سأصطحبك الى المنزل فقد حان وقت العودة ".
هزت رأسها .
" لا , لقد أتيت بأحدى سيارات المكتب وسأعود بها , لم آت مع ماتيو ".
" ستأتين الآن معي , وسنعيدها يوم غد الأحد".
خرج ليتيح لها المجال كي ترتدي ملابسها .
لم يتفوه بكلمة أثناء الطريق الى المنزل , سافر ديفيد في الأسبوع الذي سبق عيد الميلاد الى أميركا واعدا أياها أن يزور والديها , كم تمنت أن تذهب هي أيضا , كي تبعد عن أكرا وعن ماتيو , لم تعلم كيف ستمضي الأسابيع المقبلة ريثما يوافق مكتب نيويورك على نقلها , ويرسل لها أشعارا بذلك حيث ستخبر ماتيو.
حان وقت رياح الهارمتان , وهي رياح شمالية شرقية تهب على أفريقيا , فتكسو السماء برداء من الغبار الرمادي المصفر تحجب الشمس , وتزيد من أرتفاع الحرارة , أصبحت جاكلين متألمة من أنفها وفمها من الغبار , لم يغير هذا الجو الكئيب من حالة جاكلين النفسية , ألا أن الشمس بدت بشحوبها وكآبتها تشبه حياة جاكلين الى حد كبير .
أقامت عائلة تورنر بمناسبة الأحتفال بعيد الميلاد حفل عشاء , أحضروا له ديك حبش من كينيا , ساعدت جاكلين ليزا بتحضير المستلزمات , وبينما كانت ليزا وجاكلين تعملان بالمطبخ سألتها ليزا:
" أعلم أنه ليس من شأني أن أسألك عن هذا التغيير الذي طرأ عليك؟".
" أنه الهارمتان ألا تعلمين تأثيره على الناس ".
قالت جاكلين ببساطة , أنه يغير من نفسيات الناس فيصبحون كالمجانين.


نظرت ليزا اليها وقالت:
"أنظري الى نفسك , لقد نقص وزنك , كما أنك تبدين تعسة , ومنغلقة على نفسك كصدفة البطليموس , ماذا حصل بينك وبين ماتيو يا جاكي؟".
لم تقل جاكلين أية كلمة , بل أخذت تحملق بغباء في علبة الزعتر التي بين يديها ,وفجأة قفز شيء ما بداخلها وتدفقت كلماتها:
" آه يا ليزا , ليس كل شيء على ما يرام ... لقد كنت غبية جدا وقررت أن أترك هذا البلد, لم أعد أحتمل أكثر من هذا .يجب أن أرحل ".
أفضت عما يدور في أعماقها , ها هي أخبرتها بما قررت , لا بأس فليزا صديقتها , سألتها ليزا وقد هوت يدها على المنضدة الطويلة:
" أنت.... ماذا؟".
" سأقدم أستقالتي ".
" لماذا؟".
" لأنني لا أحتمل وجود ماتيو حولي أكثر من هذا , أنه لا يريدني , كان الشهران الماضيان مزعجين للغاية , أننا لا ننسجم ونتشاجر بصورة مستمرة".
ترقرقت الدموع في عينيها ثم أنسابت فوق وجنتيها :
" أنك تحبينه يا جاكي".
" أعلم , أعلم ذلك لكنه لا يريدني ".
وضعت ليزا يدها فوق كتفي جاكلين , وسحبتها بأتجاه غرفة الجلوس قائلة:
" أنه يظن بأنني فتاة رخيصة ".
" ولماذا يظن ذلك؟".
" حسنا , آه يا ليزا .... ماذا أخبرك؟ شيء مخيف أنني محرجة تماما".
" أخبريني ما هنالك".
أخبرت جاكلين ليزا بما يؤرقها , تدفقت الكلمات واحدة تلو الأخرى , كانت جاكلين تنظر الى الأزهار وهي تحدث ليزا , دون أن تنظر اليها , وبعد أن أنهت جاكلين حديثها قالت ليزا:
" الأفضل أن تخبري ماتيو أنك تودين أن تغادري أكرا".
لم تلاحظ جاكلين أنها جمعت قبضة يدها , كانت صورته تلوح أمامها , عضت شفتيها وهزت رأسها بيأس:
"لن أخبره حتى يأتي الأشعار من المكتب بنيويورك".
