السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحات الفرحة بالانتهاء من الامتحانات وعقبال الفرحة بالنجاح
وألف مبروك بعد لمشرفاتنا الجدد زوزو وبوح نجاحهم في اثبات استحقاقهم للاشراف الجديد المستحق بجدارة
.
.
ما أبي أطول عليكم لأني بنفسي مستعجل<<<< ربي رحمكم
بس فيه بنات لفت نظرهم زعل عبدالله إن جوزا حادت عليه 8 شهور مع أنه مطلقها
وسبب اعتراضهم أنه على كل الأحوال عدتها حتى تضع حملها سواء كانت حداد وطلاق...و هذا فعلا معلوم وصحيح
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)
لكن انتبهوا يا بنات فيه فرق شاسع بين وضع المطلقة والأرملة...يعني وهي أرملة خلال العدة ما تطلع من البيت
لكن المطلقة ممكن تطلع وتقضي أشغالها... يعني خلال الشهور الثمانية هذي كان ممكن جوزا تكمل دراستها
وماكان انجبرت تقعد في بيت أبو صالح وتعاني هالمعاناة كلها
يعني عبدالله ما اعترض على مدة الثمان الشهور كعدة طلاق لكن كعدة حداد
لأنه قال 8 شهور ما تطلع من بيتها بدون سبب
.
وعلى فكرة بنات ترى باب الطلاق والعدة من الأبواب الفقهية الواسعة جدا
ولازم أي وحدة يحدث لها شيء من ذلك أبعد الشر عنا جميعا
أن تسأل أهل العلم في ذلك لأن بين كل حالة وأخرى فروق يجتهد فيها أهل الاجتهاد من أهل العلم
والله أعلم.. اللهم أني استغفرك وأتوب إليك
.
.
جزء اليوم نقدر نقول جزء عفراء
هي الشخصية الأبرز فيه رغم أنه بيكون فيه شخصيات ثانية وأحداث مهمة
استعدادا لبارت يوم الأحد القادم اللي بيكون بارت استثنائي فعلا
وهو من البارتات القريبة جدا من قلبي
.
إليكم
الجزء الثاني والثلاثون
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء الثاني والثلاثون
للمرة الثانية يتعالى رنين هاتفها مع تصاعد مشاعر نفورها الغريبة من صاحب الاتصال
ختاما قررت أن ترد.. فرغم أنهما لم يتعاشرا بعد.. فهي أصبحت تعرف أن أبرز صفاته هي العناد والتصميم
مادام قرر أن يضايقها الليلة باتصاله.. فلا شيء سيرده
ردت بهدوء حازم: ألو..
جاءها صوته العميق الساخر أبدا: ألو حاف كذا؟!
ردت عليه بتهكم رغم أنها فهمت فورا قصده غير البريء: اشرايك أغمسها لك بالسمن؟؟
رد عليها بذات التهكم: صدق همش على كرشش.. على طول سمن مرة وحدة..
ردت عليه بسخرية: أحب أجاوب الناس على قد تفكيرهم..
فرد عليها فورا: إلا وأنتي صادقة.. كل وعاء بمافيه ينضح..
كاسرة بنبرة مقصودة: أنا أبي أدري ليه مكلف على نفسك اتصال بدون سبب..
كساب بحزم: ومن قال بدون سبب.. أنا متصل أبلغش بشيء..
كاسرة قاطعته بحزم بالغ: أمي بلغتني.. مشكور.. وصل الخبر.. يعني دايما اتصالاتك بدون سبب
ويوم صار عندك شيء مهم تقوله.. رحت تقوله لأمي.. وهي ما قصرت بلغتني.. وأنت خلاص مالك دور
حينها ابتسم كساب بخبث: هذا كله متضايقة عشان ما أتصلت لش أول أبلغش.. اشتقتي تسمعين صوتي؟؟
بس على العموم أنا متصل أبلغش بشيء أمش ما تدري فيه..
أمش قالت لش بنسافر ليلة زواجنا.. بس ماقلت لها أني بأخذش من القاعة للمطار على طول.. فجهزي نفسش لذا الشيء
يعني ممكن ترجعين لغرفتش في الأوتيل تبدلين بسرعة.. ونطلع..
رغم صدمة كاسرة البالغة مما قاله إلا أنها لم تظهر صدمتها وهي تهمس بثقة: وليش ذا الاستعجال؟؟
كساب ببرود: والله الحجز جاء كذا..
كاسرة حينها همست ببرود مشابه: زين كساب أنت ماشاء الله عندك أخت وخالة.. ممكن هم يبلغوني بذا التفاصيل.. مافيه داعي تتعب نفسك..
كساب حينها هتف لها بثقة: أخليهم يبلغونش لو أنا وأنتي ما بيننا تواصل..
لكن أخليهم يبلغونش وأنا أقدر أبلغش بنفسي هذا اسمه عبط..
كاسرة تريد انهاء الاتصال لذا همست بحزم: خلاص صار عندي خبر..
شيء ثاني..؟؟
حينها همس لها كساب بنبرة متلاعبة خافتة مثقلة بدفء مدروس: إيه.. فيه.. قولي لي تصبح على خير حبيبي عشان أسكر..
كاسرة حينها شعرت كما لو أن أحدهم صفعها على وجهها بكل قوته.. وطنين مرتفع يمزق تلافيف مخها بشكل مفاجئ
صرت على أسنانها بغضب وهي تهمس بحزم بالغ: بصراحة مثل وقاحتك ما شفت..
حينها ارتفعت قهقات كساب على الطرف الآخر بينما شعرت هي أنها ستنفجر منه
كانت ستغلق الهاتف في وجهه لولا أنها أوقفتها نبرته المتلاعبة بمهارة
وهو يهمس بها بخفوت مثير: خلاص أنا أقول تصبحين على خير حبيبتي
قال (حبيبتي) وهو يصر على أحرفها ببراعة دافئة بصوته المثقل رجولة وعمقا
بينما كاسرة سارعت لإغلاق الهاتف في وجهه وهي تنتفض غضبا من أسلوبه الرخيص في التلاعب
ولأنها رغما عنها شعرت بتأثر عميق غريب كرهته.. وشيء ما داخلها ينتفض مع همساته الدافئة التي لامست منطقة محظورة لم تمس مطلقا من قبل..
رغم أنها ليست المرة الأولى التي تسمع فيها غزلا.. بل سمعت غزلا أشد من ذلك وهي تتعرض للمعاكسات في الأماكن العامة..لم يثر فيها سوى الرغبة بصفع المعاكس
هذه المرة ترغب أيضا لو كان كساب أمامها لتصفعه.. ولكن مع تلك الرغبة كان هناك إحساس غريب مجهول... كرهته حتى النخاع!!
بينما هو على الطرف الآخر كان يهدف إلى شيء آخر من هذا التلاعب.. استراتيجية حرب تسمى تخدير مشاعر العدو..للوصول لمرحلة أخرى
يتمنى بالفعل أن يرى هذه الصبية حينما تسلم رايتها.. يريد أن يشعر بها أنثى تذوب من كلماته.. ترتعش من همساته التي سيتفضل بها عليها
يريد ربما أن يرضي غروره حينما يرى أنه أخضع هذه الأنثى القوية لما يريد..
وما يريده هو أن تكون هي كما يشاء
يريد إعادة صنعها كيف يشاء مادامت قد ارتبطت به وأرتبط بها..
يعلم أنها مهمة عسيرة.. ولكن ليس عليه
ليس عليه هــو !!
***************************************
اقترب آذان الفجر .. هو لم يعد ولم يتصل.. ولم يرد على اتصالاتها ورسائلها حتى.. تكاد تذوب قلقا.. وحزنا..
