ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس علي أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. يمكنكم مناداتي باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .
منتدى ليلاس الثقافي
أعرف أن الكثير أتى يستمع إلي للبحث عن متعة الرعب .. أنا هنا لأخبرهم أن القبور تكتظ بأمثالهم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..
لا رعب في حكاية خيالية ألفها شخص ما أثناء فترة تأمل ... الرعب هو ما تسمعه على لسان صديق ملتاع يحكي لك بعيون متسعة ما حدث معه يوما .
سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. ليس مني لأنني مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم .. هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا .
لدي هنا قصة عن تحضير الأرواح .. دائما يقولون لك أنهم جربوا تحضيرها .. ودائما يخبرونك في فخر أنهم نجحوا في ذلك .. حتى يأخذك الفضول لتجرب .. وها أنا قد جربت .. وإليكم النتيجة .
حكاية تحضير الأرواح
" كثيرون حاولوا تحضيرها ونجحوا...... فلماذا سأفشل أنا ؟ "
الاسم : كيكو جابات
السن : 33 عاما
الحالة الاجتماعية : ميت
المكان : اسطنبول
المهنة : جني
الديانة : كافر
ماعلاقتنا نحن بكل هذا : مجرد مقدمة سخيفة لابد منها
كنا أربعة أطفال .... أنا ( 12 سنة ومخبول تماما وأدعى أحمد ) .. أختي ( 10 سنوات بريئة جدا وتدعى سارة ) .... ابن خالتي ( هشام 11 سنة ويبدو متحمسا ) ... ابنة خالتي ( تدعى نورهان 12 سنة ولا يمكن للكلمات أن تصف جمالها ) ... كنا في تركيا ... المكان الذي عشت فيه طفولتي الغريبة ، في اسطنبول تحديدا حيث تلتقي أوروبا وآسيا معا لقاء عاشقين متيمين .
كنا شلة لا هم لها سوى اللعب من بداية اليوم وحتى نهايته . وعندما يأتي المساء ننام كأفراس النهر منتظرين يوما جديدا نلعب فيه ..... كل يوم هو مغامرة جديدة .... مرة نتسلل لحديقة تلك الفيلا لنسرق ثمار التوت اللذيذة .... ومرة نحاول الإمساك بهذا القط التعس الذي ألقاه حظه في طريقنا ..... مرة ننظم المقالب لسارة لنضحك قليلا ..... لكن اليوم كان أمامنا مغامرة أخرى ..... مغامرة مع كيكو .
في ذات ليلة من ليالي اسطنبول الساحرة جلسنا نتحدث .... أحاديث مملة من أحاديث الأطفال التي لايمكن أبدا أن تنتهي حين قالت نورهان :
- أنا سأذهب غدا للعب مع بتول ... هل ستأتي معي ياسارة ؟
- طبعا سآتي
قلت أنا :
- ومن بتول هذه ؟
- إنها صديقتي الجديدة .
قال هشام مشمئزا :
- لا أحب هذه الفتاة ..... إنها سمجة ولا تحب تاركان – وتاركان هذا هو مغني تركي شهير جدا –
قالت نورهان :
- بتول قالت أنها سترينا شيئا مرعبا جدا في بيتها .... قالت أننا سنحضر كيكو معا .
- كيكو ؟؟؟
- إنه قاتل مأجور كان يعيش في اسطنبول قديما .... يقولون أنه انتحر حزنا على أمه التي قتلها أحدهم .
- ومامعنى أنكم ستحضرون كيكو ؟
- سنحضر روحه ..... سنكلمه ونحاول أن نصادقه .
قلت لها بسرعة :
- أريد أن آتي معكما أنا وهشام .
قال هشام مشمئزا ثانية :
- لا أحب هذه الفتاة يا أحمد .... إنها كاذبة كبيرة ولاتحب تاركان .
- أنا لا أهتم .... يجب أن أذهب معكما .... إذا أردت البقاء هنا فابق ... لكني سأذهب .
