المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
رجلٌ في مهبِ الريح
"رجلٌ في مهبِ الريح"
منتدى ليلاس الثقافي
كم جميلٌ أن يكونَ لدى الإنسان الكثير من القناعات والرضى بما قد كتبهُ الله له ،،،
فحينَ يمتلكُ الرجل بيتً وعملً وأصدقاءٌ كثر لا ينبغي إلا أن يكونَ سعيداً بما منَ الله عليه به .
وهكذا كانَ حالُ صديقنا ( خالد ) ، فقد كانَ هوا ربُ البيتِ بعدَ رحيلِ والدهِ ،
فباتَ لأمهِ وإخوته الأب والأخ والإبن الذي وجدَ في هذهِ المهمة السامية الكثير من السعادة الإنسانية ،،،
وهذا التفكيرِ ليسَ بالغريبِ على شابٍ مثله قد داوم على صلاتهِ وباقي العباداتِ منذُ نعومةِ صباه .
فبالإضافة لوظيفتهُ المهمة وتيسر أمورهِ المادية فقد كانَ حولهُ عددٌ كبيرٌ من الأصدقاء الأوفياء الذينَ قد بادلوهُ الحب والإخلاص .
وخلالِ أعوامهِ الإثنانِ والعشرون لم يعرفَ ( خالد ) سوى تقدير وحب جميع من عرفوه ،،،
فقد كانت أخلاقهُ الحميدة محورَ اهتمامٍ ومديحٍ أينما حل .
وقد زادَ الله من منحهِ لهُ بأن منحهُ ابنة عمٍ ذاتَ جمالٍ والعلم وعفة لتكونَ زوجةً لهُ في المستقبل ،،،
والحق يقال بأنها هيَ الأخرى محظوظة بهذا الإقتران الموفق ،،،
فماالذي تريدهُ الفتاة سوى زوجٌ محب ذو خلقٍ ودين .
هكذا كانت تمرُ يومياته بسعادة .... فهوا يمتلك كل ما ينشدهُ المرءِ في هذهِ الحياة ،،،
سعيدٌ في عملهِ ... سعيدٌ بينَ والدتهِ وأخوتهِ وجميع الأقارب ... سعيدٌ بأصدقائه الأوفياء ... وبالطبع فقد كانَ جد سعيدٍ بخطيبتهُ الحسناء .
إلى أن شاء القدر أن تعرفَ عليها وبشكلٍ لم يكن في الحسبان ،
فقد كانت تتردد على مقرِ عمله بغية البحثِ عن وظيفة إلا أنها لم توفق في ذلك .
لم يعرف هوا نفسه كيفَ حدثَ هذا ... فقد صارَ كلاهما لا يفارق الآخر وكأنهما كانا على موعدٍ معَ القدر ،،،
وعلى الرغمِ من أنها لم تكن تمتلكَ شيءً من الجمالِ أو الشهادات ،
وبالإضافة لتقدمها عنهُ في السنِ بسنواتٍ عشر إلا أنهُ فاتحها بل وألحَ عليها بالزواج .
فقد باتَ لا يمكنهُ الاستغناء عنها ... وقد خيلَ لهُ بأنَ حياتهُ باتت مرتبطة بوجودها بقربه .
ولم يمضي وقتٌ طويل حتى تزوجَ بها وأسكنها شقة كانَ قد استأجرها لتكونَ عشً للزوجية ،،،
وبعيداً عن علمِ أهلهِ والمحيطونَ به فقد عاشا سوياً كزوجٍ وزوجة لا يكدرَ صفوهما سوى الخوفِ من أن يكتشفَ أهلهُ أمرَ هذا الزواج الغيرِ متكافئ .
مرَ عامٌ والآخر وقد لاحظ الجميع تغيرِ أحواله بشكلٍ ليسَ لهُ مبرر ،
فقد تدهورت صحتهُ وقد باتَ ذو وساوس كثيرة تراودهُ بينَ الحينِ والآخر ، فكانَ يتردد كثيراً قبلَ أن يتناولَ أيَ شيءً من يدٍ أيِ شخصٍ غيرها ،
فقد أقتنعَ بشكلٍ تام بأنَ جميعَ من يحيطونَ بهِ لا يريدونَ بهِ إلا الشر ،
وقد كثرَ مبيتهُ خارجَ البيت بعد أن كانَ قد اعتاد في بادئ الأمر أنم يقضي عندها ساعاتٍ شحيحة من يومهِ في حينِ أنهُ يعلمُ أمهُ أنهُ برفقةِ أصحابهُ هنا أو هناك .