حتى وإن كان غاضبا منها.. فلا يليق مطلقا أن يتصرف تصرفات المراهقين هذه
فكلاهما شخصان ناضجان.. من المفترض أن يتعاملا مع مشاكلهما بالنضج الكافي..
ألا يكفي أنه رفض مجرد الجلوس والتحاور..رغم أنه دائما يتبجح أنه يرفض ترك مشاكله معلقه
ثم بعد ذلك خرج بطريقة أقل مايقال عنها غير مهذبة.. ثم بعد ذلك كله يقتلها بالقلق عليه..
هذه الليلة هي الليلة الأولى بعد زواجهما التي تكون فيها وحيدة من غيره
الليلة الأولى التي تقضيها ساهرة بعيدا عن حضنه
لا تنكر أبدا أن شعورا مرا بالخواء تسرب إلى روحها.. وهي تجلس على سريرها وتنظر إلى مكانه الخالي جواره..
وتهمس بألم وهي تميل لتمسح المكان: الله لا يخلي المكان من راعيه..
تنظر لساعتها.. لم يبق على آذان الفجر شيئا.. من المفترض أن يكون في دوامه الآن.. فكيف يكون ذهب وهو لم يعد لارتداء بدلته العسكرية
سالت دموعها حارة لاهبة رغما عنها..
شعرت أنها عاجزة عن سحب أنفاسها وضيق عميق يطبق على روحها
أسندت رأسها لركبتيها التي ضمتها لصدرها وهي تجلس على سريرها لتهدر مزيدا من دموعها ودعواتها أن يحفظه المولى وألا يريها شرا به
رنة رسالة انتزعتها من حالتها.. التقطت الهاتف بلهفة.. بقلق.. وتوتر.. سمت باسم الله وهي تفتحه:
" أنا في الدوام
طوّل العشا شوي.. فطلعت للمعسكر على طول"
حينها ألقت بالهاتف جوارها وهي تشهق شهقات خافتة
تبكي لأنها اطمئنت عليه بعد كل هذا الشد
وتبكي لأنها غاضبة منه .. أولا تجاهل اتصالاتها ورسائلها كل هذا الوقت الطويل
ثم حين يرد عليها.. يستكثر أن يتصل بها.. و يرد عليها بهذه الرسالة الباردة..
******************************************
" والله ماهقيت الموضوع بيعدي كذا.. اللهم لك الحمد والشكر
كنت قاعد ماسك على يدك وأنا أشوف أشلون يدك ترجف وعيونك تولع
وأدعي ربي وأقول يا الله سترك.. يا الله سترك"
عبدالله يسند رأسه للخلف بإرهاق عميق وهو يهمس بنبرة موجوعة:
حتى أنا ماهقيت أني بأمسك أعصابي.. أنت بنفسك شفت أشلون كانت هي ومحاميها قاعدين يستفزوني
تدري يا صالح كل ماطرى علي مشهد موت خالد.. أحس أني أبي أقوم أنط في حلقها.. وكل ماجيت بأقوم طرا علي حسن
أقول فيه واحد مات وواحد حي.. من اللي محتاجني أكثر..
ساعتين التحقيق كانت عذاب .. حسيت أني بأموت من القهر والوجيعة
صالح يبتسم وهو يربت على كتف عبدالله : الحمدلله يا ابن الحلال.. المهم أنه خلاص خلصنا.. وبكرة راجعين لديرتنا..
عبدالله يهمس بشجن موجوع: والله مافيني صبر..
ثم أردف بألم عميق: ظنك إن ابي بيبطي لين يسامحني ؟؟
***********************************
طرقات هادئة ترتفع على باب غرفة غانم الذي كان يستبدل ملابسه.. هتف بحزم: دقيقة ياللي عند الباب..
ثم فتح ليجد نجلاء أمامه.. هتف بترحيب وهو يقبل جبينها: حيا الله أم خالد.. ياهلا والله بالغالية..
حين دخلت لاحظ هالات سوداء حول عينيها توحي بإرهاق يخفي خلفه حزنا وتوترا وقلقا يتجاوز الإرهاق وكل معانيه
غانم مد يده ومسح خدها بحنان وهو يهتف بقلق: نجلا اشفيش؟؟
تفاجئ غانم بل فُجع بها ترتمي على صدره وتنتحب.. فنجلاء بالذات معروفة لدى الجميع بسيطرتها على نفسها.. ونادرا جدا ما رآها غانم تبكي
لذا علم أن خلف البكاء أمرا جللا لذا شدها لحضنه وهو يهددها: نجلا عسى ماشر ليش ذا الدموع؟؟
قولي لي جعلني فداش.. أفا عليش.. تبكين وإلا تتضايقين وغانم موجود..
نجلاء منذ سمعت حوار فهد وهزاع البارحة وهي دوامات صراع مزقت روحها.. لم تستطع أن تنم مطلقا وعشرات الصور المتخيلة الكريهة تقفز لذاكرتها
لا تستبعد أبدا فكرة أن صالح قد يتزوج.. فهو سبق أن خطب أرملة عبدالله
لكنها حينها لم تقلق.. لأنها كانت تعلم أن جوزا لن توافق عليه
فهي بداخلها كانت مطمئنة أنه سيبقى لها..
ولكن أن يتزوج وبهذه الطريقة الجارحة لها..
لم يفعلها وهي غاضبة في بيت أهلها.. فيفعلها الآن بعد أن عادت إليه
(ولكن هل أنتي فعلا عدت إليه يا نجلا؟؟
أتخدعين نفسكِ أم تخدعينه؟!)
(حتى ولو.. نعم.. عدت له وأنا الآن في بيته
لا يجوز أن يتصرف معي هكذا
يريد أن يتزوج من حقي أن يحترمني ويصارحني
لا أن يتزوج في السر ثم يريد أن يسكنها في بيتي)
(الآن أصبح بيتكِ وأنتِ من هربت من البيت وصاحبه؟؟)
(نعم بيتي.. وقبل ذلك زوجي
لا يهمني البيت.. يهمني صاحبه
يستحيل أن أتنازل عن صالح لسواي)
(صحوة متأخرة جدا هذه الصحوة
الآن تريدين صالح
أين كنتِ طوال الأشهر الماضية وهو يرجوكِ ويسكب مشاعره تحت قدميك
دون أدنى رحمة منك)
(جرحني.. جرحني..!!
وجرح الغاليين غال)
(واعتذار الغاليين أ ليس غاليا مثلهم؟!)
(مرهقة أنا..
يكفيني مابي لا تزدها علي أرجوك
أشعر أني على شفير هاوية وأنتظر فقط من يدفع بي حتى أهوي)
غانم تنهمر مشاعره مع هذه الباكية بين ذراعيه ولا تجيب عن تساؤلاته: أم خالد بس قطعتي قلبي.. وش اللي يخليش تبكين كذا؟؟
نجلاء بين شهقاتها: صالح تزوج علي أو بيتزوج علي..
حينها تصلب جسد غانم وشعرت هي بذلك وهو يبعدها عن حضنه لينظر إلى وجهها الذي تفجر احمرارا واضحا في بياضها
وهو يهتف بغضب: وذا البكاء كله عشان صالح تزوج او بيتزوج
إذا هو ماعرف قيمتش.. هلش يعرفونها
مابه شيء يستاهل دموعش..
