كاتب الموضوع :
النغمه الحزينه
المنتدى :
الارشيف
الحلقة الواحدة والعشرون
********
~ دلال الأحبـّـة ~
عندما اقتربت من المنزل اتصلت بهاتفه فأجابني والدي ، و أخبرته أنني قد وصلت ...
والدي خرج لاستقبالي عند باب السور الخارجي للمنزل ، و طبعا استقبلني استقبالا شديد الحرارة !
بعدها ذهبت معه إلى غرفة المعيشة حيث وجدت أمي و أختي دانة ، و اللتين بدورهما رحبتا بي ترحيبا حميما ...
ثم ذهبت دانة لإبلاغ البقية عن وصولي
و البقية تعني : سامر + رغد ...
قالت :
" إنهما يختبئان في غرفة الضيوف ! سأفاجئهما ! "
كانت مازحة ، أو ربما جادة ، في كلا الحالتين هذا يشعرني بالانزعاج ... من أول لحظة !
جلست مع والدي ّ و سكبت لي أمي عصير البرتقال الطازج في أحد الكؤوس و قدمته لي ...
" تفضل بني ...هذا نصيبك "
نصيبي ؟؟ هل كانوا يحسبون لي حسابا ؟؟ إني أرى أربعة كؤوس شُرب محتواها ، و هذا كأسي الخامس ...
بعد قليل أقبل أخي سامر فاتحا ذراعيه ...
قمت و عانقته ، و منها شعرت بأول آلام المعدة !
قال :
" ما شاء الله ! ماذا كنت تأكل يا رجل ! إنك تنتفخ مرة بعد مرة ! "
الجميع ضحك ، و تمتمت والدتي بعبارات التهليل و التكبير و الصلوات !
قلت :
" هل أبدو سمينا لهذا الحد ؟؟ "
قال سامر :
" سمين ؟ لا ! بل عظيم البنية و مفتول العضلات ! يا رجل هل كنت تمارس رياضة حمل الأثقال أم ماذا ؟؟ "
قلت :
" كنت آكل بقرة مشوية كاملة كل يوم ! "
و هنا أقبلت دانة فدخلت و أغلقت الباب من بعدها و قالت مداعبة و موجهة حديثها إلى أبي :
" سيسبب لنا الإفلاس ! هات مصروفا آخر ! "
أبي قال و هو يضحك :
" أفلست ُ بسببك يا ابنتي ! أما كفاك كل ما أخذت ؟؟ "
قالت و هي تضحك :
" من قال لك أن تزوّج ثلاثة أبناء دفعة واحدة ! ؟ "
قال سامر :
" ما ذا لو انضم الكبير إلينا ! ؟ "
يقصدني بذلك !
أمي ابتسمت و نظرت إلي و قالت :
" دعوا الكبير لي ! لن أسلمه لامرأة ما و أنا لم أتهنى بعد به ! "
و ضحكنا جميعا ...
ربما هم يضحكون من قلوبهم لكنني أضحك مجاراة لهم ...
و أدور بعيني فيما بينهم ... و أشعر بشيء ناقص ...
طبعا تعرفون ما أعني !
الصغيرة المدللة لم تأت ِ لتحيتي و لا للعشاء معنا ، و الساعات تمر و هي في غرفتها و حين كررت سؤالي عنها لوالدتي بعد العشاء قالت :
" إنها منزعجة منك ! "
قلت :
" مني أنا ؟؟ "
" نعم ! فأنت على ما يبدو كنت قد وعدتها بألا تسافر دون وداعها ثم خرجت خلسة ! "
قالت دانة :
" دعك من هذه الفتاة المتدللة يا وليد ! لها ألف مزاج في اليوم الواحد ! يا إلهي كيف سأتحمل تصرفاتها وحدي طوال هاذين الأسبوعين ! "
سامر قال :
" حذار من القسوة على عروسي يا دانة ! و إلا حبستك في المطبخ ليلة زفافك ! "
الجميع كان يضحك بمرح ، إلا أنني كنت أشعر برغبة في غرس الشوكة التي أمسك بها في صدر شقيقي ...
توقفوا عن الحديث عن الزفاف المشؤوم هذا ... أفرغت الدنيا من المواضيع ؟؟
قلت مغيرا مسار الحديث الذي كان متمركزا حول الزواج المترقب :
" متى ستعودان من رحلة الحج تحديدا ؟ "
قال أبي :
" ليلة السابع عشر من شهر الحج إن شاء الله "
إنها فترة طويلة سأضطر لتمضيتها مع رغد تحت سقف واحد !
ليت الأيام تنقضي بسرعة !
رغد لم تظهر حتى الآن ... حقيقة هي أنني أنظر ناحية الباب بين الفينة و أختها و أرتقب طلوعها ...
كم اشتقت إليها ... ! هكذا بدون أي تكلّف و ادعاء ، أنا اشتقت إليها !
مرت الساعات و لم تظهر فتملكني الضيق و الانزعاج ... و لولا الحياء و الحرج لذهبت بنفسي إليها ... أهي غاضبة مني لهذا الحد حقا ؟؟
و الشخص الذي ذهب إليها كان بطبيعة الحال شقيقي ...
و بعد أن ذهب لم يعد ...
على الأريكة الضيقة رميت بجسدي فغرقت في أعماقها ... في غرفة الضيافة .
و للعجب نمت بسرعة لم أتوقعها ! و حين نهضت وجدت جسدي غارقا في العرق !
ساعات الصباح انقضت و الصغيرة لم تظهر ، أكاد أجن ... لم لا تأت لتحيتي و لو بشكل عابر ؟؟
على مائدة الغذاء انتظرت حضورها فلما لم أجدها سألت :
" أين رغد ؟؟ ألن تشاركنا ؟؟ "
دانة بدأت بالضحك ، قم قالت :
" إنها تقلي البطاطا ، فأطباقنا اليوم لم تعجبها و ستأكل البطاطا المقلية كالعادة ! "
نظرت نحو أمي و قلت :
" أرجو ألا أكون السبب في ... "
أمي هزّت رأسها نفيا و قالت :
" لا أبدا بني ! إنها لا تحب السمك كما تعلم كما و أنها كثيرا ما تتغيب عن المائدة خصوصا في الفترة الأخيرة ! "
قالت دانة بحدّة :
" تتدلّل ! "
قال أبي :
" دعوها تفعل ما تشاء "
قال سامر :
" سأستدعيها "
وقفت أنا و قلت :
" أنا سأستدعيها "
و تحركت فورا لأسبق سامر ...
حين وصلت إلى المطبخ وجدت الباب شبه مغلق . طرقته و قلت :
" أيمكنني الدخول ؟؟ "
سمعت صوت رغد يرد علي ...
" من أنت ! ؟ "
عجبا ! من أنا ؟؟ من عساي أكون !؟ بالطبع وليد ! قلت :
" وليد ! "
قالت :
" وليد ؟ لا ! "
ثم إذا بي أرى الباب يغلق بدفعة قوية !
تراجعت ُ للخلف خطوة و بقيت محدقا في الباب ...
هل تقصد أنها لا ترتدي الحجاب ؟
قلت :
" هل أذهب ؟؟ "
قالت :
" ماذا تريد ؟ "
" فقط ... أن ألقي التحية و ... أسأل عن الأحوال "
" بخير و شكرا و اذهب "
شعرت بالحرج من ردها هذا ، فقلت معتذرا :
" سأذهب ، أنا آسف "
و استدرت منصرفا ...
فجأة سمعت الباب ينفتح من خلفي ، فالتفت إلى الوراء ...
هناك عند الفتحة ، رأيت عيني رغد تطلان علي !
ظهرت رغد واقفة أمامي ... بحجمها الصغير و وجهها الطفولي و حجابها الطويل الذي يكاد يصل إلى ركبتيها !
لدى رؤيتي لها بعد كل تلك المدة من الغياب شعرت بأن قلبي قد تخدّر و أعصابي قد تبلّدت ... و عضلاتي استرخت لبرهة كادت تفقدني توازني .
قلت بصوت خفيف و بابتسامة تفجرت على وجهي رغما عني :
" كيف حالك صغيرتي ؟؟ "
صغيرتي كانت تنظر إلي بنظرات ملؤها الغضب و الانزعاج ... كأنني أقرأ في وجهها كلمات اللوم و التأنيب و التوبيخ ... و الشتم أيضا !
قلت :
" أنا آسف ! "
رغد أشاحت بوجهها عني ، و استدارت و دخلت المطبخ ، تاركة الباب مفتوحا .
توجهت رغد نحو الموقد ، تحرك أصابع البطاطا في المقلاة ...
تجرأت و خطوت خطوة للداخل ، و خطوة أخرى فأخرى حتى صرت على مقربة من الوعاء الذي أعدته لوضع البطاطا المقلية فيه ...
هاهي الآن تضع أول دفعة من البطاطا فيه ... دون أن تلتفت إلي ...
قلت :
" تبدو شهية ! "
لم تعلّق !
قلت :
" أتسمحين لي بتذوقها ؟؟ "
قالت :
" تفضل "
طبعا دون أن تلتفت إلي ...
و لأنني كنت مخدّر الإحساس فأنا لم أشعر بحرارة البطاطا المقلية لا بين أصابعي و لا في فمي !
بل حتى طعمها لم أشعر به ، إلا أنني قلت :
" لذيذة ! "
قالت :
" خذها إن شئت "
" شكرا ، سأتناول الغذاء الآن "
بقيت صامتة و هي تخرج دفعات البطاطا واحدة بعد الأخرى حتى انتهت ...
ثم رفعت الطبق و وضعته على المائدة و سحبت الكرسي استعدادا للجلوس ...
قلت :
" ألن تأتي معنا ؟؟ "
قالت :
" لن آكل من أطباقكم "
قلت :
" تعالي بطبقك "
" لا داعي "
و جلست على الكرسي ، و انتظرت مغادرتي !
