كاتب الموضوع :
#أنفاس_قطر#
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وسبعة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير ياوجيه الخير...
صباح الأمن اللي ندعي به لكل أخواننا في كل مكان
أنعم الله عليهم بنعمة الأمن والاستقرار.. ورحم موتاهم وتقبلهم القبول الحسن
.
.
الدعاء بالشفاء لزوزو .. وفقط نقط.. اللهم اشفهما شفاء لا يغادر سقما..
وبثبات حمل أنت نور في سما عمري.. اللهم ثبت حملها وارزقها طفلا تاما..
.
أم عجايف الحمدلله على السلامة ومبروك ماجاك بنوتة وإلا ولد؟؟
وجميلة من أيام العلاج تدري إنه بيكون عندها مشكلة في الحمل عشان الدورة وقفت معها أكثر من سنة..
ومنصور بلغ فهد أيام الخطبة..
.
شكر خاص جدا لـ (لامارا) اللي سوت بارت إبداعي سبيشل لهزاع...
خلاص يا لامارا كفاية على هزاع بارتك يكفيه عن ألف عرس :)
هو يطول؟؟ يحمد ربه :)
.
البنات بعدهم يتساؤلون عن عادة لبس البرقع للمرة حتى عند زوج بنتها..
أمي شخصيا في سن مزنة تقريبا... زوجي ما عمره شاف وجهها :)
.
.
.
أبو البقاء الرندي قال:
لكل شيء إذا ماتم نقصان....
وروايتنا لازم لها يوم وتنتهي .. وتأكدوا مثل ماقلت ألف مرة إنها بتنتهي بالضبط مثل ماقررتها من البداية
لا مشهد واحد زايد.. ولا مشهد ناقص!!
ترا ما أقصد اليوم :)
يعني اقراو براحتكم مهوب البارت الأخير.. لكن أنا بس حبيت أرد على نبضات القلب اللي يتساؤلون
والله يديم المودة بين قلوبنا..
.
بارت اليوم بارت خاص جدا... ورجائي الخاص..
إنه ماتقفزون لنهاية البارت قبل ماتقرون كل حرف من البداية
وإذا وصلتوا للنهاية عرفتوا السبب..
.
يا الله البارت 107
.
أدري بتقولون قصير.. مع إنه موب قصير :)
بس لأنه صياغته لازم تعتمد على هالمشاهد بس
وتعويضكم ببارت طويل يوم الثلاثاء الساعة 9 صباحا على خير..
.
.
قراءة ممتعة مقدما..
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وسبعة
تناولت الهاتف من فورها لتتصل بفهد بأنامل مرتجفة.. وغضب عارم يجتاح روحها..
فور تناولها للهاتف... وردها اتصال من ذات الرقم الغريب..
فتحت الاتصال دون أن تقصد..
لتتفاجئ بالصوت الرجولي غير الغريب أبدا وهي تهمس بصدمة كاسحة:
خــــلــــيــــفـــــة؟؟!!!
صوته وردها مرتبكا محرجا بعيدا: مساج الله بالخير جميلة...
ردت بارتباك أكبر: هلا خليفة.. فيه شيء؟؟
عمي أحمد فيه شيء؟؟
خليفة ارتبك أكثر..وأكثر... وكثير مما يريد قوله يتسرب من خياله...
( أ حقا هذا صوتها؟؟ لماذا يبدو لي مختلفا؟؟
خاليا من نغمته الحلوة..
بل أقرب للبلادة!! )
خليفة يجمع كل حزمه رغم ارتباكه: أنا صار لي 3 شهور أنتظر ذا اللحظة..
حسبت لها يوم بيوم وشهر بشهر..
جميلة تشعر باستغراب عظيم وبضيق أعظم.. تتمنى لو انتهى هذا الاتصال بسرعة..
تشعر أنها تخون فهد بتلقيها لهذا الاتصال والسماح لصوت خليفة بدخول أذنها
وهي تعلم غيرة فهد الشديدة وتضايقه من مجرد اسمه..
بل شعرت بإحساس غريب وهي تسمع صوت خليفة بعد مرور كل هذا الوقت..
أن زخم حضور خليفة السابق في روحها يتضاءل ويتضاءل.. وهي تراه باهتا تماما أمام إشعاع فهد وألقه في روحها..
كما لو أنك أطفأت مصباحا فجأة... ثم أشعلت مصباحا آخر فورا..
همست بهذا الضيق والاستغراب: وليش 3 شهور بالضبط؟؟
خليفة ارتبك أكثر.. وأفكاره تتشوش تماما... يتمنى لو أنه لم يتصل..
بدت له هذه المرأة غريبة.. باردة.. جافة..
وخالية تماما مما كان يفتنه فيها!!
(وش كان عاجبني فيها؟؟!!)
يشعر لأول مرة برغبة عارمة أن يترك كل هذا ليتوجه ليدفن وجهه بين كفي زوجته ويغمرهما بقبلاته..
وهو يعلم أنها تنتظر مولودهما الأول بين لحظة وأخرى بعد أنهت شهرها التاسع تقريبا..
وتوجهت لتقضي أيامها الأخيرة عند أهلها.. بعد أن يأست أنها قد تثير في نفسه التفاعل الذي تتمناه..
بينما هي تكاد تقتل نفسها لتحصل منه على مجرد ابتسامة رضا..
يضن بها عليها وهو يتسربل ببرود غريب رغما.. رغم أنه يحاول أن يبدي لها طيب تعامله ردا على طيب تعاملها..
ولكنه كان يحلق في عالم آخر بعيدا عنها.. وهي احتملت من أجله كل شيء!!
حرر عنقه من أزراره العلوية.. وهو يشعر بالاختناق والكلمات تجف على شفتيه..
وجميلة همست بذات الضيق والحرج: خليفة فيه شيء؟؟ أو اسمح لي أسكر..