ولكن قلب الأم ليسَ كأيِ قلب .... فقد أحست بتبدلِ حالِ ابنها البكر وشعرت عن كثب بأنهُ ليسَ كما عهدتهُ إنسانً بسيطاً محباً للجميع حاملاً همومهم قبلَ همومه ، لذا فقد أثرت أن تعجلَ من زواجهِ من ابنةِ عمه واللتي قد طالت فترة قرانهِ بها ، علَ الزواجَ يعيدهُ إلى سابقِ عهده .
وهنا احتارَ ( خالد ) كثيراً وشعرَ بأنهُ أمامَ ورطة حقيقية ، فليسَ باستطاعتهِ أن يصارحها بأنهُ ينوي التزوجِ عليها ، ولم يكن بوسعهِ أيضاً أن يرفضَ زفافهِ على ابنةِ عمه .
منتدى ليلاس الثقافي
تقاذفتهُ الأفكارِ يميناً ويساراً وقد باتَ لا ينامُ ليله متحيراً فيما يتوجبُ عليهِ أن يفعل ، فقد تمَ تحديدُ موعدَ الزواج ولم يعد هناكَ مفر .
وأخيراً قد توصل إلى حلٍ ظنَ حينها أنهُ ليسَ أمامهُ غيره ، فقد رأى أن يتزوج بابنةِ عمه دونَ أن يخبرها بالأمر ، وهكذا فلسوفَ تُحل المشكلة دونَ إثارةِ الزوبعاتِ خلفه ولو بشكلٍ مؤقت .
وبالفعلِ فقد أخبرها بأنهُ سوفَ يسافر ليومانِ إلى إحدى الدول القريبة في مهمة تخصُ عمله وقد اعتادَ على ذلكَ كثيراً ،
وعلى الرغمِ من عدم قدرتهِ على مفارقتها إلا أنهُ قد ذهبَ في الليلةِ المنشودة إلى منزلِ عمه حيثُ أقيمَ الإحتفال ،وعلى الرغمِ من ذلك فقد كانَ هناكَ بجسدهِ فقط .... أما عقلهُ وكيانهُ فقد كانا هناكَ معها هيَ ،،،
وقد كانَ قلبهُ شديدَ الخفقانِ في تلكَ الليلة وكأنهُ يعلم بما سوفَ يحدث فيما بعد.
في البداية صار كلُ شيءٍ كما ينبغي له ، فقد حضرَ العرس جميع الأهل والأقارب ليحتفلو بـ(خالد) الذي لطالمو أحبوهُ ونظرو إليهِ بنظرةِ إعجابٍ بمدى رجولتهِ واحترامهِ لذاته قبل الغير وعروسه ،
إلى أن تفاجئو جميعاً بامرأةٍ ليست معروفة لأحدٍ من الموجودين وهيَ تتجهُ رأساً إليهِ حيثُ كانَ بجوارِ عروسه والتي كانت الفرحة والخجلِ معاً قد اعتلياها ، بالطبعِ ذهلَ من وجودها وصار العرق يتصبب من وجههِ بغزارة ، إلا أنهُ لم يستطع مقاومتها وهيَ تسحبهُ أمامَ الجميع،
فقد تبعها بصمتٍ مميت قد حيرَ الجميعَ وأدهشهم .
من تكون هذهِ السيدة ؟ ولما أتت إلى هنا ؟ ولما أخذتهُ أمامَ الجميع بهذا الشكل الغريب ؟ ولماذا ذهبَ معها طوعاً دونَ أن يتفوهَ ولو بكلمة ؟
كلُ هذهِ الأسئلةِ وأكثر دارت في ذهنِ الحاضرين ... إلا أنهم لم يجدوا لها بالطبعِ أجوبة ، على الأقلِ في تلكَ الليلة .
فبعدَ تلكَ الليلة والفضيحة التي حدثت عرفَ الجميع بالأمر ، عرفو أنهُ متزوجُ منها ولديهِ طفل يبلغُ من العمرِ سنة .
لكم أن تتخيلو ما عانته أسرته وأسرة العروسِ المنكوبة ،
ناهيكم عن الفضيحة اللتي لحقت بالفتاة والتي تركها عريسها ليلةَ زفافهِ عليها .
أهذا هوا ( خالد ) الذي كانوا يتحاكونَ عن مثاليتهِ وسموِ أخلاقه ؟
أهذا من كانت النساءُ دوماً تتمنى أن يكرمَ الله أبنائها ليتقدو بالتزامهِ وتقواه ؟
أمن الممكنِ أن يتحول الرجل من نبيلٍ بمعنى الكلمة إلى إنسانٍ لا يصحُ وصفهُ إلا أنهُ شخصٌ حقير ؟
وما زادَ الطينِ بله هوا حينَ استلمت ابنةَ عمهِ ورقة طلاقها بعدَ أيامٍ من ذلكَ الزفافِ المشؤوم .