لم يلق طلب جاكلين بالنقل من غانا الى النيجر أي حماس لدى المسؤولين في نيويورك.
أرتجفت يدا جاكلين وهي تتابع قراءة الرسالة.
" أننا بحاجة اليك في غانا لأنك تقومين بعملك بشكل ممتاز ولا نريد أن نخسرك هنا".
ومع أنها تعلم هذا ألا أنها تمنت لو نظروا الى الأمر بشكل جدي ,وبينما كانت تتابع القراءة لاحت الموافقة بين السطور.
وبما أن البرنامج في النيجر أتسع بشكل يثير الأهتمام في العام الماضي فأننا بحاجة الى موظفين آخرين , ونظرا لأن جاكلين تتمتع بخبرة أكتسبتها في غانا , ونظرا لأنها تجيد الفرنسية ,فأنها بالتأكيد تستطيع أن تملأ الشاغر.
ولكن رجاء , مضت الرسالة تقول , هل تعيدين النظر في طلبك؟ لأن تدريب شخص آخر في مكانك سيضيف عبئا أضافيا فوق كاهل السيد سيمونز.
" أنني لا أهتم".
فكرت جاكلين بمرارة ."
ليتعذب قليلا , فأنه يستحق ذلك ".
ثم تابعت الرسالة: أننا لا نعلم المشكلة التي تواجهينها هنا ,ولكن أن كان حلها بأيدين , فالرجاء أن تعلمينا بذلك.
حسنا, أنهم لا يستطيعون حل مشكلتها هنا , ولكنهم يستطيعون توظيفها في النيجر , وسينقلونها الى هناك , أن لم تغير رأيها , هذا كل ما كانت تتمنى أن تعرفه.
أعادت الرسالة الى المغلف , وتنفست الصعداء.
يجب أن تخبر ماتيو الآن , خالجها شعور بالأضطراب والدفء وعندما فكرت به , لا لن تخبره الآن وقد تفعل بعد الظهر , أن ماتيو يمضي نهاره في مشروع النعاج , ولن يعود قبل السابعة أو الثامنة مساء.
تناولت عشاءها مبكرة , ثم جلست في غرفة الجلوس تقرأ كتابا , وترشف فنجانا من القهوة , لم تستطع أن تقرأ , كانت مضطربة وعصبية المزاج , وكلما سمعت صوت سيارة عند المنعطف زادت خلجات قلبها.
وبينما كانت تفكر أدركت فجأة وبوضوح أن هذه ستكون النهاية , أن ذهابها للنيجر سيضع حدا لكل هذا , سيخمد بصيص الأمل الذي أخذت ترعاه بين حناياها , سيخرج ماتيو من حياتها ولن تراه ثانية , ولكنها ستستمع الى أخباره عن طريق الشركة.
تصورت نفسها في النيجر ... في مدينة جديدة ... ومكتب جديد , ورئيس جديد وبدية جديدة , لن أكون سعيدة , تملكها شعور غريب , سأرثي نفسي وأبكي لفترة , ولحسن حظي فأن الدموع تجف بسرعة في هذا المناخ الصحراوي ,حاولت أن تسلي نفسها بألقاء هذه النكتة , ليس هذا مضحكا , ستعاني كثيرا من الوحدة لا داعي للقلق ,لن تكون الظروف التي ستواجهها هناك أسوأ من هذا الوضع , والذي أستطاعت أن تتكيف معه , كثيرا م حلمت بالصحراء , فها هي الفرصة مؤاتية لتحقيق حلمها , أن نيجريا صحراء , فيها الكثير من الرمال والجمال , ولكن مهما حاولت أقناع نفسها ودعم معنوياتها , فأنها ليست متحمسة في أعماقها لتكسب خبرات جديدة , تلاشت رغبتها في المغامرة المثيرة , لم يعد ييرها شيء بلا حب.
منتديات ليلاس
عاد ماتيو مساء وقررت أن تخبره صباح اليوم التالي , ولكنها خشيت أن يغدو الأمر أصعب , على الأقل ستترك له فرصة يتناول طعامه أولا , وعندما دخلت غرفة الجلوس الرئيسية وجدته جالسا الى منضدة الطعام , وأمامه العديد من الأوراق المنتشرة , كان مستغرقا في عمله فلم ينتبه لوجوده , كانت أصوات الموسيقة مختلطة بأصوات صرصار الليل تتداعى الى آذانها من النافذة المفتوحة , خفق قلبها بشدة , تنفست بعمق محاولة أن تهدىء من أنفعالها:
" أريد أن أكلمك يا ماتيو".
