كاتب الموضوع :
#أنفاس_قطر#
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثلاثة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم نور وبركات من المولى عز وجل
ياهلا والله بكل الوجوه الجديدة والقديمة
.
ياحلوين زوزو كثر الله خيرها حطت لكم القصة بدون ردود للي يشتكون من صعوبة التصفح عشان كثرة الصفحات والردود
ألف شكر زوزو يارب ماننحرم
وهذا هو الرابط
بين الامس واليوم
.
جزء طويل جدا يعبر بنا فترة معينة وأحداث كثيرة
وموعدنا القادم الأحد 9 صباحا ويمكن قبل لو رب يسر!!
.
يا الله
البارت 103
.
قراءة ممتعة مقدما
وموعدنا الخميس الساعة 9 صباحا
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.بين الأمس واليوم/ الجزء المئة وثلاثة
عبدالرحمن كان على وشك أن يطلب من والدته أن تقرب له مقعده البعيد الذي وضعته شعاع في زاوية الصالة..
لولا الصرخة اليائسة التي تفجرت في البيت من حنجرة شعاع بهستيرية:
يمه الحقيني.. إبي نايم على السرير وما يتكلم..
أم عبدالرحمن صرخت بجزع وهي تحاول الوقوف وتتعثر.. وتحاول المشي وتتعثر..
حتى وصلت لداخل الغرفة واختفت فيها..
وصرخات الاثنتين بدت واضحة تماما لعبدالرحمن وهما تحاولان إيقاظ والده..
إحساس غريب.. سبق أن شعر به..
قبل عام تقريبا...
دوامة يطوف بها..
وصوت اصطدام..!!
وحشرجة أنفاس مهاب..
وصراخ الجد..
وصراخ أمه وشعاع.. ووالده لا يرد!!
بدت له الدنيا باهتة.. باهتة.. لا شيء ذو قيمة فيها..
سوى شيء واحد.... والــــــــــده!!
أثمن كل شيء وأغلى..
أثمن حتى من مهاب لو قارنهما معا!!
أثمن من ابنه القادم.. وأثمن من عالية !!
ثمين إلى حد اليأس.. ثمين إلى أقصى مسافات التاريخ..!!
ثمين بقدر حنان أزلي منحه له منذ الدقيقة الأولى في حياته حتى قبل دقائق..
وهو يبتسم له ابتسامة الرضا مغادرا ليتوضأ!!
ثمين بقدر ماربطت بينهما الصداقة وتشعبت الحكايات.. وتبادلا الضحكات..
ثمين بقدر ماتعاتبا.. حين كان يقسو على شقيقتيه.. فيرد عليه : (أخاف عليهم يأبيك..)
ثمين بقدر الساعات والدقائق والثواني التي قضاها فوق رأسه وهو في غيبوبته..
وهو يوقف حياته كاملة من أجله!!
ثمين بقدر الليالي التي قضاها ساهرا يحرك أطرافه ويناجيه دون يأس..
وكأن روحه تعلقت بأنفاسه الباردة التي ينفثها في غرفة مستشفى أشد برودة!!
ثمين بقدر حبه له.. وهو يعلم أنه لا يوجد والد أحب ابنه..
كما أحب فاضل ابنه عبدالرحمن!!
لا يعلم ما الذي حدث.. ولا كيف حدث..
كل ما يعلمه أنه وجد نفسه ينحني على سرير والده.. وهو يجس نبضه ويتأكد من أنفاسه.. ويصرخ بشعاع: اتصلي في الاسعاف بسرعة..
ثم ينهار جالسا على الأرض..
لم ينتبه أحد كيف تحرك من الصالة لغرفة والده دون كرسيه!!
فبالهم كان مشغولا بشيء آخر..
شعاع كانت تتصل بالاسعاف وهي تشهق بهستيرية..
بينما أم عبدالرحمن مازالت تحاول إيقاظه بكل يأس..
حينها انتبه عبدالرحمن لنفسه.. انتبه أنه هنا..!!
أنه هنا بدون كرسي..!!
لم يهمه كيف حدث ذلك.. كل ما كان يهمه هو والده..
حاول الوقوف مرة أخرى.. شعر أن قدميه تتخاذلان.. وأنهما عاجزتان عن حمله..
لكنه تحامل على نفسه..
"مادمتُ فعلتها من أجله قبل قليل دون وعي مني
سأفعلها الآن بأذن الله ومن أجله أبضا وأنا بكامل وعيي!! "
شعر بصعوبة الأمر.. وان قدميه لا تستجيبان..
لكنه حاول وهو يستند لطرف السرير.. ليقف بصعوبة بالغة..
ثم يجلس بجوار والده.. وهو يتأكد من استمرار تنفسه!!!
" يا الله.. كم تبدو الحياة باهتة بدونك يافاضل!!
هل تريد أن تتركني؟؟
هل تريد أن ترحل قبل أن ترى حفيدك؟؟
هل تريد أن تترك عبدالرحمن الذي لا يعرف بهجة الحياة دون ابتسامة رضاك!! "
*********************************
" علوي حبيبتي..
امشي أوديش لبيتش!!"
عالية بمودة: لا عبدالله فديتك.. عبدالرحمن جايني الحين..
عبدالله بمودة يخفي خلفها قلقه العارم: أنا حلفت على عبدالرحمن أجيبش..
أنا أساسا أبي أروح الحلاق الحين..
بأوصلش وبأروح..
عالية نهضت وهي تهمس بمرح وترتدي عباءتها: الله لا يخليني منك..
زين عشان ما أتعب الدحمي!!
عبدالله بنبرة مقصودة: أم حسن..
جوزا بلباقة رقيقة: لبيه..
عبدالله بذات النبرة المقصودة: أبي جوالش عشان أكلم الحلاق.. جوالي طفا..خلص شحنه..
جوزاء ناولته هاتفها بعفوية.. أخذه منها وهو يهتف بمودة: زين روحي رقدي حسن.. تأخر الوقت..
جوزا شدت حسن وهي تهمس برقة: إن شاء الله..
كان عبدالله يريد أن يحرص أنه لن يفاجئها أحد بالخبر..
فهاتفها معه.. وهي حين ينام حسن يستحيل أن تتركه لوحده..
وفي غرفتها لن يصعد لها أحد!!
حين أصبحا كلاهما في السيارة.. هتف عبدالله بحزم:
اسمعيني زين.. ترا عمش تعبان شوي.. بس إن شاء الله إنه زين!!
تبين أوديش للبيت..؟؟ وإلا تبين تروحين لهم المستشفى..؟؟
عالية انتفضت بجزع: نعم؟؟ عمي تعبان..
لا أكيد أبي أروح المستشفى فدينك!!
عالية طوال الطريق أفكارها تغلي..
تعرف ارتباط عبدالرحمن بوالده.. تتخيل وضع عبدالرحمن الآن..
ليزداد قلبها غليانا!!
*****************************
كان يعبر طرقات المستشفى كالمجنون.. منذ اتصل به عبدالرحمن واخبره أن حالة شعاع صعبة وأنها لم تسكت من البكاء..
وأنه يخشى عليها وعلى جنينها ويرجوه أن يحضر لتهدئتها..
لأنه بالكاد يقدر على تهدئة والدته الآن!!
كانت تقف قريبا من باب غرفة الإنعاش.. ودموعها لم تتوقف عن السيلان حتى غرق نقابها..
كم تبدو مشاكلنا تافهة حين يأتيها ماهو أكبر منها!!
يبدو الآن كل خلافها مع علي لا قيمة له إطلاقا أمام قلقها على والدها.. وخشيتها من فقده..
فهل نحتاج دائما لصدمة لكي تعدل تفكيرنا المائل..؟؟
رغم محبتها الهادرة لعلي التي أشعرتها بالاستغناء عن العالم وكأنها لا تريد من الحياة شيئا سواه!!
لكنها علمت الآن ويقينا أنها تحب والدها أكثر!!
وأنه لا علي ولا سواه سيعوضها عنه لو ذهب!!
حتى لو كان يقسو عليها أو قسا عليها.. يكفيها إحساسه بأنفاسه في الحياة..
