2-محيط القلب
عندما انتهى الرقص, امسك يدها ليجرها نحو الباب:
-أرغب في تغيير المنظر فهل لديك اعتراض؟
-لدي شعور بأن لاعت**** أو لاعدمه النتيجة نفسها. فأنت لا تهتم أبدا باعت****.
بدت الفكرة مسلية له. . . فسأل:
-ما الذي جعلك تعتقدين ذلك؟
وصلا إلى المصعد, و توقفا بانتظار وصوله فنظرت إليه مفكرة:
-لست أدري. . . ثمة شيئا بشأنك.
وصل المصعد, فولجاه. . . واستمرت:
-يراودني الشعور بأنني رأيتك في مكان ما.
ضغط على الزر:
-صحيح؟ كنت على موعد غرامي معك يوما؟ ربما تكونين إحدى النساء المنتشرات في ماضي؟ لا يمكن أن يكون هذا صحيحا, و إلا لتذكرتك, دون شك في هذا.
-أعرف. . . ! في مجلة. . . لا. . . ليس. ليس فسي مجلة ولكن في شيء مشابه.
خرجا من المصعد. . . وهي تردف:
-ولكن هذا ليس صحيحا كذلك. فلك لحية, تلك الصورة التي أفكر فيها, لم يكن لصاحبها لحية.
-لو كنت مكانك لتخليت عن التفكير.
كان يسير بسرعة حتى اضطرت إلى الركض. كانت الأنوار داخل المطعم خافتة لكن الناس كانوا يغجون فيه.
عندما وصلا إلى شرفة مسقوفة معتمة كادت الريح توقف أنفاس كاثي, فتمنت عندها لو أنها جلبت معها سترة, ارتجفت لكن جريج لم يىحظ. لأنه غرق في تامل الطبيعة المحيطة بهم مع أنه لم يبد و كأن أفكاره منصبة على التلال المظلمة من الحمم و الرماد البركاني الخامد التي تتشكل على شكل أسنان منشار عن بعد.
الصوت المنبعث من المطعم كان يكسر الصمت الذي بدا لكاثي عميقا بشكل غير عادي. فالمدينة تصعد أصواتها الخاصة التي تناقض صمت التلال البركانية البعيدة التي لا تبعد سوى رفعة نظر إلى البعيد. سألها جريج:
-كم من الجزر شاهدت؟
-بقدر ما يمتد نظري بعيدا عن هذه الشرفة في ضوء النهار. أما باقي الوقت فقد قضيته على الشاطئ.
-لتكتسبي لون الشمس؟ أمن أجل الاستلقاء على الشاطئ جئت إلى هذه الجزيرة؟
-أنا واحدة من ثلاثة, و إذا وجدت نفسي ضمن الأقلية, فأنا مضطرة للذهاب معها. . . أليس كذلك؟ مع أنني أشك في أنهما يريان في هذه الأيام أحدا سواهما وفي هذه الظروف الراهنة كان لطفا منهما أن يتركاني أتعلق بأذيالهما.
-وهل تحبين أن تتعلقي بأذيالهما؟
أخست بأن عليها قول الحقيقة:
-أنا. . . لا. لا أحب ذلك. لكنني لا أحبذ الذهاب إلى أمكنة برفقة حشد من أناس لا أعرفهم, مهما أظهروا من ود.
بقي بضع لحظات صامتا لا يجيب لكنه لم يلبث أن استدار ليسند جسده إلى جدار الشرفة ثم ابتسم:
-إذن أنت لا تتمتعين بإجازتك. . . فلما لم تلغي الإجازة مع أنك كنت على علم مسبق بأنك ستكونين وحيدة دون رفيق.
-لقد عرضت هذا لكنهما أصرا على مرافقتي. بحجة أنهما بعد خمس أسابيع من الزواج سيكونان زوجين قد ملا بعضهما بعضا, لكن الذي وجدته أنهما ازدادا تعلقا حتى باتا لا يقدران على إشاحة أنظارهما عن بعضهما البعض.