رفع رأسه عن أوراقه بلا تردد :
" نعم ما الأمر؟".
حل القلق مكان العصبية ونظرت اليه بتحد:
" أنني أقدم أستقالتي , لقد طلبت نقلي وقد تقرر أيفادي الى النيجر ".
أعقب كلماتها سكون مميت , لم تتأكد من معنى ملامحه المنعكسة على وجهه تكذيب أم دهشة , غضب أم خوف الى أن أنفجر صارخا:
" أنت ماذا؟".
أرتجفت من عنف لهجته :
" هل سمعتني؟ أرجو أن تكون مسرورا الآن , لم ترغب في وجودي في وقت من الأوقات وهاأنذا أغادر المكان".
" لا لن تذهبي".
شحن الجو بينهما بموجة كهربائية من التوتر , نظرا أحدهما في وجه الآخر بغضب وأحباط.
نصب ماتيو ظهره وقال:
" هل لي أن أسألك لماذا؟".
" من أجلنا نحن الأثنين".
" نحن!".
أجابته وثورتها عارمة , وقدماها ترتجفان :
" نعم أنت وأنا... أننا لا ننسجم , ولا نتفاهم , بل أننا نتشاجر دوما وهذا ما يتلف أعصابي , ليس في نيتي أن أصاب بمرض عصبي بسببك , أنك لا ترغب بي , وبأمكانك أن تجد من يحل مكاني , لست فريدة من نوعي , ولكنني صاحبة كبرياء وأباء".
أجابها بصوت هادىء وغريب:
" أنني لا أوافق على مغادرتك".
تنفست جاكلين بعمق :
" أعطني سببا معقولا يستوجب بقائي ".
جاء صوتها عاليا ومضرجا بالغضب , وقدماها لا زالتا ترتجفان , بدا كل شيء ساكنا للحظة , وألتقت نظراته الغامضة والداكنة بنظراتها , وهمس:
" لأنني أحبك..........".
دار العالم من حولها , ولم تصدق ما سمعت , لا لم يفعل ذلك ... لن يلعب تلك اللعبة القذرة مستغلا عواطفها ليجبرها على البقاء , شعرت بدوار .
تراقص كل شيء أمام ناظريها , فحاولت أن تمسك بأحد الكراسي , هدأت من نفسها ونظرت في عينيه:
" لا يا ماتيو , لا لا تخدعني".





 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 09-05-10, 04:24 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 



9- بين أحضان الكبرياء
أعطته ظهرها ,وركضت خارجة من المنزل , تخطت علي وأنطلقت في سيارتها كالمغشي عليه لا تدرك ماذا تفعل , لا تدري الى أين تذهب , كان جل همها أن تبعد عن ماتيو وعن المنزل ,وعن الحقيقة المدمرة , لقد سخر منها , ومن عواطفها الصادقة فأصابها بخيبة أمل , لم يكن ماتيو ذاك الأنسان الذي تخيلته.
ضغطت بقوة على عجلة القيادة , أن كل ما يهمه هو أن تستمر في عملها , لأنه سيصاب بالصداع فيما لو أستلم أحد ما عملها , تذكرت أقواله: لن أتخلى عنك ولو كلفني ذلك العالم بأسره , عادت تلك الكلمات تقرع مخيلتها , أجل لقد أخبرها بهذه الحقيقة يوم عيد ميلادها , ليست غبية لتلك الدرجة حتى ترضخ , لن تفسح له المجال ليتلاعب بها , ويستغلها كيفما يشاء.
ليس من الحكمة أن تقود سيارتها , والدموع تعمي ناظريها , قد تدهس أحدا ما , يجب أن تأوي الى أي مكان , وأن تتحدث الى أي شخص , ليس أمامها خيار ستذهب الى ليزا ... ولحسن حظها وجدت ليزا بالمنزل , أرتمت جاكلين فوق الأريكة , وهي تجمع قبضة يديها بعصبية محاولة أن تهدىء من أنفعالها , سألتها ليزا بصوت مفعم بالأضطراب:
" جاكي , ماذا حدث؟".
لكن جاكي لم تتكلم .... وكأن أحدا أقفل فمها دون أن تجد الكلمات سبيلا.
