2/ الزائـرهـ
أستفاقت ساندي مذعورة من حلمها , لتجد نفسها وحيدة في غرفة نوم صغيرة , هذا هو اليوم الأول لها في دانكريغان , كانت أشعة الشمس تدخل الغرفة من فتحة صغيرة في الستارة المخملية الخضراء العتيقة , التي تغطي قسما من النافذة لا يتعدى أطارها , سمعت ساندي زقزقة عصفور صغير يغرد , مع صوت العصفور أصوات أخرى متشابكة , لمطرقة حديدية تغل الحديد وأصوات رجال يتكلمون , صوت محرككك سيارة بدأ يدور , وشاحنة أو جرار ثقيل يسير فوق الأرض.
منتديات ليلاس
قفزت ساندي من فراشها ونظرت من النافذة بعد أن فتحت الستارة , كانت غرفتها تقع في مؤخرة المنزل وتشرف على ساحة خلفية تحيط بها أبنية زراعية بيضاء , كانت شاحنة لنقل الحليب تحاول الخروج من الساحة الى الطريق العام , يقف بالقرب من الشاحنة شاب يلبس بنطلون جينز وقميصا بدون أكمام وفوقه كنزة صوفية خفيفة قبتها مفتوحة على شكل سبعة , وينتعل جزمة مطاطية , يراقب خروج الشاحنة وضع أصابعه في فمه وصفر , وللفور ظهر كلب لونه أسود يخالطه بياض , كلّمه الشاب ومشى وأياه الى بناية مجاورة , دخلاها , وبعد ثوان قليلة خرج من البناية قطيع من الأبقار والماشية , بعضها أسود وأبيض , تمشي مترنحة ببطء , نظرت ساندي الى البعيد خلف الساحة , رأت حقلا أخضر فسيحا وفي وسطه حصن عال , حجارته رمادية تلمع تحت أشعة الشمس , الحصن موجود فوق هضبة من العشب الأخضر وتجري بجانبه الميته الزرقاء تتراقص مع أشعة الشمس حيث يصب النهر.
الحصن مربع وفيه نوافذ ضيقة طولا , وجود الحصن ينبىء عن سلطة وعظمة وقوة عائلة كالدويل في الماضي , شعور مثير أنتاب ساندي وهي تراقب الحصن من بعيد , هو الشعور نفسه الذي يخالجها كلما وجدت نفسها في مكان أثري تاريخي.
سمعت ساندي صفيرا مرة ثانية , في الباحة... ألتفت الى مصدر الصوت , كان الشاب قد خرج من الزريبة ينظر اليها , وجهه مكشرا عن أبتسامة عريضة , وبعد أن أسترعى أنتباهها اليه , بادرها محييا اياها وهو يلوح لها بيده , ردّت له تحيته بلأن لوّحت له بيدها ايضا وتراجعت الى داخل غرفتها.
لبست ثيابها بسرعة , وما أن أنتهت حتى سمعت طرقا خفيفا على بابها , فتحت الباب , كانت نان تحمل لها فنجانا من الشاي , وكان ديرميد الصغير ذو العامين , ممسكا بثوبها الطويل القديم , كان شعرها جديلة طويلة على كتفها , وما أن لمحت ساندي ديرميد حتى أخفى وجهه خلف نان.
" جلبت لك فنجانا من الشاي , هل نمت جيدا؟".
" شكرا , نعم , نمت فورا , شكرا لأحضارك فنجاي الشاي , أرجو أن لا تفعلي ذلك كل يوم , أنا معتادة أن أستيقظ باكرا ".
قالت ساندي لما رأت الصغير :
" أهلا ديرميد , هل تذكرني؟".
نظر الصغير وهز رأسه أيجابا , نظرت ساندي الى شعره الأسود وقالت في نفسها : لا بد أنه ورث سواد شعره عن والده وعائلة كالدويل , أما عيناه الذهبيتان الواسعتان فقد ورثهما عن مارتا , عيناه مثل عيني الهرة , لا يرف له جفن أذا حدق.
" سآخذ ديرميد ل المطبخ من أجل فطوره , مرتا ما تزال نائمة , لقد عادت البارحة مع جوني بعد منتصف الليل".
" لكن جوني أستفاق باكرا!".
" نعم , لقد أيقظه ليماند ليرعى الأبقار , هذا عمله لهذا الصيف , عليه رعاية البقر وحلبها وشحن حليبها للسوق كل صباح , هل تحبين العصيدة مع الزبدة ثم اللحم مع البيض للفطور؟".
" هذا كثير".
" سأطبخ من أجل جوني ويمكنك مشاركته فطوره , ليماند تناول فطوره باكرا وذهب الى كيركاد برايت سيغيب اليوم بطوله , لديه أجتماع مع أعضاء المجلس البلدي ".
أنتهت نان من تفصيلاتها ولمست شعر ديرميد وهي تقول له :
" تعال , أتبعني , ستتناول فطور الصباح".
نزلت ساندي الى المطبخ وكان قد سبقها جوني الى طاولة الطعام وبدأ يتناول فطوره , كذلك كان ديرميد يجلس على كرسي خشبي عال قديم وقد وضعت نان فوطة حول عنقه , يحاول أن يطعم نفسه بجهد جهيد.