تنبئها أن لها ظهرا حنونا لا تخشى الدنيا مادام خلفها..
شعرت بالفعل بإحساس اليتم المر من مجرد خوفها من فقده!!
كانت هذه أفكارها المتصاعدة مع شهقاتها وهي لا تشعر بشيء حتى شعرت باليد الحانية على كتفها..
وهمسه الدافئ الحنون: اذكري الله ياقلبي.. إن شاء الله مافيه إلا العافية!!
حينها استدارت لتسند جبينها لعضده وهي تنتحب بشكل أشد..
كان علي يشعر أنه سيموت ليأخذها في حضنه..
ولكن وقفتهما في الممر لم تسمح له بذلك..
وهو يرى عبدالرحمن يجلس قريبا منهما وبجواره والدته يحاول تهدئتها..
ربما لشدة انشغاله بشعاع لم ينتبه إلى عصا مسندة للحائط خلف عبدالرحمن!!
فكل كيانه مع هذه المنتحبة وهي تسند رأسها لعضده..
وتتمنى لو كانت تستطيع أيضا الارتماء في حضنه لتسكب وجيعتها كما تشعر بها فعلا!!
علي يهمس لها بحنان: حبيبتي اهدي تكفين.. خافي اللي في النفس اللي أنتي شايلتها..
عمي فاضل إن شاء الله إنه طيب..
حينها اتسعت عينا علي بصدمة حقيقية وهو يرى عبدالرحمن يتناول العصا من خلفه.. ثم يستند عليها ليقف..
كان يتحرك ببطء شديد وصعوبة.. ولكنه كان يتحرك!!
كان يقف!!
كان متوجها ليسأل أي أحد ليطمئنهما..
قلق عارم يعصف به..
فوالده سبق أن أُصيب بأزمة قلبية من فترة ليست بالبعيدة.. حين أفاق هو من غيبوبته...
قلقه يتزايد وهو يرى أن لا أحد يخرج لتطمينهم بأي شيء!!
كان على وشك العودة ليجلس جوار والدته!!
في لحظة وقوفه تلك..
كان هناك شخصان آخران قادمان..
رجل وأمراة..
لتتهاوى المرأة مغشيا عليها حالما رأت عبدالرحمن واقفا وهي تشهق شهقة عنيفة!!
عبدالله المصدوم انحنى ليسند شقيقته ثم يحملها قبل أن تصل للأرض والممرضات يسرعن نحوه لينقلها لغرفة إنعاش مجاورة!!
عبدالرحمن حين رأى المشهد أمامه.. قفز بسرعة أكبر متوجها نحوها.. رغم صعوبة المشي عليه..
ليصل إليها فور إنزالها على السرير وهو يهتف بغضب:
عبدالله الله يهداك ليش تجيبها هنا..
عبدالله بغضب مشابه: وأنت ليش ماقلت لي إنك مشيت.. يوم كلمتني!!
أنا قلبي كان بيوقف يوم شوفتك واقف.. أشلون ذا المسكينة؟؟
عبدالرحمن انحنى على وجهها يربت على خدها بلطف: عالية.. عالية..
الممرضات أزحنه جانبا ليقمن بدورهن في إفاقتها.. لم تستغرق دقيقة حتى تصاعدت شهقتها الثانية..
واستوت جالسة وهي تهمس بلهفة موجوعة: وين عبدالرحمن؟؟
حينها رأته واقفا جوارها.. وحينها دفنت وجهها بين كفيها وانتحبت من أقصى روحها..
عبدالله حين اطمأن لإفاقتها قرر أن يخرج لأنه شعر أن وجوده غير مناسب في هذه اللحظة الخاصة جدا!!
عبدالرحمن اقترب منها ليحتضن رأسها ويهمس بوجع: حبيبتي أنا محتاجش قوية الحين.. عشاني!!
عالية احاطت خصره بذراعيه وهي تنتحب وتشهق بعنف: بس عطني دقيقة وحدة أستوعب..
ماني بقادرة أصدق إنك واقف قدامي.. الحمدلله يارب...
ياربي ماني مصدقة.. صدق أنت واقف؟؟
عبدالرحمن بشجن عميق: واقف.. بس ياخوفي يكون ثمن وقفتي أغلى منها بواجد!!
**************************************
مازال معتصما بمكانه في صالة البيت منذ عاد إلى البيت..
وهي معتصمة بغرفتها التي نزلت فيها للأسفل بعد ولادتها..
كلاهما لديه إحساس عميق بالذنب يتعمق ويتعمق..
هــــــو لأنه اكتشف أن فرحته بالصغيرة جعلته مغيبا تماما.. أهمل أسرته كاملة من أجلها..
قبل دقائق مر به عبدالعزيز.. لم يقل له شيئا وهو متوجه ليدخل عند والدته..
نـــاداه.. شعر برغبة مضنية لاحتضانه..
ست سنوات وهو من كان آخر العنقود.. ست سنوات وهو المدلل..
ثم فجأة وكأنه اختفى ماعاد حتى ينتبه لوجوده.. فكيف سيشعر طفل كهذا؟؟
احتضنه بقوة وهو يغمر وجهه بقبلاته ويشعر أنه سيبكي..
يا الله كم افتقد رائحته!!
تفاجأ في ملامحه العذبة بسن مفقود..
هتف باستغراب: متى طاح سنك؟؟
عبدالعزيز بإبتسامة: من زمااااان.. (من عدة أيام!!)
صالح يتحسس المكان الفارغ بألم... كيف لم ينتبه حتى لسقوط سنه الأول..
هتف بهذا الألم: ومن اللي شاله لك؟؟
عبدالعزيز بذات الابتسامة: عمي هزاع يوم جا يأخذنا يودينا عند جدي..
ماحسيت فيه.. قال لي غمض عيونك.. وبعدين شفته في يدي!!
ووداني الدكان أنا وخويلد وخلاني أشتري أغراض واجد عشاني مابكيت..
صالح بذات الألم: وليش ماقلت لي أنا إن سنك يتحرك عشان أشيله..؟؟
عبدالعزيز بتأفف طفولي: يووه قلت لك كم مرة.. بس أنت ماتسمعني..
مستعجل.. على طول مستعجل!!
وأمي على طول تبكي.. ما أبيها تشيل سني وهي تبكي!!
" يا الله.. وش كل ذا الوجع؟!!"
صالح عاود احتضان عبدالعزيز وهو يرفعه ليجلسه في حضنه.. في لحظتها خرجت نجلا..
تحاشت النظر لهما.. وهي تهتف بحزم:
عزوز يا الله عشان تنام.. اطلع غسل أسنانك والبس بيجامتك.. أنت وخويلد وأنا جايتكم الحين..
نجلا كانت تريد مناداة الخادمة لتجلس عند غانم الصغير حتى تعود لها..
لولا أن صالحا قاطعها بحزم مرهق: أنا بأقعد عندهم لين ينامون..
ارجعي لغانم!!
كان بودها أن ترفض.. لكنها بالفعل مرهقة.. وإحساسها بالذنب كذلك يخنقها..!!
تشعر أن الله عز وجل يعاقبها على تطيرها.. فهي كرهت أن تُسمى ابنتها باسم طفلة ماتت بالقلب.. فيظهر أن ابنها مصاب به!!
تستغفر الله كثيرا من هذه الأفكار.. ولكنها لا تستطيع الابتعاد عن أسرها..
وإحساسها بالذنب يتزايد ويتزايد!!
*********************************
أجبرها أن تجلس.. وهاهو يجلس جوارها..
يحتضن كفها في كفه.. وهي لم تتوقف عن النحيب.. ولم ترد عليه بكلمة منذ رآها..
همس بحنان: شعاع ياقلبي بس.. هذا أنتي سمعتي بنفسش إنه عدا مرحلة الخطر..
بكرة الصبح إن شاء الله بيكون بخير!!
لم ترد عليه بشيء.. وهي مستمرة في البكاء.. تبكي الكثير من الأشياء..
تبكي قلقها على والدها.. تبكي من إحساسها أنها كانت على وشك فقده..
تبكي حتى مسامحتها الجالس جوارها وهي لا تريد أن تسامحه!!
تبكي رغبتها أن تطوق عنقه بذراعيها وهي لا تستطيع!!
