خفتت الانوار , وسلط الضوء على المذيع , ليعلن منظمو الحفلة الخيرية المبلغ الذي جمع من الحفلة اللليلة . . . ونبهوا الضيوف الي موعد الاحتفال التالي ، واشاروا الي عودة الممثل الهزلي .
بطريقة ما ابدات كاميل المقاعد لتجلس الي جانب ميغيل . . واضطرت هانا الي استجماع قوة ارادتها بينما تاعنها في سرها .
حركت هانا الطعام المزين في طبقها ، وتناولت شيئا منه بشوكتها ثم دفعت الطبق جانبا .
استغلت كاميل كل الفرص لتجذب انتباه ميغيل من تمرير اظافرها المطلية بالاحمر على كم سترته ، ولمسها ليده ، وابتسامة تعكس براعتها في مجال الإغواء .
ظهرت العارضات للعرض النهائي بينما كانت الحلوى تقدم . . ثم جاء السقاة بالقهوة في حين راح ثنائي غنائي ينهي حفل المساء .
وتعالت الموسيقي مع تاثيرات ضوئية خاصة . . فانطلقت بهذا اول مجموعة من عدة اسطوانات في موسيقي خلفية مع اصوات مسجلة تشجع المترددين على الرقص .
هذا هو وقت اختلاط الضيوف ، التنقل بين الطاولات ، والاجتماعيات بين اصدقاء موجودين .
اعلن اليخاندرو وايليس بنيتهما المغادرة . ووعد ايليس بسرعة : ( غدا سنتكلم . لقد نظم الرجال رحلة بحرية وغداءاً في الهواء الطلق ).
وهما يغادران ، تقدم من طاولتهما احد المعارف ليكلم ميغيل ، وتسللت كاميل عبر الجمع متجهة الي مخرج القاعة . . اعتذر ميغيل ثم تحرك بضع خطوات مبتعدا ، وفي بضع ثوان احست هانا ان شخصا ما احتل مقعد ميغيل : ( كيف حالك هانا ؟).
كان الصوت الرجولي مالوفا . . واستدارت ببطء لتواجه الرجل .
ردت ببرود : ( لوك . صدقني ، لا ضرورة لهذه المجاملات ، ليس لدي شيء اقوله لك ).
قال لوك ساخرا : ( باردة جدا . . لا زلت اميرة الثلج ، كما اري ).
-هل تتوقع ان اصدق بان وجودك هنا محض مصادفة ؟
هز راسه ساخرا : ( يمكن ان نتسمتع بحديث . . ثلاث سنوات هانا . دينا ما فاتنا لنقوله ).
-لا . . ليس لدينا شيء .
صوب ابتسامة لتذيب قلبها وقال : ( لماذا عزيزتي ؟ لطالما كان الامر جيدا بيننا دائما ).
احست بالغضب يشتعل داخلها ، وردت ببرود : ( غريب . . ذكرياتنا لا تتطابق ).
ورمقته بنظرة مثلجة ثم اضافت : ( لذا ، دعنا نتوقف عن التظاهر . . هل هذا ممكن ؟).
فتح يديه بايماءة معبرة : ( ومن يتظاهر ؟ كنت مولعا بك ).
منتدى ليلاس
-كلمات . . لنفترض انك ستقول لي لماذا انت هنا بالضبط ؟
-في هذا الحفل ؟
- اوه . . بحق السماء، توقف عن التلاعب ، تعرف جيدا ما اعني .
- وهل انت مستعدة لسماع الوقائع . . عزيزتي ؟
مستعدة كما يجب ان اكون دوما! ولم تجب أ بل نظرت اليه نظرة عاصفة ، تقول الكثير .
تنهد : ( سيكلفك هذا ).
-لا . . لن يكلفني شيئا . انت مدين لي بعيشك حياة رغيدة علىحساب كرمي الغبي .
ابتسم ساخرا : ( متى اصبحت ساخرة هكذا ؟)
-منذ ثلاث سنوات .
-حسن جدا . . هذه المعلومة على حسابي من اجل الايام الماضية . ردت بصوت بارد كجبل جليدي : ( شكرا ).
-كاميل ارسلت بطلبي . . ودفعت اجرة السفر ، وتدفع ثمن اقامتي .
رفعت حاجبها : ( وانت تنوي الللعب على الحبلين ؟ ).
هز كتفيه من دون اكتراث : ( هذا كلامك ، وليس كلامي ).