وصالح مهما صار يظل أخي وأنتي أختي..بغيتيه.. فهو رجالش وأبو عيالش.. ومهوب أول رجّال ولا أخر رجال يعرس
ما بغيتيه.. بيت هلش مهوب عاجز منش
حينها جلست نجلاء على السرير وهي تنتحب: هذا وأنا جايتك أبي مساعدتك تسوي فيني كذا
غانم يتنهد: زين أشلون تبين أساعدش.. تبين أهدد صالح وأقول له لو عرست على أختي كفختك...
تراني حاضر
نجلاء تحاول تهدئة نفسها: لا أبي خدمة أبسط من كذا..
صالح جاي بكرة على رحلة من أمريكا ما أدري بالضبط أي وقت..
وأنت عارف فيه كم طيارة تنزل المطار جايه من عدة ولايات في أوقات مختلفة ويمكن يكون بيسافر ترانزيت..
أبيك تعرف بالضبط على أي طيارة هو..
غانم هز كتفيه: هذي سهلة.. أقدر أطلعها من السيستم.. وغيرها؟؟..
نجلاء بتردد: أبيك تستقبله وتشوف من هو جايب معه.. لأنه مهوب راضي حد يستقبله ولا يقول لأحد هو متى جاي
وقلبي قارصني من ذا السالفة.. وخصوصا أنه طلب إن البيت يتشطب في السر
هذا كله ما تشوفه شيء مريب..
حينها هتف غانم بغضب: ماهقيتها منك ياصالح.. عرس وفي السر
يبي يعرس على بنتنا.. يأتي ويبلغنا لأن السنع كذا
والله ماهقيتها منه أبو خالد...
نجلاء تختنق ضيقا: الحين أنت سويتها سنع ومهوب سنع.. أنا ما أبي صالح يعرس علي.. في السر وإلا في العلن..
غانم يشير بيده : خلاص خلاص.. الحين وأنتي قاعدة بأطلع لش على أي طيارة جاي... هذا لو كان حجزه على الخطوط القطرية
غانم أنهى عبارته وتناول هاتفه ليقوم باتصال سريع .. وكما هو معروف حجز الطائرات يكون باسم العائلة
لذا أعطى الطرف الآخر اسم عائلته قبل اسم صالح..
الطرف الآخر بنبرة مهنية: أي واحد تسأل عنه
صالح خالد آل ليث الـ
وإلا عبدالله خالد آل ليث الـ..
غانم شعر كما لو أن قنبلة تفجرت في منتصف رأسه وريقه يجف تماما وهو يسأل بحذر:
نعم عيد ما سمعتك..
الطرف الآخر بنفس النبرة المهنية: أقول عن أي واحد تسأل
صالح خالد آل ليث الـ
وإلا عبدالله خالد آل ليث الـ..
غانم شعر بعينيه تغيمان وروحه تُسحب منه وهو يحاول أن يهتف باصطناع فاشل:
خلاص خلاص شكرا.. بأكون هناك..
ثم جلس بجوار نجلا على سريره.. شعر أن قدميه عاجزتان عن حمله..وأنه سيهوي ساقطا على الأرض
نجلاء استدارت له بقلق وسألته: وش فيك غانم؟؟
غانم لا يستطيع حتى النظر إليها يخشى أن تفضح نظراته صدمته الكاسحة
(معقولة عبدالله يرجع من الموت
مستحيل.. مستحيل..
مـــســــحـــيــــل !!
بس الاسم.. نفس الاسم
ومع صالح على الطيارة
عبدالله
عبدالله حي؟؟ معقولة؟؟
إذا كان فعلا حي.. فتصرفات صالح كلها مبررة الحين ومفهومة)
غانم يقفز لينتزع من الدولاب لباس الطيارين... رغم أنه عاد للتو من المطار
ففي رأسه موال ما..
سيكون على متن الطائرة التي ستسافر بعد قليل.. لتعود في الغد.. سيسافر حتى لو كمساعد ثالث.. أو مجرد عضو في الطاقم
لأنه هذه الطريقة الوحيدة ليسافر.. فليس هناك وقت ليحجز كمسافر..
لابد أن يتأكد بنفسه لن يستطيع الانتظار للغد..
نجلاء تفجر قلقها أمواجا عاتية.. وهي ترى غانما يتحول لآله لا تفكر..
وهو ينتزع ملابسه ويتجه بها للحمام ويلبس في أقل من دقيقة وينزل راكضا دون أن يغلق أزرار قميصه حتى
ودون حتى أن يسمع نداءاتها ورجاءاتها الحارة التي تحولت بعد ذلك لشهقات عالية وهي تنهار على رخام غرفته البارد..
*********************************
كانت نائمة بعد الليلة المريعة التي قضتها البارحة
من بعد صلاة الفجر استلقت على فراشها.. حاولت تنحية ألمها من تصرف منصور جانبا.. ولكنها لم تستطع.. قضت وقتا طويلا تفكر قبل أن تنام
لا يخلو بيت من المشكلات.. ولا توجد علاقة بين زوجين تخلو من المنغصات
تعلم ذلك جيدا..
ورغم أن منصور بدأ بالفعل يستحوذ على جزء كبير من تفكيرها ومشاعرها
ولكن شخصيته الحادة المسيطرة توتر شخصيتها الرائقة الهادئة..
قد تقول أنهما قد يكونان هكذا متناسبان.. وهي بمرونتها تحتوي صلافته وتشدده..
ولكن الاحتواء في العلاقة الزوجية لابد أن يكون متبادلا
لا يمكن أن تكون هي الطرف المحتوي طوال الوقت.. سيأتي حينها يوم تُستنفذ كل مرونتها وتنفجر..
ولشد ما تخشى ذلك.. فهي ليست هكذا.. ولطالما احتملت الكثير طوال حياتها..وأكثر من ذلك بكثير... ولكن أ لم يئن الأوان لترتاح؟!
كانت هذه هي أفكارها حينما نامت وهي تشعر بصداع شديد..مازالت تشعر به حتى وهي نائمة..
فليلة البارحة كفيلة بتفجير أقوى صداع.. لم تتناول شيئا من بعد الغداء لأنها لم تتعشَ بعد مغادرة منصور
عدا البكاء والتوتر وجلستها الطويلة المتصلبة في انتظاره
فهل تحول الصداع لطرقات ناعمة على عضدها الآن؟!
طرقات ناعمة على عضدها.. ثم همسات دافئة في أذنها.. ثم قبلات حانية على صدغها ويديها..
فتحت عينيها بخفة ثم عادت لإغلاقها لشدة إحساسها بالألم في رأسها وانتفاخ عينيها..
همست بألم دون أن تفتح عينيها: جيت حبيبي؟؟ وإلا ممنوع أقول حبيبي؟؟
منصور تمدد جوارها وهو يدخل ذراعه تحت رأسها ثم يضمها لصدره وهو مازال بلباسه العسكري الكامل حتى الحذاء والقبعة العسكرية
ويهتف وهو يبتسم: إلا حبيبش ونص.. وإلا عندش حبيب غيري؟؟
حينها دفنت عفراء وجهها في صدره وبكت بشفافية: دام حبيبي ونص.. ليه اللي سويته البارحة..؟؟
منصور اعتدل جالسا بميل وهو يُجلسها معه ثم هتف بجزع: تبكين يا قلبي؟؟ أفا عليش.. ترا حتى منصور ما يستاهل دموعش
سامحيني يالغالية.. أدري زودتها البارحة بس والله من غلاش عندي..