و عوضا عن الانصراف اقتربت ُ من الطاولة قليلا و قلت :
" صغيرتي ... هل أنتِ غاضبة مني ؟؟ "
لم تجب ...
قلت :
" أنا آسف ... سامحيني "
رغد الآن رفعت بصرها إلى و قالت بحنق :
" أطلب السماح ممن استهنت بعظمته لخداعي ... يا كذّاب "
كأنها خنجر مسموم طعنت كلماتها صدري بعنف ...
لم يكن أمامي إلا الانسحاب مخذولا ...
عدت وحيدا إلى من كانوا ينتظرون عودتي برغد ... و حين رأيت أعينهم جميعا تحدق بي بتساؤل ، قلت :
" لا تود الحضور ... "
و جلست على مقعدي و بدأنا تناول وجبتنا ...
لم يكن مضغ الطعام و بلعه من السهولة بمكان ... لقد اشتد علي الألم، لا أدري أ بسبب الطعام الغير مهضوم ، أم بسبب الخناجر التي طعنت أحشائي ؟؟
ربما لاحظت والدتي شيئا فقد كانت تعلق :
" كل يا وليد ! ما بك لا تأكل ؟؟ "
من حين لآخر ...
هل يطيب لي الطعام و صغيرتي متخذة مني هذا الموقف ؟؟
في وقت لاحق ، اجتمعنا كلنا في غرفة المعيشة ، عدا رغد ...
والدي طلب من دانة استدعائها فهو يود قضاء الوقت معنا جميعا قبل السفر ... ذهبت دانة ثم عادت تقول :
" لا تريد الحضور ! و عندما قلت لها أنها تتصرف كالأطفال صرخت في وجهي ثم بدأت بالبكاء ! أوه خذاها معكما و خلصاني من سخافتها يا والدي ! "
جميعنا تبادلنا النظرات ...
والدي قال :
" دانة ... تحاشي الاصطدام بها يا بنيتي ، دعيها تفعل ما تشاء "
دانة قالت :
" كالعادة يا أبي ستقول لي ذلك ، حسنا، أنا لا شأن لي بهذه الطفلة الكبيرة ... أترك الأمر لوليد بالكامل حتى لا يتهمني أحد بأنني متعجرفة معها "
همّ سامر بالنهوض إلا أن أمي استوقفته و قامت هي ، و ذهبت إلى رغد ...
قال أبي موجها كلامه لي :
" اعتني بشقيقتيك جيدا يا بني ، دانة لن تتعبك في شيء ، فهي معتمدة على نفسها في تصريف أمورها ، لكن رغد ... معتمدة علينا كثيرا ... و طلباتها لا تنتهي ! "
قالت دانة معقبة :
" هذا لأنك تدللها كثيرا يا أبي ! كما الأطفال تماما ! "
والدي قال :
" دانة إياك و تعمّد مضايقتها ... رجاءً "
سامر قال :
" إياك ! "
دانة نقلت بصرها بين الاثنين ثم قالت :
" لا تخشيا على مدللتكما الصغيرة ! "
و التفتت نحوي و قالت :
" ألقي عليك المسؤولية كاملة ! "
أنا وجدت الثلاثة يحملقون بي بمختلف التعبيرات المتقلبة على أوجههم ...
قلت بتردد :
" لا تقلقوا ... سيسير كل شيء على ما يرام ... "
بينما أنا في الداخل شديد القلق ...
~ ~ ~ ~ ~ ~
أنا مستاءة بشكل لا يمكنكم تصوّره !
سأتزوج بعد ثلاثة أسابيع من سامر ، فيما يقف وليد إلى جانبي ليعتني بي أثناء ابتعاد أمي عني ...
ثلاثة أمور جعلتني في غاية التوتر خصوصا هذا اليوم ، و آخر شيء كنت لأتقبله هو كلمات السخرية من دانة التي ترددها منتقدة إياي ...
لم أحتمل كل ذلك و بدأت بالبكاء بشكل غريب !
هم يجلسون الآن معا يودعون بعضهم البعض و أنا قابعة هنا أبلل المناديل بالدموع المالحة المتدفقة بغزارة ...
أريد أن أبقى مع والديّ قبل رحيلهما !
ليت وليد يختفي !
ليتني أنا من يختفي !
ليتكم أنتم أيضا تختفون !
سمعت صوت والدتي تناديني ، من خلف الباب المغلق ...
" نعم أمي "
والدتي فتحت الباب و دخلت قبل أن تدع لي الفرصة لمسح دموعي ، و التي و إن مسحتها لا أسهل عليها من أن ترى آثارها مطبوعة على وجهي ...
أمي نظرت إلى بقلق و حيرة و قالت :
" و بعد ؟؟ ما نهاية حكايتك هذه ؟؟ ما بك يا رغد أخبريني ؟؟ "
" لا شيء أمي "
" إذن ... لم تحبسين نفسك في غرفتك و تسبحين في بركة الدموع هذه ؟؟ "
قلت بانفعال :
" لا شيء أمي لا شيء ... لا شيء ... لا شيء ... "
و انخرطت في البكاء باستسلام ...
لم أقاوم أو أواري أي دمعة تحدتني بالظهور ... بكيت بحرقة ... لم أعهدها من قبل ... لم أكن أشعر بمثل هذه الأشياء تتحرك في صدري قبل الآن ... لكنني أشعر الآن بصرخة كبيرة تود الانطلاق رغما عني ... إنني منهارة و أريد من يواسيني ...
من يسندني ... من يساعدني ... من ينقذني مما أنا مقبلة عليه ...
من ؟
من ؟؟
أمي أقبلت نحوي ، و مسحت بيدها الحنونة على رأسي و ربتت على كتفي بلطف
قالت :
" بنيتي ... أخبريني ما بك ... إنني قلقة عليك و لا أريد السفر قبل أن أطمئن ... ما بك ؟؟ مم أنت مستاءة ؟ "
أنظر إلى أمي ، فأرى في عينيها عالما كبيرا محيرا ... أرى فيها أكواما من القلق و الخوف ... و الخشية و الاضطراب ...
ليتك يا أمي تدخلين إلى أعماقي و ترين بنفسك ...
أترين يا أمي ؟؟
إنني لا أريد أن تسافري و تتركيني ...
أيقلقك ذلك ؟؟
إنني لا أريد الزواج من سامر ...
أيفجعك ذلك ؟؟
إنني أريد أن استعيد وليد ...
أيذهلك ذلك ؟؟
إنني أريد أن تعود أمي للحياة ...
أيقتلك ذلك ؟؟
إنني أموت ببطء يا والدتي ...
أيرضيك ذلك ؟؟
أموت و أنا لم أحي َ بعد ...
لم أولد بعد !
أترين كل ذلك يا أمي ؟؟
" لا شيء أمي ... لا شيء ... "
برقت دموع في عيني والدتي لتأثرها بحالتي هذه ، و الدموع في عين أمي هي شيء لا أحتمله مطلقا... مطلقا
مسحت دموعي بسرعة و قلت :
" أمي ... لا شيء صدقيني ، أنا فقط متأثرة لسفركما ، فهي أول مرة في حياتي تبتعدان فيها عني ... لا أتصور حياتي بدونكما "
والدتي ضمتني إلى صدرها و قالت :
" ستعيشين حياتك بسعادة و راحة مرضية ... لا تقلقي ... فابني سيعتني بك جيدا كما نفعل نحن ... الله قسم هكذا "
رفعت رأسي و نظرت إليها بشيء من الحيرة ... فكلماتها بدت غامضة ، فقالت هي:
" و الآن عزيزتي ... ألن تأتي لمجالسة والدك ؟ إن هي إلا فترة قصيرة ثم نسافر ! "
أجبت بإذعان :
" بلى "
و استدركت :
" وليد معكم ؟؟ "
قالت :
" بالتأكيد ... "
طبعا هو معهم ! أين يمكن أن يكون ؟؟
أخذت حجابي و سرت نحو المرآة لارتدائه ، و هالني منظر عيني الحمراوين و جفوني المتورمة !
تركت الحجاب جانبا و مضيت لأغسل وجهي ...
عندما خرجت من دورة المياه وجدت أمي تنتظرني ...
قالت :
" هيا عزيزتي ... "
ارتديت حجابي على عجل و أقبلت نحوها ...
قالت :
" سيسير كل شيء على ما يرام ، و إن احتجت شيئا لا تترددي في طلبه من دانة أو وليد أو سامر ... سنبقى على اتصال دائم "
بعدها ذهبنا إلى غرفة المعيشة ...
كانوا جميعهم مندمجين في الأحاديث المختلفة ، و ما أن رأونا حتى قال سامر :
" تعالي رغد ! كنا نوصي الكبير و العروس بك خيرا ! "
والدي قال موجها حديثه إلي و هو يبتسم بابتهاج :
" أهلا بالعزيزة المدللة ! تعالي و اجلسي قرب أبيك ليرتوي منك قبل السفر "
سرت ُ كالآلة نحو المقعد الذي يجلس عليه أبي و جلست إلى جواره ، ففتح ذراعه و أحاطني بها ...
قال :
" ما بك صغيرتي ؟ على الوجبات لست معنا ، و في الجلسات لا تشركينا ! ألن تشتاقي لشيبتي هذه ؟؟ "
سامر ضحك ، و دانة نظرت إلى السقف باستنكار ... و أمي ابتسمت ، أما الكائن الأخير فلم ألتفت نحوه لأعرف ما فعل !
قلت :
" بلى ... كثيرا جدا ! خذاني معكما ! "
قال سامر مداعبا :
" و أنا أيضا ! "
قالت دانة :
" ماذا عنّي ؟؟ "
قلت :
" نتركك مع المغرور ! "
ضحك من ضحك ، أما صوت وليد ـ و الذي كان خفيفا و مع هذا تمكنت مجسات أذني من التقاطه ـ فجاء في الكلمتين التاليتين :
" تقصدينني أنا ؟؟ "
و أجبرني سؤاله على الالتفات إليه ...
لقد كان ينظر إلي بغرابة ...
