يبدو أن جرائم إسرائيل وخاصة في حرب غزة الأخيرة زرعت بذور فنائها على المدى الطويل وهذا ما ظهرت بوادره عندما نجحت براءة الأطفال في إحراج الكبار وخاصة مسئولي الغرب عبر تحدي تل أبيب وفضحها على الملأ ، وكانت كلمة السر في هذا الصدد هي مدرسة "إلكاسيل".
ففي 3 مارس / آذار ، وتحت عنوان " السفارة الإسرائيلية في مدريد تشتكي ضد بطاقات بريدية مناهضة للسامية بعث بها إليها تلاميذ مدارس إسبان " ، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا مثيرا جاء فيه أن المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في العاصمة الإسبانية مدريد أعرب عن غضبه الشديد بسبب قيام تلاميذ من مدرسة "إلكاسيل" الإعدادية في ألموينز بالقرب من مدينة فالنسيا بإرسال رسائل مزعجة إلى السفارة ، مشيرا إلى أن مصدر الإزعاج بالنسبة للسفارة كان الموضوعات التي تتناولها بطاقات أولئك الأطفال وهي : الحرب والمال وقتل الأطفال .
وكان عشرات من تلاميذ المدرسة وجهوا بطاقات بريدية إلى السفير الإسرائيلي أشارت إلى أنه يتعين على الإسرائيليين الرحيل عن فلسطين وتسليمها إلى الفلسطينيين.
واتهم الأطفال وتتراوح أعمارهم بين الثامنة والتاسعة من العمر إسرائيل بقتل الأطفال الفلسطينيين وبشن الحرب من أجل المال.
وعلى الفور ، سارع المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية للتعبير عن انزعاجه الشديد من الأطفال وبطاقاتهم بل واتهم الحكومة الإسبانية صراحة بما أسماه السماح باستخدام المدارس الحكومية للترويج للكراهية ضد كل من اليهود وإسرائيل وذلك في بلد يصنف على أنه واحد من أكثر البلدان معاداة للسامية في أوروبا.
واستطرد " البطاقات البريدية المذكورة ، البعض منها احتوى على رسائل مزعجة للغاية فقد وجهوا (أي الأطفال) أسئلة من قبيل : لماذا تقتلون الأطفال؟ أو قالوا : إن المال ليس هو كل شيء ، وإن كان من أحد يجب أن يرحل ، فهم الإسرائيليون ، لأنها ليست أرضكم" .
ويبدو أن الغضب الإسرائيلي السابق لم يأت بنتيجة ، حيث أكد جوان مالوندا مدير المدرسة المذكورة أن طلاب مدرسته هم بالفعل من قاموا بإرسال تلك البطاقات إلى السفارة الإسرائيلية بعد أن كانوا قد صمموها بأنفسهم ورسموها بأيديهم.
ونفى في هذا الصدد أن يكون جرى تلقين التلاميذ أي مفاهيم أو أفكار بشكل مسبق أو أن يكونوا قد دفعوا دفعا إلى رسم تلك البطاقات وإرسالها إلى السفارة الإسرائيلية ، قائلا :" معظم هذه الأعمال تم إنجازها في المنازل وهي تعكس أجواء البيئة الاجتماعية الخاصة بهم ، لقد تم الطلب إليهم ببساطة أن يكتبوا بطاقة بريدية عن الموضوع" .
التصريحات السابقة تؤكد أن مجازر إسرائيل ضد أطفال غزة لن تفلت من العقاب حتى ولو تم تجاهل تقرير جولدستون ، فالأجيال الجديدة التي استيقظت على صور قتل الأطفال بالأسلحة المحرمة دوليا لن يستطيع اللوبي الصهيوني خداعها بأن إسرائيل كانت تدافع عن نفسها خاصة وأنها هي التي شنت العدوان على غزة وقتلت المدنيين في منازلهم على مرأى ومسمع العالم كله.
وبجانب تنشئة الأجيال الجديدة في الغرب على نبذ جرائم إسرائيل ، فإن مدرسة "إلكاسيل" قدمت هدية كبيرة وغالية للقضية الفلسطينية من خلال عبارة " وإن كان من أحد يجب أن يرحل ، فهم الإسرائيليون ، لأنها ليست أرضكم" .
تلك العبارة تحمل أهمية قصوى لأنها جاءت متزامنة مع تسارع وتيرة عمليات التهويد في الضفة الغربية والقدس الشرقية تمهيدا لإعلان إسرائيل "دولة يهودية ".
ولعل تزامن إرسال البطاقات البريدية مع إعلان إسرائيل عن ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح للتراث اليهودي يؤكد أن شجاعة وبراءة الأطفال كانت أقوى بمراحل من كافة بيانات الإدانة والعبارات الدبلوماسية التي خرجت من العالمين العربي والإسلامي والتي لم تردع إسرائيل يوما عن مواصلة جرائمها.
بيان حقوقي
بل ويبدو أن غزة في طريقها لكسب المزيد من التعاطف الدولي بعد أن نشرت 16 منظمة حقوقية غير حكومية بيانا في 22 ديسمبر الماضي أكدت خلاله أن المجتمع الدولي غدر بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة .
وجاء في البيان الذي صدر بمناسبة ذكرى العدوان الإسرائيلي على القطاع "المجتمع الدولي غدر بشعب غزة عبر عدم توصله إلى ترجمة أقواله إلى أفعال من أجل إنهاء الحصار الإسرائيلي لغزة الذي يمنع إعادة البناء".
وأكدت تلك المنظمات وبينها منظمة العفو الدولية وأوكسفام (بفرنسا) وتحالف منظمات غير حكومية هولندية أن السلطات الإسرائيلية لم تسمح سوى بدخول 41 شاحنة محملة بمعدات بناء إلى غزة منذ نهاية العدوان منتصف يناير/كانون الثاني 2009 ، في حين يتطلب إصلاح الأضرار التي لحقت بالمنازل والبنى التحتية المدنية والخدمات العامة والمزارع والمؤسسات آلاف الشاحنات.
وأضاف البيان أنه يحظر على السكان المدنيين وكذلك على الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية استيراد معدات مثل الأسمنت أو الزجاج إلا في عدد محدود جدا من الحالات.
وأعرب عن أسفه لكون الحصار أدى أيضا إلى انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي والغاز والمياه مع انعكاسات كارثية على الحياة اليومية والصحة العامة.
وأشار البيان إلى أن الحصار الخانق الذي بدأ في يونيو/حزيران 2007 أدى إلى تفاقم الفقر إلى حد كبير وساهم في جعل 80% من السكان يعتمدون على المساعدة الدولية ، مطالبا وزراء الخارجية الأوروبيين بزيارة غزة والاطلاع بأنفسهم على تأثير الحصار على السكان.
وقبل أيام من البيان السابق ، أكدت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية في 12 ديسمبر الماضي أن حدة العدوان الذي شنته إسرائيل أواخر العام الماضي واستمر إلى مطلع 2009 على قطاع غزة بلغ من الوحشية مستويات غير مسبوقة.
وأضافت الصحيفة في تحليل لها بعنوان "سنة بعد الحرب على غزة في أعقاب المأساة" أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها تسيبي ليفني قالت مفاخرة بعد أسبوعين من بدء العدوان :" إن إسرائيل عندما يحاول أحد إطلاق النار على مواطنيها فإنها تفقد صوابها وتطلق العنان لجنون الحرب وهذا أمر جيد ".
وأوضحت الصحيفة أن ما خلفه العدوان الإسرائيلي فى القطاع هو أمر أشد خطورة وبقي في نفوس أبناء القطاع وجعل الكثيرين منهم غير قادر على متابعة حياته.
وتابعت أن توقيت العدوان الذي تواصل ما بين 27 ديسمبر/كانون الأول و18 يناير/كانون الثاني كان مفاجئا إلا أن الأكثر مفاجأة وإثارة للرعب هو قوة ووحشية العدوان وحجم الدمار الذي سببه في القطاع ، إضافة إلى عدد هائل من الضحايا .
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي شن عدوانا أطلق عليه "حملة الرصاص المصبوب" على غزة بداية من 27 ديسمبر 2008 حتى 18 يناير 2009 مما أسفر عن استشهاد أكثر من 1400 فلسطيني أكثرهم من النساء والأطفال ، بالإضافة إلى تدمير واسع جراء القصف الوحشي باستخدم الأسلحة المحرمة دولياً.
وبالنظر إلى أن ضحايا العدوان كانوا من النساء والأطفال وحتى الذين نجوا من العدوان والأجيال المستقبلية باتوا عرضة في أية لحظة للسرطان اللعين ، فإن الجميع تأكد أن إسرائيل استهدفت بالأساس الوجود الفلسطيني وليس القضاء على صواريخ المقاومة مثلما كانت تزعم ليل نهار.
المصدر: محيط