كاتب الموضوع :
روح الامس
المنتدى :
الارشيف
امرأة من الزمن الغابر
نظرت كولين الى كومة الغسيل التي بدأت تتناقص كانت قد تأخرت في عملها ذلك الثلاثاء و أحست بالامتنان لالة الغسيل التي توفر عليها الكثير من العناء ولكن لا شك ان هذه الالة المسكينة ستعمل دون توقف حين يعود التوأم الى المنزل وكانت تراهن ان مارك لم يغسل منديلا خلال اقامته المطولة في مخيم العطلات اما مارشا توأم مارك التي تصغره ببضع دقائق والتي تقضي عطلتها مع عائلة فرنسية فقد تكون اكثر تعقلا
كانت تجد امامها الكثير من العمل مع ان اخاها واختها بعيدا وليس معها غير ابيها والمشكلة ان التوأم سيبدآن الجامعة في تشرين الاول والتحضير لهذا عمل كامل
لم يكن مارك مشكلة بالنسبة للثياب فلو ترك الامر له لارتدى قميص التيشيرت ذاته ولابنطلون الجينز اسبوعا بعد اسبوع لكنها لم تكن تسمح له بهذا اما مارشا فأمر اخر فمعزوفتهاالدائمة لاشيء عندي لارتديه وكان هذا المشهد يتكرر يوميا وبالتحديد منذ ان اكتشفت ان الثياب ليست مجرد شيء ترميه هنا وهناك في اكوام مبعثرة
لوت ابتسامه رضى فم كولين الجميل اللطيف فلسوف تصرخ مارشا من فرط السعادة حين ترى الملابس الجديدة التي خاطتها لها والتي تملأ الخزانه فلقد عملت ماكنة الخياطة بلا توقف منذ او اوصل الوالد مارشا الى العبارة التي ستقلها الى فرنسا
تلاشت ابتسامه فم كولين لانها تذكرت تصرف مارشا الدرامي حين اصر الوالد على عدم ذهابها الى فرنسا حينها تحول جارد بوكستر الى اب عنيد فتطور الجدال واصبح عنيفا فقد كان يرى ان الوقت مبكر لطفلة العائلة على ترك العش الامن وقضاء اجازتها في فرنسا حتى شهر تشرين الاول
اعدك بان تقيمي سنة كاملة في فرنسا وسيكون هذا جزءا من تعلمك اللغة و عليك القناعة بهذا
و لانها احست بانها ستخسر الجدال غيرت مارشا طريقتها فحاولت التملق والمخادعة والتزلف و لان اباها ظل على عناده انفجرت دموع الغضب واخذت تصيح بشكل درامي: ساموت لو لم تتركني اذهب ثم صعدت الى غرفتها
تنهد جارد قائلا لابنته الكبرى :لو ان امك حية
هو ومارك ومارشا متشابهون الطباع وكولين هي الوحيدة التي ورثت طباع امها الهادئة وكان الوالد دائما يقول لكولين حين تغضب مارشا :اذهبي وتكلمي معها
كانت كولين تتحمل جزءا من المسؤولية ولم يكن هذا من دون سبب فقد كان للجميع يد في افساد مارشا و الافراط بتدليلها يومذاك وجدت اختها مستقلية في سريرها و وجهها الى الاسفل تنتحب من اعماق قلبها ولم تستطع سوى ان تشعر بالشفقة عليها لانها كلما حاولت ان تتصرف بطريقة تدل على انها كبرت كانت تفشل فشلا ذريعا خاصة حين لا تستطيع تنفيذ ماتريد
راحت كولين تهدئها بنعومة : هيا الان طفلتي ليس الامر سيئا الى هذا الحد
انتحبت مارشا : انه لا يفهم ....لا احد ...منكم يفهم ..
