السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا صباح البركة والخير على كل القلوب الطاهرة
اشتقت لكم كثير كثير بلا قياس
بشروني منكم عسى مبسوطين في العطلة؟؟
.
.
ما تخيلون والله العظيم سعادتي فيكم
وسعادتي بكل رد انكتب وكل شعور وكل تعليق
بس عاد مهوب تصيرون وجه الضيف.. نشوفكم مرة وحدة وعقبه تختفون
الله لا يحرمني من دفء أنامل كل من كتب وتعب نفسه
.
.
عدنا والعود أحمد.. وادري بنات كثير يقولون أني تأخرت وعاتبوا عتب جامد لدرجة الاتهام بالتقصير وإخلاف المواعيد وتقطيع الرواية.. واتهامات أقرب للتشفي بعد
وعلى فكرة تراني والله مازعلت من أي عتب.. وعتبكم كله على رأسي
لكن اللي صار يا نبضات القلب أني عمري ما أخلفت موعد
قلت بأرجع خلال أسبوعين ثلاثة واليوم تميت ثلاث أسابيع
(حنين الذكرى لها نجمة توقعت البارت يوم الخميس واليوم الخميس)
وخلكم حقانيين لأنه فعلا يا نبضات القلب ترا عدا هذي الثلاثة أسابيع ومرة وحدة غبت أسبوعين
عمري ماغبت أكثر من أسبوع واحد.. حتى مرت قلت بأغيب أسبوعين وماغبت إلا أسبوع
وحتى لو مرة أخلفت وتأخرت مايشفع لي يا نبضات القلب أني صار لي معكم سنتين وروايتين وعمري ما أخلفت موعد
ماراح تدرون لأختكم عذر يعني؟!!
تدرون بنات قلتها قبل والله العظيم لو كنت أدري بالظروف اللي صارت في هذه الرواية إنها بتصير.. ماكنت نزلتها أبد.. أعوذ بالله من (لو)
قدر الله وماشاء فعل..
تدرون بنات إنه مع ذا كله مرة انضرب الجهاز عندي وفيه ثلاث بارتات جديدة.. وعقبها ضاع فلاش عليه أربع بارتات..
تأزمت لأني أتعب جد في الكتابة.. وتضايقت ووسوست لأني قلت يمكن ربي مايبني أكمل.. وصليت استخارة كم مرة..
ويمكن هذا سبب من الأسباب الكثيرة اللي خلتني أبطأ في هذه الرواية
عدا أنه الرواية هذي طويلة وأعمق مثل ماقلت لكم قبل.. لكن لنا إن شاء أيضا فيها طريق طويل من متعة واختلاف
وأنا لحد الحين ولله الحمد والمنة عمري ما أخلفت موعد..
يبي لي مرة أخلف وأشوف بتدورون لي عذر وإلا لا :)
.
.
حمل عفراء
أنا بغيته كذا وبذا الصورة وبدون تبرير
لأن فيه حقيقة وحدة تقول "قدرة رب العالمين فوق كل شيء" بدون تفسيرات علمية أو طبية مالها معنى أمام قدرته عز وجل
وفي الحياة آلاف القصص الحقيقية اللي تدل على معجزاته اللي عجز عنها الأطباء
أما أن منصور يشك إن الولد منه.. فهذي فكرة ماخطرت ببالي
لأني لو سويتها معناها أني أهدم حياتهم من أساسها مهوب أسوي أكشن بس :)
وبعدين شخصية منصور ما توحي بكذا أبد
على فكرة بنات (قلتها قبل بس في أسى الهجران وأدري أنها معلومة معروفة جدا بس ماعليه اسمحوا لي نعيدها)
صحيح عفراء اكتشفت الحمل بعد 3 أسابيع بس تراها تكون في الشهر الثاني
أشلون؟؟
لأنه الحمل ينحسب من أول يوم لآخر دورة قبل الحمل.. معناتها الحين إنها الحين تخلص الأسبوع الخامس وتدخل في السادس بما أن آخر دورة كانت قبل زواجها بأسبوعين
.
.
الحين مع الجزء الخامس والثلاثين
ونكمل بالضبط من أخر ما وقفنا عنده البارت اللي فات
كنا في ثاني يوم بعد رجعة عبدالله من أمريكا ورجعة منصور من عند جميلة
ومزون اتصلت لمنصور وباركت له في حمل خالتها
صالح كان مودي عياله للألعاب بعد ماصار شد بينه وبين نجلا
وأم صالح كانت مسوية ريوق لوحدة والده ورجعت وتمددت
وعالية عرفت عن عبدالله بس مابعد شافته
وجوزا انهارت لما عرفت برجعة عبدالله وبعدها طلبت من عبدالرحمن يطلب من امهاب يطلقها
ويالله نكمل
وموعدنا الجاي يوم الأحد الساعة 9 ونص الصبح
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الخامس والثلاثون
لم يشعر في حياته كلها بصداع كما يشعر اليوم.. وفي هذه اللحظة بالذات.. رأسه سينفجر من قوة نبض العروق..
يوقف سيارته جانبا.. ليضغط على جانبي رأسه.. ويحرر عنقه من جيبه المغلق وهو يفتح أزرته العلوية
منذ أنهى اتصاله مع مزون.. وهو في حالة انعدام وزن.. كما لو كان انفصل عن الكون كله ويحلق في العدم... وقدماه لا تلمسان الأرض حتى
ومشاعره غاية في التبلد.. عاجز عن التصديق أو حتى مجرد التصور..
" حامل..
حـــامـــــل
مستحيل.. مـــســتــحــيــل..
أكيد مزون فاهمة الموضوع غلط..
أكيد فهمت السالفة كلها غلط
أنا إنسان مؤمن ..مافيه شيء بعيد على ربي..
ومزون تقول إنها راحت معها بنفسها للفحص..
معقولة.. معقولة.. رأسي بينفجر
بس.. بس
بس ليش لو كانت حامل أعرف الخبر من مزون؟؟
ليش مهوب منها..؟؟
ليش تخلي خبر خاص فينا مثل هذا يوصلني من غيرها؟؟
ليه؟؟..
.
بس.. البارحة كانت تبي تقول شيء.. بس أنا ماخليتها
كانت تبي تتكلم بس أنا خنقت كلامها في حلقها"
حينها نظر منصور ليده اليمنى التي وضعتها على بطنها كالملسوع..
وهو يتذكر كمن ضُرب على رأسه كل تلميحاتها البريئة العذبة البارحة..
ويهز رأسه بقوة ويقطب جبينه وهو يشعر بضغط هائل على كل مفاصله.. كما لو أن عظامه ستتفجر من قوة الضغط
" ياقلبي ياعفرا.. وأنا خربت عليها فرحتها كلها
يعني وش كان بيضر لو شاركتها الفرحة بدون ما أكدر عليها
يعني أنت يامنصور ما تعرف إلا المغثة
.
بس صدق حامل..؟؟ معقولة؟؟
معقولة؟؟
سبحان الله ياربي.. ما أعظم قدرتك ورحمتك
معقولة أنا أب وعقب ذا السنين كلها!!
وعقب ما يأست أني ممكن أسمع كلمه يبه.. لين كرهت حتى اني أكون اب
معقولة؟؟"
حينها بدأت ابتسامته تتسع وتتسع دون أن يشعر.. وألم الجسد والصداع يتحوران تدريجيا لإحساس خيالي بخفة في الروح والجسد لم يشعر بمثلهما سابقا أبدا
يشعر كما لو أنه يحلق تحليقا يختلف عن تحليقه قبل دقائق
قبل دقائق كان يحلق إحساسا بالصدمة غير المعقولة
ولكنه الآن يحلق إحساسا بسعادة مختلفة لم يتذوق مثلها أبدا
سعادة لها نكهة مختلفة لم يظن أنها موجودة على وجه الأرض بهذه الصورة الشفافة الموغلة في العذوبة والدفء
كانت هذه هي مشاعره التي انتفضت من تحت الرماد وهو يشغل سيارته ثم يغير اتجاهها لاتجاه آخر غير البيت..
وسعادة عميقة جدا ومختلفة جدا تتسلل إلى روحه بتمكن غامر..
"طـــفــــل ؟!!ومن عفراء؟!!.."
أي سعادة كان يخبئها له هذا الصباح المختلف؟؟
.
.
.
بعد ساعة
يفتح باب غرفته بهدوء وهو يحمل كيسا غاية في الفخامة في يده
فمناسبة كهذه لا يمكن أن تمر دون هدية لآسرة قلبه..
