كاتب الموضوع :
حفيدة الألباني
المنتدى :
المنتدى الاسلامي
5- ألا يعيش المثاليات:
ومما ينبغي على الداعية ألا يعيش المثاليات، وأن يعلم أنه مقصر، وان الناس مقصرون، قال سبحانه وتعالى:(( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) (النور: الآية21).
فهو الكامل سبحانه وتعالى وحده، والنقص لنا، ذهب الله بالكمال، وأبقى كل نقص لذلك الإنسان، فما دام أن الإنسان خلق من نقص فعلى الداعية أن يتعامل معه على هذا الإعتبار سواء كانوا رجالاً أو شباباً أو نساء، قال سبحانه وتعالي: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (لنجم: الآية32).
فما دام الله قد أنشأكم من الأرض ، من الطين، من التراب، فأنتم ناقصون لا محالة، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع الناس على أنهم ناقصون، وعلى أنهم مقصرون، يرى المقصر منهم فيعينه ويساعده ويشجعه، ويأخذ بيده إلى الطريق.
والداعية الذي يعيش المثاليات لا يصلح للناس، فإنه يتصور في الخيال أن الناس ملائكة، الخلاف بينهم وبين الملائكة الأكل والشرب!!
وهذا خطأ ، خاصة في مثل القرن الخامس عشر الذي لا يوجد فيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الأخيار ، وقل أهل العلم، وكثرت الشبهات، وانحدرت علينا البدع من كل مكان ، وأغرقنا بالشبهات، ،وحاربتنا وسائل مدروسة، درست في مجالس عالمية وراءها الصهيونية العالمية وأذنابها!!
فحق على العالم، وحق على الداعية أن يتعامل مع هذا الجيل ويتوقع منه الخطأ، ويعلم أن الإنسان سوف يحيد عن الطريق؛ فلا يعيش المثاليات .
6- عدم اليأس من رحمة الله:
يجب على الداعية ألا يغضب إن طرح عليه شباب مشكلة، وأنه وقع في معصية، فقد أتى الرسول صلى الله عليه وسلم برجل شرب الخمر وهو من الصحابة أكثر من خمسين مرة!!
ثبت هذا في الصحيح، فلما أتى به ليقام عليه الحد، قال بعض الصحابة: أخزاه الله، ما أكثر ما يؤتى به! فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال للرجل: (( لا تقل ذلك لا تعن الشيطان عليه، والذي نفسي بيده، ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)).
فما احسن الحكمة، وما أعظم التوجيه!!
لذلك نقول دائماً: لا تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات والأخطاء، واعتبر أنهم أمل هذه الأمة، وأنهم في يوم من الأيام سوف تفتح لهم أبواب التوبة، وسوف تراهم صادقين مخلصين، تائبين متوضئين.
وينبغي على الداعية ألا ييأس من استجابة الناس، بل عليه أن يصبر ويثابر، ويسأل الله لهم الهداية في السجود، ولا يستعجل عليهم، فإن رسولنا صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعو إلى (( لا إله إلا الله ))، فلم ييأس مع كثرة الإيذاء!! ومع كثرة السب!! ومع كثرة الشتم!! واعلم أن ما يتعرض له من صعوبات لا يقارن بما تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم ، مع ذلك صبر وتحمل كل ذلك ولم يغضب، حتى أتاه ملك الجبال! فقال له: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثتي ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ((بل أرجو أن يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)).
فأخرج الله من أصلاب الكفرة القادة ، فمن صلب الوليد بن المغيرة: خالد بن الوليد، ومن صلب أبي جهل: عكرمة بن أبي جهل.
فما احسن الطريقة، وما أحسن ألا يياس الداعية؛ وأن يعلم أن العاصي قد يتحول بعد عصيانه إلى إمام مسجد! أو إلى خطيب ! أو إلى عالم!
من الذي ما أساء قط؟! ومن له الحسنى فقط؟!
ومن ذا الذي تـرضى سجــاياه كلهـــا
كفا المرء نبلاً أن تعد معايبه!
تــريد مهـذبــاً لا عيــــب فيه
وهــل عود يفوح بلا دخـان؟!
هذا لا يصلح على منهج الكتاب والسنة.
فلا تقنط من رحمة الله فإن رحمة الله وسعت كل شي، وهو الرحمن الرحيم، الذي يقول في الحديث القدسي الذي رواه أحمد والترمزي بسند حسن : (( يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بها مغفرة)).
وعلى الداعية ألا ييأس من المدعوين بسبب معاصيهم وإنما عليه أن يعايش الجميع، الكبير والصغير، الصالح والطالح، المطيع والعاصي ، ولتعلم أن هذا العاصي قد يكون في يوم الأيام من رجال الدعوة ، وقد يكون من أولياء الله ، فلا تيأس، وعليك أن تتدرج معه، وأن تأخذ بيده رويداً رويداً، وألا تجابهه، وألا تقاطعه.
جاء وفد ثقيف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الدين فقالوا:
نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله ، ولكن أما الصلاة فلا نصلي! وأما الزكاة فلا تزكي! ولا نجاهد في سيبل الله!!
فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( أما الصلاة، فلا خير في دين لا صلاة فيه)) وأما الصدقة والجهاد فقد قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (( ستصدقون ويجاهدون إذا اسلموا)).
فاسلموا ، فأدخل الله الإيمان في قلوبهم، فصلوا وزكوا وجاهدوا، وقتل بعضهم وراء نهر سيحون وجيحون في سبيل الله! وقتل بعضهم في قندهار.
فلا ييأس الإنسان من دعوة الناس إلى سبيل الله سبحانه وتعالى، وليعلم أنهم في مرحلة من المراحل سوف يهتدون وسوف يعودون إلى الله سبحانه وتعالى..
فلا تقنط شارب الخمر من توبته إلى الله، ولا تقنط السارق ولا الزاني، ولا القاتل ، بل حبببهم إلي الهداية، وقل لهم هناك رب رحيم، يقول في محكم التنزيل: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) .
قال علي رضي الله عنه وأرضاه: (( الحكم من لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يورطهم في معصية الله)).
ومن آداب الداعية كذلك ألا يهون على الناس المعاصي ، بل يخوفهم من الواحد الأحد، فيكون في دعوته وسطاً بين الخوف والرجاء، فإن بعض الدعاة قد يتساهل مع بعض الناس في المعاصي! كلما ارتكبت كبيرة قال: (( سهلة ))! وكلما أتى بأخطاء قال: (( أمرها بسيط ))!
أفلا يعلم أن هناك رباً يغضب إذا انتهكت حدوده؟! وأن هناك سلطاناً عظيماً على العرش استوى، لا يرضى أن تنتهك محارمه، وقد صح في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( تعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده، إني أغير من سعد، وإن الله أغير مني)).
وقد ورد من صفاته ـ سبحانه وتعالى ـ كما في الصحيح من حديث ابن مسعود : (( إن الله غيور ، ومن غيرته سبحانه وتعالى أنه يغار على عبده المؤمن أن يزني ، وعلى أمته المؤمنة أن تزني))..
ولنا تكملة بإذن الله ..
|