4-سيد الأسرار
لن تفهم هذا الرجل أبدا حتى وهي تحدق فيه, كانت كاثي تجده قد تبدل إلى الجد. . . فنظرت إلى الأمام وقالت:
-هل لنا أن نعود الآن ؟
كان النهار قد أصبح قاتما, مع أن الشمس ما زالت مشرقة. بعد أن أوقف السيارة قرب مدخل الفندق سألته كاثي:
-هل تطل غرفتك على البحر؟
هز رأسه, ثم فتح لها باب المدخل, فتابعت:
-إنها إذن غرفة جميلة.
توقف ليديرها إليه:
-نعم هي جميلة فهل تريدين دعوة إليها؟
اصطبغ و جهها بالاحمرار فأطرقت رأسها. لماذا لم تدرك من قبل كيف ستبدو له اسئلتها؟
-لكنك لن تحصلي على دعوة.
التفتت إليه وقد اشتد احمرار وجهها:
-أرجو أن تعذرني. . . شكرا على النزهة و على اضطرارك إلى التكيف مع رفقتي الساذجة.
فامسك بذراعها:
-تنازلي عن كبريائك يا امرأة. فإن كنت قد أغضبتك فأنا آسف. . . لا شك في أنك تعرفين ما هي ردة فعل الرجل عندما يسأل سؤالا كهذا.
تحررت منه:
-في المرة القادمة سأكون أكثر حذرا هذا إذا كان هناك من مرة اخرى.
توجهت نحو السلم, فتبعها:
-تناولي العشاء معي الليلة.
-لست أبالي أكان هذا أمرا أم دعوة, فالجواب هو نفسه:لا! شكرا لك!
نظر إليها عندما وصل إلى قمة السلم ثم هز كتفيه وقفل عائدا. أما هي فرمت نفسها على المقعد في غرفتها مرتجفة من الغضب و الإحباط.
شكرت الله لأن فيرا و ادي يشاركانها الطاولة هذه الليلة. فعندما سيدخل جريج و زملائه ستعطيه ظهرها, و تمضي و قتا ممتعا برفقة صديقيها.
مضت الأمسية كما أرادت, فعندما دخل انتقلت من مقعدها إلى مقعد آخر محدثة ضجة, لتجذب انتباهه ثم تظاهرت بالتمتع بنكتة قالها ادي, و ضحكت بصوت مرتفع أكثر من صوت فيرا, معطية بذلك انطباعا بأنها تمضي وقتا سعيدا.
قبل نهاية الوجبة بقليل كان ادي قد اقنع زوجته بمرافقته إلى الرقص, وقالت فيرا لها:
-تعالي معنا, لا شك في أنه سيبحث عنك. فهو لم يكف لحظة عن التحديق إلى ظهرك بنظرة توحي بأنه يود لو يحطم لك عنقك. أتشاجرت معه؟
هزت كاثي كتفيها:
-لقد طلب اصطحابي إلى العشاء. . . لكنني رفضت.
فصاح ادي:
-أهذا كل شيء؟ بالله عليك! لا عجب في أنه ينظر غليك بغضب.لا ريب في أنك جرحت كبرياءه.
لكنها لم تشرح لهما بأنه كان البادئ بجرح كبرياءها:
-لن أرافقكما, شكرا. هيا متعا نفسيكما. سأكتب بضع بطاقات بريديه إلى بعض الأصدقاء.
سألتها فيرا ثانية قبل أن يفترقا في البهو:
-هل أنت واثقة؟
فهزت كاثي رأسها مؤكدة, فتابع رفيقاها طريقهما.
لم تكتب البطاقات, بل قررت القراءة. . . لكنها اكتشفت أن اتخاذ القرار يختلف عن تنفيذه. فالكتاب كان جيدا, لكنه لم يأسر اهتمامها لذا تركته و استلقت على الفراش, محاولة قراءة مجلة. . . تصفحتها بسرعة قارئة منها قصتين قصيرتين.
