عذاب في مجاهيل العاصفة
مرت الساعات بحذر وكأنها تتمنى التوقف خوفا من انفاسه المتصاعدة وقد ازدادت عروق عينيه أحمراراً وتصبب عرقاً ورحمته كأسه الأخيرة واشفقت على زجاجها الرقيق من ان يتكسّر بين اصابعه الجافية ... مالذي يؤخرهم الى الان ... سفري يقترب والعمل لم ينتهي بعد .. رن الهاتف صارخاً بجانبه .. مد يده ورفع السماعة ودون ان ينبس ببنت شفة تمتم صوت أجش بحذر :...
_ سيدي لقد اجتمعنا ...!!
زفر براحة والتمعت عيناه ببريق أذاب صقيع النهار المتجمد ... أغلق السماعة ثم تناول معطفه الأسود الجلدي ومشى بخطوات محسوبة حتى وصل درج يؤدي إلى الأسفل ، نزل إلى القبو حيث امتلأ برجاله .
على عكس الأقبية المعروفة كان قبو منزل الأمير الجبلي ألكزاندر شتروفا مناسباً لفخامة قصره المعروف بالقصر الأسود لأنه مزين بالأعمدة الرخامية السوداء ....
الأرضية الرخامية السوداء تلتمع بأضواء الثريا التي أتسبدلت كرستالاتها بالماس حقيقي ، وبالرغم من روعته فقد شهدت أضواءه المنيرة على ابشع وافظع العمليات التي كان الكزاندر يحرص على تنفيذها بنفسه وكأنه مسلخ زين بعنايه ليرفع قليلا شأن البشر المذبوحين فيه ..، وضع الكزاندر المصباح الكهربائي جانباً بعد ان أطفأه وتقدم نحو الأمام بينما انحنى الرجال له احتراماً وأجلالاً ، جال بنظراته في ارجاء المكان حتى ثبتهما على غنيمته الخالصة ، اقترب من العلب المرصوصة بدقه فوق بعضها البعض بترتيب هذه الصناديق اخذت من وقت الرجال الساعات ، وضع يده عليها ثم أخذ يتحسسها وعيناه تنطقان بالسعادة وكأنه حصّل كنوز الدنيا ، تمتم بهدوء وهو يحدق بصديقه الأعور صاحب الشعر الأبيض المزين بخيوط الذهب المرتبة :
_ هذه هي إذاً
تمتم الكزاندر متابعاً لحديثه :
_ وكم تساوي هذه الشحنة ..؟؟
رد سيث وهو يضع عصاه الخشبيه أمامه ويستند عليها :
_ دفعنا فيها مئة مليون روبل لهذه الشحنة اما الباقي ...
قاطعه الكزاندر وهو يردد بحبور وكأن الخمر بدأ يلعب بعقله :
_ مئة مليون روبل للأفيون الصافي ... جيد للغاية .. سيستمتع الحمقى ببضاعتنا الثمينة ... كم وزنها سيث ..؟؟
_ اربعون كيلو يا صديقي لكن ...!!
عاد لمقاطعته وهو يتوجه نحو خشب منشور ومحفور من الداخل بطريقة محترفة .. تمتم وهو يحركه بقدمه قليلاً :
_ كالعادة ... خمرة عتيقة للجمارك والحدود ...وأفيون صافي للزبائن الكرام ... صحيح سيث ..؟؟
تلعثم سيث قليلاً ثم تمتم وهو يتحرك بصعوبة لأنه أصيب بالعرج بسبب حادث جديد :
_ أسمع الكزاندر ...
التفت نحوه ونظره باهتمام فتابع سيث قائلاً بتردد واضح :
_أعذرني يا أخي فقدنا القليل منها بسبب العاصفة المطرية التي اثارت البحر وهيجته ....
توقفت نظرات الكزاندر عن التحرك وبدا وكأنه شرد قليلاً ثم وبحركة قاسية نثر العلب المصطفة امامه وصاح غاضباً :
_ ضيعتم حمولة كاملة من الأفيون الصافي .... انتم لستم رجالاً انتم مجرد نساء ترتدي ثياب رجال للتباهي ..!!
واستدار غاضباً وحذا بخطواته نحو المخرج لولا انه استقبل بمجموعة من الرجال يجرون شابة صهباء نحيلة الجسد هزيلة الوجه ... تابعهم بنظره وهو يرى آثار العذاب عليها واضحة ... وملابسها المهترئة تفضح اكثر مما تخفي.. أقترب منها ثم رفع ذقنها بيده وحدق بعينيها العسليتين ... نظرة الألم هذه تشبه نظراتها ... خليلتي المعذبة .. قطب حاجبيه ثم استرد وعيه بعد أن امتلأ بالنشوة من الحزن المطل من عينيها .. سألهم وهو ينثر وجه الشابة وينظر بقسوة نحو احد الشبان :
_ اين وجدتموها ...؟؟؟
ارتبك الشاب ثم قال وهو يبتلع ريقه :
_ كان استنور يخبأها في بيته ووجدناها بعدما مات في هذه الرحلة مكبلة بالقيود وعلى جسدها خرقة بسيطة وبدا وكأنها لم تطعم الأكل سيدي ...