كسا الغموض وجه ليزا , أما جون فقد دس في يد جاكلين كأسا من العصير.
وقال:
" أشربي العصير , لا تتكلمي".
أخذت تشرب العصير ببطء , وهي تشعر بالهدوء الذي بدأ يزحف في أوصالها , لاحظت أن جون ترك الغرفة , لتبقى وحدها مع ليزا التي سألتها:
" هل تريدين أن تتكلمي عما يضايقك".
" نعم , نعم أعتقد هذا".
" لا تبدأي من الأول ... تابعي لي ما حدث , أخبرته أنك ستستقيلين أليس كذلك؟".
منتديات ليلاس
" نعم ".
أردفت ليزا :
" ولم يبد أي حماس بهذه الفكرة ".
" لا".
بلعت جاكلين لعابها:
" كيف عرفت؟".
أبتسمت ليزا وقالت:
" مجرد أحساس , هل أخبرك لماذا؟".
هزت جاكلين رأسها بيأس , وهي تشد قبضة يديها بعنف ,وبدأت الدموع تتراقص في مقلتيها:
"قال أنه لا يريدني أن أغادر أكرا لأنه ... لأنه يحبني , أغمضت عينيها , أنه يشغلني يا ليزا , لأنه يعلم شعوري نحوه , لقد أكتشف ذلك وها هو الآن ينتهز الفرصة".
" منذ فترة مضت أخبرتني يا جاكي بنفسك أنه ينظر اليك كفتاة مستهترة أليس كذلك؟".
دفنت جاكلين وجهها بين يديها وقالت:
" لا أعلم يا ليزا... لا أعلم , لم أعد أفهم شيئا , أنه يتصرف بشكل غريب معظم الأحيان أنني لا أعلم أبدا ماذا يقصد".
كانت دموعها تتناثر فوق أصابعها ... لاحت صور ماتيو أمام ناظريها .... فبدا لها تارة قاسيا وغاضبا , وأخرى صديقا مبتسما .
ضحك منها عدة مرات ليغيظها , وأحتقرها كثيرا في تلك الليلة المخيفة من تشرين الأول , حتى أنها تشعر بصفعته المعنوية , أذ سمعت كلمات لم تسمعها طوال حياتها : ماذا تظنين أنك فاعلة؟ أشكرك لهذا العرض.... لكن لا أريد .... ليس عليّ ألا أن أشكرك.
ما زالت كلماته تؤلمها , وستبقى أليمة دائما وأبدا , لن تنساها ما دامت حية.
ولكن لا ... لقد مرت أيام حلوة معه , عندما كان يغيظها دون حقد , ويبتسم في وجهها , ويأخذها بين ذراعيه .... ويعانقها.... لقد قدم لها أقراطا ذهبية ليشكرها على لطفها , بدا مخلصا , أنها واثقة من ذلك , لقد تغير كل شيء الآن , لماذا أنقلب كل هذا ليلة عودته من لندن رأسا على عقب؟
رفعت عينيها ونظرت في وجه ليزا:
" لا أعلم يا ليزا .... فكل شيء حولي يوحي بالفوضى , لقد فكرت مليا , ولكنني لم أفهم ما تعنيه كل هذه الفوضى".
أجابت ليزا :
" هل فكرت يا جاكلين ولو لمرة واحدة أنه يعني ما يقول ؟ وأنه أخبرك اليلة بصدق عواطفه مؤكدا أنه يحبك".
حملقت جاكلين في ليزا كالحمقاء وهمست:
" لا .... لا".
هزت ليزا رأسها وهي تشعر بنفاذ صبرها :
" أرأيت؟ ( قالت بصوت ملؤه الأسف) أرأيت ما أقصده , أن أحدكما يؤذي شعور الآخر دوما , أنك ترفضين تصديق ما قال , وتفهمين عكس ما يقول , وكأنكما أتخذتما قرارا بأن تشهرا العداء والألم بينكما , أنكما تدفنان كل شيء لذيذ يربطكما تحت حاجز من سوء التفاهم , لهذا أصبحت لا تلمسين الحقيقة , هذا محزن يا جاكي , وأنك غبية".
وبعد تقريع ليزا هذا لم تتفوه جاكلين بكلمة بل أجابت بجفاء:
" شكرا , أشكرك فلقد منحتني الراحة والعطف اللذين أفتقدهما ".