قلبه يذوب من أجلها ذوبا.. وهي لا ترحم حاله..
يشعر أنه سينهار من الإرهاق وسينهار قبل أي شيء من أجلها..
ومع ذلك يحاول التجلد من أجلها أيضا!!..
وضع مختلف عن وضع المتجلدين في مكان آخر بعيدا عنهما..
عبدالرحمن وعالية.. عبدالرحمن بدأت روحه تطمئن قليلا حين أخبروه أن والده استقر وضعه وتجاوز مرحلة الخطر.. بعد الأزمة القلبية المفاجئة التي فاجئتهم جميعا !!
مشغول باله بشدة ومثقل بالهم.. هذه هي الأزمة الثانية.. فهل سينجو من ثالثة؟؟
عالية تهمس بمودة وتصبير: عبدالرحمن الله يهداك.. عمي الحين أحسن.. قل الحمدلله..
عبدالرحمن يتنهد: الحمدلله والشكر.. بس أنا خايف عليه.. هذي الازمة الثانية..
مع إن إبي بشكل عام صحته زينة.. وتوه مهوب كبير..
حاس إني أهملته.. كان المفروض إنه أسافر أنا وإياه ونسوي له تشييك كامل..
ثم أردف بحزم: عالية قومي روحي للبيت أنتي وامي.. وجيبيها الصبح.. عبدالله ينتظركم..
ولو تاخر أكثر على جوزا.. بيصير بالها يودي ويجيب..
عالية برفض: وأخليك؟؟
عبدالرحمن بإصرار: اسمعي الكلام.. أمي تعبانة ولازم ترتاح..
وحتى الحين بأخلي علي يأخذ شعاع..
تعالوا كلكم بكرة..
***********************************
منذ عاد لها بعد أن نام الصغيران..
وكلاهما معتصم بصمت مر.. تبدو مرارة الصمت كمرارة العلقم!!
ومرارة الذنب أمر من ذلك وأقسى!!
كلاهما غارق في مرارة ذنبه التي تشربت بها الروح!!
لم يقاطع جمودهما المؤلم سوى تعالي صرخات غانم الصغير..
كلاهما قفز في ذات الوقت..
كان هو من وصله أولا.. وتناوله من فراشه..
كان بودها أن تدفعه عنه.. وتأخذه من يده!!
ولكنها رأت أن في هذا قسوة لا ترضاها لنفسها ولا لوالد أطفالها..
فهي رغم كل شيء في حاجته.. حتى لو كان لن يقدم شيئا تكتفي بوجوده لتستمد منه القوة!!
لذا عادت للجلوس على سريرها وتركت غانما بين يديه!!
صالح أسكت الصغير ثم تساؤل بإرهاق: يبي يرضع؟؟
همست نجلاء بإرهاق أعمق: إيه.. عطني إياه!!
ناولها إياه.. وفي لحظة التماس تلك.. لم يستطع إلا أن يجلس جوارها ويأخذها بين ذراعيه..
لتنهار في بكاء موجوع وهي تسند رأسها لكتفه وتحمل ابنها بين ذراعيها..
همس لها بحنان مغرق في الوجع: سامحيني نجلا.. سامحيني ياقلبي.
أدري إني غلطتي كبيرة.. ومالي عذر..
وكفاية الذنب اللي أنا حاسة عقاب لي!!
فرحتي بالبنت اللي حلمت فيها سنين.. أعمتني عن أشياء واجد..
يمكن كنت أبي لي صدمة تفوقني.. بس الصدمة ذي توجع توجع..
قالها وهو ينحني ليتناول الصغير من بين يديها ويغمر وجهه ويديه بالقبلات
ويهمس بوجع متزايد:
لا تحاتين.. إن شاء الله مافيه إلا العافية..
وربي رحمته أوسع من كل شيء!!!
**************************************
يدخلان لبيتهما سويا .. وأخيرا..
طوال الطريق وهما صامتان تماما.. رغم أنه كان يتحرق ليقول لها أي شيء..
لكنه احترم صمتها وحزنها!!
في أحيان كثيرة قد يكون أفضل ما نقدمه للآخرين هو.. الصمت..
حين يكون الصمت أكثر تعبيرا من الكلام!!
حين وصلا للبيت... حدث ما توقعه تماما..
انفجرت في البكاء.. وهي تجلس على الأريكة وتدفن وجهها بين كفيها!!
جلس جوارها ليأخذها في حضنه.. لم تحاول أن تتمنع..
فالتصنع لا يليق بهما!!
دفنت وجهها في منتصف صدره لتنتحب بكل قوتها..
همس لها بحنان وهو يحتضنها بكل الحنان والقوة: خلاص شعاع حني عليّ بكلمة وحدة الله يرضى عليش..
أنتي وش طاقة البكاء العجيبة اللي عندش ذي.. ما تتعبين!!
حرقتي قلبي!!
انتحبت وشهقاتها تتناثر: كله منك.. كله منك!!
لم يستطع إلا أن يبتسم فهذه العبارة يسمعها للمرة الثانية وفي موقف شبيه بهذا الموقف:
أدري كله مني.. وأنا أستاهل ونص..
وأنا آسف..
شعاع ياقلبي تدرين وش كثر أحبش.. لو تحبيني نص ما أحبش..
ماكان هان عليش تخليني عشان غلط اعتذرت عنه..
شعاع بصوتها المبحوح: والحين حياتنا كلها بتقعد معلقة على ذا الغلط؟؟
علي يبعدها قليلا عنه لينظر إلى وجهها ويمسح دموعها المنهمرة بأنامله:
مافيه شيء غيره.. هو الغلط الوحيد.. وعاقبتيني بمافيه الكفاية..
خلاص ياقلبي.. تدرين إني حتى يوم واحد ما أطيق بعدش...
أحس كأني مثل المسبه اللي فاقد التوزان!!
حينها مدت أناملها لتمسح على عارضه برقة موجوعة: شأخبار فحوصك؟؟
همس بعتب رقيق وهو يتناول كفها من خده ليحتضنها بين كفيه:
زين تذكرتي؟؟
ابتسمت بشفافية مغمورة بالدموع: أدري إنها زينة.. لأني سألت كاسرة بطريقة غير مباشرة..
وقلت لها إني خايفة تكون مخبي علي شيء.. وهي سألت كساب وطمنتني!!
حينها ابتسم بشفافية أكثر: وليه ذا اللفة كلها؟؟
ترا السالفة كلها مسج أو تلفون حتى لو أنتي زعلانة عليّ..
همست بشجن: بس أنا كنت زعلانة واجد.. ولين الحين زعلانة!!
أجابها بولع غامر: أراضيش باللي تبينه.. لو تبين عيوني الثنتين.. بس خلش جنبي..
وحلفتش بالله.. لو صار زعل بيننا .. وإن شاء الله عمره مايصير بيننا زعل..
بس لو صار.. حلفتش بالله ماتطلعين من بيتش.. خلش قدام عيوني..
ترا فيه فرق بين إنش تعاقبيني.. وبين إنش تذبحيني!!
***********************************
" يا الله ياعبدالله..
أما أنت أمس وترتني صدق.. أول شيء تأخرت علي
وحتى تلفون ماعندي أتطمن عليك!! "
عبدالله بمودة: غصبا عني حبيبتي..
جوزاء بتساؤل: إلا أنت وين موديني من صبح كذا؟؟
عبدالله يتنهد بهدوء: عندي لش مفاجئتين وحدة حلوة وتجنن وبتطير عقلش من الوناسة..
والثانية بتزعلش شوي..
جوزاء بتوجس: عبدالله خوفتني..
عبدالله يحاول تهيئتها للموضوع وهو يهتف بهدوء تام: صدقيني مافيه شيء يخوف..
بس أنتي جمدي لي قلبش الله يرضي عليش..
لو علي ماكان ودي أقول لش الخبر الحلو ولا والشين.. بس أنا عارف إنه بتدرين بتدرين!!
كله ولا تفكرين تولدين لي في الثامن.. طالبش ياقلبي!!
جوزاء بدأ توجسها يزداد وهي تضع أسوأ الاحتمالات في رأسها.. وكل الاحتمالات تدور حول أهلها..