عفراء تجلس بشكل مائل وهي مازالت تسند رأسها لصدره وتهمس من بين دموعها التي تسيل بصمت وعيناها مازالتا مغلقتان:
تدري منصور.. والله ماهمني اللي قلته البارحة كثر ماهمني اللي سويته فيني عقب
يعني ماهان عليك تطمني عليك وانا محترقة من المحاتاة
منصور بمودة شاسعة: سامحيني ياقلبي.. والله العظيم التلفون على الصامت في مخباي.. ما أحب كل شوي أرد إذا كنت في جمعة رياجيل كبيرة
ومع إنه والله العظيم إن العشا ماطب حلقي بس السهرة طولت شوي
ويوم شفت الساعة إلا دوامي مابقى عليه شيء
طلعت للمعسكر دايركت وبدلت هناك.. وكان عندنا تدريب مبكر..
وقتها شفت اتصالاتش حتى المسجات مالحقت أفتحها.. طرشت لش على السريع
ووالله العظيم إن قلبي قارصني عليش.. وعقب ماقريت المسجات ودريت إنش متروعة علي كذا
حتى الدوام ماقدرت أكمله.. رجعت بسرعة عقب ماخلصت شغلاتي الضرورية..
ها سامحتيني وإلا لا.. لأني أنا ترا ماسامحت نفسي..
عفراء تقبل صدره مكان رأسها وتهمس بإرهاق: ما أقدر أزعل عليك ياقلبي.. بس تكفى ما تسويها فيني مرة ثانية.. حتى لو كنت زعلان علي..
منصور يهتف بحنان: زين يوم أنتي منتي بزعلانة.. بطلي عيونش أشوفها..
عفراء بصوتها المرهق: حاولت منصور بس ماقدرت.. عيوني منتفخة.. ورأسي بينفجر من الصداع.. شكله الضغط مرتفع عندي..
منصور بجزع: ضغط..؟؟ ثم أردف بغضب من نفسه: كله مني.. كله مني.. يالله قومي أوديش المستشفى..
عفراء برفض رقيق: مافيه داعي.. بس تكفى عطني بنادول من جنبك.. وبأنام شوي.. وبأقوم زينة.. أبي أنام بس..
منصور يتصل بالخادمة في الأسفل حتى تحضر حليبا باردا حتى لا تتناول المسكن على معدة خالية.. ثم يلتفت لعفراء ويهمس لها بحنان مصفى:
والله يا قلبي مالي وجه منش .. سامحيني يالغالية..
أنا بأخليش تنامين الحين لكن لو رجعت وانتي تعبانة بأشلش غصب وأوديش المستشفى
كان عندي موعد العصر.. خلاص بأروح له الحين.. عشان أتفرغ لش
.
.
.
.
منصور كان متوجها لموعده حين رن هاتفه.. نظر للاسم ثم التقطه رد بابتسامة: هلا والله بالغالية..
صوتها الرقيق: الله يغليك عن ربعك..
رد عليها بمرح: أبي أكون غالي عند خالتش وبس..
ردت عليه مزون بابتسامة: وأنت غالي عند خالتي.. وعلى طاري خالتي أتصل عليها ماترد علي.. مهوب عوايدها راقدة لذا الحزة..
منصور يرد عليها بهدوء: خالتش راقدة.. تعبانة شوي.. توني خليتها الحين..
حينها أشرق وجه مزون وهي تهمس بخجل باسم تخفي خلفه سعادة عارمة:
مبروك ياعمي.. بس توه ما يبين وحم.. صح وإلا أنا غلطانة؟؟
حينها انفجر منصور ضاحكا: ياحليلش يامزون.. وين راح مخش؟؟..
بتباركين لنا إن شاء الله قريب.. بس مهوب الحين تو الناس..
وجه مزون اشتعل احمرارا وهي تسب نفسها
(صدق إني ملقوفة.. حامل وإلا مهيب حامل..
مالقيت حد أبارك له إلا عمي..
بس اللي صار.. فلتت الكلمة)
همست بخفوت تخفي خلفه حرجها: زين أقدر أروح لها..
منصور بحنان: والله يأبيش هي الحين نايمة... تعالي العصر..
.
.
.
بعد نصف ساعة
" ها يا دكتور؟؟ طولت فحوصك"
الطبيب يرفع عينيه عن الأوراق أمامه استجابة لعبارة منصور الحازمة.. ويبتسم:
شوف يا أستاز منصور..
زي مائلت لي تمام في الفحص اللي عملته ئبل..
أنت عندك مشكلة بسيطة خالص.. وعلاجها سهل خالص كمان.. ومضمون بإزن الله مية في المية..
منصور بحزم: هذا كله أنا عارفة.. متى بنبدأ العلاج.. وأهم شيء متى بيعطي نتيجة..
الطبيب بابتسامته المهنية: ست سبع شهور بإزن الله وتكون في السليم..
منصور قفز بشكل حاد وهو يميل على مكتب الطبيب ويهتف بغضب: نعم وش قلت؟؟
الطبيب رغما عنه انكمش قليلا وهو يرى طول منصور الفارع يميل عليه وهتف بصوت أخفت: بائول ست سبع شهور بس..
منصور شد له نفسا عميقا ثم عاود الجلوس وهو يهتف بثقة: أنا ما اقدر أصبر حتى شهر واحد.. أبي نتيجة فورية..
الطبيب بذات النبرة المهنية: استاز منصور اللي بتئوله مش منطقي خالص
دا طب.. مش سحر زي أفلام الكارتون..
يعني الدوا لازم ياخد وئته ومفعوله.. عشان يجيب نتيجة
حينها وقف منصور وهو يهتف بحزم: هذا أخر كلام..؟؟
الطبيب هز كتفيه: أكيد أخر كلام.. ولو رحت لألف دكتور هيئول لك نفس الكلام..
منصور بحزم بالغ: خلاص مع السلامة..
الطبيب باستغراب: والعلاج؟؟
منصور بذات نبرته الحازمة: خلاص ما أبي أتعالج..
الطبيب باستغراب أشد: استاز منصور.. كلو بإزن الله.. بس لو أنته ماخدتش العلاج.. مستحيل يصير حمل
منصور يغادر: بعد ست وإلا سبع شهور الله عالم وش يصير..
منصور غادر العيادة وضيق غاضب يتصاعد في روحه على كل الأطباء الفاشلين..
كان صعبا عليه أن يتخذ قرارا بالعلاج.. لأنه كان مقتنعا بعدم رغبته بالأطفال..
ولكنه رأى أن الوسيلة الوحيدة التي ستربط عفرا به هي طفل..
فإذا كانت مستعدة أن تتخلى عنه من أجل ابنة ماعادت تحتاجها
فمن باب أولى أنها ستتمسك به من أجل طفل هو من يحتاجها..
بدت الفكرة له أول مافكر بها : مقيتة وجارحة ومهينة.. أن يفكر هو العقيد منصور أن يربط امرأة به رغما عنها
ولكنه كما قال لعفراء.. فكر بطريقة العساكر.. الأهم فالمهم..
والأهم عنده هو عفرا.. وعفرا فقط..
بعد ذلك بدت له الفكرة غير سيئة إطلاقا.. بل مثيرة وجذابة وإنسانية لأبعد حد..
يكون أبا.. ولطفل من عفرا..
وبعد ذلك وهو يجري الفحوصات سيطرت فكرة الطفل عليه تماما وهي تلغي كل أفكاره البالية القديمة
فعلا شروط وأنت على البر مختلفة حينما تدخل البحر..
هو الآن يريد درزينة من الأطفال إن كانت عفراء أمهم..
لكن بما أن العلاج يريد وقتا.. يريد أن يضمن قبلا أن عفراء ستبقى معه.. ومن أجله هو
فهو لا يستطيع منعها من زيارة ابنتها طوال هذا الوقت..
ورغم كل الضيق الذي يشعر به لفشل مخططاته ولكنه لن يستسلم.. لن يتخلى عن عفراء بعد أن وجدها..
