ثمة قلب محارب . وأضافت متنهدة بعمق : مخضع وخطير.
فى تلك اللحظة , نظر اليها , وقرأ تعبير وجهها , فرفع حاجبه بسؤال صامت .
التقت عيناه الشديدتا السواد بعينيها , وحاولت جاهدة ان تسيطر على تدفق الدم فى عروقها .
هل يدرك مدى تأثيرة عليها ؟ الحقيقة ان تأثيرة مثير دون شك... لديه اللمسة , والمهارة , ليحولها الى راغبة مجنونة , فبين ذراعيه , تفتقد القوة لأن تكون اى شئ آخر .
لامت نفسها : تماسكى , وتقدمت نحو خزانة ملابسها.
-هل تمهلنى عشرين دقيقة ؟.
وانتقت فستاناً أسود يصل الى ركبتيها مع سترة قصيرة مطرزة ... وحذاء اسود عال ومستدق الكعبين وجورباً اسود ... سيكون تأثير ذلك رائعاً وسيظهر لون بشرتها العسلية وشعرها الأشقر.
-حاولى فى خمس عشرة دقيقة.
وانتهت بعد أقل من عشرين دقيقة بقليل , وقد ظهرت فى غرفة النوم , وقد استحت , وأرتدت ملابسها الداخلية , وتبرجت بشكل متقن . ولم يلزمها دقيقة واحدة لترتدى الفستان وتقفل السحاب , ثم تضيف الى زينتها القليل من الحلي .
-انتهيت.
وأخذت حقيبة يد للسهرة . وأبتسمت لميغيل : ( هل نغادر الآن ؟ ).
سارا معاً عبر الرواق ونزلا السلم , ومع أنها كانت ترتدي حذاء عالي الكعبين , الا أن رأسها بالكاد وصل الى كتفه.
سأل :( عطر جديد ؟).
التقت نظراته المتسائلة قليلاً وردت عليها بنظرةمماثلة , لتقول بوقار:( هذا سلاح المرأة ).
وكتمت الرجفة الناعمة كالريش التى تسللس الى بشرتها . بعد ان مد ميغيل يده ليمرر أصابعه ببطء على كتفها .
-لست بحاجة الى سلاح.
رفعت البسمة اطراف فمها :( هل تغويني ؟).
ارتفع حاجبه , ولمعت اسنانه بيضاء وهو ينظر اليها مازحاً :( وهل نجحت ؟).
أوه ... أجل ... لكنها لن تقول له هذا.
-أمامنا حفل عشاء نحضره... أتذكر؟.
ضحكته الخشنة كادت تهلكها , وقال متشدقاً:( الترقب , كوبريدا , لعبة العشاق ).
سألت هانا بخفة :( هل هكذا تنظر الى زواجنا ؟ مجرد لعبة ؟).
قطعا معاالبهو الكبير وأكملا الطريق الى الردهة التى تقود الى المرآب الداخلي.
-أنت أدرى بذلك.
-حقاً ؟.
وخرجت الكلمة منها قبل ان تفكر فى منعها .
سألها ميغيل بعد أن توقف أمامها :( هل تريدين أن أريك ؟).
-أتصور أنك ستفعل هذا...فيما بعد.
كان فى صوتها نبرة غير محددة تسببت بضيق عينيه قليلا ًلتبحثا أبعد من قسمات وجهها الوقورة.
كانت تمتلك ضعفاًتحت واجهتها المحنكة , عاطفة حقيقية , لا تحمل شيئاً مصطنعاً... وهذه ميزة نادرة بين من يعرفهن من النساء... وهو يشك فى انها تعي كم هو قادر على معرفة كل رنة فى صوتها , وكل تعبير على وجهها , مهما كان عابراً , إنها متوترة الليلة , لسبب ما , فسعى إلى التخفيف من هذا التوتر قليلاً.