لم أرد عليه ، بل التفت إلى أبي
و دانة تولت الإيضاح بنفسها إذ قالت :
" بل تقصد خطيبي ... فهي لا تطيقه و تنعته بالمغرور دوما "
الآن أنا التفت إلى دانة و قلت بصوت حاد :
" على الأقل ... خير من الكذابين "
بعض الصمت خيم علينا لبعض الوقت ...
و بعض الندم شعرت ُ به لبعض الوقت !
قال أبي :
" و من الكذابون بعد يا ترى ؟؟ "
قلت :
" بعض معارفي يا أبي ! لا يطاقون ! ... "
و الآن تكلم وليد و قال :
" المغرورون ، و الكذابون ، و الخونة كذلك ... كلهم لا يطاقون ! "
التفت إلى وليد و قلت :
" من تقصد ؟؟ "
قال :
" بعض معارفي يا ابنة عمي ... لا يطاقون ! "
بدا كل هذا سخف ! أليس كذلك ؟؟
قال سامر :
" دعونا من هذا ... و لنعد إلى موضوعنا .. لدينا عروسان ، بالتالي موكبا زفاف ... أبي و وليد ، من سيقود موكب من ؟؟ دعونا نحدد الآن "
قلت أنا بسرعة :
" أنا أريد أبي "
التفت سامر نحو دانة و قال :
" إذن أنت مع وليد "
دانة نظرت إلى وليد و قالت :
" إذن يجب أن تستأجر سيارة فخمة من أجلي ! أفخم من سيارة سامر ! "
والدتي ضحكت و قالت :
" يا لتفكيركن العجيب يا فتيات هذا الزمن ! "
قالت دانة :
" لن أقبل بسيارة قديمة كهذه ! "
و وجهت كلامها إلى وليد قائلة :
" لم لا تستبدل سيارتك يا وليد ؟؟ لقد عثى عليها الدهر ! "
قال وليد :
" سأفعل ... عندما تتحسن الأحوال ! "
الأحوال بالتأكيد يقصد بها الأحوال المادية !
و لكن هل ابن عمي هذا ضئيل المال ؟؟ ألم يذهب للدراسة في الخارج ؟ لا بد أن لديه شهادة عظيمة تمكنه من احتلال وظيفة مرموقة ... ذات دخل محترم !
مثل سامر !
لا أدري ما كان يقصد بتحسن الأحوال هذه !
وليد قال :
" أ لديك دراسة هذه الفترة ؟ "
طبعا كان يقصدني ! لكنني تظاهرت بأنني لم أنتبه !
لذا قال والدي :
" نعم لمدة خمسة أيام قبل إجازة العيد ... ، ستأخذها للجامعة خلال هذه الأيام "
قال وليد :
" حسنا ، أهناك أي تغيير في مواعيدك ؟؟ "
الكل ينظر إلي بانتظار جوابي !
قلت بنفور :
" لا ، و لكنني أفكر في عدم الذهاب هذه الأيام "
قال وليد :
" لم ؟؟ "
قلت باستياء :
" ليس من شأنك "
بعض الصمت سكن الغرفة تلاه صوت أبي :
" لم لا تودين الذهاب رغد ؟؟ "
قلت :
" لا أريد ترك دانة وحيدة معظم النهار "
دانة نظرت إلي بتشكك و قالت :
" لا تكترثي بشأني ! سأقضي الوقت في إعداد الطعام و العناية بالمنزل ! "
ثم أضافت بجرأة :
" و التنزه مع نوّار ! "
قالت أمي :
" على ذكر الطعام ... ماذا عن كعكتك يا دانة ؟؟ "
قامت دانة و قالت :
" آه نعم ... سأحضرها لكم الآن ... "
و ذهبت إلى المطبخ ، فقمت أنا و لحقت بها ...
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
عادت دانة و رغد بعد قليل تحملان الكعكة و كؤوس العصير ... و قامتا بتوزيعها علينا جميعا ...
الذي آلمني هو أنها ـ أي صغيرتي رغد ـ كانت تعاملني بنفور شديد ... حتى أنها حين جاء دوري لأخذ كأس عصيري لم تدع لي المجال لأخذه ، بل أمسكت هي به و وضعته على المنضدة الماثلة أمامي بسرعة كادت تدلق محتوياته فوقها !
كانت الكعكة لذيذة جدا ... قلت :
" ما ألذها ! سلمت يداك يا دانة ! أنت ماهرة "
قالت دانة بزهو :
" شكرا يا أخي ، سترى ! سأذيقك أصنافا لذيذة من الحلويات فأنا ماهرة في إعدادها ! "
قلت :
" عظيم ! فأنا أحب الحلويات ! "
و التفت نحو رغد و قلت :
" و أنت ؟؟ "
رغد رفعت بصرها عن قطعة الكعك التي بين يديها ببطء ، و نظرت إلي بنفاذ صبر و قالت :
" أنا لا أحب الحلويات "
قلت :
" أقصد ماذا ستذيقيننا من صنع يدك ؟؟"
لم يبد على رغد أنها تريد تباديل الأحاديث معي ... قالت بضجر :
" لا شيء ... "
قالت دانة :
" إنها كسولة ! لا تحب الطهو و لا تجيده ! لا أعرف كيف ستتولى مسؤولية بيتها المستقبلي ! مسكين سامر ! "
ضحك سامر و قال :
" سأعود لأمي كلما قرصني الجوع ! "
و أخذ الجميع يضحكون عدانا أنا و هي ...
قالت دانة و هي تضحك :
" أو صبّر معدتك بالبطاطا المقلية المقرمشة ! "
و استمروا في الضحك بمرح ...
رغد وقفت الآن بغضب و قالت :
" أنتم تسخرون مني "
الجميع توقف عن الضحك ، و نظروا إليها باهتمام ... كانت منفعلة ...
قال سامر :
" لا عزيزتي نحن نمزح فقط ! "
قالت :
" بل تسخرون مني "
و توجم وجهها بما يوحي بدموع على وشك الانهمار ...
وقفت أنا و قلت :
" معذرة ... صغيرتي "
التفتت رغد نحوي بعصبية و قالت بحدة :
" أنت أسكت ... آخر من يُسمح له بالكلام "
صعقت بهذا الرد الجارح و علاني الصمت العميق ...
الجو صار مشحونا بتيارات متعارضة متضاربة ، و النظرات أخذت تصطدم ببعضها محدثا فرقعة !
و الآن ؟؟
خرجت رغد مسرعة من الغرفة في غضب و استياء ...
بقينا بعد خروجها بعض الوقت صامتين منصتين لفرقعة نظراتنا الحائرة !
وقف سامر هاما باللحاق بها ، ألا أن أمي طلبت منه أن يلتزم مكانه ...
" دعوها فهي اليوم في مزاج شديد التعكر "
قالت هذا أمي ، فعقبت دانة :
" اليوم فقط ؟؟ بل كل يوم ! لا أدري ما ذا جرى لهذه الفتاة مؤخرا ! "
كنت أنا لا أزال واقفا أنظر ناحية الباب ...
قالت أمي :
" اجلس بني ! "
فجلست على طرف المعقد مشدود العضلات ... على أهبة النهوض !
تنهد أبي و قال أبي :
" أمرها يقلقني "
قالت أمي :
" و أنا كذلك ، لست ُ مطمئنة للسفر و تركها ! "
قالت دانة :
" خذاها معكما ! أنا لا أطيق تصرفاتها هذه ! "
أبي التفت إلي و قال :
" احرص في التعامل معها ... كن حليما ... "
قالت دانة :
" إنها لا تزال غاضبة منك ! كان الله في عونك على مراسها هذا ! "
بعد قليل آن أوان مغادرة والدي و سامر ، الذي سينقلهما إلى المطار ثم يذهب إلى شقته في المدينة الأخرى ...
أخذت أحمل الحقائب و أنقلها إلى سيارة أخي ، و عندما انتهيت من وضع الحقيبة الأخيرة و دخلت المنزل وجدت والدتي تقف عند الباب الداخلي ...
قالت :
" أعطاك الله العافية يا بني "
" عافاك الله أماه "
هممت بالدخول إلا أن أمي أمسكت بذراعي و استوقفتني ...
" وليد "
نظرت إليها بحيرة ... قلت :
" نعم أمي ؟؟ "
أمي تحدثت بصوت منخفض ، و بنبرة جدية ... و تعبيرات قلقة ، قالت :
" انتبه لرغد جيدا يا بني "
تعجبت ! قلت :
" بالطبع أمي ! "
أمي بدا المزيد من القلق جليا على وجهها و قالت :
" كنا سنؤجل حجنا للعام التالي لكن ... كتبه الله لنا هذا العام ... هكذا قضت الظروف يا بني "
و هذا زادني حيرة !
قالت :
" لو أن الظروف سارت على غير ذلك ... لكانت الأوضاع مختلفة الآن ... لكنه قضاء الله يا ولدي ... سأدعوه في بيته العظيم بأن يعوّضك خيرا مما فاتك ...
فلنحمده على ما قسم و أعطى "
قلت :
" الـ ... حمد لله على كل شيء ... أمي أنت ِ تلمحين لشيء معين ؟؟ "
قالت :
" لم تتغير هي عمّا تركتها عليه قبل سنين ... كما لم تتغير أنت ... "
ثم أضافت :
" إلا أن الظروف هي التي تغيرت ... و أصبح لكل منكما طريقه ... "
توهج وجهي منفعلا مع كلمات أمي و الحقيقة الصارخة أمامي ...
لم أستطع البنس ببنت شفة أمام نظرات أمي التي كشفت بواطن نفسي ...
قالت :
" اعتن بها كما يعتني أي شقيق بشقيقته ... كما تعتني بدانة ، و ادع معي الله أن يسعدهم هم الثلاثة ، و أنت معهم "
في هذه اللحظة فتح الباب و ظهر بقية أفراد عائلتي بما فيهم رغد ، و خرجوا واحدا تلو الآخر ... و اجتمعنا قرب بعضنا البعض في وداع مؤلم جدا ...