وافقت نورهان ..... ووافق هشام أن يأتي معنا بعد أن خشي أن يبدو بمظهر الجبان الوحيد ..... وافق التعس أن يزور بتول .
في الصباح التالي كنا نقف أمام فيلا بتول – التي كانت تعيش في فيلا فخمة جدا في منطقتنا - .... وقفنا نضغط الجرس عدة مرات حتى خرج لنا أخوها – كان اسمه علي – وكنت أعرفه ، لأنه هو فتوة المنطقة بأكملها بسبب عصبيته وضخامة جسده وقوته .... لم يبد سعيدا برويتنا إطلاقا – وعلي هذا لم أره في حياتي مبتسما أبدا –
قال لنا بعنف :
- ماذا تريدون ؟
- بتول
- ليست هنا
قالت نورهان بتحدي :
- أنت كاذب كبير
- هل تجرؤين على إهانتي أيتها الضعيفة .... لن أحتاج لأكثر من ضربة واحدة حتى أزيلك تماما من تركيا بأكملها .
قال هشام :
- علي ... دعك من نورهان .... نعرف أن بتول هنا لأنها دعتنا بنفسها في التليفون الآن ..... فهلا ناديتها ؟
عندئذ سمعنا صوتا أنثويا باردا كصخور الجرانيت ينبعث من سماعة ( الإنتركم ) قائلا :
- نورهان .... هل أتيت ؟ ماذا يؤخرك ؟
قالت نورهان :
- إن علي يضايقني .
تحول علي لفأر مذعور وقال :
- لا تصدقيها يا بتول أنا لم أقترب منها .... إنها تكذب ....
هنا تعجبت .... لماذا يخاف هذا المأفون من أخته هكذا ؟ المفترض أنه فتوة ..... هل هي أضخم منه ؟ ربما .... سنرى كل شيء بعد لحظات .....
دخلنا إلى الفيلا الأنيقة ... لم نستطع منع أنفسنا من النظر والانبهار بحجم هذه الفيلا وفخامتها من الداخل .... كانت قصرا حقيقيا .... أخذنا نتطلع في كل ركن كالبلهاء حتى أتت لنا بتول ..... وهنا رأيتها لأول مرة ... لم أر في حياتي فتاة بمثل هذا الجمال ..... شعر ذهبي ناعم قصير نوعا ..... شفتان رفيعتان توحيان بالقسوة .... عينان خضراوتان لا تستطيع النظر فيهما مباشرة مهما حاولت ....... كنت مفتونا بها إلى حد لم أسمعها وهي تحييني وتسألني من أنا ..... لكنني أفقت فجأة قائلا :
- آآآ أنا أخو ..... أقصد ابن خالة نورهان ....
نظرت في عيني مباشرة وقالت :
- هل أتيت لترى كيكو ؟ .....
هنا حاولت التظاهر بالشجاعة وخرج صوتي ضعيفا مثيرا للشفقة :
- لا أنا لا أخاف من أي شيء أبدا ..
ضحكت كالأفعي ثم دعتنا لنصعد إلى الدور الثاني .......
همس لي هشام :
- مابك ؟ ..... إنها المرة الأولى التي أراك فيها مرتبكا هكذا ....
- لست أدري .... هذه الفتاة ...
- ماذا بها ..... أنا أراها عادية جدا
- لا .... إنها أجمل من نورهان ..... هل رأيت في حياتك فتاة أجمل من نورهان .
- أحمد .... اخرس إنها تنظر إلينا
كانت بتول تنظر لنا بثبات ..... ونظرت في عيني طويلا ثم دعتنا للجلوس على مائدة سفرة جميلة .... واعتذرت أنها ستذهب لتحضر ( الأدوات ) اللازمة ..... ولم تنس أن تنظر إلي نظرة عجيبة قبل أن تستدير وتذهب لحالها .
قالت سارة :
- أين ذهبت ؟
قالت نورهان :
- لقد ذهبت لتحضر الشموع والسكاكين والتفاحة .... كل هذا ضروري في التجربة .