بما أن عبدالله معها الآن.. وحسن تركته خلفها عند أم صالح!!
اختنق صوتها: أمي صاير لها شيء.. أو إبي أو أخواني؟؟
عبدالله بنبرة تطمين: ليش ذا الفال الشين؟؟ صدقيني إنهم كلهم طيبين وبخير!!
جوزا تنظر حيث دخلت السيارة ويزداد اختناق صوتها: تقول لي طيبين وأنت موديني المستشفى..
عبدالله يشعر بالتمزق فعلا وهو يهتف بثقة ودودة: والله العظيم إنهم كلهم طيبين..
وبتشوفين بعينش... عشان كذا جبتش.. مابغيتش تروعين!!
جوزاء بدأت تبكي: من اللي تعبان فيهم؟؟ من هو؟؟
عبدالله شد على كفها وهو يقف في الموقف ويهتف بثقة: انزلي بنفسش وتشوفينهم كلهم طيبين..
عمي بس تعب البارحة تعب بسيط وهذا هو طيب وبخير وبتشوفينه بعينش!!
جوزاء نزلت باستعجال وهي تكاد تركض.. عبدالله شدها ليوقفها وهو يهتف بحزم: شوي شوي..
كانت تحاول التجلد وهي تريد أن تطير بينما عبدالله يمسك كفها بقوة..
حتى أوصلها إلى الطابق الخامس..
همس لها بحزم وهما مازالا عند الباب: شفتي هذا هو في غرفة عادية..
لا في العناية ولا الإنعاش..
سمي بسم الله.. وادخلي بالراحة.. لو شعاع مهيب هنا.. ناديني!!
جوزاء هزت رأسها وهي تصر على أسنانها بقوة.. وتشعر بألم متعاظم في أسفل بطنها..
فتحت الباب ودخلت..
حين دخلت .. كانت أسرتها بكاملها متواجدة.. ووالدها نائم..
بدت كما لو كانت ستسقط وهي تبحث عن شيء تستند له..
شعاع وعالية قفزتا كلتاهما لتسنداها.. والغريب أن معهما ثالث رغم أنه وصل متأخرا!!..
حين أوصلوها بجوار والدتها.. ارتمت في حضن والدتها وهي تنتحب..
أم عبدالرحمن مسحت على رأسها بحنان: والله العظيم إنه طيب يأمش.. اذكري ربش!!
حين التفتت لتتأكد من شيء غريب لمحته وظنت نفسها تتخيل..
وجدت نفسها لا تتخيل.. كان عبدالرحمن يقف جوارها مستندا لعصا وهو يهمس بقلق: أشلونش الحين؟؟
حين رأته واقفا.. شهقت بعنف وهي تستدير لتحتضن خصره وتنتحب بهستيرية..
عبدالله وصله صوت نحيبها وهو في الخارج.. لم يستطع أن يصبر وهو يطرق الباب بقوة..
البنات تأكدن وضع أغطيتهن وهن لا يعملن من الطارق بعد.. ليدخل عبدالله كالأعصار: وش فيها؟؟ وش فيها؟؟
عالية تمسح دمعة فرت منها رغما عنها: لا تحاتي أم حسون... بس صرنا عايلة هنود على مستوى..
سيلنا دموع أكثر من أي فيلم هندي مر في التاريخ!!
عبدالله وقف فوق رأسها وهو يهتف بقلق: أم حسن.. حاسة بشيء؟؟ شيء يوجعش؟؟
جوزاء لم ترد عليه وهي مازالت متعلقة بعبدالرحمن الذي كان يحتضنها بحنو ويهمس عبدالله بمودة: مافيها إلا العافية..
متاثرة شوي.. كانت متوقعة إنه أبو دم ثقيل ماعاده بماشي على أرجيله مرة ثانية!!
ثم استدار عبدالرحمن ليوجه حديثه للجميع : ياجماعة الخير.. إبي لا يدري إني وقفت أو مشيت.. خايف عليه من الصدمة..
أنا بروحي بأقول له وبطريقتي!!
********************************
" يا الله وضوحي وش ذا الكسل؟؟
قومي!! "
وضحى تفتح عينيها وهي تهمس بإرهاق: خاطري أقوم قدامك..
مهوب أنت كل مرة تقوم قبلي وتشوف شكلي وأنا صاحية من النوم..
ابتسم نايف وهو يمرر ظهر أنامله على خدها: تدرين أصلا أنا تقصدت أقوم قبلش عشان أشوف شكلش وأنتي نايمة ثم وأنتي تبطلين عيونش على وجهي..
شكله بيصير إدمان!!
وضحى اعتدلت بخجل : سامحني.. بكرة إن شاء الله أنا بأقوم قبلك..
نايف بمرح: ليه حتى الإدمان ذا منعوه.. ترا مادرست إنه ممنوع في القانون..
ثم أردف بذات المرح: وش رأيش في جولتنا البارحة؟؟
وضحى برقة: تجنن.. بس بلاها نطول لين الفجر.. أخاف!!
نايف بنبرة عتب: تخافين وأنتي معي؟؟ وبعدين يعني أنا باوديش الحواري اللي بعد غياب الشمس ماحد يمشي فيها..عشان تخافين..
كلها مناطق مليانة سياح!!
وبعدين مافيه تيك المسافة بين الشانز وسكننا في سانت لازار في منطقة الأوبرا..
تدرين الفنادق أكثر قريب الشانز.. بس الشانز زحمة وعالم وقرف..
وأنا أبيش تشوفين باريس بعيون واحد من أهلها مهوب عيون سايح!!
ثم أردف بمرح ونبرة مقصودة وهو يلمس شفتيها بطرف سبابته: ولو أنه حلو نرجع بدري عشان أشوف وجهش وأنتي تسولفين علي بدون نقاب!!
عشان السوالف من بين ذا الشفايف ماينشبع منها!!
***********************************
" أنا بروح أزور أبو عبدالرحمن وأشوف أخبار عمتش..
تروحين معي؟؟"
كاسرة تنهدت: ما أقدر يمه.. اتصلت في عمتي والبنات..
وعمي فاضل باتصل له تلفون..
بس ما أقدر أروح له في المستشفى.. كساب بيعيي لو قلت له..
مزنة بحزم: خلاص أنا بروح.. لا تقعدين في البيت بروحش..
ولو تبين تقعدين خلش عند جدش وسكري البيان كلها..
حينها همست كاسرة بنبرة مقصودة: يمه استئذنتي عمي تروحين؟؟
مزنة بذات الحزم: تدرين زين إني ما أحب تكلميني بذا النبرة يابنت!!
حينها ابتسمت كاسرة: خلش من النبرة.. المهم الجواب.. استئذنتي عمي؟؟
حينها أجابتها مزنة بصرامة : مهوب شغلش يا بنت بطني.. وعيب عليش تتدخلين بيني وبين عمش!!
حينها همست كاسرة بتحكم: ذا كله يمه عشان خايفة إني أسألش ليه ما قلتي لي عن جية عمي البارحة وإنه اعتذر منش؟؟
مزنة بذات الصرامة: بعد مهوب شغلش... يوم أنتي جيتي عندي زعلانة على كساب.. مارضيتي حتى إني أتدخل بينش وبينه..
عشان تتدخلين بيني وبين إبيه الحين..
حينها همست كاسرة بشجن: يمه لا تقارنين... كساب مافكر يعتذر لي حتى..
ورجعني بدون مايعتذر لي..
لكن أنتي زايد آل كساب بكبره جاء لين عندش واعتذر..
يمه تكفين لا تضيعين عمي من يدش.. والحين بينكم طفل..
ماعليه.. خلي الخبال ويباس الرأس لي.. بس أنتي تكرمين!!
مزنة تنهدت وهي تربت على خد صغيرتها: ماراح تفهمين يأمش..
كاسرة برجاء: فهميني زين!!
مزنة تنهدت للمرة الثانية: يأمش انتهينا..
حينها كان الاتصال الذي ورد لهاتف مزنة هو من قاطع الحاح كاسرة..