بالنسبة لي ، فقد اعتدت فراق أحبتي و جمدت عيناي عن أي دموع
أما البقية فقد كانت الدموع تغرق مشاعرهم ...
كلمات أمي ...
و كلمات أبي كذلك
و توصيتهما الشديدة على الفتاتين
و خصوصا رغد ، جعلتني أشعر بالخوف ...
فهل أنا أهل لتحمل مسؤولية هذا البيت و من به في حين غياب والدي ّ ؟؟
و هل هي مسؤولية خطرة تقتضي منهما كل هذه التوصيات و التنبيهات ؟؟
خرج الثلاثة ، فعدنا نحن الثلاثة إلى الداخل ... و قضيت وقتا لا بأس أراقب دموع الفتاتين ...
كنا نجلس في غرفة المعيشة ... و الحزن يخيم على الأجواء فشعرت بالضيق
قمت بتشغيل التلفاز فرأيت مشهدا مريعا لآثار قصف تعرضت له إحدى المدن هذا اليوم ... فزاد ذلك ضيقي ...
كم كنت مرتاحا هانئا في مزرعة نديم !
ليتني أعود إلى هناك !
قلت ـ في محاولة لتغيير الأجواء و طرد الكآبة ـ
" ما رأيكما بالذهاب في نزهة بالسيارة ؟؟ "
دانة تفهمت و قدّرت الأمر ، فقالت :
" نعم يا ليت ! هيا بنا "
نظرت إلى رغد أنتظر جوابها ، لكنها ظلت صامتة ...
قلت :
" ما رأيك ؟ "
قالت بصوت حاد و نبرة جافة مزعجة :
" لا أريد الذهاب لأي مكان "
دانة قالت :
" إذن سنذهب و أنت ابقي هنا "
رغد بسرعة التفتت إلى دانة و قالت :
" تتركاني وحدي ؟؟ "
قالت دانة :
" ما نصنع معك ؟؟ أنا بحاجة لبعض الهواء المنعش ... أما أن تأتي معنا أو ابقي مخنوقة وحدك "
وقفت رغد منفعلة و قالت :
" كان علي ّ أن أذهب معهما ... كم كنت غبية ... ليتني ألحق بهما الآن "
وقفت أنا و حاولت تهدئة الوضع فقلت :
" لا بأس ... سنؤجل نزهتنا لوقت لاحق ... لا تنزعجي هكذا صغيرتي "
رغد التفتت نحوي بعصبية و قالت صارخة :
" لا شأن لك أنت بي ... مفهوم ؟؟ لا تظن أنك أصبحت مسؤولا عني ... لا تزعج نفسك في تمثيل دور المعتني فهذا لم يعد يناسبك ... يا كذّاب "
اللهم استعنا بك على الشقاء !
ذهبت الصغيرة الغاضبة إلى غرفتها ... و بقيت مع دانة التي بدت مستاءة جدا من تصرف رغد ... اقترحت عليها بعد ذلك الجلوس في الفناء الخارجي فرحبت بالفكرة
خرجنا معا و جلسنا على المقاعد القريبة من الشجرة ... و بدأنا نتحدث عن أمور شتى ...
أخبرت دانة عن مزرعة صديق لي قمت بزيارتها مؤخرا و أعجبتني ... و عن متفرقات من حياتي ... ألا أنني لم أشر إلى السجن ، و لا ما يتعلق به ...
شقيقتي بدت متلهفة لمعرفة كل شيء عني ! و كأنها اكتشفت فجأة أن لديها شقيق يستحق الاهتمام و الفخر !
اعتقد أنها كانت تنظر إلي بإعجاب و فخر بالفعل !
بعد مدة حضرت رغد ...
كانت عيناها حمراوين ...
قالت :
" دانة ، مكالمة لك "
أجابت دانة :
" من ؟؟ "
قالت رغد :
" من غيره ؟ خطيبك المبجل "
دانة نهضت بسرور و استأذنت للدخول ...
و لحقت بها رغد بعد ثوان ، و بقيت وحيدا إلى أن سمعت ُ الآذان يرفع ...
دخلت ُ بعدها و استعددت للخروج لتأدية الصلاة في المسجد المجاور . كانت دانة في غرفتها أما رغد فأظنها في غرفة المعيشة !
خرجت إلى الفناء و فيما أنا أعبره نحو البوابة الخارجية سمعت صوت نافذة يفتح و نداء باسمي
" وليد "
التفت نحو الصوت فإذا بها رغد تطل من النافذة المشرفة على الفناء و تقول :
" إلى أين تذهب ؟؟ "
قلت :
" إلى المسجد "
قالت :
" ستتركنا وحدنا ؟؟ "
حرت في أمري !
قلت :
" هل هناك مشكلة ؟؟ سأصلي و أعود فورا ... تعالي و أوصدي البابين ... "
وافتني بعد قليل و وقفت عند البوابة و بيدها المفتاح .
قالت :
" لا تتأخر "
قلت :
" حسنا "
و عندما عدت بعد أداء الصلاة كانت هي من فتح الباب لي ...
قدّمت لي مفتاحين و قالت :
" هذا لبوابة السور و هذا للباب الداخلي ، احتفظ بهما "
" شكرا لك "
تولت رغد قاصدة دخول المنزل فناديتها
" رغد "
التفتت إلي ، و قالت بنفس ضائقة :
" نعم ؟؟ "
قلت :
" أما زلت ِ غاضبة مني ؟؟ كيف لي أن أكسب عفوك ؟؟ "
قالت :
" لا يفرق الأمر معي شيئا "
و همّت بالانصراف ، قلت :
" لكنه يفرق معي كثيرا "
توقفت و قالت :
" حقا ؟؟ "
" نعم بالتأكيد ... "
" هذا شأنك ... لا دخل لي به "
و انصرفت ...
الواضح أنني سألاقي وقتا عصيبا ... كان الله في عوني ...
بعد ساعات ، أعدت دانة مائدة العشاء و لم تشاركنا رغد فيه ... لقد مضت الليلة الأولى من ليالي تولي ّ مسؤولية هذا المنزل على هذه الحال ..
في الصباح التالي كنت أجلس مع دانة في المطبخ ، و رغد على ما يبدو لا تزال نائمة ...
قلت :
" أخبريني دانة ... كيف أقدم المساعدة ؟؟ فأنا أجهل الأمور المنزلية ! "
ضحكت دانة و قالت :
" لا تهتم ! أنا أستطيع تولي الأمور وحدي ! "
" أرغب في المساعدة فأنا بلا شاغل ! أخبريني فقط بما علي فعله ! "
و باشرت المساعدة في أعمال المنزل !
ليس الأمر سيئا كما قد يظنه البعض ، كما أنه ليس من تخصص النساء فقط !
كنت أرتب الأواني في أرففها الخاصة حين دخلت رغد إلى المطبخ ...
كانت دانة آنذاك تفتش في محتويات الثلاجة ...
قالت رغد :
" صباح الخير "
التفتنا لها و رددنا التحية . الحمد لله ، تبدو أكثر هدوءا هذا الصباح !
قالت دانة :
" تناولنا فطورنا قبلك ! "
قالت رغد :
" غير مهم "
قالت دانة و هي لا تزال تقلب بصرها في محتويات الثلاجة :
" إنني حائرة ما أطهو للغذاء اليوم !؟ ماذا تودان ؟؟ "
و نظرت باتجاهي ، فقلت :
" أي شيء ! كما يحلو لك "
ثم نظرت باتجاه رغد و سألتها :
" ما ذا تقترحين ؟؟ "
قالت رغد :
" لا شيء "
" لا شيء ؟؟ "
" لا تعملي لي حسابا فأنا حين أرغب بشيء سأصنعه بنفسي "
قالت دانة بعد تنهد :
" أما زلت ِ على ذلك ! أف ٍ منك ! "
رغد انسحبت فورا من المطبخ ...
وضعت أنا الأواني في أماكنها و قلت لدانة :
" دانة ... لا تكوني فظة معها ! "
" أنا يا وليد ؟؟ ألا ترى كيف ترد علي بنفس مشمئزة ؟؟ "
" لكن .. أرجوك لا تعامليها بخشونة .. لحين عودة والدي ّ .. "
" لا تقلق . لن أتعمد إزعاجها .. تصرّف أنت معها "
مضت ساعات و الفتاة حبيسة غرفتها ... الأمر ضايقني كثيرا ... و قبل ذهابي لتأدية صلاة الظهر في المسجد طلبت من دانة أن تذهب لتفقدها ، و عندما عادت سألتها عنها فقالت :
" لم تفتح لي الباب ! عنيدة ! "
الأمر زاد من قلقي و خوفي ... و بعدما عدت ، سألتها عنها فكررت الإجابة ذاتها ...
" حسنا ... سوف ... سوف أحاول التحدث معها ... أيمكنني ذلك ؟؟ "
" حاول وليد !علك تحرز نجاحا ! "
ذهبت بعد تردد ، و طرقت باب غرفتها ...
" هذا أنا وليد "
لم ترد علي ... شعرت بخوف ... فعدت أطرق الباب طرقا أقوى و أنادي :
" رغد ... صغيرتي هل أنت بخير ؟؟ "
و لما لم تجب أصابني الجنون ... ماذا لو أن مكروها قد حل بها و نحن لا نعلم ؟؟
طرقته الآن بقوة و عصبية ...
" رغد افتحي الباب أرجوك ... "
كدت أفقد السيطرة على نفسي لو لم ينفتح الباب في اللحظة الأخيرة !
ظهرت رغد ... و راعني المظهر الذي كانت عليه ...
كيف لي أن أتحمل رؤية ذلك ؟؟
صغيرتي أنا ... مدللتي الغالية ... تتبعثر دموعها الغالية سدى لتشربها المناديل ... و ينتهي مصيرها إلى سلة المهملات ؟؟
" ماذا تريد ؟ "
قالت بصوت حزين مخنوق ... التف حول عنقي أنا و خنقني حتى الموت ...