لذا فلينقل معركته إلى ساحة قتال أخرى
*******************************************
عاد منصور بعد صلاة الظهر محملا بضيقه المتزايد الذي لم يظهره للسطح..
دخل إلى غرفة نومه متسللا بهدوء حتى يرى إن كانت قد نهضت من نومها
ولكنه تفاجأ أنها غير موجودة والغرفة مرتبة ومبخرة..
رغما عنه لا يستطيع دفع هذا الألم المتزايد الذي يطبق عليه بشراسة
حينما يتخيل حياته تعود خالية من وجود عفراء.. ولمسات عفراء ..وحنان عفراء
أي حياة هذه؟؟ الحياة ستكون محض قبر موحش بدونها..
تنهد وهو يغلق باب الغرفة لينزل بحثا عنها ليتفاجأ بها خلفه.. متأنقة له كعادتها..مبتسمة كعادتها
قبل جبينها وهو يسألها باهتمام: شأخبارش الحين؟؟
ابتسمت له برقة: طيبة مافيني شيء.. كنت أدلع عليك بس..
منصور بحنان: واللي تبي تدلع ومش منزلها..؟؟ ليه ماقعدتي ترتاحين في غرفتش..؟؟
عفراء برقة: رحت أسوي لك غدا مخصوص.. مهوب كفاية إنك ماتعشيت البارحة.. واكيد ماتريقت اليوم..
منصور مد ذراعه ليلف بها كتفيها ويعود بها لغرفتهما وهو يهتف بمودة مصفاة:
لا تعبين نفسش تكفين.. أنا باكل أي شيء حتى لو شاهي وخبز..
عفراء تبتسم: حضرت العقيد يتغدى شاهي وخبز.. لا والله مايكون
منصور بولع حقيقي أخفى خلفه حزنه وتوجسه من المجهول: الله لا يخلي العقيد منش ..
والعقيد يسألش يقول متى تبي تسافرين لجميلة تراه حاضر
شعر بارتعاش كتفيها تحت ذراعه وهي تهمس بتردد عذب: يعني لو بغيت أسافر عقب عرس كساب على طول.. مايأثر على شغلك؟؟
منصور بثقة: شغلي باخلصه قبل عرس كساب.. بكرة أو بعد بكرة باخلصه إن شاء الله
وتبين عقب عرس كساب على طول رحنا..؟؟
حينها مدت عفراء جسدها وهي تقف على أطراف قدميها حتى تطوق عنقه وهي تهمس بسعادة غامرة: مشكور يابو زايد مشكور.. الله لا يحرمني منك..
************************************
" ياحياها الله عروستنا"
مزون بحرج: أي عروسة خالتي الله يهداش.. أنتي العروس..
عفراء تبتسم: أي عروسه الله يهداش أنتي.. عقب ماشاب ودوه الكتاب..
مزون تبتسم وهي تميل على كتف خالتها تقبله: وأحلى عروس بعد.. وهذا أنا شايفتش قدامي منورة
ليه عمي خرعني عليش وقال تعبانة... وإلا العم العزيز يبي يزحلقني بس
عفراء بمودة: لا والله كنت تعبانة شوي بس الحين زينة..
حينها ضحكت مزون وقالت: تدرين خالتي شر البلية مايضحك.. اليوم جبت العيد عند عمي
يوم قال لي تعبانة.. قلت له على طول مبروك..حسبتش حامل..
يا الله ياخالتي.. فشلني عمي من قلب...
غصة مجروحة قفزت فورا لحنجرة عفراء وهي تشعر بألم صدمة موجعة استنزفت مشاعرها الرقيقة..
وبدلت فرحتها الشفافة التي شعرت بها اليوم..إلى حزن امتهان موجع لكرامتها وأنوثتها
(حتى مع بنت أخيه وبنت أختي.. عادي عنده يبين إنه مايبي عيال مني
ماحتى احترمني قدامها
أشلون الحين أحط عيني في عينها)
لم يمر حتى يوم واحد على مافعله بها البارحة حتى يطعنها طعنة جديدة اليوم!!
عفراء تشاغلت بصب الشاي لمزون وهي تنحي عبراتها التي تجمعت في حلقها جانبا وتحاول أن تتحدث بنبرة طبيعية:
خلش مني أنا وعمش منصور.. ما تشوفين أنش طولتي وأنتي تفكرين في سالفة عيال آل ليث
حينها غام وجه مزون بشفافية وهمست بذات الشفافية: تعبت خالتي من كثر ما فكرت.. أقدر قول لش قراري وخلاص..
عفراء باستغراب حنون: أكيد تقدرين
مزون بهدوء شفاف: ما أبي ولا واحد منهم..
عفراء بصدمة: من جدش؟؟ وش ذا ؟؟ يأمش فكري زين هذا عرس مهوب لعبة
مزون هزت كتفيها: والله فكرت وصليت واجد.. وهذا للي الله هداني له..
صعب علي خالتي أرضى بواحد وأرفض ولد عمه..يمكن لو كان واحد منهم هو اللي تقدم لي كان تفكيري اختلف
بس الحين الله سبحانه خلاهم يخطبون مع بعض عشان أرفضهم كلهم..
عفراء بذات الصدمة: خلش من ذا الخبال والأفكار المثالية.. زين وكلهم تقدموا.. ترا ماحد منهم يدري بخطبة الثاني
مزون بعذوبة شفافة: بس يوم أوافق على واحد منهم.. الثاني بيدري.. تخيلي فشيلته وحتى ضيقه من ولد عمه..
عفراء باستغراب غاضب: كيفه هو وولد عمه.. يحلون مشاكلهم بنفسهم.. فكري في مصلحتش وبس..
مزون تنتهد: خالتي أنتي خايفة انه ماعاد يجيني خطاطيب.. صح؟؟
وحدة مثلي ويجيها اثنين ماعليهم كلام.. وترفضهم.. تكون تردي نصيبها.. هذا تفكيرش صح؟؟
عفراء بجزع حنون: أشلون طرت ذا الأفكار على بالش.. يابنتي مهوب زين نطب النصيب الزين يوم ياتي.. والا الخطاطيب يا مالش من الخير جاي..
مزون عاودت التنهد بعمق أكبر: على قولتش خالتي..الخير جاي
وترا ياخالتي واحد+واحد= اثنين.. يعني لاحظي ماحد خطبني لين خليت الطيران حتى الطيار اللي كان معي..
معنى كذا أن العيب الكبير مهوب فيني لكن في دراستي وشغلي..
ومعنى كذا لي نصيب عاده جايني الله ما كتبه..
شفتي ياخالتي الشينة اللي فلوس ابيها تنفقها هذي أنا..
كنت أقول أول حتى لو أنا مهوب حلوة.. المثل يقول (الدراهم مراهم تخلي الوحشة حلوة واللي مش فاهم فاهم)
بس أثر الطيران عيب غطى حتى على حلاوة الفلوس
وهذا هو العيب انكشف.. لو لي نصيب بياتي..
عفراء بغضب: مزون وش ذا الكلام السخيف.. أنتي مافيش قصور ومهوب أنتي اللي تزينها الفلوس
ثم أردفت بحنان : أنتي على قولت ابن فطيس:
زينش يزينه فعل أبيش وجدش....... وأنتي بدورش للنقا كسابة
مزون بألم: خلاص خالتي خلي لكل وحدة قناعتها.. أنا فعلا ما أبي أتزوج الحين والمشكة بيني وبين كساب ما انحلت..
عفراء رفعت حاجبا وأنزلت آخر: قولي إن السالفة فيها كساب.. بدون ذا الخرابيط كلها..
