" أنت لم تستقري بعد والدروس متعبة في بداية الفصل الجامعي".
" صحيح, بعض الدروس أصعب مما توقعت (توقفت قليلا وهي تنظر اليها مترددة ثم أكملت) لماذا لا نلتقي....(لم تكمل بل وقفت فجأة وقالت وهي تبتسم ) لقائي بك كان ممتعا يا لين سأخبر أهلي بأنني ألتقيتك صدفة وسيسرهم أن يعرفوا أنك بخير...".
شعرت لين بأن سوزان وحيدة وضائعة في المدينة الكبيرة , وقفت مسرعة ووضعت يدها على ذراع الفتاة وقالت بحنان:
" أنتظري يا سوزان , هل يمكنك أن تحضري في الغد وفي الوقت نفسه لنتناول طعام الغداء سوية ,... أرجوك".
رسمت سوزان على وجهها أبتسامة حقيقية وبرقت عيناها فرحا وقالت:
" موافقة , غدا سألقاك هنا".
لم تأسف لين لأنها تراجعت عن قرارها بقطع صلتها مع آل وينغارد .... ليس بأمكانها أن تتجاهل حاجة الشابة لمساعدتها في بداية حياتها في المدينة ,
بعد أسابيع قليلة ستكون سوزان قد تأقلمت وتعرفت الى العديد من الأصدقاء الجدد ... وتسترد ثقتها بنفسها وعندئذ ستختفي هي من حياتها بسهولة ... أما اليوم فهي بحاجة لصداقتها ولا يمكنها أن تدير ظهرها لها عمدا.
تناولت لين مع سوزان طعام الغداء في الحديقة العامة أكثر من مرة عندما كان الطقس يسمح بذلك , كانتا أحيانا تؤمان مقهى صغيرا بالقرب من الجامعة وتصر لين على دفع ثمن الطعام وهي تقول لها مازحة:
" أنا فتاة عاملة وأنت طالبة معدمة ... ومعظم الطلاب من الجياع !"
"ولكنني لست منهم والحمد لله ,السيدة هاردويك تعتني بغذائي أكثر مما يجب حتى أن وزني قد زاد".
مرت لين لزيارة سوزان حيث تسكن وتعرفت الى آل هاردويك , كانت لين تريد أصطحاب سوزان في جولة حول المدينة في سيارتها , سألتها السيد هاردويك أسئلة جارحة ودقيقة تتعلق بسوزان : أين تعرفت عليها؟ من تكون؟
كانت أجابات لين مقنعة ونالت بالتالي رضى السيدة هاردويك فدعتها لتناول الشاي معهم بعد عودتهما من جولتهما في المدينة.
قبلت لين الدعوة شاكرة وقرأت عبارات الدهشة على وجه سوزان من تصرفات آل هاردويك مع لين وتساهلهم وترحيبهم بها.
وبعدما غادرتا المنزل نظرت سوزان الى لين بمكر وقالت:
" لقد أحبتك السيدة هاردويك وأنا دهشت كثيرا عندما دعتك لتناول الشاي".
" لقد وجدت أن لي تأثيرا عليك( ضحكت لين مسرورة) أنا فتاة ذكية وعاقلة وبأمكاني تقديم النصح لك أبعدك عن مشاكل الجامعيين الطائشين".
" أين سنذهب يا عمتي؟".
ضحكت لين من مزاحها الخفيف وقالت:
" سنقوم بجولة في مدينة أوكلاند , سنزور المتحف الوطني وبعض المعالم السياحية في المدينة , أنا أنتظر أن تتذكري كل شيء (قالت ساخرة)عليك أن تسجلي بعض الملاحظات المهمة".
" هذا يوم سيء للغاية ,ألا يكفيني ما أفعله طوال أيام الأسبوع".
قادت لين سيارتها الى منطقة المتحف , تسلقتا الدرج المؤدي الى المبنى وشاهدتا جمال المناظر الخلابة المحيطة بالمبنى , راقبتا المرفأ والمياه الساكنة الخضراء , هناك الجزيرة البركانية وهي ترتفع عن سطح البحر .
تجولتا في أرجاء المتحف وشاهدتا المعروضات داخله , هناك العديد من الصور والمنحوتات , لفت نظر سوزان الى صورة طبق الأصل لشارع يعود الى القرن التاسع عشر وكذلك لمركب بحري قديم من صنع سكان نيوزيلندا الأقدمين ... وكانت سوزان تتفرج مبهورة بما ترى.
" لا يمكنك مشاهدة كل أقسام المتحف في أمسية واحدة... علينا أن نعود اليه مرة ثانية".