عاد القلق ليطفو و كأنه غطاس اكتفى من الغطس و إذ به يقول لها: أتركي هذه الغرفة, اخرجي, حركي ساقيك قليلا. أطاعت مشاعرها لئلا تنكر عليها حقها, مهم كانت راغبة في مقاومة هذه المشاعر.
ما إن أنزلت قدميها عن السرير حتى رن جرس الهاتف. فغاص قلبها و توترت أعصابها, لكنها أمسكت السماعة بشيءمن الثبات:
-نعم؟
-هل ترقصين معي؟
جاء السؤال مباشرا ملؤه الثقة. . . و كأنها تجلس أمامه على الطاولة قربه. فصوته العميق المنخفض أشعرها بوجوده يغمر الغرفة, لاو كأنه فعلا إلى جانبها. ومع ذلك فقد كان ردها مقتضبا:
-لا. . . شكرا. ابحث عن شريكة أخرى.
أخفضت السماعة إلى مكانها. ثم وضعت يديها بين ركبتيها, منتظرة رنين الهاتف ثانية, لالكنها لم تتلق سوى الصمت. تصاعد غضبها من فشله للمرة الثانية, بأن يقنعها بتغيير رايها.
سأخرج للسباحة. سأغير ملابسي و أغطس في البحر. . . بعد سبع دقائق اكتشفت ان المياه باردة جدا في هذا الليل حيث لا شمس تدفئ الجو. لكنها لم تهتم. . .عندما غطست جسدها دفعة واحدة في الماء شهقت من البرد. لكنها قاومت رغبتها في الهروب و بقيت لحظات تحت الماء ثم خرجت إلى السطح لتلتقط نفسا عميقا تبدأ بعده بالسباحة.
اتجهت نحو الصخور التي جلست فوقها يوم امتحانها احد زملاء جريج. أغضبتها تلك الذكرى فكان أن أعطتها مزيدا من القوة لتضرب بذراعيها الماء و تندفع عبر البحر الهادئ البارد.
صاح بها صوت فجأة:
-انتبهي إلى هذه الصخور!
تجاهلت التحذير, فهي تتذكر تماما خشونتها, وحدة أسنانها و تركيبتها البركانية. ورغم حذرها انزلقت ساقها أثناء تسلقها الصخور, فجلست تحدق في العتمة تفحص موضع الإصابة باهتمام جعلها لا تحس باقتراب سابح نحو الصخور. لم يظهر عليها التوتر إلا بعد ان تسلق بحذر و جلس قربها. فسالته:
-لماذا تبعتني؟ هل وجدت كل النساء مشغولات بشركائهن؟
-من قال إنني تبعتك؟ ربما جئت هنا لأحقق رغبة خاصة. . . أسبح. . .كما تفعلين أنت بالضبط.
-فماذا تفعل إذا بجلوسك قربي؟
نظر إليها نظرة افتتان:
-أنت. . . بعد أن بدوت بصورة فينوس الشابة تسألين رجلا هذا السؤال.
أحست بوجهها يحترق, ومع ذلك راحت تحدق فيه محملقة, على أمل أن تحرجه, فابتسم و كأنه يرحب بتحديقها فيه. مضت بضع لحظات كي تدرك أن نظراتها انقلبت من رغبة في الانتقام, إلى نظرة إعجاب بتقاسيم وجهه الصارمة, وقوة بنيته.
فقال ساخرا:
-أتتأكدين من أنني رجل حقا؟ و لكنني لست بحاجة لأؤكد لنفسي بأنك أنثى. . . فهذا ما يبدو جليا كالشمس لأي رجل قد تقع عينه عليك خاصة و أنت في ثوب السباحة.
نزلت بسرعة و حذر إلى المياه, فسبحت من الصخور باتجاه الشاطئ. حيث أصبح خلفها عندما وصلت إلى الشاطئ التقطت منشفتها ثم راحت تجفف جسدها. أما هو فاستخدم منشفته بسرعة ثم ألقاها ليتناول منشفتها من يديها. . . فقالت محتجة:
-أشعر بالبرد يا جريج. . . أرجوك دعني أجفف نفسي.
لم تكد تراه في العتمة فانوار الفندق تلقي بعض النور على الشاطئ الخالي من الناس لكن هذا النور لم يمتد إلى مسافة بعيدة.