مزون نظرت لساعتها: خلاص ردي صار عندش بلغيه عمي وكساب
وعلي الحين بيجي يأخذني
حينها انتفضت عفراء بخفة: مزون حبيبتي اقعدي عندي عمش يقول عنده بكرة شغل من فجر وماراح يرجع إلا بكرة في الليل متاخر
امسي عندي الليلة..
عفراء تريد أن تبقى مزون عندها كدرع تحتمي به من منصور الذي تشعر بغضب عميق منه.. ولا تريد أن يكونا لوحدهما الليلة
فرؤيته دون حاجز حامي ستفتح جروحها التي بدأت تتكاثر منه...
مزون أجابتها بمودة: يا ليت أقدر بس تدرين ابي ما يرضى
بس أوعدش بكرة أجيش من بدري وأسهر عندش لين متأخر
الليلة خلي حضرت العقيد يشبع من قعدتش بدون عزول..
عفراء تنهدت بوجع (شيدريش أني أبيش تقعدين عزول)
لم تكن عفراء مطلقا تريد أن تبقى وحيدة مع منصور هذه الليلة
فبقائهما وحيدين سيفتح مساحة للبوح هي غير مستعدة لها مع تعاظم تجريح منصور لها.. حتى وصل إلى حد السخرية بها أمام ابنتها
مزون غادرت.. وخلا المكان على عفراء
وأعشبت مساحات الألم التي وجدت لها مرتعا خصبا من غضب وعتب وألم..
قد تقبل أي شيء منه إلا أن يهينها أمام أبنائها.. تقبل بأي شيء إلا أن يكسر صورتها أمامهم..
فكيف واتته الجرأة أن يذكر أمام مزون أنه لا يريد أطفالا منها؟؟
أي زواج هذا الذي يكون خاليا من أدنى احترام مفترض بهذه الصورة
تنهدت بعمق لاسع.. وزفرت غضبها بحرارة..
رغم أن عمر زواجها القصير لم يخل من إساءات منصور لها
ولكن من بين كل الإساءات هذه كانت الأعظم بلا مقارنة..
ما بينهما - مهما كان جارحا- صداه محدود بينهما
لكن أن ينقله خارج حدودهما فهذا يعني انتشارا لا محدودا لصدى الجرح..
فهل كان يهدف من ذلك إلى الانتقام منها لما حدث البارحة حينما ناقش شرطها؟!
أ يعقل أن منصور قد ينحدر إلى هذا التفكير المنحط الدنيء؟؟ أ يعقل؟؟
ثم كيف يكون حقا له أن يناقش شرطها ويغضب منه
بينما شرطه لا يُمس ولا يُناقش كأنه حقيقة مُسَلمة لدرجة أن يُشرك مزون فيه بأي صورة حتى لو كان مزاحا؟؟
ألا يكفي معرفة كساب له إحراجا لها؟؟ بينما شرطها له سر بينهما لا يعرفه سواهما
فهل هكذا الشهامة في عرفك يامنصور؟؟
ألا يكفي أنه فعلا بدأت تسيطر عليها رغبتها بإنجاب طفل منه..باتت تتخيل أطفالا يشبهونه.. ولهم نفس عنفوانه الآسر
ولكنها يستحيل أن تضايقه بهذا الطلب وهي تقمع هذه الرغبة التي هي حقها الطبيعي
ثم بعد ذلك يزيدها عليها بتصرفاته..
كيف يريدها أن تقتنع أنه يحبها وحريص عليها لدرجة هذا الغضب الهادر من شرطها.. وهو يتصرف معها على ها النحو الذي يثبت أن كلامه محض ادعاء وكذب
فكلامه شيء وتصرفاته تثبت عكس مايقول..
تستطيع أن تخبره ببساطة أن شرطها كان خط حماية لحياة مجهولة معه لا تعلم كيف ستكون
وأنها لو أيقنت أنه سيكون الحماية والاحتواء لها ولابنتها .. فشرطها لا داعي له
ولكنه لم يشجعها على ذلك وهو يثير في روحها قلق دائم من حياتها معه..
التهمها هذه الأفكار وهي تدور في البيت.. تحاول الالتهاء فلا تلتهي عن أفكارها
كانت غارقة في أفكارها وهي تجلس على أريكة في صالة الطابق العلوي
حين فوجئت بمن ينحني عليها من الخلف ويقبل رأسها..وهو يلقي السلام
ردت السلام بهدوء
استدار ليجلس جوارها وهو يهتف بحنان: أشلونش الحين يا قلبي؟؟
(قلبك يا النصاب؟!) هكذا قالت عفراء في ذهنها وهي ترد بنبرة محايدة: الحمدلله تمام..
تبي عشا؟؟
مد يده ليطوق كتفيها وهو يشدها ناحيته ليقبل خدها وهو يجيب: متعشي في المجلس..
ولكنه فوجئ بها تنفض كتفيها وتنهض.. فهي لا تستطع تقبل لمساته بعد ما تظنه فعله
حينها هتف بحزم غاضب وهو مازال جالسا وهي واقفة: عسى ماشر؟؟
عفراء بذات النبرة المحايدة وهي تستعد للمغادرة: مافيني شيء تعبانة وأبي أنام..
فوجئت به يقف وينتزعها من عضدها بحزم: ياويلش مرة ثانية تخليني وأنا أتكلم معش..
عفراء همست بنبرة حزم لم يعتدها منها: أيش بتسوي يعني؟؟ بتضربني؟؟
ولو سمحت فك يدي لأنك آجعتني..
منصور أفلت عضدها وهو يهتف بحزم: مهوب أنا اللي أمد يدي على مرة..
بس أنتي الليلة منتي بطبيعية.. خليتش المغرب مافيش شيء
عفراء تشعر أنها تريد أن تبكي وتمنع نفسها وهي تدفع القوة في عروقها:
يعني ما يحق لي مرة أزعل أو أتضايق وأنت تستحملني شوي..
منصور بذات النبرة الحازمة التي حملت هذه المرة دفئا عميقا: أنا استحملش عمري كله..
بس أظني أنش صرتي عارفتني.. أسلوب المراوغة ما أحبه..
وأنتي مبين أنش زعلانة مني.. قولي لي أيش اللي مزعلش..
عفراء حينها تنهدت بألم رغما عنها.. وشعر منصور أن تنهيدتها نفذت من صدره
ولم يشعر بنفسه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويهتف لها بحنان مصفى:
وتنهيدة بعد .. أفا يا الغالية.. وش اللي مضايقش؟؟
أدري أني أجيب الهم والضغط... بس والله ذا المرة ما ظنتي إني سويت شيء
علميني منصور أبو دم ثقيل وش سوى؟؟
عفراء اشاحت بوجهها لتبتعد عن مدى كفيه.. حينها تأخر منصور للخلف وهو يهتف بحزم عاتب: وحتى أقل لمسة ما تبينها مني... والله أن الزعلة كايدة..
شوفي خرابيط خلني بروحي.. وأبي أختلي بنفسي.. هذي ما أبي أسمعها
الحين تقولين لي وش اللي مزعلش مني؟
حينها رفعت عفراء عينيها الغائمتين له وهمست باختناق:زين يوم أنت حريص على الحوار ليش أمس طلعت وخلتيني وأنا أقول لك اقعد نتفاهم
وإلا بس هذا حقك بروحك؟؟
وعلى العموم خلنا في اليوم...تشوف إن الكلام اللي قلته لمزون مايزعل.. ليش تسوي فيني كذا يا منصور؟؟
ممكن أقبل منك أي شيء إلا إنك تفشلني في عيالي..
منصور بصدمة: أنا فشلتش في مزون.. شكلش تخيلين شيء ماصار..
