الفصل الثانى
رأى مايكل رامسى الحلم الذى حلم به منذ ثوان يتجسد أمام عينيه المذعورتين . ميجن تتقدم نحوه ، شعرها منساب على كتفيها العاريتين وكأنها مارلين مونورو فى دلالها وأنوثتها . التفت إليها جميع الرجال لحظة مرورها .
ثم نهضت .استطردت :
- سنذهب ؟
لم يحاول مايكل رامسى أن يفهم ما يحدث له . لقد مضى اليوم فى التفكير ولم يجد أى سبب فى أن يرفض مرافقة هذه الجميلة التى تبدو مستعدة لأى شئ .... أجاب :
- سنذهب .
وضع يده على كوعها ليقودها إلى المصعد . شعرت ميجن بقشعريرة إثر هذه اللمسة التى اخترقت أعماقها . ان تظل سيدة الموقف ليس من الأمر السهل كما كانت تتوقع .
مضى الصعود إلى الدور الثلاثين كالحلم . لم يتبادلا كلمة واحدة فى أثناء مرورهما بالردهات الفخمة للفندق حتى وصلا إلى باب الغرفة 3212 . لم يتركها مايكل بعينيه . أما ميجن فكانت متجاهلة وجوده تماما . كانت تدخر لوقت آجل سلاح نظرة قاتلة .
تجمدت فى مكانها أثناء فتحه الباب بالمفتاح . تنبهت أنها بصدد ارتكاب خطأ مشين لكنها تماسكت على الفور غير مفكرة إلا فى هدفها الغريب . أحس مايكل باضطرابها . بالتأكيد هذه ليست المرة الأولى التى يرافق امرأة إلى غرفته فى فندق . إن نيويورك تثير فى النفس عواطف لا تدوم أكثر من ليلة شأنها شأن كل العواصم الكبرى التى لا يعرف فيها الواحد الآخر . لكنه يعرف مدعوته منذ ساعة تقريبا . ومن ناحية أخرى ، لم يرغب أن يكسر سحر اللحظة .وكما أن عطر ميجن يعطيه إحساسا بعالم خيالى .
أضاء نور الحجرة بحركة تلقائية ظهر
ديكور الغرفة الفخم .قال مذعنا بصواب العودة إلى أرض الواقع :
- هل تريدين أن نطلب القهوة ؟
أشارت ميجن لا . تقابلت نظراتهما وتخللتهما نظرة بشكل غامض . وخيم الصمت بينهما من جديد . شعر مايكل بانجذاب شديد نحوها . كان يعرف أن ذلك سيحدث .لم تكن طبيعته أن يرفض ما تمنحه إياه الحياة من سعادة لكنه فى نفس الوقت لم يعرف امرأة قط تمنح نفسها دون أن يكون هناك مقابل . بعضهن لا يفكرن إلا فى المتعة وأخريات لا يفكرن إلا فى المال . أما النوع الثالث منهن فلديه أهداف بعيدة المدى . إلى أى مجموعة تنتمى هذه الغريبة التى تطلق على نفسها جيل . إنها جميلة جدا ، لعوب وغامضة . وسط صمت هذه الغرفة وهى أيضا ترفض مجرد قدح من القهوة .
جلست ميجن على أحد المقاعد الفاخرة ولحق بها مايكل ليجلس فى المقعد المجاور لها . قال :
- ريما نستطيع أن نتحدث قليلا ، أليس كذلك ؟
هزت ميجن رأسها بالرفض . أزاحت شعرها الأحمر الطويل إلى الخلف فى دلال . فقد مايكل صبره وأمسك كتفيها وقد انبعث الشرار من عينيه .
قال بصوت مهتز ضاعطا على أسنانه :
- من أنت ؟ يحدث كل ما هو غريب فى فنادق نيويورك ، أنت تعرفين ذلك أفضل منى . لن تكون الأولى التى تعثر عليها عاملة النظافة مقتولة فى الصباح . تكلمى . من أستأجرك لملاحقتى ؟ كيف تأكدت من انك لا تواجهين أى خطر ؟ من الذى دفع لك من أجل ذلك ولماذا ؟ ما لم تكونى بلهاء تماما ...