أجابت ليزا بصوت رقيق :
"آه يا جاكي , لا أستطيع أن أقف مكتوفة الأيدي وأنا أرى كلا منكما يحطم الآخر , أعلم أنك عنيدة ومعتدة بنفسك , ولكن هذا لن يفيدك في شيء صدقيني".
" أذن , لماذا يعاملتي هكذا ؟ لماذا يهينني بهذا الشكل؟ أعني عندما عاد من لندن".
خفت صوتها ,وهي تتذكر تلك الليلة المروعة , وكلماته تحوم كالأشباح من حولها.
" لا أعلم يا جاكي , يجب أن يكون هناك سبب ما , أسأليه".
" كيف تقولين هذا يا ليزا ؟ وكيف أجرؤ؟".
تنهدت ليزا وغيّرت من جلستها :
" أستمعي الي يا جاكي , علمني الزواج خلال أربع سنوات أن التفاهم لا يأتي أعتباطا , يجب أن تسعي اليه , تكلمي .... أسألي ... ولا تخمني أبدا".
" ولكنني لست متزوجة ماتيو".
" أنك تحبينه , هذا هو المهم".
لم تجب جاكلين , نظرت ليزا الى جاكلين وقالت لها:
" تذكري أنك أخبرتني أنه أتى اليك ليتحدث معك على الشاطىء , ولكنك لم تفسحي له المجال , هربت , لماذا؟ لماذا لم تمنحيه فرصة؟".
عادت الذكريات تتلاطم في مخيلتها , أحساسها بقربه , خوفها من أن تستسلم له مرة أخرى , فيشعر أنه ما زال مسيطرا عليها.
" لم أستطع وببساطة لم أستطع".
تنهدت ليزا يائسة :
" أنكما من النوع نفسه , لن تفسحا لبعضكما أية فرصة للتفاهم , يجب أن يحطم أحدكما هذه الحلقة المفرغة , أنه دورك الآن , أعني أذا كنت تريدينه فعلا , فيجب عليك أن تفعلي شيئا قبل فوات الأوان , فهو من البشر أيضا يا جاكي , أعطه فرصة أخرى , هذا أمر عائد اليك , أذهبي وكلميه , قولي أنك آسفة , قولي شيئا".
" لا... ليزا أنني لا أستطيع".


هزت ليزا جاكلين بعنف وهي تمسك كتفيها:
" جاكي عليك أن تختاري بين كبريائك وحبك".
قادت جاكلين في وقت متأخر سيارتها بحذر وببطء الى أوسو , مرت بمحطة بنزين ثم بالمخبز وبالكسك , وقف بعض الناس على قارعة الطريق بينما جلس آخرون يتحدثون , كانت حوامل الخضار فارغة أذ عاد البائعون الى بيوتهم , ترى هل نام ماتيو الآن؟ يجب أن تكلمه قبل أن تخذلها شجاعتها في العد , كان الظلام مخيما على غرفة الجلوس الرئيسية ,دخلت الصالة بهدوء ... فوجدت النور مضاء في غرفة ماتيو , أرتجفت قدماها ومسحت شعرها بيدها ,ودفعته الى الخلف , وهي تشعر برطوبته وتعرق جسمها , كانت فوضوية المزاج . صبّت لنفسها قليلا من الشراب الخاص بماتيو ثم عادت الى الغرفة وأخذت تفكر بيأس :
" لا أستطيع أن أتكلم معه , لا أستطيع أن أبوح له بحبي".
وفجأة قررت أن تأخذ دوشا لتسترد نشاطها , م ضحكت في نفسها وقالت:
" سأدخل اليه بعد الحمام فيما أذا أستمر ضوء غرفته مشعا , فهذا سيكون أشارة حسنة , وستجري الأمور على ما يرام , أما أذا أطفأ ضوء حجرته , فأن المحاولة ستذهب سدى , كثيرا ما عمدت الى هذه الحلول عندما كانت صغيرة , معتبرة أن القدر يحدد لها تلك الأشارات .