عفراء بألم أكبر: وبعد شايف إن اللي أنت قلته لها مافيه شيء.. خلاص منصور.. ما قصرت.. تصبح على خير..
منصور بغضب: وش تصبح على خير ذي.. تقطين الكلمة وتروحين.. مافيه.. اقعدي وفهميني..
حينها جلست عفراء وانخرطت في بكاء خافت وهي تشهق: بس منصور حرام عليك .. لازم توصلني لأخري.. ارحمني الله يرحم والديك
منصور حينها استعد لمغادرتها لغرفته وهو يهتف بغضب حازم: ذا اليومين ما أدري وش فينا... شياطيننا متركزة.. الله يكفينا شرها..
بأخليش يأم جميلة.. بأروح أنخمد وراي شغل من فجر..
وانتي اشبعي بالتفاهم مع روحش يمكن توصلين مع روحش لحل لمشاكلش مع رجّالش اللي طلعتيه من السالفة..
عفراء رفعت عينيها وهي ترى ظهره داخلا لغرفتهما ثم يغلق الباب خلفه بدوي هائل كأنه سيحطم الباب
انتفضت من الصوت وهي تستغرب قوله لها أم جميلة.. هي بالفعل تحب أن يُقال لها أم جميلة.. ولكنها المرة الأولى التي يقولها لها منصور
( أ هذه رسالتك الجديدة يا منصور
فلست زوجتك عفرا
ولكن أم جميلة فقط
أ تشير إلى أنني قد أختار جميلة عليك.. لذا يجب أن أكتفي بكوني أما لها وليس زوجتك وشريكة حياتك؟؟
ماذا أفعل يا منصور إن كنت لا تسمح لي أن أكون أما لسواها..
هل تظن أنه لو كان بيننا أطفال أنني قد أتركك..
أقسم لك أنني لا أريد تركك بدون أطفال.. فكيف لو كان هناك مايربط بيننا..
أريد أطفالا تكون أنت والدهم..
ولكنك ترعبني من الحياة معك..
تعبت يا منصور.. تعبت ونحن ما زلنا في أول الطريق
يا لك من رجل مستبد متسلط.. لا تكتفي بأوساط الحلول ولا أوساط المشاعر!!)
قضت عفراء ليلتها جالسة في الصالة.. صلت هناك وأخذت من سجاجيد وأجلة الضيوف
لم تدخل على منصور ولم تستبدل ملابسها ولم تأخذ سجادتها
تشعر أنها منهكة تماما من التعب والتفكير .. تمددت بشكل مائل على الأريكة ونامت..
صحت على هزات حانية على كتفها ..فتحت عينيها ..حين رأت وجه منصور القريب وملامحه المرهقة شعرت أن عبرتها قفزت لحلقها
وقف وهو يهمس لها بعتب عميق مخلوط بالحزم: قومي نامي في غرفتش.. المتوحش اللي بيأكلش طالع لشغله..
البارحة ماجاني نوم.. وأنا أقول كل شوي بتجيني.. لأني كنت أظن أنه مايهون عليش تنامين بعيد عن حضني
مادريت قلبش قاسي كذا..
أنهى عبارته.. ونزل.. وعفراء يتنازعها الاستغراب والألم من أشياء ثلاثة..
كلامه العاتب لها وهو يحملها مسؤولية ماحدث كله ويبرئ نفسه..
وأنه نزل بثوبه وغترته.. وليس بلباسه العسكري..
وأنه كان يحمل حقيبة صغيرة في يده!!
****************************************
في صالة الانتظار لصعود الركاب
مازالت البوابة لم تفتح.. ولكن لم يعد به صبر..
قضى البارحة ليلة منهكة في رحلته وهو يتطفل على الطاقم كعضو زائد لم يكن له عمل..
ولم يستطع مطلقا أن ينام.. وهو لم يكن قد نام قبلها.. ليصبح له يومين متواصلين لم ينم.. وهاهو يدخل اليوم الثالث..
كان يريد الوقوف عند البوابة تماما حتى يراهما فور وصولهما.. ولكنه رأى أن هذا سيكون محرجا له ولهم.. عدا أنه مازال عاجزا عن التصديق
يريد له جوا ومكانا يستطيع التحكم بنفسه فيه
لذا بقي جالسا في زاوية الصالة ينتظر وصول الركاب
علاقته بابناء عمه علاقة أخوة خاصة.. فإن كان الله لم يرزقه بأخ سوى بصالح الصغير قبل عام.. فلطالما اعتبر ابناء عمه خالد أخوة له
كان خبر وفاة عبدالله فاجعا له كما كان فاجعا لصالح وفهد وهزاع
وماهزَّ غانم أكثر أنه يعلم قُرب عبدالله من عمه.. كان يعلم أن فجيعة عمه هائلة في هذا الشاب الذي انطفئت شمعة حياته في زهوتها
لم يكن أبلها كي لا يلاحظ أن عمه منذ وفاة عبدالله وهو يزداد وهنا وضعفا يحاول إخفائه خلف صلابته المعتادة
لطالما شعر غانم بغصة كلما رأى حسن الصغير .. طفل يتيم لم يعرف له أبا ..
وغصة أخرى حين يرى شدة شبهه بعبدالله.. صورة من والده.. وكأن الله عز وجل يريد أن لا ينتهي امتداد عبدالله
فإذا بأصل هذا الامتداد موجود.. لم يمت.. أي صدمة هذه؟؟
يفكر غانم الآن بعمه.. عمه بالذات.. كيف ستكون ردة فعله..
كانت هذه أفكار غانم.. حينما التقطت عيناه الجسدان اللذان يعبران البوابة
انتفض بعنف حاد..كأنما أصابته حمى حقيقية..
أحدهما رآه منذ أيام فقط.. لكن الآخر مضت سنوات منذ آخر رآه..
هـــو بذاته.. يبدو أكبر قليلا.. لكنه هــو.. هو عبدالله.. طوله وعرضه وحتى وسامته التي لم يستطع أحد منهم منافسته فيها
رغم كل ما فعله غانم وهو يأخذ هذه الرحلة ويأتي بنفسه لواشنطن حتى يتأكد
لكنه في داخله كان عاجزا عن التصديق.. إذا كان لم يمت فأين كان طيلة السنوات الماضية؟؟
وهاهي شكوكه كلها تتفجر أمامه وعيناه تتبعان بصدمة الشقيقين حتى جلسا انتظارا لموعد صعود الطائرة بعد دقائق..
كان يحاول أن يقف فلا يستطيع.. وتفكيره يعود مرة أخرى لعمه.. بل حتى لوالده..
إذا كان هو لم يحتمل رؤية عبدالله حيا.. ومازال عاجزا عن الاستيعاب ومشاعره تضغط عليه بعنف غير معقول.. خليط من سعادة وصدمة هائلتين..
فكيف ستكون ردة والده وقبل ذلك ردة فعل عمه؟؟
قلقه يتصاعد عليهما من شدة الصدمة..
ختاما حاول شد نفسه وهو يتوجه لهما..
حينها كان صالح وعبدالله مستغرقان في الحديث.. الذي قطعه عليهما الظل الطويل الذي وقف جوارهما وهو يضع يده على كتف عبدالله
عبدالله رفع عينيه..شهق بصدمة.. ليقفز بعدها مباشرة.. وهو يحتضن غانما دون تفكير
لم يفكر حتى كيف أن غانم هنا.. أو لماذا؟؟
لم يشغل نفسه سوى بفرحة عميقة اخترقت قلبه الذي أثقله الحرمان
سعادة عميقة وهو يرى رائحة أخرى من روائح أهله الطيبة تقف أمامه.. أراد أن يطفي بعضا من شوقه.. جوعه لكل واحد منهم.. أراد أن يشعر باحتواءهم يسكن أيام غربته وضياعه..
