وكأنه كان يعلم ما يحدث بينما هي لا تعلم.
ثم تذكرت فتي الشرفة. آه, رباه. فتي الشرفة ذاك قد ترك تاثيره حقا فيها فهي تراه في كل مكان !.
ابتسم كونراد ببطء. وتساءلت إن كان ذلك لأنه يظن أنها تريده أن يخطبها, أم أنه واثق من أنها لا تريد! وفكرت في أن هذا الغداء لن ينتهي, ولكن, علي الأقل, لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو الآن, لكنها كانت مخطئة في هذا.
حسناً, لم تكن مخطئة كلياً, إذ كان الطعام لذيذاً, وعندما جلسوا, دب شيء من الحيوية في الحديث. لم تكن قد سمعت قط من قبل أباها وهو يتحدث عن وطنه. وأثار هذا فضولها.
لم يتدخل ولي العهد الأمير كثيراً في الحديث, طبعاً, والواقع أن الأمير بدا معظم الوقت وكأنه يتفرج على مهزلة. ولو أبقت فرانسيسكا نظرها علي مضيفيها أو على غطاء المائدة, لما كان عليها أن تقاوم ذلك الدافع الذي كان يحثها أن تضربه, ولما استحال الغداء إلي ما يقرب من الألم.
مساهمة فرانسيسكا في الحديث تطورت من مجرد كلمات إلي الصمت التام, وعبر المائدة كان ولي العهد كونراد يتألق بظرف وبراعة معطياً إياها سبباً آخر لأن تكرهه.
وكانت تدعو الله أن يوفقها إلي الخروج دون تحقير لنفسها, وكادت تفلح في ذلك, كادت
ثم, إذا بها تسمعه عرضاً..
كانت أمها تقول دوماً أن مسترقي السمع لا يسمعون أبداً عن أنفسهم ما يرضيهم, لكن فرانسيسكا لم تقصد قط أن تسترق السمع. فهذا آخر ما تريده في العالم, ولكن فيما كانت خارجة من الحمام وجدت نفسها تدخل من الباب الخطأ الذي ينفذ إلي المطبخ.
كان هناك شخصان يتحدثان, رجل صوته غامض مألوف كاد يجعلها تستدير حول الزاوية لتري من هو.
ثم أدركت أنهما كانا يتجادلان, ومن لهجتهما أدركت, وهي الحساسة بالنسبة للهجات, بأن ذلك كان جدالاً حتى قبل أن تسمع الكلمات, حتى قبل أن تدرك من كان يتحدث.
كانت الجملة هي "كانت ضيفتي وكنت أنت فظاً" وهكذا عرفت شخصية المتكلمة فهي الملكة السابقة انجليكا, كان الاستياء والغضب في صوتها وهي تقول:
_أنت لم تترك لها فرصة.
- فرصة؟ وهل تظنين أنني أجري لها مقابلة لوظيفة هنا؟
- كن عاقلاً يا كونراد.
منتديات ليلاس
إذن ذاك كان صاحب الصوت الآخر, ودهشت فرانسيسكا التي لم تلاحظ مبلغ عمق صوته عندما كان يسخر منها.
ومرة أخرى, تحركت ذاكرتها, أنها تعرف ذلك الصوت بكل تأكيد. وهي لم تربطه بولي العهد الساخر الأمير كونراد بل بشخص آخر.. بشخص تعتبره رجلاً بكل معني الكلمة وليس مشعوذاً ساخراً كالذي كان يغيظها مداعبا طوال فترة الغذاء الفظيعة هذه.
ترددت فرانسيسكا ويدها علي مقبض الباب. كانت تعلم أن من الخطأ أن تستمع دون أن تعلمهم بوجودها, لكن صوته كان مختلفاً بشكل فاجأها.
وقال بجفاء:
_أنا عاقل يا جدتي, لقد أمضيت حياتي كلها عاقلاً, أقوم بعملي, وأدفع ضرائبي, وأساند جاليتي.
وسمعت خبطة يد علي المنضدة وصوت يردد:
_أنا لا أريد أن أكون قرباناً بشرياً.
- لكن جدك يظن أن...
فقال ببرودة:
_جدي يظن نفسه نابليون. حسناً, لن أجعله يعقد اتحاداً سياسياً علي حساب حياتي الخاصة.
جمدت يد فرانسيسكا علي قبضة الباب, ورأت نفسها ترتجف. حسنا, هذا هو جواب اللغز, عرف كونراد ما هي الخطة, وكان جالساً طوال الغداء يحاول تجنب ذلك, ولا بد أنه ظن أنها موافقة علي ذلك وأنها جاءت إلي هنا خصيصاً لكي تجتذبه.
استولي عليها فجأة الشحوب والحرارة والغضب والإحراج... لم تكن تدري أي شعور هو الأقوى.
بدت الملكة السابقة أكثر إنسانية وكانت تقول:
_إنه يحاول أن يقوم بما يعتقده الأفضل.
رق الصوت المخملي العميق:
_اعرف هذا يا جدتي, لكنه لا يستطيع أن يجعل كل شخص يرقص علي أنغامه. وهذه الفكرة عن الزواج هي...غير واقعية.
فقالت الجدة وكأنها علي وشك البكاء:
_آه, رباه, أما زالت سيلفيا....؟.
ارتفعت خبطة أخري عنيفة علي المائدة اهتز لها كل ما يعلوها من أكواب وأوان:
_آه... لا علاقة لهذا بما إذا كنت سأتزوج أم لا.
لم يعد الصوت العميق ناعماً الآن, كان فولاذياً ناطقاً بالسخط:
_فلنوضح ذلك الآن. أنا لن أتزوج أبداً فرانسيسكا هيلير, أبداً. أنا فقير جداً. وهي معدومة الجمال تماماً وبالغة الحساسية وقارصة اللسان جداً.هل فهمت؟.منتديات ليلاس
..........نهاية الفصل الثالث........