فهوا لم يعطي لصلةِ القرابةِ بينهم أيةَ اعتبارات ، ولم يراعي ما سوفَ يواجههُ من احتقارِ الجميع لهُ ، ولم يعر غضبِ عمه وأبنائه وجميع العائلة من تصرفهِ الأحمقَ أيَ اهتمام ،
فقد كانَ يريدُ فقط أن يشتري رضاها .... نعم فقد كانَ لا يطمع في شيءٍ في هذهِ الحياة سوى أن تكونَ هيَ راضيةً عنهُ ، ومهما كلفهُ ذلكَ من ثمن .
تلت هذهِ الأحداث أعوامٍ خمسة شهدَ ( خالد ) خلالها ولادةِ أربعةٍ من أبنائه ،،،
وقد شهد ( خالد ) خلالَ هذهِ الأعوامِ تدهوراً على جميعِ الأصعدة ،،،
فقد أصبحَ يتخلف كثيراً عن عملهِ إلى أن تمَ الاستغناء عنه بعدَ أن ساءت سمعتهُ كثيراً وفقدَ احترامهُ لنفسه قبلَ احترامِ الآخرين له ،،،
بالإضافة إلى مقاطعةِ أهلهُ لهُ ، فقد استعوضوا الله فيه ، وقد حاول الكثيرونَ أن يجعلوهُ يعدل عن هذهِ الحياة الدنيئة التي ئالَ إليها ولكن هيهات ، فقد كانَ لها تأثيرٌ غير عادي عليه .
وقد باعَ سيارتهُ الفخمة واستبدلها بسيارة متواضعة حولها لسيارة أجرة أصبحت هيَ مصدرَ رزقهِ الوحيد .
أما بالنسبةِ لموقف الأصدقاءِ منهُ ، فقد ابتعدَ عنهُ أغلبهم بعدَ محاولاتهم الفاشلة بمدِ يد العونِ له ، إلا القليلونَ منهم ممن رأوا بأنه شخصٌ مسكينٌ ينبغي الوقوفِ بجانبهِ وعدم تركهِ تأهً بينَ الأيام كما هوا الآن،
ومن هؤلاء الأشخاص صديقة القديم ( أبو عبد الله ) والذي كان دومً يلعب في حياتهِ دور الأب والأخ المرشد ،وقد كانَ شديدَ الإشفاقِ عليهِ من التهامها لكلِ شيءٍ جيد كانَ موجودٍ في حياته ، ولذا فقد قررَ الا يتركهُ أبداً وأن يكونَ دوماً السند لهُ في هذهِ الحياة البائسة ، وقد اعتادا دوماً على الإلتقاءِ في بيتهِ كلَ مساءٍ تقريباً ، ولم يتوقف في كلٍ حينٍ من تقديمِ يد العون له ،
فقد استطاعُ ( أبو عبد الله ) وبمعارفهُ الكثيرة أن يوظفهُ في إحدى الشركات كمحاسب وأمينً على الخزانة رغبةً منهُ في إعطائةِ فرصةً جديدة للحياةٍ كريمة ، إلا أنهم في الشركة ما لبثوا أن اكتشفوا اختلاسهِ لمبلغٍ من المال ، وكادت هذهِ الحادثةِ تؤولُ بهِ للسجنِ لولا أن تدخل ( أبو عبد الله ) ودفعَ المبلغ وأقنع صاحبَ الشركة بألا يتخذَ أي أجراءٍ قانوني بحقه .
هكذا إذاً تدمرن حياتهُ وتلونت من اللونِ الأبيض النقي إلى السوادِ الداكن والمميت .
وقد لاحظ ( أبو عبد الله ) ومن اعتادوا التجمع عندهُ دوماً ممن بقوا من الأصدقاء القدامى ما يعانيهِ ( خالد ) وقد بداء بالتزايدِ يومً بعدَ يوم ،،،منتدى ليلاس الثقافي
فقد اعتادوا منهُ منذُ سنواتٍ الحديث عن الجنِ والعفاريت وما شابه ، وقد كانَ الأمرِ مقتصراً على رؤيته وكما كانَ يخبرهم أشخاصً من الجان ، ولكن الأمر قد ازدادَ في الفترةِ الأخيرة كثيراً ، فلم يعد لديهِ حديثٌ إلا عن الأشخاص الذينَ يطاردونهُ أينما ذهب .
وقد كانَ أحياناً يتفوه بجملٍ غير مفهومة موجهاً إياها للجنِ الذين يتبعونه أينما ذهبَ على حدِ قوله ،،،
|