مزنة شدت لها نفسا عميقا.. (لماذا يتصل؟؟
لماذا لم يكتفِ برسالة كما فعلت؟؟ )
فمزنة كانت قد أرسلت بالفعل رسالة لزايد تستأذنه في الذهاب لزيارة إبي عبدالرحمن..
وتأخر في الرد عليها!!
ولها أكثر من نصف ساعة وهي ترتدي عباءتها وتنتظر رده!!
تعلم أنه لن يرفض.. لذا استعدت للذهاب.. واستغربت تأخره في الرد..
مزنة تنهدت لترد بثقتها المعتادة: هلا أبو كساب!!
كاسرة رقصت حاجبيها لوالدتها.. بينما مزنة أشاحت بوجهها وهي تستمع صوت زايد الواثق:
أنا أتناش برا.. تعالي!!
مزنة بصدمة وهي تقف لتبتعد بهاتفها: نعم؟؟ زايد أنت من جدك؟؟
زايد بحزم: إيه من جدي... أنتي تبين تروحين تزورين فاضل وأنا بعد..
وأنا ما أرضى تزورينه بروحش..
مزنة ستجن منه وهي تحاول أن تهمس بأكبر قدر من الهدوء: زايد الله يهداك إذا أنت مرخص لي..؟؟ رحت مع السواق والخدامة..
منت بمرخص لي؟؟ قعدت !!.. السالفة ماتحتاج تعقيد..
زايد بصرامة: والله مافيه حد معقدها غيرش.. الحين حن ما احنا متفقين إنه على الأقل قدام الناس شكلنا مايفشل..
الحين أنا على كل حال رايح أزوره.. نتقابل هناك يعني كن حن ربع؟؟
مزنة تنهدت وهي تضع هاتفها في حقيبتها وتستعد للخروج له..
وتهتف بصرامة قبل أن تقول كاسرة أي كلمة: أص ولا كلمة.. ما أبي أسمع تعليق واحد!!
كفاية اللي مسويه فيني عمش الغالي!!
حين ركبت جواره سلمت باختناق حاولت أن لا يبدو واضحا في صرامة صوتها.. ولكنه ظهر..
شعرت أن السيارة ضيقة جدا.. وأن جنبها يكاد يلتصق بجنب زايد رغم المسافة الفاصلة بينهما!!
تشعر أنه يتلاعب بها.. كما لو كانت إحدى عرائس الماريونت التي تُحرك بالخيوط.. يقربها حينا ويبعدها حينا!!
وهي الخاسرة الوحيدة في كل الأحوال..
رد عليها السلام بفخامة أصيلة وهو يردف بدفء عميق متجذر: هلا حبيبتي!!
مزنة رغما عنها شهقت بعنف.. وهي تلتصق بباب السيارة.. بل وتفتحه دون أن تشعر رغم أن زايدا بدأ بتحريك سيارته..
زايد مد ذراعه ليشدها ناحيته بقوة وهو يهتف بغضب: أنتي شتسوين؟؟
مزنة استدارت نحوه بغضب أشد: إلا أنت اللي وش تسوي؟؟
زايد بغضب متزايد: وش سويت؟؟
مزنة صمتت.. لم ترد عليه.. فهي ممزقة تماما.. بل كلمة التمزق لا تتناسب حتى مع حالة التشرذم الشامح الذي تشعر به!!
" أي رجل قاس هو هذا الرجل؟؟
بل أي قلب يحمل؟؟
كلمة انتظرتها مطولا وشح بها عليّ ثم يلقيها عليّ كشيء بلا قيمة
بدون إحساس..
كما لو كانت فضلة يريد إسكاتي بها!!
ليقول لي : أ ليس هذا ما تريدينه؟؟ ارضي به واصمتي!! "
ومازاد إحساسها مرارة وقسوة أن زايد بدأ ينهمر في حديث عفوي..
كما لو أنه لم يحدث بينهما شيء مطلقا!!!
كان يهتف بثقة باسمة: تدرين إنه طلعاتنا مع بعض شوي.. دايم متقابلين في البيت..
يبي لنا مع بعض أكثر.. نطلع نتغدى سوا.. ونجيب أغراض البيت سوا..
اشرايش نروح بكرة بدري (الكبرة) نجيب ميرة البيت..
مزنة تشعر أنها تريد أن تنفجر في البكاء فعلا.. (هل هذا الرجل خال من الإحساس فعلا؟؟!! )
هل اكتشف للتو أن ظهورهما سويا من البيت قليل بل شبه معدوم
وهي لم تشتكي من ذلك مطلقا.. فهي بطبعها لا تخرج إلا لحاجة ضرورية
وكان يكفيها رؤيته أمامها في البيت!!
فأي لعبة سخيفة يلعبها الآن؟؟
زايد يستحثها للكلام: مزنة حبيبتي وش فيش ماتردين علي؟؟
مزنة همست بإرهاق: زايد لو سمحت.. بلاها حبيبتي ذي!!
ابتسم زايد بفخامته المعتادة: زين وش فيها؟؟ أنتي حبيبتي..
مزنة همست بشعور قهر متزايد: ومن متى ذا الكلام؟؟
زايد بدفء محترف: من زمان وأنتي عارفة..
مزنة تنهدت: اللي أنا عارفته شيء ثاني..
فلو سمحت يأبو كساب.. خلنا في اللي احنا فيه...
حن رايحين نزور ابو عبدالرحمن ونرجع وبس..
هتف بحزم يخفي خلفه رجاء عميقا: منتي براجعة معي لبيتش؟؟
مزنة بحزم موجوع: بيتي هو اللي أنت خذتني منه..
فارجوك احترمني يا أبو كساب.. أنا ماني ببزر عشان تغصبني!!
*********************************
دخلت عليه وهو يلاعب زايد الصغير..
بينما والدتها كانت منشغلة في المطبخ...
كانت تريد التراجع.. فهي في الفترة الأخيرة أصبحت تتحاشى مواجهته وحيدين..
تخشى أن يجر الحديث حديثا آخر تتهرب منه..
منصور حين رآها هتف بصوت عال مرح: حيا الله بنتي اللي ماعاد شفناها..
هذا وأنتي عندنا في البيت.. لا جا فهد وش بتسوين!!
جميلة مالت على رأسه لتقبله وهي تهمس بابتسامة: توني شفتك اليوم الصبح..جعلني الأولة!!
ابتسم منصور: وهذي تسمينها شوفة.. وأنا رايح بسرعة لشغلي!!
جميلة مالت لتأخذ زايد من بين يديه حتى تلتهي به عن التوتر الذي بدأت تشعر به..
لكن منصور هتف بمودة: خليه.. مابعد شبعت من ذا السكني الصغير!!
سبحان الله سميته زايد.. وفيه من زايد مواري واجد..
(مواري= علامات)..
ابتسمت جميلة: يارب يطلع يشبه عمي زايد في كل شيء.. إلا الشكل عاد نبيه مثلك!!
حينها ضحك منصور: يعني أنتي شايفتني شكل بس.. وشايفة زايد المضمون..؟؟
جميلة تفجر وجهها احمرارا لدرجة أنها كحت: والله العظيم ماقصدت ياعمي...
ياربي... السموحة فديتك..
منصور مازال يضحك: وش فيش تروعتي كذا؟؟ أمزح معش يأبيش!!
جميلة مازالت تشعر أنها تريد تبكي من شدة الحرج..
ولكن منصور أخرجها لاتجاه آخر وهو يهتف بمودة: ها شأخبار الاستعداد للجامعة..؟؟
جميلة بإحساسها بالحرج الذي تحاول الخروج منه: كل شيء تمام..
الدوام بعد أسبوع تقريبا.. وأنا اساسا رجعت قيدي وسجلت مواد من الفصل اللي فات..
منصور بعفوية: يعني بيكون دوامش قبل رجعة فهد؟؟
( هذي هي السالفة اللي ما أبيها!!) حاولت أن تهمس بتلقائية: قبل رجعته بيومين تقريبا!!
ثم أردف منصور بنبرة مقصودة: والوضع بينكم الحين أشلون؟؟
جميلة باستعجال: زين ياعمي.. زين!!
منصور بحزم: يضايقش فهد بشيء؟؟؟
جميلة بذات الاستعجال: أبد.. مايقصر وحاطني فوق رأسه!!
منصور نظر لها نظرة سابرة.. شعرت بالارتباك وبالحر.. كما لو أنها تجلس في فرن مشتعل..
وقفت وهي تهمس بذات النبرة المستعجلة: باروح أشوف أمي تبيني أساعدها في شيء!!
بعد دقائق..
دخلت عفراء..
وهي تحمل بين يديها القهوة والشاي.. وتتبعها خادمة تحمل (الفوالة).. وضعتها وغادرت..
بينما عفراء جلست بجوار منصور الذي هتف لها بنبرة مقصودة وهو يقبل زايد الصغير:
جميلة جاتش؟؟
عفراء بعفوية: لا...
حينها هتف بذات النبرة المقصودة: أشلون الوضع بينها وبين فهد ولا تكذبين علي في شيء..
لأني عارف إنه فيه شيء مهوب طبيعي!!
عفراء تنهدت: الوضع بينها وبين فهد.. شيء يخصها هي وفهد..
أنت سويت اللي في رأسك وزوجتهم...
طالبتك الحين تخليهم يحلون مشاكلهم بنفسهم.. لأنك لو تدخلت بينهم بتخلي السالفة تكبر!!
***********************************
" أنتي مارحتي لبيتش؟؟"
كاسرة تغطي جدها الذي تمدد للتو وتلتفت لوالدتها بهدوء: وليش أروح؟؟
البيت فاضي وكساب في شغله..
وهنا قاعدة مع جدي ونسولف..
ثم أردفت باهتمام: عمي فاضل اشلونه؟؟
مزنة تنهدت: ماشفته.. كان عنده زوار ياجيل واجد.. قعدت مع عمتش في الاستراحة..
وتقول إنه أحسن بواجد.. يومين ثلاثة ويطلع إن شاء الله..
حينها ابتسمت كاسرة: والطريق شأخباره؟؟ كان حلو؟؟
قرصت مزنة خد كاسرة بلطف وهي تهمس بنبرة مقصودة:
الطريق كان زحمة ويسلم عليش.. وخلي اللقافة منش..
وقومي فزي لبيتش.. رجالش أكيد على وصول..
حينها ردت كاسرة بنبرة مقصودة مشابهة:
رجالي مهوب جاي ذا الحزة..
بس قولي إنش تبيغيني أروح للبيت عشان اللي وصلش الحين..
قاعد في البيت بريحاته ماعنده حد.. لا أنيس ولا ونيس.. يعد الطوف.. طوفة طوفة!!
مزنة تنهدت وهي تميل على والدها لتتأكد من وضعية نومه:
كاسرة للمرة الأخيرة أقول لش..
لا تتدخلين بيني وبين عمش.. ومالها لزوم ذا التعليقات..
********************************
" حبيبتي ليش حاسش منتي مبسوطة؟؟
إذا المكان مهوب عاجبش رحنا مكان ثاني!!"
سميرة تشير لتميم بتوتر: لا والله المكان يجنن.. وميونخ بكبرها تجنن..
بس أنا متوترة عشان نتايج الفحوص اللي سويناها..
ابتسم تميم: كلها كم يوم ونرجع وتطمنين إنه مافيه إلا العافية!!
سميرة بشفافية موجوعة: تميم أنا خايفة يكون عندي مشكلة!!
أمي كان عندها مشكلة من عقب ماجابتني لين حملت بصالح فجأة..
وأختي نجلا 3 سنين ماحملت وكانت تتعالج..
شد تميم على كفها بقوة ثم أشار بأريحية: اللي منا عنده مشكلة أنا وأنتي بيتعالج إن شاء الله..
ولو الله كاتب لنا رزق ماحد يقدر يمنعه..
ولو هو ماكتب لنا رزق ماحد يقدر يجيبه...
***********************************
عبدالرحمن منذ أفاق أبوه وهو لم يتحرك من مقعده.. بل طلب منهم إحضار كرسيه من البيت..
وهاهو يطلب من أمجد أن يساعده لينتقل إليه ليقترب من والده..
سبحان الله.. يشعر بكراهية مريرة لهذا الكرسي الآن..
يشعر أنه يحرق جنبيه كما لو أنك تعود لسجنك باختيارك!!
عبدالرحمن مد كفه ليمسح على ساعد والده بحنان: يبه فديتك..
أنت فيه شيء مضايقك.. قل لي.. كلهم راحوا الحين.. وبأقول لأمجد يطلع ينتظر برا..
أمجد من نفسه تحرك للخارج... لكن فاضلا أشار له أن يقف وهو يهمس بتثاقل مرهق:
مافيه شيء أدسه.. عبدالجبار يطلبك البيحة!!
عبدالرحمن زفر بيأس: يبه الله يبيح منه... شيبة في باكستان وقد له 16 سنة وهو لا هو حي ولا ميت.. ربي رحمه من العذاب..
فاضل بحزن عميق: يا أبيك الموت مامنه مهرب .. وعبدالجبار كنت أروح كل سنة لباكستان وأقول ذا السنة بأزور قبره..
بس ولده عبدالمؤمن الله يهداه فجعني... دق علي أول مادخلت منكم أتوضأ..
وقال لي إبيه مات.. استعذت بالله.. وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون..والله يرحمه..
قال لي مادريت أشلون مات؟؟
لقوا جثة أختي اللي مختفية من 16 سنة..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
الشيبة كانت روحه معلقة فيها.. كن أنفاسه متعلقة بشفقته إنه عاده بيشوفها..
مافي قلوبهم رحمة.. جابوا له اللي باقي من ثوبها اللي كان عليها..
آخر ثوب شافه عليها يوم أمست..
قد لها 16 سنة من يوم ماتت.. وهو كل يوم يترجاها بتعود له!!
يوم شاف ثوبها.. شهق وودع.. إنا لله وإنا إليه راجعون!!
عبدالرحمن بتأثر: إنا لله وإنا إليه راجعون..
وأنت يبه يعني ماخبرتك حساس كذا..
حاول عبدالرحمن أن يبتسم: ترى الرقة ماتليق عليك كلش!!
يتنهد أبو عبدالرحمن: الله يجيرنا من قسوة القلب يأبيك..
والله يا أبيك كنت لا شفت وجهها كني أشوف وجه شعاع..
أكثر حد كنت أحاتيه يوم بطلت عيني شعاع..
خايف عليها تتعب وهي حامل.. ولا حتى عليها حال!!
*******************************
" شأخبارش الحين ياقلبي!!
خوفتيني عليش!!"
شعاع تتنهد وهي تسند ظهرها لظهر السرير: مافيني شيء فديتك!!
حتى روحة المستشفى اللي لزمت علي فيها ماكان لها داعي..
علي بعتب: أشلون مالها داعي.. والدكتورة عطتش إبرة مثبت وقالت لا تتحركين!!
شعاع بإرهاق: أنا بس كنت تعبانة.. كم سالفة جات ورا بعض..
وبعدين تاثرت واجد إني أنا أكون أول حد يسأل عنه إبي أول مافتح عينه..
توقعت بيسأل عن عبدالرحمن!!
علي احتضن كتفيها وهو يهمس بتأثر وقلق : الله يطول في عمره ويخليه لكم..
وطالبش ياقلبي ما تتحركين ذا اليومين كلش..
طالبش.. !!!
حتى أنا بأقدم على إجازة وبأقعد عندش!!
***********************************
" ماشاء الله كم صار لش قاعدة مع إبي؟؟
شكلكم من زمان!! "
هزت كاسرة كتفيها وهي تهمس بنبرة مقصودة: كل واحد منا يسلي الثاني..
شنسوي.. ؟؟
هو خلته أمي بروحه.. وأنا خلاني ولده بروحي!!
كساب بنبرة مقصودة شبيهة: لا تصيرين نصابة.. أنا قلت لش إني بأتأخر!!
كاسرة جلست وهي تهمس بهدوء يخفي خلفه غيظا شاسعا: زين ولأنك تاخرت وبلغتني.. مايمنع إني أقول إنك خليتني..