سكاكين ؟ تفاحة ؟ ما هذا الغباء ؟ هل هذه هي الأدوات ؟ وإذا لم تكن هي الأدوات .... فهل سنأكل جميعا تفاحة واحدة ؟ بدأت أشعر بسخف الأمر كله .... لكن لم يكن بيدي سوى الانتظار ..
جاءت بتول أخيرا وهي تحمل طبقا فاخرا عليه خمس سكاكين من نوع سكاكين الفنادق التي لاتصلح لتقطيع أي شيء ..... وكانت هناك تفاحة حمراء جميلة المنظر ..... كانت بتول تبتسم قائلة :
- هل تأخرت عليكم ..... هل افتتقدتموني ؟ ....
كانت ساحرة ..... كأنها التعريف المختصر لكلمة ( جمال ) – بفتح الجيم وليس بكسرها طبعا - ... جلست بتول بأناقة كما تفعل الأميرات ..... وبدأت تتكلم بصوتها البارد :
- إذا كان أحدكم خائفا من الآن ... فيستحسن أن يذهب .... الفرصة أمامكم لأنه لن يستطيع أحدكم الهرب عندما يأتي كيكو .
بدأ الأمر يتخذ نغمة مخيفة ...... كنت أعرف أن الأمر كله مجرد هراء ..... فأنا لا أصدق قصص الأشباح ولا كل هذه الحماقات ..... لكن بتول أكملت :
- سنشعل هذه الشموع السبعة ونطفيء النور ونغلق الستائر السميكة والنوافذ حتى نمنع أي نسمة هواء .... سنضع التفاحة في منتصف الشموع .... وكل واحد منا سيضع سكينا من هذه السكاكين أمامه ..... ثم سأبدأ أنا بالتحضير في هذا الظلام على ضوء الشموع السبعة ...... غير مسموح لأي واحد بالنظر حوله أبدا .... سنركز أنظارنا على الشموع ..... إذا قبل كيكو حضوركم وارتاح لكم سيحضر فورا ... وستكون علامة هذا أن تنطفيء الشموع السبعة دفعة واحدة ....... ثم سيختار كيكو واحدا منا أو أكثر ليخرج خارج الغرفة ... لن يبقى هنا إلا من يعجب كيكو فقط ...... وسنعرف من هو المختار ليخرج بأن تتحرك السكينة التي أمامه وتذهب لتأخذ مكانها بجوار التفاحة هناك .... هل فهمتم ؟ ..... ممنوع الكلام نهائيا والالتفات كذلك .... وكل من يخالف هذا سيموت ميتة شنيعة ...... هل نبدأ ؟
كانت بتول مخيفة ..... مرعبة .... لها صوت مخدر يجعلك لاتسأم من كلامها أبدا .... قامت بتول وأغلقت نوافذ الحجرة جيدا .... وأغلقت الستائر الحمراء السميكة جدا ...... ثم اتجهت إلى زر النور وأغلقته ..... هنا أصبحت الغرفة مظلمة كقلب كافر ..... رأيتها في الظلام تتحرك وتشعل عود ثقاب وتضيء أول شمعة ..... ثم استمرت في إضاءة الشموع حتى وصلت للشمعة الأخيرة ..... كانت تبتسم بتلذذ غريب ..... نظرت إلى سارة أختي على ضوء الشموع فرأيتها خائفة .... يالهذه المسكينة ... مالذي جاء بها معنا ؟ نورهان كذلك كانت قلقة .... نظرت لهشام فرأيته ينظر لي ..... ترى هل يفكر في مغادرة المكان ؟ ..... جلست بتول كأميرة من أميرات العصر السيليولوزي – هل هناك عصر ما بهذا الاسم ؟ – ورأيتها على ضوء الشموع ..... كانت قاسية .... شعرت بهذا .... لكني كنت أعرف أن كل هذا هراء في هراء ...... فلم أخف إلى هذا الحد .