رغم أن كل هدايا الكون لا يمكن أن تعبر عن إحساسه بالسعادة والاختلاف الذي يزداد عمقا بتمكن في كل دقيقة تمر
تفاجأ منصور أن الغرفة مازالت تغرق في ظلام خافت من جراء الستائر الداكنة المسدلة
شعر بانقباض في قلبه وعيناه تبحثان عنها..
كانت هناك.. ارتعاشها واضح تحت الغطاء..
زاد انقباض قلبه..
"تــبــكــي؟! "
فتح الستائر قليلا وتوجه ناحيتها.. رفع الغطاء عنها بخفة..
ليتفاجأ من منظرها ..
كانت تحتضن نفسها ..تبكي وترتعش.. ويبدو أنها على هذه الحال من مدة طويلة
لأنه حين رفع الغطاء عنها جلست بحرج.. وهي تبعد شعرها المشعث التي التصق بعرق وجهها بعيدا عنها..
وبدت أثار أناملها غائرة في عضديها العاريين من شدة احتضانها لنفسها..
شعر بألم شفاف يجتاح روحه.. أن تحتضن هي نفسها بينما من كان يجب أن يكون جوارها ويحتضنها
حتى لو رفضت.. لم يكن ليسمح لها بالرفض..
لم يقل لها شيئا.. أجلسها ليمسح وجهها بكفيه.. ثم انتقل ليدعك احمرار عضديها بخفة وألم قلبه يتزايد رغما عنه..
همس لها بحنان عميق: عفرا ليه ذا كله ياقلبي؟؟
همست بصوت مبحوح دون أن تنظر ناحيته: البارحة كلمت جميلة.. عقب ما أنت طلعت..
ما قدرت ما اتطمن عليها..
حينها هتف منصور بحزم رغم إحساسه بالحزن من أجلها: وأكيد أجعتش بالحكي؟؟
حينها دفنت وجهها بين كفيها وبكت بحرقة عميقة.. منصور حينها أبعد كفيها عن وجهها واحتضنها بحنان وقوة وهمس في أذنها:
أدري أنش زعلانة علي.. وأدري أني أستاهل..
بس لا تحاولين تبعدين عني.. لأني ماراح أسمح لش..
آلمه كثيرا تصلب جسدها بين ذراعيه.. وكأنها ترفض قربه منها..
حينها أبعدها عنه قليلا وهو يلمس بطنها بخفة حانية.. انتفضت عفرا بشدة بينما هتف هو بحزم حنون:
إذا مهوب عشاني ولا عشانش.. عشان ذا الروح اللي هنا.. خافي ربش فيه تسوين في نفسش كذا
حينها بالفعل ارتمت في حضنه وهي تشدد احتضانه وتبكي بنحيب عال
بينما شعر هو براحة ما تتسلل إلى روحه أنها تعود إلى أحضانه وبرغبتها.. رغم تيقنه أن موضوع جميلة لن يمر أبدا بسهولة عليهما
ولكنه من أجلها والآن من أجل طفلهما أيضا هو مستعد للقتال حتى الرمق الأخير.. فهو لم يخلق سوى للمعارك!!
كان يهدهدها بحنان خالص ويهمس لها بثقة غامرة:
هدي حبيبتي.. هدي.. واللي ركب رأسي ورأسش إنه مايصير الا اللي يرضيش
أمنتش بالله لا تزعلين نفسش ياقلبي
وإلا زايد الصغير ماله خاطر عند أمه؟!!...
*************************************
" السلام عليكم
هلا والله بالشيبان المتجمعين
وش ذا الصباح المبارك اللي الواحد يتصبح بوجيهكم"
كان غانم ينحني مسلما على رأس عمه في الوقت الذي كان والده يجيبه مبتسما:
ماعاد هو بصبح يأبيك.. قدنا قريب الظهر
عساك بس منت بتعبان.. البارحة رقدت عقب العشا على طول
ورجعت ورقدت عقب صلاة الفجر إلى ذا الحين
غانم ينحني على والده ويجيبه: لا جعلني فداك..بس مرهق شوي.. رحلة أمريكا طويلة شوي
أبو صالح يهتف بمودة: جعلك على القوة يأبيك..
غانم يلتفت لعمه ويهتف له باحترام ومودة: ويقويك ويطول عمرك في الطاعة
ثم أردف وهو يشير للمقهوي أن يتقدم: أقهويكم؟؟
أبو صالح أشار للمقهوي ألا يحضر وهو يهتف بحزم: شكّرنا يأبيك.. القهوة بعد مهيب زينة لي ترفع الضغظ عندي
بس وش نسوي بروسنا لا أجعتنا عند حِلها
أبوغانم يتوجه بالسؤال لغانم: إلا وش سالفة رحلة أمريكا.. ماخبرت إن أمريكا على خطك ذا السنة..
غانم بهدوء: رحلة جات فجأة كذا
ثم أردف بنبرة مقصودة: وإلا شفت لكم شوفة في ذا السفرة.. طيرت عقلي
أبو غانم يبتسم: عساها شمحوطة بس.. ؟؟
غانم يضحك: زين يأبو غانم.. إن ماعلمت أم غانم عليك
أبو غانم يضحك: أنت اللي تقول.. بتقط بلاك علي ياولد..
أبو صالح بعتب: احشموني تراني قاعد..
غانم باحترام جزيل: محشوم ياعمي.. بس صدق والله العظيم شفت لي واحد طار قلبي يوم شفته.. وش أقول لكم نسخة عبدالله الله يرحمه..
أبو غانم بشجن: الله يرحمه أبو حسن ويبيح منه..
بينما أبو صالح صمت ولم يعلق.. وأبو غانم أكمل: وهو ويش هو امريكاني وإلا عُربي؟؟
غانم بنفس النبرة المقصودة: ما أدري بس والله العالم دمه عربي.. أقول لك عبدالله بشحمه لحمه كني شايفة قدامي..
كنت أبي ألحقه بس فات علي.. هو داخل وأنا طالع
حتى الآن كانت الحكاية لا بأس لها.. ومحتملة.. ومعقولة إلى حد ما.. حتى أكمل غانم حديثه قائلا:
والله من شكي إنه هو.. بأطلب لي رحلة على خط واشنطن عشان أروح السفارة القطرية هناك أتأكد..
قلبي نط من مكانه يوم شفته.. ماني بمرتاح لين أشوف قبر عبدالله بعيني..
أقول لكم شايف عبدالله قدام عيني هو هو...
حينها انتفض أبو صالح انتفاضة لم تظهر للسطح وهو يهتف بحزم: وش لك يأبيك بذا الشغلة كلها..
عشان واحد يشبه عبدالله الله يرحمه تبغي تعنّى للسفارة وتسأل.. عبدالله اطلبوا له الرحمة.. وحكي الخبلان ذا مامنه فود..
وفي الوقت الذي كره أبو صالح أن يعرف غانم حقيقة انتحار عبدالله التي أخفاها عن الجميع حين يذهب هناك ..
فإن أبا غانم كان على عكسه انتعشت روحه بأمل بريء هش: خالد الله يهدك.. خل الصبي يروح.. كود إن به شيء خافينا.. طالبك يأخيك..
أبو صالح بحزم أشد: مابه شيء خافينا.. عبدالله مات.. وانتهينا من ذا الحكي..
غانم قرر أن يقف حتى لا يتهور عمه ويحلف عليه.. ولأنه تأكد أن عمه يعلم شيئا عن وفاة عبدالله المزعومة لا يريده أن يعلمه...
وهو يريد الآن أن يجعل عمه يظن أنه سيفعلها وسيذهب حتى يتحرك لمنعه بطريقة تمهد له معرفة عودة عبدالله.. وهو يقرر أن يبلغ صالحا حتى يتولى هو الخطوة التالية..
غانم هتف بحزم وهو يستعد للمغادرة: الرجّال اللي شفته.. مستحيل مايكون عبدالله.. وأنا ماني بخبل عشان أجهل ولد عمي
وش بيضر لا رحت وتاكدت.. يمكن عبدالله هناك فيه شيء لاده من المجي.. أنا لازم أتاكد..
أبو غانم ارتعش بخفة (معقولة عبدالله؟؟ لا لا أكيد غانم تشابه عليه الشوف
لو كان حي وينه ذا السنين كلها..