خليفة باختناق: أنا كنت أنتظرج تخلصين عدتج.. عشان يكون لي حق أكلمج..
جميلة بصدمة: عدة؟؟ أي عدة؟؟
خليفة بحرج أشد: سمعت إنج تطلقتي قبل 3 شهور..
جميلة باستنكار: تطلقت؟؟ من اللي قال ذا الخرابيط..
عمي أحمد قال لك كذا..؟؟
خليفة حرجه تزايد وتزايد: لا.. وحدة من خالاتي قالته.. وأنا حفظت الوقت واستحيت أسأل عن التفاصيل..
جميلة تنهدت وهي تهمس بحزم: غلطان أنا ما تطلقت..
ولولا حشمتك كنت سكرت التلفون لأني ما أرضى أكلم رجّال غريب من ورا رجالي..
خليفة حينها ابتسم..ابتسامة شاسعة...
شعور غريب بالحرية والانطلاق اخترم روحه من أقصاها إلى أقصاها..
كان يظنها طُلقت بسببه.. وخطرت بباله عشرات الأفكار التي حالت بينه وبين زوجته..
ثلاثة أشهر وهو ينتظر شيئا لا معنى له..!!
وشهور قبلها يبكي حلما فر من يديه... حلم لم يكن يوما له..
يبتسم لأنه الآن حر..
يبتسم لأنه لو لم يكلمها لكان بقي أعمى طوال عمره من أجل شيء لا يستحق...
كم يبدو لنا الشيء عظيما لأنه بعيد.. ولم نحصل عليه..
بينما ماهو بين أيدينا هو الأعظم والأجمل..
قد تكون جميلة حلما جميلا.. تعب من أجله وتمناه.. وزاد من حسرته أنه لم يستطع الوصول له..
لكن زوجته كانت حقيقة واقعة.. واقع ناضج.. وصله دون تعب... لذا لم يتحمس له..
لم يفكر ببساطة أن زوجته كانت مكافأة له على أيام الشقاء التي قضاها مع جميلة..
وكم من الأشياء العظيمة تكون بين أيدينا... وتضيع.. لأننا لا نعرف قيمتها..
سعيد لأنه عرف قيمتها قبل أن يفوت الآوان..!!
هتف بذات الابتسامة: أنا بس حبيت أقول لج..
إنج بنت عمي وعلى رأسي.. وتأكدي دوم إن وراج أخوان..
وأنا يوم طلقتج.. طلقتج لأني كنت مجروح وايد من تصرفج معاي..
ما قصدت أقلل من قدرج ولا قيمتج وادري إني غلطان وأنا آسف سامحيني..
كان لازم أقول هالكلمتين عشان أقدر أعيش مع زوجتي بدون ما أحس بالذنب..
زوجتي مرة مافي مثلها.. بس لاني حاس بالذنب من ناحيتج ماقدرت أقول لها وش كثر هي نادرة..!!
وش كثر أنا أحبها..!! وش كثر أنا سعيد إنها بتيب لي ولد أو بنت تعطيهم من طبايعها الرايقة وقلبها الطيب وروحها الحلوة..!!
ابتسمت جميلة ابتسامة شاسعة بشفافية: أنت متصل لي عشان تتغزل بزوجتك؟؟
كلمها وقول لها ذا الكلام كله..
خليفة ضحك.. وضحك.. وضحك.. : الحين بأروح بنفسي وأقول لها ذا الكلام وأكثر..
لم يكن مطلقا هذا هو الكلام الذي خطط ليقوله لجميلة..
كان هناك كلام مختلف.. تبخر كله حالما سمع همسات جميلة.. وقبل أن يعلم أنها ليست مطلقة حتى..
وصورة زوجته تتضخم وتتضخم لتحتتل هي كل الذاكرة وأكثر..
جميلة همست بشجن: وقبل ما تسكر ودامك كلمتني بنفسك..
خلني أقول لك.. إنك أنت رجّال مافيه مثلك.. والله يهنيك مع مرتك..
وأنه جميلك فوق رأسي طول عمري.. وإني لو شكرتك ألف مرة ما وفيتك حقك...
وأنا يوم مارضيت أرجع معك من المطار.. ماعفتك..
لكن كنت أبيك أعطيك حرية الخيار بس..
وسبحان الله هذا أنت لقيت نصيبك وأنا لقيت نصيبي..
لأنه نصيبنا عمره ماكان مابعض..!!
انتهى الاتصال...
وجميلة اختلطت شفافية دموعها بابتسامتها..
إحساس خيالي بالحرية والانطلاق والرحابة.. تشعر به..
لا تعلم.. لو لم يهاتفها خليفة كيف كانت ستبقى على عمى بصيرتها..
وكأن الأمرين يجتمعان ليزيلا الغمة من أمامها...
سفر فهد.. واتصال خليفة...
فلو أن خليفة اتصل وفهد كان موجود لا تعلم كيف كان من الممكن أن تكون النتائج..
ولو أن فهدا سافر.. وخليفة لم يتصل.. لربما بقي إحساسها بخليفة يكدر علاقتها بفهد..
فهل لابد لنا من هزة لتفيقنا من الغيبوبة؟؟!!
جميلة تنهدت من أفكارها وهي تمسح دموعها وتتنهد بعمق.. تتنفس أنفاسا مثقلة بعبق حرية مختلف تماما..
لتعود وتتذكر المهمة المعلقة..
فـــــــــهـــــــد..!!
تشعر الآن أنها ستجن من إحساس لذيذ اســمــه (الـغـيـرة )!!
وكل شيء يبدو واضحا أمامها لدرجة صفاء الصورة المذهل..
قلبها يُعتصر.. يعتصر من كل شيء!!
وأكثر شيء يعتصر قلبها.. اشتياقها له..