لم يأبه بقولها بل راح يجففها بضربات قوية خشنة دفعتها إلى أن تقول, وهي تتمنى أن لا يتوقف, لأنه لم يترك منها جزء إلا و جففه:
-هذا عظيم.
الإثارة التي كانت تولدها حركته فاقت قدرتها على الاحتمال فهي تريد أن تلمسه ايضا. فقالت له:
-والآن شعري. . . أريد أنى أجففه أيضا.
فأعاد إليها المنشفة, فرفعتها لتجفف شعرها. . . و عندما أحست ىبيديه تلامسان خصرها, أجفلت متمنية لو أنها لم تسترجع المنشفة منه. فملمس يديه على بشرتها العارية غدا امرا لا يحتمل.
سقطت المنشفة فوق الرمل, فجذبها إليه حتى أصبحا نصف مستلقين فوقها ثم انسلت ذراعه إلى ما تحتها, ليسند لها ظهرها بيد و يسند رأسها باليد الأخرى ثم انحنى يعانقها بقوة آلمتها و دفعتها إلى الاسترخاء بين ذراعيه.
تنهد البحر و تكسرت أمواجه زاحفة إلى أقدامهما. كان المد يرتفع لكن كاثي الغارقة في بحر عواطفها لم تع ما يحدث فالهلال ارتفع إلى السماء و النجوم لمعت بصفاء. . . و المحيط تتقدم مياهه رويدا رويدا. . . و عما قريب ستغرقهما إن بقيا حيث هما. صاحت به:
-المد. . . المد يا جريج!
جر نفسه مبتعدا لكنه لم يبتعد إلا مسافة قصيرة قصيرة جدا ثم تمتم:
-فليأت و ليحملنا و ليطف بنا إلى البعيد و نحن متعانقان إلى الأبد.
قالت بإلحاح:
-جريج. . . أغراضنا ستبتل. . . و أنا أحس بالبرد.
أحست بالقشعريرة تسري في اوصالها فأعاد إليه ارتجاف جسدها بين ذراعيه رشده.
وقف, ثم جذبها إليه, فسارعت هي إلى التقاط منشفتها قبل أن تصل إليها مياه البحر. ثم ابتعدت لتجفف قدميها و تنتعل حذاءها. وعادا إلى طبيعتهما. . . هو غادرته تلك العاطفة الجامحة وهي لك يعد يدلها على كل ما حدث منذ قليل إلا ارتجاف شفتيها و خفقات قلبها وحرارة جسدها.
ارتدت الروب, ثم سارت نحو الفندق وهو يرافقها و استخدما المصعد, لكنهما لم يتحدثا, مع أن عينيه لم تبرحاها لحظة واحدة.
استدارت إليه وقد وصلا إلى أعتاب غرفتها.
-شكرا على مرافقتك. . . عمت مساء.
تناول المفتاح من يدها ثم فتح الباب لها و أشار إليها بالدخول. تراجعت ثم رفعت يدها فها هو قد تبعها.
-المفتاح ما زال معك!
-سأعيده, عندما أحصل على ما أريد.
أخفضت عينيها لإخفاء مشاعرها المضطربة. . . يجب ألا تكشف له مدى شوقها إلى تسهيل ما يريد, فكل شيء فيها, عقلها عاطفتها قلبها. كان يميل إليه. . .
رفعت نظرها إليه فزعة. هل أدرك ما يجول في خاطرها حتى قبل أن تفكر فيه؟ و لمعت عيناه. فأغمضت عينيها لثوان شاكرة لأنه فشل في معرفة ما تفكر فيه. ولكن أراد هذا أم لم يرده, إنه الآن يمتلك قلبها. . . و حبها. . . قال لها صوت داخلي هادئ:اعترفي بهذا!
امتدت يداه إلى خصرها, و جذبها إليه:
-أنت لم تتفوهي بكلمة, و لكنني أقسم أن هناك الكثير الكثير مما يدور داخل هذا الرأس.
