كاتب الموضوع :
بدر
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
بعد رواية وليمة لأعشاب البحر وما أثارته من جدل حولها , كشفت لنا عن كاتب مبدع
متمرد على الواقع العربي , ومع كل روايةنجده قد أزال قناعا جديدا من الأقنعة المزيفة التي نختبئ خلفها
ومع كل فصل من رواياته, يغوص الجرح بمشاعرنا بعد إزالة الستار الوهمي الذي يغطينا .
........
تحية لك ولأبداعك المتميز في اختيار مواضيعك .
........................
حيدر حيدر ولدفي قرية حصين البحر في طرطوس عام 1936.
يعتبر حيدر حيدر قصاصاً وليس مؤلفاً، فهو يقص تاريخاً وواقعاً يحاكي واقع المجتمع العام ويعكس آماله وآلامه ويجسد تطلعاته. لكن أسلوبه يرتقي عن السرد الممل للأحداث فكتاباته لا تخلو من النفحة الأدبية والزخرفة اللفظية والبعد عن التكلف بواسطة إيراد تعابير ومصطلحات ليست عربية فصحى بالضرورة لكنها متداولة في المجتمع مما يكسب الرواية ذلك القرب من الواقع والشفافية ومما يعطي القارئ شغفاً أكبر بالقراءة.
لكن الكاتب المبدع أمسى في مهب الريح بعدما تعرض في كتاباته لأمور دينية أوقعته عرضة للتكفير والملاحقة فقضى سنوات وسنوات في تنقل وهرب وفي احتراز من الموت. ثم استقر في منزل بناه على شاطئ البحر يقضي فيه ما تبقى من عمره بعيداً عن ضوضاء المدن وصخبها طلباً للإلهام.
من أشهر رواياته (الفهد) التي يعرفها الجميع بواسطة الفيلم السينمائي الذي يعرض على الشاشة الصغير في أيام 8 آذار، يتحدث في الرواية عن الفترة التي تلت استقلال سوريا مباشرة حيث ساد النظام الإقطاعي الذي ما هو إلا نظام متطور عن العبودية حيث يعمل الفلاحون في أراضي الآغوات التي هي حق لهم ويكدون ويجوعون ليعطوا معظم المحصول للمالك ويكملوا حياتهم بقليل من الطعام. ويروي حيدر يأس فلاحي جبال اللاذقية خوفهم تخاذلهم تجنبهم للثورة أو المقاومة بعدما قضوا سنوات في مقاومة المستعمر حتى الاستقلال. وفي داخل هذه العتمة المقيتة يظهر بصيص نور أنه أبو علي شاهين الذي أهين وعذب من قبل الآغا فثار وترك عائلته متشرداً بين الأدغال ينظم الهجمات على الدرك الذين يؤمنون الحماية للإقطاع والشرعية لأعماله. يدرك الفلاحون ضعفهم لكنهم يرفضون تأييد شاهين خوفاً من الحكومة مع أنهم مقتنعون بالظلم. يجوب شاهين البراري لسنوات حتى يشي خاله به ويشنق حتى الموت بدون أن يدرك الكثيرين القضية التي مات من أجلها فيبقى بنظرهم محض مجرم فارٍ في غياب واضح للوعي وغفلة وسكوت على الضيم.
والمقاطع التالية مختارات من نهاية الرواية:
قال الراوي: ومع غروب الشمس سلموه.
كان السفر قد استمر منذ الفجر. كل ذرة من جسده كانت تنضح بالتعب. وكانت نفسه متعبة أكثر.
رحلة مضنية استمرت عمراً في تقاويم البراري والحروش، لكم شاهين لم يحلم يوماً بسكين الخيانة تنغرس في ظهره بيد الذين يصله معهم رحم ودم.
مع غروب الشمس سلموه.
قال خاله: خبئوه في الداخل خوف العيون.
وإذا رأى وجه وبندقة أول جندي من السرية التي طوقت المترل أدرك بأنه سقط بالمصيدة.
وبكل ما في الإنسان البري الرافض للموت، وكما كان يحدث في أزمنة المحن السابقة، رسم كالبرق خطة القتل والجرأة والعبور.
حين وثب ليمسك بندقيته، نترها خاله بعيداً عن مرمى يده. يالحراب والبنادق طُوِّق. وفوق جسده أطلت وجوه الجند مذهولة لا تصدق، كذلك وجوه الذين خافوه.
أهذا هو شاهين؟
وبين وجوه الجند المنتصرين فزعاً، وعيون الخونة، نقل عينيه المتعبتين. نحو خاله الخائن الواقف جداراً منغذر، رمى عينيه ثم بصق: كلب جبان.
وبيأس الذي حاصره الموت أخيراً، وثب الفهد المطعون.
أمسك برقبة خاله وضغط بيديه الحرتين ويأسه وأحقاد سنوات العذاب. كز وضغط فطقطقت تحت راحتيه غضاريف الحنجرة وخمد الصوت متحشرجاً.
ومرة أخرى ضرب ذلك الفلاح المحاصر على رأسه وظهره ووجهه بأعقاب البنادق وعصي الدرك حتى أدميَ جسده وكان أعزلاً أيضاً. مع الغروب سلموه.
كبلوه بالسلاسل. وطارت الأخبار.
ليكن فرح في جميع المدن. ليكن رقص وزغردات. ولتخيم الطمأنينة والدعة في سموات القرى التعبى.
وفي السجن عذبوه اقتلعوا أظافره، وكووا جسده بالنار.
وفي ساعة مبكرة من صباح يوم ندي واللاذقية ماتزال غافية تحت خدر ضباب خفيف، علقوه في ساحة الشيخ ضاهر ولم يطلب شيئاً.
قال الراوي: ولما انبثق الضوء، وعم الأرياف البعيدة، غامراً المدينة التي صحت. تجمع الناس في الساحة حول الجسد المصلوب في فراغ النهار الفضي، ورنوا ملياً إلى وجهه المنكفئ، وعينيه العسليتين المغمضتين.
وخلافاً لما كتب على صدره، لم يخطر ببال إلا قليلين أن هذا الفلاح البائس المدلى على خشبة الموت، قدتمرد ومات من أجل الحرية والوطن.
اقتباس........
....
|