لا لا مهوب صحيح)
بينما قلق أعمق وتوجس أعمق وأعمق تصاعد في قلب الشيخ الذي أثقلته الهموم
( لا حول ولا قوة إلا بالله
الحين لا راح غانم ودرى إن عبدالله مات......... اللهم أني استغفرك وأتوب إليك
خوفي لا يوصل العلم أم صالح والله إن قد تروح فيها
وش السواة؟؟ وش السواة؟؟
صافية ما تمسي الليل تدعي له.. أشلون لا درت إنه مات منتحر وكافر
مابقى لها منه إلا ذكراه الطيبة عندها.. حتى الذكرى يأخذونها منها!! )
**************************************
" صفوي.. وش ذا النوم اللي عندش اليوم؟؟
ماباقي على صلاة الظهر إلا شوي
وإلا الصبا نوام على قولتهم "
أم صالح تعتدل جالسة وهي تهمس بصوت ناعس: أي صبا الله يخلف علي بشوفت عيالش
إلا قولي ماعاد به حيل.. عشاني مارقدت عقب صلاة الفجر أسوي ريوق البنية الوالدة.. حسيت جسمي متهدد
عالية تجلس بجوار والدتها تحتضن عضدها وتقبله وهي تهمس بحنان: يمه واللي مثلش عادها تطبخ.. عندش الخدامات.. وش هم جايين من بلادهم له؟؟
أم صالح تبتسم وهي تمسح على شعر عالية: بدل ما تقولين أنا بأكفيش..
عالية تضحك وهي تتناول كف والدتها من فوق رأسها وتقبلها:
لا يمه هذا تهور أنا ماني بقده.. مع أني أم التهور.. بس عاد هذي فيها تسمم لمخاليق ربي
عالية بعد ذلك وضعت رأسها على فخذ والدتها وتمددت على السرير وهي تعبث بيد والدتها التي كانت تمسكها..
بينما أم صالح تداعب شعر عالية بيدها الحرة.. عالية تمسح أنامل والدتها وتهمس بتقصد:
إلا يمه لو مثلا في يوم من الأيام.. قالوا لش إن الله سبحانه بيرجع لش واحد ميت للحياة .. من تختارين؟؟
أم صالح ابتسمت: وش سوالف الخبلان ذي؟؟
عالية برجاء: يمه لعبة هذي.. علميني..
أم صالح بعفوية: باختار أمي جعل ترابها الجنة..
عالية مدت شفتيها: يمه جدتي أم نايف الله يرحمها.. جابت نويف عمرها 54 سنة.. يعني لو رجعت لش الحين عمرها 79..
وش يعني تقعد معش سنة وإلا سنتين وتودع؟؟
أم صالح ضربت عالية بخفة على رأسها وهي تبتسم: مهوب تقولين لعبة... كيفي أنا أبي أمي.. أحس أني ما شبعت منها..
حينها همست عالية بنبرة مقصودة: وهي بس أمش اللي ماشبعتي منها.. مافيه غيرها؟؟
حينها ارتعشت أم صالح ارتعاشة لا يكاد يُشعر بها.. ولكن عالية شعرت بها ووالدتها تربت على كتفها وتهمس بحنان:
قومي الله يصلحش.. أبي أروح الحمام أتوضأ
*************************************
" أنا بصراحة لين الحين مصدوم فيج.. معقولة الكلام اللي قلتيه لأمج البارح"
جميلة نظرت بغيظ لخليفة: مالك شغل بيني وبين أمي..
خليفة تفجّر غضبه: إلا لي شغل ونص.. ترا ربج وصاج فيها.. ماوصاها فيج.. لكن اللي أشوفه العكس..
الحين أنتي يوم اخترتيني.. وخلج من خرابيط اخطأت الاختيار لأنها ما تهمني
خلنا في انج اخترتيني وفرضتيني عليها مع انها ما كانت راضية.. وهي اللي أمج..
ومع كذا عاملتني مثل ولدها وماضايقتني بكلمة.. ولا حتى ضايقتج
لكن انتي شوفي نفسج وش سويتي.. أنتي ما تخافين ربج في الكلام اللي جرحتيها فيه
اتقي الله جميلة في أمج.. اللي شافته منج موب شويه..
حينها انخرطت جميلة في البكاء.. بينما خليفة أكمل بذات الغضب: تمثيلية البجي هذي خلاص ما تمشي علي.. دوري غيرها
يعني البارح كله تبجين ويوم عمتي اتصلت صرتي ترعدين وتبرقين ولسانج شبرين..
حينها شهقت جميلة: ما أبيها تعرس وتخليني.. ولو أعرست ما أبي منصور هذا.. ليش ماخذت عمي زايد؟؟
خليفة بحزم: تأخذ اللي هي تبي.. مثلج.. مالج حق تفرضين عليها شريج حياتها
وخصوصا واحد مثل منصور ما أعتقد فيه عيب عشان ما يعجب جنابج
وبعدين ما أعتقد إن منصور غريب عليج دامج متربية في بيت أخوه
أنا سامعة بأذوني يقول لج (أنتي قبل مثل بنتي.. والحين بنتي صدق)
يعني علاقته قبل فيج زينة؟؟ صح والا انا غلطان؟؟ شنو اللي تغير الحين؟؟ قولي لي..
جميلة بغضب وهي تمسح أنفها المحمر: صحيح إني تربيت في بيت عمي زايد.. بس مهوب معناها إن منصور رباني..
ثم أردفت بغضب أشد: أما على قولته مثل بنتي.. فهذا شيء في رأسه هو.. يعني عشاني بنت المدام صرت بنته؟؟
ما أنكر إن منصور كان يعاملني مثل مزون لأني كنت على طول عند مزون.. وما تغطيت منه إلا قبل كم سنة بس.. بس هذي كانت مجاملة منه..
طول عمري حاسته إنسان بعيد.. هيبته تخوف.. عمري ماحسيته أب مثل عمي زايد..
يا أخي المحبة من الله.. غصب أحبه وأرضى فيه أب.. ما أبيه.. ما أبيه
حينها هتف خليفة بغضب عنيف: الله الغني من حبج.. والناس اللي أنتي حبيتهم وش لقوا من محبتج يعني..
الأحسن الواحد يدعي ربه إنج تكرهينه وما تذوقينه محبتج اللي مايلاقي منها إلا نكرانج له وقسوتج عليه..
أنتي وش هالقلب اللي عندج؟؟ ماحد يهمج غير نفسج.. أمنتج الله قولي لي موقف واحد بس فضلتي غيرج على نفسج..
مع أني ماعرفتج إلا من كم أسبوع.. لكن أقدر أحلف إنه يمكن مافيه في حياتج كلها يوم واحد فكرتي أنج تقدمين إنسان على رغباتج أنتي..
أولها هالسخافة اللي سويتيها في نفسج وأنتي تجوعين نفسج لين صار شكلج جذيه..
ماهمج حد.. لا أمج ولا بنت خالتج ولا عمج زايد.. الناس اللي تقولين أنج تحبينهم وهم يحبونج.. ما اهتميتي إلا بتفاهات في رأسج أنتي وسويتها
وعقبها حتى موافقتج علي.. اتضح إنها بسبب أنانيتج بس.. فكرتي بشيء في رأسج الله أعلم شنهو..
وما اهتميتي بأحد حتى الإنسان اللي ترك كل شيء وراه ويا وياج ما اهتميتي بمشاعره وأنتي تقولين عنه اختيار غلط
أنتي تبين كل الناس يسخرون حياتهم لج أنتي وبس.. وأنا منهم..
وترا ماعندنا مانع نضحي ونخليج أول أولوياتنا.. بس أقل شيء تسوينه تظهرين شوي أدب.. شوي امتنان.. شوي إحساس بالناس موب بنفسج وبس
خليفة فقد سيطرته على نفسه وهو ينهال عليها بقسوة وعباراته الحادة تنثال وتنثال بلا توقف
فموقفها الأخير مع والدتها وهو يسمع بنفسه عتبها القاسي لها جعله يخرج من عندها ولم يستطع حتى أن يبات عندها ولم يعد لها إلا صباح اليوم التالي قبل دقائق
فخليفة فقد والدته قبل سنوات وكان يتمنى لو أطال الله في عمرها ليبر بها.. فكيف بهذه التي أمها تستميت من أجلها بينما هي تصفعها بقسوتها دون تفكير؟؟
بينما جميلة كانت قضت ليلة قاسية بالفعل تتجرع الوحدة والألم.. فكما آلمت والدتها كل كلمة آلمتها أكثر..