التفتت إليه ضاحكة, فرأت رأسه ارتد إلى الوراء من الضحك وسالها:
-هل أنت حقا دهشة كما يبدو في صوتك؟ إن كنت كذلك فأنا دهش خاصة و أنك كنت على علاقة مع رجل مؤخرا.
أصبحت وجنتيها بحمرة الغسق.
-نعم كنت على صداقة معه لككنه لم يكن يوما حبيبا. . . و إن كنت تشك في قولي فلك ذلك, لكنني لا أقول إلا الحقيقة.
تقدم نحوها, ليرجع شعرها الذي طار به الهواء إلى الخلف, ولكن الخصلات عادت فورا. فابتسمت له من خلالها, فكان أن امتدت يداه, معا هذه المرة, لتعيدا الخصلات إلى مكانها, ثم أمسك وجنتيها براحتيه ليرجع وجهها إلى الوراء قليلا, ثم جذبها إليه.
كان عناقا من النوع الذي يقول "أنت هنا و أنا هنا كذلك" . لم يكن فيه أي غاية أو استغلال لها في سبيل المزيد من التعارف. ولهذا تمتعت به, مسرورة في حين كانت الريح تهب عليهما نافخة تنورتها, مداعبة شعره. قال لها بنعومة:
-أنت فتاة طيبة صغيرة.
كانت لهجته مشبعة بلكنته الإسبانية التي أطلق لها العنان دون اكتراث, فضحكت له, وهي تسأله سؤالا يوحي بأن جزءا منها يمزح و الجزء الآخر يلح في معرفة الحقيقة.
-كم امرأة قلت لها هذا خلال رحلاتك؟
خاطبت نفسها قائلة: من الخطأ الإعجاب كثيرا بهذا الغريب الحاد العينين, الجذاب. ومن الغباء الكامل التمتع بعناقه كما فعلت.
لكن السؤال لم يرق له وقد بدا ذلك ظاهرا في الطريقة الغريبة التي انخفضت فيها حرارة عينيه. لكن ابتسامته لم تلبث أن عادت إلى توهجها وهو يجيب:
-المئات إن لم أقل الآلاف. فنسائي ينتشرن فوق كل البسيطة.
لاشك في أنه شعر بتصلب جسدها, لذا شدها إليه أكثر فأكثر ثم مدد يديه فوق ظهرها, أرجفتها لمسته لكنه حسب أن الريح هي السبب لذا أحاطها بذراعه الأخرى.
قال لها لهجة هادفة بشكل غريب:
-كنت امزح. فليس من عادتي التجول في العالم سعيا إلى التقاط النساء لأنال منهن ما أريد, ومن ثم لأتابع ذلك مسيري.
نظرت كاثي في عينيه وهي تحس بشيء من الأسى يلف نفسه حولها و كأنه نفحة ريح. قالت:
-لكنك ستجعل مني استثناء لهذه القاعة؟
قال بلهجة جاده جدا:
-وهل ترغبين في هذا؟
-أنت بالتأكيد تعرف الرد على سؤالك.
-أملت بعد تشجيعك إياي بأن يكون ردك نعم.
انسحابها السريع من بين ذراعيه لم يعطه الفرصة إلى منعها من الابتعاد عنه.
-أنا آسفة لأنني أوحيت إليك بهذا الانطباع.
بدا على صوتها الصدمة, وقد التفتت لتحدق إلى الظلمة:
-لست أفهم لماذا لا تستطيع امرأة ابداء إعجابها برجل دون أن يأخذ هذا الأمر على محمل خاص.
بقي يمعن النظر فيها فترة طويلة تبعها بقوله:
-إذن أنت معجبة بي. . . وهذه بداية جيدة. هيا بنا سأرافقك إلى غرفتك. لف ذراعيه على كتفيها فسارت معه وهي تسأله:
-بداية ماذا؟
دخلا المصعد.
-بداية صداقة يبدو كأن لها قيمة غالية لك.
وجدت أصوات الراقصين في الغرفة المكتظة, وأصوات الموسيقى التي تزايدت حدتها, متنافرة جدا مع الهدوء الذي كانا في رحابه.