هنا أغمضت بتول عينيها الجميلتين وأخذت تتكلم بصوت هو للهمس أقرب .... كانت تكلم هذا الكيكو ... قالت له أشياء عديدة عن مجموعة الأطفال اللطفاء الذين أتوا إلى هنا بكامل إرادتهم ... وعن روحه الملولة المعذبة التي أتى لها من سيسليها أخيرا ... إذن فنحن هنا من أجل تسلية ذلك المغرور كيكو ..... نحن مضحكي الملك إذن ...... ثم بدأ كلام بتول يتحول إلى الألغاز .... قالت كلاما كثيرة بلغة غير مفهومة ....... ثم سكتت أخيرا وانتظرت ..... دقيقة كاملة من الصمت المطبق تلتها دقيقة أخرى من الصمت المرعب .... لا أستطيع الالتفات خوفا من غضب بتول – وليس كيكو - ..... لم يحدث شيء ..... ظهرت على شفتي ابتسامة انتصار متشف .... يبدو أن الأمر كله مزيف .... كنت أعلم أن الأمر كله سخافة فتاة قررت تمضية وقت فراغها بالتسلية على هؤلاء الحمقي الذين هبطوا عليها من السماء ..... ثم تكلمت بتول مرة أخرى ..... كان صوتها هذه المرة مختلفا ..... لم يكن همسا .... لقد اتخذ طابع الحدة ..... قالت أشياء كثيرة عن أننا مستعدون للحديث معه في أي شيء يريده ومستعدون لتنفيذ جميع طلباته إذا أتى ..... ثم بدأ صوتها يعلو احتجاجا عليه أنه لا يعيرها أدنى اهتمام .... ثم يعلو أكثر حتى تحول إلى صراخ هيستيري ..... قالت له عدة مرات :
- كيكو ..... ألم تفهم بعد ..... إن هؤلاء الأطفال الذين أتيت لك بهم هم أنفسهم الذين قتلوا أمك ..... وهنا انطفأت الشموع السبعة دفعة واحدة وسمعنا صرخة .
كانت صرخة نورهان ..... التي ما إن رأت الشموع تنطفيء حتى انفجر فتيل صبرها ...... وهنا قامت نورهان وسارة من مكانيهما .... وهربتا ... ورأيت هشام يقوم بسرعة .... فقمت أنا الآخر .... وولينا جميعا هاربين ........ تاركين بتول وحدها ...... جرينا وجرينا ...... نزلنا السلم إلى الدور الأول .... واتجهنا إلى الباب .... فتحناه .... وهربنا إلى الشارع ..... كنا نجري بأقصى سرعة .... كنت مرعوبا في الحقيقة ..... لست أدري كيف انطفأت تلك الشموع دفعة واحدة هكذا ..... لابد أن تلك الفتاة شيطانة ...... وأخيرا وصلنا إلى باب شقتنا .... ووقفنا أمامها نلهث ونسترد أنفاسنا.
وقفنا أمام بابنا ننظر إلى بعضنا في صمت ..... وهنا تكلم هشام :
- لماذا صرخت يا نورهان ؟
- ألم تر مارأيت أيها الأحمق .... لقد انطفأت الشموع ...
- إن كيكو يمكن أن يقتلنا الآن
قلت مؤيدا كلامه :
- لقد قالت له أننا نحن الذين قتلنا أمه ..... ثم هربنا نحن .... إذا كان حقا كيكو هذا حقيقي .... فسيعني هذا أننا نعيش اليوم آخر أيامنا ....
صمت الجميع ولم يعلقوا على كلامي ..... لكني كنت خائفا جدا ...... مضى اليوم كله بدون مشاكل .... لكننا مضينا ليلة أسوأ من حظ بطوط .....
وحين جاء اليوم التالي قالت لنا نورهان :
- يجب أن نذهب لبتول مرة أخرى ونعتذر لها عما فعلناه .... لاريب أنها غاضبة جدا الآن ....
