المنتدى :
المنتدى الاسلامي
النية
نية الإنسان تؤثر في عمله، وتتحكم فيه، إن كانت حسنة جاءت بالحسن، وإن كانت سيئة جاءت بالنتيجة السيئة، تؤدي دورها في هذا الاتجاه، وتديم سيرها فيه، فلا يكاد صاحب نية حسنة يخفق، ولا صاحب نية سيئة يصيب، ولو راقب أحدنا تصرفه في ضوء ما ينوي، وفي ظلال ما يخبئ، لوجد مصداق هذا القول في أعمال الإنسان، صغرت أو كبرت، حتى في تصرفاته يوماً بعد يوم، مع أهله وولده، ومع أصدقائه ومعارفه، ومع من يتعامل معهم اجتماعياً، أو تجارياً، وما على الإنسان إلا أن يراقب هذا الأمر مراقبة دقيقة، وأن يتحرى في هذا الجانب بتبصر ويتدبر، وسيرى مدى صدق هذا القول: «إنما الأعمال بالنيات».
بعض الناس يعمل عملاً يريد به وجه الله، وينفع به من يستحق النفع، يعلن عن هذا أو يبطن، فينير له الله الطريق، ويفتح له أبواب النجاح، وتأتي النتائج كما أمّل، بل قد تأتي على وجه خير مما أمّل، ولو لم ينجح في اتخاذ الأسباب، ولكن بقي مبيتاً النية الحسنة، فإن ثوابه عند الله محفوظ، فإن نوى أن يساعد وجهد في هذا، ولكنه أخفق في أن يهيئ الوسيلة، فإن الله لا يتركه خائباً، ولابد أن يأتيه ثواب نيته، فيرزق من حيث لا يحتسب.
أما من يعمل عملاً يريد به السمعة عند الناس، وارتفاع مقامه بينهم، فإن الله يكله إلى نفسه، ومن وكله الله إلى نفسه في قضاء أمر فقد خاب، وعاد بخفّي حنين، حتى لو كسب إعلاماً، وربح شهرة، فإنه لا يعد رابحاً أو كاسباً، خاصة إذا وزن هذا بميزان النية لوجه الله، وما تأتي به من خير عميم.
وفي القصة التالية نموذج للنية السيئة، والإضمار الخبيث، فقد ارتد السهم فيه على الرامي، وخاب الرامي خيبة، لعله تمنى أن الأرض ابتلعته، فقد ظن أنه عالٍ، فوقع على باقعة، كسرت أضلاع عُلوّه، وأركسته إلى الأرض، نسأل الله العافية.
«قال الزبير بن بكار:
لما ولي عبدالعزيز بن الوليد بن عبدالملك دمشق، ولم يكن في بني أمية أكبَّ منه في حداثة سنة، قال أهل دمشق: هذا غلام شاب ولا علم له بالأمور، وسيسمع منا، فقام إليه رجل فقال:
أصلح الله الأمير عندي نصيحة.
قال له: ليت شعري ما هذه النصيحة التي ابتدأتني بها من غير يد سبقت مني إليك؟!
قال: لي جار متخلف عن ثغره.
فقال: ما اتّقيت الله، ولا أكرمت أميرك، ولا حفظت جوارك، إن شئت نظرنا فيما تقول، فإن كنت صادقاً لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أقلناك.
قال: أقلني، أصلح الله الأمير.
قال: اذهب حيث لا صحبك الله، إني أراك شر جيلٍ رجلا.
ثم قال: يا أهل دمشق، أما أعظمتم ما جاء به هذا الفاسق، إن السعاية أحسب منه سجية، ولولا أنه لا ينبغي للوالي أن يُعاقب قبل أن يُعاتب، كان لي في ذلك رأي، فلا يأتيني أحد منكم بسعاية على أحد بشيء، فإن الصادق فيها فاسق، والكاذب فيها بهَّات».
فقال الراوي: فحدثتُ بهذا الحديث عبدالله بن داوود، فقال:
ما أشبه هذا الكلام بكلام عمر بن عبدالعزيز!
فقلت: عمر بن عبدالعزيز خاله.
(الأخبار الموفقيات، للزبير بن بكار ص: 292)
مما قرأت وأعجبني
|