كاتب الموضوع :
Toleen
المنتدى :
رجل المستحيل
تاااااااابع الجزء الثالث..
3- رياح الشك...
كان مدير المخابرات المصرية منهمكا ً في مطالعة بعض التقارير الهامة عندما دلف إلى مكتبة رئيس قسم الشفرة, وقدم إلية ورقة كبيرة وهو يقول في احترام:
- لقد وردت هذه البرقية منذ نصف ساعة من (هامبورج) يا سيدي.
اختطف مدير المخابرات البرقية الكبيرة, وهو يهتف:
- من نصف ساعة ؟!... ولم َ لم تأت ِ إلى مكتبي على الفور؟
أجابه الرجل في هدوء:
- لقد أرسلها العقيد (أدهم صبري), مستخدما ً أعقد شفراتنا السرية يا سيدي, ولقد استغرق الأمر وقتا ً لحل رمزها وإعادة كتابتها.
لم يلق مدير المخابرات بالا ً إلى اعتذار رئيس قسم الشفرة, إذ كانت حواسه كلها قد انهمكت في قراءة البرقية, ولم يلبث وجهه أن اكتسى بالقلق وهو يقول:
- يا إلهي !! إنها تفجر الشكوك في نفسي على نحو ضخم.
سأله رئيس قسم الشفرة في دهشة:
- ولم َ يا سيدي ؟!.... إن العقيد (أدهم) يقول إن ذلك الشاب متجاوب للغاية.
صاح مدير المخابرات وهو يهب من خلف مكتبه:
- أكثر ما يثير الدهشة.اقرأ البرقية مرة أخرى بتمعن, وستفهم ما أعنيه لا بد من تحذير (أدهم).....لابد.
*************
فغرت (منى توفيق) فاها وهي تتطلع إلى (أدهم) في دهشة وتسأله:
- هل فعل (شريف) كل هذا؟!........ إنه موهوب حقا ً.
أطلق (أدهم) ضحكة مرحة وقال:
- نعم يا عزيزتي... لقد دسست في يده ورقة صغيرة بها عنواننا حينما صافحته ولقد تلقاها هو في راحته دون أن تبدو على ملامحه أية تغيرات وظل يتحدث في هدوء, حتى عندما أراد (إيزاك) أن يصافحه دس الورقة في جيب سرواله في بساطة إنه يجيد قواعد اللعبة كالمحترفين.
زوت (منى) حاجبيها الرفيعين وقالت:
- ألا يبدو هذا مثير للشك ؟
صمت (أدهم) لحظة ثم قال:
- ربما بدا كذلك يا عزيزتي ولكنني أثق في شريف هذا.
سألته في لهجة خرجت – على الرغم منها – محتدة:
- أثق فيه هكذا ؟!.......دون دليل واحد؟؟
دس (أدهم) كفيه في جيبي سرواله ورفع رأسه إلى أعلى صامتا ً بضع لحظات, ثم عاد ينظر إليها قائلا ً:
- إنها لعبة الشطرنج يا عزيزتي... فقلد وصل (شريف) إلى هنا منذ ثلاثة أيام فقط, وقام (إيزاك) بتنجيده منذ يوم واحد, وعلى الفور وعلى الفور قام( شريف) بإبلاغ السفارة المصرية وطبقا ً لقواعد الشطرنج يضعنا هذا أمام احتمالات ثلاث.
صمت لحظة ثم استطرد:
- إما إن يكون(إيزاك) قد نجح في تنجيد (شريف) ودفعه إلى تمثيل هذه المحاولة للاتصال بالمخابرات المصرية بهدف أن يصبح عميلا ً مزدوجا ً, أو أن يكون (شريف) صادقا ً في كل كلمة نطقها.
عاد (أدهم) إلى صمته بضع لحظات ثم أردف:
- والاحتمال الثالث هو أن يكون (شريف) عميل سابق(للموساد) تم تجنيده منذ زمن طويل, ودرب تدريبا ً رائعاً حتى يمكنه القيام بهذا الدور المعقد.
سألته (منى)في حدة:
- وأيهما أقرب إلى تصورك؟
أجابها دون أن يزايله هدوءه:
- إنني أفترض الاحتمال الأول يا(منى) فلا يمكن إقناع رجل تم تجنيده منذ يوم واحد بكل هذا القدر من المخاطرة, خاصة وأنه يخاطر بحياته..... كما أنه حينئذ لن يكون قد اكتسب كل هذه المهارة....... والاحتمال الثالث يبدو بعيدا ً عن التصور فهو يعني أن مخابراتنا كانت في غفلة طوال الوقت ولكن مقبول أيضا ً.
