-لم تكن الطريق صعبة ولاسهلة ذهبت لين تبحث عن عمل في تلك المزرعة فوجدت نفسها اسيرة رجل غريب!
بيكليا مدينة صغيرة من مدن نيوزيلندا تمتد محلاتها التجارية على طرفي الشارع الرئيسي في المدينة , أبنيتها , خليط من الطراز القديم , وهي على ذلك ذات سقوف مغطاة بطبقة رقيقة من صفائح الحديد , أما الأبنية الحديثة المبنية من الأسمنت المسلح والبلاط اللماع ," مركز البريد "في الشارع الرئيسي بناء خشبي ولا يعود لطراز معين أو تارخ محدد
دخلت لين بلاك المركز بعدما أوقفت سيارتها بجانب الطريق , وشعرت بأن المكان معتم ,قاتم , بالمقارنة مع النور الساطع في الخارج , حيث كانت الشمس تملأ الكون بهجة
جالت ببصرها في المكان ورأت صندوق الدفع وقد جلست خلفه فتاة شابة تواجه شابا طويلا وقد أنحنى أمامها يشير بأصبعه الى ورقة مليئة بالأرقام بعدما وضعها أمامها , شعره أشقر وقد أكتسب سمرة محببة من شمس البلاد.
أرتبكت الموظفة الشابة , وتمتمت بعض الكلمات , ثم أبتسمت للرجل الواقف أمامها , كانت لين تقف خلفه , تنتظر دورها لتتكلم مع الموظفة
شعرت أن الرجل العريض المنكبين , قد تشنجت أعصابه وهو يتكلم مع الموظفة , ثم حرك رجليه بعصبية وسمع لحركته صوت ينبىء عن نفاذ صبره وعصبيته , كان يرتدي جزمة ضخمة فوق الأرض الخشبية , حاول جاهدا أن يبقى صوته منخفضا وهو يقول:
" عدم كفاءة....".
أحمرت الفتاة الشقراء خجلا وتمتمت في سرها بعصبية وأرتباك , ودخلت وهي تحمل الورقة بيدها الى المكتب .... فشعرت لين بغصة وهي تشفق على الموظفة المسكينة .
بقي الرجل منحنيا دون حراك , نظرت لين حولها تتسلى برؤية الصور الملصقة على الحائط ومن ضمنها بعض الأرشادات التي تعلن عن الخدمات المختلفة التي يقوم بها هذا المركز البريدي , كانت تتمنى أن ترى خريطة للمنطقة ملصقة على الحائط ولكنها لم تجدها , عادت الفتاة بعد دقائق وبرفقتها رجل متوسط العمر يرتدي نظارات طبية وهو يعتذر بأدب قائلا:
" آسف يا أستاذ.... هناك خطأ في الحسابات..".
" لا بأس , أرجو تصحيح الخطأ".
" بالطبع , وسنرسل لك كشفا مصححا بالحساب بأسرع وقت".
قال بلهجة آمرة متعجرفة:
" شكرا".
أستدار فجأة بحيث أضطرت لين الواقفة خلفه أن تتراجع خطوة الى الوراء , أختل توازنها وهي ترى هذا الشاب الضخم الجثة بعدما أستقامت قامته أمام حجمها الصغير النحيل ,أمسك بها الرجل بسرعة بيده القوية , وبقسوة أطبق على ذراعها وهو يساعدها على أن تبقى متوازنة بعد تعثرها
ألتقت عيناها بعينيه الخضراوين , كان عابسا مقطب الحاجبين.... كان وجهه قاسيا أكثر مما ينبغي , جبهته العريضة وعظام وجهه البارزة تشير الى قسوة وجبروت , حدقت به طويلا ... وربما لاحظ في نظرات عينيها الزرقاوين بعض الكبرياء والتحدي وكأنها ثأرت للموظفة المسكينة من معاملته السيئة لها ... وببطء ترك ذراعها بعدما رفع حاجبيه قليلا في تعجب وحيرة , تراجع خطوة الى الوراء وتفحصها بسرعة بدءا بشعرها الأسود المنسدل على كتفيها
ومرورا بقميصها الحريري والتنورة الفضفاضة الزهرية اللون , الى أصابع قدميها التي تطل من الصندال الخفيف الذي يتماشى مع صرعات الموضة , ثم عاد بنظره الى وجهها من جديد , وضجت في رأسه أفكار غريبة:
(مجنونة ....هذا الصندال لا يحمي الرجلين ... كأنها حافية القدمين ... أنها كأكثرهن تافهة ..)