أجابت:
-هذا فقط لأنني أفكر في خير وسيلة للاعتذار منك, و للقول إنني آسفة. . . فأنا لا أقوم بهذا.
أرخى قبضته قليلا وقد بدا عليه التسلية:
-لا تقومين بماذا؟
تصرفه أربكها فأجابت:
-أن. . . أمنح. . . امنح الرجال ما يريدون.
أضاءت وجهه ضحكة. . . فقطبت, وقد حارت كيف يستطيع الضحك في الوقت الذي ترفضه فيه امرأة. رفعت أصابعه وجهها:
-حتى و إن كان ما يطلبونه ابتسامه؟
ضحكت كاثي, فغمرها إحساس بالراحة ممزوجا بخيبة الأمل. ففتح فمه صائحا و كأنه يريد التهامها:
-لقد ضحكت! سألقي القبض على هذه الضحكة.
التفت ذراعاه حول جسدها النحيل, تغلفانها و كأنها مشدودة إليه بفعل ريح هوجاء.
-ماذا ستفعل بالضحكة. . . هل ستعطيها صفحة كاملة من البومك؟
فكر قليلا:
-سأقوم بأفضل من هذا. لأسجلها على شريط, ثم أعيد الاستماع إليه في لحظات وحدتي واضطرابي.
-وحدتك. أحقا ليس لديك زوجة؟
بدا للحظات بعيدا عنها, وكأنه غير موجود في هذا المكان بل في مكان آخر. فقسماته الصارمة أعادت القلق إلى عينيها, لكنه لم تمض إلا هنيهات حتى اعتلت ابتسامة طرفي فمه. فقال وهو يبتعد:
-ليس لدي زوجة. . .
ثم توقف عند الباب ليكمل:
-تصبحين على خير يا كاثي.
فأسرعت راكضة إليه, مصممة على طرح سؤال, حتى وإن كانت قناعتها تقول لها (لا).
-غدا ستكون في العمل على ما أعتقد؟
-لا. . . سأغير عادتي, فأجوب الجزيرة برفقة أنثى.
أحست بخيبة الأمل, حتى كادت تبكي, فاستدارت, وقالت بقدر ما أوتيت من هدوء:
-آه. . . فهمت.
فادارها ثانية إليه:
-لا لم تفهمي. . . فالانثى ستكون أنت.
بدت سعادتها واضحة كنور الشمس إن لم يلاحظها فهو أعمى.
-سأكون جاهزة. . . متى؟
-عند الضحى. . . سأراك في البهو. . . هه؟
فهزت رأسها:
-في البهو إذن.
أحنى رأسه لقبل خدها و يقول بخبث:
-لا يجب أن تظهر عليك السعادة بهذا الشكل الذي يبعث على الاشمئزاز. . . فالرجل صياد, و المرأة هي الصيد. . . ولكن عندما أبدأ بملاحقتك, و تركضين, اركضي إلي.
امتدت يدها تعبث بلحيته, فضربها عليها ممازجا, ثم رفعها إلى فمه. . .
أغمضت كاثي عينيها من تأثير أشعة الشمس لكن ذلك منعها من التمتع برؤية المناظر الخلابة التي كانت تمر بهما اثناء اجتيازهما الطريق فكيف لهذه الجزيرة الاستئثار بفضولها وهي تعلم أن لم يبق لها سوى وقت قصير تمضيه مع هذا الرجل.
قالت و عيناها الزرقاوان حزينتان:
-الكاميرا. . . لقد نسيت الكاميرا! ماذا سأفعل؟
أجاب بسرعة :
-لدي كاميرا. إنها في المقعد الخلفي, اخبريني ماذا تريدين أن تلتقطي من صور ثم أعطيني عنوانك لأرسلها إليك.
وافقت وقد ارتفعت معنويات قلبها للتفكير بأن الارتباط معه لن يتوقف نهائيا . . . ثم علمت أن الفكرة مستحيلة . . . فبعد اليوم, لن تتقاطع حياتهما أبدا.