عاد (أدهم ) إلى صمته وقتا ً طويلا ً وبدا و كأنه يحاول اتخاذ قرار ما ولكن أساريره لم تلبث أن لانت وهو يقول في هدوء:
- ولكن لم َ نتعجل يا عزيزتي ؟
وقبل أن يتم عبارته ارتفعت دقات ثلاث منتظمة على باب الغرفة, فتوجه نحوه وهو يبتسم في هدوء قائلا ً:
- لقد وصل (شريف) يا عزيزتي في موعده تماما ً وحانت لحظة نقل القطعة الثانية من الشطرنج.
تناول (شريف) كوب الشاي من يد (منى) بطريقة تنم عن حسن الذوق ورشف منه رشفة, ثم غمغم مبتسماً:
- ياله من إحساس رائع أن يتناول الإنسان كوبا ً من الشاي, معدا ً بالطريقة المصرية في قلب دنيا (ألمانيا ) !!
سألته (منى) فجأة:
- كيف وصلت إلى هنا؟
ابتسم شريف في هدوء وهو يقول:
- بالطريق المباشر يا سيدتي لقد ركبت سيارة وطلبت من السائق أن يصل بي إلى هنا.
ظهر الغضب في صوت (منى) وهي تقول:
- أي أنك خرقت كل وسائل الأمن المعروفة كان ينبغي أن تراوغ طويلا ً قبل أن تصل إلى هنا... ماذا لو أن أحدهم يتبعك؟
نظر إليها (شريف) في حيرة ورفع عينيه إلى (أدهم) متسائلا ً, فابتسم (أدهم) وقال في هدوء:
- لا تدع الحيرة تتملكك إلى هذا الحد يا صديقي إن (منى) أكاديمية إلى حد كبير.
صاحت (منى) في حدة:
- ماذا تقول يا (أدهم) ؟
- أنا الذي طلبت منه أن يتبع هذا الأسلوب يا (منى), فالمراوغة ستشير إلى أنه يعلم كونه متبوعا ً وأنه يهرب من هذه المتابعة إنها لعبة المحترفين يا عزيزتي.
قالت في ضيق: - وكيف يبرر حضوره إلى هنا؟
أسرع )(شريف) يجيبها:
- دعوة لتناول العشاء يا سيدتي إنها خطوة مباشرة تجعل الخصم يتردد طويلا هذا هو الأسلوب الذي ربحت فيه مباراة الشطرنج هذا الصباح.
سقطت (منى) عل أقرب مقعد, وأشاحت بوجهها وهي تقول في ضيق:
- لست أفهم شيئا ً في لعبة الشطرنج هذه.
ابتسم (أدهم) في سخرية على حين ظلت ملامح (شريف) تعبر عن حيرته البالغة إلى أن قال (أدهم):
- والآن يا عزيزي (شريف)........ دعنا من كل هذه المناظر الكلامية ولنبدأ معا ً الدرس الأول في لعبة المحترفين.
اضطجع (إيزاك) في مقعده يتأمل الرجل الواقف أمامه وقد عقد أصابع كفيه أمام وجهه وظل صامتا ص لحظات ثم سأله:
- إذن........ فقد ذهب إلى هناك مباشرة ولم يراوغك مطلقا ً يا (هيرمان)؟
هز (هيرمان) رأسه نفيا ً وقال:
- مطلقا ً يا سيد (إيزاك) لقد كان يتصرف بعفوية مدهشة.
قطب (إيزاك) جبينه, وقال:
- هذا ما يثير في نفسي الشكوك يا ( هيرمان).... فليس هكذا يتصرف شاب يعلم أنه يخون بلاده.
ثم نهض من مقعده وتحرك داخل الغرفة في قلق قبل أن يردف:
- لقد راقبته وهو يلعب مباراته الأخيرة هذا الصباح.... لقد كان هادئا ً متماسكا ً إلى حد يثير الدهشة إنه يثير في نفسي شكوكا ً رهيبة فهو إما أن يكون موهوبا ص في مجال التجسس إلى نحو يصنع منه أعظم جاسوس في القرن العشرين أو انه عميل للمخابرات المصيرية.
عقد (هيرمان ) حاجبيه مفكرا ً ثم قال:
- لقد سعيت أنت إليه يا سيدي ولم يسع هو إليك وهذا لا يتفق مع كونه عميلا ً للمخابرات المصرية.
غمغم (إيزاك) في لهجة تنم عن تزايد شكوكه:
- من يدري يا (هيرمان) ؟.........من يدري؟
لم يكد (إيزاك) ينتهي من عبارته حتى ارتفع رنين الهاتف فاختطف سماعته بسرعة, ووضعها على أذنه قائلا ً:
- هنا هر ( فريدريش), من المتحدث؟
أجابه صوت( شريف) يقول:
- إنه أنا يا سيد (إيزاك) (شريف صالح) إنني أحمل لك مفاجأة, هل تعلم من هو السيد ( أحمد صادق)؟
إنه ضابط مخابرات مصري يدعى ( أدهم صبري)!!!
|