خلعت ملابسها ووقفت تحت الدوش الذي أشعرها بالأنتعاش , ثم نظفت أسنانها , أرتدت تنورة حريرية وقميصا ثم حزمت شعرها الى الأعلى , نظرت الى نفسها بالمرآة , فتاة مدرسة لطيفة , لا تقفي هكذا أذهبي اليه , خذلتها على الأغلب شجاعتها , عبرت غرفة الجلوس ماشية على رؤوس أصابعها الى الصالة , وأغمضت عينيها , ثم أخذت تفتحهما ببطء , كان الضوء لا يزال مشعا , زادت دقات قلبها , وملأ الرعب حنجرتها , ماذا سأقول له؟ فكرت وفكرت , أخذ غضبها يتفاقم في أعماقها , سيسعفك الكلام هيا ... تنفست بعمق وقرعت الباب ,وقدماها ترتجفان.
" من؟".
ساد صمت مطبق لبرهة:
" حسنا , أدخلي".
كان جالسا الى مكتبه ببنطاله الجينز وقميصه ,والمكيف يدوي في الغرفة ويبردها , أغلقت الباب خلفها بهدوء وأستندت اليه.
" حسنا , هل بأمكاني مساعدتك؟".
كان وجهه ناعما دون أن يحمل أي تعبير خاص.
قالت بصوت متقطع:
" أريد... أن أعتذر".
" لماذا؟".
أصبح صوته أكثر رقة وبعدا...
" أريد أن أعتذر عما قلته في تلك المناقشة الغبية التي خضناها معا هذا المساء".
حرك رأسه قائلا:
" تناسيها".
كان فمها جافا:
" لا.... لا ... لا أريد أن أنساها".
هز كتفيه:
" لا أعلم ماذا تقصدين .... أفعلي ما يحلو لك".
أن كبرياءه عنيف أيضا , أن ليزا على حق , لقد آلمته بدوري , أما الآن فأنه أنسحب ليختفي تحت هذا القناع السخيف من اللامبالاة الذي لا تستطيع أن تتجاوزه , أنه لا يريد أن يساعدها لتدارك الموقف , فأعترتها موجة من اليأس ,وعضت شفتيها حين قال:
" ستغادرين أكرا سريعا وسينتهي كل هذا".
لم ينظر اليها كانت عيناه متعلقتان بشيء ما على المكتب.
" أنني لا أريد أن أغادر أكرا يا ماتيو".
شعرت أنها تتهاوى من صخرة عالية الى الأسفل والى الحضيض , أطبقت أجفانها بعنف ثم فتحتها ثانية.
علا وجه ماتيو قناع من اللامبالاة , لم يكن هذا هو الأنطباع الذي أخذته وكأنها وقعت في دوامة , لا تستطيع أن تحطم قيودها , حاولت الأحتفاظ بأفكارها واضحة , ولكنها فقدت قدرتها على التفكير , عادت كلمات ليزا تقرع آذانها , يجب أن يزيل أحدكم الحلقة المفرغة , أنه دورك الآن , فتدفقت كلماتها دون أدنى سيطرة عليها:
" أنني لا أريد أن نتشاجر أكثر من ذلك يا ماتيو ,أن هذا مؤلم كثيرا , كم أود أن أغادر أكرا لا لأنني أكرهك .... ولكن لأن .... لأنني ... عضت على شفتها كي تخفف من حدة أرتعاشها ,( فذاقت دموعها المالحة , أدركت أنها تتخاذل هكذا ),
لأنني لم أعد أحتمل يا ماتيو أكثر من هذا , لقد ظننت أنك تتلاعب بي... وتعاملني كفتاة مستهترة.
غطت وجهها بيديها وتساءلت :
" يا ألهي ماذا أخبره.... سينفجر ساخرا ".
قال بصوت منخفض:
" لم تصدقيني".
رفعت رأسها مندهشة لسماع صوته الذي تبدل فجأة ونظر اليها :
" رفضت أن تكلميني ولم أجد وسيلة أخرى أخوض بها غمار نفسك , لم يكن لدي أكثر مما قلت , ولكنك لم تصدقيني ".
منتديات ليلاس
أشاحت بنظرها عنه فلم تحتمل أن ترى الألم واضحا في عينيه وقالت:
" لا".
" لماذا؟".
" لم أكن أتوقع ذلك.... ظننت أنك...".
" أنني أقول أحبك لأحتفظ بك في الوظيفة".
" نعم".
" لست أنا يا جاكي الذي يتخذ من الحب وسيلة ".
نظر اليها بعينين سوداوين داكنتين وقال:
" يكفي ما يعانيه قلبي من مرارة , أريد أن أحيا بالحب".