نظرت هانا اليه بدقة ، ورأت القسمات الوسيمة والللمعان الخليع الواضح في تعابيره . وتساءلت كيف بحق السماء امكنها ان تترنح تحت سحره . . ابتسامته الكهربائية لم تعد لها تاثير اطلاقا .
-اذهب واصنع لنفسك حياة ، لوك .
رد بهدوء : ( كلمة تحذير حبيبتي . . كاميل تريد تنفيذ مهمة ).
-وكانني لا اعرف ؟
-ارقصي معي . . فقد تقنعيني بقول المزيد .
انه غير معقول !
-لا . . حتى ولو ان حياتي تعتمد على ما ستقول !
ارتفع حاجبه بسخرية : ( ربما انت على حق ).
ونظر نحو ميغيل : ( لا يبدو ميغيل سانتاناس رجلا من النوع الذي يمكن ان يشارك بارادته).
لا . . هانا توافق على هذا ! وكتمت رجفة خفيفة , , فتملك ميغيل لا يتجزأ .
وقال : ( ربما نشرب معا فنجان قهوة في مكان ما ونتكلم عن الاوقات القديمة).
إنه عديم الاحساس , وماقاله يثير الضحك .
-لا يمكن ان تكون جاداً .
-بلي .. انا جاد .
واجهته بقوة وبعينين ثابتتين :" حين تقدم تقريرك لكاميل , قل لها إنها لن تجد لنفسها فرصة بمقدار قطرة ثلج فى الجحيم ".
ووقفت , كانت بحلجة الى تغيير المشهد , ولو لبضع دقائق .
استدارت بعيداً عن الطاولة لتري ميغيل يقف على مسافة اقدام . كان يبدو مسترخياً تماماً , وقسماته الرجولية القوية تعكس الاهتمام وهو يصغي الى ما يقوله زميله .
نظرة واحدة الى وجهه كانت كافية لتعرف هانا انه لم يفته شيء . كان فيهما سواد ظاهر , وغضب مكبوت , يكاد ان يكون مخيفاً .
فتقدمت نحوه , وعندما وصلت الى جانبه وقفت مسمرة وهو يقدمها الى زميله بعد ان امسك يدها وشبك اصابعه بأصابعها .
دعم ؟ حماية ؟ تساءلت . أم انه يثبت حقه بها ؟ فعل صريح ؟
اعتذر الزميل وعاد الى طاولة قريبة .
وسألها ميغيل :" هل نغادر ؟".
ابتسمت له هانا ابتسلمة مذهلة , ثم رفعت يدها تمرر أصابعها على فكه :" وتفسد تسلية كاميل ؟".
رفع يدها وطبع قبلة على كفها , وهو يلحظ الطريقة التى اسودت فيها عيناها واتسعتا , وارتجفت شفتها قليلاً . ولوهلة متناهية فى الصغر بدت ضعيفة حقاً .
قال ميغيل بلطف :" تبدين كقطعة زجاج توشك ان تتحطم .. الى البيت , كما اعتقد ".
ارتفع ذقنها قليلاً , واستجمعت ابتسامة واهنة :" انا فى الواقع بخير , كما ان هناك موسيقي ويجب ان نرقص ".
ورقصا قليلاً وهما يتحركان وفق الايقاع السريع , ثم تغيرت الموسيقي الى وقع بطيء , فضمها ميغيل بين ذراعيه , وأبقاها قريبة منه .
إنها الجنة .. تستطيع تقريباً ان تنسي اين هما , الوقت , والمكان , وكل شيء ما عدا الرجل والمشاعر التى يثيرها فيها .
أحست بشفتيه تلمسان قمة رأسها , ثم تطيلان البقاء على صدغها .. وخرج من حلقها صوت متأوه لشدة تأثرها .
إنهما ملائمان لبعضهما تماماً .. ومن هذا القرب استطاعت ان تشعر بقوة عضلاته .
قالت :" اعتقد أننا يجب أن نعود الى البيت ".
ضحكته المنخفضة لامست احاسيسها , وانطلقت الحرارة فى داخلها , تدفئ جسمها الى حد اعمى .
-هل انت بحاجة لأن تعودي الى الطاولة ؟
هزت رأسها نفياً .. وسارا معاً نحو المخرج وهما يتوقفان بين حين واخر ليكلما احد المعارف .. وكانا على وشك المرور عبر الباب الكبير المزدوج حين التقيا وجهاً لوجه بكاميل :" هل انتما مغادران ؟".
ابتسمت هانا بأدب :" كلانا لديه بداية مبكرة غداً ".
