تــــــــــــــــــــاااااااااااااااااابع
وقفت تضع فنجان القهوة بحذر على المنضدة فيما همس لا صوت صوت داخلي صغير داخلي : اهدئي . . ابقي هادئة . . انظري الي الصور ، تفحصيها بدقة ، تفحصتها بدقة ، ولاتقولي شيئاً قبل ان تنتهي .
ببطء متعمد ، فتحت المغلف واخرجت الصور ثم وضعتها على المائدة كل على حدة الي ان وضلت الي الست الأخيرة منها .
وكما توقعت ، كان هناك لقطات ماخوذة للفندق من الخارج ، ومنظر لقسم الإستقبال ، مع صور واضحة لكاميل وهي تأخذ مفتاح غرفتها ، وللردهة رقما على الباب . وميغيل يخرج من الغرفة ذاتها ، والصورتان الأخيرتان تظهران كاميل نفسها في وضعيات مختلفة بين اغطية مجعدة ، وهي تبدو مكتفية حالمة ، وغرية بشكل لا يصدق .
أول رغبة تملكت هانا هي ان تمزق الصور وترميها في سلة المهملات . . وأحست بالدوار وهي تنظر اليها . شعرت انها مريضة فعلاُ لتخيلها ميغيل وهو يسعد امرأة أخرى ، وحتى ولو لم يحدث هذا ، فالفكرة وحدها كافية لقتلها .
- انظري الي التاريخ .
اخترق صوت ميغيل الفراغ الذي لف افكارها ، فهزت رأسها . لكن الصوت الأجش بدا كالحرير المطعم بالفولاذ الحاد وهو يقول :
-بربك . . انظري .
انه تاريخ اليوم .. اليوم ؟ لكن . .
أكمل ميغيل بعناد : ( كنت هنا ليلة أمس . . معك ).
وهذا برهان لا يدحض . . وقالت هانا مبتسمة : ( هكذا أفضل . . وإلا لقتلتك او أسوأ ).
بدا متسلياً بشكل غامض : (إذن ، من حسن حظي ان معي شاهد على مكان وجودي مساء الاثنين).
-ارجو ان يكون موثوقا به .
-انه كذلك ، ولسوف يؤكده لك اليخاندرو .
واصبح صوته قاسيا ، وتعبير وجهه لا يلين حين اضاف : ( سأرسل الي كاميل إنذاراً مؤقتاً . . فإذا تجاهلته سأقاضيها بتهمة الإزعاج المتكرر ).
صمت قليلاً ثم تابع : ( ثم هناك غثبات علمي بالنسبة لتعديل الصور ).
ونظر اليها بحدة : ( لو تصرفت بحكمة ، فستستقل أول طائرة عائدة الي وترحل من هنا ).
وستعود حياتهما الي طبيعتها . . حتى المرة القادمة . . ومع ان نساء كثيرات يرغبن بميغيل إلا ان أي واحدة منهن لم تتصرف بهذا الشكل غير العادي كما فعلت كاميل . . هل هذه المرأة مهووسة ؟ سارقة رجال متمرسة تأخذ كفايتها من التسلية بالناس ولعب لعبة شريرة ؟
وجعل هذا هانا تحب التملك بقوة . . متمكلة في ما يتعلق بميغيل ، وزواجها ، وبيتها . . وأي شيء تقدسه .
لكن بضعة اسئلة حيرتها وارتجفت للفكار الغربية التي تراودها ، وأحست بالقهر لفكرة ان خطة كاميل كادت تنجح .
لا تخوضي في هذا . . حذرت نفسها بصمت . فالشراكة ، والزواج ، يجب ان يبنيا على الثقة ، فلا اساس للزواج .
اخذت فنجان قهوتها مجدداً وارتشفت منه ، ليخفف توترها بالتدريج .
منذ بضعة اسابيع لم تكن تعرف بوجود كاميل دالفور ، ومع ذلك ، وفي الأسبوع المنصرم تمكنت المرأة الفرنسية من زرع الفوضي في حياتها .
يمكن لميغيل ان يتخذ الإجراء الذي يريده ، لكنها تنوي التخطيط لاستراتيجية خاصة بها .
بحركة متهورة ، ابتلعت ما تبيقي من قهوتها ، ثم اعادت الفنجان الي المنضدة ، وقالت : ( أشعر برغبة في السياحة قبل العشاء ).
تركها ميغيل تذهب ، وحين أغلقت الباب خلفها ، أعاد الصور إلي المغلف ووضعها في الخزنة . بعدئذ التقط الهاتف وطلب رقم محاميه . .
خلعت هانا ثيابها وارتدت ثوب السباحة مذهل بون بحري قاتم ، مكون من قطعة واحدة ، ثم رفعت شعرها ، وتناولت منشفة ونزلت السلم بخفة .
بدت البركة مغرية ، والمياه صافية لماعة تحت أشعة شمس السماء الغاربة ، وكانت حرارة النهار قد تلاشت تقريباً . وغطست بنعومة في الجانب العميق من البركة ، وحين برزت الي السطح ضربت الماء بيديها ضربات متكاسلة ، ضربة ثم اخرى ، الي ان عدت الي الخمسين ، ثم انقلبت على ظهرها وبقيت عائمة بسعادة فوق المياه الصافية .
كانت تشعر بالشمس على وجهها وأطرافها ، واغمضت عينيها ، لتضع في التفكير متأمل .
سرعان ما ستضطر للخروج من الماء ، والصعود الي غرفتها ، لتستحم وتغير ثيابها استعداداً للعشاء . . لكنها الآن ، ستستمتعبالهدوء والعزلة .
بعد خمس دقائق ، انقلبت على بطنها بحركة سريعة ، واتجهت الي حافة البركة .
الاستراتيجية التى فكرت فيها ، تجسدت لديها وهي تستحم ، جففت شعرها وارتدت تنورة مقلمة وقميصاً . . ووضعت أقل قدر ممكن من الزينة ، ولمسة أحمر شفاة ، وأصبحت جاهزة .
كان موعد العشاء في الساعة السادسة والنصف ، فألقت نظرة سريعة على ساعتها لتكتشف ان لديها خمس دقائق فقط لتضع خطتها قيد التنفيذ .
وبدلاً من استخدام خط المنزل الهاتفي ، اخرجت هاتفها الخلوي ، وضغطت ارقاماً عدة .
-غرازيلا ؟
وتبادلت معها التحيات ، ثم دخلت في صلب الموضوع : ( هل استطيع ان اكلم كاميل ، إذا كانت موجودة ؟)
وإندهشت كاميل لهوية المتكلم ، إلا انها لم تظهر دهشتها : ( هانا . . كم هذا فانت عزيزتي ).
وكانت لهجتها مزيفة تماماً .
-دعينا نتناول الغداء معا يوم غد .
وسمت مطعماً في المدينة يقع على مسافة قريبة من المحل ، ثم أضافت : ( في الساعة الواحدة كوني هناك ).
وقطعت المكالمة ، قبل ان تتاح الفرصة لكاميل ان تقول أي كلمة اخرى .
كان العشاء مكوناً من وجبة بسيطة من الدجاج المقدم مع الأرز والسلطة اللذيذة وفاكهة طازجة ، وشربت هانا الليمونادة ، وأعجبتها شهية ميغيل بينما راحت هي تتلاعب بالطعام في صحنها ز
-الستِ جائعة ؟
التقت نظرة ميغيل الثابتة وهزت كتفيها قبل ان تجيب : ( احضرت لي زبونة طبقاً كبيراً من العنب الطازج والبسكويت والجبن . . وأكلنا ، أنا وإليان طوالا بعد الظهر ).
-هل نسيت ان لدينا تذكرتين لحفل افتتاح مسرحية ( دايفد ويليلمسون ) الجديدة الليلة القادمة ؟
بقد كانت مشغولة التفكير بكاميل . . ولم تراجع مفكرتها الإجتماعية منذ أيام .
- لا . . بالطبع لم أنس .
قال ميغيل بينما دفعت هانا طبقها جانباً : ( لدي بعض العمل في المكتب لمدة ساعة تقريباً ).
-وأنا أيضاً .
فواتير آخر الشهر ، إيصالات بضاعة ، كما تحتاج الي تفحيص كتيبات الموضة من عدة بيوتات أزياء ، واكملت : ( يجب أن أبدأ بها ).
قال وهو يقف : ( ضعي الصحون في غسالة الصحون . . وسأحضر القهوة ).
أراد جزء منها الإحساس بلمسته ، ودفء ذراعيه وهما يلتفان حولها . . هل لطمأنتها ؟ لن يفيدها ات تشعر بمثل هذه الحاجة . مع ذلك ، فهما متزوجان ، ويربطهما عهد . . وماهو الشيء الطبيعي أكثر من التقدم اليه ، ولف ذراعيها حول عنقه وجذب رأسه الي رأسها ؟
لن تستطيع هذا . ليس هنا ، وليس الآن . كاميل تقف بينهما مثل الشبح ، وجود حي يتنفس ، يبدو وكأنه يستنفد دفئها الطبيعي ومرحها العفوي .
حين انتهت من تحضير القهوة ، صبتها في فنجانين وحملت فنجانها الي الغرفة المريحة المحاذية لمكتب ميغيل . لم تكن الغرفة كبيرة مثل غرفتهخ ، ولكنها أثثت بمنضدة أثرية ، ورفوف كتب ، وخزانة ملفات ، ومنضدة كتابة .
ولساعتين متتاليتين عملت بجهد ، وبعد ان انهت عملها ، أرسلت بضع رسائل الكترونية لأصدقائها .
-ألم تنتهي بعد ؟
رفعت هانا راسها لتري جسم ميغيل الطويل المستند الي إطار الباب . كان قد فتح ازرار كمي قميصه ، ورفعهما الي أعيمرفقيه . والأزرار القليلة في أعلى القميص كانت مفتوحة ، وبدا وكانه مرر أصابعه على شعره أكثر من مرة .
-خمس دقائق .
-هل ترغبين في مشاهدة فيلم تلفزيوني ؟
-ولم لا ؟
-هزلي ؟ أم حركة ؟ أم دراما ؟
حركت انفها وابتسمت له : (فاجئني ).
حين دخلت غرفة التسلية ، وجدته ممدداً على أريكة جلدية . وكان أمامه رزمة بسكويت هش غير مفتوحة ، فيما الأنوار معتمة ،وشاشة التلفزيون تعرض بعض الخبار السريعة قبل الفيلم .
افسح لها مكاناً الي جانبه ، ومد لها يده يدعوها اليه . كانت عيناه قاتمتين ، وفمه يلتوي بابتسامة شهية : ( تعالي هنا ).
تمتمت وهي تقطع الغرفة : ( يبدو لي هذه دعوة ).
-وهل أنت بحاجة لدعوة .
أشارت الي سطل الثلج والعصير : ( هل نحتفل بشيء ؟)
امسك يدها وجذبها اليه ، قائلاً :
-السلام .
أخذت رشف من العصير ، وراقبها لوهي تفعل مثله . . ثم أخذ الكأس من يدها وأعطاها كأسه .
كانت هذه ايماءة مثيرة متعمدة . . وبقيت تحدق فيه لبضع ثوان ، وهي تعي جيداً التجاذب الكيميائي بينهما .
انطلقت النار المستعرة في شرايينها . . لتوقظ أعصابها كلها .
بجهد كبير ابعدت نظرها عنه ، ونظرت من دون ان ترى التلفزيون ، محاولة ان تركز على الصور الملونة مع بدء عرض الفيلم .