وافقتها .... لكن هشام وسارة أبيا أن يأتيا معنا ..... وهكذا ذهبت أنا ونورهان ووقفنا أمام الفيلا الفخمة .... وضغطنا زر الجرس ..... في هذه المرة فتحت لنا بتول بنفسها ..... نظرت لنا بقسوة وقالت :
- أين ذهبتم أمس ؟ .... لقد أغضبتم كيكو أيها الأغبياء عديمي النفع .
قالت نورهان بغضب :
- أنت هي الغبية يا بتول .... كيف تقولين له ماقلتيه وأنت تعلمين أننا ليس لنا دخل بأمه أو بسواها .....
- كان يجب أن أجعله يحضربأي طريقة .....
قلت لها :
- وهل حضر أمس ؟......
قالت بتول :
- نعم .... ولم أستطع أن أفسر موقفي أمامه بعد هروبكم كالجبناء .....ظننت أنك رجل .... لكنك أنت وابن خالتك أثبتتم لي عكس ذلك ...ليس هناك فرق كبير بينكم وبين الفتيات .
ياللإهانة .... هذه الفتاة تهينني ..... أنا لست رجلا ؟ غضبت واتجهت نحوها وضربتها على وجهها أعنف ضربة استطعت أن أخرجها ...... نظرت لي بغل ...... إنها تكرهني ..... عندها استدرت ومشيت خارج فناء الفيلا .... نادت علي نورهان ولحقتني .... ومشت معي خارجا ..... قالت لي بغضب :
- هل أنت غبي ؟.... كيف تضرب صديقتي أيها الأحمق ....
وأمسكت بملابسي وقالت :
- من تظن نفسك ؟ أنت كما قالت هي عنك تماما .
نظرت لها نظرة مخيفة ..... لا أستطيع ضرب نورهان ..... ولي أسبابي الخاصة ...... اعطيتها ظهري وانصرفت في صمت .
عندما جلست مع هشام بعدها في نفس الليلة قال لي كلاما كثيرا عن علي – شقيق بتول – وكيف أنه قوي جدا .... وأنني حكمت على نفسي بالإعدام حينما ضربت أخته التي لم يجرؤ أحد قبلي على الاقتراب منها ..... إذن فقد أغضبت كيكو ..... وأغضبت علي .... وأغضبت بتول ..... يالي من تعس .
الاسم : على أروتشي
السن : 13 سنة
الحالة الاجتماعية : طفل
المكان : اسطنبول
المهنة : فتوة
الديانة : مسلم
ماعلاقتنا نحن بكل هذا : أنني سيتحطم عنقي بعد قليل .
في اليوم التالي كنت أركب دراجة هشام وألهو بها قليلا في سباق مع ولد لم أعرف اسمه إلى الآن ..... كان هناك فتيات كثيرات يلعبن بجانبنا .... وأولاد يجلسون في مكان قريب يتحدثون في أمر ما بحماسة ..... ثم رأيت بتول تأتي من بعيد ..... وخلفها علي ..... كانت تشير إلي قائلة له شيئا ما لابد أنه – حطم وجه هذا الفتى لأنه تجرأ وضربني .. إنه يتحداك ... فلتره من هو علي - ...... توقفت عن اللعب بالدراجة السخيفة التي أنفلت جنزيرها .... وأخذت أنظر لعلي وهو قادم إلي وعلى وجهه أعتى علامات الغضب والثورة ..... شيء ما جعلني أبقى في مكاني ولا أهرب ..... شيء ما لست أعرفه ..... وقفت كالأحمق حتى وصل إلي ......
