7- أعرف من أحب
وصلت ساندي وليماند الى المستشفى.
" أود أن أكلم مرتا على أنفراد بشأن مستقبل ديرميد , أحتاج لربع ساعة فقط , خذي ديرميد الى الحديقة العامة , سنخبرها بخطوبتنا عند عودتك مع ديرميد".
وقبل أن تجادل , أسرع ليماند يقفز السلالم لوحده , بدأ ديرميد يبكي ويصرخ:
" أريد عمي ليماند , أريد أن أرى الماما".
لكنه سرعان ما نسي بكاءه وعاد يضحك حين وضعته على الأرجوحة وبدأت تدفعه قليلا وهي تلاعبه .
المطر قد غسل الأشجار والأزهار فبدت أكثر لمعانا , الطقس جيد اليوم مما يساعد في مناسبة كهذه : أعلان الخطوبة , كانت ساندي تفكر كعادتها , لكنها أبعدت فرحتها جانبا لأنها تذكرت أن الخطوبة مزيفة , بل مزحة رتبها أحد التوأمين من آل كالدويل , الهدف من تدبيرها أن تربك وتعطل الأشاعات المحلية حول علاقتها بليماند.
منتديات ليلاس
مدت يدها الى جيبها , وجدت رسالتها الى ديريك سلون ما تزال مكانها , لقد نسيت أن تضعها بالبريد , ماذا سيعتقد ديريك بمغامرتها الجديدة هذه , لن يفهم ولو شرحت له القصة مليون سنة : خطوبتها الى ليماند الصورية , ولكن لماذا تشرح له التفاصيل , أفضل أن لا تخبره بها أبدا , عندما ستراه سيكون الصيف قد أنتهى وأنتهت معه خطوبتها الى فارس دانكريغان .
وبعد الأرجوحة , أنتقل ديرميد الى الزلاقة , كان ينزلق عليها مع صغار آخرين من أعلى الى أسفل وهو يصرخ فرحا , وقد وجدت عناء كبيرا لأقناعه بأن الوقت قد حان ليذهب ويرى والدته في المستشفى .
كانت مرتا وحدها في الغرفة , وجهها الشاحب الجميل تبدو عليه آثار الدموع.
" أهلا".
بدت مرتا خائرة القوى بعد أن ضمت ديرميد اليها .
" أين ليماند؟ ".
سألتها ساندي وهي تأمل أن لا تكون دموعها التي ذرفتها , عائقا يمنع ليماند من الحديث معها.
" ذهب يفتش عن هيلين حيث أنها ما زالت تعمل هنا , ساندي , ليماند يريد أن يبقى ديرميد معك في دانكريغان لحين شفائي وكذلك ديرميد يريدك معه , أنا لا أرى ذلك ممكنا بعدما ذكرته هيلين عنك وعنه ... لقد تفوهت بأشاء مخجلة ".
سألت ساندي:
" ماذا قالت؟".
" تقول أنكما تعيشان سوية ... كانت هنا في الصباح تلومني , تقول أنها غلطتي ,كان علي أن لا أدعوك للحضور , وتعلق تعليقات قذرة عنك , أنزعجت كثيرا ... أخبرت ليماند ما قالته عنك ولو لم أخبره لأنفجرت من الغيظ , أبيض وجهه وشعرت كأنه في طريقه للقيام بجريمة , خرج مسرعا ,قال أنه سيفتش عن هيلين ويضع لهذه القصة نهاية".
" هل تحدثتما في مستقبل ديرميد ؟".
سألتها ساندي بدون أن تكترث لما قالته.
" أوه , كلا , لكنني سأفهم الآن أذا رفضت البقاء مع ديرميد في دانكريغان , ولكن من سيعتني به أن رحلت؟".
" لن أذهب , لا ضرورة لذلك , أتفقنا أنا وليماند على أعلان خطوبتنا وهذا سيقطع دابر الأشاعات".
بدا وجه مرتا مضحكا , عيناها تجمدتا من المفاجأة , فمها أنفرج قليلا وبرزت عيناها الى الأمام , أسفت ساندي لأن ليماند لم يكن في الغرفة ليشاهد مرتا على هذا الحال من التعجب والدهشة .
" أليس باردا ؟ لم يذكر لي ولا كلمة عن الخطوبة ولا لمح لي بها".
" أردنا أن نخبرك النبأ سوية , رغب في أن يكلمك على أنفراد بشأن مستقبل ديرميد أولا".
" أنه أحسن خبر سمعته منذ زمن بعيد".
أختفت دموع مرتا وحل محلها بسمة عريضة .
