كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
1-خنجر في كريت
............................................................ ...
جلست توني فريمان الى طاولتها المعتادة في ملهى تافيرنا تنظر الى الراقصين وتنتظر تقديم الغداء وفيما عدا اندرولا التي كانت تساعد والدها على ادارة المطعم ..كانت توني المرأة الوحيدة هناك.
وعادت الذاكرة بها الى الماضي ... منتدى ليلاس وتذكرت صديقتها منذ عامين حين كانتا تقضيان عطلة في اليونان تقول: إنني أكره الجلوس في مثل هذه المقاهي ...ألمح على وجه كل رجل علامات الرجاء والرغبة!.
يومها ضحكت توني وهي تسمع صديقتها تضيف :إذا كان هؤلاء الرجال يودون فعلاً إمتاع عيونهم بجمال المرأة فلماذا لا يصطحبون زوجاتهم معهم؟
وبعد ذلك بعام واحد اشتاقت توني إلى زيارة اليونان مرة ثانية , وكانت قد تقدمت بطلب للحصول على وظيفة في كريت حيث يقيم عمها-الذي تزوج بفتاة يونانية بعد الحرب-واستقر هناك....وكان صاحب الفندق الذي تعمل فيه يحاول دائما إغوائها والخروج معها,الا انه من حسن حظها انها وجدت بعد فترة قصيرة في صاحب شركة سياحية رجلاً أقل ميلا الى الغزل...وكان هذا العمل الجديد فرصة مناسبة لتستغل اللغتين اللتين تعرفهما جيدا الأنكليزية واليونانية.
وقد ألفت توني الآن الرجال الذين يترددون على مقهى بافلوس والذين كانوا يشركونها دائما في مناقشاتهم بعدما سرتهم معرفتها بلغتهم.
وبمجرد ان ظهرت اندرولا تحمل غداء توني –جلس شاب كريتي الى مائدتها فردت عليه تحيته وهي تبتسم.
وقال ملاحظا:
السمك البربوني يبدو طيبا – أعتقد انني سأختار الغداء
منه ..."
ووضع الشاب جريدته على المائدة وكانت تحمل عنوانا كبيرا لفت نظر توني ...وانطلق الشاب الكريتي يقول في لامبالاة:
"لقد شاهدت هذا الحادث..."
واتسعت عيناها في فزع وهي تقول:
"رأيته فعلا ...ياله من حادث مروّع"
"كان الحادث أخذا بالثأر – لقد دخل الرجل الى المقهى الذي كنت جالسا فيه وأغمد السكين في ظهر الشاب...وانتهى الأمر كله في ثوان.."
وارتعدت فرائص توني , كانت قد أصيبت بالذهول عندما سمعت لأول مرة بحادث ثأر , ودهشت كيف تستمر هذه العادة الوحشية في بلد كاليونان لكن هذه العادة منتدى ليلاس بقيت فقط في ماني , وكريت...وبرغم ان القضاة المستشارين مصممون على قمعها الا انه يتعين عليهم ان يتصرفوا بحذر شديد عند معالجة مثل هذه العادة القديمة الراسخة , ومع ذلك فان هناك أحكاما تصدر الآن بينما جاء وقت كانت فيه عملية الأخذ بالثأر مقبولة وان القتلة يطلق سراحهم.
والتقطت عيناها بسرعة السطور التي تلت عنوان الصحيفة وقرأت : علم غلافكوس اخيرا انه منذ عشرين عاما كان جد الشاب قد قتل أحد أقاربه ...وعندئذ صمم غلافكوس على الأنتقام , لأنه حسب العادة لابد ان تسيل الدماء.
ودمدمت توني :
" إن ما يحدث ليس فيه شئ من المدنية يا سافاس , فلماذا تبقون على هذه العادة ؟"
وهز كتفيه قائلا:
"ان كثيرين منا لا يعتقدون ان ذلك صواب ...لكنه من سوء الحظ ان هناك ايضا من يؤمنون بأخذ الثأر ... وخاصة المسنين الذين لا يزالون يتمسكون بالتقاليد, ولذلك فإن هذه العادة ما زالت قوية في كثير من القرى"
"لا أصدق ان مثل هذه العادة لا يمكن رفضها فورا , ان اليونان برغم كل شئ هي البلد الذي يرتبط في ذهن المرء ببدايات المدنية الغربية ومع ذلك فإن هذه العادة بدائية تماما.
وصفق سافاس بيديه كما يفعل اليونانيين محاولا لفت نظر اندرولا , كانت تحاول اخذ طلبين مرة واحدة ومالت برأسها في حركة اعتذار لأنها جعلت سافاس ينتظر .