قررت بعد صمت ان لا تعطيه العنوان. فالانفصال التام هو أفضل لها فما فائدة إطالة العذاب؟
سألته, بعد أن وجدت في نفسها بعض الرضى لقرارها هذا:
-إلى أين نذهب؟
-إلى حيث تقرر السيارة.
راحت تتامل الشواطئ من نافذة السيارة. فلاحظت أنها تبدو فارغة. و أن بعضها مغطى بالرماد البركاني الأسود. بينما أجزاء أخرى تلمع بالرمال الذهبية.
قال لها جريج:
-سنبتعد عن الساحل الآن. . . إلى الداخل.
-تبدو لي الجزيرة أكثر سحرا كلما شاهدتها . . . ثمة اسوداد حيثما نذهب, بدلا من التراب البني الذي نراه في بلادنا.
-هذا الرمل يضعه عادة المزارعون, إنهم ينثرون فوق التربة التي ينثرون فوقها البذار.
-أتعني أن الرماد يساعد على نمو الزرع؟
-إنها قبل أي شيء تحمي الزرع من الريح, ثم إنها تمتص رطوبة الجو و تعطيها للزرع, و هذا هام للغاية لأنه كما ذكرت لك سابقا لا منابع مياه فيها و المطر لا يكاد ينهمر.
-من أين لك كل هذه المعلومات؟
فنظر إليها بسرعة:
-إن عملي يفرض علي معرفة هذه الامور. . . و لكن أي مرشد سياحي يعمل في الجزيرة سيقدم لك هذه المعلومات.
فابتسمت باغراء:
-إذن فأنا لدي مرشد سياحي خاص.
فرد بخشونة:
-لكن أجري مرتفع مع السياح الوقحين.
فابتسمت مرة أخرى.
بدأت البقع الخضراء تنتشر هنا و هناك. ارتقت السيارة بهما حتى وصلا إلى قمة التلة, التي دفعت كاثي إلى أن تصيح بذهول من رؤية البقع الخضراء التي تزين التربة السوداء. فقال جريج:
-هذه حقول الكرمة في جالزيرة. أعرف أن من الصعب التصديق أن الكرمة تنمو هنا, و لكن هذا سببه إخلاص المزارعين لأرضهم.
تابعا سيرهما ليمرا أمام ملاحات حيث كانت مضخات الهواء ترفع المياه من البحر لتصبه في برك واسعة ضحلة. قال لها جريج:
-بعد تبخر المياه, يرفع ما يتبقى من ملح كي يصبح كالأهرامات الضخمة, و هناك كذلك مصانع تكرير للملح. وبما أن قطاع السياحة مزدهر الآن, فهذه صناعة ضرورية.
تغيرت أمامهما معالم الأرض. فشرح لها أن هذه منطقة بركانية. . . شاهدت كاثي بانبهار كيف أن لون الجبال تغير من الأسود إلى الزهر, فالأحمر , و الأخضر, ممتدا إلى مسافات بعيدة. تابع جريج الشرح:
-بعد مسافة قصيرة سنصبح في منطقة جبل النار أي فوهة البركان.
توقفت السيارة قرب أسفل منحدر. فدعاها جريج للنزول و الإحساس بالريح تلفح وجهها. . . ثم توجها لتناول الغداء في مطعم مستدير في إحدى المنتجعات المبنية خصيصا للسياح. . . كان الطعام رائعا, و المياه المعدنية جاهزة على المائدة, إضافة إلى عدة أنواع من عصير الفواكه.
كانت مسرورة لأنها في هذا المكان شعرت بأنها تريد أن تمسك بكل لحظة بين يديها لتعصر كل السعادة التي فيها.
الماضي نام بكل أمان في تفكيرها, أما المستقبل فقد غدا ظلاما. ولا تملك في هذه اللحظة إلا الحاضر الذي تريد أن تعيشه و أن تتنشقه و ترتبط به إلى نهاية العطلة حيث يأتي الفراق.
خرجا ثانية, فالتقط جريج كل صورة طلبتها منه. . . ففي المطعم التقط لها منظر الطبيعة الساحرة في الخارج. كان المنظر يرسم بروعة دغل مقطوع الأغصان يمتد إلى الشاطئ الرمادي.
كان البحر عن بعد أدكن يرتمي على أقدام شواطئه الزبد الأبيض. لم استطع كاثي إلا تأمل هذا المنظر الجميل القريب برهبة و سعادة.
جذبتها ذراع جريج إليه و قال لها هامسا:
-مع أن هذه الأرض جميلة, فهناك ما هو أجمل ينقص هذا اليوم. هل أعرضه عليك؟
ضمها إليه معانقا, و عندما ابتعد أمسكت به و أعادت ضمه إليها ردا على بادرته. أضاءت عيناه, لكنها لم تلبث أن لاحظت أن نورهما قد خبا و حلت مكانه نظرة لم تفهم ماهيتها. . . لكن ذلك لم يجعلها تشعر إلا بأنها لن تكون يوما أشد سعادة مما هي عليه الآن.
قال جريج:
-نحن لم نتصور بعد. . . و لابد من التعويض عن هذا.
مدت إليه يديها في البداية.
رفع كاميرته ليلتقط لها الصورة كما هي, فاحتجت صارخة. ثم دنت منه لتنتزع الكاميرا منه, لكنه اوقفها بحدة. فابتعدت خطوات متالمة من قساوة يديه فضحك.
-تبدين ككلب مشنب الأذنين! لم أقصد النباح لكن هذه القطعة غالية الثمن, و أنت بحاجة إلى أن تتعلمي كيفية استخدامها.
سرعان ما صفا وجهها, فالرجل الذي أصبحت تعرفه الآن, قد عاد إليها. فطالبته:
-أرني كيف.
بعد أن علمها طريقة استخدامها وقفت غير بعيدة عنه ثم وجهت الكاميرا إليه فطالعتها صورة مخيفة لرجل يرتدي بذلة رمادية يحيطه جو من السلطة, تظهر عليه ملامح تظهره و كأنه بعيد المنال. انتزعت الكاميرا بسرعة عن عينيها ونظرت إليه لتطمئن إلى أن الصورة التي شاهدتها كانت وهما من نسج خيالها. . .سألها:
-ما بالك الآن؟
-لا شيء. . .أتريث قليلا كما يفعل الفنانون المحترفون.
ازدادت ابتسامته اتساعا من جوابها, و بقيت متريثة إلى أن بدأت البسمة تتلاشى, عندها ضغطت الزر, لتلتقط الصورة. . . عندما يرسل الصور لها, وهي تعلم أنه سيفي بوعده, ستتمكن من ضم صورته إليها حيث ستضعها قربها على وسادتها حيث تنام.
قاطع تفكيرها معلقا:
-أتمنى أن يكون تأملك إياي قد أوصلني إلى مقاييسك العالية.
تناول منها الكاميرا متابعا:
-اظن أن من واجبي رد التحية لك. و ترك عيني تستكشفك عبر الكاميرا.
-أتمنى . . . لو نلتقط صورة مشتركة لنا معا.
-ليس ذلك بأمر صعب.
التفت فيما حوله فوجد أبا شابا لعائلة صغيرة, فتقدم منه, و تبادل معه بضع كلمات, فهز الرجل رأسه, ثم أخذ يصغي و جريج يشرح له طريقة استخدام الكاميرا, ثم أعطاه إياها بحذر.
اتسم الرجل وهز رأسه محييا كاثي فردت له ابتسامته, ولف جريج ذراعه حول خصرها و همس:
-هيا اظهري أسنانك.
عندما ضحكت, التقط الرجل لهما الصورة فسألهما الوالد الشاب.
-صورة أخرى.
ضغط من جديد على زر الكاميرا فالتقط لهما صورة وهي تريح رأسها على كتف جريج.
فصاحت محتجة:
-لا. . . الغ هذه!
ضحك جريج ثم ادارها ليغمرها بين ذراعيه, و تكتكت الكاميرا ثانية. . .و افترقا, وفتحت فمها لتحتج بقوة أكثر. . . لكنها اكتشفت أن الوالد الشاب لم يكن هو من التقط الصورة. . . بل هو ذلك الرجل الأشقر زميل جريج. . .