كساب أنا ما أتدخل في شغلك ولا أبي أقيدك فيني
بس الساعة صارت ثنتين.. وش الشركة اللي فاتحة لين ذا الحزة؟؟
يوم قلت لي بتتأخر حسبت حدك بيكون 11.
حينها ربت على أرنبة أنفها بتلاعب: تغارين وإلا تشكين؟؟
كاسرة زفرت وهي تبتعد عن مدى يده: لا هذي ولا هذي.. أقول الله يعدي شهور حملي على خير..
ويجيني بيبي يلهيني!!
عاود شدها ناحيته وهو يهتف بعتب مقصود: تبين حد يلهيش عني؟!!
كاسرة تتنهد: مثل منت لاهي عني!!
جلس وهو يشدها لتجلس جواره ويهمس بدفء وهو يمسح أناملها برفق دافئ:
من هذا اللي يلهى عنش؟؟ ماجابته أمه..
بس كان عندنا عشاء مع رجال أعمال من برا.. وبعضهم ماوصلوا إلا 12 .. يا الله خلصنا العشا جيت على طول!
ثم أردف وهو يبتسم: ها قولي لي.. تشكين وإلا تغارين؟؟
صمتت وهي تتحسس برقة -بكلتي يديها- الأثار المتبقية من إصابته الأخيرة على ظاهر يده..
استحثها لتجيب: ها جاوبيني .. الجواب مهم عندي!!
رفعت يده إلى عذوبة شفتيها لتقبلها قبلة واحدة غاية في الرقة والدفء ..
شعر بتثاقل في أنفاسه يشبه القرصات الحانية على غشاء قلبه.. فهي نادرا ماتعبر عن مشاعرها بهذه الطريقة..
همس بهذا التثاقل: وحدة بس يا البخيلة!!
احتفظت بكفه بين كفيها وهي تجيب بشجن عميق:
عمري ماشكيت فيك... بس الغيرة مهيب في يدي!!
*****************************************
بعد يومين
.
.
.
" خذي غانم.. وروحي للاستراحة بأكلم الدكتور وأجيش عشان نروح للبيت"
نجلاء باستغراب: وش نروح البيت؟؟ أبي أروح أشوف بنتي..
هذي هي في المستشفى اللي جنبنا..
صالح بتردد: خفت إنش ماتبين تشوفينها..
نجلاء بصدمة: من جدك أنت؟؟
ثم أردفت بعتب: صالح أنا ماني بمثلك..
المها بنتي.. مثل ماغانم ولدي..
وأنا زعلتي عليك مهوب على بنتي.... هي وش ذنبها؟؟
صالح يبتسم: يا شينكم يا النسوان إذا لقيتوا لكم شيء تذلون الرياجيل عليه!!
*********************************
" الحمدلله على سلامتك يبه!!
نورت بيتك!!"
أبو عبدالرحمن يخطو للداخل بتثاقل وهو يهتف بإبتسامة:
الله يسلمك يأبيك..
ولا يحرمني شوفتك داخل(ن) علي بدون ذا الكرسي..
عبدالرحمن بنبرة مقصودة: قريب يبه.. قريب!!
أبو عبدالرحمن بفرحة مفاجئة: أ ربك صادق يأبيك؟؟
عبدالرحمن يبتسم وهو يقترب من والده: الدكتور يقول لي إنه متوقع إني أمشي قريب.. لأنه بديت أحركها بروحي!!
أبو عبدالرحمن بشجن: يا الله رحمتك.. يا الله عونك.. لا تحرمني شوفته يمشي وشايل ولده..
ثم أردف بحماس فخم: نذر علي لله عز وجل.. يا اليوم اللي بتمشي فيه..
إن قد أمط سماط غدا وعشا لعمال الصناعية.. أسبوع كامل!!
**************************************
بعد يومين آخرين
.
.
" ها شأخبارش مع حضرة النقيب؟؟"
جميلة تهز كتفيها: لحد الحين.. الأمن مستتب.. لا عاد اتصل ولا كلم..
مزون بنبرة مقصودة: وأكيد أنتي الحين متضايقة؟؟
جميلة باستنكار: وليش أتضايق؟؟ أتضايق إن ربي رحمني منه ومن غثاه..
مزون تنظر لجميلة نظرة مقصودة: جمول مهوب علي ذا الكلام!!
مافيه وحدة يرضيها إن رجّالها يطنشها.. حتى لو كانت هي تبيه يطنشها!!
جميلة تتهرب بشيء آخر: خلينا من حضرة النقيب ونروح لولد عمه الكابتن أبو عيون عسلية..
أنتي شأخبارش مع سبع البرمبة؟؟
مزون ابتسمت: غانم يجنن ومافيه مثله اثنين.. بس لو أنه يخف شوي من تحسسه من هلي..
ثم أردفت بشجن: غانم يبي يكون رقم واحد في حياتي.. وأحس إنه يتضايق من تعلقي في إبي واخواني..
عجزت أحاول أوضح له إنه شيء وهلي شيء.. ولكل واحد غلاه..
وهو توه أتعرف عليه.. لكن هلي علاقتي فيهم أساسا غير..
يقول لي: أنا فاهم.. أو يحسسني إنه فاهم.. بس أنا أحس بضيقته..
ابتسمت جميلة: كان ودي أنصح.. بس أنا عاد أفشل من بيقدم نصيحة زوجية..
إسألي أمي!!
مزون ابتسمت: هذا شيء مايبي نصيحة.. يبي له وقت بس!!
**************************************
" حبيبي تكفى.. ماعاد طقت شوفت ذا الكرسي قدامي!! "
عبدالرحمن يمشي ذهابا وإيابا باستخدام عصاه وهو يهتف بثقة: هذا أنا عندش أتحرك بدونه..
بس برا ما أقدر.. خايف على إبي!!
عالية برجاء: ومتى بتقول له؟؟
عبدالرحمن بثقة: هانت.. هذا أنا قاعد أمهد له شوي شوي!!
********************************
" خلاص حبيبتي .. بيرسلون النتايج لنا في الدوحة!! "
سميرة تشعر أنها ستبكي فعلا.. فهي كانت تنتظر النتائج بفارغ الصبر..
بل ماعاد فيها صبر حتى!!
يا الله تريد أن تكون أما.. وتريد شيئا يطمئن قلبها!!
تميم يتنهد: تكفين سميرة بلاها ذا النظرة اللي فيها دموع..
سميرة بحزن: أنت قلت لي النتايج ما تأخذ حتى 3 أيام.. فليش تأخرت كذا؟؟
تميم بحنان: لا تحاتين ياقلبي بيرسلونها للدوحة.. ولو بغيتي سوينا غيرها..
الحين خلاص خلينا نستعد لطيارتنا..
*****************************************
كانت تجلس عند والدها الذي كان يصلي ضحاه..
والذي كان لا يعلم مطلقا أنها تنام عندهم.. بل كان يظنها تأتيه من بيت زايد..
ليأتيها اتصال منه.. تنهدت كما تفعل كل مرة يتصل بها..
فهو يتصل بها في اليوم عدة مرات.. كما لو كان يريد الاستمرار في تعذيبها..
لم يكن يهاتفها بهذه الكثافة حينما كانت عنده!!
في كل مرة كانت تتمنى ألا ترد.. ولكنها تجد نفسها مجبرة على الرد..
جاءها صوته مستعجلا: مزنة لو سمحتي جهزي لي شنطة بأسافر أسبوع..
السفرة جات بسرعة وماعندي وقت أرجع أرتب شنطتي..
أبي أجي أخذها وأطلع بسرعة..
مزنة شعرت بالصداع ( هل هذا رجل طبيعي؟؟ وهل هما زوجان طبيعيان حتى يطلب منها هذا الأمر؟؟)
مزنة صمتت.. حينها أكمل زايد بحزم:
مزنة البيت فاضي.. رتبي لي الشنطة بس... وروحي..
اعتبريها مساعدة إنسانية لجاركم.. الطوفة وحدة وترا!!
مزنة همست بنبرة ميتة: حاضر إن شاء الله..
" إلى أي مدى وصل امتهانه لي؟؟
إلى أي مدى؟؟ "
تشعر أن كل خطوة تقودها لبيته.. كما لو كانت خطوة تقربها من قبرها..
وهي من تذهب للقبر بقدميها..
هي من تذهب بقدميها!!
غلفت كل مشاعرها بكل البرود الكوني.. وهي تصعد للأعلى وتقترب من مكانه..
حيث أنفاسه.. وعبقه.. ودفئه.. وتجريحه..
حيث طردها من حياته!!
الألم يزداد في قلبها إلى درجة عدم الاحتمال المطلق.. وهي تفتح الباب ..
تستخرج حقيبته..
وتبدأ بوضع أغراضه بدقة آلية!!
جمدت مشاعرها حتى لا تشعر بشيء وهي تتحسس ملابسه.. فرشاة شعره..
معجون أسنانه..
وترتب كل شيء بجمود.. وتنتهي بذات الجمود الموجع..
ماكادت تغلق الحقيبة وتريد أن ترفعها عن السرير حتى تنزلها على الأرض..
حتى وصلتها الصرخة الحازمة: والله ماتشيلينها.. أنتي صاحية!!
مزنة انتفضت بجزع: متى جيت؟؟
زايد يقترب منها ويتنهد: توني جيت من دقايق وأنتي ولا حاسة بحد!!
مزنة باختناق حقيقي: زايد أنت تلعب علي؟؟.. جايبني وأنت في البيت..؟؟
زايد رفع هاتفه أمام ناظرها وهو يهتف بحزم موجوع: مزنة... شوفي أنا متى اتصلت لش.. صار لي أكثر من ساعة..
أساسا توقعت ماراح ألقاش.. وبألقى الشنطة بس.. ويمكن ما ألقاها..
بس ربي يحبني.. عشان أشوفش قبل ما أروح...
"معقولة ساعة كاملة أرتب شنطة ولا حسيت بنفسي!!"
مزنة تأخرت للخلف وهي تحاول أن تهمس بطبيعية: هذي شنطتك.. واسمح لي..
تميم بعد بيوصل الليلة!!
زايد بنبرة مقصودة: زين إنه بيجي وأنا مسافر.. عشان تتأجل مواجهتش معه..
مزنة بذات نبرته المقصودة: أنا وولدي نعرف نتفاهم..
كانت تريد أن تغادر.. لولا أنه شد معصمها ليوقفها وهو يهمس بدفء:
بتروحين كذا؟؟
مزنة شعرت أن الاختناق يعاودها: كذا أشلون؟؟
زايد بذات الدفء: بدون ماتسلمين علي..
مزنة باستعجال: تروح وترجع بالسلامة!!
زايد بنبرة شديدة الدفء: هذي كان ممكن تقولينها لي في التلفون..
بس دام ربي خلاش تنتظريني..
فالسلام مايكون كذا!!
مزنة بتوجس مرعب: أشلون يكون؟؟
هذه المرة مد يده ليتنزع برقعها وشيلتها معا.. وهو يهمس بوجع:
خاطري بس أضمش مرة وحدة وأنا أتنفس شعرش وأقول لش وش كثر أنا أحبش!!
مزنة ابتعدت عن مدى يده وهي تهمس بوجع حقيقي:
تكفى يازايد لا تهيني أكثر من كذا..
ما أقدر أردك لو بغيت تسوي كذا..
بس كفاية علي إحساسي بالمهانة وأنا جاية بيتك بأرجيلي..
طالبتك ماتزيدها علي.. والله مافيني مايستحمل..
زايد تنهد بوجع مر وهو يمدها بشيلتها وبرقعها: روحي يامزنة..
روحي!!
************************************
بعد أسبوع
.
.
مر الأسبوع ثقيلا بطيئا سريعا..
وهاهو زايد يعود في الغد مساء.. ومواجهتها لابنها تقترب...
مازال لا يعلم بحملها إلا زايد وكاسرة..
ولكن بطنها بدأت تبرز قليلا.. والأمر بات مخجلا لها لأبعد حد..
وحتى بنتها ستصل غدا في الفجر..
وكأن كل المواجهات تتأجل لهذا الغد!!!
" يمه مزنة وش تفكرين فيه؟؟ "
مزنة بمودة: مافيه شيء يأمش؟؟ أنتي اللي قولي وش فيش؟؟
من يوم رجعتي من السفر وبالش مهوب رايق!!
سميرة تميل لتقبل كتفها وتهمس بمرح اصطناعه أكثر من حقيقته:
لا ياحلو.. أنتي اللي عشانش مشتاقة لعمو زايد.. عقلش يودي ويجيب!!
سميرة تتنهد... مضى أسبوع على عودتهما..
وتميم كل يوم يقول لها أن الفحوص ستصل في الغد..
لولا إنشغالها بالتفكير في عملية غانم الصغير التي ستكون بعد يومين
وخصوصا أن المها ستخرج في ذات الوقت!!
وإلا كانت لتذهب وتجري فحوصا جديدة.. حتى ترتاح من التفكير!!
************************************
اليوم التالي
.
.
.
"نورتي بيتش ياقلبي
سامحيني كان ودي نقعد بعد..
بس إجازتي خلصت أساسا بأنام ساعة بس وبأروح لدوامي!!"
وضحى تنزل حقيبتها على التسريحة وتهمس برقة: النور نورك..
ولا تحاتي.. المهم شغلك..
لم يناما حتى صليا الفجر.. ووضحى تقوم بالكثير من الترتيب..
ومع ذلك لم تنسى وضع المنبه على وقت نهوض نايف لعمله لتقوم معه وتعد له إفطاره!!
ولكن نايف صحا قبل أن تصحو قصدا وأقفل جرس هاتفها.. فهي مرهقة تماما
عدا أنه يعلم أنه فور وصولهم..
فوجئت بدورتها الشهرية..
بالطبع لم تخبره.. لكن من هو مثله لا يحتاج للاخبار..
فهو عاش مع صبية لست سنوات!!
لذا نهض بنفسه وتركها نائمة..
ولم يذهب حتى تأكد من وصول الخادمة التي أخبرته أن أمها سترسلها لها..
فهو لا يريد تركها وحيدة في البيت..
وضحى بقيت نائمة فعلا حتى انتصف النهار..
وفوجئت بطرقات قوية على باب غرفة نومها مباشرة...
*********************************
" يمه فديتش.. لا تحاتين..
عملية غنومي بتكون بسيطة إن شاء الله!!"
أم غانم بتأثر عظيم: يا قلبي يا نجلا.. هي تلاقيها منين؟؟
الولد هيستحمل عملية يعني؟؟
غانم يشد على كفها بحنو ويقبل رأسها: صدقيني يمه أنا بروحي تكلمت مع الدكتور وطمني.. لا تحاتين..
مزون متأثرة بالفعل من توالي الضغط على نجلا المسكينة وخصوصا وهي ترى تأثر الجميع..
غانم همس لوالدته بمودة: يمه اشرايش تخلين التفكير.. وتسولفين علينا..
أم غانم بشجن: وش تبيني أقول؟؟
غانم ابتسم: يمه.. مزون تبي تدري أشلون خذتي إبي.. علميها..
مزون قطبت جبينها لغانم بمعنى (احرجتني!! )
بينما أم غانم ابتسمت بشجن: أعلمها ليش لا... الواحد نفسه في حكاية تنسيه الهم شوية!!
************************************
دخل إلى غرفته منذ لحظات..
لم يعلم ماذا يتوقع.. أ يتوقعها؟؟ أو يتوقع برودة غيابها؟؟
قد يكون لم يتصل بها مطلقا منذ فترة.. لكنها تعلم تماما بموعد عودته..
تصاعد الغضب والغيظ في روحه..
ليس لأنه لم يجدها فقط.. ولكن لأنه لا يستطيع اسكات لهيب الشوق المتصاعد في روحه..
تناول هاتفه ليتصل بعفراء... لن يتصل بها هي..
بعد السلامات المعتادة هتف باحترام: يمه وين جميلة؟؟
عفراء بحرج: السموحة يأمك.. كان لازم تبلغها بموعد رجعتك..
جميلة في الجامعة... وبتطلع الساعة 11.. سواقتي بتروح لها الحين..
فهد بحزم: لا تروح.. خلاص أنا بأجيبها..
#أنفاس_قطر#
.
.
.
.
|