تشعر بضياع وتشتت وماكان ينقصها هو زواج والدتها لتشعر أنها ضائعة تماما
ووجدت كل جزعها يُترجم في عبارات قاسية حادة تفرغ فيها غضبها وجزعها وخوفها وإحساسها بالاختناق والضياع
وموقف خليفة هو ماكان ينقصها تماما لتكتمل مأساتها.. الشخص الوحيد الذي معها ينفجر فيها دون رحمة... فإلى أين تولي وجهها؟؟ إلى أين؟؟
*************************************
" هزاع تكفى ساعدني.. سالفة خويك الخبلة يمشي حالها
أبيك تقولها عند أمي"
هزاع الذي كان ينفذ عن ذراعيه متوجها للحمام ليتوضأ هتف بغيظ: ما تعرفين تسلمين الأول..
وبعدين مهوب أنتي اللي قلتي لي لا تقول ذا السالفة عند أمي..
عالية برجاء: ماحبيتك تعطيها أمل ماله أساس.. بس مادام له أساس.. السالفة أشوفها مناسبة.. وأنا بصراحة أبيك تساعدني..
لأني عقلي موقف..
هزاع يرقص حاجبيه: مساعدة ببلاش مافيه..
عالية بنفاذ صبر: باعطيك اللي تبيه يا المادي خلصني..
هزاع يهز كتفيه: لا الماديات خليها بعدين ما نعيفها.. بس أبيش تعتذرين واعتذار محترم على تغريقي بالماء باللي ما تستحين..
عالية تشده لتقبل رأسه: آسفة واحب راسك بعد... خلصني بس... أنا ماعاد فيني صبر.. والله مافيني.. وصلت حدي.. بس أبي اشوفه أنا وأمي سوا..
ثم أردفت بوجع عميق: هزاع أنت شفته بعينك؟؟ تغير؟؟ متن؟؟ ضعف؟؟ صدق يعني هو حي؟؟ صدق هزاع؟؟
هزاع لم يجبها.. شعر أن الجواب سيكون ثقيلا عليها.. لذا هتف لها باستعجال: روحي الحين أنا باروح أصلي وعقب بأرجع عليكم أسولف على أمي بخرابيطي
**********************************
صالح كان عائدا بأولاده للبيت حينما تلقى اتصال من والده يطلبه أن يحضر له في المجلس حالا..
صالح أوقف سيارته داخل مظلات البيت طلب من ولديه أن يتوجها للداخل.. بينما توجه هو للمجلس
دخل ليجد وجه والده متغيرا.. مال على رأسه يقبله ثم جلس جواره.. وهتف باحترام: آمرني جعلني فداك..
أبو صالح هتف بحزم: هم شغلتين مهيب شغلة وحدة..
أول شغلة وينك أمسيت البارحة؟؟.. قمت لصلاة الفجر ماعينت سيارتك.. وعقبها طلعت من البيت حول الساعة تسع وأنت مابعد جيت..
صالح بهدوء: كنت ممسي في بيتي.. عندي ضيف..
أبو صالح انتفض بغضب عارم: وليه بيتي ما يستقبل ضيوفك يوم توديهم لبيت حتى مابعد خلص؟؟
صالح بهدوء متمكن: بيتي خلصت منه المجلس وكم حجرة عشاني داري إن ضيفي ذا أنت ماتبي تستقبله في بيتك..
حينها وقف أبو صالح وهو ينتفض بغضب حاد: أنا ما أطرد حد من بيتي يا مسود الوجه ولو هو ذابح أمي وأبي
إلا كن ضيفك سواد وجهه كنه سواد وجهك يا قليل الحيا؟؟
صالح بنفس الهدوء: وجهك أبيض يا أبو صالح.. ومهوب أنا اللي أسود وجهي ووجهك..
خلنا من ضيفي ذا الحين.. وقل لي وش الشغلة الثانية اللي أنت طالبني عليها..
أبو صالح بغضب متزايد وهو يلوح بعصاه: أنا ولد أبي أنا.. منت بصاحي اليوم.. والله يا كسار وجهك بذا العصا إنه يجيب المطر
قم روح جيب ضيفك ذا الساعة ولا توريني وجهك إلا وهو معك..
ماعاد إلا ذا.. داس ضيفك في بيتك يا الرخمة..
حينها أجاب عليه صالح بنبرة مقصودة: يبه الشغلة الثانية ما تخص غانم وروحته لأمريكا؟؟ يمكنك تبيني أمنعه مثلا؟؟
حينها هتف أبو صالح بصدمة: وأنت وشدراك؟؟
حينها شد صالح نفسا عميقا: يبه.. اربط اللي شافه غانم.. بالضيف اللي في بيتي.. ونخلص من الشغلتين كلها..
حينها انهار أبو صالح جالسا وعيناه تتسعان ذهولا..
صالح يعلم أنه استعجل في إخباره بالخبر.. ولكن بعد معرفة عبدالرحمن وأهله بالخبر خاف أن يصله الخبر من سواه
وهو يعلم يقينا قوة والده.. فالذي احتمل خبر وفاة ولده منتحرا وتعايش معه طيلة هذه السنوات هو على احتمال خبر عودته الحياة أقدر وأكثر تحملا..
أبو صالح أغمض عينيه وفتحهما .. هز رأسه.. وضغط صدمات وأفكار ومشاعر مدمر كسيل جارف يجتاحه بعنف
شعر بثقل مرير في أطرافه وأنفاسه وكل عرق ينبض في جسده والصدمة تبعثره تماما لأشلاء متطايرة
لكنه تجاهل كل ذلك ليقف ويغادر وهو يهتف بحزم يذوب قسوة أو ربما حزم يذوب وجعا..
ولكن من المؤكد أن شيئا ما في روحه كان ينصهر حتى الانتهاء.. حتى الانتهاء:
قل لضيفك بيتي يتعذره..ووجهه ما أبغي أشوفه..
.
.
في الداخل..
كان هزاع ينتهي من إخبار والدته بحكايته الطريفة عن عودة ابن عم صديقه..
ويخلطها بتلميحات حذرة جدا عن أن من الممكن أن يكون هناك أيضا من هو في حال هذا الرجل.. دون أن يصرح بأي اسم..
كانت أم صالح تبتسم بصفاء.. فكل شيء يقوله آخر العنقود هزاع يبدو عندها مسليا ورائعا مثلما تراه هي
ولكن ابتسامتها بدأت تنطفئ رويدا وأنفاسها تضيق شيئا فشيئا.. ومجرد الأمل الباهت يجتاح خلاياها المستنزفة فقدا.. كطوفان عارم يغرقها بين أمواجه
همست باختناق : وولد عم خويك كم سنة كان غايب؟؟
هزاع بدأ يشعر بالألم وهو يسب عالية على إدخاله في الموضوع.. حاول أن يهتف بطبيعية فاشلة وصوته يخرج مرتعشا: حول ست سنين
همست بألم في اتجاه آخر وهي تبعد الأمل عنها وتكتفي بالحزن: أمه عادها حية؟؟
هزاع رغم استغرابه للسؤال وأين اتجه تفكير والدته أجابها: ما أدري..
همست حينها بألم عميق: كن عادها حية أبي أروح أهنيها سلامته..
هزاع نزل عن السرير جلس تحت قدميها وأمسك بكفها وقبلها ثم أسند رأسه لركبتها وهتف بألم عميق: وأنتي تعرفينها عشان تهنينها سلامتها..
ربتت على رأس هزاع بحنان وهو تهمس بوجيعة: أعرف وجيعتها يأمك.. أعرف وجيعتها..
هزاع كان ينظر لعالية شزرا وكأنه يقول لها (يا الله تصرفي) وحينها همست عالية باختناق:
زين يمه ما تمنيتي يوم تكونين مثلها.. يعني كنتي مثلها في وجيعتها.. ما تبين تكونين مثلها في فرحتها؟؟
أم صالح تنهدت بعمق: ماعاد لي يأمش قلب يتحمل رجا مثل ذا.. أدري إنه ما راح يصير
يا الله أني تصبرت على فرقاه وأنا دارية إنه تحت التراب.. أشلون أصبر على فرقاه وأنا أقول يمكن وكان..
هزاع يبتسم بفشل: يمه.. ما تدرين رحمة الله فوق كل شيء.. ليه تصكين باب الأمل
الحين عبدالله ما شفنا له جثة ولا قبر.. وش فيها لا تأملنا إنه حي.. حرام؟؟
أم صالح ترفض أملا إن فتحت له الباب سيسكن روحها.. وإن لم يحدث سينزع روحها معه: يأمك هو عندك رجا.. لكن عندي أنا حد السكين
يعني أنت كيفك تأمل وترجى.. صار كان من الله وخير وبركة.. ماصار بتحزن يومين وترجع تنسى.. وش المشكلة هو ميت عندك ميت
لكن أنا لو سمحت لنفسي أهوجس مثلك.. كني أحط السكين على رقبتي.. إن صار وعينته حي.. رفعت السكين من رقبتي
لكن إن دورت له وطلع ميت عقب مارجيت أنا شوفه.. كنك تنحرني بالسكين اللي ماباعدت من رقبتي..
