صديقاتي الغاليات.. نبضات الروح
أجد الكلمات تهرب مني..ترتجف خجلا أمام استقبالكم لي
الذي أثقل روحي بوطأة السعادة لكل هذا الاحتضان الذي أشعرني بعظم مسؤوليتي تجاهكم
وقفت أمام كل اسم عبر من هنا طويلا.. يهزني نبل صاحبته وصفاء قلبها
صديقاتي القديمات.. ومن سيصبحن أيضا صديقاتي الجديدات
سعادة عظيمة اغتالت قلبي مع كل حرف ترحيب ومودة ووفكر خطته كل واحدة منكم
أردت أن أرد على الجميع.. على الجميع.. بل بدأت في المحاولة
ولكن كان الأمر فوق طاقتي
لأن الوقت المتوفر لي للكتابة ليس بالطويل.. فأما أن استغله بالرد عليكم
أو بكتابة جزء جديد ومراجعة الجزء الحالي
الرغبة الأولى كانت بالفعل رغبتي
ولكني أعلم أن رغبتكم هي الثانية
ولكن أعدكم أنني من وقت لآخر سأحاول إيجاد وقت للرد على عابرات الجزء
بالفعل كل الكلمات هربت أمام عظمتكم.. فما أحقر الكلمات الهزيلة أمام طوفان مشاعركم
.
.
نعود لتوقعاتكم عن الرواية.. كم أسعدتني كل هذه الأراء والتوقعات
لن أقول صحيحة أو خاطئة لأني لا أريد حرق الأحداث
ولكن لنقل أن فيها استعجال كبير
فما بقي من شخصيات الرواية أكثر بكثير مما ظهر
مرحلة التعريف بالشخصيات قد تستغرق الأجزاء الخمسة عشرة الأولى
فكما تعرفون أكثر ما يهمني هو أن تغوصوا في ثنايا الشخصيات
أن تشعروا بالفعل أن هذه الشخصيات تتجسد أمامكم لتصبح حقيقة
حتى الشخصيات التي ظهرت ما زلنا لم نتعرف عليها
مرحلة التعريف ما زالت مستمرة
.
.
جزء اليوم
سنتعرف أكثر على مزون.. ولماذا زايد أصر عليها أن تكمل في كليتها
نتعرف على سبب رفض مزنة لزايد لكن بدون اكتمال للصورة بعد
اليوم لنا موعد مع الجمال
وكما تقول جدتي أطال الله في عمرها: الجمال مرحوم
اليوم نتعرف على جميلة هذه الرواية
وليس أي جمال.. جمال شديد الخصوصية والسطوة.. جمال متسلط لأبعد حد وكاسر
انتبهن أنه جمال كاسر لامرأة كاسرة!!
أعلم أن فكرة الجمال الطاغي لم تعد بالفكرة المشوقة في الروايات
ولكن الأمر عندي يعتمد دائما على المعالجة
فهنا أنا بحاجة لجميلة من نوع خاص.. كما أنه لم يسبق لي أن عالجت بتعمق الجميلة المتسلطة التي تشعر بسلطة جمالها وذكائها وخطرهما
إذن موعدنا معها اليوم
موعدنا مع شايب الرواية العود.. بركتها
موعدنا مع شخصيات جديدة سنبدأ بالتعرف عليها تدريجيا
وكما انتهى الجزء الأول بعرض زواج
سينتهي هذا الجزء أيضا بعرض زواج آخر
وكذلك الجزء الثالث والرابع.. جمعيها ستنتهي بعروض زواج
قصدتها تماما
أنتظر تعليقاتكم بكل الحماس
.
.
ملاحظة قبل البدء
هذه الرواية تدور في إطار عدة عوائل ليس بينها قرابة مباشرة
عدا عائلتين.. وعائلتين سنتعرف عليهم لاحقا
ولكن الجميع يجمعهم كونهم (جماعة) لذا وكما قد يعرفون أصحاب القبائل الممتدة
حتى وإن لم يكن هناك صلات مباشرة بين العائلات.. فالجميع يعرف أخبار الجميع.. حتى وإن لم تكن المعرفة شخصية
حطوا هذا في ذهنكم وأنتن تقرؤون
.
.
موعدنا القادم الخميس الساعة 11 مساء
.
.
الله لا يحرمني منكم
ما تتخيلون تأثري باستقبالكم لي أشلون
والله ماعندي كلام يعبر
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
بين الأمس واليوم / الجزء الثاني
كسّاب بثقة حازمة: أنا عشان خالتي عفرا مستعد أسوي أي شيء
لكن جميلة ما تستاهل
وأظني أني أكثر من مرة قلت لخالتي خل نسفرها برا هي اللي عيت
وخالتي ما تبي وسيط بيني وبينها
عشان كذا اقصري الحكي اللي طال أكثر من اللازم.. وهوينا
ماني بطايق شوفتش قدامي
مزون تنهدت بعمق أكبر والكلمات تخرج من بين شفتيها مرتجفة متقطعة خائفة:
كـــسّـــاب
تكفى عشان خالتي اللي غلاها عندنا كلنا مثل غلا أمي
تكفى...تزوج جميلة.. تكفى
حينها التفت كسّاب لها بحدة.. وهو يقول لها بقسوة من بين أسنانه: نعم؟؟ عيدي ما سمعتش عدل
تراجعت مزون خطوتين وهمست باختناق: تكفى كسّاب.. البنت بتموت
وأنت عارف إن خالتي مستحية وماتبي تثقل على حد عدا أنها مستحرمة سفر جميلة مع حد منكم
كسّاب تنهد بعمق في داخله ثم جلس على سريره وهمس ببرود: أظني الكلام بيننا انتهى
وأتمنى ما تشرفيني بذا الزيارة مرة ثانية
حينها جثت مزون على ركبتيها لتجلس على الأرض جواره وتناولت كفه تقبلها باستجداء محزن مهين
كسّاب انتفض بعنف وهو ينتزع يده بحدة ويقف ليبتعد عنها وذكرى جلسة استجداء مريعة ومؤلمة كان هو بطلها قبل أربع سنوات تعود لذاكرته..
وكأن الذكرى المقيمة في خلايا ذاكرته غادرته أصلا!!
بينما كانت مزون تهمس بوجع حقيقي ورجاء مثقل بالألم: تكفى كسّاب ماعرفنا لنا أم صدق إلا خالتي عفرا
ولو صار لجميلة شيء خالتي بتموت من الحسرة
تزوجها لو تبي تطلقها عقب ما تشافى
كسّاب بذات النبرة الباردة المحايدة: زواج بنية الطلاق أنتي عارفة عدل إنه حرام
والشيء الثاني جميلة طول عمري اعتبرها اختي الصغيرة ومستحيل أفكر فيها زوجة
مزون بوجع: زين والحل؟؟
كسّاب يشعر بصداع فعلي وأعصابه على وشك الانفلات من تزايد الغضب.. الحالة التي لابد أن تصيبه كلما رآى مزون
همس من بين أسنانه: الحل مهوب شغلش.. ويالله.. برا.. اطلعي برا
مزون توجهت للخارج مجبرة.. تجر أذيال خيبتها وحزنها للباب
ولكن قبل أن تخرج رأته يلتقط شيئا من جيب ثوبه المعلق ثم يخرج لشرفة غرفته
عادت وتبعته وقلبها تتصاعد دقاته رعبا من المشهد الذي تتوقع أنها ستراه بعد أن لمحت الشيء الذي أخرجه من جيبه
كانت عاجزة عن مجرد التصديق
أ يعقل؟!!