" هل أخبرت والديك؟ أعتقد أن عمتي ستسر للخبر , دائما كانت تفاخر بتحصيلك العلمي , ولكنها , يوم كنت بضيافتكم أسرت الي بأمنيتها أن تراك متزوجة يوما ما , هل حددتما موعد الزفاف؟".
" لا , لا , قررنا فقط الخطوبة الآن ".
شعرت ساندي كأنها وسط تيار يجذبها ولا تستطيع الرجوع , مرتا لا تفكر الا بحفلة الزفاف ؟ مرتا تعتقد أن الزواج أهم خطوة في حياة الأنسان".
" وهكذا , الخطوبة تحل المشكلة , يمكنك البقاء بالرغم مما تقوله هيلين عنك , أنها تغار مني , والآن تغار منك لأننا نقاسم ليماند منزله ....لا أعتقد أنكما أنتقيتما الخواتم بعد؟".
" لا ليس بعد ".
وقالت بنفسها: لن نفعل , هل حسب ليماند حساب الخطوات التي تتبع عادة أعلان الخطوبة .
" أتمنى لكما السعادة".
قالت مرتا ذلك وأمتلأت مآقيها بدموع الفرح هذه المرة , أنها لحظات عاطفية للغاية".
" أنت لست غاضبة لأنه خطبني أنا وليس أنت؟".
" كنت لفترة سابقة أعتقد أن ليماند هو الرجل المناسب ليصبح والد ديرميد , ولكنني تحققت أن ذلك لا ينفع , أنا وهو لا يجمعنا شيء , لا أحاديثنا متشابهة ولا يمكننا حتى أن نكون صديقين , من الضروري أن يكون الزوج صديقا وحبيبا في الوقت نفسه , تعلمت هذا الدرس من زواجي الأول , يوم كنت زوجة كروفورد".
" ظننت أنك كنت سعيدة معه!".
" كنت أحبه يوم كنت أعيش معه , الحياة بصحبته مثيرة وملذة , هي مغامرة طويلة , كان يرغبني طالما أنا جميلة ونشيطة ومستعدة أن أجاريه , وكما لا يخفاك لا يمكنني أن أكون دائما على هذا الحال , لما كنت أحس المرض أو التعب كان لا يهتم لأمري , كان يذهب يفتش عن من يسليه , خارج المنزل , بدلا من البقاء بجواري ليخفف عني ويسليني , لم يحبني بالطريقة التي كنت أرغب أن يحبني ... كنت أتأمل أن أجد يوما ما شخصا يحبني كما أريد".
" بيل لندسي؟".
" نعم , كيف عرفت؟".
" ليماند أخبرني".
" كيف عرف؟".
" أنه يجيد الحساب ".
قالت وهي تضحك.
كان ليماند قد وصل الى الغرفة .
" تهلني القلبية يا شقيق زوجي , لا يمكن أن تختار فتاة أفضل من ساندي".
" لقد أخبرتها؟".
نظر الى ساندي والشرر يتطاير من عينيه.
" كان لا بد لي , كانت تمر بحالة عصبية لأنك أخبرتها أن ديرميد يبقى في دانكريغان فقط أذا رضيت أنا البقاء أيضا معه, وكانت تعتقد أنني لن أبقى بعدما أشيع عني وعنك".
" أنا مسرورة لأنك وجدت أن الحل للمشكلة كان ممتازا , أريدك أن تعرفي أيضا , يا مرتا , أنني قررت أن أتكفل مصاريف تعليم ديرميد عنك , هذا أقل ما أستطيع تقديمه لأبن أخي ديرميد , أنا واثق أن والدي , لو كان حيا , كان سيفعل الشيء نفسه , أهلا بع يعيش معي في دانكريغان الى أن تجدي لك منزلا مستقرا".
وجه مرتا كان الآن جامدا من الفرحة وليس من الدهشة.
" أوه , ليماند , كيف أشكرك؟".
" يمكنك أن تخبري بيل بهذا الترتيب في أقرب فرصة".
قال ببرودته المعتادة.
" كيف حزرت بعلاقتي مع بيل , حاولنا جهدنا أن نبقيها طي الكتمان وسرا لنا".
" ليلة سهرت في الفندق معه ومع آخرين , لاحظت نظراتك اليه , بعد ذلك تحدثت مع هيلين وعرفت منها ما يريده بيل مني بشأن الصغير , بل أخبرها أنه سيتزوج منك ليطمئن بالها ,كانت هيلين تشك بأننا أنا وأنت نعيش قصة غرام , هي لا تثق بي كثيرا ودائما لديها أسباب وجيهة لذلك".
" كم هي سخيفة , هل أخبرتها بخطوبتك لساندي؟".