وضع يده على مؤخرة عنقها, ورفع رأسها ,ثم انحنى ليعانقهابتذوق مثير سبب لها تنهيدة خفيفة فاستندت اليه.
كم استمرت ؟ لحظات أم دقائق ؟ لك تشعر بالوقت , بل تملكها إحساس بالندم وهى تنفصل عنه .
كانت عيناه قاتمتين , عميقتين جداً ,وأحست بكل نفس تتنفسه ,وكل ضربة لقلبهاوهو يخفق فى صدرها.
قال ميغيل :( هناك فرق بين الرغبة الجسدية والحب ...من الأفضل أن تتذكري هذا).
ثم عطل جهاز الانذار فى السيارة , وفتح الباب , فاندست فى المقعد الأمامى ... بينما كان ميغيل يندس وراء المقود.
بعد دقائق وجه الجاغوار القوية نحو البوابة التى تفتح بجهاز التحكم عن بعد , وزاد سرعته حين وصل الطريق العام .
أنار ضوء الشفق ما يحيط بهما بوهج ذهبي ناعم... ولأن حرارة الجو ما تزال مرتفعة , شغل جهاز التبريد لتلطيف المكان.
كانت عاصفة المطر قد مرت , واحجار الاسفلت المبللة فى الطريق الدليل الوحيد على مرور العاصفة العابرة.
سألته دون اكتراث :( من هم الضيوف الآخرون ؟ هل تعرف ؟).
-العلم المسبق , كالتسليح المسبق؟
وتوقف ميغيا عند تقاطع طرق... وابتسمت له ابتسامه ظريفة:( شئ من هذا القبيل ).
كان هناك بضعة افراد بارزين من المجتمع تعرفهم ,يجدون لذة فى إطلاق قطة بين الحمام , لمراقبة النتيجة . وكان هذا يجرى بأشراف دقيق, ويوفر تسلية مرحة للمتآمرين.
منذ بضع سنوات , كانت هدفاً لتخميناتهم . وصححت لنفسها...الشائعات , كان من المستحيل تجنبها , لكنها تكره اى محاولة متعمدة للأذى أو جرح المشاعر.
رد ميغيل :( ذكرت غرازيلا كلاً من انجلينا وروبيرتو مورو ,وسوزان وبيتر ترتيتون ).
ونظر اليها بسرعة مع تغير ضوء اشارة السير وبدء تحرك السيارات ,وأكمل :( وإستيان مدعو ايضاً
شريكان فى مؤسسة محاماة وزوجتاهما إضافة الى والد ميغيل الأرمل.
عادة تدعو أسرة ديل سانتوس ما بين العشرة والأربعة عشر ضيفاًالى مائدتها ونادراً ما تكشف هوية كل من سيحضر. وكانت غرازيلا تعلق دائماً أن هذا ما يجعل الأمسية مثيرة للأهتمام.
وتساءلت هانا ترى من دعت غرازيلا ليكون شريكاً لوالد زوجها الفاتن ؟ أرملة ؟ أم مطلقة ؟
سألت والسيارةتقطع تقاطعاً آخر :( هل هناك أخبار مهمة يجب أن أعرفها ؟).
-وهل انت بحاجة الى أدارة حديث يومض بالشرر ؟
ردت ساخرة :(هذا يبطل مفعول أي مفاجأة خبيثة ).
-مثل ماذا ؟
-إفلاس رجل أعمال بارز بسبب تجنبه للضرائب , أو بسبب زوجته التى استخدمت بطاقة الاعتماد المصرفية فى عدة محلات ملابس غاليةالثمن .
نظر ميغيل إليها بحدة :( وهل محلك واحد منها ؟).
-لقد فهمت بسرعة.
لم يكن ما تعرضت له خسارة كبرى ,فبإمكانها التخلص من أي خسارة , لكن ينفرها ويزعجها ان يتعمد شخص تثق به أن يسلبها مالاً .
-أتركى الامر لى .