مشتاقة له كأنه غائب من عامين وليس من يومين... وكأنها باشتياقها له تريد أن تعوضه عن برودها معه لليالي متطاولة!!!!
جمعت كل شجاعتها.. واتصلت..
حينها كان فهد يتعشى مع مجموعة من زملائه في مطعم..
حين رأى اسمها يضيء الشاشة.. كادت الملعقة تسقط من يده..
وهو يضع الهاتف على الصامت.. وينتظر قليلا ليتماسك!!
بينما هي اتصلت عدة مرات ولم يرد عليها..
كادت تجن وهي تحاول دون رد عليها..
هو ماعاد قادرا على أن يتناول لقمة واحدة .. ثم استأذن وخرج للشارع ليكلم بحريته..
" غريبة.. وش عندها متصلة؟؟
لا تكون غلطانة الأخت بس!! "
حالما وصلها اتصال منه..
تصاعدت دقات قلبها بعنف..
إحساس جديد آخر تختبره لأول مرة!!
هذه اللهفة... والأنفاس المبهورة.. والدقات المتصاعدة!!
فتحت الهاتف لتجيب فورا بحزم مقصود يخفي اختلاج أنفاسها: يعني تلفونك معك؟؟ ماخذوه منك؟؟
أجابها ببساطة أقرب للسخرية: هذا أنتي يوم فكرتي تتصلين لقيتيه معي..
جميلة بغضب: وليش قلت لي إنهم بيأخذونه..
وش عندك ما تبيني أعرفه؟؟
فهد يشعر باستغراب حقيقي (وش عندها ذي): نعم؟؟ وش عندي يعني؟؟
جميلة بذات النبرة المشتعلة: أنت أدرى؟؟
ثم أردفت بإصرارها المشتعل:وينك الحين ووش تسوي؟؟
أجابها ببساطة: في مطعم.. أتعشى..
سألته بحدة: ومن اللي معك؟؟
نهرها بحزم: نعم؟؟ تسألين من معي؟؟
مالش شغل...
جميلة انفجرت: الرجال اللي يكذب على مرته كذا..
يكون عنده شيء داسه.. كنه سواد وجهه!!
فهد صرخ فيها بغضب: أص ولا كلمة... إني ولد إبي.. أنا تقولين لي كذا؟؟
زين ياجميلة دواش عندي لا رجعت..
حينها انفجرت تبكي بهستيرية: زين ارجع.. ارجع وسوي فيني اللي تبيه بس ارجع.. ارجع الحين..
فهد لم يفهم نبرة الوجع والاشتياق في صوتها!!
أو ربما لم يصدقها !!.. أو لم يستوعبها..!!
فكل مافهمه أنها تتحداه.. وكأنها تقول (كن فيك خير ارجع وسو اللي تبي)
هتف بغضب حقيقي: كلها كم يوم وأرجع.. وأقص لسانش اللي يبي له قص!!
أغلق هو الهاتف في وجهها..
وألقت هي هاتفها جوارها وهي مستمرة في النحيب.. بلا توقف..
بلا توقف!!!
*************************************
" ها وضحى أوديش لبيتش..
وإلا تروحين معي لبيتنا وتكملين السهرة معنا لين يجيش نايف"
وضحى تشير بمودة: أبي بيتي فديتك.. الساعة صارت 11..و نايف معزوم على العشاء عند رياجيل..
وأكيد على وصول!!
أبي أكون قبله في البيت...
وضحى نزلت لتتفاجأ بوجود نايف ومعه شقيقتيه نورة وسلطانة..
سلمت عليهم.. ثم جلست جوار نايف وهي تهمس في أذنه بمودة:
ليش ماقلت لي إنهم هنا.. كان رجعت بدري..
نايف همس بمودة باسمة: هم اهجموا علي وأنا كنت بأروح للعشاء..
قلت دام طلعتي خربتي ليش أخرب طلعتش..
تونا تعشينا.. وهذا أنا معهم .. وش يبون بعد؟؟
ولكن لم يكن رأيه كرأيهن.. إذ همست نورة بنبرة أقرب للغضب:
والله يأمش ماخبرت المرة تلوب بين البيوت ورجالها قاعد يحرس البيت..
(تلوب= تدور بالمعنى السلبي
لوبة= اسم لمن لا تقر في بيتها)
وضحى تنهدت بعمق وهي تشد لها نفسا عميقا وتحاول أن تتحامل على نفسها:
أنا طلعت مع أخي ومرته.. ونايف كان بيطلع وراي.. لأنه معزوم على عشا..
لو دريت انكم بتجون ماكان رحت..
حينها سألت سلطانة بفضول: مرت أخيش ماحملت..؟؟
وضحى شدت نفسا آخر: لا.. الله يجيب خير من عنده..
حينها هتفت نورة بمباشرتها القاسية: الظاهر أخوانش كلهم عندهم مشاكل..
كاسرة ماحملت إلا عقب سنة..
وذا تميم كملت مرته سنة ونص ماحملت..
وأنتي قدش بتكملين ست شهور..
وضحى ابتلعت عبرتها بالفعل.. قد يكون موضوع الحمل لا يشغلها حاليا لا هي ولا نايف.. فما زال الوقت مبكرا..
لكن هذا التجريح الجامع جرحها بالفعل..
والأسوأ أنها كانت تنتظر من نايف تحركا ما..
لم تكن تريد أن ترد عليهم في وجوده.. قررت أن تصمت حتى ترى ردة فعله..
وهو لم ينطق بحرف.. ووقت الرد فات..
وخصوصا أن نورة عاودت الاستئناف بذات المباشرة الحادة:
اللي أنا مستغربته بنت آل ليث اللي كنها زبدة وش مصبرها على أخيش..؟؟
أطرم ولا فيه عيال...