أمسكني من ملابسي ناظرا إلى عيني مباشرة وصرخ في وجهي :
- كيف جرؤت على ضرب بتول أمس أيها الغبي ... ألم تعرف أنني أنا أخوها .؟
هنا سكت جميع من في المكان .... الأولاد ينظرون لما يحدث وقد وجدوا ما يسليهم أخيرا .... الفتيات ينظرن لي في حسرة وهن يتوقعن ماذا سيحدث بعد لحظات لأنهن يعرفن من هو علي جيدا ..... وهنا انهالت على وجهي ضربة بكف علي القاسية ...... تبعتها واحدة أخرى ..... ثم أخرى وأخرى وأخرى ...... وقعت على الأرض وأنا أشفق على كرامتي أكثر مما أشفق على فكي الذي تحطم .... تركني علي وانصرف بدون كلمة أخرى ... نظرت حولي .. كلما تلتقي عيني بعين ولد أو فتاة يحول وجهه بعيدا عني ...... رأيت يدا ممدودة إلي ..... كان هذا هو الولد الذي كنت أسابقه بالدراجة – ماذا كان اسمه ؟ - .... أمسكت بيده وقمت .... وانصرفت من المكان بدون تعليق آخر.
ونحن ياسادة في قصة رعب هنا ..... لذا اسمحوا لي أن أتجاوز هذا الموقف ..... وألا أحكي لكم كيف استرددت كرامتي ..... ولا كيف عادت صداقتنا مع بتول أقوى من السابق .... ولا كيف أصبح علي صديقي الشخصي حتى الآن .... لن أحكي لكم كل هذا لأنه لا يخدم قصتنا هنا ..... سأقفز لكم بالأحداث مباشرة إلى مابعد هذا بثلاث سنوات أخرى...... إلى كيكو .... كيكو الذي قتلنا أمه .... والذي قد تذكرنا أخيرا بعد مضي هذه السنين .
كانت بتول الآن مختلفة عن السابق كثيرا ...... أصبحت تلعب معنا أكثر ..... ونسينا كل شيء عن أمر كيكو القاتل .... حتى ذكرتنا هي به ذات مرة قائلة :
- هل تذكرون كيكو ؟
قالت سارة :
- كيكو من ؟
قالت نورهان :
- مالذي ذكرك به يا بتول ؟....
قالت بتول :
- لقد زارني أمس .... وهو يريد أن يراكم .... لقد أفهمته أنه لا علاقة لكم بالأمر أبدا ..
أخذنا نتناقش بحرارة بين معارض وموافق ... وكنت أنا أول الموافقين لأني كنت فضوليا ..... كنت أريد أن أرى جنيا ..... ولو لمرة واحدة في حياتي ..... لقد بدأ عندي الإدمان على الجن وحكاياتهم – الذي قرأتم أنني أعاني منه في قصتي الأولى - لذا وافقت على الفور .... وجعلت الجميع يوافق معي على إعادة التجربة الرهيبة .
والآن وفي الليلة التالية هانحن جلوس على نفس المائدة الجميلة في فيلا بتول .... نطالع نفس الشموع ..... ونضع أمامنا نفس السكاكين ..... نظرت إلى وجه بتول الذي صار أجمل بكثير من السابق ..... فوجدتها قد أغمضت عينيها وأخذت تثرثر كثيرا عن هؤلاء الأطفال الذين جاؤوا ليعتذروا لكيكو العظيم عما فعلوه من قبل .... وعن أنها لا تدري من قتل أمه ... لكنه ليس من هؤلاء الحمقى بالتأكيد ....... و ....... سمعنا فرقعة من مكان ما ...... وانطفأت الشموع السبعة مرة واحدة .
ارتجفت ...... أمسك هشام بملابسي مرتجفا ..... نورهان كانت تكتم صرخة... وأختي أغمضت عينيها حتى لاترى شيئا ...... نظرت نحو بتول فوجدتها تردد كلاما لا نهاية له بلغة غريبة ...... ثم تحركت إحدى السكاكين التي على المائدة فجأة ..... نعم أقولها بكل قواي العقلية .... تحركت سكينة من مكانها .... وارتفعت في الهواء ببطء مستفز ثم استقرت بجوار التفاحة .... كانت هذه هي سكينة بتول ...... وكان هذا يعني أن بتول هي المختارة لتغادر الغرفة ....... نظرت لها فوجدتها تتهيأ للانصراف ..... قالت لها نورهان برعب :
- أين تذهبين ؟ لن تتركينا هنا أرجوك .