قال لها وهو يدخل قاعة الرقص:
-تعالي معي. . . سأحضر سترتي.
بينما كانا يجتازان القاعة باتجاه طاولتهما شاهدت أحد اصداقئه يعود من حلبة الرقص وذراعه حول كتفي فتاة جذابة. رفع هذا الرجل يده بالتحية وناداه:
-مرحبا أيها الرئيس.
لم يرد جريج لكنها سألته ما إن وصلا إلى الطاولة:
-أحد اصدقاؤك ناداك.
كان يخرج حقيبتها من جيب سترته, ويمد يده إليها. . . فأجاب:
-وهل فعل؟
ثم أمسك بيدها ليخرجها من طريق آخر, فسألته وهي تسرع لتتابع خطواتها مع خطواته:
-لماذا. . . ناداك بالرئيس؟
في المصعد, أخذ ينظر إلى الإعلانات الملصقة على جدران المصعد:
-يجب أن يكون أحدنا مسؤولا عن العمل في مرحلة ما.
-أتعني أنك أنت المسؤول؟
-مكتبي لا يحمل لائحة تقول الرئيس ولكن من المعروف تماما عموما أن هذه صفتي.
فابتسمت, وسألها مقطبا:
-لماذا ابتسمت؟
-ابتسمت لمعرفتي أن الرجل المرموق يحتاج إلى امرأة مرموقة لمرافقته. وهذا يعني. . . انك ستبتعد عني تعد هذه الأمسية, باحثا عن أنثى أرفع مستوى من سكرتيرة وضيعة. و لكن قد تكون محظوظا, لأن لا النساء يعتلين مراكز نافذة حتى في أيامنا هذه.
وأدارت المفتاح في القفل و فتحته. ما إن وضعت قدمها في الداخل فأضاءت الغرفة حتى أمسكها بكتفيها, ثم نظر يمنة و يسرى في الممر, و دفعها قليلا أمامه. عندها انغلق الباب وحده.
قال لها بعد أن ادارها لتواجهه:
-لا تهزئي بي عن طريق تسجيل النقاط, خاصة إذا كان الموضوع الذي تحاولين التذاكي فيه بعيدا عن معرفتك. فالرجل المرموق لا يفتش عن مثيلته بل عمن هي أدنى منه مستوى خاصة عندما يكون بعيدا عن موطنه. . . إذن تعالي إلى هنا يا ذات المستوى الوضيعو ودعيني أتذوق طعمك عن قرب.
حاولت كاثي التخلص, لكن ذراعيه التفتا حولها. فصاحت به:
-لا تقم بهذا! أنا لست كما تظن.
سحق عناقه كل اعتراضاتها, فأخمدت قوته فيها كل أثر للمقاومة ختى استسلمت أخيرا مجبرا إياها على الاسترخاء, طالبا منها الاستجابة التامة التي دفعتها أخيرا إلى أن تشهق التماسا للرحمة.
عندما رفع عينيه وجدتهما مليئتين غضبا. . . أحست بالارتباك. إنها هي المعتدى عليها, ألا يجب أن تكون هي الغاضبة؟
تسارعت نبضاتها لا غضبا بل إثارة مما فعله بها فقد أذكى لهيب النيران في داخلها. . . انباها عقلها بأن ذراعيها ما زالتا تلفان عنقه عندها سارت إلى سحبهما ثم راخت تبحث عن حقيبتها التي وجدتها قد وقعت أرضا.
أما ذراعاه فكانتا على خصرها فلما ردت بصرها إليه, اكتشفت أن المرح, الممزوج بالسخرية قد عادا إليه ثانية. قال بنعومة:
-لقد وجد الرجل الرفيع المستوى امرأى رفيعة المستوى لكنها تبدو دون طموحات إدارية. حسنا يا كاثي, ما هو ردك نعم ام لا؟
دون تفكير, مررت اصبعها على شاربه لتخفضه نحو لحيته و تسأله دون أن تلتقي بعينيه:
-لماذا كل هذا؟
-ولماذا لا؟
-لماذا؟ . . . للإجابة عن سؤالك أقول لا أنا آسفة.
