ساد صمت قصير, وتملكها شعور غريب بأنه يشعر بخيبة الأمل.
لكنه قال بنعومة :
_إذن فقد اتفقنا.
أدركت أنها لا بد أخطأت مرة أخرى!
مشي معها إلي شقتها. كانت السماء صحواً والليل منعشاً والشوارع خالية تقريباً. أمسك بيدها فقفزت وكبحت غريزتها في أن تنزعها من يده... شعرت أنها حمقاء وأنها تحمر من منابت شعرها إلي أخمص قدميها.
حدثت نفسها بعنف بأن تتماسك, وحمدت الله لأن أنوار مصابيح الشارع تسلب كل لون منهما هما الاثنين. فهو, علي الأقل, لن يري لونها القرمزي من الخجل. لكنه يمكنه أن يشعر بتوترها, فلا شيء يخفي ذلك.
قال لها هازلاً, إنما بشيء من التوتر :
_لا تخافي....فأنا لم أقفز علي امرأة في الشارع حتى عندما كنت مراهقاً.
قالت :
_"لست خائفة ".
كان هذا شركا....وكادت تصدق ذلك,لقد حاولت ذلك حقاً, طلبت منه الدخول لتناول القهوة, دعته إلي المطبخ وثرثرت معه وكأنها تعرفه طوال حياتها. أخذت القهوة إلي غرفة الجلوس وتكورت علي الأريكة بعد أن رفست حذاءيها من قدميها, وكأنهما علي علاقة حميمة. لكنها لم تنظر في عينيه, وبقيت بعيدة عنه مسافة.
عند ذلك وقف كونراد يتحدث, وضع كوب القهوة من يده ثم تقدم نحوها إلي الأريكة :
_"فرانسيسكا ".
كانت تتحدث عن جاز ومخططاتها. فسكتت تقول :"نعم؟".
وبلطف بالغ انحنى وأنزل ساقيها علي الأرض ثم جلس علي الأريكة بجانبها :
_"علينا أن نبدأ في مكان ما ".
بدا هادئاً بشكل فظيع,وقالت :"أظن ذلك ".
مد ذراعه علي مسند الأريكة خلفها :
_"هل أنت واثقة من أن قلبك لم يتحطم؟".
حسناً, بإمكانها علي الأقل أن تجيب عن هذا السؤال بصدق. فقالت :
_كل الثقة".
_"وليس لديك علاقة أخرى يجب أن أعرفها؟".
- لا.....لا.
نظر إليها متفحصاً :
_هل تعرضت لصدمة أثناء المراهقة سببت لك عقدة نفسية؟.
ابتلعت ريقها :" لا ".
فابتسم. كان بالقرب منها بحيث شعرت به يبتسم داخل رأسها, وتابع يقول :
_"ولا خوف نفساني من خبراء الزلازل؟ لا ينبغي أن تخافي. أنت تعلمين أننا لا نتسبب بزلازلنا ".
أجفلت لكلامه إلي حد أنها أخذت تضحك, تضحك من قلبها دون خجل أو كبت. تضحك عاليا. وكان هذا مهارة بالغة منه, لأنها كانت تضحك عندما عانقها....
نعم, مهارة بالغة, لكنه علي كل حال, ذو خبرة بالغة. حتى فرانسيسكا, التي كادت مشاعرها تعميها عن كل شيء, أدركت ذلك.منتديات ليلاس
كان ذلك في الطريقة التي أخذها فيها بين ذراعيه بحزم ولكن دون إرغام, وفي الطريقة التي أمال بها رأسها, وبهذا رفع وجهها ولكن دون ضغط علي عنقها. وفوق كل شيء, كان في الطريقة التي أخذها فيها بين ذراعيه, ما يجعلها تشعر وكأنهما اعتادا القيام بذلك منذ الأزل.
والتفتت إليه وكأنها زهرة دوار الشمس عند الفجر, كان عناقا رقيقاً, وكأنهما يقومان بلعبة يعرفان قواعدها, لكن ذلك الجزء من فرانسيسكا الذي كان قادراً علي التفكير, فكر في أنها لا تلعب, لأن معظم كيانها كان يتجاوب مع شيء هو أكثر عمقاً مما تصورت يوماً.