قلت :
" ما بك صغيرتي ؟؟ "
قالت و تعبيرات وجهها تزداد حزنا و كآبة :
" ماذا تريد قل لي ؟؟ "
قلت :
" صغيرتي ... أريد أن تتوقفي عن البكاء و الحزن أرجوك ... أنا قلق عليك "
قالت :
" قلق علي ؟ "
" نعم يا رغد ... "
" و لم ؟ هل يهمك أمري ؟؟ "
" و هل هذا سؤال ؟ طبعا يهمني ! لم أنا هنا الآن ؟؟ "
" لأن والدي طلب منك ذلك ، و وجدت نفسك مضطرا للحضور . لم تكن لتحضر لأجل أحد ... خصوصا فتاة غبية تصدّق قسم الكذّابين و تُستغفل بعلبة بوضا يشتريه لها رجل مثلك ليلهيها بها قبل الرحيل "
صعقت لسماعي كلماتها ...
قفزت الدموع من عينيها قفزا و قالت و هي آخذه في البكاء بانفعال :
" تسخر مني ؟؟ أتظنني تلك الطفلة اليتيمة الوحيدة التي تخليت عنها قبل سنين و هي في أحوج الأوقات إليك ؟؟ "
" رغد "
" أسكت ... ! "
صمت ، و أنا في قلبي صرخة لو أطلقتها لحطمت زجاج المنزل ...
" لا تدعي القلق علي يا كذاّب ... لا أريدك أن تعتني بي ... فلدي خطيب يهتم لأمري و يحرص علي ... أفضل منك .... أليس هذا هو كلامك ؟ يا ابن عمّي الكذّاب ؟؟ "
لا إراديا رفعت يدي و ضربت الباب بقوة و انفعال من فرط الغضب ...
عندها ، توقفت رغد عن الكلام و عن البكاء أيضا ... و نظرت إلي بفزع ...
كانت النار تتأجج في صدري و لو لم أمسك أعصابي ، لكنت أحرقت المنزل بمن فيه
قلت بعصبية لم أملك إخفاءها :
" لا تتحدثي معي بهذه الطريقة ثانية يا رغد ... فهمت ؟؟ "
رغد كانت تبدو مذعورة و تنظر إلي بدهشة ...
قلت :
" إنك لا تعرفين شيئا ... لا تقلبي علي ّ المواجع و دعي هذه الأيام تمر بسلام ... أتسمعين ؟؟ "
و أوليتها ظهري و انصرفت عنها ...
جلست في الردهة ... و جلست معي و تحديدا في رأسي كلمات رغد الأخيرة ...
( لدي خطيب يهتم لأمري و يحرص علي أفضل منك )
تبا لك يا سامر !
بعد نصف ساعة رأيت رغد تعبر الردهة ... في طريقها إلى المطبخ ...
ألقت علي ّ نظرة غريبة ، ثم تابعت سيرها ...
لحقت بها أنا بعد قليل ، فرأيتها تقشر البطاطا و تقطعها ... كانت دانة قد انتهت من إعداد المائدة ...
قالت :
" الغذاء جاهز ... تفضل وليد "
رافقت دانة و أنا أسير ببطء و تردد ... إلى غرفة المائدة حيث الوجبة اللذيذة التي أعدتها ...
" قل لي ما رأيك ؟؟ "
" أنت ماهرة يا دانة ! محظوظ هو نوّار ! "
ابتسمت بخجل و قالت :
" شكرا لك ... "
ثم قالت :
" على فكرة دعاني للعشاء في مطعم هذه الليلة ! "
" جميل ! "
ثم استدركت و قلت :
" ماذا قلت ؟؟ للعشاء في مطعم ؟؟ "
" نعم "
" و ... نحن ؟؟ "
قالت :
" هل تودان مرافقتنا ؟؟ "
ابتسمت و قلت :
" لا ، لا أقصد .. لكن .. "
" آه فهمت ! لا تقلق ! سأعد لكما طعاما قبل انصرافي ! "
" أوه لم أقصد هذا دانة ! إن ذهبت ستبقى رغد وحدها ! "
دانه رفعت نظرها نحو السقف لتفكر ، ثم قالت :
" لكن غدا السبت و سوف تنام مبكرة ! أنت من ستظل وحيدا ! "
" لا يفرق الأمر معي كثيرا ... "
فلطالما عشت وحيدا ... لا تشاركني أيامي سوى الهموم و الذكريات ...
" فيم شردت أخي ؟ "
سألتني دانة حين رأتني سارحا ... قلت :
" دانة ... اذهبي و استدعي رغد لتجلس معنا "
" لن تفعل ! أعرفها ! "
" إذن ... دعينا نذهب نحن إليها ! "
و قرنت القول بالعمل !
رفعت الطبق الرئيسي و حملته إلى المطبخ ، و وضعته وسط الطاولة ... بينما رغد تجلس على أحد المقاعد و تأكل أصابع البطاطا من طبق أمامها
حين رأتني نظرت إلي بدهشة ، فقلت :
" أنا أيضا أحب البطاطا المقلية ! هل لي بمشاركتك ؟؟ "
و للمرة الأولى منذ عودتي للمنزل أرى ابتسامة على وجهها ـ و إن كانت ابتسامة سطحية ...
جلست على أحد المقاعد ، فقرّبت هي طبق البطاطا مني و تناولت بعضها ...
أقبلت دانة تحمل بقية الأطباق و ترتبها أمامنا واحدا بعد الآخر ...
صحيح أن رغد لم تشاركنا طعامنا و لا حتى الحديث ألا أنها على الأقل شاركتنا المائدة ، و التنظيف أيضا !
بعد عدة ساعات حضر نوّار و جالسته بعض الوقت قبل أن يخرج هو و دانه للاستمتاع بسهرة خاصة ...
نوّار شخص مغرور بالفعل و اتفق مع رغد في حكمها عليه !
بعدما خرجت دانة أدركت أنني أصبحت في البيت منفردا مع رغد !
هي كانت تجلس في غرفتها منذ ساعات ، و أنا أتجول في المنزل بملل لا أجد ما أفعله ... !
رن الهاتف فأسرعت إليه ... لأشغل نفسي به ... كنت انتظر اتصالا من والدي لكن الذي اتصل هو آخر شخص كنت أود سماع صوته ... أخي سامر !
سأل عن أحوالنا و ما إلى ذلك ، ثم طلب مني أن استدعي رغد ...
ألكم أن تتصوروا ذلك ؟؟
أستدعي رغد لكي يتبادل الأحاديث معها هو ...
رغد لم تكن تملك هاتفا في غرفتها لذلك حين أخبرتها أتت معي و جلست في نفس الغرفة تتحدث معه !
في وضع كهذا ، فإنه لمن اللياقة و الذوق أن أنصرف ... لكنني لم أرغب في الانصراف ...
بل على العكس ... استرققت السمع عمدا لأعرف ما يدور بينهما من أحاديث ...
" ذهبت مع خطيبها و تركتني وحدي ! لكنني كنت أدرس ، و بعد قليل سآوي للنوم ... لا تقلق علي عزيزي "
عزيزي ؟؟
عزيزي ؟؟
لا يمكنني تحمل المزيد ... ألقيت بالصحيفة التي كنت أتظاهر بقراءتها و نهضت مستاءً و ذهبت إلى غرفة سامر ، و ذرعتها جيئة و ذهابا حتى صدّعت أرضها !
تناولت إحدى السجائر ـ و التي كنت على وشك الإقلاع عنها ـ و خرجت من الغرفة ، و من المنزل ، إلى الفناء الخارجي رغبة في التدخين ...
إلى أن تنتهي الأيام المتبقية لي في هذا المنزل فإنني بالتأكيد سأتدهور و أعود إلى الصفر ...
سمعت الباب يفتح بعد خروجي ببرهة ... و أتت رغد
" إلى أين تذهب ؟؟ "
التفت إليها و قلت :
" ليس لأي مكان ... سأدخن هنا فقط "
قالت :
" لا تخرج وليد ، أنا وحدي "
وحدك ؟ أليس ( عزيزك ) معك ؟؟ عودي إليه !
" أعرف "
توقعت بعد ذلك أن تعود للداخل لإتمام مكالمتها ، لكنها على العكس من ذلك خرجت و وقفت قرب الباب ... تراقبني !
قالت :
" يجب أن أخلد للنوم الآن ... أغادر عند السابعة و النصف صباحا "
" حسنا . اطمئني ، سأنهض في الوقت المناسب "
صمتت قليلا ، ثم قالت :
" ألن تنام الآن ؟؟ "
" لا ! لا يزال الوقت مبكرا بالنسبة لي ، كما و أنني سأنتظر دانة ... اذهبي أنت "
و ظلت واقفة مكانها ...
و حين رأت علامات التعجب فوق رأسي قالت :
" ألن تأتي معي ؟؟ "
" إلى أين ؟؟ "
" إلى الداخل "
" سأبقى هنا لبعض الوقت ! "
و لم أر منها أي بادرة تشير إلى أنها تعتزم الدخول !
" ما المشكلة ؟؟ "
" لا تخرج وليد رجاء ً "
" لا أنوي الخروج أبدا ... "
" إذن أدخل "
يا لهذه الفتاة ! ألم تعد تصدقني أبدا ؟؟ أم تظن أنني سأرحل و أتركها و دانة هكذا ؟؟
تخلصت من سيجارتي ، و دخلت معها . هي ذهبت للنوم و أنا بقيت أشاهد التلفاز لساعتين ، حتى عادت دانة من سهرتها !
" وليد سأذهب و نوّار غدا لشراء بعض حاجيات منزلنا عصرا و قد أغيب حتى الليل "
" و رغد ؟؟ تتركينها وحدها ؟؟ "
" لا ! أتركها معك ! "
في صباح اليوم التالي نهضت باكرا و استعددت لمرافقة رغد إلى الجامعة ...