شربت ما في كاسها ببطء وهي تشعر بتغيير في جسم ميغيل بعد ان وضع ذراعه على ظهر الأريكة ، على مقربة من كتفها ز
كان الفيلم يدور حول علاقة غرامية ، والتمثيل رائعاً ، وقد نال جائزة أوسكار لدوريهما إن لم تخنها ذاكرتها .
بالتريج ارتفعت حرارة هانا وهو يقترب منها ، ثم يعانقها بخفة . وسألته بصوت اجش : ( هل ؤريد حقا مشاتهدة الفيلم ؟ ).
وسمعت ضحكته المنخفضة قبل أن يجيب :
-شاهديه أنت كوريدا. . لدي شيء آخر أفكر به ز
-هنا ؟
امتدت يده إلي خصرها ثم ارتفعت ببطء .
-سنصل الي غرفة النوم في النهاية . . أما الآن فاسترخي .
لم تعد تشعر بالخجل ، بل , , بحاجتها اليه . . وشهقت وهو يقف ليحملها متجهاً بها نحو السلم .
فيما بعد ، وبعد وقت طويل ، غلبها النوم بين ذراعيه .
الفصل التاسع : غضب ودموع
بدأ اليوم بالمطر ، ثم ضعف ليتحول الي رذاذاً خفيفاً ، ومع منتصف النهار كانت المدينة قد استحمت بحرارة بخارية ورطوبة مرتفعة .
ارتدت هانا ملابس فاتنة ، بذلة سوداء ، مفصلة يدوياً ، صارخة الأناقة . وكانت ياقة السترة المزررة تظهر شيئاص من بشرتها . واختارت حذاء مرتفعاً مستدق الكعبين أ في على جسمها الصغير طولاً ، وجوارب سوداء شفافة غلفت ساقيها النحيلتين .. وسرحت شعرها في شينيون لماع ، وارتدت أقل ما يمكن من الجواهر .
مظهرها العام مظهر امرأة واثقة من نفسها تحترم ذاتها . . وبالكاد اهتمت بشعورها من الداخل وهي تدخل المطعم المعين ، متأخرة عمداً بضع دقائق .
وبدا ان كاميل تنوي لعب اللعبة ذاتها ، فهي لم تكن موجودة ، وسمحت هانا لكبير السقاة أن يرافقها الي الطاولة المحجدوزة ، حيث طلبت مرطباً ، وأخذت ترتشفه ببطء مع مرور الدقائق .
زاد الانتظارمن توتر اعصابها . وبعد عشر دقائق ، استدعت الساقي وسجلت طلبها . . فإذا قررت كاميل ألا تظهر . .
-هانا . . اعتذر لك .
كان الصوت مزيفاً مثل ابتسامة كلميل وهي تندس في المقعد المقابل .
–لقد تأخرت وأنا أرد على مكالمة هاتفية .
ورفعت يدها في إيماءة مغرية ، قبل ان تضيف :
-وتعرفين مشكلة ركن السيارة .
همست هانا لنفسها : ( ابدأي كما كنت تنوين ).
-لقد طلبت الطعام . . فليس لدي سوى ساعة فراغ .
جاء الساقي وطلبت كاميل عصيراً .
-فكرت بان نحتفل حبيبتي .
-وماهي المناسبة ؟
-الحياة .
ولم تصل ابتسامة كاميل الي عينيها وهي تكمل : ( أوليس هذا سبباً كافياً) .
واجهتها بحزم : ( لا . . لاسيما وأنت مصممة على التدخل في حياتي ).
قدم الساقي لائحة الطعام ، فنظرت كاميل اليها بسرعة ، وطلبت سلطة ، ثم نظرت الي هانا نظرت قاسية محسوبة .
-الم تتعلمي بعد انني خصم مخيف ؟
-وخصم غبي جداً .
تاملتها نظرة كاميل قبل أ نتسالها : ( ما رايك بالصور حبيبتي ).
-اي منها ؟ المعدلة على الكمبيوتر ؟ ام تلك التي تظهرك مدة بين أغطية الرير في ثوب مبتذل ؟
الاحتراس الظاهر ازداد ليتحول الي ما يقارب الخطر .
-كيف يمكن ان اكون في حال غير هذا وميغيل ترك فراشي لتوه ؟
صححت هانا لها بهدوء مخادع : ( انت مخطئة كاميل . . ميغيل لم يكن في فراشك أبداً)
لم يتغير تعبير وجه كاميل : ( وهل فشلت في مواجهة الحقيقة ، يا حبيبتي ؟).
تناولت هانا قطعة هليون بشوكتها ، وغمست طرفها في المرق ، ومضغتها بهدوء وتلذذ . . ثم قالت بعد ثوان : ( أنت من يحتاج الي فحص الحقائق ).
-الصور واضحة ز
نظرت هانا الي الفرنسية وكادت تشعر بالسف عليها : ( انه خيال كاميل ).
اشتد ضغط كاميل على شفتيها : ( لإنه دليل لا يقبل الجدال . . التاريخ المسجل لا يكذب ).
وافقت هانا : ( لا . . لكنك ارتكبت غلطة صغيرة ).
-وماهي ؟
تاخرت هانا في الرد : ( لقد عاد ميغيل الي البيت مساء الثلاثاء ).
-مستحيل ، كان جناحه لا يزال مشغولاُ .
أكدت لها : ( كان يشغله اليخاندرو . . لقد كنت ذكية جداً في تشغيل جهاز التاريخ في الكاميرا . . وهذا ما يجعل من وجود ميغيل في فراشك مستحيلاً ، في وقت كان فيه معي )
سألت كاميل بكرهية : ( وماذا عن ليلة الاثنين هانا ؟).
قاومت هانا الرغبة في صفع وجه المرأة .
-كاميل . . استسلمي . لقد لعبت ما ظننت انه ورقتك الرابحة ، وثبت ان هذه الورقة ليست اكثر من جوكر .
التقت اصابع يد مطلية الأظافر بالأحمر حول منديل المائدة : ( هل دعوتني الي الغداء لتقوي لي هذا ؟ ).
-لا . . بل اردت فرصة لأحذرك شخصياً من أنني لن أتحمل محاولاتك في التدخل في حياتي ، أو في زواجي .
ضغطت كاميل يدها فوق قلبها ، بسخرية : ( كم أنا خائفة).
كانت درجة السخرية الدرامية مضحكة تقريباً ، لو تمكنت هانا من رؤية شيء من المرح في الموقف .
واكملت تحذيرها من دون ليونة : ( خافي . . يمكنني اتهامك بالإزعاج والتحرش ).
وكانت نظرتهامباشرة ، ولهجتها مثلجة ، وانتظرت لحظة ، ثم أضافت : ( أشك في ان خالتكط قد تتاثر . ولا اتصور هذا لغرازيلا وانريكو دلسلنتوس ).
لمعت عينا كاميل بحقد أسود : ( لم انته منك بعد . . ميغيل . .
قاطعتها هانا بنعومة : ( يجدك مزعجة بقدر ما اجدك انا . . اذهبي وعيشي كاميل . . اخرجي من حياتي ).
انطلق فيض الكلمات حاقد من فم كاميل المخطط بدقة ، في سبابي عنيف ولغة مبتذلة مثيرة للشفقة ، جعلت من يفهم الفرنسية ، يسمع سيلاً من التهجم على أصل هانا وسليلتها ومركزها وشخصيتها .
حدث شيئان متزامنان ، وكانا اخطر انذار موجه لهانا .
امتدت يد كاميل خلسة وصفعت وجه هانا صفعة لاذعة ، وانسكب العصير على مفرش الطاولة . ظهر رودني سيبرس من مكان مجهول وامسك بذراع المراة الفرنسية في قبضة رادعة .
ما حصل لاحقاً كان مضحكاً . . فقد أسرع الساقي الي الطاولة ولحق به كبير السقاة . بدا بعض الرواد مذهولين تماماً فيما أخذ الفضول البعض الاخر ، وفي هذه الأثناء تابعت كاميل لعن كل شخص من اقارب هانا . . الحياء منهم والأموات .
واحتوى المشهد على مقتطفات غير مترابطة ، مثل مشهد من فيلم سينمائي .
سال كبير السقاة يإهتمام : ( هل ترغبين في استدعاء الشرطة سيدتي ؟).
كان يعرف تماماً هوية هانا وعلاقتها بعائلتين من أكبر اثرياء المدينة .
تجاهلت هانا إيماءة رودني سيبرس بالموافقة وردت : ( لا ).
كرر بلهفة : ( هل انت واثقة سيدتي ؟ ألم تصابي بأذي ).
الجانب الأيسر من وجهها كان يلدغها . . راحت ترتجف ببعض الانفعال . لكن ،هذا كل شيء .
-انا بخير .
لن نأخذ ثمن وجبة الطعام طبعاً . . هل ىتيك بشراب ؟ أكد رودني بلهجة لا تتحمل الجدال : ( سأعتني بالسيدة سانتاناس . . حالما أرافق هذه المرأة الي الخارج ).
نظر الي هانا نظرة مباشرة ، وسألها :
-هل انت واثقة تماماً من اانك لا تريدين سجنها؟
استدارت نحو كاميل ، التي بدت كقطة متوحشة تنتظر فرصة اخري للإنقضاض .
وقالت محذرة بوقار هاديء : ( اقتربي مني مسافة عشرة امتار مرة اخري ، وسوف اصفعك بكل تهمة ترد في القانون ).
وكان هدؤها صعباً ، وهي تشعر من الداخل انها محطمة الأعصاب .
ارج ردني المرأة الفرنسية بالقوة من المطعم ، ونظرت هانا الي المائدة ، والعصير المسكوب والطعام المبعثر ، وقالت ببساطة : ( أعتذر ),
اخذت حقيبة يدها وسحبت بطاقة الإعتماد .
لوح كبير السقاة برفض البطاقة : ( لا .. لا سيدتني . . لا داعي لأن تغادري ، دعيني احضر لك وجبة طعام اخري ).
-شكراً لك . . يجب ان اعود الي العمل .
يجب ان تخرج من هنا لتتنشق هواءً نظيفاً : ( يجب ان تنتظري عودة التحري ).
الحارس الشخصي ! اللعنة ! هذا يعني ان رودني سيقدم تقريرا لميغيل ، ثم ، . . . وكشرت ، سيكون عليها دفع ثمن تصرفها .
لم يطل الأمر . . عشر دقائق فقط ، عدتها هانا وهي تتفحص ساعتها مع رنين هاتفها الخلوي .
سأل ميغيل لحظة ردت على المكالمة : ( ما الذي فعلته بحق الجحيم ؟).
ردت من دون تردد : ( احمي منطقتي ).
وسمعت شتائمه المنخفضة .
-لا تحتولي ان تكوني ظريفة .
لكن (( الخيالة )) وصلت في الوقت المناسب .
قال بصوت أجش : ( هانا . . أنا لست مستعداً للضحك ).
-وانا لم اكن اضحك ز
-اقفلي المحل واذهبي الي البيت .
-لماذا انا بخير .
-هانا . .
-لإذا كان لابد من اجاء تفحص لما بعد الحادثة ، يمكنك الانتظار حتى الليل .
الصمت المطلق كان بليغاً . . واستطاعت ان تسمعه وهو يستجمع سيطرته على نفسه ، ويو بقسوة : ( الليلة . . وفي هذا الوقت سيبقي رودني قريبا منك . . افهمت ؟).
كانت التعليمات الموجهة الي رودني دقيقة . . فقد فهم ان حراستها تعني الانتباه الي ما يجري داخل المحل ومراقبة اية زبونة تدخل المحل وتقلب البضاعة .
