كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
وأحست في لحظة مجنونة أن كل ما يحيط بها قد تلاشى حتى لم يعد في الغرفة أحد سواهما إن هذا جنون مطبق
ولكنها أردات فعلاً أن تكون معه ليس إلى جانبه فقط بل بين ذراعيه تمسك به عن قرب وتغدق عليه الحب والحنان
ابتسمت ابتسامة مهتزة ثم أعادت ناظريها إلى دميان الذي انخرطت معه في حديث لم يكن له أهمية محددة
ولكن الحديث على ما يبدو كان شيقاً لأن دميان استجاب له بتدفق كلمات كادت ألا تسمعها أو تفهمها فهزت رأسها
وكأنما تحاول أن تصفي ذهنها ماذا دهاها بحق الله؟
- دميان هل تعترض إن أنقذت زوجتي؟
سمعت إليان صوت ارماندو العميق قبل ثانية من إحساسها بذراعه تعانق قدها شعرت بقشعريرة تجتاح كيانها كله وكأنها اعتراف صامت بوجوده
قال دميان:
- أؤكد لك أنها لا تتعرض لأي خطر
ليس من دميان على أي حال أما من أرماندو فالمسألة مختلفة قال لها أرماندو وهو يحني رأسه إلى رأسها:
- هل نذهب؟
وهزت كتفيها:
- إذا كنت ترغب
فأعترض دميان:
- لم يكد الليل ينتصف
- لقد قلنا قبل أن نترك المنزل إننا لن نتأخر
- اتصل بالمربية إذن
- لا أظن
في السيارة جلست إليان بصمت شاكرة الموسيقى الناعمة المنبعثة من مبكرات الصوت تاركة رأسها بكل بساطة متسلقياً على مساند مقعد المرسيدس المنطلقة في عتمة الشوراع
عندما وصلا إلى المنزل قالت ميريان إن جوزف لم يتحرك من مكانه ثم توجهت إلى الخارج فرافقها أرماندو حتى الباب ثم عاد إلى المنزل
خلعت إليان حذاءها ودخلت الحمام حيث راحت تزيل الزينة والمساحيق عن وجهها
بدت قسمات وجهها شاحبة وعيناها كبيرتان جداً
ما كادت ترفع الفرشاة إلى شعرها حتى دخل أرماندو الحمام فارتعشت يدها قليلاً لأنه اقترب منها ليأخذ الفرشاة من أنامها
علمت أن عليها الإحتجاج ولكن الكلمات لم تخرج من شفتيها
وقفت جامدة تحت لمساته وكأنها تحت تعويذة وهمية ثم أحست بإغراء لا يقاوم إلى إغماض عينيها وعندما توقفت ضربات الفرشاةعلى شعرها
رفعت أهدابها فالتقت نظرته بنظرتها في المرآة لف ذراعيه حول خصرها ثم راحت أنفاسة تبعثرالشعر على رقبتهافتركت رأسها ينحني إلى الأمام بدعوة صامتة وهي عاجزة عن كبح تأثرها
وكأنما يريد أن يختبر مدى تأثيره فيها فتراجعت لتلتصق به فيما ارتفعت يداه إلى كتفيها تديرانها إليه حتى باتت عاجزة كل العجز بين ذراعيه
اجتاحتها عاطفة قوية شعرت معها برغبة في البكاء وعندما رفع ذراعه تحت ركبتها ورفعها بين ذراعيه لم تستطع إلا أن تدفن وجهها في عنقه
منذ أسبوع مضى حتى الأمس كانت متأكدة من رغبتها في الفرار منه إلى بلادها أما الآن ففكرة الهرب من أرماندو تبعث في نفسها الشكوك وعدم الإستقرار بل اليأس
إن بقيت يجب أن يكون لبقائها أسباب وجيهة محقة ولكنها شعرت بالريبة فيما إذا كان للحب دور في تعلقها ففي البدء كانت غايتها من البقاء جوزف أما الآن فتشك في أنه السبب
استلقت إليان ما بدا لها ساعة من الوقت مستيقظة تحدق إلى السقف
ومئات من المشاعر المتناقضة تخيم على تفكيرها وتصيبه بالإرتباك لم يبق شيء على ماهو عليه لا شيء أبداً انسلت من الفراش بحذر وبطء شديدين لئلا تزعج الرجل النائم بصمت قربها كيف يمكنها تركه؟
بل كيف يمكنها البقاء؟
اجتازت غرفة الجلوس حتى وقفت أمام مهد جوزف إنه إعز إنسان على قلبها إنه كل شيء في حياتها لم تستطع حبس الدموع في عينيها
شع نور القمر متسللاً من الستائر القاتمة مخلفاً مساحة من الظل والنور الفضي مغلفه أصابع الظل كل شيء آخر
كان الدرابزين المحيط بالمهد يشبه رسماً ملائكياً لا يتصل أبداً بشكلها الأصلي
والمهد نفسه عميقاً وقاتماً كقلبها تماماً
يا الله أكثير عليها أن تتمنى السعادة؟هل كانت غبية حين أملت أن تحققها؟
لم يكن لديها فكرة كم من الوقت ظلت واقفة هناك أنبأها إحساس داخلي بوجود أرماندو أكثر من أي صوت
- ماذا تفعلين هنا؟
كان صوته عميقاً وجافاً فلم تستطع منع الرجفة التي غزت جسمها النحيل
أمسكت يداه بكتفيها ثم انسلتا إلى ذراعيها فمرفقيها لتحيطا بعد ذلك بخصرها لتجذبانها إليه
قال لها بصوت منخفض
- ستصابين بالبرد
ولكنني أشعر بالبرد اشعر بالبرد حتى أكاد أشعر أن ثلجاً يسري في عروقي بدل الدم
ولن أشعر ما دمت حية بالدفء ثانية!
- عودي إلى النوم
صاح صوت صامت في داخلها:لا
هذا الصوت صوت عقلها الباطني الذي راحت تخوض معه معارك كثيرة خاسرة
آلمت الدموع عينيها وغشيت الظلمة عينيها ثم انحدرت دمعتان كبيرتان كحبتي كريستال
فأخفضت أهدابها
- إليان؟
أدارتها يداه بلطف لتواجهه وهي عاجزة عن تجنب أصابعة التي أمسكت ذقنها لترفعة إلى الاعلى
أطلقت هذه الحركة دموعها فلم يكن بإستطاعتها فعل ما يحول دون تساقطها البطيء من الصعب إلا ينتبه إلى الدموع والأصعب إلا يعلق على سبب أنهيارها
نظرت إليه ورأسها مرتفع بإعتذاروالتحدي بارز بحدة
كانت قسماته بادية من خلال دموعها التي رفضت أن تتوقف
لقد علقت في المصيدة وكانت تشعر بحزن عميق لأنها ربطت داخل نسيج عنكبوتي حريري تمسكها خيوطة لتتركها سجينة نفسها
- دموع؟
لم تظهر عليه سيماء السعادة بل حزن عميق خافت أن تحلله مرر إصبعه فوق دموعها
- لماذا؟
لأجل كل الأحلام ولأجل الحب الذي علي تقديمة ومنحه
- إليان؟
صوته ناعم مخملي أنفاسة حارة تلفح خدها شفتاه دافئتان تلمسان صدغها وأجفانها إنه الإغواء في أخطر صورة كادت تصرخ وهو يحملها ليعود بها إلى غرفة النوم
وما أوقفها عن الصراخ الخيانة التي شعرت أن جسدها يقوم بها
ولكن الإغواء الخالي من الإلتزام العاطفي ما عاد يكفي بل ما عادت قادرة على الإدعاء أنزلها بلطف لتقف على قدميها
- والآن هل تخبرينني ماذا يزعجك؟
من أين تبدأ؟من الإعتراف بوقوعها في حبه؟
سرت رعشة هزت كيانها لأنها فكرت في السخرية التي ستطل من عينيه عندما
يعرف أنها انضمت إلى النساء اللواتي وقعن ضحية سحره الفتاك
- أخشى أن ألح في السؤال
في صوته قسوة ما لم تستطع فهمها قسوة أرسلت جفونها إلى الأعلى بدهشة
كانت تحس به يراقب مشاعرها المهتزة فأجبرت نفسها على التنفس بثبات للسيطرة على دقات قلبها العميقة
قال أرماندو بلطف وقد رفع يديه ليمسك بوجهها:
- أرجوك
هناك شيء ما لم تجرؤ على تصديقه ربما هو الأمل وقد طفق يتحرك في داخلها فقالت "لا أظن أنني أستطيع"
- حاولي
هل تجرؤ؟ولكن إن بدأت بالقول فهل يكتفي بالقدر الذي ستذكره أم يطلب منها المزيد,,والمزيد
قالت أخيراً وهي غير واثقة من شجاعتها:
- يستحق جوزف أن تكون والده
سود شيء ما عينيه أقسمت إنه الألم
وإن صمت مطبق قطعة أرماندو بهدوء مخيف خطر:
- وماذا عنك؟أترين أنه لا يستحق أن تكوني أمه؟
شعرت وكـأنها تمشي على البيض ولكن بما أنها بدأت فليس أمامها إلا المضي في الكلام فانفجرت قائلة:
- أنا أحبه كيف تشك في ذلك؟
- ليس حبك له بمعرض سؤال
انقطعت أنفاسها ثم انفجرت في وقت شحبت فيه قسماتها فترنحت وخشيت الوقوع فكرة أن يعرف أرماندو إلى أي حد بلغت عاطفتها أشعرتها بالمرض عليها الإبتعاد عنه حتى ولو مؤقتاً قالت له متوسلة:
- أرجوك دعني أذهب
- أبداً
ظهرت الصلابة واضحة في كلامه فخافت
- ستعيد التفكير ثانية عندما تعرف أن السبب الوحيد لقبولي الزواج بك هو أن أطلب الطلاق وحق حضانة جوزف القانونية كنت أخطط منذ البدء للإنتقام النهائي
ثم راحت تكافح بحثاً عن الكلمات المناسبة لأنها ما عادت تستطيع عند هذا الحد الإمتناع عن الإعتراف
- سنتين ظننت أن علي البقاء متزوجة قبل أن أعود مع جوزف إلى إنكلترا
كان صمته يضعفها فتاقت إلى أن تسمع كلمة أية كلمة
- والآن؟
- ماذا تريدني أن أقول؟
- حاولي الحقيقة
كانت روحها تبكي منهوكة القوى بدموعها الصامتة
- متى تنتقم مني يا أرماندو؟
- هل هذا ما تفكرين فيه؟
- أوه ,,لماذا تجيب عن كل سؤال بسؤال آخر؟
- لأنني أريد الحقيقة كلها
من المبكر أن تعري روحها أمامه
نعم من المبكر جداً فالمفترض أن يحدث الحب بالتدريج لا على حين غرة
وكيف لها أن تعرف ما إذا كان هذا هو الحب الحقيقي؟
- لا أستطيع
صمت أرماندو طويلاً حتى أحست بالخوف وعندما تكلم كان صوته متوتراً بتصميم هادئ:
- حالما تعود روندا ورافاييل إلى الجزيرة تتوجه إلى روما جواً
صدرت عن شفتيها شهقة دهشة فضغط بإصبعه عليهما لمنع كلمات الإحتجاج
- سيسر أهلي الإعتناء بجوزف وحدهما فترة قصيرة
- هل ترتب الأمور دائماً وليد ساعتها؟
- وهل تقولين إنك غير راغبة في الذهاب؟
وقفت مترددة هنيهة لا زمن لها ثم همست أخيراً"لا"
ولكنها كانت تشعر دون أي شك أن قدرها قد أبحر دون أمــل بالعـودة
...........نهاية الفصل العاشر..........
|