اختلف الفقهاء في حق المرأة في توليها القضاء على رأيين أساسيين:
أحدهما لجمهور الفقهاء حيث ذهبوا إلى أن اشتراط الذكورة في القضاء، ومنع المرأة من تولي القضاء مطلقا، وهؤلاء استدلوا بما يأتي:
أولا: ببعض الآيات الواردة في شأن القوامة، وداخل الأسرة، مثل قوله تعالى" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا" النساء الآية 34.
حيث قالوا: إن هذه الآية تدل على أن الرجال هم القوامون على النساء وإذا جاز أن تكون المرأة قاضية، انعكس الأمر فأصبحت هي القوّامة على الرجال.
واستدلوا كذلك بقوله تعالى "وللرجال عليهن درجة"البقرة الآية 228 وهذه الدرجة في نظر هؤلاء هي درجة القوامة على النساء في كل شيئ.
ثانيا:استدلوا بالسنة المتمثلة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري بسنده عن أبي بكرة... قال " لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (1) وهذا الحديث ظاهر في الدلالة على منع المرأة من الولاية التي تشمل القضاء في نظر هؤلاء.
ثالثا: القياس على الولاية العظمى.
رابعا: النظر إلى طبيعة المرأة، وما يجب لها من ستر، وما يعتريها من ضعف في حالات الحيض والنفاس والولادة ونحوها، كل ذلك يتعارض مع هذا المنصب الذي يحتاج إلى القوة والتفرغ الذهني والبدني، والخلاصة أن المصلحة تقتضي إبعادها عن المنصب في نظر هؤلاء.
القول الثاني هو جواز إسناد القضاء إلى المرأة في الجملة، ولكن هؤلاء اختلفوا على رأيين:
الرأي الأول: جواز إسناد القضاء مطلقا إلى المرأة، وهذا رأي ابن حزم الظاهري- كما في المحلى (8/528 ) ومروي عن المفسرين ابن جرير الطبري- كما ذكره الماوردي في أدب القاضي(1/626) والمغني لابن قدامة(11/380 ).
الرأي الثاني: هو رأي السادة الحنفية- ما عدا زفر- وبعض المالكية، حيث ذهبوا إلى جواز وصحة قضائها فيما يجوز وتصح شهادتها، أي في غير الحدود والدماء، قال الكسائي " وأما الذكورة فليست هي شرط جواز التقليد في الجملة، لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة إلا أنها لا تفضي بالحدود والقصاص"
وقد استدل ابن حزم ومن معه بالآتي:
أولا: أن الآيات الكريمة، والسنة النبوية أثبتت ولاية المسلمين والمسلمات بعضهم لبعض، وأن الأصل هو المساواة بينهما إلا ما دل دليل خاص على استثناء المرأة ولم يثبت إلا في الإمامة العظمى.
ثانيا: أن حديث ابن عمر الصحيح المتفق عليه يثبت للمرأة المسؤولية والولاية كما للرجل حيث قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم)
ثالثا: قياس القضاء على الإفتاء الذي أجازه العلماء للمرأة بالإجماع.
رابعا: أن الذكورة ليست وصفا مؤثرا حتى يتعلق بها صحة القضاء.
وقد استدل الحنفية على جواز تولي المرأة القضاء ما عدا الحدود والقصاص، بأن المرأة أصل للشهادة بنصوص القرآن والسنة وهناك تفصيل في مذهب الحنفية حول التولية والقضاء ليس محل ذكره هنا.
الخلاصة مع الترجيح
أن هناك رأيا معتبرا داخل المذاهب الأربعة وهو رأي الحنفية وبعض المالكية بجواز قضاء المرأة في غير الحدود والقصاص، ورأيا معتبرا آخر لابن حزم، وهو مروي عن شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، ومن هنا فالقول بأن قضاء المرأة ممنوع بالإجماع قول غير صحيح.
وما يظهر لنا من رجحان هو القول بجواز أن تتولى المرأة القضاء إذا توفرت فيها الشروط الآتية:
1- أن تتوافر في المرأة المراد تقليدها القضاء الشروط المطلوبة في القضاة، من أهلية القضاء من رجحان العقل، والاتزان، وسلامة الحواس، ومن العدالة والاستقامة على طريق الحق، والقدرة على الوقوف أمام الباطل من خلال شخصية قوية متزنة، إضافة إلى العلم بالأحكام الشرعية لأن القاضي الجاهل في النار- كما ورد ذلك في الحديث.
2- أن تهيئ للقاضيات الأجواء التي لا تتعارض مع أحكام الشريعة.
3- أن لا يكون هذا المنصب على حساب تربية أولادها والحقوق المتبادلة بينها وبين زوجها.
وبهذا الشرط يرد على من يقول: إن النساء مشغولات بالتربية وحقوق الأزواج وذلك لأن هناك عددا من النساء العالمات اللاتي لسن مشغولات بالأزواج، ولا بالأولاد إما لأنهن وصلن إلى سن معينة، أوانهن ليس لديهن هذه المشكلة أساسا. والمرأة في ذلك لا تختلف عن الرجال إذا أهملوا حقوق الأولاد والزوجات.
والذي يدل على رجحان هذا الاختيار هو ما يأتي:
لا يوجد فعلا دليل قطعي الدلالة، والثبوت، ولا قطعي الدلالة على اشتراط الذكورة في القضاء، وبالتالي فيبقى الأمر على أصل الإباحة، لأن القضاء ليس من العبادات الشعائرية التي يشترط فيها وجود نص للإثبات، وإنما هي من الأشياء التي تعتبر معقولة المعاني وتقبل التعليل