فتركها وابتعد ثم فتح الباب ليسير في الممر, بعد أن تركها منزعجة.
جلست كاثي وحدية على طاولتها . . . طبقها مليء ببقايا فطورها الذي تناولته لتوها. وفنجان الشاي الفارغ على الصينية. . . منذ فترة طويلة تخلت عن التفتيش عن صديقيها, لعلمها أنهما تناولا فطورهما في غرفتهما.
ولكن عينيها استمرتا في المراقبة, بحثا عن الرجل الطويل الأسمر الذي وجدت تفكر فيه له ليلة أمس, أكدت لنفسها, وبثبات, بأنها لن تراه ثانية.
خرجت غلى الممر القصير الذي يقود إلى المدخل الرئيسي للفندق. فوجدت صديقيها ينزلان السلالم المستديرة يدا بيد, مسرعين إليها و على وجهيهما اعتذار صادق. لكن كاثي بدلت ابتسامتها العريضة بأخرى فاترة فهما و غن كانا في شهر عسل عليهما معرفة أنها وحيدة في هذا المكان. ألا يقدران على بذل شيء من الجهد ليصحباها كما حدث في بداية الرحلة؟
سألها ادي:
-أليس معك رفيق؟ بقد ظننا أننا نصنع خيرا بتركك معه وحدكما.
لاحظت فيرا تقطيبة كاثرين فأضافت:
-أنت تعلمين, كنا نحاول تركك تضعين خططك وحدك.
حاولت كاثي تجاهل خفقان قلبها, فقالت:
-إذا رغبتما في البقاء وحدكما فلا تقلقا علي. سأكون سعيدة كل السعادة قرب المسبح وحدي.
فصاحت فيرا:
-ولكن هذا ما كنا ننويه.
لم تكن كاثي في الواقع ترغب في يوم آخر تحت الشمس. فالمناظر الغريبة و الغامضة حولها كانت ايماءاتها لا تقاوم, لكنها كانت تعني ما تقول لجريج بشأن إحساسها بأنها وحيدة وسط جمهرة من السواح الغرباء. لكنها قالت لفيرا:
-سأصعد لأرتدي ثوب السباحة. ثم أنضم إليكما في البقعة ذاتها.
وجدت ثياب صديقيها قرب الصخور البركانية الناتئة من البحر, تشكل حاجزا صغيرا فوق الرمال الذهبية. فجلست كاثي هناك, ووضعت حقيبتها المحتوية على ثيابها ومناشفها قربها. لم يكن من الصعب عليها اكتشاف مكان فيرا المرتدية ثوبا قرمزيا. أما زوجها فكان غير بعيد عنها.
صاح صديقاها بالتحية وهي تتقدم لتغمس جسدها في البحر, ثم تسبح. وبعد فترة وقفت لتتأمل ما حولها فإذا بها تجدهما فعلا عائدين إلى الشاطئ. راقبتهما وهما يلعبان فوجدت من الأفضل ان تعطيهما مزيدا من الوقت يقضيانه وحيدين لذا استلقت على ظهرها تطفو على وجه الماء تاركة لعينيها ان ترتويا من زرقة السماء الصافية. بدا لها من هناك شجرة نخيل عالية تمتد أمامها على مدى نظرها ثم راحت تتأمل التناقض في ما بين الصخور البركانية الخشنة و بين الشجيرات الخضراء اللماعة التي تمتد من حافة الرمال إلى مدخل الفندق.
بعد أن رأت أنها قد منحتهما وقتا كافيا قررت العودة إليهما فلما دنت منهما احست بحرارة الرمال تحت قدميها. مدت يدها إلى المنشفة مبتسمة لهما وهما مستلقيان معا برضى.
لقد انتصف الظهر, وهاهي مستلقية إلى جانب صديقيها. تراقب, بشيء من الحسد, مراكب سيارات السياح المنطلقة بهم نحو التلال.