وأضاف سافاس :
"من الواضح انها أثر من آثار الوثنية ...ربما كنا على قدر كبير من المدنية والثقافة , ولكن لا تنسي اننا كنا نعبد الأوثان.."
وقطبت توني جبينها وهي لا تزال غير قادرة على تقبل ان هناك رجلا يمكن ان ينظر الى القتل على اعتبار انه واجب .
وتطلعت الى الراقصين الذين هم كانوا يؤدون رقصة البدوزاليس , وهي رقصة الحرب , كان يؤديها في الأصل العسكريون وأخذت ترقب الراقصين مبهورة .فلا شك ان هناك مناسبات تتكشف فيها وثنية اليونان القديمة.
وضحك سافاس من تعبيرات وجهها , وقال :
"مثل هذا الوجه الجميل ينبغي ألا يتجهم أبدا"
ولم تعبأ توني بهذا الإطراء , فلم تقابل أبدا يونانيا لا يتقن الغزل والمداهنة ,وقالت وهي تمسك بقطعة السمك في صحنها :
"أفكاري هي التي تجعلني مكتئبة ... ولو كنت قاضية هنا , لأصدرت أحكاما طويلة بالسجن , ان هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على عادة الثأر الرهيبة.
"ولكن لماذا يحكم على شخص بعقوبة صارمة بالسجن عندما تكون أسرته هي التي أرسلته لتنفيذ القتل ؟ وعندما يكون هو على يقين انه ينفذ واجبه؟"
واعترفت توني في تردد بعد تفكير :
"افهم هذا الى حد ما لكنه واضح ان هذه العادة يجب ان يقضى عليها"
"سيمضي وقت طويل , ألا تعرفين ان هناك من يعتقد بضرورة تنفيذ الإنتقام حتى لو كان القتل قد حدث بدون عمد...."
ونظرت اليه في استنكار وهي تقول :
"لابد انهم متعصبون اذن!"
ورد سافاس :
"من يعتقد في مثل هذه العادة لابد ان يكون متعصبا "
كانت توني لا تزال تفكر فيما قاله سافاس وهي تغادر المقهى ولم تكن تدري انها ستكون بعد قليل متورطة في عادة الأخذ بالثأر البدائية في كريت... بعد ثلاثة أسابيع على ذلك , اقترب منها رجل – اثر اغلاقها المتجر الذي تعمل فيه واتجهت الى سيارتها – وطلب منها ان تنقله الى منزله وهي في طريق عودتها , كان يونانيا , وبعد ان استفسرت منه عن وجهته , ابتسمت له وفتح باب سيارتها , وبرغم انه كان عليها ان تخرج عن عادتها وافقت على إصطحابه معها لأنه كان رجلا مسنا جدا...
وسألها:
" هل تعملين في وكالة بثرو السياحية؟"
وابتسمت وهي تقول :
"نعم"
حتى في مدينة هيراكليون الكبيرة كان كل شخص يتدخل في شؤون غيره. وسألها:
"هل تعجبك هذه الجزيرة؟"
"تعجبني جدا في الواقع"
"حفيدي يعيش في رودوس, انها جزيرة جميلة ايضا , هل ذهبت الى هناك؟"
وهدأت توني سرعة سيارتها عند اشارة المرور , ثم عادت الى السرعة وسألت الكهل قائلة:
"كلا... ولكن هل تقيم في هيراكليون بصفة دائمة؟"
وأخذت تتطلع الى الرداء الوطني الذي يلبسه ,الشباب هنا لايرتدون أبدا هذا الزي هذه الأيام .
المسنين من الرجال يعتبرونه اكثر راحة من البنطلون .
"انا اسكن في قرية بعيدة هنا بعيدة جدا, يمكن ان تقولي انها معزولة تماما عن المدينة"
"وهل تعجبك الإقامة في هيراكليون؟"
"اعتدت عليها الآن"
واستمر الحديث بينهما حول هذه الموضوعات العابر الى ان وصلا الى البيت الصغير المكعب الشكل .
"ألا تتناولين مشروبا منعشا معي؟"
هذا السؤال توقعته توني وقبلت الدعوة برغم العمل الكثير وكتابة الرسائل التي تنتظرها .
لكن كرم الضيافة اليوناني الذي يتسم بالتلقائية والأخلاص لا يجب رفضه أبدا.
فقالت:
"أشكرك جدا , هل وقفة السيارة مناسبة ؟"
"تقدمي بها مسافة أخرى الى الأمام ثم أطفئي أضوائها , وتقدمها وهما يصعدان السلم وفتح الباب وطلب اليها ان تدخل الى غرفة الجلوس حتى يفرغ من اعداد المشروبات وقالت توني وهي تتجول في الغرفة :
"انت تعيش بمفردك هنا؟"
"بمفردي تماما , توفيت زوجتي , وتزوج كل ابنائي"
|