ولا وقت لديه ليضيعه مع هذا الجنس البشري أستدار على أعقابه وخرج قبل أن تتمكن من أن تشكره على مساعدته , ردة فعله السريعة حالت دون تعثرها ووقوعها لو لم يمسك بها لأختل توازنها ووقعت
هزت لين كتفيها ثم ألتفتت الى الشابة الموظفة التي كانت تبتسم لها بطريقة ودية وربما بأبتسامة أقل جاذبية من أبتسامتها التي وهبتها للرجل الذي سبقها.
قالت لين:
" هل بأمكانك أن تدليني الى الطريق المؤدي الى هوكيانغ , لدي خريطة للمنطقة ولكنها ليست مفصلة ".
أخرجت لين الخريطة من حقيبتها وفرشتها أمام الموظفة التي شرحت لها طريقها , شكرتها لين وخرجت مسرعة الى الشارع حيث ركبت سيارتها الحمراء الجديدة , نظرت الى الغبار الذي يكسوها وقالت في نفسها :
" سأحتاج لغسلها حين أصل".
منتديات ليلاس
خرجت من المدينة بعد عشر دقائق تقريبا وبدأت تصعد تلة في طريق متعرجة , وجدت نفسها تتبع شاحنة محملة بالماشية , كانت الشاحنة ترسل خلفها غبارا يحجب الرؤية عنها , تابعت لين صعودها خلف الشاحنة وهي تنتظر فرصة سانحة تمكنها من تجاوزها ولكن الطريق بدأت تضيق أكثر , قررت لين أن تتوقف قليلا وتنتظر أبتعاد الشاحنة ودخانها الأسود الخانق من أمامها.
أوقفت محرك السيارة عن الهدير بعدما تركتها على طرف الطريق فتحت النافذة وتأملت المكان حولها
ران صمت محبب وهي تراقب الشاحنة تبتعد عن نظرها ويختفي صوت محركها المزعج وغبارها السام , سمعت تغريد العصافير يخرج من داخل الأشجار الكبيرة المحيطة بالطريق , خرجت من السيارة ومشت الى طرف الطريق ونظرت الى السهل الممتد تحتها
المزارع الخضراء متناثرة في السهل بشكل منظم , الشمس تغمر المكان دفئا والتلال العديدة تحيط بالسهل وتحجب عنه رؤية البحر , الساحل البحري لا يبعد أكثر من عشرين ميلا الى الشرق , ترتفع سلسلة الجبال من جهة الغرب لتحمي السهل من الرياح الغربية , الطقس في الخليج معتدل الحرارة والبرودة و تنعدم الرطوبة تقريبا في الشمال .
أختفى تدريجيا صوت الشاحنة وخمد غبارها , السماء صافية , زرقاء , والهواء منعش , أحست ببعض النسمات الباردة تلفحها وأرتجفت من البرد وعادت الى سيارتها تجلس في داخلها من جديد وهي تفكر في نفسها :
" هل يمكنني أن أتراجع عما صممت عليه؟".
سحبت نفسا عميقا وأدارت محرك السيارة من جديد في تصميم أكيد كأنها تقول في نفسها:
" لقد أنتظرت طويلا لتنفيذ ما صممت عليه...".
منتديات ليلاس