مالذي لا نفهمه
لعبت كولين دور سيدة المنزل منذ ست سنوات اي منذ وفاة امها لكن حبها لاختها بدأ قبل ذلك بكثير ابدت افكارها عن المحنة التي تلت موت امها وقالت متملقة : اخبريني حبيبتي
انتم لا تفهمون او لا تريدون ان تفهموا كم احتاج الى تعلم الفرنسية قبل ان اذهب الى الجامعة
وعادت تجهش بالبكاء
تعرف كولين مدى المجهود الذي بذلته مارشا في دروسها لتكسب مكانها في الجامعة لكن اختها كسبت من الدراسة مافيه الكفاية و يجب ان تستريح قبل بدء الدراسة لكنها لم تقل شيئا مما تفكر فيه بل بدل من ذلك تعاملت معها بالطريقة التي طالما تعاملت بها مع ازمات مارشا سألت بهدوء : ايمكن ان تقولي لي لماذا تعتبرين الامر مهما الى هذا الحد؟
انت تعرفين لماذا
قالت كولين بصبر دون ان تعرف مالذي يدور في راس اختها : اخبريني مرة اخرى
ردت مارشا بغضب :ولماذا اخبرك مرة اخرى
قالت كولين :لانك اذا لم تفعلى لن اتمكن من فهم وجهة نظرك
بعد ربع ساعة عرفت كولين ماكان يعتمل في نفس مارشا فقد بذلت مجهودا شاقا لتقبل في قسم اللغة الفرنسية في جامعة "يورك" المرموقة لكن هذا الانجاز فشل في اعطائها الثقة بقدرتها على النجاح في دراستها الجامعية
وكانت مارشا تعتقد انها لن تتمكن من احراز النجاح حين يبدأ العام الجامعي اذا لم تقض العطلة في فرنسا حيث تتحدث يوميا بالفرنسية وهذا ماجعل كولين تعرف بطريقة ما انها ستضطر الى اقناع ابيها بالسماح لمارشا بالسفر فاختها الصغيرة لن تبقى ثائرة وغاضبة فحسب بل ستجعل الحياة في المنزل جحيما للجميع وما من احد يستطيع البقاء غاضبا مثل مارشا واذا كان السفر سيمنحها الثقة التي تنشدها فسيكون هذا تعويضا صغيرا عن الاوقات الصعبة التي مرت بها
فلطالما كانت مارشا مصابة بالربو الخفيف في الثانية عشرة حين توفيت امهم المحبوبة اصيبت مارشا باول نوبة لها كانت مذعورة جدا وهي تشهق وتعمل جاهدة لتتنفس وكانت كولين التي تكبرها باربع سنوات تخاف ان تخسر اختها كما خسرت امها اما الاب الذي كان مصدوما من فقدان زوجته فقد ترك كل شيء على عاتق كولين التي اعتنت باختها اعتناءا كبيرا
حين استعادت مارشا عافيتها كانت راحة كولين عظيمة لكن نوبة ثانية لحقت بالاولى وبقيت كولين بعيدة عن مدرستها لتعتني بها ثم مالبثت ان ابتعدت مرة اخرى عن دراستها في النوبة الثالثة لكن بعد خروج مارشا من محنتها لاحظت كولين ان جميع افراد الاسرة يتألمون ولا ام تهدئ من روعهم
رغم جهودها الشاقة لتوفق مابين الطبخ والتنظيف و تدبير المنزل وتنفيذ وظائفها الدراسية كان يبدو على المنزل الكبير جو من الاهمال لقد املت كولين الذهاب الى الجامعة يوما لكن حين رأت اخاها مارك الذي كان عفريتا لا تغادر الضحكة فمه يبدو الان تعسا ومرتبكا يدور في المنزل على غير هدى عرفت ان على التعليم ان ينتظر علمت ان امامها طريقا طويلا تسير فيه وحدها فقد اصبح والدها منطويا على نفسه بحيث بات من الضروري ان يدفع للذهاب الى العمل كليوم واخيرا توصلت كولين الى قرار سريع لا رجوع عنه فهي في السادسة عشرة وهذه سن قانونية لترك المدرسة
في الصباح التالي ولم تكن قد قالت كلمة لابيها اتصلت بمدير المدرسة لتقول له انها لن تعود الى الدراسة
رد عليها بلطف :لايمكنك فعل هذا
كان يعرف انها تواجه مشاكل منزلية لكنها قالت بحزم وادب : لقد اتخذت قراري سيد لاكر
يومذاك ظنت ان والدها سيضرب راسه في السقف حين يعرف لكن بسبب اغراقه في الحزن لم يكن اي شيء قادرا على التأثير فيه وكان كل ما قاله "ربما هذا افضل " ولم يكن هناك سبب يدعو كولين للندم على قرارها ففي تلك الستة الاولى عصفت بالعائلة ازمتان استلزمتا كل وقتها فقد اصيبت مارشا بأسوأ نوبة ربو عرفتها و نقلت الى المستشفى و حين عادت الى المنزل كانت متوترة واخذت تتوسل الى كولين ان لا تتركها تعود الى المستشفى ثانية
اما الشيء التالي الذي حدث فهو ان والدها فقد فرصة حصوله على قسمه الخاص في مركز الابحاث فبسبب قلة اهتمامه بابحاثه الكيميائية نال شخص اخر الترقية قبله
قال لابنته متذمرا :لن يحظى من هو في مثل عمري بفرصة اخرى لكني لا ابه لذلك
في العالم التالي ثاب والدها الى رشده فعاد الرجل الذي كان قبل ان تحل به الكارثة لكن المرض الذي ظل يهدد مارشا التي كثيرا ما تغيبت عن المدرسة اما مارك الذي كان يتلقى عنايه خاصه من اخته الكبرى فقد عادت البسمة الى وجهه وما ان اقترب عيد ميلاد التوأم الخامس عشر حتى حدثت المعجزة وودعت مارشا داء الربو ..