" نعم الآن , وقبل أن يحل الظلام سيكون الخبر قد أنتشر , حان وقت الأنصراف".
في طريق العودة للمنزل وضعت ساندي رسالتها في البريد , كانت تجهل عنوان ديريك في جزر اليونان لذلك أرسلتها الى عنوانه في أنكلترا , حين وصلا المنزل كان جوني في المطبخ يتناول الشاي .
" كم أنتما بارعان في الكتمان ؟".
" أعتقد أن الأنباء وصلت الى كريغان".
قال ليماند ببرودة .
" هيلين جلبت الأخبار".
كان جوني يسخر. :
" كانت تنتظرة على الشاطىء لتخبره النبأ فور وصوله , كنت أساعده في المركب وقت السباق , سمعت كل شيء , شعرت كأنني أحمق صغير وأنا أعترف له أن لا علم لي بالأمر".
" أنا وساندي لم نكن نعرف .... حتى هذا الصباح ".
قال ليماند ذلك وهو يضحك .
" أهذا كل ما عندك يا جوني؟".
" لا , تهانينا القلبية , كم كان رون صائبا وهو يمزح البارحة , لقد تنبأ لساندي بذلك , كانت والدتي سوف تقول أنها رأت في فنجانها رجلا أسمر".
" هذا صحيح, قالت لي أنها ترى شابا وسيما أسود الشعر في حياتي ".
ضحكت ساندي ثم تذكرت ما قالته نان عن هيلين وقد حذرتها من أنها ستسبب لها المشاكل ... شعرت بقشعريرة تسري في بدنها.
سألها جوني:
" هل ما زلت راغبة في مشاركتنا رحلتنا البحرية غدا؟".
" أوه , لكن....". وأشارت ساندي الى ليماند تعني بها أن ذلك أصبح غير وارد.
" رون سيفهم ولن يقف عائقا بين حبيبين , وأظن أنه سيسعدنا أن يرافقنا ليماند". ثم نظر الى ليماند وأكمل:
" تحتاج لأجازة من العمل , يوما واحدا , لماذا لا يكون ذلك أحتفالا بالمناسبة السعيدة؟"ز
قال جوني.
" ربما".
قال ليماند ونظر الى ساندي بحنان , أحست أن قلبها قد قفز من مكانه من شدة الفرح.
أبحروا في المركب الأزرق , قبل ظهر يوم الأحد , كان ليماند يساعد في فك الشراع وتحكيم وضعه , النسيم عليل , تركوا المصب وخرجوا الى عرض البحر , عملية الأبحار جعلت ساندي تنسى جميع مشاكلها , كان يجلس ديرميد في حضنها بأستكانة , وهي تتمتع بالتهاني التي أنصبت عليها من مرافقيها وتعليقاتهم الخفيفة الظل , كان معهم في النزهة البحرية ستيلا غرانت والساقية الشقراء واسمها جين هاردويك وهي أبنة صاحب الفندق والتي عادت لتمضية عطلة الصيف وهي جامعية أيضا.
وصلوا الى خليج صغير , ربطوا المركب ونزلوا ليسبحوا , طريق العودة كان أقل حيوية ونشاطا , كانوا يبحرون بعكس الريح مما أضطرهم للأستعانة بالمحرك. حين وصلوا المرفأ ركبت هي وليماند ومعهما ديرميد في زورق صغير وتولى ليماند مهمة التجذيف , وقد أحست ساندي أن هذا اليوم من أجمل أيام حياتها أطلاقا, لقد شاركها ليماند فيه وكان هادئا وعاملها بلطف ولباقة لم تعهدهما منه من قبل , كل من حولها لاحظ أهتمامه بها ولباقته في معاملتها.
في المنزل , عاد ليماند الى سابق عهده , قبل أعلان الخطوبة , لم تعد تراه أكثر من السابق , وتراه وقت الطعام ليس الا , الأثنين حضرت السيدة برودي لتدير أعمال المنزل , بدأت بالتهاني والتعليقات وأتبعتها بوابل من الأسئلة .
ومرت أيام الأسبوع متشابهة , بعد الظهر وقت قيلولة الصغير كانت تدرس الصور من جديد علها تحدد موقع الحفريات , ذهبت مرتين لزيارة مرتا في المستشفى , كانت تذهب مع جوني على دراجته , كان ليماند مشغولا جدا ولم تسنح له فرصة للذهاب معها ,منذ الأحد الماضي لم تعد تراه الا لماما , وتخاف أن يلاحظ جوني ذلك ويستغرب الوضع غير الطبيعي بين خطيبين , هذا الأسبوع كان راكدا وكئيبا أذا ما قورن بالأسبوع الذي سبقه , الجمعة أخذت بعض الثياب الى مرتا في المستشفى لأنها تستعد للخروج يوم السبت , حين وصلت ساندي الى غرفتها وجدتها في حالة عصبية كأنها تكبت أحاسيسها , أمطرتها مرتا بوابل من الأسئلة عن الحالة في دانكريغان.