أحست بالسخط :(أستطيع معالجة المسألة).
رد بهدوء :( لست بحاجة لأن تفعلى ).
وأرادت هانا ان تضربه . وقالت بحزم :( هذا عملي... ومشكلتي ).
قرر ميغيل أن المسألة يمكن أن تنتظر ,فهو يعرف أن الأصرار الآن سوف يزيد الموقف سوءاً.
كانت ضاحية "كيو" ضاحية ممتازة, فيها مساكن ضخمة وفخمة .
وأدار ميغيل السيارة الى شارع مورف ,ثم توقف أمام مجموعة فخمة من البوابات تقود الى مسكن غرازيلا واتريكو ديل سانتوس المهيب.
-سنناقش هذا فيما بعد .
وأنزل زجاج نافذته ليضغط زر الهاتف الداخلي ويعطي أسمه , انتظر ريثما تفتح الابواب .
أوقف السيارة فى ساحة واسعة مغطاه بالحصى , محاذية للمدخل الرئيسي ... وقال بنعومة :( الاستقلال فى المرأةميزة تثير الأعجاب ... لكن هناك أوقاتاً تتطرفين فيها الى حدود بعيدة ).
نزل من وراء المقود , وخرجت من السبارة. ثم أقفلت الباب .
-وإرادة الرجل التى لا تقهر هي كالألم فى الأس .
رد ببرود :( سلام ).
-طبعاً آمانتي... لن احلم بأفساد صورتنا.
قال :( أحسني التصرف ).
وصعدا معاً السلم المنخفض نحو باب المدخل المزدوج
وما ان وصلا حتى انفتح الباب ...ةألقى رجل قوي البنية , فى الخمسينات من عمره , تحية تحبب عليهما.
-هانا.
ومال انريكو إلى الأمام ليطبع قبلة على خديها واحداً تلو الآخر , وصافح يد ميغيل الممدودة :( أدخلا الى غرفة الاستقبال ).
وحين أقتربا صار بامكانهما سماع همهمة الحديث الخفيفة ... قادهما انريكو الى غرفة كبيرة واسعة مليئة بالأثاث الأثري من مقاعد ثقيلة وأرائك , وضعت فى مواقع مواجهة لبعضها بشكل مريح .
كان الرجال يقفون فى بذلات السهرة الرسمية , فيما النساء فى قمة الأناقة وإكتمال فن التبرج وكأن كل منهن تمثل نموذجاً لمجلة "فوغ".
طاف نظر هانا ببعض الوجوة المألوفة , وابتسامتها دافئة حقيقية .
وتحركت الى الامام ,إنها واحدة منهن ,ولدت فى جو ثري قديم راسخ , تعلمت , وأعدت لتصبح جزءاً من نخبة ... اللعنة ... حتى انها متزوجة من هذه المجموعة.
واستقبلتهما غرازيلا بدفء . ثم , دست ذراعها فى ذراع كل منهما وقادتهما الى منتصف الغرفة.
-تعرفان الجميع تقريباً . ما عدا أشخاص أعزاء و أريدكما ان تلتقيا بهم ...إنهم قادمون من اوروبا لزيارتنا هذا الصيف .
كان لغرازيلا وانريكو أصدقاء فى كل مدينة فى العالم تقريباً ,ويستقبلان الضيوف باستمرار فى بيتهما .
أشارت غرازيلا للتعريف بهما .
-أيمي دالفور وأبنة أختها كاميل ... هانا وميغيل سانتانوس.
كانت كاميل طويلة , ونجيلة , ومذهلة الجمال . ويصل شعرها الى ما تحت كتفيها فى شلال أسود لماع ... أما تبرجها فمتقن , وبشرتها خالية من العيب , وجسمها يضحي المرء لأجله . وقد أرتدت فستاناً فخماً وانتعلت حذاء مماثلاً , وتزينت بحلي غالية الثمن ... والنتيجة روعة فاتنة.