أمسك ميجن من رسغيها حتى ألمها . أرهبتها ثورة التكساسى وفى لحظة كادت أن تعترف بكل شئ مفكرة أنه سيطردها خارجا ولا يكون عليها سوى أن تعيد الكرة . لكنها تأملت وجهه القريب منها واستعادت شجاعتها . قالت بصوت لا يخلو من الصدق :
- لقد أعجبتنى . ولست معتادة أن أقتحم خلوة رجل غريب على هذا النحو .
اخترقها التكساسى بنظرة متسائلة . إنه يريد أن يعرف الحقيقة . ولكن لم تعبر عينا ميجن الخضراوان إلا عن عذوبة ورقة وشغف . كانت هذه النظرة تعنى شيئا لدى مايكل وهى أيضا ساهمت فى تعميق لغز ميجن والغموض الذى أشاعته حول لقائهما : إن السيدة التى تقدر على أن تمنح نفسها بهذا التهور لا يكون لديها هذه النظرة . إن مايكل يعرف ذلك جيدا . من المنطقى أن يتسبب عنفه فى تخويف هذه المرأة المجهولة . كان عليها أن تهرب أو تتكلم . وعلى العكس اكتفت ميجن بأن قالت :
- لقد أعجبتنى .
بما أنها كانت صادقة فى أعماقها . صدقها مايكل إنها لا تبدو مجنونة ولا حمقاء لكنها واثقة من نفسها . وهى شغوف به ، يرى ذلك فى عينيها المشتعلتين كالنار تحت الرماد . هدأت ملامح مايكل . إنه هو أيضا شغوف بها . إنهما متوافقان وكأن الواحد قد خلق للآخر .
حرر رسغيها . على الفور أمسكت عقدة رابطة عنقه وفكتها . لقد ربحت ميجن . انحنى مايكل نحو وجهها الجميل وقبلها . همس مايكل :
- ليس لديك نمش . لماذا ؟
- أنا .... لا أتعرض للشمس .
- جمال أصهب يجهل الشمس . أنت بيضاء كالقمر . إنك فى جمال سالومى .
ضحكا . قالت ميجن :
- أنت تروق لى .
- ألست خائفة منى ؟
أشارت ميجن برأسها لا .
ابتسم وعقد ذراعيه فوق صدره ونظر إليها فى تحد :
- ألست خائفة منى ؟
- بلى . لست خائفة .
- لست
رومانسية .ولكنك جميلة .
- لست رومانسية ، لا ، ليس دائما .
إنها لم تكن جسورا من قبل لهذه الدرجة لكنها وجدت المر طبيعيا معه . وقالت لنفسها : هذا لأننى لا أعرفه ،ولأنه ليس من هنا لأنى لن أراه أبدا .
ومع هذا كانت تشعر أنها تعرفه منذ الأزل . ولد لديها اعتقادا أن كل ما حدث هذه الليلة مكتوب فى الكتاب الخفى للماضى والحاضر وأنها ليست هنا عن طريق المصادفة . ولا هو . هذه الفكرة أثارت فى نفسها فرحا غريبا علل كل شئ . ملآت ميجن عينيها من صورة هذا الرجل : فارع الطول فياض العاطفة . لا يوجد من بهرها مثلما فعل هذا الرجل إنها تشعر أمامه بأنها امرأة مختلفة أكثر أنوثة ، أكثر عذوبة ، وأكثر إخلاصا .
فجأة شعرت بأنها تستطيع أن تفصح له عن كل شئ . لكنه لم يسأل عن شئ لقد فقد كل شئ أهميته أمام انجذابه إليها . وعلى الرغم مما قد يبدو فإن ما جمعهما فى هذه الغرفة ليست قصة حميمة .كان يعرف ذلك ولا يفهم شيئا عن ذلك . ثم أعتقد أنه مجنون وسمع صوت رغبته التى تجهل القصص وتسخر من فهم أسباب الأشياء .
