المنتدى :
الاسرة والمجتمع
ثقافة الجسد
تعجـبنـي المــرأة الشجاعة التي تضرب بسيف ثقافتها لا بسيف ثقافة عرابها، وتعجبني أكثر المرأة التي تعرف ذاتها كأنثى، بعيداً عن المتحولات اللاتي انتهين إلى النتيجة نفسها حين فقدن اتصالهن بأنوثتهن، ولم يصرن رجالاً، فصار لدينا بالمعنى الفكري أنصاف نساء وأنصاف رجال، فغدونا حائرين بأي ميزان نزن العلاقـة معه/ م/ ن.
وفي ظاهرة فريدة من نوعها بدا لنا أن مقياس الحضور الثقافي والإعلامي لا علاقة له لا بالثقافة ولا بالإعلام، وأتذكر عبارة قالتها إيزابيل ألليندي في واحدة من أروع روايتها (إيفالونا) (إذا كنت جميلة فإن جميع مشاكلك ستحل) وبالإمكان القول إن هذه العبارة كان من الممكن قبولها قبل 20 عاماً، لأنه في تلك الأيام الغابرة،لم يكن بوسع المرأة أن تحول نفسها من امرأة تشبه ألفية ابن مالك إلى امرأة تشبه قصيدة لنزار قباني.
أما اليوم فبالإمكان تحويل بومة إلى عارضة أزياء، زد على ذلك أن الجمال الأنثوي لم يعد على المستوى الثقافي هو ذلك الفيض اللغوي والفكري الذي يغري بالتطلع إلى الأعلى، بل إن أول العبارات كما فعلت (سلوى النعيمي) في روايتها (برهان العسل) تدعوك وبإصرار إلى النظر نحو الأسفل، ولم يعد كلام غسان كنفاني الذي قاله لغادة السمان (المرأة ملحمة انتصار تبدأ من عنقها فما فوق) سوى بلاهة رجل يسجد في محراب الحب والجمال، في حين أن العالم من حوله أقلع نحو عبودية الجسد، متخلياً عن أخص خصائص وجوده في سمو روحه وتعاليها، وهو بالتأكيد ما يحيل إلى حطام دنيوي، يبدو لبعض شبيبة هذه الأيام وكأنه غاية الحضارة ومنتهى مدنيتها التي يتسابقون نحوها دون أن يدركوا مقدار الخسائر التي خلفوها وراءهم.
إن من لا يدرك المعنى الشفيف للحضور الروحي، لا يمكنه إلا أن يعيش بروح حيوان، ولا أذكر من هو ذلك العالم المسلم الذي قال إن من لا يعشق الروح لا فرق بينه وبين الحيوان، أو هكذا قال، لكن من أين يمكن للأجيال التي تربت على تقديس ما هو حسي، أن تشعر بقوة الروح ونبلها، وتعاليها؟
*نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية
|