تمتم يسألها :
_"لماذا تضعين نظارات دوماً؟ العدسات اللاصقة...
أحسن ".
كان قلبها مسروراً وكأنها أصبحت فجأة شهرزاد أو مدام دي بومبادور, وقالت بصعوبة :"شكل عيني...".
همس يقاطعها :
"_عينان رائعتان, بلون حلوى التوفي."
فشهقت :
_"لا أستطيع....".
قال مشجعاً :
_"ما الذي لا تستطيعينه يا فرانسيسكا الرائعة الجمال؟".
فقالت :
_"لا أستطيع... لا أستطيع أن أضع عدسات, ماذا تفعل؟".
وتأوهت. ولم يحاول أن يجيب بل ضحك برقة ونزع عن وجهها نظاراتها.
تخلت حتى عن المقاومة, وطوقت عنقه بذراعيها ثم سلمت نفسها للأحاسيس. ولكنها ما لبثت أن قفزت مصدومة.....
انفتحت عيناها علي اتساعهما.... واسعتين قصيرتي النظر, كان بالغ القرب منها, حتى لم تستطع استجلاء ملامحه, وشعرت فجأة بالضعف وبالبرودة أيضاً.
جاهدت لتبتعد, وتتحسس نظاراتها, ولم يدعها تذهب تماماً.
سألها :"ما هذا؟ ".
_"لا أستطيع أن أراك ".
ووضعت نظاراتها علي عينيها, وإذا بها تراه يبتسم, وكانت ابتسامة انتصار.
قال :"ضميني إذن".
ضمته فشعرت بدقات قلبه بطيئة منتظمة. هل هو انتصار؟
ابتعدت عنه وكأن قربه منها أحرقها بحرارته,
وقالت بذعر :
_"ما الذي أفعله؟ ".
ونظرت إلي كونراد ببطء, لكنه لم ير هذه النظرة وهو يقول ببطء :
_"أتبعي قلبك فقط ".
جاهدت للابتعاد عنه :
_"أرجوك. هذه.... ليست طبيعتي. أنا لا...".
لكن فمه الهازل توتر, ولم يعد هناك هزل, إنما عزيمة عنيدة فقط.
أخذ يعانقها بعنف وأطلقت صرخة صغيرة. صدمة؟ احتجاج؟
وهمس :
_"أخبريني بما تريدين".
جعلتها كلماته تستيقظ بعنف من تصوراتها. وعادت إلي الواقع بارتطام بدد كل شيء, وبشبه صرخة, هتفت به:
_"كفي ".
أجفل مثلها, ورفع رأسه :
_"ماذا حدث؟ ماذا فعلت لك؟ ".
أخذت تضربه علي صدره بيدين بمثل ضعف فراشة
الضوء :
_"لم أفكر قط....لم اقصد قط....أنا لست بهذا الشكل.....آه, دعني أذهب ".
تراجع وكأنها طعنته. ثم قفز واقفاً :
_"ماذا حدث؟".
أدارت رأسها بعيداً عنه :
_"أرفض أن أكون ألعوبة أحد ".
لم يكن قولها هذا قريباً من الحقيقة. لكنه يصلح لحالتها الآن, وساد صمت مؤلم. ثم سمعت صوتاً خفيفاً, فأدركت أنه يهم بالانصراف.
_"تريدين مني أن أذهب إذن؟".
شعرت بفكها ينبض توتراً. فالتفتت إليه.....آه,بدا لها مجروح الكرامة للغاية! وصرخ قلبها بألم...لا.لكن فمها
قال :
_"نعم ".
ثم انغلق بحدة كفخ الجرذان ,تراجع خطوة. ولكن قبل أن يذهب نظر إليها طويلاً ورأت نفسها في عينيه مكومة علي الأريكة وعيناها ذاهلتان غير مركزتين رغم أن نظاراتها موجودة.منتديات ليلاس
وقالت بذعر حقيقي :"آه, رباه".
وأجفل كونراد, ثم خرج دون كلمة