و صدقت كولين ما قاله الطبيب وهو ان خمسين بالمئة من مرضى الربو يشفون منه بعد ان يكبروا في السن ومر اسبوع ولم تحتج اختها الى اي دواء لكن حين ظهرت كل الدلائل ان مارشا شفيت وبدأت تشارك مارك حديثه عن دخول الجامعة أخذت كولين فجأة تفكر في دراستها التي لم تنته فكرت ان الكثير من النساء يدرن بيوتهن بنجاح وفي الوقت عينه يعملن بدوام كامل فقررت ان تفاتح والدها في الموضوع
اذاعدت لدراسة السكرتاريا فهل سيشوش ذلك برأيك امور العائلة كثيرا فلربما حصلت على عمل فيما بعد
لم يخطر ببا ل الاب يوما ان كولين تريد شيئا من الحياة تكثر من العناية بهم لذا سألها وتعابير الدهشة تظهر على وجهه: أتريدين الخروح للعمل ؟
ردت بسرعة : لن يتغير شيء هنا ما عدا ان التوأمين سيضطران لاطعام نفسيهما ريثما اعود في المساء لكنهما كبيران كفاية ليتمكنا من صنع كوب من الشاي و سندويش اذا لم يستطيعا الانتظار للعشاء
بعد حصولها عل مباركة والدها بدأت كولين بدراسة السكرتاريا في الاسبوع الاول من دراستها اظهرت مارشا السخط اما مارك فأظهر شيء من التحفظ اما كولين فظنت انهما لن يابثا ان يتعودا لكن ذلك لم يحصل..
فبعد شهر على دراستها عادت الى المنزل فوجدت مارك ومارشا يتشاجران مارشا تحب سماع موسيقى البوب اثناء القيام بواجباتها المدرسية ومارك لا يحب هذا لذا ذهب الى غرفتها ليطلب منها خفض صوت الجهازكلمة من هنا وكلمة من هناك حتى وصل الامر ان صفعت مارشا اخاها ولشدة غضبه نسى مارك اهتمامه بها واعاد لها الصفعة ثم هجمت مارشا بغضب الى غرفته وبدأت برمي كتبه واغراضه على الارض ورد عليها مارك بنفس الطريقة
رأت ان دروس السكرتاريا مهددة بالابتعاد لذا احست كولين بغضب يكاد يدفعها الى ضرب رأسيهما معا لكن مارك كان عنيدا ورفض الاعتذار و مارشا تحدته ولم تعتذر لكن كولين استطاعت ضبط اعصابها بطريقة ما وتعاملت مع الازمة بهدوء كما تعاملت مع ازمات سابقة و لكنها لم تستطع كتم ما حصل عن والدهم فقد شكا كلا التوأمين مطولا خلال وجبة العشاء وكان ان يتصور جارد ان المنزل ينقلب الى حلبة مصارعة خلال غيابه وغياب كولين لذا لم يكن غريبا ان تقول كولين وهي تبلع ريقها ان الوقت غير مناسب لمتابعة دراستها
لكنه احتج : ليس من العدل ان تتوقفي عن الدراسة لان هذين الاثنين لا يتصرفان بشكل متمدن
وجدت كولين نفسها تدافع عنهما : انهما يمران بمرحلة حرجة من تطورهما النفسي
لكنك لم تمري قط بهذه المرحلة كنت اكبر منهما حين ماتت امكم وتحملت ...كل....