ركبتا السيارة من جديد وقادتها لين الى رأس جبل أيدن , أنه جبل بركاني يشرف على المرفأ , تسلقتا التلة بصعوبة وتفرجتا من فوق الى منظر بديع لمدينة أوكلاند القابعة في أسفل الوادي , الهواء بارد ومنشط في المنطقة الجبلية ,
وبعد ذلك زارتا الحدائق الجميلة التي كانت فيما مضى القسم القديم من المدينة ,
الحدائق واسعة وغناء ومرتع ساحر للمتنزهين و,تجولتا في حدائق الورود المنوعة وتمتعا برائحتها الذكية ,ثم في شارع بارنيل الرئيسي شاهدتا المعروضات في واجهات المحلات التجارية التي يعود تاريخ بنائها الى القرن التاسع عشر , ولكنهم أعادوا ترميمها حديثا لتتماشى مع نهضة العمران الجديدة ,
شارع بارنيل هو مركز السوق الرئيسي للمدينة ,
وقبل عودتهما الى آل هاردوك أخذتها لتتفرج على خليج ميشن حيث الشلال الساحر ,
هناك بعض السابحين والعديد من المتنزهين بصحبة أطفالهم وكلابهم , الشاطىء رملي نظيف , أوقفت لين سيارتها ومشت مع سوزان فوق الرمال , قالت سوزان:
" لقد طلبت مني والدتي أن لا أذكر لك أي شيء , ولكنني أريد أن أسألك:
" لماذا لم تردي على رسائلنا ؟ كتبت لنا رسالة واحدة فقط ثم أنقطعت عن الكتابة..".
" أنا لا أحب كتابة الرسائل , هناك كثيرون مثلي في العالم".
" آسفة ... كان علي أن أطبق فمي ولا أتكلم.....".
كانت لين آسفة أيضا , لأنها لم تقنع سوزان بهذا العذر الواهي .
" لا بأس يا سوزان ... لم أعتقد أن رسائلي تهمكم".
" لقد أحببناك , وأعتقدنا ... حسنا .... أعتقدت أنا وترايسي أن سورين طلب منك أنتظاره في عيد الميلاد".
شحبت لين قليلا وقالت:
" متأسفة , هل خيبت أمله , ولكنني لست ملزمة أمامه بأي شيء , كما تعرفين".
رفعت سوزان حاجبيها متسائلة ومتعجبة:
" لا , ولكن .... هل تشاجرتما ؟".
"لا...".
" في حفلة ميلادك".
ترددت سوزان قبل أن تكمل جملتها ... نظرت محتارة الى لين تستوضحها فقاطعتها لين بعصبية:
" أوه , سوزان ما هذا السخف , لا يسأل الناس عن تصرفاتهم الخاصة في الحفلات".
قالت سوزان بجرأة:
" لماذا؟".
منتديات ليلاس
تذكرت لين أن سوزان هي فرد من أفراد آل وينغارد ولن تقنع ألا بالحقيقة الصادقة , أنها تتمتع بشخصية قوية وعزة نفس ورثتها عن والديها ... أنها ليست بسيطة التفكير ولا يمكن خداعها بسهولة.
" أنت أسأت فهمي , صدقيني ليس بيدي حيلة , ولا يمكنني أن أتصرف خلاف ذلك ... هيا بنا نعود , لن ترضى السيدة هاردويك بتأخرنا".
وصلتا في الموعد المناسب ورحبت السيدة هاردويك وقدمت لهما طعام العشاء , كان السيد هاردويك يتناول طعامه صامتا ولم يقل كلمة ولم يرفع نظره عن صحنه وكأنه يفكر تفكيرا عميقا ,
سألتهما السيدة هاردويك عن مشاهداتهما في المدينة وأستمعت اليهما دون أن تعلق بشيء بعد العشاء ساعدت سوزان ولين في تنظيف الصحون وسمحت السيدة هاردويك بدخول لين الى غرفة سوزان شرط أن لا تتأخر عندها وبقيت هي في غرفة الجلوس تراقب جهاز التلفزيون صامتة.
شعرت لين بصعوبة الحياة مع هذين الزوجين على الرغم من أن نيتهما طيبة , أنهما يضيقان عليها الخناق أكثر مما ينبغي وهذه الشدة في المعاملة لم تعد مقبولة.
تركت لين غرفة سوزان قبل التاسعة مساء , ودعتها لين الى الباب الخارجي ... وكانت قد تفادت الحديث بلباقة حول سورين بقية الأمسية ولكنها وهي في طريقها الى منزل والدها شعرت أن طيفه لم يفارقها أبدا , لقد وضح لها من حديث سوزان معها أن رحيلها قد خيب آماله ... فلا بد أنه غضب غضبا شديدا.