كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
كان أندرياس مشغولاً بالمنظر الذي أمامه , ورغم ارتباك شاني من شدة تحديقه فيها , دققت في وجهه , عن عمد, وهي تشعر بالدهشة لأن الأنطباع الأول بقسوة ملامحه بدأ يتلاشى بعض الشيء.. هل ينوي حقيقة أن يفضح أباها , أم أن الأحتمال الأكبر أنه يقصد اخافته , كان واضحاً أنه نجح في ذلك, وبدأ يخالج شاني احساس بالأمتنان عندما تسبب اليوناني الأسمر في ارتباكها وهو يقول:
-" سألتني للتو ما يمكنك أن تفعل يا ريفز, يمكتك أن تعطيني ابنتك".
وغرد طير على الشجرة المنعزلة عند نهاية الحديقة. وكان هذا هو الصوت الوحيد وأخذ كل واحد من الثلاثة ينظر الى الآخر , كانت السحب تكاثفت وحجبت الشمس تماماً , ونظرت شاني الى فوق وهي متجهمة:
-" لا أعتقد أنني أفهمك".
أخيراً تكلم الطبيب وأخذ لسانه يلعق شفتيه اللتين أصبحتا شاحبتين:
-" أريد الزواج من ابنتك , ليس هناك شيء غير عادي في ذلك".
وقال الطبيب بعد لحظة توقف :
" أندرياس . قد يكون المتبع في بلادكم أن يختار الرجل فتاة ويعرض الزواج منها , لكنك لست في اليونان الآن".
وابتسم أندرياس وهو يلقي نظرة في اتجاهه قائلاً:
-" أنا يوناني مع ذلك, ومن الطبيعي أن أدير شؤوني وفقاً لعاداتي , سآخذ شاني منك , وأعدك بأنها ستلقى مني كل راعية و ... اعتبار".
وهز الرجل الأكبر سناً رأسه وقد أصابه الدوار , أما شاني فشعرت بغشاوة غطت عينيها وتعجبت من التردد الذي سبق نطقه بكلمة اعتبار.
وقال أبوها:
-" في البلد لا نعطي فتياتنا ... ان شاني ستقع في الحب يوماً ما, وسيكون زوجها رجلاً اختارته بمحض رغبتها, لأن مستقبلها بين يديها تماماً".
-" ومستقبلك بين يدي!".
تحدث بنعومة بالغة ولكنه ذكَر شاني مرة أخرى بحيوان شبيه بالنمر مستعد لأن ينقض على فريسته , وأبيضَ وجه أبيها عندما اتضح له المغزى الكامل لكلمات زميله.
" أنا لا أستطيع أن أصدق أنك كنت جاداً عندما طلبت الزواج من شاني".
قال هذا بضعف وهو يمد يديه, وفهمت شاني المعنى الذي يقصده وهي تلاحظ التجاعيد الحادة التي أضافت في الحال سنوات عديدة الى عمره, وأدركت شاني وهي ترتعش أن أباها يعرف أن اليوناني الضخم كان جاداً في عرضه , وأثبتت كلمات أندرياس التالية صحة استنتاجاتها.
-" أنا لا أضيع وقتي في قول أشياء لا أقصدها . أرغب في الزواج من ابنتك , وأطلب يدها منك".
ولم يرد الطبيب وأضاف أندرياس في هدوء , ولكن كلماته كانت تحمل تهديداً خسيساً:
-" ابنتك مقابل سكوتي".
وبعدها ظلت شاني تتخذ موقف المتفرج , تحدثت أخيراً وهي ترفع ذقنها في أباء:
-" ذكَرتنا للتو بأنك يوناني, وأنك تتولى شؤونك طبقاً للعادات السائدة في بلدك, ولكن أبي ذكر أنك لست في اليونان الآن , هذه أنكلترا , وتقاليدك تبدو مضحكة في نظر الأنسان الغربي".
ولم تكن تقصد الأستخفاف به , لكن شاني لسوء الحظ , لم تعرف كيف تختار عباراتها , واقترب حاجبا اليوناني المستقيمان الأسودان بعضهما من بعض بطريقة تنذر بالشر وهو يقول في نبراته المألوفة الناعمة التي تحمل في طياتها لهجة التهديد:
-" هل يمكنني القول أن غطرستك تبدو لي مضحكة , في ظل الملابسات القائمة , تلحظين أن أباك في موقف خطر للغاية, ومستقبله وسمعته الطيبة بين يديَ تماماً , وطبقاً لما قررته فأنه أما يحتفظ بمركزه واحترام مرضاه وأصدقائة , وأما أن يتقاعد في اعتزال شائن".
يتبع...
|