أ يــــعــــقـــل؟!!!!
حين وصلت للشرفة وقفت أمام بابها ثم شهقت بكل الرعب:
تدخن كسّاب؟؟ تدخن؟؟
من متى؟؟ وإبي يدري عنك؟؟
كسّاب تفاجأ برؤيتها.. لم يكن يريدها أن تراه بهذا المنظر
رغم كل الألم الذي بعثته في حياته.. ورغم كثرة ما تبادلا الجرح
ولكنه يبقى منظرا يكره الرجل الحر أن تراه محارمه
"تلك الرفيعة اللعينة تنثر دخانها وتتمدد بين شفتيه!!"
همس كسّاب بسخرية مرة وهو يلقي السيجارة على بلاط الشرفة ويدهسها بقدمه العارية دون أن يهتم باللهيب المحرق الذي انطفأ في باطن قدمه :
الحين تبين إبي يحاسبني أنا الرجّال على أني أدخن
وهو ما حاسب البنت اللي سوت أكثر من التدخين بواجد..
احنا بيت القيم عنده مقلوبة..
جات على التدخين يعني؟!!
مزون امتلئت عيناها بالدموع: كسّاب حرام عليك اللي تسويه في نفسك
أخرتها تدخين.. وش عندك بعد تبي توجعني فيه؟!!
كسّاب يعطيها ظهره وهو يتسند على طرف حاجز الشرفة ويهمس ببرود قارس:
وهو كل شيء في حياتنا كلنا لازم يتعلق فيش يعني؟؟!!
مزون اطلعي برا.. وحياتي مالش دخل فيها
إذا أنتي سويتي اللي في رأسش..تبيني أنا كسّاب ما أسوي اللي في راسي
أدخن ما أدخن مهوب شغلش
لو حتى شفتيني أحرق روحي بغاز.. مهوب شغلش ولا تدخلين
خرجت وهي لا ترى طريقها من عينيها الغارقتين في طوفان من الدموع..
بينما هو زفر بحرارة لاهبة أحرقت صدره قبل تغادر روحه المثقلة بالغضب
وهو يوجه للحاجز الحجري عدة لكمات فرغ فيها بعضا من غضبه.. ولم يشعر بنفسه إلا مع تصاعد الألم في كفيه
ليتناول علبة السجائر ويقذف بها إلى أبعد مدى عبر الشرفة
ليمنع نفسه من تناول سيجارة أخرى
فهو منذ بدأ التدخين في ذلك التاريخ المشؤوم قبل أربع سنوات
لم يكن يدخن إلا حينما يغضب.. ولا يتجاوز ما يدخنه سيجارة واحدة في اليوم..
شبكة ليلاس الثقافية
وقد تمر أيام كثيرة لا يدخن مطلقا إن لم يعكر مزاجه شيء
كان يستطيع تركها بسهولة.. ولكنه احتفظ بهذه العادة الرديئة حتى يحرق أعصاب والده فقط!!
الذي كلما رأى السجائر معه غضب ليعنفه حينا.. ويعاتبه حينا آخر
ليرد كسّاب عليه ببرود وقح: واحد أخته كابتن طيار.. وش تتوقع منه يسوي؟؟
بعد ذلك بساعة
غرفة مزون
مازالت مستمرة في بكاءها الهستيري
فاليوم كان أكثر من احتمالها بكثير
جميلة أولا ووضعها المتردي
ثم حوار طويل مع كسّاب لأول مرة منذ سنوات
ثم ختامها تدخين كسّاب
أي نهار مريع هذا؟!!
بل أي حياة مريعة هذه؟!!
هاهي أنهت دراسة كرهتها .. وعلى وشك استلام عمل لا تعلم إن كانت ستكرهه أيضا
ولكنها لا تستطيع التراجع
فهي فقدت معنى الفرح في حياتها من أجل أن تحقق حلمها المجنون
ماعاد للتراجع قيمة الآن..
عائلتها تغيرت قبل أربع سنوات.. تغيرت للأبد
كلهم تغيروا.. وكانت هي السبب
عناد كسّاب الموجوع المطعون في رجولته وثورة شبابه المعتزة في مقابل تشبث والدها بقراره الذي كانت هي من دفعته نحوه دفعا
مع رفض علي الذي لم يكن راضيا مطلقا ولكنه آثر التعبير عن رأيه بهدوء
ثم قرر الصمت والرحيل
حان لها أن تحصد الحصاد المر.. بل هي ظلت تتجرع مرارة هذا الحصاد قبل أن ينضج حتى
وهاهو نضج.. نضج تماما.. فلتتذوقه رويدا رويدا
تشعر أن خلاياها تتمزق ألما وتصرخ يأسا
فهي لم يكن لها أي حياة مطلقا بعيدا عن أسرتها.. هم محور تفكيرها وسعادتها الماضية
والآن محور آلمها!!!
فأي ألم هذا؟!! يحز في خلاياها وشرايينها وتلافيف عقلها الموجوع المثقل بالوجع والتفكير والهم الذي أضاف لعمرها سنوات كثيرة!!
***************************
قبل أربع سنوات
طرقات خافتة على باب مكتبه في بيته.. يرفع صوته بحنو وهو يتعرف الطارقة من رقة الطرقات: تعالي يأبيش.. ادخلي
رغم أنه في داخله كان يتمنى ألا يراها الآن، فلديه من الهموم الكثير.. هموم ولدّها خبران قصما ظهره تماما.. خبران كانت هي سببهما!!
تدخل بخطوات مترددة.. قلقة وهي تخفي وجهها المحمر عن مدى نظراته.. نظراته التي كانت على أوراق أمامه: اقعدي.. دقيقة وحدة وأفضي نفسي لش
تجلس على المقعد المقابل وهي تدعك كفيها بتوتر.. وتمسح بشكل متكرر أنفها المتفجر احمرارا
يرفع رأسه وهو يبتسم لتتحول ابتسامته لتجهم قلق وهو يقف ليتوجه ناحيتها ويرفع وجهها
ويهمس بقلق مبطن بالتدليل: وأشفيش يأبيش؟؟ كنتي تبكين.. أفا ياذا العلم.. وش اللي مضايق حبيبة أبيها؟؟
لم يُحمل الأمر أكثر مما يحتمل.. فهي مدللة.. وكثيرا ما تستخدم دموعها للضغط عليه.. فهو يدلل وكساب كان يدلل.. وعلي يدلل.. وخالتها تدلل
فكونها الأصغر التي لم تتمتع بحنان أمها..فجّر حنانهم كلهم عليها
ولكن قلقه كله تفجر حين انفجرت في بكاء هستيري: ما أبي الكلية خلاص.. ما أبيها.. أبي أطلع.. تكفى يبه خلاص
زايد يتنهد بحزم: والسبب؟؟
مزون بين عويلها: ما تشوف كسّاب أشلون تغير.. وأشلون يعاملني.. البيت ما يجيه إلا أخر الليل.. ولو شافني يصد ويقلب وجهه كنه شايف زبالة
تكفى يبه.. خلاص ما أبيها..
زايد يتركها ويعود لمكتبه ليجلس ويقول بكل حزم: ماعاد هو بعلى كيفش
تحملي نتيجة قراراتش..