سمعت صوت بكاء ..... كانت هي أختي التي لم تحتمل كل هذا ...... قالت لنا بتول ألا نخاف لأن كيكو لن يؤذينا وأن علينا أن نكون شجعانا .... لأننا إذا هربنا هذه المرة ... فإنه سيقتلنا واحدا واحدا بلا رحمة ..... قالت هذا واستدارت مغادرة الغرفة ..... فتحت الباب وأغلقته بقوة .... تاركة إيانا مرتعبين نمسك ببعضنا من الخوف ..... ترى ماذا يمكن أن يحدث الآن ؟ ..... فجأة سمعنا صوتا من مكان ما على المائدة .... مثل الصوت الذي تسمعه عند الضغط على عبوة مبيد الحشرات ...... ورأينا دخانا أبيض يخرج بقوة من كوب موضوع على المائدة ...... لم نحتمل أكثر من هذا ..... جرينا بأقصى سرعتنا نحو الباب.... حاولنا فتحه .... لكنه كان مغلقا بالمفتاح من الخارج...... صرخت نورهان برعب مما زاد الأمر سوءا ثم بكت هي وسارة .... أما هشام فلم يتكلم مطلقا .... انعقد لسانه بداخل حلقه تماما ...... وكنت أنا أرتجف كورقة ..... لقد حبسنا هاهنا .... وهي نهايتنا بالتأكيد ...... إن كيكو أخرج بتول من الغرفة ليستفرد بنا وينتقم لأمه .
فجأة انفتحت الأنوار بقوة أغشت أعيننا وسمعنا ضحكة أنثوية ..... وضحكة أخرى كضحكة خنزير بري ..... تأتيان من مكان ما بالغرفة .. نظرنا فرأينا بتول وأخوها علي يضحكان علينا بقسوة وقد دخلا من باب خلفي في نفس الغرفة.
إذن فالأمر كله مجرد خدعة سخيفة منها .....
غضبت نورهان وقالت :
- أيتها الحمقاء .... هل تجدين في هذا نوعا من التسلية ..... لقد كدت أن تقتلينا رعبا ..
قالت بتول متشفية :
- هذا هو الهدف .... أن تموتوا رعبا .... وأنتم لستم أول من أفعل به هذا يا أعزائي .
قلت لها :
- وهل هذا المعتوه الذي بجانبك مشترك معك أيضا ؟
قال علي :
- بالطبع ..... أنا أساسي في الأمر منذ البداية أيها الأحمق .
قال هشام :
- لكن الشموع والدخان ...... والسكينة ..... كيف ....
قاطعته بتول قائلة :
- هل تعرف متجر ( روزا بازاري ) في نهاية هذا الشارع ؟ ..... إنه يبيع العديد من المقالب التي اشتريتها كلها ..... هذه الشموع هي أحد هذه المقالب ..... وهي تنطفئ كلها معا في فرقعة كالتي سمعتموها ...... وهذا الدخان هو من كرة بسيطة مختبئة بداخل ذلك الكوب هناك ...... أما السكينة .... فقد ربطتها بخيط يمسك علي بنهايته ويختبيء في الغرفة منتظرا اللحظة المناسبة التي يحركه فيها ..... ولم تروا هذا الخيط في الظلام طبعا لأنه خيط أسود ..... ثم أخذت تضحك هي وعلي .... يضحكان باستمتاع حقيقي علينا نحن البلهاء الذين صدقنا كل هذا .
لئيمة هي بتول ..... وقاسية ..... تعشق الرعب والمقالب ..... و نحن كلما نتذكر هذه القصة الآن نضحك على أنفسنا كثيرا ...... وهذه هي النهاية أخيرا
[/SIZE][/COLOR][/FONT]