" لو فهمت أقوالي على هذا النحو فأنا متأسف , لقد خفت حين شاهدته خارج السور بعيدا عن الدار ... لم أرك قربه , وأنا أحب هذا الصغير حبا جما".
وضع يده مهدئا , كان سكوت لا يزال يرسم دوائر كبيرة ملونة فوق الورق وهو يثرثر بأصوات مبهمة.
عادت لين الى المطبخ وجلس سورين يتحدث مع الصغير , لقد نسي سكوت غضبه وبدأ يشرح لشقيقه البكر ما رسم , رفع سورين نظره اليها وسألها:
" هل تحتاجين لمساعدتي؟".
" لا , شكرا , لقد أنتهيت من عملي تقريبا , أنا أتقاضى بدل أتعابي".
" هذا مسمار آخر... أرجو أن لا تضيفي كلمة سيد وينغارد من جديد........".
" لم أقصد أزعاجك ولكن لماذا حضرت باكرا ؟ ظننت أنك ستساعد والدك بحلب البقر".
" لقد أعفاني من مساعدته , يريد أن يتأكد أن بأمكانه القيام بالعمل دون مساعدة ".
أمسك سكوت برسمته ووضعها أمام سورين يحرضه على
الأنتباه .
"على مهلك يا صغيري".
رفع سكوت الى ركبته وفرد الرسمة فوق الطاولة وأعطاها كل أنتباهه :
"أنها جميلة".
" لنضعها على الحائط في غرفتي يا سورين".
" هيا بنا".
فتش عن مسامير صغيرة وقال يخاطب لين:
" سنذهب لنعلق التحفة النادرة على حائط غرفة سكوت".
عاد سورين بعد قليل الى المطبخ حيث كانت لين لا تزال تهتم بالطعام :
" أن سكوت بخير يلعب في غرفته , لقد قرر أن يشيد قصرا من الأخشاب الصغيرة على شاطىء البحر ".
" وماذا أيضا يا سورين؟".
" نعم؟".
" ما هو شعورك وأنت تعتني بشقيقك الصغير .... يكاد أن يكون أبنك".
" شعور لذيذ.....".
" ألا تغار من عائلة والدك الجديدة؟".
" لا , لقد أنتهيت من شعور الغيرة قبل أن تولد سوزان , لقد أحسنت تريزا معاملتي , ولكنني لم أجعل الأمر سهلا عليها".
" لم أسمعك تناديها بأسمها من قبل".
" صحيح , أنا أناديها ماما , أنها مزحة".
" هي أيضا قالت لي ذلك , ولكنني لم أفهم ماذا تقصد".
" في البداية لم أقبل وجودها هنا , كنت في الحادية عشرة من عمري ولا أزال أذكر حنان والدتي وحبها لي , رفضت أن يشاركني أحد في حب والدي وبالأخص زوجته الجديدة ,في الشهور الأولى لوجودها معنا أحلت حياتها جحيما لا يطاق ,لقد نفذ صبر والدي ولكن تريزا لم تسمح له بمعاقبتي أبدا , كنت أصرخ فيها وأرفض أن أناديها ماما , وكانت هي صابرة ولم تعاقبني , وسمحت لي بمناداتها بما أريد شرط أن يكون النداء مهذبا ومقبولا , ولكنني رفضت الكلام معها بتاتا وبقيت هي ودودة في معاملتي وصابرة ولم تعاقبني أبدا , وكانت تلطف الجو بيني وبين والدي وتحسن معاملتي على الرغم من كل ما كنت أفعله معها , لم أصدق أن زوجة الأب يمكن أن تكون أنسانة طيبة وتحسن معاملتي , لم أرغب في حبها لأنني كنت لا أزال حزينا على فقد والدتي ...وتغيّر شعوري وبدأت أحس بحنان تريزا ... مع أنني رفضت الأعتراف بتغير شعوري نحوها في البداية ثم حاولت أن أحاربه".
سألت لين بفضول:
"كيف؟".
" كنت صبيا يا فعا , رغبت في محاربتها ومكايدتها , كنت أحسن التصرف معها أمام والدي أما في غيابه فأصبح شيطانا مريدا , لم تخبره بذلك وأحتملت مني ضروب العناد مع أنها شابة صغيرة في الخامسة والعشرين من عمرها, فكرت في أهانتها , فناديتها ساخرا : يا جدتي ... شبهتها بشخصية رأيتها في فيلم ضاحك وظننت أنها ستغضب ولكنها ضحكت ... أهتجت وغضبت كثيرا لأنها ضحكت بدلا من أن تغضب ... مشيت اليها أوسعها ضربا بيدي وقدمي ... لو كان والدي يشاهد ما حدث لسلخ جلدي وأوسعني ضربا , كنت نحيلا وعصبيا وربما كان من الممكن أذيتها بضربة قاسية ... ورأيتها بعد ذلك تبكي , هدأت قليلا وأرتحت لحزنها , ثم أكتشفت سبب بكاها ... كانت تقول : سورين أيها الصغير المسكين , أعتذر لأنني ضحكت منك , أمسكت بي وضمتني الى صدرها وقبلتني معتذرة , فتوقفت عن لكمها وعانقتها بمحبة وود....(خشن صوت سورين من شدة تأثره ولم يعد ينظر الى لين, بل توقف عن الكلام وضحك قليلا),تمالكت أعصابي وحبست دموعي جاهدا , أعتقد أنني كنت شجاعا وقاسيا وأنا في الحادية عشرة من عمري ....
منتديات ليلاس
ثم أعتذرت منها قائلا:
" أنت لست كبيرة في السن , ورغبت أن تضحك من جديد على أقوالي ولكنها لم تفعل , بل قالت:أشكرك يا سورين , أكون أمك , جدتك لو أردت أنت ذلك , ولكنني لم أكن مستعدا للأذعان بعد , بدأنا هدنة مؤقتة , كنت أفكر بما حصل مرارا بيني وبين نفسي , لم تتعجل تريزا الأمور , وأخيرا سلّمت بالأمر الواقع راضا ,وعملت منها مزحة صغيرة , أتذكر أنني عدت ذات يوم الى البيت ودخلت عليها المطبخ وناديتها لا مباليا:
" أهلا يا أماه... أين غدائي؟".