" كل شيء على ما يرام".
أكدت لها ساندي:
" المكتبة أصبحت مرتبة ونظيفة , أنا مسرورة لما قمت به من عملية التنظيف , لو يستطيع ليماند أن يوفر لي بعض الدهان لكنت طليت الجدران وأعدتها قاعة أستقبال من القرن الثامن عشر".
" المنزل يحتاج لأكثر من ضربة دهان ., يحتاج الى ترميم وتغيير للأدوات الصحية وأعمال نجارة ... هل تشعرين الآن أنك سعيدة وهل زايلك الأحساس بالذنب لأنك فرضت نفسك على ليماند يوم حضرت".
" أكيد ".
كانت تكذب.
" ولكن لماذا تسألين؟"
" كنت أسأل اذا كنت ستبقين فترة أطول في دانكريغان , حضرت اليوم هيلين لزيارتي سترحل عن كيركتون بعد أن سنحت لها الفرصة لتعمل هنا شريكة للدكتور باركر , تقول هناك فرصة أخرى لها في غلاسكو , ستعمل في أبحاث عن السرطان ستسافر مع والدتها , كانتا مضطربتين , وأنت تعرفين السبب؟".
" كلا , لا أعرف السبب , هل تعرفينه أنت؟".
" السبب هو خطوبتك الى ليماند , كانت هيلين تمني النفس بأن تتزوج أحد التوأمين وكانت على وشك الزواج من كروفورد ولكنه تشاجر مع والده وطرده من المنزل وتزوج بي , هيلين تظن أنها اذا عملت في كيركتون قرب عمل ليماند ربما تتحقق أمنيتها في يوم من الأيام".
مسكينة هيلين , ولكن لماذا مرتا تعطف على حالها؟ صحيح أنها سببت لها المشاكل وتناولتها بالأشاعات , ولمحت الى العلاقة بينها وبين ليماند بشكل قذر , ولكن ها قد ردت الحراب الى نحرها وعادت عليها بأسوأ النتائج , سترحل من جديد بدون أن تحظى بأحد التوأمين , ستخبر ليماند بالأمر , ماذا ستكون ردة الفعل لديه؟ هل نسي أن يعمل حسابها؟ هل يهتم لأمرها؟ وكيف لها أن تعرف؟ أنه نسيج وحده ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بتصرفاته.
عادت الى دانكريغان مع جوني على دراجته , أنزلها أمام المنزل وأكمل من جديد الى كريغان , الشمس وقت الغروب ترخي ظلالا خفيفة فوق التلة خلف المنزل , حدقت ساندي ورأت بكل وضوح ظلا مستديرا , لا بد أنه يعكس خندقا كان يلف الحصن القديم .
ركضت الى مكتب ليماند تخبره أنها ستصعد التلة خلف المنزل , طلبت اليه أن ينتبه الى صوت ديرميد حين يستفيق , لن تتأخر , كان في غرفة جانبية , أثاثها فخم من طراز وندسور , لم ينظر اليها حين سألته بل أكتفى بأن همهم .
أخذت همهمته على أنها موافقة , كان ليماند مشغولا جدا في تحضير الميزانية وبقية أعمال المزرعة كعادته في نهاية كل شهر .
بدأت الشمس تشحب وتستعد للمغيب , صعدت التلة وتعرفت الى الحفرة , كانت مليئة بالعليق , خلف الحفرة ترتفع الأرض بأنحدار بسيط , التلة كلها تشكل الحصن , مشت حول التلة مع الحفرة , وجدت نفسها كما أنتظرت , في الضفة الثانية من التلة , تشرف على مصب النهر , وصلت الى حاجز من الأسلاك الشائكة والتي تشير ال حدود أملاك دانكريغان , الجهة الثانية قد مهدت وأعدت للبناء , أختفت الحفرة كليا هناك , نزلت التلة فوجدت حفريات شبكة تصريف المياه والجوارير .
قاعدة أساسية في عمليات التنقيب تقوم على دراسة حفريات المجارير قبل البدء في البناء , هنا يمكن للخبير أن ينقب وأن يتحقق أذا ما ظهر أي شيء له قيمة أثرية الى الوجود , هذه الأ**** قد أشتراها البنّاء كارسون , الحفريات موجودة , عليها فقط التحقق لعلها تجد بقايا خزف أو آثار أخرى من هذا القبيل , لتجزم أن حصنا قديما كان هناك , ستعود غدا للمزيد من التفحص.