ذهلت اليانور بما جرى واقلقتها اللطخة الحمراء على خدهانا ، فوضعت عليها كيساً من ثلج ، واصرت على البقاء معها حتى وقت الإقفال .
لم يكن هناك أي أثر أو خبر عن كاميل ، وعانت هانا من مرافقة رودني لها حتى موقف سيارتها ، ثم لحاقه بها عن قرب الي درجة ان سيارته كادت تلامس سيارتها .
هناك كدمة بسيطة بدات بالظهور على وجنتها ، وعندما تفحصها ميغيل جعل من الصعب عليها ألا تجفل ألماً ز
قال ميغيل آمراً : ( كلميني . . هل تتالمين عند تحريك فمك ؟ ).
هزت كتفيها وردت : ( ليس كثيراً ).
ورأت نظرته تضيق .
امسك ذراعها ، وقادها الي المكتب ، واقفل الباب ، ثم استدار قليواجهها : ( والان . . هل ستقولين لي كيف حدث وتناولت الغداء مع كاميل ؟).
اوه . . ياللسماء . . الاستجواب . والحقيقة البسيطة هي الطريق الوحيد .
-لقد اتصلت بها ودعتها .
تحولت قسمات وجهه الي تفحص مكتئب . ومن دون اي كلمة ، تقدم الي المنضدة واسند وركه على حافتها .
منتدى ليلاس
-ماذ1ا دهاك بحق السماء لتفعلي هذا ؟
كان السؤال ناعماً كالحرير ، وخطيراً ، فنظرت اليه تدير كل الحركة . لذا قررت ان الوقت قد حان لأن اقول لها كفى .
نظر اليها نظرة مباشرة محللة : ( حتى مع معرفتك انني رفعت قضية ضدها ، والمسالة اصبحت تحت السيطرة ؟).
تابع بدرجة كبيرة من السحرية : ( ادركت ان المرأة لا يمكن التنبؤ بما يمكن ان تفعل ، لذا فهي خطرة ).
قالت هانا مدافعة : ( لم اكن بمفردي معها . . والشكر لك ، كان رودني الثمين في مكان قريب ).
هل خطر ببالك ما كان يمكن ان يحدث لو لم يكن موجوداً؟ ).
وقفت منتصبة ، وحدقت فيه : ( اذا انتهيت من استجوابك ، فسأذهب واغير ملابسي ).
وقف ميغيل ، ووصل اليها قبل ان تخطو أكثر من خطوة . . واطبقت يداه على كتفيها ، ثم امسك ذقنها ورفع راسها : ( اعطني وعداً بألا يكون هناك المزيد من من المحاولات البطولية المشتقلة ).
كان قريباً قريباً جدا. . فخفق نبض اسفل عنقها ، ووقفت مسمرة ، تنظر اليه وهو يتفحص قسمات وجهها بنظرة مرعبة ز
بدا لها ان انفاسها علقت في حلقها .وتعلقت عيناها بعينيه ، مشتعلتان غاضبتان ، مع ذلك ضعيفتان جداً .
-سأفكر بالامر .
شكل سبابه الأجش الحافز لها .؟ ( هل انتهيت ).
وحاولت انتزاع نفسها من يده ، وفشلت : ( دعني اذهب . . اللعنة عليك !).
اكتست عيناه مظهر البرود الذي لا يرحم : ( سيكون العشاء جاهزاً بعد نصف ساعة ).
ومرر ابهامه على شفتهجف ، فاراد ان يهزها ز
-يجب ان نكون في المسرح في الساعة السابعة والنصف .
أوه . . ياإلهي . . وكادت تتاوه بصوت مرتفع ، المسرحية . المنتج صديق شخصي . . وعدم الحضور سيكون قمة في قلة التهذيب .
-لست جائعة .
كان التوتر العاطفي والعصبي جحيماً ولعنة مميتة . . والسماء تعرف انها عانت من العذاب في الأسبوع ما يكفيها العمر كله .
-اذا لم تكوني في غرفة الطعام بعد نصف ساعة ، فسأصعد لآخذك .
اتسعت عيناها ، ومال لونهما الي الأزرق القاتم ، وقالت محذرة : ( لا تلعب دور الزوج المتسلط ).
ورأت عيناه تقتمان .
-هانا ز
كان في صوته تحذير مبطن قررت ألا تهتم به ، وردت بغضب : ( لا تقل شيئاً . . لا تقل شيئاً).
تركها ميغيل تخرج من الغرفة من دون ان يتفوه بكلمة اخرى ز
اخذت حماماًث متكاسلاً جعلها تستعيد الكثير من توازنها .وارتدت بنطلون جينز انيقاً وبلوزة . وجففت شعرها ، ثم نزلت الي الطاق الأرضي .
كانت صوفيا قد حضرت يخنة لحم بقر طري مع خبز محمص ، وسلطة . الرائحة الزكية ، فتحت شهية هانا ، فاكلت باستمتاع وتلذذ . فكرت بعدة مواضيع للحديث ، ثم تخلت عنها .
قال : ( اليس لديك ما تقولينه ؟).
نظرت اليه ، فالتقت نظراتهما . ثم اخذت بعضاً من الرز في شوكتها : ( ماذا تقترح ؟ مواجهتي مع كامبل حكم عليها بالموت ).
-لقد اتصلت رينيه ، واكدت لي ان لا شيء مهم . واشارت الي انها ستتحدث معك الليلة .
نظرت السيه بحدة : ( وهل اخبرتها بما حدث اليوم ؟).
-لا . . ولماذا اقلقها بلا فائدة ؟
سوف تصاب امها بالذعر لو اكتشفت الي أي مدى ذهبت كاميل في حملتها . . والمضاعفات التي سببتها .
كانت ليلة الإفتتاح في المسرح تعني ان ترتدي ثيلباً انيقة . واختارت هانا بدلة مؤلفة من تنورة مرتفعة الخصر باللون الزهري وبلوزة من دون اكمام بلون زهري داكن . . واكملت هندامها بشال حريري ناعم . وكعادتها اختارت اقل ما يمكن من الحلي ، ثم عقصت شعرها في عقدة جميلة في اعلى راسها .
كان افراد من نخبة مجتمع المدينة حاضرين . . ولم يفاجئها رؤية غرايزلا وارنيكو ديلسانتوس بين المدعوين في المسرح ، وبرفقتهما اصدائهما آيمي دلفور ، وكاميل ، ولوك ز
بطريقة ما ن تعبير( القصة بين الحمائم ) لم يكن كافياًَ لتصوير لتصوير الموقف . لكن الدعوى التي تقدم بها ميغيل لمنع الإزعاج المتواصل لن تصبح سارية المفعول قبل اليوم التالي . . بما ان كاميل لم تكن غبية ، فان ظهورها الليلة هنا ليس سوى تعجرف وقح .
كانت المرأة الفرنسية ترتدي ثيلباً ضيقاً بقصد الفتنة . وبدت جميلة بشكل آثم في ثوب مبتكر من دون اربطة او ظهر ، يلتصق بجسمها وكأنه بشرة ثانية .
هل هذه محاولة بائسة أخيرة لتظهر لميغيل ماذا يخسر ؟
طبعاً ، من المستحيل ان يتسللا عبر الردهة من دون ان يلاحظهما أحد ، ولا يمكن لهما ان يتجاهلا وجود ديلسانتوس .
تصرفي . . حثت هانا نفسها بصمت بينما كان ميغيل يضم يدها بيه . حيتهماغرازيلا بحماسة : ( هانا ، ميغيل . . كم من الرائع رؤيتكما . هل تذكران آيمي ، بالطبع كاميل ولوك ).
وكيف لهما ان ينسيا ؟ تبادلا تحيات مجاملة لا معنى لها ، وتعمدت هانا تجاهل تقييم كاميل المغري لميغيل . والمثير للعجب أنه لم يحترق لرؤية تكور شفتيها الشهيتين ، والعد الخبيث الواضح في عمق عينيها الفاويتين .
سوف تصرخ . . لكنها ارتاحت على الفور لرؤية والديها يتجهان نحوهم .لتبادل التحيات معهم وهما تتقدمان الي منصة البيع .
-رينيه . . كارلو . . ارجو ان تنضما الينا .
اغمضت هانا عينيها ،ثم فتحتهما مرة اخري حين أشار انريكو ديلسانتوس الي اربعة مقاعد فارغة حول الطاولة التي اختاروها . . هذه ليست امسية هانا ! كم سيدوم وقت الاستراحة ؟ عشر دقائق أم خمس عشرة دقيقة ؟ أيمكنها ان تعيش هذاه الفترة برفقة كتميل ولوك ؟ . . بالتأكيد .
تعمد ميغيل اجلاس هانا الي جانب رينيه فيما جلس هو في المقعد المجاور . . كان فاتناً مع غرازيلا ، وتبادل الحديث مع كارلو وانريكو ، وتصرف بتهذيب في كل مرة حولت فيها كاميل لفت انتباهه .
لاحظت هانا ان هذا يحدث باستمرارمع وجود كاميل . فاق هذا كله احتمالها ، وفي محاولتها للتخلص من هذا الوضع اعتذرت وتوجهت الي غرفة الزينة .
لكنها ادركت بعد دقائق انها ارتكبت غلطة كبيرة ، فقد انضمت اليها كاميل بسرعة ، وكان عليها الانتظار نظراً لعدد الغرف الصغيرة . . وقفت هانا متصلبة تنتظر من كاميل أنتندأ بالضرب ولم يخب املها .
-لا تتصوري نفسك قادرة على الإختباء وراء حارس شخصي . . أعتقد أنك تظنين نفسك ذكية .
استدارت هانا قليلاً لتنظر الي المرأة الفرنسية ، وردت بجفاء : ( أبدتً . . الحارس الشخصي موجود بناء لطلب ميغيل ).
تحول وجه كاميل الي ثقناع ثلجي ، قبل ان تقول : ( -ليحمي مصالحة واستثماراته ز
-طبعأً .
كانت هذه هي الحقيقة ، فلماذا الإنكار ؟
تابعت هانا بهدوء : ( لكن هناك مكافأة لهذا . . على ان اشاركه فراشه ، وحياته ، واحمل اولاده ).
وأطلقت نفساً عميقاً قبل ان تضيف ( اعترفي أنك فشلت كاميل , واذهبي للتفتيش عن رجل ثري آخر , لا ينفر من تلاعبك ).
صمتت قليلاً ثم قالت : ( وخذي لوك معك ).
فردت الفرنسية بلؤم متعمد : ( انه عاشق متمرس ).
قطبت هانا ساخرة : (وهل تعتقدين هذا ؟ يالفبائك ! ) .
لوحت كاميل بيدها بشكل وحشي , لكن هانا هذه المرة كانت جاهزة , فتراجعت الي الوراء لئلا تصيبها الصفعة .
أطلقت هانا بضع شهقات تعجب , قبل أن تحضر رينيه التي تحولت قسمات وجهها الرائعة الي الشراسة من شدة الغضب .
- لقد قلت ما يكفي كاميل ! والآن أخرجي من هنا حالاً . . هناك أمكنة أخري فيها تسهيلات إذا كنت مضطرة الي استخدامها .
واستدارت الي ابنتها : ( حبيبتي . . هل انت بخير ؟ ).
- أجل . . شكراً .
- ولم تستطع سوي التساؤل عما إذا كان ميغيل هو من أرسل رينيه لإنقاذها .
- تعالي . . دعينا نعود الي . . الطاولة .