ازدادت نظرات الكزاندر وحشية ثم صاح بغضب وهو يمسك برأس أحدهم :
_ انا اقتل الرجال الخونة ولا أغتصب نساءه ... وهذا يجري عليكم يا كلاب ...!!
ورماه أرضاً ثم انتزع الشابة ورماها ارضاً وصاح بقسوة وكأنه يزأر :
_ ابنة الخائن انتينوف ستعمل خائنة مثل ابوها وليست ***** يا حمقى ... أنا أكره أن تلوثوا سمعتي كسيدكم بهذه الحماقة ... أن اردتم المتعة فارتادوا اماكنها ..!!
اقترب منها ثم رفسها ليحركها برجله وتمتم وهو يدوس على بطنها قائلاً :
_ أبوك غرز خنجراً في ظهري لن أنساه ما حييت ... أعلمي الكلاب اللذين كانوا معه بأن الكزاندر امير جبل شامخ سيبقى ما بقيت الدنيا ولا يضره أن تفشو سراً من أسراره .... وليعلموا من انا حقاً سأبعثكِ لهم هدية ..
وأخرج من خصره المسدس الصغير وأطلق رصاصة لم تكن لتخطئ رأسها فوقعت وتناثر شعرها العسلي أسفل رأسها ليختلط مع شعاع الدم الذي هرب خوفا من السيد .... لتصور لوحة قاتمة سوداء على ارضية الرخام الأسود ... تنهد بقوة ثم خرج من القبو بعد أن امرهم بأن يرسلوها للخونة المتمردين ... وأن يبدأو بترتيب الحمولة للتوزيع ..
الشبل الكبير بين اشبال النمر السيبيري العظيم
تبكي السماء بثلجها الابيض .. ليتناثر على الارض مخلفا ورائه غطاء ابيضا .. يذوب حزنا من ذنوب البشر المتزايدة مخلفا وراءه خضارا وخيرا..... لعل الناس تعود عن بعض اثامها فتندم ...
الا مكان واحد ... غضبت منه السماء فتركت غطائها الابيض يقتل كل معالم الحياة فيه ... وكأنها عرفت بوجودها الازلي ان هذه البقعة هي بقعة الشيطان ... ولن يتواجد عليها الا كل كافر وفاجر
ننطلق في مجاهل سيبيريا ... بعيدا عن مظاهر الحضارة والمدن ... نتوغل فيها حتى نصل الى ذلك المكان الذي انطلقت عليه افظع الاشاعات في حقوق الانسانية ... حتى الشيطان نفسه لم يعد يذهب الى تلك المنطقة خوفا من البشر الذين فيها فيذيقوه ابشع انواع العذاب المعنوي والجسدي
قلعة ( كروشاك ) ... تلك القلعة التي سمعنا انها من صنع الشياطين ... لأنه يستحيل ان يبنيها بشر بهذا الشكل المرعب والمخيف ... ندخل اليها بهدوء ... ممراتها ضيقة لحد يشعرك انك في قبرك ... تضيئها بعض المشاعل التي تتوهج بعنف وكأنها من الجحيم نفسه ... لم يجرؤ احد ولا حتى سكانها من النزول الى القبو الملحق بها ... وحدهم اشخاص مميزون هم من يسمح لهم بالنزول ... واي شخص غريب لن يخرج ابدا ... يقال انه المكان الذي تعذب فيه النساء العاصيات ... صوت صراخهن يشق الافق ... عظامهن المشويه متناثرة بشكل مخيف في كل مكان ... بعضهن حرقن احياء ... والبعض الاخر لا يزالن يتمنين الحرق ليتخلصن من العذاب باي طريقة ممكنة .... نصعد بين ادوار قلعة الرعب هذه .. لنفاجأ بصوت اقدام متواترة ومنظمة وكأنها مسيرة جيش ... خمس او ستة رجال يرتدون معاطف من الجوخ الاحمر الذي تظن للحظات انه مصبوغ بدماء بشر حقيقية ... يظهر انهم من الطبقة الارستقراطية... لمعة احذيتهم تدل ان هذه الاحذية لم تطأ الارض قط ... وان فعلت فانه لم تنظف بشكل طبيعي ... قبلات الاذلال عليها هي ما نظفتها ... وتركت عليها لمعة مميزة ...