بدأت تمشي بمحاذاة الحاجز , فجأة أنتهى الحاجز ووجدت نفسها في الطريق التي مشتها مع ليماند يوم عادت برفقته من كريغات , تحتها حصن دانكريغان كأنه شبح وسط الظلام الذي بدأ يحل بالمنطقة , تنبهت أن أحدا يتحرك بأتجاهها في الممر , أنه ليماند...
" جئت أبحث عنك , لقد أتصلت والدتك وأخبرتها أنك ستتصلين بها حين عودتك".
كان يقف أمامها وجها لوجه.
" هل حدث شيء عندنا في البيت؟ هل أخبرتك والدتي أي شيؤ؟".
" لا , تبدين قلقة , هل تنتظرين حصول أي شيء في منزلكم؟".
" ربما وصلتها رسالة من مرتا تخبرها عن الخطوبة , كان علي أن أخبرها بنفسي قبلها .... ولكن , أظن أن تعقيدات لم نلحظها من قبل تنتظرنا".
" لماذا تقولين تعقيدات بالجملة؟ أذكريها!".
" هيلين سترحل , سوف لن تبقى لتعمل في كيركتون ".
" وماذا يهم ؟ أنها حرة التصرف وتختار ما يروقها ".
ظهر لساندي أنه لا يهتم بها.
" أنها سترحل لأنها جرحت مرة ثانية من أحد أبناء كالدويل , خطوبتك لخبطت كيانها".
لم يجبها فورا , حين أجابها كان يبدو مسرورا وتمنت لو ترى وجهه , كانا يمشيان جنبا الى جنب والعتمة تغطي المكان .
" هل أنت حزينة لأجلها , لا تهتمي بها , هل يزعجك أن تخبري والديك بالخطوبة؟".
" لا , ألا أذا كان ذلك يضايقك ".
" لن أتضايق , أخبريهم بالأمر".
ثم أكمل:
" خطوبتنا لها حسنات وفوائد عديدة".
أصبح هادئا زيادة عن اللزوم , خافت , ربما سينقض عليها ليستفيد من فوائد الخطوبة , ركضت بسرعة أمامه ولكن يده امسكت بها , وأدارها بسهولة لتواجهه وهو ما زال ممسكا بها ويداه على خصرها , مستعدا أن يضيق عليها أن حاولت أن تتحرك.
" لا تركضي بسرعة , على مهلك قليلا , القمر ليس بدرا الليلة ولكن هناك نجمات تكفي ".
وضعت يدها على صدره لتبعده وهي تدافع عن نفسها , أحست سرعة نبضات قلبه تحت يدها , كان ما يزال بثياب العمل التي يلبسها في الحقول , قالت ببرودة تصنعتها:
" أعلان خطوبتنا لا يعطيك الحق في مغازلتي".
" أعتقد أنها كذلك , لقد قيل لي أن العناق والغزل من متمتات الخطوبة بل أهم ما فيها , في نيتي أن أتمسك بحقوقي وأمتيازاتي وأنتفع بها كاملة".
" لا تنتظر مني أن أحب ذلك".
حين عانقها خافت أن يشعر بحماسها له , أو أنها رضخت لرغباته بسهولة , أستجمعت قواها وأفلتت منه وركضت كأن وحشا بشريا يلاحقها , كان شعورها الحقيقي سعادة كبيرة تلت العناق والركض , تمنت لو يلحق بها ويجعلها تدفع الثمن مزيدا من العناق حتى يكتفي وتكتفي .
وصلت الى المطبخ ومنه الى القاعة الأساسية , كان قد لحق بها , أمسك بها قرب باب القاعة وجعل الحائط خلفها , نظراته صاروخية , عانقها بقوة ورمى بكل ثقله على صدرها , لم تستطع الحراك أو الدفاع لأن المد المثير الذي أرتفع في داخلها غمرها .
" أنت تحبين العناق".
قال بحنان وقد أنقطع نفسه :
" وقبل أن ينتهي الليل سأجعلك تعترفين بأنك تحبينه".
أبعدها قليلا عن الحائط وأحاطها بذراعيه ليضمها اليه أكثر , هذه المرة كان عنقه لطيفا , كان يحرك عواطفها حسب رغبته , يأخذ منها مقابل ما يعطيها , رفعت يدها لتلمس وجهه وتلعب بشعره الأسود , لا فرق عندها بعد الآن ماذا سيحصل , مرة ثانية شعرت أنها ترغب بكل ما يرغب فيه.