يأمك ماعاد لي قلب يستحمل شيء.. يا الله حسن الخاتمة..
هزاع وعالية تبادلا النظرات اليائسة.. وهما يشعران أنهما عاجزان عن فجعها بهذه الصورة وهي حتى مجرد الأمل تراه كثيرا عليها..
صمتا كلاهما وهما يشعران بتعاظم يأسهما وقلة حيلتهما في مواجهة هذا الموقف مع أمهما ..
عالية شدت هزاع خارجا ثم همست له بخفوت: خلاص هزاع ودني أنا بروحي
مافيني صبر.. وأمي شكلها تبي لها كم يوم لين تستوعب
هزاع يشير بيده وهو يذهب: إذا صليت العصر وديتش..
عالية تمسك به بإصرار: وش عقب صلاة العصر.. أقول لك مافيني صبر.. أبي أروح الحين.. ياخوفي لا تكونون تكذبون علي..
هزاع يتركها متجها للمجلس: تبين سويكي؟؟ ترا السبير فوق في الدرج اللي عند رأسي.. توكلي الله يحفظش
عالية تصرخ دون أن يهتم لصراخها: هزيع.. هزيع تعال ودني يالزفت..
هزيع..
زين دواك عندي..
هزاع حين وصل للباب التفت لها وهتف ببرود: عمش هزاع لو سمحتي..
هزاع لم يكن يريد أن يتجاهل طلبها.. لكنه يخشى ألا تحتمل رؤية عبدالله
فمازالت عظامه تؤلمه منذ ليلة البارحة..
يريد لها وقتا أطول تتاقلم مع الفكرة التي مهما كانت مفرحة إلا أن فرحتها قاسية..موجعة لأبعد حد يخشى عليها لأبعد من تأثيرها..
*******************************
يدخل إلى غرفته بخطوات هادئة تخفي خلفها حذرا ما..
كانت تقرأ في مصحفها حينما دخل..
لم يقاطعها وهو يخلع ملابسه.. ويسترق النظرات إلى هدوءها العميق وهي تتلو
جلس على سريره وهو مازال يراقبها.. أنهت وردها.. وخلعت جلالها ثم التفتت لتهمس له بهدوء: عسى العيال ما تعبوك؟؟
همس لها بهدوء مشابه: لا أبد..
كانت تتجه للتسريحة وهي تفك شعرها لتمشطه.. يستغرب منها.. شعرها يبدو مسرحا وغاية في الترتيب.. فلماذا تسرحه مرة أخرى
تنهد (الخبيثة.. تعلم أن أمواج العسل هذه تفقدني صوابي)
همست وهي تمشط شعرها وتسترق النظرات له وكأنها تحاول أن تستشف ما الذي يحدث لهذا الرجل:
بتبات الليلة هنا وإلا في بيتك؟؟
صالح بنبرة قاطعة: حسب التياسير.. بأشوف..
ثم أردف بنبرة مقصودة: ليش ما قلتي لي إن فكرة الروحة لجنغل زون فكرة عالية؟؟
هزت نجلاء كتفيها وهي تهمس بنفس نبرته: أولا ما عطيتني فرصة.. شايل في قلبك علي واجد ياولد عمي.. ولقيتها سبب
ثانيا مهيب حلوة في حقي ولا حق عالية.. كني بزر أقول ترا مهيب فكرتي أنا تراها عالية..
صالح لم يجبها وهو يتمدد على سريره ويضع ذراعه على وجهه..
كثير كل هذا عليه..
يكفيه ضغط عودة عبدالله وما يحدثه من صدمات..
كم يحتاجها إلى جواره في هذا الوقت بالذات.. أنهكه اشتياقه لها!!
وأنهكه فيض مشاعر أهله الذي يشعر أنه يشارك عبدالله في تلقي صدماته..
منهك من كل شيء.. من كل شيء!!
بدأ يشعر بالنعاس أو ربما يهلوس..
حركتها جواره..رائحة عطرها قريبة جدا..تلتها همساتها الدافئة في عمق أذنه: ما تبي تقول لي وش اللي مضايقك؟؟
همس بخفوت عميق شفاف دون أن يزيل يده عن وجهه:
متضايق من اشياء واجد.. وأكثر شيء مضايقني أني في ضيقتي هذي مالقيتش جنبي
همست بخفوت مشابه في عمق أذنه وهي تضع رأسها على نفس مخدته:
أنت اللي مبعدني عنك.. وإلا لو علي أبي أكون أقرب لك من أنفاسك..
همس بذات نبرته العميقة الخافتة: لو بغيتي تكونين قريب..بتكونين..
يا كثر ما كنتي تبعديني عنش لكني ماكنت أسمح لمحاولاتش تبعدش عني
لكن أنتي ما صدقتي تبعدين وتباعدين
حينها اقتربت منه أكثر.. احتضنت خصره وهمست بألم: زين أنا باحاول
بس أنت تكفى لا تقسى علي.. كفاني اللي شفته في الأيام اللي فاتت!!
صالح أزال يده عن وجهه ليحتضنها بها بخفة ويهمس بعمق: الحين كم يوم شفتيهم واجد عليش.. واللي له شهور يتعذب وش حيلته
نجلاء حينها همست بعمق مشابه: حيلته يوعدني مايجرحني.. وأنا أوعده أرضيه باللي يبي
إحساس أشبه بإحساس العائد من غربته إلى أحضان وطنه يجتاح خلايا كل منهما..
بينهما عشرة طويلة غلف مداد أيامها تغلغل كل منهما في روح الآخر..
وافتقاد كل منهما كان يخل بتوازن كل منهما ووجوده الذي يحسه وجودا ناقصا دون نصفه الآخر..
صالح يحتضنها بقوة وهو يقبل أمواج العسل ويهمس بعمق دافئ: وأنا أوعدش ما أجعش بكلمة.. واللي يوجعش يوجعني..
**************************************
" جوزا من جدش تبين تطلقين من امهاب؟؟"
جوزاء تضغط جانب رأسها بإرهاق بيد وتضم حسن لصدرها باليد الأخرى وتهمس بسكون:
الله كاتب له نصيب أحسن مني.. ربي رحمه
شعاع بألم: زين انتظري شوي.. يمكن عبدالله مايبي يأخذ حسن..
جوزا بتهكم مشبع بالألم: مايبي؟؟ أنا متاكدة إنه يبي له فرصة بس.. شوفي الحين عادنا عقب صلاة العصر
صار متصل بعبدالرحمن فوق خمس مرات يقول يبي يشوف حسن..
فرضا صدقت إن الشيطان صار ملاك وخلا حسن معي عقب ما أتزوج..
وش ذنب امهاب ينط عبدالله له كل يوم بحجة يبي يشوف ولده مع أني متاكدة إنه قصده التنكيد..
أنا ليش أخلي حياتي معلقة برغبات عبدالله وكرمه.. الله الغني
السالفة هذي كلها لازم أخلص منها بأسرع وقت.. كل ما قرب وقت العرس.. كل ماصارت السالفة أصعب..
مستحيل أخلي لعبدالله طريقة يأخذ ولدي مني..
حينها شد حسن جيبها بخفة: ماما أبي عدالله.. بابا وينه؟؟
جوزاء مسحت على شعره وهي تهمس من بين أسنانه: بابا في اللي ما يحفظه يأمك
حينها بدأ بالإلحاح: أبي بابا.. أنتي دلتي بعدين.. الحين بعدين..
جوزاء كانت تحاول محايلته والتحايل عليه.. ولكنه كان يلح بإصرار ثم بدأ بالبكاء..
لتصرخ فيه بصوت عال: قلت لك بس خلاص.. ماتفهم.. مافيه بابا اليوم
حسن فتح عينيه ذهولا ثم انفجر في البكاء.. فجوزاء لم يسبق حتى أن صرخت فيه..
جوزاء نظرت لنفسها بذهول.. حاولت أن تحتضنه.. ولكنه قفز لحضن لشعاع وهو يتعلق بعنقها..
شعاع احتضنته بحنان وهي تنظر لجوزاء بعتب وتهمس بصوت عاتب منخفض:
جوزا عمرش حتى الصياح ماصحتي عليه.. وش الخطوة الجاية تضربينه إذا طلب أبيه
جوزاء بجزع: لا إن شاء الله.. تنقص يدي لو مديتها عليه..