بادله غانم الحضن بحضن أشد وكأنهما كلاهما يريدان تعويض سنوات متطاولة مرت دون سلام.. دون تحية.. دون دفء مودتهما المتبادلة!!
ووعشرات الذكريات المشتركة تغتال أفكار كل منهما!!
صالح يهمس بابتسامة : فكوا ياجماعة الخير.. فضحتونا.. يفكرونكم تسوون فيلم هندي..
صالح لم يستغرب رؤية غانم.. فغانم طيار وارجع رؤيته إلى رحلة مصادفة..
أفلت كل منهما الآخر وكلاهما يحاول منع عبرة متجبرة من القفز لحلقه..
وغانم يهتف بترحيب عميق عميق: الحمدلله على سلامتك..
ليجيبه عبدالله بتأثر أعمق: الله يسلمك.. بارك لي إن عيني قرت بشوفتك..
غانم بشجن: وين كنت ذا السنين كلها؟؟
قبل أن يجيب عبدالله سارع صالح ليجيب بنبرة حاول أن تكون غاية في الطبيعية:
صارت له شوي مشاكل.. توه خلص منها.. وموته خبر وصلنا بالغلط..
نظر غانم لصالح .. وفهم أنه لا يريد التحدث في الموضوع أو الأسباب.. وفي ختام الأمر غانم لم يهتم بالسبب.. مادام ابن عمه أمامه سليما معافى
فأين كان قبل ذلك لا يهمه بأي حال من الأحوال.. فهو من معرفته لعبدالله يعلم أن السبب لن أبدا يصل إلى الدين أو الشرف.. وماعدا هذين الأمرين لا يهمه..
لذا رد بمودة عميقة: المهم إنه قدامي مافيه إلا العافية .. غير كذا ما يهمني..
عبدالله بلهفة: أشلون عمي؟؟ وأشلون أم غانم وخواتك؟؟ واخوانك الصغار؟؟ صالح علمني إنه صار عندك تالي أخت وأخ..
غانم ابتسم: كلهم طيبين وبخير .. وإيه عندنا صالح ومها..
صالح يبتسم بسعادة: سميي صالح طير حوران.. وعمك مهوب هين.. جاب اثنين قبل يحيلونه للتقاعد
أما عاد خواته.. تحشم.. تسأل عن المدام وأنا موجود..
حينها التفت غانم وهمس له بابتسامة كبيرة: أما على طاري المدام.. شكلك بتعلق من كراعينك إذا رجعت الدوحة..
غانم يضحك: أفا ياذا العلم.. ليه وش مزعل أم خالد علينا..
غانم يضحك: مرتك الجديدة أنت رايح تجيبها من أمريكا
غانم أخبر صالحا الحكاية على عجالة وهو يضحك.. ومعها سبب حضوره وهم يتجهون لداخل الطائرة..
بينما عبدالله كان فقط يستمع باستمتاع حد الوجع.. حتى النخاع
أن يجد نفسه يعود لجوه الأسري.. مشاكلهم الصغيرة ...مشاحناتهم الدافئة...
كل هذا دفع دفئا شفافا إلى روحه المثقلة بالبرد والجمود..
************************************
بعد حوالي 14 ساعة..
الطائرة تحط في مطار الدوحة الدولي
ينزلون ثلاثتهم لأرض المطار.. قلب أحدهم يذوب..يذوب.. يذوب
حينما لفحت وجهه حرارة الجو.. شعر كما لو أن هذه الحرارة تنزل في روحه بردا وسلاما..
رغما عنه سالت دموع حاول جاهدا كبحها فلم يستطع.. لم يظن أنه قد يعود إلا في أحلامه العذبة المستحيلة
بقيت الدوحة وأهلها حلما مستحيلا عذّب ليالي سهده الطويلة بمشاعر لا قياس لها من الألم والشوق والوجع
كم ليلة صحا من نومه وهو يئن كأنين الملسوع..الذي يشعر بسريان السم في جسده.. يشعر أن جسده وروحه يتمزقان ألما لايستطيع رده
لأنه كان يرى في الحلم أنه هنا ثم حين ينتفض من السعادة ويقفز.. يجد نفسه هناك..
ليبدأ في أنين مكتوم ينزف فيه جروح قلبه.. أنين سريان السم في الجسد..
أنين يكتمه بوضع طرف اللحاف في فمه حتى لا يوقظ الصغير النائم جواره بشدة أناته التي ترتفع بحرقة يشعر بألمها تمزق أمعائه
ويبقى يئن.. ويئن.. حتى صلاة الفجر.. ينحني حينها على سجادته ويدعو ربه بلوعة:
أشعر أني أموت يا الله.. وروحي تذوي
أعلم أن الموت أفضل من هذه الحياة.. ولكن هذا الصغير لا أحد له سواي
أبقني بقوتي من أجله..
أرجوك يارب.. كل ليلة أشعر أنك ستنزع روحي من مكانها
أعلم أن ذنبي كبير.. ولكن رحمتك أكبر يارب العالمين
حينما ينهي صلاته ودعواته الطويلة.. يعود ليلقي جسدا متهالكا بجوار خالد الصغير.. يضمه لصدره.. وينام
ساعات قليلة قبل أن ينهض لينخرط في حياة باردة مملة موجعة..
لا يوجد فيها سوى خالد وفيصل.. وأنينه الليلي الموجوع وأحلامه تأخذه إلى بلده وأهله..
ثم اليوم يجد نفسه هنا.. هنا في بلده.. وقريبا يرى أهله..
( أحقا أنا هنا؟؟
أ حقا لست أحلم؟؟
أ هذه أنتِ الدوحة؟؟ أيام الطفولة وليالي الصبا وابتسامات الشباب؟؟
أ حقا لست أحلم؟؟
إن كنت أحلم فلا توقظوني أرجوكم.. لا توقظوني
ماعاد في روحي مكان للأنين والحرقة والحسرة)
أيقظه من أفكاره يد صالح تشده: عبدالله مطول وأنت واقف على الدرج؟؟ الناس كلهم نزلوا
حينها التفت عبدالله وهمس لصالح باختناق: صحيح يا صالح أنا في الدوحة؟؟
ابتسم صالح بألم وهو يشعر بألم شقيقه: ليه الحر ذا كله ماعطاك كف على وجهك وقال لك مرحبا بك أنت في الدوحة؟؟
حينها أكمل عبدالله الخطوات المتبقية للأسفل ثم سجد ليقبل أرض المطار
صالح بصدمة كان يشد عبدالله وهو يهتف بغضب: وش تسوي يا الخبل؟؟
عبدالله ابتسم وهمس بكل شجن العالم: أنا نذرت لو الله كتب لي أرجع يوم للدوحة هذا أول شيء بأسويه.. أحب أرضها..
غانم وصلهما من خلفهما وهو يهمس بتأثر يخفيه خلف ابتسامته: والله وصاير الأخ حساس.. عقب ماترس روسنا فلوع..
أكملوا طريقهم وغانم يأخذهم معه على باص الطاقم وصالح يهتف لهما: غانم يأخيك أبيك أنت تأخذ عبدالله لبيتي
وأنا باكلم فهد وهزاع ينتظرونكم هناك.. وتراني مخليها مفاجأة لهم..
ومابغيتهم يستقبلوننا في المطار ينصدمون قدام العالم...
وأنا بأروح أجيب حسن ولد عبدالله وبجيكم هناك...
#أنفاس_قطر#
.
.
.