... تقدمهم صبي صغير .... لا يتجاوز العاشرة من عمره .. لا اعلم لماذا اشعر ان وجهه مألوف ... ربما رأيناه خلال القصة .....لا ادري.... المميز في هذا الصبي ان البراءة في وجهه معدومة .. ربما نسيت السماء ان تهبه بعض البراءة ... او ربما وهبته اياها يوما وانتزعها منه احد ما .. عيناه الزرقاوتان تعطي بريقا مغريا لكنه بريق الشر الاعظم ...جسده الغض يتحرك من وراء ثوبه الأبيض الرقيق ... أقدامه رزينة الخطا وكأنه يعدها ... شعره الأسود يتناثر ويلتصق بعنقه وكأنه بلل بالماء للتو .
وصلت المجموعة الى قاعة كبيرة يتواجد فيها الكثير من الناس الذين يرتدون نفس المعطف الاحمر ... مضاءة بمشاعل من الجحيم .... تتدلى منها ثريات مضاءة بزيت يقال انه زيت بشر حقيقي ... ربما رائحته المميزة هي ما تعطي هذا الايحاء ..!! فتح الباب على مصراعيه ... لينحني كل من في القاعة على ركبهم ويديهم على محل قلبهم ورؤسهم موجهة الى الارض .. بقية مجموعتنا تتقدم مع الصبي الى ان وصلوا الى المنصة التي تقع في الجهة المقابلة من الباب البني الكبير الذي دخلوا منه ..... فوق المنصة على الحائط تدلى بغرور علم احمر يحمل شعار هذه المنظمة او الاخوية ... وهو نسر يفرد جناحيه بكل ما اوتي ليهيأ لك انه يملك الدنيا بما فيها ....
بعد لحظات صدر صوت عال من الغرفة .... ارتفع باب من حجر الغرفة نفسها ليخرج منه رجل يرتدي المعطف الاحمر وعلى عنقة تدلت قلادة ذهبية كبيرة بشعار الاخوية ذاته .... غطى الجميع رؤوسهم بملحق الرأس الموصول بالمعطف الاحمر حتى لم نعد نميز واحدا عن الاخر ... الا الصبي الذي لم يرتدي معطفا كالبقية ....
بدأ الرئيس يرنم بعض التراتيل .... لكنها لم تكن من الكتاب المقدس ... كانت تراتيل خاصة بالمنظمة تدعوا الى القوة وكره كل من هم من خارج الاخوية ... واعتبارهم عبيدا لها ... كان الجميع لا يزال ينحني على الارض الا المجموعة السابقة ... فجأة توقف الرئيس عن الترنيم ونظر الى اليد التي امسكت به بعنف وتحدي ... ظهر صوتا سمعناه كثيرا خلال الاجزاء الماضية ... بعينيه الباردتين كالموت : دعنا من المقدمات ولتبدأ المراسم ....
نظر الرئيس لالكزاندر باستغراب ... ثم هز رأسه بتوتر ... واقترب من الصبي ... تناول صحناً من الدماء الحمراء ثم امسكه وبدأ يصبه ببطء وهو يتمتم بكلمات مبهمة ... اغمض الكزاندر عينيه ثم أتخذ وقفة ثابته وبدا وكأنه يحضر روحاً مميزة ... تناثرت الدماء على رأس اليكسس الصغير وبدأت تنحدر على وجهه الصغير لتلطخه بأثم السحرة الأشرار ... مايزال الكزاندر يحافظ على تملكه بينما رفع الرئيس الطاسه وانحنى على الفتى ثم همس له وهو يرتب على كتفه بطريقة متواترة :
_ الفتى اليكسس أبن الكزاندر أبن زايوف من عائلة شتروفا العظيمة .. أعلنك اليوم ساحرأ من الدرجة الأولى مايزال أمامك خمسون باباً لتصل إلى درجة معلمك العظيم الكزاندر شتروفا لذا عليك أن تقسم بأنك منذ اليوم لن تفشي سراً ولن ترتبط بعهد ولن تحكي خبراً من شأنه أن يدلل أو يشير إلى أخويتنا العظيمة ... وأن حدث هذا فأنك مخير بين أن تقتل نفسك وبين أن يعذبك معلمك بما شاء ...
حرك اليكسس عيناه نحو ابوه الذي ما يزال في خلوته النفسية وشعر بالهيبة والطاقة الكبيرة وكأن هالة من القوة تحيط بأبوه الذي يقف بأجلال تحت مشعل كبير ويتخذ هيئة الصليب (( لا ألمح أبداً إلى العقيدة المسيحية أو علاقة الصليب بها لكن يتم تشبيه الجسم بالصليب أثناء اتخاذه مركز روحي قوي لأنها يتحكم بطاقة الجذب الموجودة في جسده ... بامكانكم البحث في علم الطاقات الياباني ^^))