الحمامة الدامية
وقفت مادونا أمام المدخل الرئيسي للبنك ، أمسكت رأسها قليلاً كانت ما تزال تعاني من آثار الدوار الذي أصابها الليلة الماضية ، تمالكت نفسها وولجت إلى القاعة الرئيسية حيث أستقبلها عامل الاستقبال وقام بتحويلها إلى الفرع الرئيسي ، جلست على كرسي مخملي أسود ثم أخرجت من حقيبتها مظروف أبيض وناولته للموظف المسئول عن صرف الشيكات الكبيرة ، فتح العامل المظروف وقام بالتوقيع على مجموعة من الأوراق ثم غاب دقائق ليعود وبيده مظروف أصفر كبير .... أخرج منه النقود ثم أخذ يعدها أمام مادونا التي كانت تشعر بالألم والغضب كلما رأت تلك الأموال المدنسة بإثمها الغاوي .. زاد توترها ومع آخر رزمة وضعها الموظف في داخل المظروف تنفست الصعداء ثم تناولت المظروف منه برقة وخرجت وهي تحتضنه بقوة ... توجهت نحو الحمامات المخصصة للسيدات ثم دخلت التواليت وأغلقت الباب وراءها ... خلعت قميصها ثم أخذت تملئ البلوزة الداخلية برزم الأموال ... أخرجت شال طويل وأخذت تلفه حول جسدها بقوة حتى لا تقع الأموال ... وبينما هي تحاول زر أزرار قميصها العلوية شعرت برغبة بالتقيؤ ... كانت تشعر بألم قاتل في بطنها وضعت يدها على بطنها عضت على شفتيها بقوة قائلة في نفسها بتساؤل :
_ ما لذي شربته البارحة ...؟؟ لماذا لم أتألم الليلة الماضية ....هذا مؤلم لا أريد أن أتقيء أخبرني الطبيب أن هذا سيكون خطراً علي ...
صرخت مادونا من الألم فهرعت عاملة النظافة وطرقت الباب بقوة ... سألتها العاملة بتوتر :
_ هل أنتي بخير مادموزيل ..؟؟
رفعت مادونا رأسها وقالت محاولة أخفاء ألمها :
_ أنا بخير لا تدخلي ....
وضعت يدها على فمها حتى لا تتقيأ ... تمالكت نفسها وزرت قميصها ثم قامت وخرجت من الحمام وهي تترنح ، كادت أن تقع لولا أن أحدهم أمسك بها بقوة ... نظرت نحو ذلك الوجه اللطيف بامتنان وتمتمت قائلة :
_ شراً
سيدتي ....
ابتسمت امرأة تبدو في منتصف عمرها بشعر أشقر فاتح وعينين سوداوتان كبيرتان ثم قالت لمادونا بخبث :
_ شابة ذكية لكن ماذا كان ليحدث لو وقعتي هكذا بين يدي رجل غريب .. كان ليحظى بالمال والمتعة معاً ..!!
أغمضت مادونا عينيها ثم فتحتهما بطء وردت عليها بصوت متوتر :
_ أرجوكِ ساعديني ... يجب أن أصل محطة القطار ... هنالك حياة على المحك وزهرة على وشك الاحتراق ..!! ساعديني أرجوكِ ...
هزت المرأة رأسها وقالت بغيظ :
_ على هذه الحالة لا يمكنني إلا أن أساعدكِ ...!
_ لقد قطعت تذكرتين واحدة لي وواحدة لكِ هيا قومي علينا أن نسرع لو أردنا أن نلحق بقطار العاشرة والنصف ...!!
فتحت مادونا عينيها الناعستان ببطء ونظرت إلى السيدة بامتنان وهي تبتسم لها شاكرة ، حركت شفتيها وقالت بتألم :
_ لا أعرف كيف سأرد لكِ الدين ...؟؟
مدت السيدة يدها وتأبطت ذراع مادونا لتستند عليها حتى وصلتا القطار وصعدتا على متنه ... بدأ القطار بالتحرك وأطلق صافرته معلناً الرحيل ....