شعاع بهدوء: جوزا.. عبدالله صار حقيقة ما تقدرين تلغينها.. ماراح أقول الذنب ذنبش إنش علقتي حسن فيه
لكن بأقول الحين إنها رغبة رب العالمين.. الله سبحانه راد أن عبدالله يرجع ويلاقي حسن متعلق فيه كذا لحكمة
الحين هل كل ما طلب حسن أبيه بتصارخين عليه.. جوزا لا تعقدين البزر تكفين.. عبدالله أبيه من حقه يشوفه
حينها انفجرت جوزاء في البكاء: متى صار إبيه؟؟ هذا ولدي بروحي.. ولدي أنا..
شوفي أشلون حسون يطلبه ويبكي عليه.. يعني جاته محبته على الجاهز ماتعب فيها
لكن أنا اللي سهرت وتعبت وربيت خلاص مالي حق..
شعاع بألم: ياجوزا عمرها ماكانت كذا.. الحب ربي قسمه بين الأم والأب.. وماحد يأخذ غلا الثاني..
وحسن لو حب أبيه.. محبتش هي نفسها ما ينقص منها شيء
جوزاء بألم: عمره قلبي ماراح يصفى لعبدالله الزفت مغماز أبليس ذا.. لكن لأجل عين تكرم مدينة
تعال حسون حبيبي لا تبكي.. بأخلي خالي عبدالرحمن الحين يوديك لبابا..
حسن قفز من حضن شعاع ليتعلق بحضن أمه التي احتضنته ودموعها تسيل بصمت مثقل بوجعها الذي مزّق روحها المرهقة كل شيء..
*******************************************
" هو ماقال لك إنه بيجيبها عقب صلاة العصر؟؟"
عبدالله ينظر لساعته وهو يخاطب فهد.. فهد يجلس على أريكة في غرفة عبدالله المؤقتة في بيت صالح ويهتف بهدوء:
إلا قال.. بس عاد من دقة هزيع في المواعيد قالوا لك ساعة بيغ بين..
عبدالله يعاود النظر للمرة الألف من النافذة: صار لنا أكثر من ساعة راجعين من الصلاة.. ومهوب من بعد بيتنا ............
بتر عبارته.. ماعاد حتى يستطيع أن يقول أن البيت (بيتنا) وصاحبه ينبذه..
هذا وهو مازال لا يعلم أن والده علم بعودته ورفضها..
همس لفهد وهو يعود للجلوس: إلا عالية موافقة برضاها على عبدالرحمن؟؟..
فهد ينظر ليديه ويهتف بهدوء: ليه عالية حد يقدر يجبرها على شيء ماتبيه؟؟.. وبعدين عبدالرحمن مافيه عيب عشان ما توافق عليه
عبدالله يهز كتفيه: حبيت بس أتاكد..ومتى حددوا العرس؟؟
فهد بذات الهدوء: مابعد حددوه.. عالية باقي عليها فصل واحد.. يعني بترجع من فرنسا في عطلة الربيع..
إذا رجعت حددوه..
عبدالله بعدم رضا: بس كذا الملكة بتبطي.. يمكن يكملون سنة ماعرسوا.. وهذا مهوب سنع..
فهد بنبرة مقصودة: زين إنك عادك تعرف السنع ماسجيت منه..
عبدالله نظر له بشكل مباشر وهتف بذات النبرة المقصودة: والله أشوف ناس واجد مضيعين السنع.. اللي أهمها احترام الكبير
ترا الفرق بيني وبينك مهوب سنة وإلا سنتين.. أربع سنين..
وأشوفك من يوم جيت وأنت حاد علي سكاكينك..
فأنت اللي اعرف السنع واحترمني..
فهد تنهد وهو يقف ليميل على رأس عبدالله ويقبله ويهتف بحزم موجوع:
السموحة يأخيك..استحملني شوي.. أنا مستوجع منك واجد.. غصبا عني..
والله يوم أضايقك كني أضايق روحي.. بس وش أسوي بطبعي الأقشر..
عبدالله يشير بيده بضيق: خلاص ماصار الا الخير.. كلّم هزاع شوف وينه..
بعد انتهاء عبدالله من عبارته كان صوت هزاع قادما من الصالة عبر باب الغرفة المفتوح: وين أنتو يا جماعة الخير؟؟
فهد هتف بصوت عال: تعالوا يمينكم
بينما عبدالله وقف وهو يشد له نفسا عميقا ويريد أن يتوجه بنفسه للخارج لولا أنهما دخلا فورا
.
.
.
عالية منذ خروجها من البيت وهي عاجزة عن السيطرة على ارتعاشها..
هزاع هتف لها مازحا وهو يحاول تخفيف توترها: لا تكونين رايحة لاختبارات الثانوية العامة بدون ماتذاكرين؟؟
عالية باختناق: هو وينه قاعد؟؟
هزاع حينها تحول للسكون: في بيت صالح..
ثم أردف بتحذير لطيف: يا ويلش تبكين..
عالية باختناق أكبر: كيفي أبكي ما أبكي.. مهوب شغلك..
هزاع (بعيارة) : مهوب شغلي.. رجعنا للبيت..
عالية بجزع: لا فديتك.. شغلك ونص..
ثم صمتت وذكريات أثيرة دافئة تأخذها للبعيد..
يومها الأول في المدرسة..
كان هو في حينها الرابعة عشرة.. أصرَّ أن يذهب معها رغم أن أمها كانت معها.. أوصلها حتى باب المدرسة ثم همس في أذنها بخفوت:
إذا ما بكيتي اليوم في المدرسة.. العصر بأخلي صالح يودينا أي مكان تبينه بسيارته الجديدة.. وخذت من أبي فلوس وخليتش تشترين كل اللي تبين
بس لا تبكين..
هزت رأسها بعينيها الدامعتين..وهي تمسح أنفها المبلل بطرف كمها ثم انفجرت في البكاء..
ورغم أنها لم تفي بوعدها له أخذها في جولة مع صالح واشترت كيسا ضخما من الحلويات..
مع عبدالله بالذات في ذكرياتها حديث وشجن.. الكثير من الشجن..
حينما كانت صغيرة مدللة وعنيدة كان يعرف كيف يقنعها بما يعجز عنه الجميع..
كان يهمس في أذنها كأنه يخبرها بسر خاص بهما..وهمساته الحانية كانت دائما تصب في قلبها كالسحر...
حينما سافرت لفرنسا للدراسة لأول مرة.. كان هو من رافقها أيضا.. همس لها همساته التي ما فارقت أحلامها:
كنت معش أول يوم مدرسة.. لازم أكون معش أول يوم جامعة..
حينما أراد أن يعود.. تعلقت به وبكت مطولا..همس لها وهو يحتضنها: لا تفشليني وأنا حاط ثقلي كله في دراستش..
أبيش ترفعين رأسي... ويوم أسمع طاريش واسمش أنفخ ريشي وأقول هذي أختي..
غرزت أضافره في عضده وبكت أكثر وهي تدفن وجهها في صدره: زين اقعد عندي شوي بعد..
مازالت تذكر حينها ابتسامته التي ابتسمها لها وهو يبعدها عنه بحنو ويمسح وجهها.. ابتسامته هو التي لا مثيل لحنوها واختلافها:
هذا نايف عندش.. حطي بالش عليه.. والله الله فيه..
ثم عاد ليميل على أذنها ويهمس بحزم عميق: وتذكري زين إن الدين والحشمة مهوب لديرة دون ديرة.. ربش فوقش هنا وإلا في الدوحة..
ما نبي حد يقول بنت آل ليث طلعت فرنسا وغيرت جلدها..
ولا تبكين خلاص.. ما أبي أشوف دموع وأنا رايح
هزت رأسها أيضا.. وانفجرت باكية.. وهي تعود ركضا لغرفتها حتى لا تراه وهو يغادر الشقة...
.
.
هزاع بقلق: عالية بسم الله عليش ليش تبكين كذا كنش مقروصة..
عالية انتبهت أن هزاعا أوقف السيارة على جانب الطريق وأنها انفجرت تبكي دون أن تشعر
أدخلت يدها تحت نقابها لتمسح وجهها وهمست بصوت مختنق: انتظر بس خمس دقايق خلني لين أهدأ..
ولكن الخمس دقايق طالت أكثر من ذلك بكثير.. لأنها لم تتوقف عن النشيج الموجع الذي مزق قلب هزاع عليها: تبين نرجع البيت؟؟
عالية بجزع عميق: لا تكفى وش نرجع.. خلاص خلنا نروح.. أنا ما كنت أبكي قدامه.. بس شكل البكية حاصلة حاصلة..