وهزت رأسها : ( أنا بحاجة حقاً لأن أنعش نفسي . . قولي لميغيل إنني سأذهب مباشرة الي مقاعدنا ) .
قالت رينيه بحزم : ( سأبقي معك ) .
- إذن , سيرسل رجلانا معاً فرقة تفتيش . حقاً أنا بخير .
قالت أمها بأرتياب : ( حسن جداً . . هل انت متأكدة ؟ ) .
فرغت أحدي غرف الزينة الصغيرة , فدخلتها هانا . . بعد دقائق كانت تقف أمام المرآة لتعيد إصلاح أحمر الشفاة , ثم خرجت الي البهو .
ولم تكد تخطو خطوتين حتي وجدت ميغيل الي جانبها . نظرت اليه بثبات وهو يمسك ذراعها وسألته :
- أولاً رينيه والآن انت ؟
- دقيقة أخري وكنت سأدخل بنفسي لأحضرك .
- وهل ستدخل مكاناً مخصصاً للنساء ؟ كم انت شجاع .
حذرها بغضب : ( لا تدفعيني كثيراً كويريدا ) .
ولم يكونا في طريقهما الي المسرح .
-نحن نسير في الاتجاة الخاطئ .
- سأخذك الي البيت .
- لن تأخذني بحق الجحيم !
ورفضت بعناد أن تتحرك . . ولقد لمعت عيناها بنار زرقاء وهي تواجهه : ( لن أفوت بقية المسرحية ) .
وضمت قبضتيها ولامست صدره : ( الطريقة الوحيدة لإخراجي من هنا هي ان ترميني علي كتفك وتحملني الي الخارج ! ) .
علق بين الضحك والغضب , وقال بصوت أجش : ( لا تغريني ) .
انتزعت ذراعها من قبضته , وسارت بمقدار ما سمحت به كعبا حذائها الرقيق المرتفع من السرعة , نحو المسرح
وصلت الي الباب المزدوج , وكان الي جانبها فدخلا معا الي القاعة المعتمة , ووجدا مقعديهما واندسا فيهما .
وعلي الفور تقريباً . . ارتفعت الستارة , وبدأ المشهد الثاني .
ركزت هانا علي الممثلين وأدوارهم بجهد وعناد في محاولة منها لنسيان أمر كاميل ولوك وزوجها الفريد من نوعه . . ونجحت تقريباً , ثم وقفت مع المشاهدين تصفق لكاتب المسرحية , والممثلين , وللمخرج .
خروج المشاهدين تتطلب وقتاً , وكانت الساعة تقارب الحادية عشرة حين انطلق ميغيل بسيارة الجاغوار عبر شوارع المدينة . . كان رذاذ المطر قد بلل الأسفلت وأخذت هانا تراقب حركة مساحات الزجاج الأمامي مع استدارة السيارة الي " تورماك رود " .
الصداع الذي انتابها في الساعة الأخيرة , بدا وكأنه يزداد سواءاً . وما إن أوقف السيارة داخل المرآب , حتي تركت مقعدها وسبقته الي داخل المنزل .
وصلا البهو , وزادت حدة نظرته وهو يلاحظ شحوب قسماتها .
- خذي دواءً للصداع , واذهبي الي النوم .
- لا تقل لي ماذا افعل .
- كويريدا . . هل تريدين الشجار ؟
- أجل . . اللعنة عليك !
- هناك كيس ملاكمة في غرفة الرياضة . . لما لا تجربينه ؟
إنه يتسلي . . اللعنة عليه . . ونظرت اليه نظرة سوداء : ( قد أفعل هذا ! ).
قال بتكاسل : ( أمر واحد فقط . . اذهبي وغيري ملابسك اولاً ) .
لم تقف لتفكر , بل رفعت ركبتها وخلعت فردة حذاء وضربته بها .
التقطها ميغيل بدقة , ووضعها بحذر علي طاولة جانبية , واستدار اليها سائلاً : ( هل تريدين التجربة مرة أخري ) .
هذه المرة جربت حقيبة يدها التي طارت في الهواء , وصاحت بغضب وهو يرفعها بين ذراعيه ويحملها الي الطابق الأعلي .
ضربت هانا كتفيه , ذراعيه , وأي مكان استطاعت أن تصل اليه , وتأوهت بسخط غاضب حين لم تؤثر فيه ابداً .
وصل غرفة النوم ودخلها , ثم رفس الباب وراءه ليقفله , قبل أن ينزلها الي الارض .
قال بصوت اجش : ( حسن جداً . . هذا يكفي ) .
فسألت بضغينة : ( أتعرف كيف اشعر ؟ ) .
- أستطيع القول ان الشعور متبادل .
وامسك كتفيها ليثبتها : ( كفي ) .
-في هذه اللحظة بالذات . . أعتقد انني أكرهك .
- لأنني كنت هدفاً لمخططات جهنمية وضعتها امرأة أخري .
- أريد أن انام . . لوحدي .
صاح بها صوت صغير : حمقاء . . أنت توجهين غضبك نحو الشخص الخاطئ . . إلا أنها لم تكن تعي ذلك .
وتركها ميغيل : ( اذهبي الي النوم).
واستدارت لتخرج من الغرفة ، واغلق الباب وراءه بهدوء .
نظرت الي الباب ، وتمنت لو انه صفقه ، لكان هذا منطقياً اكثر .
تقدمت ببطء الي النافذة ، ونظرت الي الخارج عبر الحديقة المعتمة كان القمر مرتفعاً ، كوكب كبير مستدير أبيض ، يرسل الي الأرض ضوء ابيض حالماً ، زفي مكان بعيد ، نبح كلب ، فتردد صوته وسط صمت الليل المطبق .
اغلقت هانا الستائر ، ثم خلعت ملابسها ببطء / وأزالت تبرجها ارتدت قميص النوم الحريري واندست بين الأغطية ، وأطفأت المصباح قرب السرير ، لتستلقي محدقة في الظلام . . ملأت التخيلات رأسها بجلبة مقتحمة . . وغرقت عيناها بالدموع التي زحفت ببطء الي أذنيها حتي وصلت الي الوسادة .
مسحت الدموع ، مرتين ، ثم أغمضت عينيها بتصميم في محاولة للاستغراق في النوم .
إلا أنها كانت لا تزال صاحية حين دخل ميغيل الغرفة بعد وقت طويل ، وسمعته يخلع ملابسه ، وأحست بحركة الفراش الخفية وهو يتسلل اليها ز
توسلت اليه بصمت : ضمني . . لكن الكلمات لم تجد الي لسانها سبيلاً . وبقيت جامدة ، تصغي الي تنفسه الثابت البطيء الذي تحول بعدها الي تنفس رتيب دلالة على النوم الهاديؤ . كان من السهل عليها ان تلمسه كان كل ما عليها فعله هو ان تدس يدها لتتلمس دفء جسده .
إلا انها لا تستطيع فعل هذا . كوني صادقة . . وبخت نفسها بصمت . . أنت خائفة . . خائفة من ان يتجاهل الإشارة والأسوأ ، ان يرفضها ز
كيف ستشعر حينها ؟
لا شك أنها ستدمر .
**********************
نهاية الفصل التــــــــــــــــــــاسع
الفصل العــاشر : الحب السيد الوحيد
استيقظت هانا على صوت المياه في الحمام التابع للغرفة ، وانقلبت لترى الساعة . . إنها السابعة . نزلت من السرير واختارت ثياباً داخلية نظيفة ، وعباءه ثم ذهبت الي الغرفة الأخرى حيث استحمت وارتدت ملابسها .
كان من السهل عليها ان تتصالح مع ميغيل . . مجرد ان تفتح الباب وتخطو الي جانبه كما تغعل كل صباح . ماعدا انها اليوم لا تستطيع . . ليبس بعد ليلة امس ز
غلطة من هذه ؟ سألها صوت ساخر موبخ ز
اخذت نفساص عميقاً ، ثم عادت الي غرفتهما لترى ميغيل يرتدي ملابسه ,
نظر اليها مطولاً نظرة فاحصة ، فردت عليها بمثلها . . ثم رمت ثياب النوم على السرير واتجهت الي غرفة ملابسها الصغيرة لتختار ما ترتديه .
-هل ستبقين على هذا الحال مدة طويلة ؟
كان صوته متشدقاً ، فتجاهلته وهي ترتدي جوارب سوداء شفافة وتختار احى البذلات السوداء التي ترتديها دائماً للذهاب الي العمل .
حين برزت ، كان يقف في طريقها ، ونظرت اليه .
حذرها بنعومة : ( هانا).
-لست حردانة .
ولم تكن تحرد أبداً . فهذا ليس من طبيعتها .
ولا اكرهك . . اضافت بصمت ، غير قادرة على قول الكلمات بصةت عال . . ياللسماء . . ما الذي دهاها لتقول مثل هذا القول ؟ ردة فعل ، توتر غاضب ؟ لكنها كلمات قيلت ، ومن الصعب إرجاعها . كما انها كلما تركت الغضب يغلي أكثر ، كلما صعب عليها أن تشرح السبب .
اسودت عيناها وتحولتا الي عاصفتين : ( ماذا تريدني ان أقول ؟ أنا آسفة لتصرفي ليلة أمس ؟ حسن جدا. . ً أعتذر ).
-اعتذار مقبول ز
نظرت اليه بحدة : ( لا تتسلط على ).
حذرها : ( اوقفي هذا للتو )ز
-لست طفلة . . اللعنة !
ماذا تفعل بحق السماء ؟ انها تتصرف كقطار لا يمكن ايقافه .
-اذن لا تتصرفي كطفلة .
قالت بعناد : ( ستعذرني إذا لم انضم اليك لتناول الفطور . . فسأتوقف عند أي مقهي لآخذ القهوة والكرواسان ).
تجاوزته لتدخل الحمام ، والتقطت فرشاة الشعر وراحت تسرح شعرها الي ان آلمتها جلدة رأسها ، ثم وضعت أقل ما لايمكن من الزينة .
اتسعت عيناها وهي تلمح ميغيل في المرآة وهو يدخل ليقف ورائها ، وارتجفت اصابعها واشتدت حول قلم احمر الشفاة .
أحست وكأنها وترد مشدود على وشك أن ينقطع وهو يديرها لتواجهه . . واصبحت بلا قوة حين احنى رأسه نحوها ,
قققال ميغيل قربها : ( هذا . . هو المهم . . ولا شيء غيره ).
وعانقها بقوة الي أن ماد راسها ، ثم تركها ليخرج من الغرفة .
امسكت هانا الرف الرخامي في محاولة منها لالتقاط انفاسها . . ياللسماء . . مابالها ؟
لم يكن لديها فكرة كم من الوقت وقفت هناك ، لكن بدا لها ان دهراً قد انقضى قبل أن تأخذ حقيبتها ، وتدس قدميها في حذاء عالي الكعبي ، وتنزل البي المرآب .
وبعد عشر دقيائق ، اوقفت البورش ثم قطعت الشارع ، واشترت صحيفة يومية ، ودخلت المقهي لتنضم الي العديد ممن يمتعون بالطعام .
في التاسعة ، فتحت المحل وامضت نصف ساعة على الهاتف تلاحق شحنة من المفترض أن تصل بعد ظهر اليوم الفائت ، ولم تصل ز
وطوال فترة الصباح ، حاولت ان تثبت ابتسامة على وجهها المر الذي اتعبها . . كيف تستطيع ان تتظاهر بالسعادة وهي فيس الداخل تتحطم الي الف قطعة .
سألتها إيليان بقلق عند منتصف النهار : ( هل انت مريضة ؟)
-لا .
لوت ابتسامة متسائلة فمها الجذاب : ( حامل ؟).
-لا .
مازحتها إيليان : ( تبدين مترددة . . فهل هذا محتمل ، لكن الوقت مبكر ا تعرفي ).
هزت هانا راسها نفياً ببساطة وقالت : ( اذهبي لتناول الغداء . . هل يمكن ان تجلبي لي معك سندوتش دجاج وسلطة ، وزجاجة ماء ).
اخذت حقيبتها واخرجت منها ورقة نقدية . اليوم ستأكل في الغرفة الخلفية الصغيرة بدلاً من قضاء نصف الساعة المعتادة في المقهي القريب .
انهت ليليان عملها في الرابعة ، مر بعد الظهر ببطء حيث راجعت هانا لائحة البضاعة ثم قامت ببعض الاتصالات الهاتفية . . وجاءت رسالة بالفاكس تعلمها أن طلباً خاصاً سيصل في شحنة ليلية . . وسجلت ملاحظة للأتصال بزبونة .
كانت صورة ميغيل القاسية تلاحقها , كما فعلت طوال فترة الصباح . . إلا أن الأمر ازداد سواءاً الآن . فلا أحد تكلمه , ولا زبونة دخلت لتسترعي انتباهها , والهاتف لم يرن .
التفكير بالليلة الماضية جعل معدتها تنقبض بشكل مؤلم . . بطريقة ما , شعرت أن غضب ميغيل المسيطر عليه أسوأ من إطلاق سلسلة من الشتائم , أو رمي شيء , أو الصراخ بها . فقد حول غضبها الي مجرد تصرف طفولي . . وهذا أمر ضايقها وأغضبها أكثر مما تريد أن تعترف .
ارتفع صوت الجرس , يحذرها أن شخصاً دخل المحل . . فابتسمت ابتسامة دافئة وهي تتحرك من خلف منضدتها .
- هانا حبيبتي .
- أمي .
كانت رينيه تتصل دائماً قبل زيارتها لكنها لم تفعل هذه المرة , مما جعل جبهة هانا تتجعد في عبوس خفيف .
- أعرف . . كان يجب أن اتصل أولاً , ولكنني كنت قريبة . .
- وصمتت . . قبل ان تستطرد : ( اتناول الغداء مع صديقة قديمة حبيبتي . . وفكرت ان ازورك لألقي عليك التحية ) .
عكس صوتها نبرة حماسية : ( يسرني أن أراك ) .
وقطعت المسافة التي تفصلهما لتطبع القبلة المعتادة على كل خد .
- وصلت المناديل هذا الصباح . . وضعت بعضاً منها جانباً , طننت أنها قد تعجبك . هل تريدين رؤيتها ؟
العمل . . لو استطاعت إبقاء الأحاديث علي المستوي العملي , فقد لا تلاحظ رينيه ما يعتمل في صدر ابنتها .
- أوه . . أرجوك حبيبتي .
- أحضرت هانا العلبة وأخرجت ثلاثة مناديل فتحتها فوق رف البيع كانت من الحرير الخالص , بنقوش رائعة وألوان جذابة .
- اختارت رينيه منديلين , ثم تقدمت الي رف القمصان , واختارا واحداً , ثم عادت الي المنضدة : ( سآخذ هذه حبيبتي ) .
وشهقت بصوت منخفض , وألحقتها بشتيمة أنثوية : ( لا أصدق هذا لقد تركت محفظتي في السيارة ) .
قالت هانا فوراً , والقلق يبدو علي وجهها : ( مقفلة كما أرجو ) .
- طبعاً مقفلة حبيبتي . والمفاتيح معي . . وأذكر أنني شغلت جهاز الانذار .
- اين أوقفتها ؟
- في هذا الجانب من الشارع , علي بعد بضع سيارات .
ومدت يدها بالمفاتيح قائلة : ( هلا أحضرتها لي ؟ لن يستغرق الأمر سوي دقيقة ) .
لعل الهواء النقي يعدل مزاجها قلبلاً , أخذت هانا المفاتيح واتجهت الي الباب .
كان الطقس شديد الحرارة في الخارج . . ووهج الشمس لاهباً بعد برودة الداخل المكيف . بضع سيارات يعني أن عليها مواجهة الحرارة الأسوأ وهي تسير بإتجاة سيارة امها , فرفعت يدها لتظظل عينيها . لكنها وقفت جامدو لرؤية جسم طويل مألوف يقف قرب سيارة رينيه " الليكسوس " .
ميغيل . . يبدو مسترخياً تماماً , ومرتاحاً , يخفي تعابير وجهه خلف نظارة شمس سوداء . . إنها وقفة مخادعة , إذ لا شك أن هذه الواجهة الهادئة تخفي قوة مفترسة مشدودة .
جزء منها أراد ان يستدير وتعود الي المحل . . حيث سيضطران لوجود امها للحفاظ على المظهر المتمدن . ونع ذلك ، رفضت ان تسلك الطريق السهل . . فأي يكن ما يريدان قوله ، يجب ان يقال .
لاحظها ميغيل لحظة سوت كتفيها ، وشهد الإرؤتفاع الطفيف لذقنها قرأ بشكل صحيح التعبير في عينيها الزرقاوين الصافيتين .
كان من طبيعتها ان تواجد / وتقرر ، وتتحرك الي الأمام . . وكان يتعمد على ان تفعل هذا بالضبط .
قال : ( انها الرابعة والنصف ).
سارت الخطوات اللازمة لتصل الي سيارة امها ، وسألته :
-ماذا تفعل هنا ؟
رفع كم قميصه ، وتفحص ساعته ، ثم التفت اليها : ( لقد تجاوز الوقت هذا ببضع دقائق . . إذا كنت تريدين الدقة المطلقة ).
لم يتحرك ميغيل من ماكنه . واضطرت لأن تقترب أكثر وهي تعطل جهاز الإنذار ، وتفتح الباب وتاخذ حقيبة امها ، ثم تعيد إقفال السيارة .
قال بنعومة : ( هل لنا ؤأن نعيد حقيبة رينيه ؟)
نظرت اليه نظرة مدروسة : (نحن ؟)
امسك مرفقها ، وشد قبضته وهي تحاول انتزاع نفسها منه ، ورد بثبات نحن ).
-ميغيل . . .
-هناك طريقة سهلة لنسير الي المحل . . وإلا سارفعك على كتفي واحملك . . فماذا تفضلين ؟)
اشتعلت عيناها بنار الغضب : ( وهل تركت لي الخيار ؟)
مرر ابهامه على فمها : ( لا ).
وتشوق كفاها لصفعه .
قال بصوت محذر ناعم التف على اعصابها : ( لا تفعلي ).
ومن دون أي كلمة استدارت عائدة الي المحل ، وهي تشعر بقوة كهربائية متفجرة تحيط بهما .
أحست هانا بقوة وجوده ن وقربه منها ، ورائحة عطر مابعد الحلاقة ، الرائحة النظيفة لثيابه . . ولسوف تشتد قبضته على مرفقها لو حاولت التخلص ز
سارا أمتاراً قليلة ، ومرا بواجهات اربعة محلات قبل أن يصلا . ولم تسأله إذا كان ينوي الدخول فقد بدا واضحاً انه سيفعل ذلك .
توقفت ، وقسمات وجهها مشدودة ، وعيناها قاتمتان جداً : ( هل هناك هدف من هذه الزيارة ؟).
-أجل ز
مدت هانا يدها لتفتح الباب ، ولكنه انفتح من الداخل ، وقالت رينيه وقسمات وجهها هادئه : ( ىه . . ها انت ، وردت مكالمة هاتفية فسويت الأمر ).
نقلت هانا نظرها من أحداهما الي الآخر , ثم أستقرت علي ميغيل , بإرتياب ظاهر .
- لقد دبرت كل هذا .
واستدارت الي أمها : ( ألم تفعلي ؟ ) .
قالت الأم : ( مذنبة ) .
سألتها هانا بغضب : ( لماذا ؟ ) .
قال ميغيل : ( أحضري حقيبتك . . سنغادر ) .
قالت رينيه , قبل ان تحتج ابنتها : ( سأبقي لأقفل المحل ) .
- لا .
ورمت هانا ميغيل بنظرة حاقدة : ( وإذا حاولت إستخدام القوة , سأتصل بالشرطة ) .
- اتصلي .
- لزمه ثانيتين ليدس ذراعاً تحت ركبتيها ويرفعها الي صدره .
- تقدمت رينيه بسرعة الي النضدة , وفتحت درجاً , واخذت منه حقية يد هانا , وأعطتها لميغيل .
- أطبقت هانا قبضتيها ولكمته بقوة علي كتفه , وقالت بحقد : ( لن أسامحك علي هذا ) .
- استدار وخرج من الباب وسار علي الرصيف الي حيث اوقف سيارته ، فتحها ، ووضع هانا في المقعد الخلفي .
في لحظة دارحولها الي المقعد السائق وجلس خلف المقود ز
دار المحرك ، في دمدمة هادئة وخرج ميغيل بالسيارة ، ثم اته نحو السير المتدفق في ( توراك ورد ).
لم تكن هانا تثق بقدرتها على الكلام ، فهي غاضبة بما يكفي اثنيها عن الكلام الذي لا معني له .
بدلاً من ذلك ، نظرت الي الخارج وراحت تراقب السيارات ن والناس ، والأولاد ، وامهات يضحكن ، أو يوبخن ز الحركة ، الحياة . . في الخارج كان العالم مستمراً في انطلاقته .
في داخلها ، لم يبد كل هذا حقيقياً . وشعرت و كانها تنظر الي المشهد في التلفزيون .
شوارع مألوفة ، ومواقع مألوفة . . إنها تمر من هنا خمسة أيام في الاسبوع .
لكنها ادركت فجأة انها لا تصل الي هذه المسافة : ( لقد تجاوزت مفرق الطريق )ز
-لن نذهب الي البيت .
كان صوته متشدقاً ن ونظرت اليه بحذر لترى القوة ، والتصميم ، باديين على وجهه ز
-ربما بإمكانك ان تفيدني ، الي أين نحن ذاهبان بالضبط ؟
نظر اليها بسرعة : ( انتظري لتري ).
ردت بغضب : ( اوه . . بحق السماء ).
وامتنعت عن قول كلمة اخرى .
زادت كثافة السيارة وهما يقتربان من المدينة وكتمت دهشتها حين أدار ميغيل السيارة الي مدخل أفخم فندق في المدينة .
فتح لهما الحارس الباب ، مما لم يترك لها خياراً ، سوى ان تنزل من المقعد الأمامي .
ماذا يفعلان هنا بحق السماء ؟ في فندق ، بينما يماكتن منزلاً فخماً جميلاً لا يبعد خمس عشرة دقيقة من هنا ؟ هذا جنون . والكثر للعجب كان ميغيل رافقها الي شقة معينة واسعة وانيقة .
تقدمت الي النافذة الزجاجية العريضة ، وازاحت الستارة الشفافة لتتطلع الي المنظر ، ثم استدارت ببط لتواجهه .
كان قد خلع سترته ببطء وعلى وشك ان يفك ربطة عنقه .
قال : ( انت مدين لي بتفسير ).
تخلص ميغيل من الربطة ، وفتح ازرار قميصه ، ثم تقدم الي البراد الصغير .
-ماذا تريدين ان تشربي ؟
كانت غاضبة ومتوترة فردت : ( توقف عن لعب دور السيد المهذب ).
توقف ، وشعرت بالقوة المكبوتة التي لا وصف لها . ولسبب ما ، جعلها هذا تشعر بالقلق .
كان في عينيه تعبير لم تشأ ان تحدده : ( وأي دور تريدني أن العب . . آ مانتي ؟)
تذكرت الفولاذ المغلف بالحرير ، وكتفت ذراعيها على معدتها في حركة حماية لا واعية ، واكمل : ( دور المتوحش ؟ زوج يندفع الي غضب كبير ، بحيث لا يكاد يمنع نفسه من خنق زوجته الجميلة ؟).
أخرج زجاجة ماء ، وفتح الغطاء ، وملأ كأساً أعطاه لها . ثم أخرج علبة مرطبات ، فتح الغطاء وشرب بعضاً من محتوياته .
- أم ربما على ات اضربك .
- رفع علبة المرطبات وشرب منها طويلاً : ( صدقيني . . انا متشوق لأن أفعل الأمرين معاص ).
- ردت تمتصلبة : ( حاول ).
نطر اليها نظرة سوداءطويلة ، أرسلت رجفة على عمودها الفقري .
-لا تدفعيني ز
ومن دون تفكير رمت محتويات كأسها في وجهه ، ورأت بذهول لا يصدق ، الماء البارد يصل الي قسمات وجهه الي قميصه ، ليترك بقعة مبللة ، من الصعب تجاهلها .
لم تتحرك، بالرغم من الإحساس الرهيب بالذعر الذي كان يحثها على ان تهرب بعيداً باقصي سرعة .
بدلاً من ذلك ، وقفت تحملق فيه بتحد صامت ز
لم تترك عيناه عينيها وهو يضع علبة المرطباتن جانباص ، ثم ، بحركة بطيئة ، خلع قميصه ، وانتزعه من تحت البنطلوت ، وتخلص منه برميه فوق مقعد قريب قبل أن يستدير ليواجهها .
بحركات بطيئة متعمدة ، اخذ منشفة وأزال البلل من على وجهه ، ثم رمى المنشفة على السرير .
كان منظره مثيراً . بشرة سمراء تمتد فوق عضلات قاسية ، والشعر الأسود يغطي صدره ، ومعدته المشدودة ، وخصر رائع .
قالت : ( هل انتهيت ؟).
-هذا يتوقف . .
وتقدم منها خطوة . . ووقفت ثابتة .
سخر بها ميغيل بنعومة : ( كم انت شجاعة ).
ستكون ملعونة لو توسلت ، وخرجت منها كلمة تحذير وهو يقترب مها : ( لا تفعل ).
لم يلمسها .
-لا أفعل ماذا . . حددي ؟
فردت بشراسة : ( سأقاومك ).
ولم تعي أ نقبضتيها اشتدتا ، او ان وقفتها تغيرت قليلاً استعداداً للهجوم .
-لن تكسبي .
-يمكن أن احاول ز
وستفعل . الدفاع عن النفس فن تعلمته الي درجة ما ، وعامل المفاجأة الي جانبها .
رأى الإرتفاع البسيط في ذقنها ، وتحرك عضلة أطراف فكها ، ورأي النار التي بدأت تقترب من السطح .
-هل تريدين القتال الي هذا الحد ؟
-أجل ز
ورأته يدس يديه فيجيبي بنطلونه .
-اذن . . افلي ما شئت ز
هل تضربه ؟ لكل الوقات التي ارادت فيها هذا ، للمناسبات التي فعلت فيها هذا . . لكنه الان يضع نفسه تحت رحمتها ، ووجدت نفسها عاجزة عن ان تفعل .
التقط ميغيل كل تعبير مر بسرعة على وجهها الرائع القسمات . . وحدد بدقة لكل واحد منهما .
قالت ببطء : ( أعتقد أننا بحاجة لأن نتكلم ) .
-لقد فعلنا هذا . . ولم يحل الكلام شيئاً .
شحب وجهها وهي تتذكر الشجار الذي شهداه صباح هذا اليوم .
-ميغيل . .
ومهما يكن ما اراد قوله فقد بقي محجوزاً في حلقها بعد ان عانقها عناقاً زعزع ثقتها وأسسها العاطفية .
لم يكن في عناقه شيء من العقاب . . بل حرارة مكثفة مثيرة ، بدت أنها تسلب أعماق كيانها ، وتجتذب شيئاً كرهت ان تعطيه .
لم تكن ترغب في الإستجابة ، ياللسماء . . كيف يمكنها ان تستجيب وهي مجروجة ومتالمة .
كان وكأنه يحاول ان يصل الي قلبها الهش الضعيف . . أن يضخ فيه شيئاً ثميناً غير محدو د ، يعني الكثير . . أكثر بكثير مما تستطيع الكلمات أن تصفه .
كان هناك عناقه . . وذلك السحر المسكر لحرارته ومشاعره .
ازعجتها المسافة التي تفصلهما . . ولزمها إرادة هائلة لئلا تلتصق به . فهذا ، على اي حال ، المستوى الوحيد من التواصل الذي يتفقان فيه .
الرغبة الجسدية . . رغبة جسدية عظيمة حقاً . كانت تظن انها تكفي ، حتى انها تمكنت من اقناع نفسها بأن الحب لا يهم . . لكنه مهم ، وجزء صغير منها يموت ببطء مع مرور كل يوم .
وتعاظمت المشاعر ، تنتشر في جسمها ، تملأه بسحر عذب . وحده ميغيل يمتلك القدرة على معالجته .
ارتفعت شهقة خفيفة فيحلقها ثم ماتت . حركة صغيرة مكرهة احس بها أكثر مما سمعها . . واحس بطريقة ارتفاع يديها ، ثم وقوعهما مجدداً وهي تسعى للسيطرة على نفسها ، وبدأت ترتجف تحت الثقل العاطفي بسبب مقاومتها اليه .
احست باللحظة التي تجاهلت فيه عقلها وتبعت قلبها . . وأحس بأول لمسة مترددة وهما تتسللان الي كتفيه معاُ حول عنقه .
شيء ما في داخله اهتز بعنف ، وسيصطرت رجفة عميقة على جسده القوي وهو يشدها اليه .
زاد عمق العناق ، وتملكه شوق لا حياء فيه وهو يقودها في الدرب نحو الإحتراق الكامل .
فقدت هانا الاتصال مع الزمن والاحساس بالمكان ، في توقها لأن تكون جزءاً منه . . لكنه مد يده ياخذ يدها ، ويبعدها على بعد ذراع منه .
اتسعت عيناها ، وبدتا ضخمتين جداً في وجهها . مترددة ، مررت طرف لسانها على شفتيها . . وكانت إيماءة لم يطلبها . . ورأت عينيه تشتعلان ، ثم اصبحتا سوداوين بشكل غير معقول .
وضع اصبعه على شفتيها . . واحست بالارتجاف الخفيف ، وامسك ذقنها .
قال بلطف : ( انت حياتي اماندا . . الهواء ابذي اتنشقه ، كل شيء ).
لاحق اصبعه وتراً نابضاً يصل الي اسفل عنقها ، واستقر فوق النبض المتسارع .
-لقد سرقت قلبي . . وكل كياني .
لم تعد هانا قادرة على النطق بكلمة واحدة . واضاف : ( منذ البداية ، نظرت اليك نظرة واحدة ، ولم يعد هناك غيرك . . أنت فقط ).
وجدت صوتها بصعوبة : ( ولكننا . . ).
-تزوجنا لنرضي أهلنا ، ولنؤمن بقاء الأعمال في العائلة ؟)
مرر ابهامه عبى شفتها السفلي : ( هل تصدقين هذا حقاً ؟)
ارتجف فمها : ( بقد قلت . . ).
-طلبت منك الزواج بي .
-لقد ظننت . .
وبخها بلطف : ( أنت تفكرين كثيراً . . انا احبك . . انت . . وكل شيء هو انت ).
بدأ المل يظهر في عينيها ، وسألت : ( وهل احببتني ؟ منذ البداية ؟)
-هل تصدقين حقاً انني رجل من النوع الذي يربط نفسه قانونياً بامرأة ؟ وينوي جعلها أماً لأولاده ز
وصمت قليلاً ليهز رأسه : ( كوريدا . . ألم تعرفيني بعد بشكل أفضل من هذا ؟)
بلى . . تعرفه . او على ألأقل ، كانت تظن أنها تعرفه قبل أن تبدأ كاميل لعبتها ز
قالت : ( كاميل . . ).
-بالكاد منعت نفسي من ان اخنقها . . أما لوك . .
وتصلبت عضلة فكه ، ولمعت عيناه ببريق خطير : ( إغراء ان أكسر فكه لم يكن بعيداً عن تفكيري ).
وتذكرت هانا أنها رات هذا واضحاً احياناً . ,. ولو انها فكرت لبحظتها أن ميغيل يلعب الدور المتوقع منه .
وكاميل ؟
قال ميغيل وكأنه يقرأ افكارها : ( صدر امر قضائي باعتقالها يوم أمس . . فأختارت طلب اسقاط الدعوى على لن تختفي من الولاية والبلاد نهائياً ، خلال اربع وعشرين ساعة ).
كلنت كلماته قاسية مقتصضبة . ولم تشك هانا في انه وجه الإنذار بطريقة لا يمكن ان تفشل كاميل في فهمها ز
قالت ببطء : ( فهمت ).
ارتفع حاجبه بمرح : ( ماذا فهمت أمانتي؟ ).
رفعت يدها ، ثم تركتها تهبط الي جانبها : ( الي اين سنذهب من هذه النقطة ).
-الآت ؟
اعاد ها بلطف الي ما بين ذراعيسه ، وعانقها ببطء : ( سأبقي مع زوجتي ).
هز الارتجاف جسمها النحيل ، وانطلقت نار حارة في شرايينها . . فارتفعت حرارة جسمها حتى درجة الحمى ز
واكمل : (وأتأكد من ألا يكون لديها عذر بعد الآن في أن تشك فيحبي لها ).
قال : ( كنت أنوي ان آخذك للعشاء ).
-ربما فيما بعد . . بما في الغرفة .
وحملها الي الفراش .
***********************************
نهاية الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر والأخير والحمد لله هههههههه
وتناولا الطعام . . . لكن عند منتصف الليل .
كانا قد تمتعا براحة لذيذة فاقت كل شيء تشاركاه من قبل .
تبع هذا حمام ساخن متكاسل ، وارتديا كل عباءهته واحتسيا العصير اللذيذ وهما ينتظران خادمة الغرف لتحضر لهما العشاء .
بعد ان انهيا الطعام ، تراجعت هانا في مقعدها . هناك اسئلة كثيرة تريد ان تطرحها . . كلمات تحتاج ان تقولها . . وحثها صوت صغير : (الآن . . قوليها الآن.
كان هناك خطوط خفيفة جداً عند زوايا عينيه . . واظهرت قسماته لحية سوداء .
نظرت اليه بحذر ، تري القوة ، وهالة السلطة التي تنضخ منه . وعرفت ان هذا سيبقي موجوداً دائماً . ولها .
فكاشفته بصدق هاديء : ( أنا أحبك ).
ورات اساريره تلين .
كانت عيناه قاتمتين ، قلتمتين جداً . . تعبيرهما صريح مما جعلها تكتم انفاسها لكثرة المشاعر الظاهرة فيهما ، وقال بلطف : ( شكراً حبيبتي ).
-ولكالما احببتك . . ولو لم احبك . . ما كنت وافقت على الزواج منك.
وابتاعت غصة صغيرة ارتفعت فجأة الي حلقها : ( انت كل شيء احتاج اليه ).
اصبحت عيناها لامعتين بالدموع المتلألة : ( انت حياتي ).