تركت ميجن بدورها أفكارها المتناقضة الغائرة فى رأسها واستسلمت لقبلات مايكل . وعندما قبلها للمرة الأخيرة ، فؤجئ مايكل بمذاق الملح الناتج عن دموع جميلته المجهولة :
- أتبكين ؟
- لا
- لا تقولى لا . لقد تذوقت الملح على خدك .
- أنت عطوف جدا . ربما لأنى رومانسية جدا أكثر مما تظن . ليس لدينا دائما الخيار .
ضحك مايكل رامسى من قلبه . جيل الصهباء تجيد تمثيل دور المرأة اللعوب والمراهقة العاشقة الواحد تلو الآخر وبدون تعقيد . على أية حال إنه يريد أن ينام بشدة .
كانت ميجن تستطيع أن تسمعه يضحك ويتحدث طوال الليل .كانت تستطيع أن تبقى دائما بين ذراعيه تحتمى بهذا الحضن الدافئ . وفى لحظة ، شعرت بالألم لفكرة فراقه . ثم تذكرت الطفل . لقد نسيت السبب الحقيقى لوجودها فى هذا الجناح فى فندق هاراباس .
هل أحبها مايكل حقا فى هذه الليلة ؟ لا إنه لم يحبها هكذا . قالت لنفسها : بالنسبة له لم يكن ذلك بالتأكيد إلا قصة عابرة ومرت بسلام . ربما أعتقد أنها امرأة منحلة أوسيدة تعمل على اغواء الرجالتستخدمها الفنادق الكبرى فى المدينة للترويج لها .
ابتسمت ميجن لهذه الفكرة . ليظن ما يريد . فى الصباح سيستقل الطائرة إلى دالاس .وستستأنف ميجن حياتها النيويوركية الطبيعية . ولن يتقابلا أبدا .وكأنها تحاول إقناع نفسها أنه متفق معها . رفعت ميجن عينيها ورأته نائما فقالت : حتى فى نومه جميل .
نهضت ، ارتدت ملابسها بدون أن تحدث صوتا . ثم نظرت إليه طويلا فى النهاية مالت نحوه وطبعت قبلة حانية على جبينه . همست بكلمة شكرا قبل أن تغادر الغرفة .... كالشبح الذى يتلاشى .
لم يصدق مايكل رامسى عينيه . إنه أمام نجمة صهباء تتقدم نحوه . إنه لم يصدق أبدا أن الأحلام تتحقق بهذه الواقعية والسرعة .بشكل لا إرادى أصلح عقدة رابطة العنق . وتبخر تعبه فى الهواء .
سألته ميجن بصوت عذب :
- أما زلت تريد إهدائى شرابا ؟
لم يستطع أن تبدر منه أى كلمة فأذعن بإشارة من رأسه خذلته الكلمات . جلست ميجن على شماله ، قريبة جدا منه . رفعت ساقها الطويلة فوق الأخرى ببطء محسوب فارتفعت الجيب فوق ركبتها تماما . أضاءت عينيها الخضراوين ابتسامة مرحة .
أعتقد مايكل أنه يحلم حقا . ولم يرغب على الإطلاق فى أن يستيقظ .قال بنظرة فاحصة :
- أليس هناك المزيد من الأسئلة المحرجة ؟
أجابت مازحة :
- لا ، بما أنك أنت ايضا رجل آخر . يطلب منا دائما عند القيام بالاستفتاءات والاستبيانات ان نكون فى أبسط مظهر .نظام الشعر المرفوع إلى الخلف والقمصان ذات الياقة ، عقد اللؤلؤ . هذا لا يضايقنى . إننى مهرجة حقيقية وأعشق التنكر .... اسمى جيل .
- جيل ؟
- ألا يروق لك ؟
- بلى ، يروق لى كثيرا .
استطردت ميجن دون تردد :
- يبدو أنك لست على ما يرام ، هل تريد أن أرافقك إلى حجرتك ؟
إنها لم تر فى حياتها شخصا مثله يجمع بين القوة والرجولة والحس المرهف .
- وماذا عن شرابك ؟
قالت ميجن :
- مرة أخرى .