.
.
وهاهي تدخل الآن بخطوات متوترة.. ولكنها تود لو تطير.. كانت تتعلق بذراع هزاع الذي دخل بها إحدى الغرف حين سمع صوت فهد فيها..
دخلت الغرفة..
كان يقف في منتصفها تماما
توقفا كلاهما.. كلٌّ في مكانه..
هو ينظر لوجهها المحمر وأجفانها التي بدأت بالانتفاخ
وهي تنظر إلى كل تفاصيله.. تريد أن تتأكد أنه هو ذاته أمامها.. ليس حلما ولا هلوسة ولا خيالا
يجتاحه الحنان..
ويجتاحها الحنين..
عاصفة عاتية من الشعورين يدور رحاها بينهما
كانت تريد أن تركض ناحيته ولكن قدميها ثبتتا في مكانهما وعيناها تتجمع فيهما فيضانات من الدموع تنذر بالانهمار بلا توقف
هاهو أمامهما كما هو قبل أربع سنوات وهي تودعه عريسا بعد زواجه بشهر
لتفجع بعد عودتها بأنه اختفى من الوجود.. وأنه أصبح طيفا راحلا تتجرع ألم ذكراه وحرقة غيابه..
أنه ماعاد بقي لها من عبدالله سوى ذكريات باردة لا تحمل دفء راحة يديه ولا حرارة مشاعره
تتذكر المرة الأولى التي حملت حسنا بين يديها.. كيف انفجرت باكية بهستيرية وفيض حزنها وضغط مشاعرها وذكرياتها يجرفانها نحو البعيد البعيد
وهاهو والد حسن الآن أمامها.. هو من سيربي حسنا بنفسه إن شاء الله.. لن يكون حسن اليتيم بعد اليوم..
وإن كانت هي جمدت مكانها فهو كان من تقدم ناحيتها.. وهو يهمس لها بابتسامة حانية مثقلة بالحنين العميق: هي السنين تخلي البنات حلوين كذا!!
حينها كان قد وصلها.. تعلقت بجيبه بقوة وهي ترتمي في حضنه وتنفجر في بكاء غير مسبوق.. فجع أشقائها الثلاثة
فهد يهمس لهزاع بتأثر: وش فيها أختك.. لا تكون قررت تصير أنثى عقب ذا السنين ..؟؟
عبدالله كان يشد على عالية المنهارة بكاء في حضنه وتأثره يتعاظم وإحساسه بالذنب يخنقه..
لينتزعه من تأثره لكمات رقيقة على صدره وكلمات مبعثرة من بين نشجيها: وين كنت؟؟ وين كنت؟؟
عبدالله يمسك كفيها بحنو بيديه الاثنتين: أنتي كنتي تدرسين هندسة جينية وإلا مصارعة؟؟
عالية تمسح وجهها الغارق بالدموع بعضدها لأن يديها بين يديه وهي تهمس باختناق: وأنت كنت ميت وإلا تلعب علينا؟؟
عبدالله يبتسم وهو يفلت يديها ليمسح وجهها بأطراف أنامله ثم يحتضن وجهها بين كفيه: فديت الوجه.. والله كبرتي يا بنت وصرتي عروس
تناولت كفيه من وجهها لتنثر فيهما قبلاتها وهي تشهق: الحين يحق لي أكون عروس
عاود شدها ليحتضنها بقوة وهو يهدئ روعها مع تزايد شهقاتها.. ثم جلس هو إياها على الأريكة دون أن تفلته
مضت عدة دقائق من صمت وهي تبكي على صدره وتحتضن خصره بذراعيها
حتى هتف فهد بمرح: قولو لا إله إلا الله ياجماعة الخير..
الرجّال ترا راجع للدنيا مهوب طالع منها على ذا البكا كله..
حشا علوي خزان دموع مهوب آدمية..
عالية ترفع رأسها وتمسح أنفها المحمر وتهمس بابتسامة شفافة: يأخي مبسوطة ودموعي كيفي فيها.. شيء من حلالك أنت
فهد يبتسم: نخاف عبدالرحمن يقاضينا عقب يقول مرتي نشفت دموعها..
عالية تمسح وجهها بيديها الاثنتين: لا تخاف عليه هو أصلا مجهزة له خزان دموع له بروحه.. بلفيت أني أنثى يعني..
عبدالله يبتسم بحنو: مبروك يا الغالية .. الله يوفقش.. عبدالرحمن رجّال فيه خير
عالية حينها ردت بخجل: الله يبارك فيك
هزاع يضحك: شوف الأخت قبل شيء مادة لسانها عند فهد ومجهزة للدحمي خزان دموع
ويوم بارك الله لها عبدالله سوت روحها مستحية...
عالية تميل لتقبل صدر عبدالله ثم تقبل خده وتهمس بمرح باكٍ: ما أبيه يتروع من أولها... عطه شوي وقت لين نعطيه مثلكم..
*******************************************
" بارك لي يأبيك"
كساب تتحفز مشاعره وهو يلتفت لعمه الذي كان يرتكي على مقعده بفخامة ويرتشف فنجانا من القهوة: مبروك بس على ويش؟؟
منصور بحميمية فخمة: بأصير أب..
كساب قطب جبينه: من جدك وإلا نكتة ذي؟؟
منصور يناول المقهوي فنجانه وهو يهزه ويلتفت لكساب بغضب: استح على وشك قدام أسبحك بدلة الصبي الواقف..
كسّاب ينظر لعمه بنصف عين وهو يهتف ببرود: تدري ياعمي نكتة مثل ذي ترا ما تلبق لواحد مثلك..
حينها عاود منصور الارتخاء على مقعده وهو يشير للمقهوي أن يصب له فنجانا آخر ويهتف بحزم متمكن:
تدري الشرهة علي اللي بغيتك أول واحد أبشره.. ولو أني ماني بمبسوط وما أبي أعكر مزاجي بوجهك العكر.. وإلا كان وريتك شغلك
بس ما أبي أخذ ذنب بنت آل سيف تدخل عليها ووجهك مشرح..
حينها مال كسّاب على عمه بتساؤل: عمي من جدك؟؟
منصور حينها هتف ببرود: ماعليك مردود
كسّاب قفز ليقبل أنف عمه: أفا.. ما أسرع يحضر زعلك يأبو زايد.. إذا أنت صدق صادق.. فأنا في وجه زايد الصغير
حينها ابتسم منصور: دام دخلت في وجه زايد الصغير فأنت وصلت.. اللي في وجه ولدي.. في وجهي..
حينها اتسعت ابتسامة كسّاب وهو يهمس بسعادة حقيقية: كفو كفو زايد وأبيه..
ثم أردف وهو يقبل رأس عمه مرة أخرى: مبروك ياعمي ألف مبروك
ثم أكمل وهو يغمز بعينه: بس وش سالفة عندي عيب وما أبي أعالج وعقبه حتى شهر ما كملت إلا خالتي حامل؟؟
منصور ينظر له بنصف عين: هذا اسمه تنظال؟؟ وإلا اعتراض على قسمة رب العالمين ؟!!
*********************************
" أشلون يعني ياعبدالرحمن؟؟
خلاص؟؟ خلاص؟؟ "
عبدالرحمن بألم يحاول إخفائه خلف هدوء صوته: النصيب كذا يا سنايدي..
جوزا تعبانة.. وخايفة عبدالله يأخذ ولدها منها.. ونفسيتها تعبانة..
والطلاق كل ما تاجل كل ماصار الموقف أصعب..
مهاب بحزم وتصميم: أنا شاريها يا عبدالرحمن..
عبدالرحمن تزايد ألمه: وحن والله شارينك أكثر.. بس السواة سوات الله... صحيح إنها أختي بس صدقني إنها الخسرانة
وأنت الله بيكتب لك نصيب أحسن منها..
مهاب شد له نفسا عميقا وهتف بحزم: ومتى تبون الطلاق؟؟
عبدالرحمن تنهد: خلنا نروح بكرة الضحى للمحكمة...
مهاب يوقف سيارته أمام بيت عبدالرحمن لينزل عبدالرحمن ويهتف بخيبة أمل عميقة لم يستطع إخفائها:
خلاص عبدالرحمن تم.. نتقابل بكرة الساعة 10 في المحكمة..
مُهاب حرك سيارته على غير هدى..
طوال حياته كان تفكيره في نفسه في ذيل أولوياته..