سألت كاميل بتعبير لطيف متعمد :" متعبة حبيبتي ؟ لابد ان ميغيل يجد النقص فى النشاط عندك .. ".
وصمتت للحظة ثم تابعت :" .. مزعجاً قليلاً ".
قالت هانا بحلاوة :" ربما كلمة متعبة تعبير مهذب ".
وكتمت أنفاسها لرؤية الكره الصرف فى عيني كاميل قبل ان تخفيه بسرعة
-ليلة سعيدة .. كاميل .
لم يكن امام السمراء المذهلة الجمال سوى ان تتراجع برشاقة .. على اي حال , كان هناك الوعد .. لا بل تهديد , بأن هذا ليس سوى بداية حملة كاميل .
وبينما كان ميغيل يتجه بالسيارة نحو شوارع المدينة , التزمت الصمت وهي غارقة فى لجة من الافكار التأملية .
كانت الصحافة قد اسهبت فى تكهناتها أثناء خطبتها لميغيل .. والعناوين فوق صور عرسهما أعطت الانطباع بأن الاتحاد مدبر , مما أثار الحدس العام , واضاف الوقود الى مقالات الشائعات الاجتماعية .
على اي حال , اكثر من سنة على الدرب جعلت التخمينات تخف .. زاستقرا بسهولة فى الزواج , والعمل والالتزامات الاجتماعية .
-انت هادئة .
نظرت هانا الى ميغيل ولم تستطع قراءة الكثير من تعابيره فى عتمة السيارة .
قالت بسخرية :" كم انت دقيق الملاحظة ".
-هل تزعجك كاميل ؟
-وذكي كذلك .
انتظر لحظة ثم سأل :" ولوك ؟".
ليس ضرورياً أن تفكر :" هذا تاريخ قديم ".
-لم يبد كذلك من حيث كنت اقف .
جذبت نفساً عميقاً , ثم زفرته ببطء , وردت بضحكة غير مرحة :" كان يجب ان تقف فى مكان اقرب .. لكنت عندها سمعتني وانا اقول له ان عليه ان يعيش حياة لائقة به ويبقي بعيداً عن حياتي ".
-هل كان هذا محتوى حديثكما ؟
كانا قد وصلا شارع "توراك" واستدارا الى شارع سكني فخم .
فقالت معترفة له :" أوه .. هناك تفصيل واحد اخر ".
استدار مرة اخرى وابطأ سيره قبل الوصول الى البوابة الضخمة التى تحرس المدخل المؤدي الى منزلهما .
-كشف لي ان كاميل تضعك امام عينيها بثبات , وانها ستذهب الى اي مدى لتحصل عليك .
راقبته وهو يشغل التحكم عن بعد ليفتح البابين , وقاد السيارة الى الامام فى الطريق الداخلية العريضة . وارتفع باب المرآب آلياً بلمسة من جهاز تحكم آخر, ثم اقفل بعد ثوان حين اطفأميغيل المحرك .
خرجت هانا من السيارة , وسارت نحو البابالموصل الى داخل المنزل . وانتظرت ليهتم ميغيل بالقفل , ثم تحركت الى البهو .
قال بسخرية متعمدة :" حقاً ؟".
وتوقف عند اسفل السلم الجميل وتأملها متفحصاً :" وهل دوره دور الشريك فى مشروعها الشيطاني ؟".
-أجل .
حذرها بنعومة :" كوني حذرة كوبريدا . لقد جرحك يوماً ولن اسمح له ان يجرحك مرة أخرى ".
وجاهدت للتغلب على مزيج معقد من المشاعر :" انت .. لن تسمح ؟ لا داعي للعب دور الزوج الغيور !".
-أفضل كلمة الحامي .
بم يتحرك , لكن , كان إنطباعها أن جسده تصلب , فغزا الارتباك بشرتها .
-لوك ..
قاطعها بصوت هادئ وخطير :" .. كان يحتل جزءاً من حياتك قبل ارتباطك بي ".
تماماً مثلما احتلت نساء عده جزءاً من حياته دون شك .. واستقر احساس بالفرغ فى اعماق نفسهل , متجهاً نحو قلبها . يا للسماء .. مجرد التفكير بمن هن وكم عددهن يجعلها تشعر بالضيق .
حافظت هانا على نظرته لثوان عديدة , ثم مرت به وتحركت بسرعة تصعد السلم .
واستقر الاحساس بالفراغ فى قلبها وهى تقطع الرواق نحو غرفة النوم . فى الداخل بدأت تخلع قرطيها الماسيين , ثم مدت يدها الى قفل العقد .