دون أن تعي راحت عيناها تبحثان عن جريج باركو مع علمها بأنها لن تجده. فكيف لرجل له تلك الجاذبية أن يزعج نفسه ثانية بالسعي إلى فتاة رفضت صخبته باسلوب فج كما فعلت هي؟
لما بدا لها أن فيرا و ادي نائمان. وقفت كاثي ببطء وهدوء لتربط شعرها الذي ما زال مبللا من جراء سباختها الأخيرة. اتجهت نحو الصخور التي أخست بها خشنة تحت قدميها ويديها. اثناء تسلقها كانت تتساءل عن الحكمة في تسلق مثل هذه الصخور الخادة الخشنة.
بعد أن وجدت مكانا مريحا, نوعا ما, للجلوس, غطست قدميها في بركة ماء صغيرة, ممتعة النفس ببرودة الماء على قدميها و بحرارة الشمس على ظهرها. بينما كانت هناك سارحة صاح بها أحدهم فالتفتت تنظر إلى صاحب الصيحة. كان رجلا يقف على مقربة منها على الرمال اشقر الشعر مرتديا قميصا أبيض قصير, وسروالا قصيرا, حافي القدمين, باسم الوجه وكأنه يعرفها.
سرعان ما عرفت كاثي الرجل فابتسمت له ثم استدارت لتعيد بصرها إلى المياه الصافية. فهذا الرجل لسبب ما تجهله وجدت نفسها ترغب في تجاهله لئلا يلاحقها لكنها في هذه اللحظة رأت ان تفكيرها السليم يخبرها بأنها على خطأ في ما تفعل. بعد قليل سمعت وقع خطوات تخطو خلفها تبعها صوت رجل مال ليجلس قربها:
-وحدك؟
بقيت صامتة.
-اتتمتعين بإجازتك؟
فهزت رأسها وهي تراه مصرا على محادثتها, لكن ألا يصر كل الرجال على ملاحقة الأنثى؟ فتابع:
-يا لحسن حظك. . . أنا هنا للعمل.
كان عليها أن ترد بعد ان تأملته مليا:
-لا يبدو عليك ذلك.
فضحك, وقد سره أنه انتزع منها الكلمات:
-ألا نحتاج جميعا إلى المرح؟
ولم يتلق ردا, فتابع:
-لا تبدين و كأنك تمرحين كثيرا. بإمكاننا المرح معا؟
لمس ذراعها. . . فابتسمت كاثي لنفسها وقد راته يسعى إلى معرفة اخلاقها. ممتحنا بذلك استعدادها و استجابتها له. فما كان منها إلا أن انسلت إلى المياه مبتعدة عنه فصاح الرجل:
-هاي. . . لا تتركيني هكذا ونحن لم نتعارف جيدا!
أخذت تراقب الآثار التي تتركها قدماها على الشاطئ, وصاحت من فوق كتفها:
-أشكرك على ما تقدمه من تسلية لكني أحب أن أكون وحدي, مع صديقاي.
وصل إليها ليسير إلى جانبها فتابعت وهي تبتسم:
-لا أبحث عن علاقة عرضية. . . آسفة.
بحثت عن رفيقيها فوجدتهما قد ذهبا, احسبا أنهما يتصرفان بذكاء الآن؟ أطلق الرجل تنهيدة:
-آه. . . حسنا. لا يمكن للمرء الربح الدائم.
رفع يده محييا ثم انطلق في حال سبيله.
التقطت كاثي منشفة لتجفف قدميها وساقيها. ثم دون قصد منها التفتت إلى الوراء فإذا بها تجد رجلا يشير بإبهامه إلى الأسفل, علامة الفشل, إلى رجل , أطول منهو أنحف, ذي جسد أسمر أدكن و لحية طويلة تغطي جزءا كبيرا من وجهه.
كان ينظران إليها ويتحدثان. وكان جريج باركو يهز رأسه بينما الرجل يكمل كلامه عندها شعرت بالغضب يجتاح نفسها فهو كما يبدو واضحا بها كل الوضوح إن ذاك الرجل كان يمتحنها مستخدما زميلا له طعما لها!