قبل شهر يوم جيتيني.. وقلتي لي أبي طيران... قلت لش هذا تخصص ما يدخلونه بنات الحمايل ولا ينفع لش..
حاولت أقنعش بأي تخصص ثاني بس أنتي ما رضيتي
كسّاب عصب وكسّر الدنيا.. وحتى علي بين لش إنه رافض نهائيا تدخلين ذا التخصص
ومع كذا أصريتي.. وقعدتي تبكين عندي.. أنت وعدتني أنت وعدتني..
خليتي وعدي لش سيف على رقبتي
زعلت خلق الله عشانش
خليتيني قطيت وجهي عند الوزراء والشيوخ عشان أدخلش الكلية بشروطش
وكل واحد منهم أكلمه يقول لي: يازايد من جدك تبي تدخل بنتك طيران
لكني بديت رغبتش على كل شيء.. حتى على قناعاتي أنا
ثم انفجر زايد وهو يقف بعنف و براكينه المكتومة منذ أكثر من شهر تثور وتثور:
أثرش شايفة السالفة لعبة من ألعابش.. تلعبين فيها شوي وتقطينها
تبين تراجعين الحين عشان كسّاب.. وينش منه وهو مرة يترجاش ومرة يعصب عليش مرة؟!! .. ماكسر خاطرش؟!!.. هان عليش تسوين فيه كذا؟؟..
وإلا يمكن قلتي لنفسش أنا دلوعتهم.. يوم ويومين وينسون
كنش ما تعرفين كسّاب وعناده يعني...
كسّاب لو مابعد دريتي سجل في جامعة في أمريكا خلاص.. وبيروح عقب شهر بالكثير
وعلي طلب نقله لمكاتب التمثيل الدبلوماسي الخارجي
خلاص يامزون اللي انكسر ما يتصلح...وطريقش بتكملينه لين آخره.. برضاش، غصبا عنش بتكملينه..
أنا ما خسرت ذا كله عشان لحظة طيش منش وعناد... مثل ما أتخذتي ذا القرار وأنتي تقولين مقتنعة... تحملي نتيجة اقتناعش..
ويا ويلش لو ما نجحتي وتفوقتي بعد.. والله لا تشوفين شيء عمرش ماشفتيه
وإن قد تشوفين وجه زايد الثاني اللي مابعد شفتيه
زايد أنهي سيل كلماته المتفجر.. وخرج..
كان يريد الاختلاء بنفسه.. لأول مرة ينفجر في صغيرته هكذا.. ولكنه وصل منتهاه.. بل أقصى منتهاه
أ هكذا تفعل به.. وبإبنائه.. ثم تقول تراجعت.. لا أريد..
" ماعاد الأمر بيدك يا مزون.. ماعاد بيدك
فكل شيء خرج عن السيطرة من أجل تحقيق رغبتك المجنونة
حققيها إذن!!
حققيها..
تذوقي ما كسرنا بقلوب أخوتكِ من أجله
اجعلي تضحيتي بهم من أجلك تستحق"
انهارت مزون في بكاء أعمق وكلمات والدها تنزل فوق رأسها كالصواعق...
كيف تعيش من غيرهم.. كيف يرحلون ويتركونها.. كيف؟؟!!
كيف تصمد من دون فوضاهم المرحة المليئة بالحياة حولها؟!!
كيف تعيش دون عبق رجولتهم الحانية يحتويها؟!
كيف ستعيش في هذا القصر الضخم مع الأطلال والخيالات الموحشة؟!!
أ تهجر البيت لتسكن مع خالتها؟! وزايد ؟؟ زايد الذي ضحى بكل شيء من أجلها.. لمن تتركه؟؟ لمن؟؟
ستبقى من أجله.. ليتجرعا الحزن والوحدة سويا!!
كان هذا قبل أربع سنوات..
وكم تغيرت خلال هذه السنوات الأربع
من فتاة عنيدة مدللة خالية من الهم.. لأنثى مكسورة على كتفيها أطنان من الهموم..
قبل ذلك لم تكن حتى تلحظ تواضع جمالها.. كانت ترى نفسها جميلة
فروحها محاطة بالاحتواء والود وكل ذلك كان ينعكس على نفسيتها وصفاء روحها
ولكنها الآن أصبحت ترى نفسها خالية من أي حسن.. وكأن تمّزق روحها ويأس مشاعرها انعكس على صفحة وجهها البائس..
وكانت كلما ازدادت حزنا.. كلما ازدادت في دراستها تفوقا..
مثل بعض ممن يعانون من السمنة.. كلما إزداد تاثره من سمنته.. كلما ازداد أكله وكانه بذلك يعاقب نفسه..
وهي كانت تعاقب نفسها...
كانت تدرس وهي تكره الكتب.. وتود لو تمزقها بأسنانها
كانت تتدرب على قمرة القيادة وهي تود لو تحطم كل هذه الأزرار والأضاءات وتنتزع كل هذه الأسلاك
كانت تؤدي الامتحانات كأفضل ما يكون وهي تشعر أنها على وشك التقيء على ورقة الامتحان
" أ لم أضحي بالجميع من أجل هذه الدراسة التي أصبحت تثير غثياني؟!!
إذن لأزدد غثيانا..
لأزدد غثيانا!!"
************************
اليوم التالي يوم أحد
بيت آخر في الدوحة
العصر
في صالة البيت السفلية تجلس بعد أن صلت العصر قبل أكثر من نصف ساعة وأمامها قهوة وفوالة العصر المعتادة
تحكم لف جلالها حول وجهها.. فهي وإن كانت لا تلبس برقعها في بيتها حين لا يكون عندها زائرات
فإنها اعتادت ألا تكشف شعرها مطلقا ودائما جلالها ملفوف حول رأسها بإحكام
رغم أنها وهي في الخامسة والأربعين مازال شعرها جميلا بلونه الكستنائي الذي ناسب الحناء التي لا تستغني عن وضعها
ولم يكن شعرها هو الشيء الوحيد الذي مازال جميلا.. فهي بمجمل تفاصيلها مازالت رائعة الجمال
ولكن لم يعد لملامحها ذات التحدي الموجع الذي كان يلسع القلوب ، فالأمومة ومرور السنوات أكسبا ملامحها رقة دافئة
وإن كانت روح التحدي مازالت تقبع داخل تلك المهرة التي ما أخضعها رجل يوما حتى مع زواجها مرتين..
ولكن روح التحدي الشرسة الوثابة أورثتها مضاعفة أضعافا كثيرة لسواها!!!!!
"يمه.. يمه.. شفتي جوالي؟!!"
همست بهدوء وهي ترفع عينيها للشابة التي تنزل الدرج في غلالة جلابية من حرير سماوي:
زين قولي السلام عليكم أول.. داخلة على مسلمين مهوب يهود
ابتسمت الشابة وهي تصل وتطبع قبلتها على رأس والدتها وتهمس من قرب بصوتها الحريري ببحته المستحيلة: السلام على أحلى مزنة في تاريخ البشرية
كان صوتها خليطا مستحيلا من برودة الفولاذ وقسوته.. ونعومة الحرير وانسيابيته..
صوت تعجز عن تصنيفه.. هل هو أشبه بتغريد العصافير؟!! أم بطبول الحرب؟!!
ولكن المؤكد أن تأثيره هو خليط منهما.. سكون العصافير وتدمير الحروب
حين تتكلم العيون والآذان تتجه فورا لهمسها وكأن به سحرا يجبر الآذان على البحث عنه للاستزادة منه.. أو الهرب منه!!
همست مزنة بذات الهدوء: جوالش أنا خذته أكلم فيه امهاب.. عشان شحني فضا وحطيت تلفوني على الشاحن
الشابة بعذوبة صوتها المستحيل: الجوال وراعيته فدوتن لعيون أم امهاب
ابتسمت مزنة : ماذا بعندش وأنتي نازلة تصايحين كنش مفلوجة
الشابة بابتسامة: خلاص عديها يا مزنة
ثم أردفت وهي تتلفت: وين جدي.. مابعد جابه سليم من المسجد؟!!
مزنة بحزم هادئ: جاء قبل شوي ودخل ينسدح
الحين اقعدي خل أتكلم معش وعقب روحي جيبيه من غرفته
الشابة تعقد حاجبيها مستفسرة: عسى ماشر؟؟
مزنة بذات الحزم الهادئ: الناس اللي يتنون ردنا.. وش أقول لهم؟؟
الشابة برنة سخرية: ليه أنتي مابعد رديتي عليهم؟!!
مزنة بنبرة بها بعض غضب: ليه أنتي رديتي علي عشان أرد عليهم
تقف وتهز كتفيها باستهزاء: طبعا مرفوض.. وخلني أروح أجيب جدي أحسن من ذا السيرة
حينها وقفت مزنة وأمسكت عضد ابنتها بقوة وهمست بغضب حازم:
اقعدي لين أكمل كلامي ياقليلة الحيا..
بتروحين وأنا عادني أحكي يا للي ما تستحين؟!!
حينها التفتت الشابة لوالداتها بحدة ولهيب آسر يشتعل في موج العينين الأسطوريتين..
الليل الموغل في السواد والسحر والتعذيب.. الذي تقف أهدابها حوله كرماح متراصّة من سواد صقيل :
أنا يمه اللي ما أستحي؟!!
تنهدت مزنة وهي تحاول السيطرة على غضبها فهي تعرف أن ابنتها تشبهها
ولو غضبت فيستحيل أن تكمل معها الحديث الذي لابد من انهاءه
وبما أنها الأم ومن يجب أن يمسك بزمام الأمور خففت حدة صوتها وهي تدفع في صوتها بعض الحنان المدروس:
يأمش ما يصير يشب شبيبش كل ما جبنا ذا الطاري
اقعدي يأمش.. اقعدي الله يهداش
تنهدت الشابة وهي تعاود الجلوس رغم أنها لا تريد الجلوس إطلاقا:
يايمه قلت لش من أول يوم ما أبيه
تنهدت مزنة: وأنا قلت لش فكري
أجابت بنفاذ صبر: وأنا قلت لش ما أبي أفكر.. وحسبت الموضوع انتهى خلاص
مزنة تعاود التنهد للمرة الالف حتى لا يتفجر غضبها الذي تحاول كتمه:
أنتي يا بنتي ماعادش بصغيرة قدش بتكملين 26 سنة
احمدي ربش عاده يجيش خطّاب..
حينها رفعت الشابة حاجبا وأنزلت الآخر وهي تهمس بغرور حقيقي غير مصطنع إطلاقا:
هم اللي يحمدون ربهم إنه كان لهم شرف المحاولة
يمه.. من هي مثلي المفروض تاخذ ملك.. مهوب ذا البزارين التافهين اللي الواحد منهم مايستاهل ظفر رجلي
والدتها بغيظ: تراش مسختيها.. إذا على شوي الزين اللي عندش.. ترا المزايين واجد..
الشابة بسخرية: شوي الزين؟!!!
ثم أردفت بثقة: يمه حلفتش بالله قد شفتي من هي أحلى مني في الحقيقة وإلا حتى في التلفزيون
يمه ذا الزين كله حرام يضيع على واحد تافه إمعه
أكيد الله سبحانه ماعطاني ذا الزين وذا الذكاء كله عبث.. أكيد له حكمة
تنهدت مزنة للمرة المليون: يأمش الزين من زانت أفعاله
والرجّال اللي جايش رجّال فيه خير.. نقيب في الجيش ومن ناس معروفين وعندهم خير
ومهوب صغير في السن.. عدا الثلاثين
الشابة بذات السخرية: يعني آخرته طار وإلا وقع جندي..
وخير ياطير 30 سنة؟!!.. بزر بعد
ويوم إنه عاجبش كذا.. عطيه بنتش اللي ما منها فود
مزنة بغضب: عيب عليش ذا الكلام
وضحى مهيب بايرة..تقطين عليها اللي ماتبينهم.. بيجيها نصيبها..لكن أنتي الكبيرة
وأم الرجّال جايتش أنتي على الوصف.. جعل أمحق وصف وزين ماعينا من وراه إلا يباس رأسش
الشابة وقفت وهي تتنهد لتنهي الموضوع: يمه فديتش خلاص جعلني الأولة..
تأخرت على جدي
ثم تركت والدتها غارقة في غضبها وابتعدت لناحية أخرى من البيت حتى وصلت لغرفة لها بابان
باب لداخل البيت وباب يفتح على حوش المنزل من ناحية مجلس الرجال
حركت مزلاجا يقفل الباب من ناحيتهم وفتحت الباب فتحة صغيرة جدا وهتفت بأمر حازم: سليم اطلع روح المجلس
بقيت واقفة خارج الباب حتى سمعت صوت الباب الآخر يقفل
حينها دخلت وأغلقت الباب المتوجه للخارج
ثم توجهت لسرير جدها النائم
جلست بجواره وهي تنظر لوجهه الأسمر المتغضن بحنان بالغ
جدها هو الوحيد الذي يذيب خلايا قلبها.. معه تتحلل من عنادها وتسلطها وغرورها
مدت يدها تمسح على جبينه المحفور بتجاعيد غائرة
تتمنى لو أستطاعت أن تمسح هذه التجاعيد علها حين تمسحها تطيل في عمره
فأكثر ما تخشاه في هذه الحياة أن تكون حياة خالية من وجود هذا الشيخ
" ريحة يدش المعطرة ما تخفاني"
همسه الموغل في الشيخوخة وصل طيات روحها قبل أن يصل أذنيها
ابتسمت بحنان ومرح: ماشاء الله عليك يبه.. عديت التسعين.. وعادك تشم كذا
ابتسم وهو يفتح عينيه الغائرتين في تجاويفهما ليكشف عن فم شبه خال من الأسنان: ول عليش.. كلمة نضول
انحنت لتقبل يده الممددة على صدره وتهمس من قرب: جعل عمرك طويل.. وجعلني ما أذوق حزنك
مد يده لتساعده على الجلوس وهو يهمس بما يشبه اليقين: اللي بتذوقينه يأبيش
انتفضت بجزع حقيقي وهي تمد يدها لتعدل من جلوسه وتحتضن كتفيه ثم تقبل عضده وتهمس:
تكفى ما تقول كذا.. ما تدري يمكن يكون عمرك أطول من عمري
شبكة ليلاس الثقافية
حينها كان هو من انتفض بجزع بعمق شيخوخته: جعل ربي ما يفجعني في حدن منكم.. مثلي يا أبيش يقول يالله حسن الخاتمة
قد الموت أحسن لي من الحياة..
ماعاد باقن من صفتي حد.. (أي أن أبناء جيلي كلهم ماتوا)
حينها ابتسمت بشفافية: لأنه أنت نادر يبه.. والنادر ما يقارن نفسه بصفته ولا غيرهم
همس بهدوء عميق: ماعلى الموت نادر..
يضايقها هذا الموضوع كثيرا.. تكره مجرد التفكير فيه.. ولكنه بات موضوعه المفضل.. مشغول بالموت وانتظاره بل وتمنيه..
مشتاق للقاء ربه وإنهاء رحلة هذه الحياة التي طالت كثيرا..
ولكنها تريده جوارها.. ولا تعرف للحياة معنى بدونه.. هو الأحب إلى قلبها
تحبه أكثر حتى من والدتها وأشقائها.. بل حبها له لا حدود له.. تفضله على كل شيء في العالم
ومستعدة للتضحية بكل شيء وأي شيء من أجله وحده
همست بشبح ابتسامة: أفا ياجابر تبي تروح ما زوجتني..لازم تزوجني أول..
همس بضعف باسم: والله يأبيش مابقى من هل ذا المقطر حد ماخطبش.. صبيهم وشيبتهم.. صاحيهم وخبلهم .. (المقطر: كلمة تستخدم لحي متجاور من الخيام)
ابتسمت بعذوبة لتكشف الشفتان المتوردتان المثيرتان عن صف أسنان استثنائي في صفائه وصفوفه: شأسوي يبه لحد الحين ماجاء الرجّال اللي في بالي
ابتسم الجد جابر ثم قال بجدية: أنتي يأبيش ما تأخذين رجّال.. تأخذين خروف
قطبت حاجبيها بغضب عاتب: هذا قدري عندك يبه؟!!.. تزوجني خروف؟!!
عاود الابتسام: يأبيش أنتي أصلا رجّال.. واللي مثلش مايقدر يعيش معها إلا خروف تعقد حبلها في رقبته وتقوده..
هذه المرة قطبت حاجبيها بحزن.. لو كان من قال لها هذا الكلام أحد سواه لم تكن لتقبل حتى حرفا واحدا.. وكانت أشعلتها حربا شعواء:
كذا يبه.. هذا وأنت الغالي عندي!!!
لم يعلق على كلامها.. بل واصل كلامه بنبرة منطقية: تدرين يأبيش.. أنتي كنش أمش..
من غير حقران في أبيش ولا في أب امهاب الله يرحمهم اثنينتهم.. لكن أمش كانت أرجل منهم.. والثنين كانت مزنة شايخة عليهم
والواحد منهم مايقدر يخطي لها كلمة.. ولولا أنهم كذا أو ماكانوا صبروا عليها.. وأنتي مثلها .. اللي بتأخذينه إذا ماشختي عليه.. منتو بعايشين سوا
قطبت جبينها: مابي واحد أشيخ عليه.. أبي لي رجّال صدق.. رجّال يهز المجالس
وأمي لو كان لقت رجّال مثله ماكان عيّت منه..الله يرحم أبي وعمي أبو امهاب
تناول غترته من جواره بيد مرتعشة ليضعها على رأسه ويلفها حول وجهه ويهمس بهدوء:
أمش جاها الرجال اللي يهز المجالس بدل المرة مرتين وعيت منه.. وأنتي كنش إياها
والرجّال اللي جايش ذا الحين مافيه قصور..
همست بغضب: يبه لا تقارنني كل شوي بأمي.. والرجّال اللي جايني ما أبيه.. مايملأ عيني..
مد يده يبحث عن عصاه ليتوكأ عليها وهمس بذات الهدوء العميق: وش اللي يملأ عينش يا بنت مزنة؟؟
همست وهي تمد يدها لتسنده وتقوده لصالة البيت ليتناول قهوته مع والدتها.. همست بما يشبه الحلم: أبي رجّال صدق.. رجّال بمعنى الكلمة
ولو مالقيته الأحسن أقعد في بيت هلي
*******************************
جامعة قطر
بوابة كلية العلوم بنات
الساعة الرابعة عصرا
شابتان متسربلتان بالسواد تقفان قريبا من الباب من الداخل
صبا المشاعر.. وحزن في القلب.. كلاهما تطوي حزنا ما في قلبها الغض!!
حزن لم تكن هي سببه.. ولكنها نشأت فيه!!
تحاول أن تنحيه في نقطة عميقة من أعمق خفاياها..تنساه أو تتناساه!!
ولكنه لا يلبث أن يطل برأسه القميء!!
تهمس أحداهما للأخرى: وضوّح من اللي بيجي يأخذش.. لو السواق بأروح معش
تهمس وضحى بهدوء عذب: مالش لوا اشعيّع.. بيجيني تميم..
تبتسم شُعاع بخبث مرح: أحسن بأروح معش.. ماتقولين إن تميم يدور عروس.. هذا أنا موجودة.. خسارة يروح عليّ ذا المزيون
نظرت وضحى لشعاع بشكل مباشر وهمست بنبرة عتب مقصودة: وأنتي جد بتوافقين على تميم؟؟
حينها ابتلعت شعاع ريقها بحرج: تميم من غير قصور فيه.. بس أنتي عارفة إني أمزح..
هزت وضحى كتفيها بألم: رجاءً شعاع.. تميم مهوب موضوع تمزحين فيه
شعاع بحرج حقيقي: خلاص وضحى.. أنتي عارفة إنه تميم ولد خالي.. ومثل إخي وأنا ما أقصد شيء
وضحى وهي تنظر لشيء غير مرئي: أو حتى تقصدين.. ما أقدر ألومش..
شعاع تحاول تغيير دفة الحديث والتغطية على حرجها: أشرايكم تسيرون علينا الليلة..
وضحى بشبح ابتسامة باهتة: ماله داعي.. أنتي عارفة إنه أختي وأختش ما يتواطنون.. والقعدة تصير مملة وأختش تحاول تستفز أختي
شعاع بعتب: وأنتي ليش تحطينها برأس جوزا.. كأن أختش هي اللي ملاك ماتسوي شيء
وضحى بذات الابتسامة الباهتة: صحيح أختي عيوبها واجد.. وأنا ما أدافع عنها
لكن إذا جينا للحق.. تراها تكبر عقلها واجد على خبال أختش
ترا أختي ما تنغلب في الكلام وسهل عليها تخلي جوزا ماتسوى بيزة.. بس هي تحشم عمتي
شعاع بابتسامة: زين خلينا منهم.. جد وضحى وبدون زعل وبصراحة وبيني وبينش.. أنتي وأختش علاقتكم ببعض طبيعية.. مثل الخوات العاديات؟؟
هزت وضحى كتفيها وهمست بطبيعية: لا..
شعاع باستغراب: لا.. بكل بساطة..؟!!
وضحى تبتسم: ليه أنتي شايفة (كاسرة) أخت عادية.. عشان تكون علاقتي فيها عادية؟؟
شعاع تبتسم: بصراحة كاسرة توصف بأي وصف إلا أنها عادية .. بداية من اسمها لشكلها لشخصيتها
تدرين وأنا صغيرة كنت متوقعة إن كاسرة لما تكبر بتغير اسمها.. استغربت اعتزازها فيه
وضحى بهمس: كاسرة اسمها لابسها تمام.. كاسرة وهي كاسرة.. أمي لما سمتها ذا الاسم كانت قاصدته تبيها تكون كاسرة في زينها وشخصيتها
وياسبحان الله.. صارت اسم على مسمى
شعاع بتساؤل: زين وليش علاقتش فيها غير عادية؟؟
وضحى تتنهد وهي تنظر للبعيد: احساس صعب إنك تكون موجود جنب شخص نوره يخليك غير مرئي.. يخليك مخلوق حقير جنبه..
مهما حاولت تبرز نفسك.. محاولاتك كلها تضيع
شعاع تنتفض بجزع: وضحى أنتي مافيش قصور عشان تقللين من قدر نفسش
وضحى تبتسم الابتسامة الباهتة اياها: زين أنا ماعلي قصور.. وكاسرة شتقولين عليها؟؟
شعاع بصراحة باسمة: كاسرة خليها برا المقارنات عشان ما نتحطم كلنا.. قارني نفسش فيني مثلا وانبسطي
وضحى بشبح ابتسامة لا لون لها : بس المقارنات غصبن عني وعنش تحضر
من وحن صغار والنسوان يقولون قدامي لأمي: أنتي اللي عندش من الزين كله عطيتيه كاسرة وزود.. ووضيحى ماخليتو لها شيء
وحتى بعيد عن الشكل لو عزيت نفسي أنه أساسا مستحيل أي وحدة مهما كانت حلوة إنها تقارن نفسها في كاسرة
كاسرة شخصيتها القوية ألغت وجودي .. أحيان كثيرة أحسهم ينسون أني في البيت في الوقت اللي هي لو غابت خمس دقايق يقلبون البيت عليها
كم هو مر هذا الإحساس الذي تجرعته وضحى منذ طفولتها!!
إحساسها أنها مخلوق زائد العدد في أسرتها.. مخلوق مجرد من الأهمية والمميزات
شبح إنسان يعيش على أطراف حياتهم
ورغم هذا لكنها لم تكن تكره كاسرة مطلقا.. بل كانت مولعة بها في ذاتها
ولكن مرارة الإحساس جاءت لأنها أصبحت تشعر مع مرور السنوات أنها مخلوق هلامي بلا شخصية
وفي الوقت الذي كانت كاسرة تزداد جمالا وتسلطا كانت هي تزداد بهوتا وضعفا
وكأن كاسرة تمتص منها كل شيء.. تقتات منها لتبرز هي..
لذا كانت علاقتهما مرتبكة غريبة ملتبسة.. بالتأكيد الحب موجود بينهما لأن هذه هي الفطرة السوية .. ولكن للحب ألوان عجيبة مجهولة وعصية على الفهم والتفسير
فكاسرة لا تفتأ تستهين بها وهي تتقبل الاستهانة بصمت.. لأنها تشعر أنها ليست
ندا لكاسرة ولا بأي شكل من الأشكال
تشعر أنها جوارها غير مرئية..
"فمن سيرى حصاة معتمة بجوار شمس شديدة الإشراق؟!!!"
رغم أنها هذا غير صحيح.. غير صحيح!!
فوضحى لها شخصية مثيرة لها اعتباريتها الكبيرة داخل أسرتها
ولكن هي لا تشعر بذلك.. ووجود كاسرة جوارها يشعرها بالضآلة!!
**************************
مزنة تتحادث في الهاتف وحرجها يتصاعد من الطرف الثاني
بينما كاسرة تجلس بجوار جدها تسكب له القهوة وإبتسامة مرحة ترتسم بإثارة على شفتيها وهي ترى حرج والدتها من الطرف الآخر.. ومحاولتها لإيجاد أعذار ليست مطلقا الحقيقة
أنهت مزنة اتصالها لتلتفت إلى كاسرة بغضب: عاجبش كذا؟؟ خليتني في نص هدومي من المرة.. فشلتيني فيها وهي تقول ولدي وش عيبه تردونه
وأنا أتحجج لين عجزت.. كله من خبالش
حينها انفجرت كاسرة في ضحكات عذبة: شكلش يمه كان تحفة.. بس احمدي ربش إنها اتصلت قبل تجي.. عشان ما تنحرجين منها فيس تو فيس
مزنة بغيظ: أحر ماعندي أبرد ماعندها... والله إن الرجّال ماعليه كلام.. ضيعتيه من يدش كذا..
كاسرة مازالت تضحك: المركب اللي تودي..
حينها همس الجد بإبتسامة ولّدّها رنين ضحكات كاسرة التي تصب في روحه لتنبئه أن هذا العالم بخير ما دامت تعمره ضحكاتها الغالية:
خليها يامزنة.. بنتي ذي مهرة.. والمهرة ما تغصب
مزنة بغضب: ماحد مقوي رأسها إلا أنت.. كل ماجاها رجّال فيه خير عيت منه بدون سبب
جابر بهدوء عميق: مثل ما قويت رأسش قدامها.. وافقتش يوم عيتي من زايد
حينها ضحكت مزنة: يبه ما سجيت.. ياه يبه ذاك زمان مضى
جابر بذات هدوءه العميق: والله يأبيش كل ما أشوفه إلى ذا الحين.. يطري علي أشلون أسود وجهه يوم رديته.. ما يستاهل أبو كسّاب من يرده..
أنا أشهد إنه قرم.. وإنه واصل.. ما يسج منا ياشيبانه
حينها قاطعت كاسرة الحديث بإعجاب: بس يمه من جدش ومع احترامي لش.. فيه وحدة في كامل قواها العقلية.. تعيي من زايد آل كساب.. هذا مدرسة اقتصادية ذا الحين
عــبــقـــري!!
ابتسمت مزنة بروح خالية.. فما مضى مضى بالنسبة لها: يأمش زايد الله يهداه كان شديد بزيادة..
يوم كانوا جيراننا كان مجنني.. لا تطلعين.. لا تدخلين
وحتى الضرب ضربني.. وأنا إبي اللي هو إبي عمره ما مد يده علي
ثم أردفت بضحكة: لو أنا خذت زايد كان ذبحني .. أو أنا ذبحته
همست كاسرة باستفسار: تعرفين مرته الحين؟؟
مزنة بتأثر: وسمية بنت محمد.. الله يرحمها ماتت شباب.. وخلت عيالها بزارين
ثم أردفت بإعجاب: بس أنا أشهد إن خالتهم عفرا ماقصرت معهم.. حاضتهم كنهم عيالها.. (حاضى=أهتم بـ)
ثم أكملت بتاثر: الله يشافي لها بنيتها.. عين ما ذكرت الله.. شفت بنتها مرة وحدة قبل سنتين في عرس.. وقلت لها: ماتزوجينا ذا المزيونة..
هي ضحكت يا حليلها وقالت: امهاب ما ينرد.. بس بنتي عادها صغيرة..
ثم أردفت كاسرة بخبث: زين وليش ما خطبتي له بنت زايد بنفسها..
ضحكت مزنة: تبين امهاب ينجلط.. من يوم دخلت بنت زايد كلية الطيران.. وهو مولع ومحترق من زايد وبنته..
بس بصراحة إن زايد استخف على ذا الخبال.. يفضح روحه كذا..
كاسرة بإعجاب عميق: إلا رجّال بمعنى الكلمة.. اللي هو مقتنع فيه يسويه وما عليه من حد..
خلها تدخل كلية الطيران.. وتحرق أعصاب ولدش إللي يحسب إن مافيه طيارين غيره...
*****************************
إنه مساء الدوحة...نقرات ناعمة خافتة على الباب.. ثم تنهدت وضحى بألم وهي تتذكر وتضغط زرا بجوار الباب..
حينها فتح الباب لها شاب طويل قوي البنية وعلى وجهه الوسيم ترتسم ابتسامة دافئة حنونة وأشار لها أن تدخل بعلامة ترحيبية
فهذا الزر عند بابه يشيع ضوءا في غرفته ليعلمه أن هناك من يطرق بابه
أشارت له وهي تبتسم: ليش ماتعشيت؟؟
ابتسم وهو يشير لجسده القوي: لازمني حمية شوي.. زايد وزني
حينها ضحكت وهي تشير وتهمس بصوت مسموع: إذا أنت زايد وزنك ..وش نقول على امهاب؟؟
حينها قاطعهما صوت قوي ومرح يدلف مع الباب المفتوح: سامع اسمي الله لا يبيح منكم
حينها دخل ليغمر المكان بإشعاع حضوره المختلف
كان أطول من تميم وأعرض ورغم أنه لم يكن وسيما بالمعنى المتعارف عليه
ولكن له حضورا استثنائيا يوحي بالرهبة والحنان في ذات الوقت ..
هاهو أصبح في الثلاثين: مسؤولياته تشغله عن كل شيء.. مسافر دائما
ولكن أسرته ترتحل معه وفي ذاكرته منذ أن تحمل مسؤوليتها بعد وفاة زوج أمه قبل أكثر من خمسة عشر عاما
وكانت حينها وضحى في عمر السابعة وتميم في التاسعة وكاسرة في الحادية عشرة
ابتسمت وضحى: ماقلنا شيء غلط نقول تبي لك شوي ريجيم..
همست بالجملة وهي تشير بها في ذات الوقت
هكذا اعتادت أن تتكلم في وجود تميم حتى لو لم تكن توجه الحديث له
كانت تهتم كثيرا لإشراكه معهم.. لذا كانت من أصرت منذ بلغت الرابعة عشرة على تعلم لغة الإشارة على أصولها
قد يكون جميع أهل البيت لديهم القدرة على التفاهم الجيد مع تميم.. لكن هي لديها قدرة على التحادث معه مطولا بلغته الخاصة
فهي كانت من لاحظت أن تميما بدأ بالتباعد في عوالمه الخاصة لأنه لا يجد من يتحدث معه بعيدا عن المدرسة
حينها أحبت أن تصنع شيئا لا تستطيع كاسرة التغلب عليها فيه وفي ذات الوقت تحتفظ بقرب تميم منها
لذا تعلمت لغة الإشارة على يد معلمة خاصة وتعبت كثيرا وهي تتعلمها لتتفاهم مع تميم
رغم أن تميما رفض بداية أن تتعلم هذه اللغة من أجله..
ولكنه فيما بعد قدّر كثيرا جميلها هذه وهو يجد من يستطيع أن يتحاور معه بطلاقة..
وبدأت وضحى تفكر جديا حين تنهي دراستها أن تعمل في مجال تعليم الصم والبكم..
"وضحى وتميم عالمان زاخران مثقلان بالعمق والغموض.. "
تميم العالم المجهول المغلق على أفكاره.. أنهى الثانوية في مدرسة التربية السمعية بمجموع كبير ولكنه لم يستطع دخول الجامعة
لأنه لا توجد هنا جامعة لمن هم في مثل حالته..
شكّل هذا الأمر له احباطا كبيرا وحزنا أكبر..
أن تعلم أنك قد تكون أفضل من مئات ممن دخلوا الجامعات
ولكن لأنهم يمتلكون حاسة لا تمتلكها تكون فرصهم في الحياة والدراسة أفضل
ولكن هذا الاحباط لم يوقفه..فبعد عدة أشهر بدأ تميم يعلم نفسه ذاتيا على تفكيك أجهزة الحاسوب مستعينا ببرامج للتعليم الذاتي على الانترنت
هذا العالم جذبه وسحره.. مع هذه الحواسيب والبرمجيات لم يكن يحتاج للحديث أو لمن يسمعه
تكفيه هذه العلاقة التي صنعها بأنامله الذهبية.. علاقة حساسة ثرية ومفعمة بالتفاهم والود
وكأن هذه الأجهزة تستجيب لرقة أنامله.. لتفكك ماهو عصي منها وتصلح ما استعصى على الإصلاح
وقبل عامين أنشأ محله الخاص.. وأصبحت له سمعته الرائعة في السوق
ولأن هذا العصر هو عصر الحواسيب بالفعل.. فعمله كان مزدهرا حقا
ومدخوله الشهري يتجاوز راتب وزيرين معا
ولكن...
هذه الروح الوثابة المسجونة بين أضلاع صدره كانت تتوق للانعتاق
يشعر أن علاقته بالحواسيب باتت أقوى من علاقته بالبشر
فهذه الآلات صامتة وحساسة.. مثله تماما
ولكنه يتوق لروح إنسانية تحاوره وتتمازج معه.. تعايش معه همومه وأفكاره وآماله وطموحاته
لـــــذا
قرر أن يتزوج رغم صِغر سنه!!
ليصتدم بمشكلة أخرى:
"والـــدته!!"
فهو يريد أن يتزوج من فتاة تكون بنفس حالته
يريد شريكة يتفاهم معها بلغته التي يستطيع التعبير بها
يريدها أن تكون لغتها أيضا حتى يكون تعبيرهما على ذات المستوى من العمق والإحساس
لم يرد للمرأة التي تشاركه الحياة أن تشعره بالنقص وأنها تتفوق عليه
وأنها حين تحادثه بالإشارة فهي تتنازل من عليائها لكي تصل لمستوى فكره
كانت هذه الفكرة تؤذيه وتؤذي كرامته واعتزازه بذكائه وقدراته
ولكن مزنة كانت ترفض فكرة بشكل قاطع أن يتزوج من بكماء صماء مثله!!
فهي تفكر بالمرحلة الأبعد:
"أحفادها!!"
الأطفال حين ينشأون يتعلمون من أبويهم
وتميم وزوجته المفترضة قد تحكم ظروفهما مستقبلا أن يعيشا في بيت مستقل
فلو بكى الطفل من الذي سيسمعه
ثم حين ينشأ.. كيف سيتعلم اللغة ؟؟ من أبوين أبكمين؟!!
عدا أنها تخشى أن يكون للوراثة دورا فيؤدي ذلك إلى أطفال يعانون ذات الإعاقة
وكانت تعلم يقينا أن ابنها مع إعاقته سيجد من هي صحيحة الحواس لتوافق عليه
فهو شاب بكامل فتوته وصحته ووسامته ومقتدر جدا.. وتعلم أن نقطة الاقتدار وحدها تشكل إغراء يحسن فرصه في الزواج
فلماذا يتزوج من بكماء صماء؟!!!
***********************
بيت آخر في الدوحة
بيت فاضل بن عبدالرحمن زوج أم عبدالرحمن عمة أبناء مزنة
الطابق العلوي
غرفة شُعاع
وجه ودود حنون يطل مع الباب: بنات تبون شيء قدام أرقد؟؟
الصوتان معا: لا يمه فديتش..