دايانا أنها دايانا دوما ,كان عليها أن تسأله عنها الآن : يجب أن تعلم...
" هل أحببت دايانا؟".
زم فمه وقال:
" دايانا ... هل أحببت دايانا؟ لا ليس كلمة حب صحيحة في هذا المجال , كنت مهووسا بها , ومأخوذا , أحمق ومجنونا وأدركت هذا الآن.
خلل أصابعه في شعره وبدا متعبا ومرهقا , بلعت جاكلين لعابها ,وسألته بصوت قلق دون أن تعلم أن كان لها الحق أن تطرح مثل هذه الأسئلة:
" لماذا أنزعجت أذن عندما أستلمت رسالتها الأخيرة؟ لماذا لم تفرح أن كل شيء بينكما قد أنتهى؟".
" جاكي , حاولي أن تفهمي , كان الأمر كاذبا وسخيفا , لم أفشل في الحصول على شيء قبل الآن , لم أفقد شيئا مهما الى الآن تلك الصداقة غير الممكنة , جرح كبريائي وتبدد .... لم أشعر بمثل هذا الذل أبدا في حياتي , ولكنني أريد أن أعرف لماذا تصرفت بتلك الطريقة يوم عودتي من لندن؟ لماذا فعلت ذلك , لماذا؟".
أحمر وجهها حرجا :
" لم أخطط لذلك يا ماتيو , أذا كنت هذا ما تخشاه , لقد حصل ذلك تلقائيا , كان ذلك للمرة الأولى في حياتي".
لم تتجرأ أن تنظر في عينيه.
" لقد أفزعتني".
حملقت به دون أن تفهن وقالت:
" أفزعتك لماذا وكيف؟".
" كنت أخشى من أنفعالي , من عاطفتي نحوك , فعندما لمستني حركت مشاعري".
أشاحت بوجهها عنه وقالت:
" هل كان ذلك سيئا للغاية؟".
" نعم يا جاكلين أنك لا تدركين هذا, لم أثق بعواطفي أتجاهك , كما أنني لم أق بعاطفتك نحوي ,كنت متضرجا بالألم والغضب , لقد هزمتني دايانا , فكان علي أن ألم فتات نفسي , لم أشأ الأرتباط بأي عاطفة جديدة , ما لم أتأكد منها ,وعندما ألتقينا , وكنت بثوب نومك ظننت أنك تنسجين شباكك نحوي".
" لم أنسج شباكي حولك....لا".
نظر مليافي عينيها , فشعرت بالشلل يزحف اليها , ولم تقاوم نظراته , قال ببطء:
" آسف لم أفهمك , أعتقد أن الأمور توضحت الآن".
وقف ينظر من النافذة , شعرت جاكلين بالأنهاك يسحقها , فجلست على أحدى المقاعد الخشبية , ويداها في حضنها , وأدركت أن هذه المحاولة لا تقودها الى شيء , على الأقل أنهما يتحدثان بدون مشاجرة , حدقت في ظهره العريض وتساءلت ترى بماذا يفكر؟ بدا كل شيء معقدا للغاية , وفجأة قطع ماتيو حبل تفكيرها:
" تعلمين يا جاكي أنني رفضتك عندما أتيت الى هنا لأسباب شخصية , وأخرى تتتعلق بالعمل , ولكن بت لي فيما بعد أنني كنت مخطئا ( نظر في وجهها وتابع) أنك كل شيء لم تستطع دايانا أن تكونه ,لك قلب وعاطفة (توقف ونظر اليها بعمق) أنك تجيدين عملك , وأعتمد عليك , بدأت أقدرك على المستوى المهني ... وما لبثت أن أعجبت بك كأمرأة , لم أتح لمشاعري أن تتدفق , ولم أعرها اي أهتمام ادراك ما جرى بعد هذا الحديث".
" أعتقد هذا".
أصبحت تصرفاته واضحة الآن , ها قد بدأت تفهم لماذا أنسحب فجأة عندما كان يعانقها في تامال , لماذا لم يعانقها بعد أن عادا من العشاء يوم عيد ميلادها.
كان ماتيو لا يزال واقفا أمام النافذة يحملق بها وتابع:
" وكان هناك ديفيد يا جاكي".
" ديفيد؟".
" لم أستطع أن أتخيل مدى علاقتكما , لم أفكر أن حبا يربطكما لأن الأختلاف واضح بينكما".
