المنتدى :
الاسرة والمجتمع
عسل وبصل..!
درست قبل ست سنوات مادة الإحصاء في أمريكا مع فتاة تبغض الزواج. ترتدي
بإسراف (فانلات) مرسوماً عليها وجوه رجال بشعين تعلوهم (علامة إكس).
وتذيل توقيعها، في بريدها الإلكتروني، بعبارة الروائية البريطانية، ماري كوريللي،
الشهيرة:”لا أريد زوجا؛ لأن لدي حيوانات أليفة تؤدي نفس دوره. لدي كلب ينبح
كل صباح، و ببغاء تثرثر طوال الظهر والعصر، وهر يأتي خلسة إلى المنزل في ساعة
متأخرة من الليل”.
وكان أحد زملائي السعوديين أحد أكبر المناهضين لها. يستعرض صور زوجته وأطفاله
المبتسمين أمامها بتبذير نكاية بها ولسان حاله يقول: موتي قهرا!
وكلما استفزها ابن جلدتنا بعثت له رابطا إلكترونيا يحتوي على مشاهد لأسر منكوبة إثر
الزواج، أو أخبارا صحفية تظهر اعتداءات الآباء على ذويهم.
وكان الفصل برمته يتفرج بحماسة على القصف المتبادل. فقد كانت تصلنا نسخ من تلك
الروابط والرسائل كأننا نجلس حول حلبة ملاكمة، نتجرع البيبسي ونهتف مع كل لكمة.
وحينما أرسلت له زميلتنا عبارة الممثل والمخرج الأمريكي وودي ألين:
“لم أشعر أنا وزوجتي بلذة مشتركة إلا عندما وقع القاضي أوراق الطلاق”.
رد عليها بإيميل أرفق فيه صورة ضوئية لبطاقة رومانسية أهدتها له زوجته كتبت
فيها:”عالمي أصبح معك أزكى وأشهى. لا أدري ماذا سأفعل لو لم تكن في حياتي.
سأكون قطعا إما محاصرة في مستشفى المجانين أو أحد أنصار المخرج الفارغ وودي ألين”.
وعندما كتب زميلنا مقالا في نشرة الجامعة يتناول خلالها دور الأزواج في تشييد الأسر الناجحة، ردت
عليه في العدد التالي بمقال طويل استهلته بتصريح ساخر للكوميديان الأمريكي، جاكي ماسون،
يقول فيه:” ثمانون في المئة من الرجال المتزوجين يخونون في أمريكا. والبقية يخونون
في أوروبا”.
وفور أن سألته زميلته اللدودة في الفصل:” كيف تستطيع أن تنام بجوار شخص
يشخر؟”، أجابها بسؤال مباغت:”هل جربتِ أن تتناولي فطورك في الفراش؟ اعتدت أنا
وزوجتي إعداد الفطور لبعضنا البعض”.
استرجعت هذه الحرب الضروس بعد أن جمعنا الفيس بوك Facebook مؤخرا بعد سنوات
من التشرد والشتات. المفاجأة كانت أن زميلتنا العزباء الشهيرة، المناوئة للزواج، تزوجت وأنجبت.
وتعيش حياة سعيدة مع زوجها وطفلها، حسب تعبيرها. في حين أن زميلنا المنافح عن الحياة
الزوجية يعيش حياة أسرية “مضطربة” وفق وصفه. وعندما سألته عن السبب أجاب
مازحا:”أكل الأجبان يوميا يسبب الإمساك”.
قصة زميلتنا وزميلنا أعلاه تؤكد أن الآراء المتطرفة لا تدوم، بل تنهار وتهرم مع مرور الوقت.
فلا الانصراف عن الزواج خيار منطقي وموضوعي، ولا تصوير الحياة الزوجية بالوردية أمر موفق.
معاناة الكثير من المتزوجين والمتزوجات، على حد سواء، تكمن في أنهم كانوا يعتقدون أن الزواج
هو كالاستجمام الدائم على شاطئ مبلل بالفرح والبهجة، مما ينعكس سلبيا على حياتهم عندما يقترن
أحدهم فعليا بشريك العمر، حيث يكتشفان أن الزواج ليس كما كانا يتصورانه. فمنذ أن يغلق الزوجان
الباب عليهما تجتاحهما المسؤوليات شيئا فشيئا لتحل محل المشاعر الرومانسية المتأججة، فيتسرب الملل
ويشيع الإحباط إذا لم يتعاملا بتوازن مع واجباتهما وسعادتهما المشتركة.
المقدم على الحياة الزوجية عليه ألا يفرط في التفاؤل، ولا يدع المسؤوليات والواجبات والأطفال تسرق
حياته وزوجته منه والعكس صحيح.
وإذا أراد أحدهما من الآخر شيئا عليه أن يبادر، فإذا سئم الزوج من تسريحة زوجته أو هيئتها فعليه أن
يبدأ بنفسه أولا، يعتني بهندامه ومظهره، فمن غير اللائق أن ينتقد الرجل لباس زوجته
وهو يرتدي (السروال والفانلة).
الحياة الزوجية ليست كلها عسلا ولا بصلا، لكنها لا تخلو من الاثنين. الفطور لا يكتمل دون عسل، والغداء لا يغوي بلا بصل.
من ايميلى
|