لأول مرة منذ حضرت ساندي الى دانكريغان أطالت النوم صباحا .
أستفاقت على يد صغيرة تهزها , فتحت عينيها لتجد ديرميد قربها مصبوغ الوجه بحمرة الشفاه كأنه مهرج.
" ساندي , قومي , أنني جائع وأريد الفطور".
" ماذا فعلت بوجهك؟".
" أستعملت أدوات الزينة خاصة الماما , هي تضع الحمرة على فمها , هل شكلي جميل مثلها؟".
أعطاها أصبع الحمرة وقد تهشم وأصبح لا ينفع لشيء.
" أيها العفريت الصغير!".
أحتارت ساندي هل تضحك أم تصرخ في وجهه وتؤنبه.
" علي أن أنظفك قبل أن يراك عمك ليماند والا سيكون لك معه شأن آخر".
مشى ديرميد معها الى الحمام بدون معارضة خوفا من توبيخ عمه له , أطلت الى غرفة مرتا فوجدت جميع أدوات الزينة والملابس مبعثرة هنا وهناك , نظرت اليه فأذا هو يستعطفها وهو يرتجف:
" لا تقولي لعمي ليماند".
" طيب , لكنك شيطان يا ديرميد مثل أبيك وعمك حين كانا في عمرك...".
كان المطبخ خاليا , لا جوني ولا ليماند بالداخل والسيدة برودي لا تحضر يوم السبت , الصحون الوسخة في المغسلة, وضعت الشاي وحضر جوني , جلب فنجان شاي وصب لنفسه وبدأ يشرب وقال:
" تأخرت في النوم , متأسف لأنني قطعت علكما عناقكما , أنت وليماند الليلة الماضية".
كانت واثقة بأنه لن يترك هذه الفرصة تمر بدون أن يعلق عليها.
" لا تهتم , كنا فقط نقول مساء الخير".
" أوه , لا تقلقي يا ساندي , هل تظنين أنني لا أفرق بين عناق مساء الخير والعناق الحار .... لقد نلت اللوم والتقريع العنيف من ليماند لأنني عدت باكرا من القرية , وهذا الصباح لم يكن ودودا معي ".
بالتأكيد لأن رجوع جوني باكرا الليلة الماضية ضيع على ليماند فرصة , كان يرغب في مغازلة ساندي لحين تعترف له بأنها تحب العناق مثله , حضور جوني جعل ليماند يفلت ساندي التي ركضت بدورها الى غرفتها في الطابق العلوي.
كانت ساندي تراقب جوني وهو يرمقها بنظرة العارف في بواطن الأمور , بدأت تتلهى وتخبره بما قام به ديرميد من شيطنة , فيما هما يتكلمان رن جرس التلفون , طلبت من جوني أن ينتبه الى الصغير كي تتكلم على التلفون :
" ساندي , أنا أمك , لماذا لم تتصلي مساء ؟".
" متأسفة يا ماما , تأخرت في أستلام رسالتك الهاتفية لي وأعتقدت أنك ذهبت للنوم , هل هناك أي مشكلة؟ أنت تتكلمين في التلفون من مسافة بعيدة وفي النهار!".
" لا , لكن أخباري لك ضرورية , زارنا صديقك ديريك سلون ....".
" لكنه موجود الآن في جزر اليونان".
" لا , لقد عاد , أنتهت المهمة قبل موعدها , وصل هذا الأسبوع الى أنكلترا , وجد رسالتك بأنتظاره , كان متحمسا جدا لما أكتشفت , سيمر عليك قبل أن يزور صديقه الذي يعمل في متحف غلاسكو- قسم التنقيب, كان عليّ أن أعلمك , سيصل بعد ظهر اليوم , سيحضر بالسيارة , هل يستطيع أن يتصل بك؟".
" بالطبع , أمي , هل أستلمت رسالة من مرتا مؤخرا؟".
" لا , لا منك ولا منها , لماذا , ماذا يحصل عندكم؟".
" كنت أفكر أن أكتب لك أو أتصل تلفونيا لأخبرك أنني أعلنت خطوبتي".
" صحيح , يا حبيبتي , ما أحلى أخبارك , هل خطيبك شخص نعرفه؟".
" لا , ولكنك سمعت به , أنه ليماند كالدويل , سلف مرتا.... في البداية كنت لا أحبه!".
" هذا يحصل دائما , أظنك حكيمة لأنك ترغبين في فترة خطوبة , لا تتعجلي الزواج مثل مرتا , الخطوبة تعطيك فرصا أفضل للتعارف وكذلك للتراجع قبل الأرتباط الجدي في حال وجدتما أن الزواج لن ينفعكما , علي أن أتركك الآن ,والدك خلفي يذكرني بتكاليف هذه المخابرة , يرسل لك حبه , سأكتب لأقول الى ليماند أننا نحب أن نراكما في زيارتنا متى تسنح لكما الظروف".
أغلق ساندي سماعة التلفون , شعرت براحة بعد أن أخبرت والدتها بالخطوبة , كان جوني ما يزال يلعب مع ديرميد ويضاحكه.
" أين ليماند؟".
" يطعم العجول".
" أنتظر مع ديرميد دقائق قليلة أرجوك , علي أن أكلم ليماند بشيء هام".
ركضت الى الزريبة , الهواء خفيف وكذلك الأمطار , كان ليماند يحمل سطلين فارغين , رآها راكضة نحوه , توقف مكانه ينتظرها.
" ما الخبر؟".
سألها, كان جافا , لا وجود لأبتسامة على وجهه , التعب ظاهر على محياه كأنه لم ينم أبدا الليلة الماضية .
" مزيد من التعقيدات".
قالت له:
" اتصلت والدتي , لدينا زائر بعد الظهر ".
" هل ستحضر والدتك الى هنا؟".
" لا , أنه صديق لي".
أجابها ساخرا:
" هل هو صديقك الذي تشاركينه ميوله , بقايا الخزف , الآثار والتوابيت".
" أنه هو".
أجابته وهي تتعجب كيف حزر , كان ليماند يضحك بصوت مرتفع.
" لماذا تضحك , أنا مرتبكة ...".
قالت وهي تكاد تنفجر من الغيظ ".
" ما الذي يضايقك ؟ هل تجدين خطوبتنا مربكة الآن؟".
" نعم , لا أظن ديريك سيفهم أسباب الخطبة المزيفة , لا أعرف كيف سأشرحها له".
" أرجو أن لا تكوني راغبة في قول الحقيقة له؟".
" لا أستطيع أن أخبره الحقيقة ألا أذا وافقت أنت , ربما سيشعر بجرح مثل جرح هيلين".
" هل أخبرت والدتك بالخطوبة؟".
" نعم".
" هل كانت متفهمة للوضع؟".
" نعم , قالت أعلان الخطوبة أولا عمل حكيم يساعدنا في أن نتعرف أكثر على بعض , ثم نستطيع فسخها حين نقرر أننا لا نصلح للزواج".
" أذن , قولي لديريك الشيء نفسه , وأذا لم يفهم يكون ذلك من سوء طالعه , أذهبي الآن الى المنزل من أجل رعاية ديرميد".
" ولكنني...".
" قلت لك ما يتوجب عليك عمله, ألم تحضري الى هنا لتأخذي نصيحتي ؟ هل كنت تعتقدين أنني سأفسخ الخطوبة بسهولة فترة زيارة ديريك هنا, أنا لا أستطيع ذلك , آسف , أذا فسخت الخطوبة بهذه السرعة تزيد الأشاعات أكثر وبالتالي لن تستطيعي البقاء , آسف لأن الخطوبة بنظرك ورطة مربكة , لكننا وافقنا عليها سوية , من أجل سمعتك وفضائلك , كي لا تزيد من تلطيخ سمعتي وتزيدها سوادا وكي نعطي مرتا الوقت اللازم لتحصل على رغباتها .... عن أذنك , أنني مشغول , لدي حيوانات أريد أطعامها".
تكلم بخشونة وكبرياء مما جعل ساندي تظهر أمامه كأنها عبدة له , عليها الأخلاص والولاء , نظرته اليها كشيء يثير قرفه أشمئزازه.
" نعم , نعم يا سيدي".
أجابته وهي تضحك , قدمت له تحية ملكية , ركعت له ساخرة لم تعد تشعر ساندي أن عواطفها قد جرحت , لكنها أحست بالدموع تجول في عينيها , فتشت عن السبب , ولكنها أستبعدته على الفور , لا يمكنها أن تعترف أن خشونته قد جرحت أحساسها , لأنها في قرارة نفسها قد وقعت في حبه.
صباحا رن جرس التلفون وكانت مرتا على الخط , كان صوتها ضاحكا .
" أحزري يا ساندي".
" ماذا ؟".
" تزوجنا الآن , برخصة خاصة , أنا وبيل".
" لماذا لم تخبريني البارحة بعزمك؟ كنت ولا شك تعرفين".
" أردناه زواجا سريا , أرجوك أخبري ليماند بالنيابة عني".
" طبعا , سأقول له , ألن تحضري الى هنا بعد الظهر كما أتفقنا؟".
" لا , سنذهب شهر عسل صغير الى بلد يعرفها بيل , عندما نعود سنأخذ ديرميد ليعيش معنا في بروكفيلد".
" لم أسمع أن أحدا تزوج وهو بالجص وعلى عكازين!".
" ولا أنا كذلك ".
قالت مرتا وهي تضحك .
" قررنا أن نبقى سوية , بما أنه سيعالجني في أي حال".
وقا الغداء ., أعلنت ساندي الأنباء الى ليماند وجوني , لم يعلق ليماند , سر جوني وقال:
" خطوبة هنا وزواج هناك , علي أن أرجع فورا الى الجامعة قبل أن تصيبني العدوى , كما تعرف يا ليماند , لقد تغير هذا المنزل منذ وضعت مرتا قدمها فيه".
" هذا صحيح , ولكن لا تهتم للأمر , كل شيء سيعود لسابق عهده بعد أسبوع أو أكثر ".
أجاب ليماند.
كان ليماند يرمي من كلامه أنه لا لزوم لها في دانكريغان بعد أن تأخذ مرتا أبنها .
فترة قيلولة ديرميد أمضتها ساندي في المكتبة تفتش من جديد عن البقايا الخزفية التي عثر عليها كافن , عليها أن لا تتعجب من موقف ليماند الجديد , لا شيء غريب عن طبيعته , دائما بارد ولا يكترث , غريب الأطوار أحيانا , ها هو يتصرف الآن كأنه ليس صديقا لها أو حتى حليفا.
" ولكن الليلة الماضية , لو لم يحض جوني... ثم أبعدت عنها هذه الفكرة بسرعة , ما الذي كان سيحصل ؟ حضور جوني كان لصالحها , ثم يوم حضرت هيلين وقطعت عليهما عناقهما ... لو لم تحضر... ولو لم يحضر جوني.... ربما كان ليماند أضافها الى لائحة الأزهار التي قطفها ثم رماها , أنها تعرف , أنها لن تقاوم سحره.
أمتلأت عيناها بالدموع من جديد , أمسكت بكتاب لتنظيف الغبار عنه , كان كبيرا وسميكا , فتحت الغطاء وأصابتها رعشة على الفور , أنها كانت علبة متخفية بشكل كتاب , بداخل العلبة بقايا ملفوفة بعناية فائقة في ورق ناعم.
نسيت دموعها , فتحت العلبة بعناية , ظهر لها دبوس الزينة المعدني ( ربما كان مصنوعا من الذهب) , الدبوس يشبك القماش حول الرقبة أو على الكتف , ملصق بالدبوس بطاقة كتب عليها كافن بخطه : وجد في حفرة في التلة مما يؤكد نظرية تشايلد في بداية هذا القرن , أن دانكريغان هي موقع حصن قديم في العصور المظلمة , ثم وجدت العجينة الفخارية وعليها بطاقة تقول: وجدت في حفرة التلة , ربما بقايا عجينة للصب في قوالب معدنية.
أعادت ساندي البقايا في عناية , أن ديريك يستطيع مساعدتها لتحديد قيمتها , ستأخذ رأيه عند وصوله .
وقع نظ ساندي على صورة لكافن وفيليدا فوق المكتب , أمسكت بها لتعيد النظر , ما أعجب هذا الرجل , أنه مزيج من الكبرياء والعجرفة ولكن في داخله أحساس عميق , هو عالم وباحث وقد ربح الميداليات لبطولات وشجاعة في المعارك , ليس ليقتل بل لينقذ أرواح الرجال الذين يعملون تحت أمرته.
نظرت الى فيليدا ,وجهها البشوش فيه مكر محبب , قيل أن المرأة مستهترة ومتيقظة , قيل أيضا أنها متحمسة , ولا تفكر في نفسه , هي الوحيدة التي تبرعت في مرافقة ستيوارت لندسي في رحلة تجريبية في مركبه الجديد وقد غرقت معه , مما لا شك فيه أن كافن قد أحبها , ولكن هل كانت هي أيضا تحبه , هل أحبت ستيوارت لندسي ؟ لا أحد يعرف , فقط فيليدا وحدها تعرف الحقيقة وقد ماتت فيليدا وماتت الحقيقة معها.
أنتقل تفكيرها الى بيل وهيلين ,ولدي ستيوارت , ثم ليماند الولد الحي الباقي لكافن , قارنت بينهما , الشعر الأسود وعينا كافت التي تشبه الصاروخ وتمتمت لنفسها : لو كنت أنا مكان فيليدا لكنت بالطبع أعرف من أحب.