حتى في زواجه من جوزاء لم يكن يفكر في نفسه أكثر من تفكيره في حسن وقرب عبدالرحمن
ولكنها الآن أصبحت تنتمي له.. زوجته وارتبطت باسمه.. فلماذا حتى هذا الحلم أصبح كثيرا عليه؟؟
لماذا بعد أن استعد ليكون زوجا وأبا ورتب حياته على أساس ذلك ينهار كل ذلك من أجل من عاد من الموت..
لماذا بعد أن أصبحت شريكة لأحلامه تنتزع منه حتى الأحلام بهذه القسوة؟؟
لماذا ؟؟ لماذا؟؟
لــمـــــــاذا؟؟؟؟
********************************
" صافية وش فيش؟؟
قد حن بين الصلاتين وأنتي عادش منسدحة.. واليوم كله تقومين وترجعين تنسدحين
عسى منتي بتعبانة؟؟"
أم صالح تعتدل جالسة بحرج وهي تعدل وضع برقعها ولفتها عليها وتهمس باحترام بصوتها المرهق:
لا فديتك ماني بتعبانة.. بس سويت اليوم ريوق لوحدة والدة.. وتعبت شوي
أبو صالح يجلس جوارها ويهتف بهدوء يخفي خلفه ألما نفسيا عظيما متجسدا بوحشية تصاعد منذ لقاءه مع صالح حتى غشى أطراف الروح :
الاسبوع اللي طاف سويتي لي ريوق رياجيل وأنتي مع الخدامات من قدام الفجر.. وماجاش نفس اللي جاش اليوم
قومي خلني أوديش الطبيب.. سدحتش ذي مهيب جايزة لي..
أم صالح بذات الإرهاق العميق: والله العظيم مافيني شيء..
بس يا خالد.......
ثم صمتت.. بينما أبو صالح استحثها: بس ويش؟؟
أم صالح بعمق مجهول: من أمس وأنا قلبي كنه يعصر.. ما أدري وش أقول لك.. تطري على طواري.. وكني أتنى لي خبر.. مستوجعة وعظامي ما تشلني..
أتعوذ من الشيطان.. والشيطان ماخلاني..
كنت متروعة على صالح.. ويوم شفته طيب تريحت.. بس ذا الوجع اللي في قلبي عيا يفارقني.. يا الله الستر من عندك..
أبو صالح تنهد بعمق.. مصدوم.. مذهول.. متألم..
" أ لهذا الحد شعرت بأنفاس عبدالله قريبة منها؟؟
أ لهذا الحد اغتالتها رائحته القريبة؟؟
ألهذا الحد تواصلها مع روحه أشعرها بقربه منها؟؟
سبحان الله كيف أنبأها قلبها أنه هنا.. وكيف بدأ يؤلمها اشتياقا لرؤيته!!
أ هذا الألم هو دقات قلبها تناديه؟؟
أ هذا الألم هو وطأة اشتياقها له؟؟
أ هذا الألم هو وجع الأيام التي مضت من دونه؟؟ "
همس أبو صالح بخفوت: حسيتي فيه هنا؟؟ حسيتي إنه صار قريب؟؟
أم صالح باستغراب: من هو؟؟
أبو صالح كأنه يحادث نفسه: عبدالله
أم صالح تراجعت بعنف جازع حاد وهي تهمس باختناق: أي عبدالله؟؟ خالد بسم الله عليك أنت وش تهوجس فيه؟؟
همس لها بذات الطريقة التي كأنه يحادث نفسه فيها: ما أردش تشوفينه.. هذا ولدش.. لكن أنا ما أبي أشوفه.. ما أبي أشوفه...
أم صالح بدأت ترتعش وهي تحاول الإمساك بكتفها الأيسر حيث شعرت بألم بشع يتصاعد وكلماتها تتبعثر: من ولدي هذا؟؟ أي ولد؟؟
أبو صالح لم يكن ينظر ناحينها.. كان ينظر أمامه ويحادث نفسه.. يحادث نفسه فقط : عبدالله ياصافية
عبدالله اللي رجع من الموت.. أربع سنين يلعب علي..
أربع سنين وأنا أموت في كل يوم ألف مرة.. أتحسر عليه ألف مرة..
أسبه ألف مرة.. وأبكي عليه ألف مرة..
وعقب ذا كله يطلع حي.. حي..
أربع سنين وأنا أشرب الحسرة.. حسرة ورا حسرة وأنا أدعي له بالمغفرة
حجيت له مرة.. واعتمرت له مرتين.. وبنيت له مسجد وحفرت له بيرين.. وكفلت خمس أيتام باسمه
وأنا ما أمسي الليل.. وأنا يتخايل لي ربي يعذبه.. فأقوم متروع من نومي أصلي وأدعي له وأدعي له
أسمعش تدعين ويكون ودي أقول كثري له الدعا..
وعقب ذا كله يا صافية يطلع حي ويلعب علي.. أربع سنين ناسينا والحين رجع..
أم صالح حينها أمسكت بذراع أبي صالح بقوة ليلتفت لها بصدمة وهو يستوعب صدمتها الكاسحة وهو يسمع صوتها يتحشرج..
لم يعلم حتى أنه كان يتكلم بصوت مسموع.. كان يحادث نفسه من خلالها
كانت أم صالح تنتفض بعنف..أطرافها ترتعش.. وعيناها تتقلبان..
حاول أن يسندها..وهو يصرخ بجزع: صافية وش فيش؟؟ وش فيش؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله أنا وش سويت؟؟
فإذا بها تسقط بين ذراعيه وارتعاشها يتزايد.. ويتزايد.. وصوتها يتحشرج بشدة..
*****************************************
" يا الله يأبيك تجهز.. الليلة متأخر طيارتنا.. وبكرة الصبح حن في الدوحة إن شاء الله"
تميم يهز رأسه موافقا ثم يشير بهدوء: خلنا نروح نسلم على عبدالجبار أنا شريت له شال صوف كشميري.. مالقيت عندهم شيء ينفع له غيره
المرة الجاية بأجيب له بشت صوف زين من الدوحة..
أبو عبدالرحمن لم يفهم جيدا ما أشار له به تميم فأعاد تميم الإشارة بطريقة أكثر تبسيطا.. حينها ابتسم أبو عبدالرحمن:
تدري إني قد جبت له فوق ست بشوت..
يبتسم تميم ويشير: ماعليه بشت زيادة مايضر.. مشتهي أجيب له شيء غالي
قلبي موجعني عليه الله يجبر كسره
****************************************
" عبدالرحمن ليش ماوديت حسون.. أنا وعدته أنك بتوديه
وقد حن الحين عقب صلاة العشا وأنت ما وديته
لو علي ودي إنه مايروح.. بس جنني.. وأنت كل ماقلت لك تهربت مني"
عبدالرحمن يجيبها بتأثر: وش أقول لش يا جوزا...ما أقدر أوديه.. أم صالح جاتها جلطة اليوم العصر.. وفي المستشفى.. والعرب حالتهم حالة..
جوزاء تفجر جزعها صاخبا وحقيقيا: وتوك تعلمني.. ولو ما سألتك كان ما قلت لي بعد..
عبدالرحمن بسكون متأثر: يعني تبين أبشرش بالخبر..
جوزاء بغضب: إلا المفروض أول مادريت بالخبر أنك جيت وقلت لي
أم صالح أعتبرها عدت أمي.. وكان لازم أطل عليها على الأقل.. وأشوف لو عالية تبي شيء
عبدالرحمن بحنان: خلاص يالغالية.. بكرة أوديش...
جوزاء بتصميم: وش بكرته؟؟ ودني الحين.. لازم أتطمن عليها بنفسي.. والحين
*****************************************
" عبدالله ما أقدر أخليك تطلع فوق"
عبدالله بغضب كاسح: وليش أنا ما أقدر أشوفها.. كلكم شوفتوها.. وانا لا..
مهوب كفاية إن اللي جاها جاها من سبتي.. وحتى شوفتها بتحرموني منها
خافوا ربكم فيني..
قلتو لي انتظر شوي.. انتظرت.. أكثر من كذا ما أقدر.. حس فيني يا صالح
حاس أني بأموت.. مخنوق ياناس...
صالح بحزم: ابي موجود عندها فوق.. وهو يقول ما يبي يشوفك.. ومحذرني أخليك تجي وهو موجود
انتظر شوي بعد.. لين يروح من عندها..
عبدالله يفتح باب السيارة ويستعد للنزول ويهتف بحزم بالغ: ما يبي يشوفني؟؟ خله يسكر عيونه..
مهوب رادني من شوفة أمي إلا الموت...
#أنفاس_قطر#
.
.
.