ثم أردفت شعاع باحترام: حن أصلا يمه بعد شوي بنصلي قيامنا وبنام بعد
ثم أردفت الأخرى بمرح: شفتي يمه الطردة المحترمة.. تبي تعلمني إني طولت السهرة عندها وأقوم أفارق أحسن
ابتسمت أم عبدالرحمن: روحي لولدش يأمش لا يتوعا ويتروع وهو بروحه
رفعت جوزاء جهازا في يدها أشبه بشاشة صغيرة وهمست برقة: الجهاز شغال عنده يمه
حينها ضحكت شعاع: شيبه عمره ثلاث سنين وعادش حاطه جهاز البزارين عنده..
يا بنت الحلال غرفتش جنب غرفتي.. خلي الباب مفتوح وبنسمع صوته
جوزاء باستنكار: يا سلام عليش عقب ما يقوم ويتروع بروحه.. لا أنا أحب أكون عنده أول ما يقوم
شعاع بحنان: فديت روحه.. الدلوع حبيب خالته
جوزاء همست بحنان مصفى: الله يخليه لي.. ماطلعت من الدنيا إلا بذا الولد
شعاع باستفسار مُلح: جوزا أنتي توش صغيرة.. حرام عمرش 25 سنة بس..
بتقعدين على ذا الولد بس؟؟.. منتي بمتزوجه؟؟.. المرحوم له أكثر من ثلاث سنين من يوم توفى
جوزاء باستنكار: لا إن شاء الله.. تبين عمام ولدي وجده يلاقون سبب يأخذونه مني..
شعاع بمنطقية مستنكرة: لا تصيرين غبية.. أنتي عارفة إنه الولد في حضانتش.. وحتى لو تزوجتي.. وأعمامه وجده رفضوا حضانتش له.. الحضانة بتكون لأمي مهوب لهم..
ثم غمزت بعينها: وإلا تزوجي عم ولدش اللي خطبش أكثر من مرة.. وحلي المسألة كلها
جوزاء بغضب: تدرين.. أنتي الليلة مستخفة!!
تبين أتزوج رجال متزوج وعنده عيال؟؟!!
شعاع هزت كتفيها: بس أنا سامعة إنه مرته لها شهور زعلانة عند أهلها
لو بترجع كانت رجعت من زمان
جوزاء بنفاذ صبر: تكفين شعاع لا تدخلينا في ذا المواويل
أنا أعرف صالح يحب مرته.. مهوب بس يحبها إلا يموت فيها
وش صاير بينهم ما أدري.. بس أكيد بترجع...وأنا خلاص ما أبي أتزوج عقب عبدالله الله يرحمه..
ثم أردفت بوجع عميق كأنها تنتزع ذكرى أليمة من بئر وجع لا تنضب: كفاية اللي صار لي.. والله كفاية!!
وانا خلاص مابي من ذا الدنيا شيء إلا أني أتفرغ لولدي
ثم أردفت لتغيير الموضوع: وينه الدكتور عبدالرحمن.. وش فيه تأخر الليلة؟؟
ماعنده محاضرات بكرة؟؟
شعاع تبتسم: حلوة قلبت الموضوع ذي.. دكتور دحومي عند كابتن امهاب..
جوزاء بسخرية: أخيش هذا ما يمل.. يبي يكون قريب من ريحة حبيبة القلب يعني؟!!
شعاع باستنكار: جوزا عيب عليش ذا الكلام.. أنتي عارفة إنه عبدالرحمن وامهاب ربع من يومهم بزارين
وبعدي كاسرة عن الموضوع.. ترا شكلش يصير سخيف وأنتي يبين عليش غيرانة منها
جوزاء باستنكار مشابه: أنا غيرانة منها؟!!
شعاع بتأكيد مستفز: إيه غيرانة.. وإلا شتسمين الحركات البايخة اللي تسوينها كل ما تشوفينها
جوزاء بغضب: أنا لا غيرانة يا شعاع هانم ولا شيء.. السبب الوحيد إن بنت خالش هذي تستفز الواحد وتطلعه من طوره بغرورها وبرودها
شعاع تتنتهد: زين هي مغرورة وباردة.. أنتي كبري عقلش عليها
الحين الناس صايرين يقولون إنها هي اللي مكبرة رأسها عليش
جوزاء باستنكار أشد: أنا؟؟ أنا؟؟
شعاع بثقة حنونة: إيه أنتي.. أنا أدري إنه أطيب من قلبش مافيه.. بس لو تمسكين ذا اللسان شوي
تكفين خلي كاسرة في حالها.. ومافيه داعي تخلين حزازيات بيننا وبين بيت خالي
جوزاء وقفت وهي تقول بغضب هادر تنقلب فيه من النقيض للنقيض:
إيه.. إيه!!!
أنتي تبين الشيخ امهاب أخ عيال خالش وأخيش يبي الشيخة كاسرة.. وزيتنا في طحينا
وأنا اللي صرت العزول اللي مخرب عليكم الجو ومسوي حزازيات
شعاع وضعت يديها على رأسها استنكارا.. في الوقت الذي خرجت فيه جوزاء تنتفض غضبا وصفقت الباب خلفها بصوت مسموع
*********************
تأخر الوقت لم يتبق جالسا سواهما في مجلس مُهاب..
رفيقا الطفولة والصبا والشباب.. وحتى الغربة لم تستطع مطلقا قطع تواصلهما
حينما سافر عبدالرحمن للدراسة في بريطانيا.. حوّل مُهاب ما أستطاع من جدول رحلاته إلى مطارات لندن بين مطار هيثرو ومطار غاتويك
لذا كان يراه بشكل شبه أسبوعي..فالصلة الروحية بينهما استعصت على كل شيء
حتى حينما أراد عبدالرحمن كاسرة.. كان مُهاب هو أحد الأسباب الجوهرية للخطبة..
عبدالرحمن يعلم أن كاسرة رغم جمالها الموجع هي غير قابلة للاحتواء
ويعلم أنها حين تتزوج ستعاني ليعاني معها مُهاب وربما كل أسرتها
أراد أن يجنبهم جميعا هذا المصير..ولكن كاسرة أمعنت في رفضته ولعدة مرات
لا ينكر أن ذكرى جمالها الفتي المراهق قبل أن تتغطى عنه مازال يسكن ويسكر ذاكرته
ليبعث رعشة عميقة في أوصاله
ولكنها سلطة الجمال فقط!! فلم يكن عبدالرحمن من يشغله مظهر المرأة عن جوهرها
ولكن كاسرة كانت كاسرة بالفعل!!
همس بهدوء حذر: ها امهاب وافقت كاسرة على الخطيب الجديد؟؟
مُهاب يقلب شفتيه: لا.. مثله مثل اللي قبله
عبدالرحمن بذات الهدوء: وبما إنه خلاص الخطيب ورفضته كاسرة.. فهل لو رجعت وتقدمت بعد مرة... بترفضني؟؟
مُهاب بامتعاض: عبدالرحمن وش لك بذا السالفة كلها؟؟ ترا كاسرة هي الخسرانة.. المره اللي ما ترضى فيك، حظها مهوب حولها
عبدالرحمن بهدوء عذب: أبي قربك ياسنايدي
مُهاب بهدوء مدروس: تبي قربي؟؟ أظني عندي أخت غير كاسرة وأحسن منها
#أنفاس_قطر#
.
.
.