كنت في المطبخ و قد أعددت بعض الشاي و جعلت أحتسيه ببطء .. و أراقب عقربي الساعة اللذين يقتربان من السابعة و النصف ...
و أخيرا ظهرت رغد !
أهناك أجمل من أن تستقبل صباحك برؤية وجوه من تحب ؟؟
قلت :
" صباح الخير ... صغيرتي "
ردت بشيء من الخجل ... !
قلت :
" أأ ... أ نذهب الآن أم .. ترغبين بتناول الفطور ؟؟ "
نظرت رغد نحو إبريق الشاي الذي أعددته ، و قالت :
" هل من مزيد ؟؟ "
قلت متوترا :
" نعم ، أعتقد ، أجل ... تفضلي "
و أنا في خشية من ألا يعجبها طعم الشاي البسيط الذي أعددته !
سكبت لها قليلا منه في أحد الأكواب و رشفت منه قليلا
لم يظهر على وجهها أي استياء
الحمد لله ! فشايي مقبول الطعم !
و بعدها شربت المقدار كاملا ، ثم غادرنا المنزل
الجو كان منعشا جدا و من خلال نوافذ السيارة النصف مفتوحة تتسلل تيارات الهواء الباردة عابثة بشعري !
رغد كانت تجلس خلفي ملتزمة الصمت ... و رغم برودة الجو ، ألا أن مجرد وجودها في الصورة يكفي لجعل الحريق ينشب في داخلي ....
في عصر ذلك اليوم و بعدما خرجت دانة مع خطيبها بقينا وحدنا في المنزل ، هي في غرفتها كالعادة ، و أنا لا أجد ما أفعله !
شعرت بملل شديد و أجريت عدة مكالمات مع بعض معارفي من أجل تمضية الوقت ألا أن الساعات مرت بطيئة جدا ...
لم لا أخرج في نزهة بسيطة ... و آخذها معي ؟؟
أتراها ترحب بذلك ؟؟
أ أكون مجنونا إن طلبت ُ هذا ؟؟
لم لا أجرّب ؟!
ذهبت إلى غرفتها و طرقت الباب ، و بعد قليل فتحته ...
" هل أنت مشغولة ؟؟ "
" أهناك شيء ؟؟ "
" كنت ... أرغب بالخروج للتنزه لبعض الوقت و شراء بعض الحاجيات "
و بدا على وجهها الاعتراض و قالت بسرعة :
" و تتركني وحدي ؟؟ "
قلت :
" لا ، لا ... أصطحبك معي ... إن كنت لا تمانعين ؟ "
ترددت رغد قليلا ثم قالت :
" حسنا و لكن لفترة قصيرة فأنا أريد أن أذاكر "
" نعم ، لساعة لا أكثر "
و خرجنا معا ...
حينما مررت قرب إحدى الصيدليات أوقفت سيارتي و هممت بالنزول قائلا :
" سأشتري بعض الأشياء و أعود سريعا "
رغد فتحت الباب مباشرة و هي تقول :
" سآتي معك "
قلت :
" لن أتأخر ! "
قالت :
" ليكن ، سآتي معك "
كنت أنوي شراء ما نفذ من أدويتي ، و بعض الأشياء الأخرى ...
تجولت بالسيارة على الشوارع الداخلية للمدينة ... و مررنا بعدة محلات و متاجر ...
سألتها بعد ذلك عما إذا كانت ترغب في شراء أي شيء ، أجابت بالنفي ، قلت :
" و لا حتى ... بعض البوضا ؟؟ "
قالت :
" البوضا ثانية ؟؟ لم ؟ هل قررت الرحيل هذه الليلة ؟؟ "
انزعجت من كلامها فقلت :
" و هل أنا مجنون لأرحل و أترككما وحدكما ؟؟ "
قالت :
" لا ... لست مجنونا "
ثم أضافت :
" إنما كذاّب "
عند هذه اللحظة قررت إنهاء جولتنا القصيرة ، و عدت إلى البيت .
لم أنطق بكلمة بعد ، و دخلنا المنزل و ذهبت هي مباشرة إلى غرفتها و بقيت أنا في الردهة ، أكثر ضيقا مما كنت عليه قبل خروجي ...
لماذا لا تتوقف عن نعتي بهذا ؟؟
ألا تدرك أنها تجرحني ؟؟
يجب أن أضع نهاية لهذا الموقف ...
فيما بعد ... ذهبت لأسألها عما إذا كانت ترغب في أن نحضر عشاء ً من أحد المطاعم ، بما أن دانة ستتناول عشاءها مع خطيبها ...
كان باب الغرفة مفتوحا و كانت هي تستعرض بعض لوحاتها ...
" أيمكنني أن أتفرج عليها ؟؟ "
" حسنا ... هذه الجديدة "
كانت الرسومات جميلة و متقنة ... و فيما أنا أتفرج عليها واحدة تلو الأخرى رأيت شيئا أذهلني !
أتذكرون صورتي التي رسمتها رغد في السابق ! كانت ضمن المجموعة ... إلا أن شيئا قد تغير !
كانت العينان حمراوين !
عندما وقعت يدي و عيني على هذه الصورة ، أسرعت رغد بسحبها مني !
قلت :
" دعيني أرى ! "
قالت بارتباك :
" هذه لا ! "
قلت :
" ماذا فعلت ِ بعيني ّ ؟؟ "
قالت :
" لا شيء ! "
" لكن لم طليتهما باللون الأحمر ؟ "
نظرت نحوي بحدة و قالت :
" هكذا هي عيون الكذابين "
اشتططت غضبا و رميت ببقية اللوحات على المكتب و خرجت من الغرفة ...
و نسيت أمر العشاء و كل أمور الدنيا عدا موقف رغد المزعج مني ...
و من حينها بدأت أعاملها بالمثل ... ببعض الجفاء .
توالت الأيام ، و الأجواء بيننا متنافرة ، أقوم بواجباتي بمصمت و لا أتبادل أحاديث تذكر معها ... حتى أقبل يوم الأربعاء ، و هو اليوم الذي يأتي سامر فيه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معنا ...
مع اقتراب موعد حضوره تعمدت ملازمة الغرفة فأنا لا أريد أن أشهد استقبالا حميما من النوع الذي يقرح المعدة ... بين الخطيبين ....
و أول حديث دار بينه و بيني :
" ألا يمكنك أخذ إجازة من الآن يا سامر ؟ "
" لا أستطيع ! و لكن ... هل واجهت أي مشاكل ؟؟ "
" لا ، غير أنني سئمت و أود المغادرة ! "
و انتهزت فرصة تواجد سامر و قضيت معظم الوقت خارج المنزل ...
ليس لأنني أرغب في الترويح عن نفسي بل لأنني لا أرغب في التواجد في مكان يجمعهما ...
و مهما توهمت أنها عادت لي ، في النهاية ... استيقظ على الواقع المر ... أنها أصبحت له .
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
أخبرني سامر بأن وليد أبلغه عن سأمه من رعايتنا أنا و أختي دانة !
الأمر أزعجني كثيرا ... رغم أنني أعرف أنه لا يهتم بنا .. أو على الأقل لا يهتم بي .
لم تكن بالفترة الهينة تلك التي قضيتُها مع وليد تحت سقف واحد !
كنت أجبر نفسي على التظاهر بالاستياء و الانزعاج منه لأكتم حقيقة تصرخ في داخلي ... أنا سعيدة بوجوده و أكاد أطير فرحا ...
و فرحتي هذه تنتهي في الليل ببحر من الدموع و الآهات ، للمصير الذي ينتظرني
ليت أحدا يشعر بي !
ليت أحدا ينقذني !
سامر كانت يتحدث معي بلهفة و شوق ... و كلما رأيت منه هذه المشاعر كرهت نفسي و كرهت الدنيا أكثر فأكثر ...
لم يكن لدي سوى نهلة أبثها همومي ...
و سأدعوها الليلة لقضاء بعض الوقت معي بعد أن يغادر سامر
وليد كان قد خرج منذ الصباح و لم يعد حتى الآن !
إنها الرابعة عصرا و سامر يريد الذهاب ...
ألهذا الحد هو ـ أي وليد ـ متضايق من وجوده معنا و لم يصدق أن جاء سامر ليخرج دون عودة !
" تأخر وليد ! سأتصل به "
قال سامر ، فعقبت :
" ربما رحل ! "
نظر إلى سامر باستغراب و قال :
" رحل ! مستحيل طبعا ! كيف يرحل هكذا ؟؟ "
قلت :
" إنه يرحل هكذا دون مقدمات ! أم نسيت ذلك ؟؟ "
" لكن الآن مستحيل "
و ذهب للاتصال به .
عندما فرغ من مكالمته قال :
" إنه في طريقه إلى هنا "
و شعرت بالاطمئنان ...
قلت ُ :
" متى ينقضي هذا الأسبوع ... "
كنت أعني أن تعود أمي و يعود أبي ، و تعود الأمور إلى أماكنها ، إلا أن سامر فهم حسب مزاجه !
ابتسم ابتسامة لطيفة و أمسك بيدي و قال بصوت حنون :
" أنا أيضا أنتظر على نار ! متى يا رغد ! متى ينقضي ! "
و لم ينقذني من نظراته تلك غير رنين الهاتف ...
أسرعت إليه و كان والدي على الطرف الآخر ...
كان والداي يتصلان من حين لآخر خلال الأيام المنصرمة ، و هذه المرة تعمدت الإطالة في الحديث معهما و استدعيت دانة من أجل وضع حواجز بيني و بين نظرات سامر ...
أنا لم أعد أحتمل ... ليتني أستطيع قول شيء ... سامر ... سامحني ... لكني لا أحبك ... و لا أريد الزواج منك ! ألا تلاحظ ذلك ؟؟
بعد قليل وصل وليد ...
قال سامر ممازحا :
" ما هذا يا رجل ! أخبرني أين كنت تتسكع كل هذه الساعات !؟ "
وليد لم يبد عليه أي علامات المرح ! بل كان عابسا !