حينها انفجرت وضحى فعلا وهي تقفز واقفة وترتعش: لا.. لين هنا وبس..
حتى أخي.. لحقتوه بالحكي..
انتهينا..
أنا طالعة من ذا البيت اللي رجالي ماعرف يحشمني فيه..
من يوم خذته وأنا حاشمتكم من حشمتي له.. وأنتو ما حشتموني عشانه..
وليش تحشموني وهو أساسا ماحشمني!!
وخلا كل وحدة منكم تمد لسانها علي وش طوله!!
نايف أخيرا نطق بتمزق: وضحى عيب عليش..
وضحى انفجرت بغضب أشد: الحين طلع لك لسان.. الحين حكيت..
اشبع بخواتك وخلهم يشبعون فيك..
أنت أساسا ماتبي لك مرة.. تبي لك بقرة..
تأكل علف وتهز رأسها وهي ساكتة..
أنا خلصت من ذا الدور... شبعت من دور البقرة..
دور لك بقرة غيري..
سلطانة بذهول توجه الحوار لشقيقها: أنت بتسكت وهي تسبك كذا..؟؟
وضحى ماعادت تسمح لأحد أن يتكلم وهي متفجرة تماما:
وش تبين بعد؟؟
يضربني قدامكم عشان ترتاحون؟؟
قلت لش أنا طالعة.. باخلي لكم الجمل بما حمل..
اشبعوا في أخيكم.. لأنه أنا مالي رجّال في ذا البيت..
الرجال هو اللي نزلني هنا.. وراح..
والحين بيرجع يأخذني..
وضحى أنهت عبارتها وخرجت فعلا وهي ترسل رسالة لتميم أن يعود ليأخذها فورا بدون تأخير..
لأنها ستنتظره في الشارع..
نايف للتو يفوق من الغيبوبة.. كان يريد الركض خلفها...
لولا أن نورة حلفت بصرامة: والله لا تطلع وراها إني ماعاد أرفع برقعي لك..(يعني أهجرك من السلام)..
وأن لساني ما عاد يخاطب لسانك..
خل بنت مزنة.. خلها...
مثل ماطلعت بروحها.. بترجع بروحها وهي ماتشوف الدرب!!!
نايف ينظر نحو الباب بتمزق حقيقي: نورة الله يهداش.. عيب في حقي أخلي مرتي تطلع ذا الحزة من بيتها..
بأوصلها بيت أهلها بس..
استغفري يأخيش.. طالبش..
نورة بصرامة أشد: أنا حلفت خلاص..
وكنك فجرتني؟؟.. والله ماعاد أعرفك.. لا أنت أخي ولا أعرفك..
واشبع حزتها ببنت مزنة!!
**************************************
هاهما وصلا مكانها الجديد منذ بعض الوقت..
وهي جلست على المقعد.. بينما مازال هو واقفا..
هتف زايد بحزم: منتي بمبدلة ملابسش؟؟
مزنة بحرج: زايد الله يهداك.. إذا طلعت بدلت..
زايد بإصرار: باقعد هنا لين تنامين..
عاجز عن الاقتراب.. لكنه أيضا عاجز عن الابتعاد.. يريد أن يرى وجهها..
كيف أثرت فيه علائم البعد؟؟
هل حفرت فيه علائم الشوق كوجهه؟؟
يريد أن يشعر برائحتها قريبة.. يراها خارج إطارها الرسمي الذي تسربلت به طوال الأشهر الماضية..
تتنهد هـــي بيأس وهي تراه قريبا هكذا..
وحيدان.. وكل ماحولها يضغط عليها لتتقبل قربه الذي يعرضه..
ولكنها تخشى أن تقبل هذا القرب.. فيعود هو لدوامة الذنب التي تعلم أنها تخنق روحه الطاهرة..
سيعذب نفسه ويعذبها..
وعذابها لا يهمها.. فقد اعتادت الألم.. ولكنها لن تحتمل رؤية ألمه مرة أخرى..
وهو يرجوها أن تتركه لأنه يتعذب في قربها...
زايد تنهد بصرامة: مزنة لا تصيرين عنيدة كذا..
أبي أتاكد إنش تمددتي قبل أروح..
وإنش ماتبين شيء..
عاجبش حالتش؟؟
كانت مزنة على وشك الرد.. لولا الاتصال الذي وردها!!
********************************************
" كاسرة.. تعالي بس..
حن جايين هنا عشان تقعدين في المطبخ؟؟"
كاسرة بمودة: بأسوي لك عشا بس..
كساب بمودة أعمق: العشا تلاقين الطباخ سواه أساسا..
وأنا ما أبي عشا..
شوفتش قدامي مثل الحلى اللي عقب العشا..
خبرتي حد يتعشا عقب ما يأكل الحلى ؟!!
ابتسمت برقة: لا ماخبرت.. مثل إني ماخبرت إنه حد يشبع من كلام..
ومع كذا أنا شبعت مع أني كنت جوعانة..
ابتسم كساب وهو يشدها لتجلس جواره: بنتعشى بس بعد شوي
لو مهوب عشاننا... عشان ولدنا مايموت من الجوع..
ثم أردف باهتمام: إلا أنتي ماقلتي لي.. عجبتش المزرعة عقب التغييرات اللي سويتها فيها؟؟
كاسرة احتضنت عضده برقة وهي تهمس بعفوية حانية: تجنن والله..
أصلا أنت كل اللي تسويه يجنن..
ليتك بس تدري وش كثر..................
بترت عبارتها شعرت لثقل ما ستقول أنها عاجزة عن إخراجه كما تشعر به..
بينما هو شعر لحظتها كما لو أن دقات قلبه توقفت انتظارا لما ستقوله..