دخل ميغيل الغرفة , وخلع سترته , وفك رباط حذائه , وتخلص من جواربه .. زربطه عنقه , ثم تخلص من القميص .
اللعنة .. ماذا حصل لقفل العقد ؟ ولعنته من بين انفاسها , ملحقة هذا بلعنة اخرى مع تقدم ميغيل الى جانبها .
-قفي جامدة .
كانت تشعر بوجوده بشكا لا يصدق .. الهالة البدائية تآلفت مع رائحة بشؤته النفاذة ودفء جسمه المثير , كان هناك جزء منها يريد ان يتغلغل فيه , ودت أن ترفع وجهها ليقبلها .. بينما جزء آخر اراد ان يضرب صدره بقبضتيها .
الا يعرف كم تشعر بأنها ضعيف ؟ كم تشكل كاميل خطراً عليها ؟ اما لوك .. فلا تستطيع ان تثق به ابداً .قال : ( يا الهي . . ).
واسودت عيناه ، وتحركت عضلة على اطراف فكه .
-اتظنينني غير قادر على رؤية كاميل على حقيقتها ؟ ثقي بشيءواحد من ذكائي يا عزيزتي .
فردت : ( انها تسعي الي جسدك . . لا الي ذكائك ).
سأل بنعومة باردة : ( وهل تتصورين انني قد انزلق بسهولة الي فراش امرأة اخرى ؟ ).
ولم تستطع سوى النظر اليه . . وراسها ملىء بالصور التى تطاردها والتى تكاد تدفعها الي حافة الجنون .
منتدى ليلاس
اخيرا تمكنت من ان تقول بهدوء : ( لقد وعدنا بعضنا بالاخلاص ).
-ولا سبب يدعوك بالشك في وعد .
- ولا وعدي .
وبحثت عيناه في عينيها ، ليرى فيهما ماهو ابعد منالسطح ، وهو يعي ضعفها ، وبسببه ، ولعن كاميل بصمت لتعمدها لنسف راحة بالها .
خفض راسه وعانقها ببطء مداعبا الي ان لفت ذراعيها حول عنقه وبادلته العناق .
انها تحب وجوده قربها ، تحب نعومة بشرته ، وعرض منكبيه الرائع ، وصدره القاسي وجذعه المشدود .
هل قالت شيئا بصوت مرتفع ؟ انها لا تريد معرفة ذلك ولا تهتم سوى بهذه اللحظة التى لم يكن فيها سواهما .
غمرتها مشاعر الرضي لانها قادرة على على جعله يفقد سيطرته على نفسه تماما وهو بين ذراعيها .
ارادت ان تطمئنه . . ان تفهمه بطريقة ما ، انها ولأول مرة احست بطعم سلطتها عليه وانها انجرفت معها تماما .
وحين ضمها اليه ، وجعل من ذراعيه درعا واقيا لها ، واحست بشفتيه على شعرها ، وعلى اطراف خدها ، وادناها منه بشدة .
احست بضربات قلبه على خدها . . وفي حماية وامان ذراعيه ، اغمضت عينيها ، وانزلقت الي نوم هادئ لا احلام فيه .
وفي وقت لاحق عند ساعات الفجر الاولى ، استيقظت واحست بفقد الدفء البشري ، فمدت يدها تبحث عنه ، لكنها وجدت الفراش فارغا .
وبحذر رفعت راسها وفتشت الغرفة المعتمة . . ورأته ، كان يقف امام الستائر المفتوحة جزئيا ، ينظر الي الخارج نحو الحديقة المظلمة .
غادرت السرير ببطء وتقدمت لتقف خلفه , وعرفت من حركته الخفيفة انه تنبه لحركتها ، ووقع قدميها الصامت .
لفت ذراعيها حول خصره ، واستندت اليه ، تضمه اليها .
وبعد دقائق طويلة ، اغمضت عينيها . .
عادا الي السرير حيث ضمها بين ذراعيه .
هل سيكون الحال هكذا دائما ؟ تساءلت وهي تتأرجح على حافة النوم .
حياة جميلة ، رائعة تخطف القلب . . حنان ، افتنان ، احترام . . لكن من دون حب .
هي التى اقسمت ألا تتورط عاطفيا مع اي رجل . . لم يكن امامها خيار .
قلبها ملك لميغيل . . ولطالما كان كذلك , وسيبقي دائما . . أراد ذلك ام لم يرده .
*********
نهــــــــــــــــاية الفــصــل الـخـــــــــــــــــامــس