هل من الممكن ان يتوقف القلب من الخفقان ؟ وان تكون المشاعر قوية الي درجة تقطع القدرة على الكلام ؟
وقف ميغيل وشدها الي ذراعيه ، وضاعت هانا . . غرقت في بحر من المشاعر ، وتمسكت بكتفيه وهي تستجيب له ز
كم من الوقت وقفا هكذا ، متعانقين احدهما ، بين ذراعي الآخر ؟ فهي لم تعد تتذكر الزمن .
ببطء ابعدها قليلاً ، وطبع قبلة على خدها . وتنهدت احتجاجاً ، وتأوهت قليلاً حين تركها وسار عبر الغرفة ز
راقبته وهو يخرج شيئاً من جيب سترته ، ويعود ليدس علبة مجوهرات رقيقة في يدها .
-لدي شيء لك .
-ميغيل . .
-افتحيها .
وفتحتها متأنية . . وكبتت ليعة دموع مفاجئة . . ففي غلاف من المخمل عقد متقن الصنع ، وقرط مماثل . . انه أنيق بجمال ، يجمع الألماس الوهري واللماس الأبيض ، مع الماسة زهري على شكل أجاصة ، في اسقل العقد .
همست هانا : ( انها جميلة ).
واحست بالدموع تترقرق في عينيها لتجري في كل خد جدول بطيء ، وتتوقف لبرهة على طرفي فكها .
-شكراً لك .
-دموع. . هانا .
سؤاله الممازح ، جعلها تمسح الدموع عن عينيها وتمرر اصابعها المرتجفة على كل خد .
-يبدو انني لا استطيع وقفها .
اخرج ميغيل العقد ووضعه في مكانه المناسب وثبت المشيك بأمان ، ثم مال اليها ليطبع قبلة على جبينها .
واستقرت النجمة تحت تجويف العنق مباشرة ، بخطها الوحيد من الألماسالوهري والأبيض .
لقد تذكر وهذا امر هام ، وبما ان الوصف لهذه الحلية وصفها ، ولم تشر الي أي شيء آخر رأته ، فهذا يعني انه كلف احدهم بصنع هذا التصميم خصيصاً .
-الا تريدين رؤية كيف يبدو ؟
هزت هانا راسها وقالت بنعومة : ( انه اجمل شيء امتلكته في حياتي . . مميز ).
وادركت انه عرف كم عنت الهدية لها .
مدت يدها الي المشيبك ، لكنه اوقف يديها : ( ابقيه حيث هو ).
و من دون ان تتفوه بكلمة ارى ، ادنت رأسه الي راسها وعانقته عناقاً مثيراً وليس له سوي نهاية واحدة .
فيما بعد ، ولوقت طويل ، ضمها ميغيل اليه وطبع قبلة على جبينها : ( نامي امانتي . . فغداً يوم ىخر ).
استيقظت هانا على رنين جرس الباب ، وادخل ميغيل الساقي الذي اوصل الفطور الي الغرفة ز
كم الساعة الآن ؟ نظرت بسرعة الي الساعة قرب السرير ، وتأوهت .
الثامنة والربع ! ياللسماء . . من المفترض ان تفتح المحل في التاسعة ، وتحتاج الي حمام وارتداء ملابسها ، والذهاب الي البيت لتغيير ثيابها بأخري نظيفة . . بحركة مسرعة ، رمت الأغطية جانباً ووقفت ثم توجهت الي الحمام . .
قال ميغيل بصوت اجش يؤنبها : ( امادا . . على مهلك).
نظرت اليه بانزعاج .
-المحل . . كان يجب ان توقظني . .
وبدا متسلياً : ( تعالي وتناولي الفطور . . لست ذاهبة الي أي مكان ). –ماذا صتعني انني لست ذاهبة الي اي مكان ؟ لقد تأخر الوقت . .
كان في تعبيره الأسمر المتسلي اعجاب دافيء ، وبسرعة اخذت عباءة ، ودست كميه وضمت الأطراف الحريرية معاً .
مد يده ، وامسك يديها ، وشدها الي جانبه .
احتجت ساخطة : ( ميغيل . . لا وقت لدينا . . )
-بلى . . . معنا وقت .
-لا . . ليس معنا وقت .
ومررت اصابعها في شعرها المشعث ، وقامت بجهد لتحرر يدها ز
إلا انه لم يترك لها فرصة . . فعناقه لها كاد يحطم إرادتها . لكنها انسحبت بعيداً عنه ، بعد ان سمح لها بهذا .
كان يعرف ان باستطاعته نزع الحري عن كتفيها واعادتها الي الفراش . .
وقال : ( ستفتح رينيه المحل هذا الصباح ).
وجمدت ، تنظر اليه متفحصة : ( لماذا ؟)
قادها الي الطاولة حيث وضضع الساقي فطورهما : ( اجلسي لنأكل ).
-لن أفعل شيئاً الي ان تقول لي ماذا يجري .
قال بسهولة : ( حسن جداً . . من المقرر ان نستقل الطائرة بعد بضع ساعات ).
وجمدت اكثر ن واتسعت عيناها وهي تنظر اليه : ( ماذا قلت ؟)
مد ذراعه ودفعها الي الأمام بلطف ، لتجلس على كرسي ثم جلس في المقعد المقلبل .
-سمعت ما قلت .
-كيف ؟
نظر اليها متسلياً : ( بالطريقة العادية اتصور ).
-اعني ، كيف لنا ان نسافر بسرعة هكذا ؟
-فوضي احداً عنك .
- لا استطيع .
-بلي . . تستطيعين .
وشرب نصف كأس عصيره دفعه واحدة .
-ستعود سندي الي العمل يوم الاثنين ، وستدير المحل بمساعدة إيليان ، وستأتي رينيه في الرابعة من كل يوم لإقفال المحل .
- لكن . .
-الدنيا كما نعرفها لن تنتهي . . لكن هذه مفاجأ ة . . غير متوقعة .
أخذت هانا رشفة عصير برتقال ، ثم اخرى : ( الي اين سنذهب ؟).
-الي هاواي ز
أوه . . ياالهي . . هل تملك قدرة على قراءة الأفكار ؟ وتخيلت الرمالرالبيضاء ، والبحر الأزرق ، والأمواج المتلألئة ، أشعة الشمس ، السكون . . أيام كسلي ، ليال طويلة متكاسلة . . انها الجنة .
وبالكاد سألت : ( الي متى ؟)
-اسبوع في هو نو لولو ، واسبوع في مادي .
سألت :( هونولولو ؟)
ولدت ابتسامة بطيءة حلوة على شفتيها . . مادي . . انها أجمل الماكن وأكثرها سحراً .
ولمعت عيناها بالسؤال : ( حقاً ؟ اليوم ؟)
تحرك فمه بتسلية ساخرة : ( لا تنظري الي هكذا . . وإلا لن نخرج من هذا الجناح كما لن نلحق برحلة محددة الموعد).
ضحكت هانا ن ضحكة خفيفة من القلب ، والتفت حول قلبه واعتصرته قليلاُ : ( اتعتقد هذا )
مد يده ووضع اصبعه على شفتيهت : ( الفطور كوريدا ).
-حسن جداً .
رفعت يدها تعد علىاصابعها : ( همممممممم . . رحلة في الطائرة تستغرق تسع ساعات )ز
ولمعت عيناها ببريق شيطاني : ( هذا يعطيني الوقت الكافي لأخطط بالضبط كيف انوي مكافئتك ).
وتولاه إغراء ان يتخلى عن الفطور : ( وقحة ).
-امر مؤسف اننا سنضطر الي الذهاب الي البيت اتجهيز حقائبنا .
-لا . . لسنا مضطرين . . فحقائبنا في صندوق السيارة .
لم تستطع كبت ابتسامة شك : ( وهل وضبت ليثيابي ؟)
قال بوقار مرح : ( جئت بمقدار قليل ما انت بحاجة اليه . وأي شيء آخر يمكنك شراءه هناك ).
واكمل بتكاسل : ( اضافة لهذا ، لن ادعك ترتدين الكثير من الثياب معظم الوقت ).
مالت هانا عبر الطاولة ووضعت اصبعاً على شفتيه : ( حسن جداًُ . . لدي اخبار لك امانتي . . اريد ان اسبح ، واستلقي في الشمس ، واذهب فيس نزهات طويلة ، واقرأ . كما ان عشاء لذيذ بين زملاء من الموجودين هو مطلب اساسي ).
ولمعت عيناها لتكتسبا بريق التوباز الأزرق : ( لو وضعت ملابس داخلية في الحقيبة ، فسنواجه متاعب جدية ).
-حاولي . . بذلة سهرة ، فستان او اثنين ، بنطلونات قصيرة ، بضع قمصان ، بكيني ، احذية . .
وصمت . . ثم فتح فمه وعض على اصبعها باطراف اسنانه مدعباً قبل ان يتركه ز
سخرت بلطف : ( الطعام ).
منتدى ليلاس
وبدأت بالتهام الفاكهة ، تبعها التوست والقهوة .
ولحقا بالطائرة , ولم يكن أمامهما سوي دقائق . وزعتهانا اهتمامها بين صفحات قصة بوليسية غامضة رائعة ، والفلام المعروضة .
كان الوقت متأخراص حين حطت بهما الطائرة في هونولولو ، ومع حلول منتصف الليل وصلا الي الفندق .
كان الجناح الفخم في الطابق مرتفع ، يطل على كنظر رائع لشاطيء " وايكيكي " . وتقدمت هانا الي الواجهة الزجاجية , وفتحت الأبواب المؤدية الي الشرفة .
دخل نسيم لطيف من المحيط , وملأت الجو رائحة البحر المنعشة . . كانت الأنوار المتلالئة تحدد الأرض التي تمتد كالقوس نحو رأس " ديموند هيد " .
تقدم ميغيل منها ، وشبك ذراعيه حول خصرها ، لتستريح ذقنه على قمة راسها وهي تميل نحوه الي الخلف .
تمتمت بصوت منخفض : ( المنظر ساحر ).
وبدت لها ميلبورن ن منزلها ، وكاميل ، بعيدين جداً . . وكأنه حلم مزعج استفاقت منه لتوها ، واكملت : ( شكراً لك ).
-على ماذا باللضبط ؟
ردت ببساطة : ( لإحضاري الي هنا ).
واضافت صامتة ، لقيامك بعمل إيجابي ، لإيمانك بي . . وبنا .
ضغطت يدا ميغيل عليها قليلاً ، وخفض رأسه ، ليعانقها .
-من دواعي سعادتي .
قالت ببطء ، وهي تشعر بالحرارة تنتشر في جسمها : ( لقد توصلت الي قرار . . . إذا وافقت ).
قال ممازحا ً : ( هل تطلبين مني ، ام تقولين لي ؟ )
وأحس بتسارع ضربات قلبها ، والطريقة التي يتراوح بها جسدها بين ما تريد ، والإستسلام .
-فكرت . .
وصمتت ، ثم سحبت نفساً سريعاً بعد ان تحركت يداه تداعبانها .
سأل : ( هممم ؟ بماذا فكرت كوريدا ؟).
-لعل فترة ما بعد الميلاد ، وقت مناسب لترقية سندي .
-قلاار حكيم .
-وأعتقد أنني سأتبقي إيليان على أساس نصف دوام ، لمجرد المساعددة .