قال سامر :
" علي ّ أن أذهب الآن ... "
ثم أضاف و هو ينقل بصره بيني و بين دانة :
" اعتني بشقيقتي و عروسي جيدا ! "
قال وليد بنبرة حادة تنم عن الاستياء :
" لست ُ بحاجة لتوصية ، ماذا تظنني كنت ُ أفعل ؟ أتركهما و أتسكع في الشوارع ؟؟ "
فوجئنا أنا و سامر و دانة بالنبرة الغريبة التي تحدث بها وليد ، و كلماته الجدية القوية !
سامر قال :
" كنت أمزح يا رجل ما بك ! ؟؟ "
لم يرد وليد ... بل جلس على المقعد ، و نزع ساعته و أخرج هاتفه المحمول و محفظته و مفاتيحه من جيبه و وضعها جميعا على المنضدة و أسند رأسه إلى المسند بشكل يفهم الناظر إليه بأنه مستاء جدا ...
تبادلنا نحن الثلاثة النظرات ... المتعجبة
قال سامر :
" ما بك وليد ؟؟ "
" لا شيء "
" تبدو مستاء ً ... هل حدث شيء ما ؟؟ "
" قلت ُ لك لا شيء ! ألا تسمع ؟؟ "
صمت الاثنان قليلا ، ثم قال سامر :
" إن كان البقاء هنا يزعجك لهذا الحد ... "
و لم يتم إذ أن وليد قال مقاطعا :
" أنا هنا الآن ... انصرف مطمئنا على عروسك و أختها ... إن هي إلا أيام فقط و ينتهي كل شيء "
لم يجرؤ أحدنا على النطق بكلمة بعد ...
رافقنا سامر إلى البوابة الخارجية و قبل انصرافه قال :
" هل هناك شيء ؟؟ هل هو عصبي هكذا معكما ؟؟ "
دانة قالت :
" لا مطلقا ! على العكس تماما ، لكن ... اعتقد أن شيئا ما حدث معه و هو في الخارج ! "
عندما عدنا للداخل ، وجدنا وليد و قد اضطجع على المقعد و غطى عينيه المغمضتين بذراعه ...
شعرت ُ بالقلق الشديد عليه ... إذ يبدو من تصرفه و منظره الآن أن شيئا ما قد ضايقه كثيرا ... فهل هو مستاء من البقاء معنا ؟؟
قالت لي دانة :
" سيمر نوّار لاصطحابي إلى السوق بعد قليل "
" ماذا ؟؟ ستخرجين و تتركيني ؟؟ "
" ألن تأتي نهلة لزيارتك الليلة ؟؟ "
" بلى و لكن إلى ذلك الحين ، هل سأظل وحدي ؟؟ "
" وحدك ؟؟ و معك كل هذا ؟؟ "
و أشارت بيدها نحو وليد
قلت ُ بقلق :
" إنه يبدو مخيفا ! "
ضحكت دانة و قالت :
" حتى وليد !؟ أخشى أنك تشعرين بالخوف من زوجك أيضا ! "
و انصرفت إلى غرفتها تستعد للخروج ...
بقيت ُ أنا واقفة أراقب وليد الذي يبدو أنه نام !
خطوة خطوة ، بهدوء تام اقتربت ُ منه !
كان لدي فضول لألقي نظرة عن كثب على الأشياء التي وضعها على المنضدة !
يبدو شكل ميدالية المفاتيح جذابا ! مع أنه قديم !
مددت يدي بحذر حتى أمسكت ُ بالميدالية و حركتها ببطء فأصدرت صوتا خفيفا ، راقبت وليد بتمعن ، و لم ألحظ عليه أي حركة ...
الآن الميدالية في يدي ! ما أكثر المفاتيح !
و الآن ، هل أستطيع أن ألقي نظرة على الهاتف أيضا ؟؟ إنه من طراز مختلف عن هاتفي سامر و أبي !
مددت يدي نحو الهاتف و لم أكد ألمسه !
" ماذا تفعلين !؟ "
قال وليد فجأة وهو يزيح ذراعه عن عينيه و ينظر إلي !
جفلت ُ و أصبت ُ بالروع فانتفضت ُ فجأة !
وقعت المفاتيح من يدي على المنضدة
هم وليد بالجلوس و رأيت وجهه شديد الإحمرار و زخات من العرق تلمع على جبينه ...
شعرت ُ بارتباك ٍ شديد و قبل أن يستوي جالسا أطلقت ساقي للريح و فررت هاربة !
في غرفتي بعد ذلك تنفست الصعداء !
كم يبدو مخيفا هذا الرجل !
هل ظن أنني أحاول سرقته ؟؟
ما الذي دفع بي إلى حماقة كهذه !
عندما أخبرت ُ نهلة بالأمر لاحقا انفجرت ضاحكة
كنت قد اصطحبت ُ نهلة إلى غرفتي كالعادة ، و تركت وليد في البداية مع حسام ثم وحيدا بعد انصرافه
عادة ما تطول جلساتنا أنا و نهلة و بالتالي سيظل وليد وحيدا في المنزل ، و أخشى أن يخرج ...
" سوف أذهب لأتأكد من وجوده ! "
" هيا رغد ! لا أظنه سيغادر و هو يعلم أنك وحدك ! "
" بل أنت ِ معي ! "
قالت نهلة و هي تنفخ صدرها و تقطب حواجبها و ترفع كتفيها ـ كعادتها حين تتقمص شخصية رجل :
" ما دمت ُ معك ِ فلسنا بحاجة لوجود أي وليد ! "
خرجت ُ من الغرفة لهدفين : لجلب بعض العصير ، و لتفقد وليد !
و الهدفان وجدتهما في المطبخ !
واحد بارد
و الثاني حار !
هو يجلس على المقعد يقلّب صفحات إحدى الصحف ، لكني متأكدة من أن عينيه تخترقان الأوراق !
تناولت ثلاثة كؤوس و ملأت اثنين منها بالعصير البارد الذي أعددته قبل ساعة و وضعتهما في صينية ...
ثم قلت :
" أترغب ببعض العصير ؟؟ "
قال دون أن يرفع عينيه عن الصحيفة :
" نعم ، شكرا "
سكبتُ العصير في الكأس الثالث و حملته إليه ...
وضعته قربه على المنضدة ، و سرعان ما أمسك به و دلق نصف محتواه في جوفه دفعة واحدة !
كان باردا جدا ، و يكاد يتجمد !
كيف استطاع شربه بهذا الشكل !؟؟
كل هذا و عيناه محدقتين في الصحيفة !
حملت ُ الصينية و سرت نحو الباب ...
" رغد "
نطق باسمي بغتة كدت معها أترنح و أسقط الصينية من يدي بما حوت !
التفت إليه فرأيته ينظر إلي ...
قلت :
" نعم ؟؟ "
فجاء صوتي أشبه بصوت تلميذة نسيت حل الواجب و تقف بذعر أمام معلمتها !
قال :
" هل أجلب لكما طعاما للعشاء من أحد المطاعم ؟؟ "
قلت بسرعة :
" ماذا ؟؟؟ لا ! "
قال :
" و لكن هل ستتركين ضيفتك دون عشاء ؟ "
" لا تهتم ، إنها نهلة لا غير ! ... "
" و لكن ... حسنا ... كما تشائين "
و عاد يطالع الصحيفة...
هممت أنا بالإنصراف ، ثم توقفت ُ و قلت :
" لا تخرج وليد "
فرأيت عينيه تنظران إلي من فوق الصحيفة ... بحدّه !
أسرعت ُ خطاي نحو غرفتي حيث نهلة ، دفعت إليها بالصينية فأمسكت بها و أنا تهالكت على السرير !
" حمدا لله على السلامة ! "
ضحكت من تعليق نهلة رغم أنني لا أجد الوقت مناسبا للضحك !
قلت :
" مرعب يا نهلة ! اليوم يبدو مخيفا جدا ! كالفهد الأسود ! "
" صحيح ؟؟ دعيني أرى ! "
" أوه نهلة ! توقفي عن ذلك ! "
ضحكت نهلة و وضعت الصينية على المنضدة و أحضرت لي العصير و هي تقول :
" خذي اشربي ، فأنت ِ تبدين كاللبؤة الحمراء ! "
أخذت منها الكأس و رشفت رشفة صغيرة ...
" بارد جدا ! "
قالت نهلة :
" أنت حارة جدا ! هيا اشربيه ! "
بعدما فرغنا من شرب العصير ... قلت :
" اليوم ... بدا مستاء ً من شيء ما ... عندما يكون مغتاظا فإنه يصبح ... يصبح ... جذابا جدا ! "
نهلة كتفت يديها و قالت :
" رغد ! عدنا للجنون ؟؟ ! "
كلمتها هذه أيقظتني من غفوتي القصيرة في عالم الوهم ...
و حين رأت نهلة تعبيرات الأسى تعود للظهور على وجهي قالت بعطف :
" عزيزتي ... أنا قلقة بشأنك و أخشى ... أن تحطمي نفسك بهذا الشكل "
وقفت كشخص يخرج من البحر ... و يرفع رأسه للأعلى محاولا الفرار من الأمواج التي لا شك مهلكة إياه ... و قلت :
" إن كان علي أن أعيش مع شخص لا أحبه طوال عمري ، فهل كثير علي أن أسعد نفسي بأوهام عابرة قبل الغرق في بحر الواقع ؟؟ "
وقفت نهلة ازائي و قالت :
" لم يفت الأوان بعد ... إن أردت أن تتشبثي بطوق النجاة ... "
طردت الأفكار السخيفة التي غزت رأسي لحظتها ، و هززت رأسي لأتأكد من نثرها خارجا ...
ثم قلت :
" دعينا من ذلك ، ما رأيك بالخروج معي إلى السوق غدا سأشتري ملابس للعيد !؟؟ "
نهلة استجابت لرغبتي في محي الألم ، و قالت مشجعة :
" فكرة رائعة ! "
بعدما انصرفت نهلة ، و كان ذلك قرابة العاشرة مساء ً ، بحثت عن وليد فوجدته يشاهد التلفاز في غرفة الضيوف ...