وماتت الكلمات ما ان استرجع ذكرى زوجته التي عاش معها طويلا في الاشهر التالية بدأت كولين تعي انها ربما تضطر للتخلي عن دراستها وعرفت انها لم تكت مخطئة قط حين قالت ان التوأم يمران بمرحلة صعبة من نموهما
مارشا مزاجية دائمة التقلب و هي قادرة على افساد كل شيء لكن كولين تعلمت منذ زمن كيف تتصرف حين تبدأ شقيقتها الصغرى بافتعال المشاكل اما حين اصبح مارك هو المشكلة الكبرى فقد شعرت انها كاد تخرج عن طورها فجأة اصبح كثير الجدل مزاجيا وقد حاولت كولين جاهدة ان تتفهم عدوانية الشباب التي حلت في نفسه الا ان هذا لم يكن امرا سهلا ولان مارك اصبح يعترض كثيرا على كل شيء وصل الامر الى مواجهه عنيدة مع ابيه
ففي احدى المرات تحدى مارك سلطة ابيه كما يتحدى كل شيء بجده امامه كاد جارد يضربه لكنه قال لابنته بعدهدأت المعركة :انت اكثر صبرا مني كولين فهل يمكنك التفاهم معه ؟
لم تكن تعلم ان كانت قادرة فعلا على ذلك لكن بعد مرور سنة عاملت كولين خلالهمارك بكثير من الصبر بدأ مارك يتغلب على مزاجيته وفي احد الايام جاء الى المطبخ ورمى بباقة زهور بين يديها وقبلها وتمتم بشئ لم تفهمه ثم اختفى فاحست كولين كانها تلقت هدية ملوكية توالى شريط الذكريات في مخيلتها فاحست بالدمع يحرق مقلتيها وكانت هذه الدموع اليد التي طرقت على باب الذكريات فايقظتها منها وتذكرت كل ماعليها فعله اليوم فليس لديهت الوقت لتقف متكاسلة غارقة في الذكريات لكنها لم تستطع الا الشعور بالرضا فبالرغم من كل المحن يبدو كل شيء مسقرا الان عما قريب سيبدأ مارك دراسته الهندسية المدنية في جامعة اوستن بينما مارشا وبمساندة منها موجوده الان في النورماندي تبني ثقتها بنفسها وستعود عما قريب لتبدأ دراستها في جامعة يورك حتى والدهم الذي كان قد تخلى عن كل امل في الترقية سيحصل على فرصة اخرى فبعد الغد سيواجه مجلس الترقيات اما بالنسبة لها فقد رأت ان جوا من الاستقرار يخيم على العائلة وادركت ان منزلها لم يعد بحاجة ماسة اليها لذا قررت العودة الى دراسة السكرتاريا في الشهر القادم
كان الشعور بالرضا يغمر نفس كولين وفيما كانت مستغرقة في العمل لمحت ساعي البريد يدخل الى الحديقة فذهب فورا الى الردهة لقد استلمت يوم الجمعة الماضي بطاقة بريدية من مارك لذا من غير المحتمل ان تستلم منه شيئا في وقت قصير هكذا اما مارشا فقد مر وقت على اخر اتصال لها واضح ان اختها الصغرى تستمتع بوقتها فهي لم تكتب الا رسالة واحدة
كان الظرف الذي دسه ساعي البريد في صندوق البريد معنونا لها ولابيها معا وهو يحمل طابعا بريديا اجنبيا اخذته كولين بلهفة واسرعت تفتش عن فتاحة الرسائل فتحت الرسالة فلاحظت ان اختها كتبت رسالتها على اوراق مضيفيها الخاصة المعنونة باسمهم ثم بدأت تقرأ..
شهقت كولين بذهول ثم تابعت قراءة الرسالة للمرة الثالثة كانت كل دلائل الرضا اختفت عن وجهها تهاوت على اقرب مقعد وبدأ تفكر في اختها التي تملك موهبة كبيرة في اختلاق المشاكل ولم تستطع الا ان تتساءل كيف سمحت لنفسها بالتفكير في ان الاوضاع في العائلة تسير على خير ما يرام فما اقدر مارشا على القضاء على هذا الهدوء العائلي حتى وهي بعيدة عن المنزل وعن انكلترا لم تفقد شيئا من قدرتها على افساد الامور
قرأت كولين رسالة مارشا مجددا يبدوا ان مارشا تتصور نفسها واقعة في حب السيد روجيه بوشين مضيفها واعادت كولين قراءة ماكتبته اختها الصغرى عنه وعن روعته عن تحذلقه وعن اسفاره الكثيرة وتجاربه المتنوعة واستوقفتها عبارة مارشا : انا واقعة في حبه بشكل بائس لكنها لم تصدق ما قرأت فمارشا التي لم تكمل يوما شيئا حتى نهايته ظنت نفسها تحب اكثر من مرة ولكن تسرعها لم يكن يدوم اكثر من بضعة اشهر
ولعل اكثر ما ذهل كولين بهذا الافتتان هو انجرافها الشديد فقد اعلنت مصممة " قلبي هنا في فرنسا اعرف انكما ستتفهمان الامر وتتمنيان لي السعادة حين تعرفان انني قررت ان لا اذهب الى الجامعة وان لا اعود اصلا الى انكلترا بل قررت ان ابقى هنا مع حبي ...روجيه"
تتمنى لها السعادة ! احست كولين برغبة في ان تصفع اختها بحدة بدل ان تتمنى لها السعادة واذهلها ان تفكر مارشا بعدم الالتحاق بالجامعة خاصة بعد كل هذا الجهد الذي بذلته للحصول على مقعد هناك
|