اقتربت السيدة من مادونا بلطف وقامت بتغطيتها بملاءة بيضاء كانت توزع في داخل القطار ...جلست بجانبها ثم قالت بسعادة :
_ أنا أعشق هذا القطار فهو ما يزال يحتفظ بماضيه أنه أفضل من القطارات الباقية
_ شكراً سيدتي ... هذا دين كبير علي
نظرت إليها بخبث ثم زمت شفتيه بينما اتسعتا لتمثلا ابتسامة ماكرة وتحركتا لتوجها بذلك السؤال المحير :
_ لماذا تفعلين هذا ...؟؟
أشاحت مادونا بوجهها نحو النافذة وقالت بحزن :
_ لأن أحدهم سيتدمر كما حدث لي في الماضي ... سيذبح .. سيقتل .. سيسلب منه كل شيء وأهم شيء ..!!
ثم أجهشت بالبكاء وأخذ جسدها بالارتجاف ، مدت السيدة يدها ورتبت عليها بلطف وحنان .توقفت مادونا عن البكاء وسألتها بعفوية :
_ عذراً سيدتي لم نتعرف ... أنا مادونا جيوفاني
_ وأنا سيرين مينوغ ... تشرفت بمعرفتك ...!!
_ أنا أيضاً ....
هزت السيدة سيرين كتفيها وقالت مبتسمة :
_ بما أننا تعارفنا أخبريني ... ما لذي تناولتيه البارحة حتى تسبب لكي بكل هذا الألم ..؟؟
أنكست مادونا رأسها وقالت بخجل :
_ لا اعرف لكن رائحته كانت تشبه الخمر ... أعني النبيذ المعتق ... لا أعرف ..!!
حكت سيرين رأسها وقالت بمكر :
_ أنتِ مصابة بحساسية تجاه هذه المشروبات ... لماذا تناولتيه البارحة ..؟؟
وحدقت بعينا مادونا الحائرتان ... عضت مادونا على شفتيها وقالت بتوتر والدموع تنهمر بهدوء :
_ مضطرة ....
سحبت سيرين منديلاً من حقيبتها الحمراء ومسحت دموع مادونا الرقيقة وهي تقول بلطف :
_ أخبريني يا عزيزتي فأنا مثل أختكِ
بالرغم من أنها شعرت بانقباض شديد في قلبها إلا أنها روت لها قصتها وكأنها جزء من
قصص فيكتور هوجو والمشهورة ببؤسها وألمها الشديد ....
_ مؤكد أنكِ تحتقريني الآن ...؟!
هزت سيرين رأسها نافية وهمست لها بهدوء :
_ أنا أيضاً مررت بموقفك .... لكنه كان لأجل أمي .... كان عليها أن تعيش ..!! لكنني كنت غبية ووقعت بين يدي شخص آخر أخذ الأموال وكل ما تبقى لي من كرامتي ... وأنغمست في وحل الرذيلة لأصبح هكذا أحتاج كل ليلة للبحث عن من يدفع لي ثمن أجار شقتي مقابل علاقة تنتهي بشروق الشمس ...!!
كانت مادونا تشعر بانقباض شديد في قلبها وتسأل نفسها بخوف :
_ هل سأصبح مثلها ..؟؟
قطعت سيرين تلك الأفكار بان سألتها بمرح :
_ كيف أصبحتِ بهذه الحالة المزرية ..؟؟ أعني كيف أصبحتِ حساسة للكحول ...؟؟!
ابتسمت مادونا وقالت بلامبالاة :
_ لقد شربت كمية كبيرة منه دون أن أعلم وأنا صغيرة ومن بعدها أصيبت معدتي بقرحة ... لقد قال الطبيب أنه لو شربت كأس أخرى لربما كنت ميتة ..!!
اختفت الابتسامة وحلت محلها نظرة متشائمة ثم أتمت كلامها بحزن :
_ يا ليتني مت ... يا ليتني لم أحمل هذا الاسم حتى ...؟؟ أنه يعذبني ... يقتلني ..!!
_ مريم العذراء ...؟؟!
هزت رأسها مادونا مجيبة لتوقع سيرين فقد كان أسم مادونا يعني السيدة العذراء -والكثير من العائلات كانت تسميه لبناتها ظناً منهم بأنه يحميها من الوقوع في الخطيئة ..؟!-
تنبهت مادونا والتفتت إلى سيرين بجسدها ... سألتها بهدوء :
_ سنصل قريباً وأنا لم أعرف كيف بإمكاني أن أرد لكي هذا الدين .؟؟
أمسكت سيرين بيد مادونا وقالت لها بلطف :
_ أحمي أختكِ من الوقوع في مصير عشناه أنا وأنتِ وقاسينا آلامها ... عديني ..!!
ابتسمت مادونا وهزت رأسها مجيبة ..