قال بتكاسل : ( أعتقد ان هذا يقود الي مكان ما ؟)
ردت بابتسامة ناعمة : ( الأطفال . . مارأيك بعائلو خاصة بنا ؟)
احس وكأن شخصاً لكمه على معدته . . ولد ؟ وسرح تفكيره الي البعيد ، الي ملاك أشقر يعكس صورة امه ، اوربما صبي اسمر يدفع امه الي الجنون بمزاحه الطفولي . . يالهي . . هانا ثقيلة الوون لحملها طفلاً ؟ ثم الولادة . . وشحب وجهه لفكرة مواجهتها للألم .
-هل أنت واثقة من هذا ؟
التفتت بين ذراعيه لتواجهه : ( وانت . . . ألست واثقاً ؟)
وبحثت في اسارير ه في الضوء الخفيف ، ولمحت شيئاص ظاهراً لم تستطع وصفه ز
قال بحماس : ( لا استطيع التفكير بأي شيء مميز اكثر منك ، يمكن ان تهديني اياه ).
احست هانا بالرجفة الخفيفة التي سرت في جسده الضخم ، ولفت ذراعيها على خصره تشده اليها اكثر ، قالت مداعبة : ( ربما يجب ان ندخل ، ونتدرب قليلاً . . . )
وافلتت ضحكة دافئة منخفضة من حنجرتها : ( إضافة لهذا ، لدي مكافئة خاضة اقمها لك ).
ودخلا معا ثم اقفلا باب الشرفة وانزلا الستائر .
هذا هو عالمهما الخاص . . فكرت هانا بهذا وهي تدخل الي الحمام .
خلال الايام القليلة التالية ، استمتعا في لعب دور السواح ، فركبا الباص المخصص للسواح ، واستأجرا سيارة ليموزين ليوم واحد طافا فيها الجيرة كلها .
وفي منتصف الاسبوع ، طارا الي (مادي ) وامضيا فيها ست ايام رائعة من الاسترخاء ، في فندق يقع على الشاطيء ويطل على المحيط . وقضيا اياماً حلوة يسيران على الشاطيء ، يتكاسلان تحت أشحجار النخيل يقرآن ويصغيان الي الموسيقي من الراديو الصغير ، وسبحا في المحيط وفي بركة السباحة في الفندق . لعبا التنس ، وتعشيا في مطاعم عد ، قبل ان يعودا الي جناحهما.
كان ميغيل يستيقظ في الصباح الباكر ليستخدم المنضدة الصغيرة مدة ساعة ، ويتفحص هاتفه الخلوي كل مساء قبل الخروج الي العشاء ، كوسيلة اتصال بعالم الأعمال في الخارج .
ولم تمانع هانا ، كان يكفيها انهما معا في جزء مثالي من العالم . لدى عودتهما الي هونولولو ، اشتيا من محلات فخمة . . وقالت : ( هانا ممازحة وهي تضيف كيساً آخر ملوناً ، للأكياس التي يحملها ميغيل بتساهل :
-هذا هو علاج البيع بالفرق .
اختارت هدايا لكارلو ورينيه واستيان ، إضافة الي شيء من اجل سندي و إيليان .
سأل ميغيل وهي تخرج من محل ىخر : ( هل انتهيم؟)
-ليس تماماً .
كانت تبحث عن شيء محدد : ( لا اعتقد انك ستقبل بحمل هذه الاكياس الي الفندق ، ومنحي ساعة اضافية للتسوق لوحي ؟
-مامن فرصة .
حسن جدا . . . لكن هناك شروط .؟
لمعت عيناه ن وتحرك فمه ليشكل ابتسامه متساهلة : ( وماهي هذه الشروط ، كوريدت ؟)
رمقته بنظرة مشعة وهي ترفع يدهت وتبدأ باعد على كل اصبع بدوره : ( لن تسألني عن اي متجر ادخله . وستبقي في الخارج ، ولن تنظر عبر زجاج الواجهة . . . لن تدخل المحل تحت اي ظرف كان)ز
رفع راسه قليلا ، ونظر اليها مفكرا : ( ماعدا اذا جرت عملية سطو . . او كان هناك رجل يحاول محادثتك ).
ابتسمت له ابتسامه مرحة : ( همممممممممم . . . يبدو هذا منصفاً).
بدت في السادسة عشر من عمرها ، بشعرها المقصوص عند مؤخرة عنقها ، والنظارة الشمسة على قمة راسها . وكان تبرجها أقل ما يمكن ، وبشرتها تلمع بلون ذهبي عسلي خفيف . وقد راتدت بنطلونا قصيراً من القطن ، وقميصاً . فلم تبدو انها زوجته ز
لكنها نور حياته ، سبب عيشه ، انها مخلوق يشكر الله بامتنان عليه كل يوم زولم يكن يعتقد انه من الممكن ان يتخلى عن حياته من اجل انسان ىخر . . لكنه تخلىعن حياته لها ، وفي جزء من الثانية ز
وقفت هانا خارج محل فخم ، واستدارت اليه قائلة بتعبير جاد : ( تذكر . . . لقد وعدتني ؟ ).
-اذهبي آمانتي ز
ذهبت . . . واهتم بها بائعان شابان ، شرحت لهما ما تريد ، واشارت الي سلسة الأسعار فانقلب اهتمامهما فوراً الاحترام .
صرفت وقتاً في الإختيار . . . ولزمها وقتاً أطول لإقناعهما بأن يجعلا احد الحرفييين ان يحفر نقشاً كتابياً ، وساعدها في هذا رشوة كبيرة .
طلبت ان يوضع ما اشترته في غلبه مخملية جميلة ، وان تلف بورق هدايا واخرجت بطاقتها المالية الخاصة ، ثم خرجت عبر الباب الزجاجي المزدوج بابتسامة رضى .
كان هذا ىخر مساء لهما في هذه الجنة الجميلة . فتناولا العشاء في مطعم فاخر في ( بينك بالاس ) أوالقصر الزهري في هونولولو . كان الطعام لذيذاً والعصير رائعاً ، والمنظر من الخارج المطل على المحيط المغتم وفر خلفية هادئة .
وأطالا المقام معاً . . كل منهما يكره ان ينهي المسية . فقريباً يجب ان يعودا الي جناحيهما ، ويستدعيا الحمال لينزل حقائبهما الي قسم الاستقبال . . . ومن هناك ستوصلهما سيارة اجرة الي المطار كي يلحقا بطائرة منتصف الليل التي يتعود بهما الي الوطن .
قدم لهما الساقي القهوة ، بينما كان ميغيل يوقع على الايصال ، اخرجت هانا علبة الهدية ووضعتها على الطاولة .
قالت بلطف مع ابتعاد الساقي : ( هذه لك ).
ونظر اليها ميغيل مليساً ثوان قبل ان يمد يده ليأخذ اللفافة ز
فتد الشريط المذهب ، وازال الختم . ونزع الورقه . ثم قتح العلبة .
في الداخل ، وفي فرش من مخمل وجد ساعة جيب ذهبية مع سلسلتها .
-هانا ز
- هناك نقش على ظهرها . . ز اقرأه ز
راقبته يأخذ السشاعة ويقلبها ليقرأ ما نقش على ظهرها : ( ميغيل . . . قلبي وروحي . . هانا ).
تنفس : ( ياالهي )
وفقد القدرة على الكلا بصوت منخفض : ( في الداخل مكان لصورة ).
صورة ستتغير من سنة الي اخرى ، واضافة الي جديدة الي عائلتهما .
-غراتسياس امادا .
ووقف على قدميه واستدار ليعانقها ز
ومعاً ، غادرا المطعم الي جناحهما . امامهما رحلة طويلة ، ولا وقت لديهما ليهدراه .
قال ميغيل بلطف وهو يضمها : ( حياة واحدة لا تكفي ).
همست : ( لا تكاد تكفي ).
وشدت رأسه اليها ز
رنين الهاتف المستمر ، تسبب في ابتعادهما عن بعضهما البعض على مضض . . والتقط ميغيل السماعة واصغى ، ثم قال بضع كلمات مختصرة .
قال بما يقارب الندم : ( الحمال في طريقه الي هنا ، والسيارة تنتظر والتوى فمها بابتسامة دافئة .
-سنكون في بيتنا غداً
-هذا لن يساعدني الان ابداً
انطلقت ضحكة خفيفة من شفتيها : ( الصبر . . كوريدو . . انه جيد للروح ).
احنى رأسه وعانقها بلطف مثير : ( سأذكرك بهذا لاحقاً ).
كان امامهما بقية حياتهما . . ومعاً سوف يجعلان كل يوم وزنه . . والي الأبد .
الخـــــــــاتمة
ولدت اليكسيتا كاثلين سانتاناس بعد احد عشر شهراً وثلاثة اسابيع ورابعة ايام . . وكانت فرحة لأمها ، ورعاها والدها بمحبة عمياء ز
وحضرت العائلة ، والأصدقاء المقربون حفل العمادة ثم عادو الي منزل ميغيل زهانا في توراك ليقدموا التهاني وليشربوا نخب صحة الملاك الأشقر الشعر ، وسعادتهما المستقبيلة ز
اشرقت الشمس مشعة ذلك اليوم ، وارتسمت السعادة في كل زاوية بينما الجميع يحتفل بالمناسبة .
غادر الضيوف باكرأ ذلك المساء ، وكانت الساعة تقارب التاسعة حين دخلت هانا غرفة الطفال لتطعم ابنتها .
كان يوماً ساحراً . . فكرت هانا بهذا وهي تغير ثياب اليكسيتا وتتحضر لتضعها على صدرها لارضاعها . . لنهل طفلة هادئة . . عدا تلك اللحظات حين تطلب الغداء او تحتاج تبديل حفاظها . انها جائعة الآن ، واخذت قبضاتها الصغيرة تضرب برقصة مهتاجة قبل ان تصمت لترضع بقوة ز
نظرت هانا الي قسمات الصغيرة المكتملة ، البشرة الرقيقة ، واحست بقلبها ينبض بفخر المومة . انها حقاً اجمل شيء صغير ، هدية ثمينة .
وقررت حالمة :أي فرق يمكن لسنة ان تفلع . لقد سافرت مع ميغيل الي رومت ، وطافت إيطاليل ، وامضت وقتاً في الندلس . . سندي الآن تتولى إدارة المحل ، بمساعدة إيليان ز
وقررت ان الحياة حلوة جداً .
-كيف حالها ؟
كانت هانا مستغرقة في افكارها بحيث لم نتبه لدخول ميغيل الهاديء الي الغرفة . رفعت رأسها لتبتسم له ابتسامة تمسكت بقلبه وجعلته يخفق بسرعة اكبر .
هل تعرف كم يحبها ؟ لا يمكن ألا تعرف . وتقدم الي جانبها ن ووقف يراقبها وهي تنهي رضاعة ابنتهما ، وتعطيها له لتتجشأ .
بعد دقائق وضع اليكسيتا بحذر في مهدها ، وغطاها ، ثم ضم هانا الي جانبه وهما يقفان ليراقبا نوم ابنتهما الهاديء .
قال ميغيل بنعومة : ( انها جميلة . . مثل امها ).
استدار حين اسندت هانا رأسها الي صدره ومرر شفتيه على جبينها : ( حان دورنا الان . . كوريدا).
ردت بخبث : ( همم . . يبدو هذا مثيراً للاهتمام ).
ورفعت راسها تنظر اليه : ( ماذا يدوب بخلدك ؟ ) .
شغل جهاز مراقبة الطفلة , ثم قادها الي غرفة نومهما .
- أنوي أسعادك .
- أوليس هذا , من جانب واحد قليلاً .
- وعانقها بشغف , فردت عليه بالمثل , وقد جرفها مد الشوق وهو يدفعها بلطف الي الفراش .
*** تمــــــــــــــــــت ***