أنفاسه أصبحت ثقيلة لأبعد حد وهو يهمس بهذا الثقل كما لو أن خروج الكلمات يمزق حنجرته: وش كثر ويش؟؟ ليه سكتي؟؟
همست بإبتسامة تخفي خلفها أنفاسها اللاهثة المتقطعة: وش كثر خاطري أسمع منك سالفة دخلتك السجن واللي صار عقبها؟؟
كساب بإصرار موجوع ( أحقا كانت ستقولها؟!!) : لا ماكانت كذا.. أنا متأكد..
همست كاسرة بابتسامة عذبة مثقلة بالولع: إذا قلت لي السالفة.. كملت لك العبارة اللي أنت صرت عارف تاليها..
حينها ابتسم كساب بأمل شفاف: وعد.. اسمع الجملة كاملة.. لو قلت لش السالفة كاملة..
بس تجمدين لي قلبش..
ابتسمت بحماس: قلبي حديد وجامد.. والجملة تبيها مقدم قلناها..
شد كفها بولع حقيقي: خليها في الآخر عشان الكلام يجر كلام أكبر!!
وخلينا في سالفتي أخلص منها ومن همها..
وعشان تفهمينها عدل.. لازم نرجع بالزمن ورا خمس سنين ونص بالضبط...
تراجعت نبرته لتتحول لشيء غامض.. خليط من وجع ومرارة وذكريات قاسية:
نرجع لأيام ماخلصت مزون الثانوية...
أذكر زين تيك الأيام..
ماكنت أنام .. سهران معها وهي تدرس.. حفظت دروسها من كثر ماكنت أسمع لها..
خليت شغلي وكنت أقعد على باب المدرسة من يوم أوصلها لين تطلع علي..
عشان أشيك معها على إجاباتها..
كنت حاس كأني اللي أمتحن.. من كثر ماكنت أحاتيها..
وعقب ماخلصت... حسيت الأيام ماتمشي وأنا أنتظر نتيجتها..
يوم طلعت نتيجتها فرحت فيها أكثر من فرحتي أنا يوم خلصت ثانوية وجامعة ألف مرة..
أسألها وين تبين تدخلين؟؟ تقول لي طيران.. حسبتها تمزح.. بس هي صممت وإبي قوى رأسها..
حاولت فيها بكل طريقة.. حتى قلت لها بأروح معها أي مكان في العالم عشان تدرس شيء ثاني..
كنت مستعد أوقف حياتي كلها عشانها.. وهي ماهان عليها ترد على رجاي أنا وعلي!!
مع إن ذا السالفة انتهت.. بس حتى تذكرها يوجعني.. ما تخيلين وش كثر ترجيتها.. ماباقي إلا أبكي قدامها..
وهي مارحمتني.. ما تخيلت إن مزون اللي أغلى علي من روحي ممكن تسوي فيني كذا..
مزون ماكانت أختي.. كانت بنتي.. من يوم دخلت صف أول ماكان حد يدرسها غيري..
كنت أعرف أسماء مدرساتها وصديقاتها وكل شيئ يخصها مهما كان صغير!!
كسرتني هي وإبي كسرة شينة.. شينة..!!
صرت حتى قعدة المجالس أتجنبها.. أظن الكل يتكلم عنا.. وعن أختي اللي دخلت طيران!!
وعقبه تجنبت الكل.. دخلت نادي رفع أثقال.. كنت أقعد فيه من الصبح لين الليل.. ما أطلع إلا للمسجد..
أبي شيء أفرغ فيه حرتي وابردها.. وحرتي عيت تبرد.. عيت تبرد..
عقبه قررت أهج برا الدوحة.. سجلت ماجستير ادارة أعمال في أمريكا..
كنت أبي شيء يشغلني عن التفكير والقهر.. لا أستخف..
دراسة الماجستير كانت سهلة علي واجد.. دوام صبح قصير ومقررات سهلة..
كنت أبي شيء يشغلني أكثر..
فدخلت هناك نادي رياضي..
كنت أقعد فيه من يوم أطلع من الجامعة الظهر تقريبا.. وما أطلع منه لين يسكرونه..
كانت طاقة القهر تخليني ما أكل ولا أمل.. خلال 3 شهور بنيت عضلات يبي له الواحد سنة عشان يبنيها..
كان فيه واحد يتدرب معي.. ويراقبني بدقة... والأكيد طبعا إنه سوى تحريات عني..
في يوم قرب مني.. قال لي النادي ذا ما يناسبك.. قدراتك تفوقه بواجد..
أدلك على مكان أحسن هو اللي بتقدر تفرغ فيه طاقتك..
سألته وين مكانه؟؟
قال لي أنا بأوديك.. بس تراه مكان غالي واجد.. مهوب الكل يقدر على قيمته...
وفعلا وداني مكان.. تخيلي يتبع من؟؟
الجيش الأمريكي... طبعا هو غير مصرح إنه يتبع الجيش الأمريكي..
بس أي غبي بيفهم إنه التقنيات والامكانيات ذي لهم...
مكان تتدرب فيه وممكن تأخذ شهادة مدرب جيش لو قدرت توصل لين الأخير...
بس أنا لأني ماني بعسكري الشهادة ذي ماتفيدني!!
بس أنا حسيت بالإغراء والمغامرة... مكان مثل ذا هو اللي بيشغلني فعلا..
تدرين إن الجيش الأمريكي هو اللي مدرب المرتزقة والإرهابيين المنتشرين في العالم..
أي حد يشوفون عنده إمكانيات.. يجيبونه عشان يتدرب.. ويصير له ملف عندهم..
ويأخذون منه مبلغ مهول فعلا...
المهم تدربت عندهم أربع شهور لين خلصت الماستر اللي كان كله سبع شهور..
كنت أروح عندهم من عقب الجامعة لين الفجر..
أتدرب 14 ساعة متواصلة... فخلصت في فترة قياسية كل متطلبات البرنامج..
ما تتخيلين أيش اللي سووه فينا في ذا التدريب..؟؟
كان معاي عيال ناس أغنياء جابتهم هنا البطرة والرغبة في المغامرة..
شفتهم قدامي يبكون مثل البزران..
وفيه اللي شفته يطيح من فوق الجبال ويتقطع..
وفيه اللي مايعرف يفتح المظلة ويتكسر..
وطبعا كل واحد منا موقع إنه المسئول الوحيد عن نفسه!!
بس كله يهون يهون.. قدام اللي شفته عقب..
كاسرة بدأت دقات قلبها تتصاعد بعنف وريقها يجف أكثر وأكثر وهي تسأل بتوتر:
وش اللي صار عقب..؟؟
هتف بسكون موجع والذكريات تستغرقه للبعيد: قالوا اللي يبي شهادة مدرب جيش معتمدة من الطراز الأول..
يسوي الاختبار الأخير..
والاختبار إنه يدخل أخطر سجن في أمريكا لمدة ست شهور.. لو قدر يهرب من السجن قبل الست شهور.. يأخذ الشهادة..
ولو استحمل الست شهور بدون ما يستخف أو يصير له شيء هناك..
هم بيطلعونه ويعطونه شهادته العادية!!
زفر بحرقة ومرارة: أغبى قرار اتخذته في حياته..
وافقت أدخل.. حسبتها مغامرة ماراح تتكرر..
وقلت لأبي إني بأطلع تخييم فوق الجبال ويمكن أطول شهور وما أقدر أتصل!!
من أول مادخلت وشفتهم جايين بيحطون لي الوسم.. صحت..
(خلاص ما أبي.. طلعوني.. أنا ماني ببهيمة تحطون علي رقم..)
لكن ماحد عبرني..
كل يوم كنت أصيح طلعوني أنا ماني بمسجون.. وخلاص ما ابي..
مهوب لأني خايف من السجن..
لكن لأني ماني بقادر أستحمل اللي أسمعه..
تخيلي المسجون اللي معي في غرفتي يتفاخر إنه اغتصب 20 طفل وذبحهم..
ما استحملت.. ما استحملت...ضربته لحد ماكسرت وجهه..
ولا حد حاسبني..
يبونا نصير وحوش صدق..
لولا الصلاة وإلا كان استخفيت..
وتخيلي الله يسامحني إني كنت أصلي ووجهي أحيانا مهوب صوب القبلة لأني كنت أصلي في الزاوية
ظهري لطوفة وجنبي لطوفة..
عشان ماحد يباغتني من وراي..
ولو كان معي حد في الغرفة سجدت وركعت بعيوني بس..
لأني عارف إنهم ينتظرون مني لحظة غفلة وحدة..
ناس الإجرام صار يمشي في دمهم.. يذبحون لمجرد المتعة!!
وتخافين على نفسش من اللي أبشع من الذبح.. وأنتي فاهمتني..
كنت قاعد في ذاك السجن عيوني في قمة رأسي..
أرقد عين مفتوحة وعين مسكرة.. عشان كذا لحد الحين ماقدرت أتجاوز ذا المرحلة.. نومي ما أرتاح فيه..
واللي بيحركني وأنا نايم ممكن أكسر يده..
و ياكثر اللي تهاديت معهم في السجن.. واللي كسرتهم.. ومافيه محاسب..
لحد ماصاروا المساجين يتجنبوني ..
كنت طول اليوم أتدرب.. وأدور في السجن.. أحاول أدرس المخارج والمداخل..
وأدرس مناوبات الحراسة..
وأصنع لي أدوات وأدسها.. وأنا على ذا الحال خمس شهور..
لحد ماعرفت الطريقة اللي ممكن أهرب فيها..
استغليت فترة تغيير المناوبات وقت ماكان المساجين راقدين..
وهربت مع فتحة تهوية كانت تطلع على جبل..
تقطعت إيدي وأرجيلي وأنا أنزل الجبل بدون معدات..
كساب لم ينتبه إلى أن كاسرة بدأت دموعها تسيل بغزارة لشدة انشغاله بحكايته وهو يتنهد:
حسيت إني ورطت نفسي في سالفة كبيرة..
طلعت من السجن للسفارة... وبلغتهم كل شيء بالتفصيل.. حسيت إني لو ماسويت كذا..
يمكن أجي أرجع للدوحة ألقى اسمي على البلاك لست..
لقيت السفارة أصلا مشغولة تدور لي.. لأن إبي جنن الخارجية في الدوحة..
والخارجية جننوا السفارة..
السفارة كانوا يبون يتأكدون من اللي انا قلته..
لكن قبل ما يتحركون أي حركة..
كانت وزارة الداخلية والدفاع والأف بي أي كلها تتصل تسأل عني..
وأنهم مهتمين يبون يعرفون أشلون هربت بالتفصيل..
أنا بداية.. رفضت أقول لهم.. من القهر اللي في قلبي عليهم..
بس السفارة طلبوا مني أعطيهم المخطط كامل..
لأنه السجن ذا فيه أخطر مساجين ولو حد منهم تبع طريقي وهرب بتكون مشكلة كبيرة..
عطيتهم المخطط وعطوني الشهادة اللي ماكرهت شيء كثرها..
رجعت للدوحة..
و ماخلوني أرجع لهلي على طول..
قعدت في التحقيقات أسبوعين وهم يتأكدون من كل شيء قلته..
وعقبها عرضوا علي أني أسوي مهام للدولة..
ولأني ماني بعسكري كنت أسويها بشكل سري..
وكنت مخلي لهم تلفون خاص بهم.. ما أسكره لا ليل ولا نهار ولا أخلي حد يقرب منه.. عشان التواصل بيننا عن طريقه..
دربت في الجيش.. وسويت مهام انقاذ.. وخذت دورات في كل شيء يطري على بالش.. وسويت الدورات هذي هنا..
وشاركت في الكوارث اللي كان تروح لها وفود قطرية..
شفت خلال أربع سنين اللي ماشافه حد..
عرفت معنى الموت والحسرة والخسارة.. شفت الناس قدامي يموتون وما أقدر أسوي شيء..
شفت اللي تحدهم الكوارث يأكلون لحم الميتين عشان يعيشون..
أشياء عمرش ماراح تقرين عنها في كتاب أو تشوفينها في تلفزيون..
شفت أشلون قسوة الحياة والإنسان تحول الإنسان لوحش مايرحم...............
كان مازال سيتكلم لولا سماعه للشهقات المتصاعدة: بس كساب بس..
كان وجهها غارقا في الدموع.. وهو لم ينتبه لنفسه كيف استغرق في الحديث وهو يحرر ذاته أخيرا من كل ثقلها...
يشعر أمامها ومعها بالحرية من كل شيء!!
استدار نحوها بجزع وهو يهتف بتهدئة: خلاص كاسرة خلاص.. أنا آسف يا بنت الحلال.. آسف
كانت تشهق بعنف ودموعها لا تتوقف عن السيلان وهي تتخيل بشاعة كل مامر به..
تتخيل بشاعة الحياة وقسوتها التي حُكم بها عليه.
كانت تمسك ببطنها بقوة: كساب.. باولد.. بأولد!!
كساب قفز برعب وقلبه يقفز لحنجرته: أشلون تولدين وأنتي في السابع..
يتهيأ لش..
غلطانة أكيد..
كاسرة بدأت تنتحب بعنف.. فالألام بدأت تداهمها منذ بداية الحكاية قبل أكثر من ساعتين..
منذ شعرت بتأثره بما فعلته به مزون.. وكأنه لشدة تأثرها تأثر جسدها كله معها:
والله العظيم باولد.. بأولد..
أبي أمي.. تكفى كلم أمي..
كساب قفز ليحضر عباءتها وهو يسب نفسه بأقسى العبارات..
يلفها بعباءتها ليحملها وهو يهتف بجزع حقيقي:
الحين بأكلمها تجينا في المستشفى.. الحين.. هدي.. هدي..
كان يهدئها وهو غير قادر على أن يهدأ..
ركض بها نحو سيارته.. وهو يتصل بعمته.. ويخبرها..
مزنة صرخت برعب: أشلون تولد وهي في السابع.. تو الناس.. يمكن إنها مهيب فاهمة.. وش عرفها هي في الولادة!!
عطني إياها..
كساب أعطى كاسرة الهاتف وهو يقود بأقصى سرعته...
كانت كاسرة تبكي ووالدتها تحاول تهدئتها: يمه بأموت.. بأموت..
ماني بخايفة على نفسي.. خايفة على ولدي!!!
كساب حين سمعها تقول ذلك شعر أنه هو من سيموت فعلا... وهو يزيد سرعة سيارته بطريقة جنونية..
ومزنة تهدئها بيأس: يأمش اذكري ربش.. وخذي نفس... وش حاسة فيه؟؟
كاسرة تشهق: ما أدري يمه.. ما أدري.. بطني يتقطع من الوجع.. نفس آلام الدورة بس أقوى..
والحين أحس الكرسي تحتي غرق ماي...
مزنة قفزت من مكانها وهي تهتف برعب: عطيني كساب..
كساب تناول الهاتف برعب ومزنة تصرخ في أذنه برعبها: لا تخليها تمشي حتى خطوة وحدة..
أنا الحين باتصل في المستشفى يجهزون سرير النقل عند الباب..
الماي نزل عليها وخطر عليها وعلى الجنين..
أنا أنتظركم عند باب المستشفى... لا تتأخرون طالبتك يأمك..
كساب ألقى هاتفه خلفه بعنف.. وهو يبحث عن كفها بلهفة ليشد عليها..
كما لو أن حياته تتوقف على أطراف هذا الأنامل..
هتف باختناق: هدي.. كاسرة.. هدي.. بسم الله عليش..
ماعليش إلا العافية.. دقايق ونكون في المستشفى..
كان يشعر أنه سيبكي من القهر..
قد يكون شعر بالكثير من القهر طوال حياته..
ولكن لا شيء يشبه هذا القهر..!!
فحياة زوجته وابنه على المحك ولا يستطيع أن يفعل شيئا.. يتمنى لو كان يستطيع أن يطير..
فالطريق طويلة.. وحتى لو قاد بأقصى سرعة لن يصل قبل 40 دقيقة..
كانت تعتصر أنامله بقوة وهي تشهق: بأموت ياكساب..
باموت..وأنا ماشفت ولدي..
كساب يصر على أسنانه حتى شعر بالألم فيهما: استهدي بالله.. وش ذا الكلام..
أنتي والولد ماعليكم شر.. وش كثر نسوان ولدوا في السابع وعيالهم طبيعين ومافيهم شيء..
تحاول أن تتماسك وهي تشد لها نفسا عميقا وتزفر بقوة.. وهي تهمس من بين صرير أسنانها:
كساب لو صار لي شيء.. امنتك بالله.. أمي هي اللي تربي ولدي تحت عينك..
كساب يشعر أن روحه تذوي وتتأكل كشمعة أحرقها اللهيب.. وهو يهتف بصرامة موجوعة:
ولدنا أنا وأنتي بنربيه.. وما أبي أسمع ذا الكلام!! فاهمة!!
الطريق طويل.. طويل...
لا يريد أن ينتهي...
وهو يشد على كفها بقوة كما لو أنها المرة الاخيرة التي يمسكها فيها..
يُكثر من الدعاء.. والرجاء.. وهو يسمع شهقاتها التي باتت تكتمها...
والتي تخترق روحه بوجعها..
تشد أنفاسها وتزفرها بقوة..
بودها لو تقول له الكثير من الكلام..الذي لم تمنحها الحياة الفرصة لقوله..
ولكن هل للكلمات معنى الآن؟؟
كلماتها لن تفعل شيئا إلا أن تؤلمه.. وتعلم أنه الآن يتألم بما يكفي!!
لكنها لابد أن تقول شيئا يريحه.. حتى لا يشعر مطلقا بأي ذنب قد يؤرق حياته فيما بعد..
همست بسكون استغربه.. بينما كانت دموعها تسيل بصمت وهي تحاول أن تتناسى آلامها التي تمزقها:
كساب أنا عمري ماندمت على دقيقة عشتها معك..
أنا ندمانة على الدقايق اللي ماعشتها معك!!
ولو رجع فيني الزمن ألف مرة.. كل مرة باختارك.. وأختار الحياة معك..
كساب قفز قلبه لحنجرته وهو يهمس بصوت مبحوح ممزق: وش لازمة ذا الكلام الغريب؟؟
شدت أنامله أكثر وهي تمسكها بيديها الاثنتين وتعتصرها كما يعتصرها الألم:
ماله لازمة على قولتك بس أنا حبيت أقوله لك..
كان يريد أن يقول هو شيئا ولكن مايريد قوله يحتاج سنوات وسنوات ليخبرها به..
لن تكفيه الثوان المتبقية وهو يدخل لداخل بوابة المستشفى..
ويرى والده ومزنة يقفان فعلا هناك.. وبجوارهما طاقم الإسعاف..
أوقف سيارته بشكل عرضي وعجلات السيارة تصر بصوت مسموع..
قفز بسرعة ليحملها هو.. وهو ينتزع غطاء سرير النقل الذي أسرعوا به نحو السيارة.. ويلفها به..
لم يرد أن يحملها سواه..
تعلقت بعنقه بضعف وشهقاتها تصبح أكثر ضعفا..
كاد يجن وهو وهو يرى مقعد السيارة مبقعا بالدم..
كان يتلوى من الأنين و يشعر أن أحشائه تتقطع من الألم..
وهو ينزلها على السرير..
و تهمس هـــي بضعف شديد في أذنه في (لحظة التماس الأخيرة) بينهما:
أحـــــــبــــــك..
كان يريد أن يصرخ لها ( وأنا أكثر) !!
لكن طاقم الإسعاف سحبوها منه بسرعة وهو يركضون بها للداخل..
ومزنة وزايد يركضان خلفهم..
بينما هو وقف لثوان عاجزا عن السيطرة على ارتعاشات جسده.. وأنفاسه المزفورة بحرقة..
ليشد نفسه ويدخل راكضا هو أيضا..
ويجد والده فقط.. هتف بهمسات مبتورة: وينها؟؟ وينها؟؟
والده يربت على كتفه بمؤازرة حانية: دخلوها داخل..
لا تحاتي.. أمها معها..
ووش كثر بزران يجون في السابع.. وهم وأماتهم بخير وسلامة..
صمت.. ابتلعه الصمت في بئر لا قرار لها..
وهو يتأخر ليلتصق بالحائط..
لا يريد كلمات مؤازرة باردة..
لا يريد أن يهدئه أحد..
يريدها هي فقط أن تخرج له سليمة..!!
لا يريد أن يقول له أحد ( لا تقلق )..
لأن ما يشعر به ليس مجرد قلق.. بل روحه تتمزق يأسا ورعبا ووجعا..
شيء في داخله ينبئه أن هذا الوجع الذي يمزق كل مافيه..هو وجع أعمق من مجرد انتظار ساعات..
وجع سنوات .. أو قرون..
قـــــــرون !! قــــــرون!!
فهذا الوجع لا حد له.. لا حد له!!
شرّح روحه تشريحا!!
عبر كل خلية في جسده بمناجله آلاف المرات...
يشعر أنه عاجز عن التنفس .. وهو يسند جبينه للحائط..
لم ينتبه حتى أنه لا غترة فوق رأسه.. وهو يهرع بكاسرة للمستشفى بثوبه الذي عليه!!
والده يقترب منه ويهتف له برفق:
كساب يا أبيك روح البيت.. اسبح وبدل ثيابك..
هذا أنا موجود عندهم..
والنسوان يبطون في الولادة..
لم يرد على والده حتى.. فالصمت ابتلع روحه في سوداويته..
يستحيل أن يبتعد عن المكان وهو مازال لم يطمئن عليها..
روحـــه هنا..
فمن يستطيع أن يبتعد عن روحه؟؟
الوقت يمضي بطيئا.. بطيئا.. بطيئا..!!!
ساعتان فقط..
ساعتان روحه تناجي روحها بيأس..
وأنفاسه تضيق وتضيق.. وتضيق!!!
يريد أن يمزق رئتيه عله يستطيع التنفس.. فلا يستطيع...
أن يفتح صدره وأضلاعه ليجلب نسمة هواء واحدة.. فلا يستطيع!!
حتى خرجت الطبيبة وجهها مسود كسواد اللحظات التي يمر بها وهي تسأل بتأثر:
وين زوج كاسرة ناصر؟؟
كساب استدار نحوها بعنف حاد.. لم يقل شيئا وهو يقترب منها.. ووالده خلفه..
وهي لم تحتج أن يخبرها من هو...
فوجهه أنبأها..!!
والوجع في عينيه أنبأها..!!
ورعشة شفتيه أنبأتها..!!
وهي تهمس بذات التأثر: أنا ما أعرف شنو أقول لك..
بس والله العظيم حاولنا جهدنا ننقذها..
بس أنتو وصلتوا متأخرين كثير..!!
#أنفاس_قطر#
.
.
.
.
|