شعرت فرانسيسكا بصدمة
وقالت وهي تنظر إلي امرأة ترتدي ثوباً فضيا ذا شرائط علي الكتفين:
(كان علي أن أغير ملابسي).
ضحكت جاز وهي تنظر في إثر المرأة:
(إنها منظمة حفلات, لا تهتمي لذلك, نصف الناس هنا جاءوا مباشرة من أعمالهم مثلنا. والباقون هم المؤلفون المحررون).
ثم شملت فرانسيسكا بنظرة فاحصة هتفت بعدها:
(آه, لا, إنها ليست النظارات الموجودة في صندوق الإسعاف!)
فقالت فرانسيسكا متحدية:
(لم أجد غيرها).
مدت جاز يدها إليها:
(هاتها).
قالت فرانسيسكا :
(لكنني من دونها أشبه بالوطواط الأعمى).
قالت جاز دون عطف:
(سأقرأ لك التعليمات,حاولي أن تحضري شرابا دون أن تصطدمي بالأثاث. هذا كل ما عليك عمله).
قالت محتجة: ( ولكن...).
قالت جاز:
(ليس هناك سيدة أعمال جادة تقوم بالعمل في قاعة كهذه واضعة علي عينيها نظارات مضمدة برباط).
وعندما رأت فرانسيسكا تتمتم متمردة, عادت تقول:
(لا تنسي أنك كرست نفسك للمهنة).
أجابت:
(لكنني ما زلت أفضل أن أري بعيني).
قالت جاز بلهجة باتة:
(لا. فأنت تمثلين مكتبة باز الليلة. وينبغي أن نكون محترمات هادئات, وهذا لا يمكن بنظارات مربوطة برباط)
أذعنت فرانسيسكا وسلمتها النظارات, فتناولت جاز كيساً لامعا؛ (خذي هذه بيانات الدعاية وهدية الحفلة).
قالت فرانسيسكا بأسي:
(علي أن أتعلم الكثير).
وكانت جاز قد بدأت تبحث في محتويات الكيس.
قالت برضى :
(هذا شوكولا..... خذيه. برنامج الحفلة, نحن بحاجة إليه الآن. أي كتب لدينا الآن؟ ( عين موضع الحوت)لا. ( خمسة آلاف سنة من الرفض) قصة تافهة حتما تأليف البروفيسور لا أدري ماذا, لا. ( رماد تذروه الرياح) و ( مؤلفان) لا أحب هذا.... ومع ذلك, يبدو أن الاثنين ممتعان تماماً.فلنرى...)
علمت فرانسيسكا أن لا جدوى من أن تحاول قراءة شيء من دون نظاراتها. وفي مثل هذه القاعة المظلمة ستكون محظوظة جداً إن هي لم تصطدم بشيء, قالت بجفاء:
(سأكون مصدر خطر الليلة).
لكن جاز لم تكن منتبهة إليها وهي تدس في يدها ورقة لامعة وتقول بحماسة وهي تنظر إلي المدخل بلهفة:
(انظري إلي هذا).
نظرت فرانسيسكا... يبدو أن هناك وجها في مكان ما.
قالت:(آسفة).
قالت جاز وهي تمسك بالنشرة بنفاذ صبر:
( إنه بالغ الجاذبية بل أكثر من ذلك بكثير, اسمعي).
وقرأت النشرة بصوت مرتفع:
(كونراد دوميتيو هو أحد أهم علماء الزلازل في عصرنا, لكنه ليس خبيراً في البراكين. وعندما ذهب في بعثة البروفيسور"روي بلاكلاند" إلى "سلامان كاو" , كانت هي مغامرته الأولى إلى فوهة البركان).
قالت فرانسيسكا:
(آه, أرجو ألا يكون كتابا آخرعن البراكين).