غصت حنجرة جاكلين بيأس :
" آه يا ماتيو , لماذا يبدو كل شيء معقدا هكذا؟ لم أشأ أن يكون كذلك أنني وديفيد....".
" أجل , لقد أخبرني ديفيد كل شيء في سهرة حفل الشاطىء ".
" ماذا أخبرك؟".
" قال أنكما صديقان( وسكت مدة طويلة ثم أضاف) وأنك التي أردت أن تستمر علاقتكما كضرب من الصداقة".
هزت رأسها بالأيجاب :
" لم يفهم أحدنا الآخر بشكل جيد يا جاكي أليس كذلك؟ وأذا قررت البقاء , فأننا سنبدأ من جديد ,سنأخذ الأمور ببساطة وبلا تعقيد".


" نعم سأبقى".
مد لها يده وقال:
" تعالي الى هنا يا جاكي".
مشت اليه كالمذهولة , ووضعت يديها في يديه :
" أنظري اللي".
خيم السكون ... وألتقت عيونهما باحثة عن الحقيقة .
قال بحب وحنان :
" أحبك يا جاكي".
" أحبك يا ماتيو".
لم يحدث شيء خلال اللظة المؤلمة التي مرت , ثم عانقها بحرارة , فشعرت بشرارة تعاود أوصالها , دفنت وجهها في صدره , حتى أنها لم تتنفس ألا بصعوبة , همهم قائلا:
" يا ألهي ,لماذا فعلنا كل هذا ببعضنا؟".
وبحركة عنيفة رفع وجهها اليه وعانقها , لم تقاومه.... أستسلمت اليه بكل قواها , متخلية عن أتزانها , لا يهمها شيء بعد الآن , فموجات الحب تتدفق في أعماقها , أبعدها بلطف ونظر الى وجهها قائلا:
" آسف يا جاكي لأنني جرحت كبرياءك وآلمتك تلك الليلة عندما عدت من لندن ,. لم أفهم أنك...".
" ماتيو....".
أنهمرت دموعها بغزارة ,لم تعد تتحمل أكثر.
" لا تبكي , لا تبكي".
ضمها اليه برقة وأخذ يمسح شعرها بين يديه .
" أنك لا تقدر ما هو شعوري ؟".
لم تسعفها الكلمات لتعبر عن فرحتها وسعادتها .
" أعرف , أعرف".
منتديات ليلاس
نظر في عينيها وقال:
" عانقيني يا جاكي".
رفع رأسه بعد لحظات بهدوء ونظر في عينيها بعمق , وهمس بصوت منخفض:
" أحذرك يا جاكي , أنه لمن الأفضل أن تقبلي بي زوجا , وأياك أن تقولي أنك لا تؤمنين بالزواج".
ضحكت جاكلين برقة وقالت :
" أنني متمسكة بالتقاليد التي تخص الزواج , أريد زواجا حقيقا , مسجلا تربطه روابط حقيقة وكل الأجراءات الرسمية ".
" رائع , هذا ما كنت أتمنى أن أسمعه".
عانقها بحب وقال:
" أنك لطيفة وناعمة وجميلة , وأحبك.... أحبك حبا يفوق الوصف".
وفجأة خيم ظلام دامس على الغرفة , ثم توقف صوت المكيف مصدرا شهقة , وكأنه مصاب بالربو , همست جاكلين بأذن ماتيو :
" سأحضر بعض الشمع".
عانقها بشدة وهمس:
" لا.... ليس الآن".
تمت


 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لن تخدعني, لولا هيامي, دار النحاس, karen van der zee, روايات مترجمة, روايات رومانسية, روايات رومانسية مترجمة, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, sweet not always, عبير, عبير القديمة, كارين فان درزي
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t140886.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
Untitled document This thread Refback 05-01-18 05:31 AM
ظ„ظˆظ„ط§ ظ‡ظٹط§ظ…ظٹ ظƒط§ط±ظٹظ† ظپط§ظ† ط¯ط±ط²ظٹ This thread Refback 07-08-14 11:59 PM
ظ„ظˆظ„ط§ ظ‡ظٹط§ظ…ظٹ ظƒط§ط±ظٹظ† ظپط§ظ† ط¯ط±ط²ظٹ This thread Refback 30-07-14 10:58 PM


الساعة الآن 07:45 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية