24-02-10, 02:42 PM
|
المشاركة رقم: 1
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
علوان السهيمي , الأرض لاتحابي أحداً , دار الفارابي , 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
علوان السهيمي , الأرض لاتحابي أحداً , دار الفارابي , 2009
في رواية (الأرض لا تحابي أحداً) يبحر الكاتب علوان السهيمي في نهر متدفق من الصور التي تتساوق من الذاكرة، حاملة معها هموم الناس، ولواعج أهل الأرض، ومكابدات المدينة العاصمة وأهلها، وما جاورها أو تنأى عنها؛ فالبطل (قصاص) عني كثيراً في سرد بعض من تفاصيل حكايته المليئة بالأسئلة والحدس والرغبة في الخروج من مأزق الحياة الأليم حينما يحاول في دأب أن يسترجع حالة ابن الريف كاملة غير منقوصة.
علوان السهيمي يعكف على استنباط الصور، ويولد كل مشهد من مشاهد الرواية على خلفية فكرة ما حول الشخوص الذين يقارعون معه الحياة، ويشاركون معه في مناحة الأرض ويقتسمون لقمة الفاقة، ومسغبة السؤال: من أين نبدأ في رسم تفاصيل حياتنا الأليمة؟
في رواية (الأرض) مشروع حكائي ضخم، غير قابل أن يتحول إلى مجرد وصف إنما هو شهادة واضحة حول هوس رجل في معاناته جراء موت أحلامه، وفضاضة مستقبله، ووهن عالمه الذي لم يعد مفيداً أبداً في ظل هذه المنغصات التي تتساوق في زمن رديء لا فائدة منه.
لا يجد الروائي السهيمي غضاضة من أن يقدم الشهادة تلو الأخرى عن واقع يجدر بالبطل (قصاص) أن يستلهمه من حكايته الأليمة، تلك التي تتعاضد فيها الصور، وتنبت فيها الأوهام والشكوك كالقتاد، ليصبح الفضاء السردي للرواية حالة من التجاذبات الآنية، وربما التداعيات المتنامية حدثياً على فضاءات أخرى لا تقل في الأهمية عن مكنون هذا الخطاب السادر في تكوينات الفعل الواقعي وراء كل مقولات خيالية التكوين.
فالسارد هنا يمتلك الحس الواعي، والقدرة الفائقة، والتأثير المباشر على كل مقومات وعناصر العمل، لنرى السهيمي وقد تورد إبداعياً كما يجب، وصاغ من مسغبة حالة (قصاص) الاجتماعية بعداً تنويرياً لما قد تؤول إليه الأحداث في القريب المنظور، أو البعيد المأمول.
وجّه الرواي العليم سهام نقده، لكل من حوله، حتى أنه وبدوافع من الكاتب وسم غضبته المضرية بغضبة الرعاع حينما ينتفضون من ملاذ ذلهم، وربقة خوائهم، وسيطرت الآخر عليهم، وكأن قصاص هذا يعرف أن من حوله مصاب بما يسكنه هو، ليلوذ إلى التمثل، والاستطراق، بغية تقديم صورة واقعية مفعمة بولادة الحكاية من رحم البيئة.
علوان السهيمي نجح حقيقة في مد جسور من المكابدات حول حالة (حمدة) .. تلك الشخصية المحورية المواربة قليل نحو النسيان، حيث نراه وقد تمثلها بوصفها ماض لا بد من أن نقتات على فتات ذكرياته، بل يرى الروائي السهيمي ألا مشاحة أن نؤرخ له، ونجعله يتداخل مع منغصات وجودية وسياسية وقومية أخرى على نحو تقاطع حالة (حمدة) وقومية (الترك).. الأتراك في خطاب الإحالة الأخير على التاريخ الذي يؤكد أن (حمدة) غابت في فلوات الماضي رغم تجدد حكايتها، ووسم محطات في الرواية وسبك عناوين الفصول في تقويم استدراكي لما قد تقدمه المرأة المغادرة نحو النسيان للبطل قصاص الذي داوم الهذيان.
لم يشأ الرواي إلاّ أن يذكرنا بسيرة الماضي المشرق، والكابي في كل شاردة وواردة، من القص، ليُطَوِّف بنا بين شسعة بيد مترامية، ومدن تكتظ بالبشر، وقرى تعاند سياط الجلاد، وريف يلفظ أنفاسه الأخيرة وكأن الرواية مساحة هائلة من البوح العميم الذي سيكشف لنا في النهاية أن منزلقنا الحياتي وصل إلى نهايته تماماً، مثلما يسقط البطل في ثنايا إعاقته، لينجرف إلى نهاية المنحدر والحكاية تتبعه وكأنها كرة ثلج تزداد، وتكبر حتى تكشف لنا حجم الخلل الكبير في حياة مجتمعنا وهذا ما أراده الروائي السهيمي في ثنايا سرده الذي يحتاج حقيقة إلى صبر، وحسن إصغاء، لأن حكاية قصاص وسيرة حمدة، وحالة المدن الجيدة واقع يتساوق من التاريخ، وتتراسل خطاباته نحو عالم من التداخلات الجديرة بالتدوين.
للتحميل من هنا
قراءة موفقة للجميع
|
|
|