فقالت جاز وهي تطالع النشرة:
(اسمعي. هذا هو الجزء الجيد,أما كونراد دوميتيو, فهو أيضا معروف بأنه كونراد ولي عهد مونتاسورو. فهو وريث جده, الملك السابق فليكس البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً, وفيليكس نفسه هرب إلي لندن عن طريق إيطاليا بعد أن أمضي سنوات مراهقته محاربا الغزاة من قلعته دوميتيو الحصينة في الجبال. ويقول فيليكس, الملك السابق دون تردد: ( حفيدي خُلق قائداً). أما جواب كونراد دوميتيو نفسه فهو بسيط, إذ يقول:
(كنت أفعل كل شيء بإرشاد الكتاب لأني كنت جديداً, أما الآخرون فقد كانوا معتادين علي الوضع تماماً. لأنني كنت قد انتهيت لتوي من قراءة كتاب عن ثورة البراكين. ونتيجة لعمله هذا, هناك ستة رجال ما زالوا أحياء اليوم. وهذه هي قصتهم ).
ورفعت بصرها عابسة:
(مونتاسورو؟).
تجاهلت جاز قولها هذا, وهي تقول:
(له جسد أبولو وهو إلي ذلك ينقذ حياة الناس أيضاً....إنه هادئ... أليس كذلك؟).
هزت فرانسيسكا كتفيها:
(أظنه استلم المسؤولية لأنه توقع الناس أن يقفزوا حين يقول لهم, اقفزوا, كيف عرفت أي نوع من الأجساد لديه؟)
فقالت جاز:
(بالنظر إليه. إنه هناك, رجل طويل يرتدي قميصا كحلياً. ربما أنت المرأة الوحيدة التي لم تنتبه إليه لحظة دخولها).
رفعت فرانسيسكا يديها باستسلام: ( حسنا, حسناً... أنا آسفة بشأن النظارات . ماذا أقول غير ذلك؟).
قالت جاز:
(ليس شكله فقط, أريده, أحضريه إلي).
هزت فرانسيسكا رأسها البني الشعر وقالت بحدة:
(أحضريه بنفسك. ماذا تضنينني؟ كلب صيد؟).
فقالت جاز:
(أنت هي المسؤولة عن دفتر الإمضاءات وإلقاء الكلمات المسائية. وهذا هو الموضوع الذي يخصك الآن,أذهبي وقدمي له عرضا لا يستطيع رفضه, هذا الرجل غير عادي, إنه طبق شهي).
قالت فرانسيسكا ضاحكة :
( قسم الأطباق الشهية هو القسم المسؤولة أنت عنه, أما أنا فمسؤولة فقط عن كتب والعلوم المملة , والأهم أنني لا أستطيع رؤية الرجل دون نظارات).
قالت جاز بجفاء:
(هذا يعني إنك لن تضعي يدك عليه).
حاولت فرانسيسكا ألا تجفل وهي تقول بحزم:
(أنت تريدينه, قومي إذن بإغوائه).
ضحكت جاز بصوت عال:
(الناشرون لن يهتموا بالجدد المستقلين أمثالنا, لا شك أنهم سيركزون اهتمامهم علي المكتبات الكبرى).
سألتها فرانسيسكا:
(حسناً, ليس عليه أن ينفذ كل ما يقوله له ناشره أليس كذلك, هل هو رجل أم فأرة؟).
قالت جاز:
(إنه كاتب يريد بيع كتابه, فإذا طلب منه الناشر, أو موظف العلاقات العامة, أن يدهن نفسه باللون الأخضر ويقوم بشعوذات أمام الأطفال, فسيفعل. لن ينظر إلينا! فلا رجاء في ذلك).
لم تكن فرانسيسكا تحب الإلحاح. لكنها ابنة أبيها وهي مثله لا تحب أن يطلب منها القيام بشيء لا فائدة فيه.
أجابتها ساخطة:
(لن ينظر إلينا؟).
أخذت جاز تنظر إليها برضي وفرانسيسكا تلقي بنفسها بين الجموع متجه إلى حيث أمير مونتاسورو. لقد تعلمت في الأشهر الثلاثة التي عملتا فيها أن لا شيء يوقف فرانسيسكا عن ملاحقتها هدفاً.منتديات ليلاس
انطلقت فرانسيسكا في طريقها متفجرة بالحماسة, لكنها لم تكد تخطو ثلاث خطوات حتى بدأت حماستها تخبو. كانت أصغر حجما من أن تخطو بين هذه الجموع وحاولت أن تكبح حافزا كان يدفعها إلي القفز طلبا للهواء.