" وليد "
لم يجب ، فقط نظر إلي ...
" أنا آسفة لكنني أخشى البقاء في البيت مع ابنة خالتي وحدنا "
لم يعلّق !
قلت :
" دانة لم تعد "
" أعرف "
" أأ ... أردت أن أطلب منك شيئا ... إن سمحت "
" تفضلي ؟؟ "
" غدا أود الذهاب إلى بيت خالتي لأصطحب نهلة إلى السوق ... ممكن ؟؟ "
" حسنا "
و أبعد نظره عني ، إلى التلفاز !
قلت :
" أترافقنا إلى السوق ؟ "
قال بنفاذ صبر و ضيق :
" ألم أقل حسنا ؟؟ إذن حسنا "
لم تعجبني الطريقة التي تحدث بها ... و لكني أردت أن أوضح الأمر أكثر :
" أعني أن تلازمنا أثناء التسوق ... أيمكنك ذلك ؟؟ "
قال بنبرة ضايقتني كثيرا جدا :
" نعم ، كما تأمرين يا ابنة عمي ... ألست ُ هنا لحراستك ؟ سأنفذ وصايا خطيبك و والديه بدقة ، ماذا بعد ؟؟ "
وقفت مذهولة من جملته هذه ... فهل يظن هو أن وجوده يعني فقط مهمة حراسة و خدمة موكلة إليه سينتهي منها و يختفي من جديد ؟؟
هل أعني أنا له فقط مهمة مؤقتة مجبور على تنفيذها كارها ؟؟
قلت بانفعال :
" انس الأمر ، لن أذهب معك لأي مكان "
و خرجت من الغرفة بسرعة ، و إلى غرفتي ... و إلى دموعي !
دقائق و إذا به يقف عند الباب ...
" أنا آسف رغد ! أرجوك لا تبكي بسببي "
مسحت دموعي و قلت بعصبية:
" أنا الآسفة لأنني حملتك ما لا ترغب في تحمله ! و لكن من كان ليرافقني و أبي و سامر غائبان ؟؟ من كان سيهتم لأمري و أنا لا أهل لي سواكم ؟؟ "
قال :
" لم أقصد ... أرجوك لا تسيئي فهمي "
قلت :
" حسام لا يوافق أبدا على مرافقتنا إلى السوق و إلا لكنا ذهبنا معه ... إن هي إلا أيام و تتخلص من هذا العبء الثقيل و مني "
وليد قال بعصبية :
" قلت لك لم أقصد هذا .. سأرافقكما إلى حيث تشاءان توقفي عن البكاء الآن "
وليد كان مستاءا جدا كما ظهر من تعبيرات وجهه و انفعاله
كتمت دموعي رغما عنها ، و أنهيت المشادة بسلام ...
في اليوم التالي رافقنا إلى السوق و اشتريت الكثير من الحاجيات .. و الأسواق كانت مزدحمة جدا بالناس ! فغدا هو عيد الحجاج !
و كان من بين ما اشتريت هدية لدانة و أخرى لوليد ! طبعا لم أدعه يلحظهما ...
كان يسير إلى جانبنا و يساعدنا في حمل الأكياس ! و نهلة بين حين و آخر تلقي بتعليقاتها المداعبة حوله !
اعتقد أنني بالغت كثيرا في تسوقي ! و بالتأكيد شعر وليد بالضجر ... إلا أن وجوم وجهه منعني من تقديم أي اعتذار !
عندما أوصلنا نهلة إلى بيتها دخلت معها لبعض الوقت لألقي تحياتي على العائلة ، و خرج حسام و تحدث مع وليد ...
اخترت هدية لدانة هذه المرة علبة أنيقة لحفظ المجوهرات ، أما لوليد ـ و لأنني لا أفهم في هدايا الرجال و قلما أهدي أبي أ و سامر شيئا ـ فقد اشتريت له ميدالية مفاتيح أكثر جمالا و أناقة من ميداليته الحالية !
كنت سعيدة بما اشتريت ! هل ستعجبه هديتي ؟؟
عندما عدنا للبيت وجدنا دانة و قد دعت خطيبها لقضاء أمسية معها في المنزل ...
ما أن علم وليد بوجود نوار حتى سأل دانة :
" متى سيغادر ؟؟ "
قالت :
" منتصف الليل ! لم ؟؟ "
قال :
" مادام موجودا هنا إذن أستطيع الخروج قليلا ! "
و نظر باتجاهي ...
لم يكن باستطاعتي منعه ... لكنني اغتظت ُ من إثباته مرة بعد أخرى بأنه يفتش عن أقل فرصة ليغادر المنزل ... و يبتعد عني ...
هذا أثار جنوني و سخطي الشديد !
و مرت الساعات و أنا وحيدة في غرفة المعيشة ... دانة تستمتع بوقتها مع خطيبها المغرور في ليلة العيد و وليد يتجول في مكان ما ... و أنا مرغمة على مشاهدة التلفاز وحيدة !
أُف ... متى يعود هذا ؟؟
و اقتربت الساعة من الثانية عشر منتصف الليل ... أنا أشعر بالنعاس و لكنني لا أستطيع النوم قبل أن يعود !
لماذا لم يعد حتى الآن ؟؟
هل فعلها و رحل ؟؟
طبعا مستحيل ...
كنت ُ على وشك الاتصال به حين سمعت صوت الباب ينفتح ، فأسرعت نحو المدخل و رأيت وليد يدخل و يغلق الباب خلفه
حين رآني قال :
" ألا زلت ِ مستيقظة !؟ "
قلت بتوتر :
" لماذا تأخرت ؟؟ "
قال :
" هل حدث شيء ؟ "
قلت :
" و هل كنت تنتظر أن يحدث شيء حتى تعود ؟؟ لا تدعني وحيدة هكذا ثانية "
و زادني حنقا البرود الذي قابلتني به نظراته !
و ببساطة قال :
" حسنا "
ثم سار ذاهبا إلى غرفة سامر !
لماذا يعاملني بهذا البرود ؟؟ أكاد أجن ... لم لا يدع لي فرصة لأعطيه هديته ؟؟
بعد نصف ساعة غادر نوّار ، و تعجبت دانة لدى رؤيتي ساهرة لهذا الوقت أمام التلفاز !
" متى ستنامين ؟؟ "
" متى ما شعرت بالنعاس ! "
و تركتني هي و أوت إلى فراشها ... ففكرت في إهدائها الهدية غدا ...
الساعة الثانية عشر و النصف ، رأيت جاء وليد يقدم إلى غرفة المعيشة ...
كان شعره مبللا ... لابد أنه كان يستحم !
قال :
" ألم تنامي بعد ؟؟ "
قلت :
" لا أشعر بالنعاس ... أصابني الأرق و الإجهاد ! "
لم يكترث لي ، بل ذهب إلى المطبخ ، ثم عاد و مر بي قبل ذهابه للنوم ... قال :
" تصبحين على خير "
و أولاني ظهره ...
سيطر علي الغضب من إهماله لي ! قبل أن ينصرف ناديته بسرعة :
" وليد "
استدار إلي و لم يتكلم بل انتظر سماع ما سأقوله ...
أنا فقدت شجاعتي التي كنت أتوهم امتلاكي لها ... و وقفت بخجل و ارتباك و أنا اخفي العلبة خلف ظهري !
وليد راقبني بحيرة و ضجر !
اقتربت منه شيئا فشيئا و أنا مطأطئة الرأس خجلا و بالتأكيد وجنتاي متوهجتان احمرارا !
رفعت بصري بحياء و قلت :
" كل عام و أنت َ بخير "
ثم أظهرت الهدية و قدّمتها إليه :
" هذه ِ لك "
لقد كانت يداي ترتجفان و أنا أقدمها نحوه ، و بالتأكيد لحظ هو ذلك ...
نظراتنا الآن متشابكة ... كنت أبحث عن أي كلمة شكر أو إشارة سرور ...
و أخيرا ابتسم وليد ابتسامة جميلة مذهلة و قال بارتباك ...
" و ... أنت ِ بخير ! ... أأ ... شكرا ! "
وليد مدّ يده و أمسك بالهدية ...
قال :
" هل أفتحها ؟؟ "
غضضت ُ بصري حياء ً و قلت :
" كما تشاء "
و هم هو بفتحها ، بينما قلبي أنا يخفق بشدة !
لكن الصوت الذي سمعته ليس صوت انفتاح العلبة ، بل صوت انفتاح باب ...
رفعت نظري إليه و حدقنا ببعضنا برهة ، و نحن نسمع صوت باب المدخل ينفتح ...
شعرت بذعر ...
قلت :
" ما هذا ؟؟ "
وليد سار ببطء و حذر ذاهبا ناحية الباب و تبعته أنا بخوف ...
قال وليد قبل أن يصل إلى المدخل :
" من هناك ؟؟ "
أنا أردت أن أمسك بيد وليد من الذعر ... ربما يكون أحد اللصوص ...
وليد أشار إلي أن ألزم مكاني ، و تقدم هو نحو المدخل ...
أوشك قلبي على الوقوع أرضا ...
و للمفاجأة المذهلة رأينا سامر يظهر أمامنا !
وقفنا متسمرين في مكانينا في ذهول !
قال وليد :
" سامر !! "
سامر نظر إلينا بدهشة هو الآخر ، و قال :
" آه ! أنتم مستيقظون ؟ "
قال وليد :
" هل هناك شيء ؟؟ "
قال سامر :
" أردت ُ أن أفاجئكم بظهوري غدا ! لكن أُفسِدت ْ المفاجأة ! "
الآن سامر نظر إلي و ابتسم ، و قال :
" لم أشأ أن يمر العيد و أنا بعيد جئت أشارككم ! "
و أقبل نحوي ، و أمسك بيدي و قال :
" عروسي ... كل عام و أنت ِ بخير ! "
]]]يتبع]]]
__________________
|