أدارت لهما ظهرها, وهي تشد على شعرها أكثر من الحد المفروض لتجفبفه. . . لكنها فجأة أحست بيدين تستقران على يديها, تثبتهما وتضغطهما على قمة رأسها. فوقفت بسرعة متصلبة وهي لا تكاد تقوى على التنفس. مضمومة الشفتين. . . يالوقاحته! كيف يجرؤ على العودة لمتابعة علاقتهما من حبث توقفت ليلة أمس!
دون سابق إنذار استدارت مبتعدة عنه لتحدق فيه مخاطبة:
-الآن. بعد أن امتحنتني بواسطة ذاك الرجل الذي تسيره كما تريد وجدت أخلاقي رفيعة فقررت منحي السعادة برفقتك ثانية!
انزلت المنشفة عن رأسها لينسدل شعرها إلى كتفيها, ثم أردفت قائلة:
-اسمع يا هذا أنا لا أرغب فيك رفيقا. . . لذا الخير لك أن تنصرف لتعرض صحبتك على امرأة أخرى وهن كثيرات كما تعرف.
بدت عيناه باردتين و كأنهما تأخذان برودة الريح, ثم استدار على عقبيه وصعد المنحدر الرملي, مستوي الظهر معتدل القوام.
هاهو يبتعد. . . وعليها أن تواجه أمر خروجه من حياتها نهائيا. في هذه اللحظة شعرت بالانزعاج من فكرة خسارته بسبب كبريائها الغبي, لكنها رأت أنها أكثر غباء لأنها سمحت له بأن يصبح, في وقت قصير, مهما إلى هذا الحد في حياتها.
-جريج. . . لا تذهب. . .
خرج منها الرجاء دون أن تعي فكان أن لعنت نفسها مئات المرات لأنها كشفت عن ضعفها أمامه. هذا الضعف الذي سيكون له سلاحا لا شك في أنه سيستخدمه.
وقف في مكانه مسمرا دون أن يلتفت. أما هي فحبست أنفاسها تنتظر منه متابعة الطريق, لكنه فاجأها بالتفاتة إليها لكنه بقي بعيدا عنها وهو يسأل:
-لماذا؟ أأفيدك حارسا لك أم رجلا يتم عددكم إلى أربعة؟ . . . أم لعلك قررت أن نكون ثنائيا منفصلا معا؟
جردتها تصرفاته الباردة و هجومه الساخر من القدرة على الرد فها هو شهر في وجهها السلاح الذي زودته به! وبعد لحظات سوف يطلقه نحوها.
-أنت تعجبني يا جريج. . . لقد قلت لك هذا . . . و تعجبني صداقتك.
لكن قلبها اخبرها بأنها تشعر أكثر من الصداقة بكثير. إلى أين سيوصلها غباءها الذي جعلها تتعلق بأذيال رجل للمرة الثانية وبهذه السهولة؟ ألم تحفظ أمثولتها جيدا عن عدم مصداقية الرجال بعد ما فعل مايك بها؟
لكم هذا الرجل يختلفعن مايك في كثير من الوجوه. وما عليها سوى الوقوف على مقربة منه لتشعر بموجات القوة المنبعثة منه, إنه كالصخرة التي تحافظ على حرارة الشمس وقتا طويلا بعد أن تغرب.
تقدم منها, فأحست به, وبقوته, دون أن يلمسها حتى ابتسم لها, فعمت السعادة قلبها وشعرت بأن الحواجز كلها تزول بينهما.
عندها فتح ذراعيه فرمت نفسها بينهما, حتى استراح خدها على صدره. راحت لحيته تغرق جبهتها. دفعتها جانبا ثم ابتسمت له قائلة:
-إنها تعيق طريقي. . . لماذا لا تحلقها؟
نظر إلى البحر, ثم , إليها:
-هذا ما لن أفعله!
-لكنني أريد رؤية الرجل المختبئ خلفها.
ملأت الابتسامة وجهه:
-قد لا يعجبك ذلك الرجل.
-بل ربما (أحبه).
تلوت على وجهه لمحة عزلة, ثم ذهبت:
-وهذا ما لن يكون يا فتاتي الطيبة الصغيرة لأنك على الأرجح ستكرهين ذلك الرجل.
ضمها إليه بشغف, ثم أبعدها قائلا: