1
~ أنتهى الحب ~
كانت والدتى تجلس بالردهه تشاهد التليفاز ، وبجانبها تجلس زينه - شقيقتى الصغرى البالغه من العُمر عامان- والتى كانت تسبح فى بركه من الفوضى التى تسببت فيها بألعابها الكثيره المبعثره فى أرجاء الردهه..
لستُ أدرى أى متعه يجدها الأطفال فى مثل هذه الفوضى؟
ألتفتت أمى قليلاً ، وألقت نظره عابره علىّ ثم قالت بأستهجان :
"ألا تملى أبدا يا سارهً !؟ هذه المره المائه التى تذهبين فيها لأجراء مقابلة عمل ولم يتم قبولك . . ماذا تريدين أكثر من هذا ؟ "
تنهدتُ ببطئ لأسيطر على أعصابى وقلتُ بهدوء نسبى :
" لدى شعور قوى هذه المره بأنهم سيقبلونى فى هذا العمل يا أمى . "
قالت أمى لوحت بزراعها قائله :
"أنتِ عنيده جداً يا ساره !!"
قلتُ :
"إلى اللقاء يا أمى ."
كدتُ أغادر الشقه لولا أن أستوقفتنى أمى قائله برقه تختلف على لهجتها السابقه بدرجة مائه بالمائه:
"ساره .. أنتظرى يا حبيبتى .. هل لا أخذتِ زينه معكِ ؟ فأنا متعبه وسأوى إلى الفراش ."
تفاجأتُ ، وأستدرتُ إلى أمى وسألتها :
"عفواً أمى .. ماذا قلتِ ؟ "
قالت أمى بحسم :
"أفعلى كما سمعتِ يا ساره."
هززتُ رأسى غير مصدقه قبل أن أقول :
" كلا .. لا .. لا يمكن أن تكونى تعنين هذا."
قالت أمى فى حسم :
" بل أعنى هذا جداً ولا تجادلينى يا ساره. "
إننى لم أعصى لأمى أمراً من قبل لكنى اليوم لا أستطيع الأذعان لرغباتها ؛ لأننى لستُ ذاهبه فى نزهه لأصطحب زينه معى أنما أنا ذاهبه لمقابلة الرجل الذى رُبما أعمل لديه ..
صحيح أن هذه هى المره السادسه التى أذهب لإجراء مقابلة عمل ولم يحالفنى الحظ لكنى اليوم متفائله جداً ، وأشعر بأن هذا العمل سيكون لى بإذن الله ..
صحيح أننى لستُ متفرغه ؛ فأنا فى الفرقه الثانيه بكلية التجاره ، وصحيح أننى لستُ ذات خبره فى أى شئ ؛ فأنا لم يسبق لى العمل بل ولم تطرأ فكره العمل على بالى من قبل ، لكنى مضطره لأن أعمل لأغطى مصاريف دراستى ؛ فبعد وفاة والدى أصبح دخلنا مُقتصر على معاش والدى البسيط الذى بالكاد يغطى مصاريف علاج أمى المريضه ..
"أذهبى ومشطى لزينه شعرها كى تظهر بمظهر لائق أمام ذلك المحامى."
أنتزعتنى أمى من شرودى حين قالت الجُمله السابقه ، فألتفتُ إليها وقلتُ :
" حسناً يا أمى .. لكن قد لا يقبلونى بسبب زينه. "
مطت أمى شفتيها قائله:
" طبعاً لن يقبلوكى وهذا شئ مفروغ منه وتكرر مائة مره ، دون أن يكون لزينه دخلاً . "
~*~*~*~
"الأستاذ أحمد فى أنتظارك . . تفضلى . "
أنتفض جسدى كله حين قالت السكرتيره هذه العباره ، ورحتُ أضبط ملابسى للمره الألف ، قبل أن أترك زينه لدى السكرتيره وأدلف إلى غرفة الأستاذ أحمد . .
والأستاذ أحمد هذا كان رجلاً فى العقد السادس من العمر ، أنيق المظهر ، أشيب الشعر ، وكان يطالع ملفاً ما حين دلفت إلى حجرته ، فأشار لى بالجلوس وظل يحدق بالملف لفتره ، قبل أن يُغلقه و يتطلع إلىّ قائلاً :
"أخبرتنى هند أنكِ تريدين العمل كسكرتيره ."
أومأت برأسى إيجاباً ، فأعتدل الرجل فى جلسته وقال :
" هل قرأتِ الأعلان الذى نشرته بالأمس ؟ "
أومأتُ برأسى إيجاباً فتابع :
" أذن.. أنتِ تعرفين بالتأكيد أننى أريد فتاه متفرغه وذات خبره ؟ "
هوى قلبى بين قدماى فى هذه اللحظه . .
لقد قرأتُ الأعلان بالفعل لكنى لم أنتبه إلى ما يقوله الأن وإلا ما كنتُ أتيتُ إلى هنا ؛ فأنا لستُ مُتفرغه ، إذ أننى طالبه فى الفرقه الثانيه بكلية التجاره ، كما أننى لستُ ذات خبره فى أى شئ ؛ فأنا لم يسبق لى العمل من قبل بتاتاً ، بل ولم تطرأ لى فكرة العمل على بال من قبل ، لكننى مُضطره لأن أعمل لأغطى مصاريف دراستى ؛ فبعد وفاة والدى أصبح دخلنا مُقتصر على معاش والدى البسيط الذى بالكاد يغطى مصاريف علاج أمى المريضه . .
حين أستبطأ ردى قال :
" هل أنهيتِ دراستكِ ؟ تبدين صغيره جداً . "
أزدردتُ ريقى بصعوبه وقلتُ :
" فى الحقيقه أننى . . لم أنهى دراستى الجامعيه بعد . "
عقد حاجبيه فى شده وهو يقول :
" أذن فأنتِ لازلتِ طالبه . "
أومأتُ برأسى إيجاباً ولم أجرؤ على النطق بكلمه ، فإذا به يقول :
" ولماذا تتعجلين العمل ؟ ألا تنتظرين حتى تنهى دراستكِ أولاً ؟ "
تنفستُ بعمق ، ثم قلتُ :
" أننى أستطيع أن أجمع بين دراستى والعمل . "
قال بإستغراب :
" أذن فهذه ليست أول مره ستعملين فيها ؟ "
قلتُ :
" فى الحقيقه . . أنا لم يسبق لى العمل من قبل . . وإذا حالفنى الحظ بالعمل هنا سيكون هذا هو أول عمل لى . "
بدت علامات التفكير واضحه على وجهه قبل أن ينظر إلىّ ويقول :
" حسناً . . أتركى رقم هاتفكِ لدى هند . . وسأنظر فى الأمر . "
تركت رقم هاتفى لدى السكرتيره بالفعل لكنى كنتُ أعرف فى نفسى أن هذا أمر شكلى فقط ، وأنه ذوقياً منه أنه لم يرفضنى مباشرة . .
قبل أن أغادر المكتب أعطتنى السكرتيره هاتفى المحمول قائله : " هذا هو هاتفك . . أليس كذلك ؟ "
نظرتُ إلى الهاتف بدهشه ، وتعجبت من أين أتت به ؟
فقالت السكرتيره كما لو كانت قد قرأت أفكارى :
" كانت شقيقتكِ تحمله ، فخشيتُ أن يُسبب لها الأذى . "
تناولت الهاتف منها وغادرتُ المكتب بخطوات مُتباطئه وعدتُ إلى منزلى أجر أذيال الخيبه . .
*~*~*~*