" أجلسي يا ساندي".
قال لها نان وهي تضع أمامها صحن العصيدة .
" هذا أبني جوني , هذه ساندي أبنة عمة مرتا يا بني".
" أهلا".
قال الشاب وهو يكشر عن أسنانه بأبتسامة عريضة , شعره أسود قصير وقد أنسدلت غرة فوق جبينه من الأمام , تكاوينه كبيرة ولا يشبه والدته أو ليماند .
" أهلا بك في دانكريغان , الظاهر أن قدومك خير علينا , فقد جلبت معك الطقس الجيد , قالت لي مرتا أنك تخرجت لتوك من الجامعة في علم التاريخ , ماذا ستفعلين بعد التخرج؟ هل ستدرسين في مدرسة؟".
" كلا , لن أعمل , أحاول أن أتابع دراستي الجامعية للحصول على درجة عليمية أخرى".
ثم أضافت:
" ماذا تدرس أنت يا جوني؟".
كان حديثها معه سهلا ومنفتحا , شخصيته لينة لا غموض أو قساوة فيها.
" أدرس علم الأحراش , سأتخرج بعد سنة من الجامعة , أحب أن أتجول في العالم قليلا وأعمل في مدن مختلفة , كما فعل ليماند , لأكتسب خبرة ضرورية قبل أن أستقر , ستحبين هذا المكان أذا كنت تهتمين بعلم التاريخ , توجد آثار قديمة عديدة هنا , لا تمشين خطوتين الا وتقعين على آثار أو بقايا آثار".
أجابها بلباقة .
" رأيت الحصن هذا الصباح وأظن أنه بني في القرن الرابع عشر , هل تعلم متى أمتلك آل كالدويل هذا المكان؟".
" لا , لا تسأليني , أنا لا أعرف أكثر مما دار من منتصف القرن العشرين فقط".
أجابها وهو يضحك ثم نظر الى والدته وقال:
" هل تعرفين يا أماه متى حضر مؤسس عائلة كالدويل الى هنا ؟".
وضع صحنه بعيدا وتناول صحن البيض واللحم.
أجابت نان:
" قال لي كافن أن العائلة تنحدر من صلب فارس نورماندي يدعى سيرغاي , قدم لمساعدة الملك داوود الأول من أجل تثبيت حكمه في سكوتلندا".
" كان ذلك حوالي القرن الثاني عشر".
علّقت ساندي , كانت مسرورة من أن نظريتها الأولى برهنت عن صحتها.
" نعم هذا صحيح".
أجابت نان , ثم أكملت:
" كان كافن يقول أنه وجد عدّة أبنية في الطرف الآخر , ويعتقد أن هناك مستوطنين قبل آل كالدويل , وقد بدأ حفريات عدة في الأرض للأستكشاف والتنقيب".
" تنقيب عن الآثار!".
صرخت ساندي بحماس.
" نعم , كان يجرب بيديه من وقت لآخر يحاول العثور على جواهر قديمة أو أدوات فخارية مما يساعده في معرفة تاريخ المستوطنين الأوائل هنا , حاول كافن أن يكتب تاريخ حصن دانكريغان".
" ماذا حلّ بمخطوطاته؟ هل نشرها؟".
سألتها ساندي بألحاح.
" كلا , مات قبل أنجازها , هي موجودة في المكتبة , صفحات وصفحات من الكتابة".
" هل يمكنني قراءتها ؟".
سألتها ساندي ثم نظرت الى جوني لأن نان أستدارت الى جانب الموقد , رفع جوني كتفيه أشارة أنه لا يعرف , وقال:
"عليك أستئذان الريّس هنا , هو الفارس الحالي في دانكريغان , المكتبة في حالة كبيرة من الفوضى , كان الرجل العجوز كافن لا يسمح لأحد بدخولها , ولكنني آمل أن لا يكون علم التاريخ هو همك الوحيد ؟ هل قمت بأية رحلة بحرية في السابق؟".
" نعم , نملك أنا وأخي زورق تجديف صغيرا نستعمله في عطلة نهاية الأسبوع , نجوب فيه الشاطىء الجنوبي بحرا".
" أذن ربما تبحرين هنا أيضا , لي صديق يدعى رون كارسن .أشترى مؤخرا مركبا شراعيا ويأمل أن يستعمله في السباق ما رأيك في مشاركتنا رحلتنا هذا الأحد؟".
" أحب أن أشارككما , ولكنني لا أعرف برنامج عملي بعد , لقد حضرت الى هنا لرعاية ديرميد من وقت لآخر , ولست في عطلة صيفية للراحة والأستجمام!".
ودهش جوني كما دهش ليماند من قبل , وتعجب أن تكون مرتا في حاجة لمن يساعدها في رعاية ديرميد , ثم قال:
" أمرأة عظيمة هي مرتا , أليس كذلك؟ لا وقت لديها لتفاهة تحرير وحقوق المرأة أو مساواتها بالرجل , همّها أن تحافظ على جمالها وتلفت الأنظار اليها وتظهرها بمظهر لائق وفاتن , هي صعبة المنال ".
ثم أردف يسألها:
" كم ستمكثين هنا؟".
" لا أعرف بعد , ذلك يتوقف...".
لم تعرف ساندي بماذا تنادي ليماند , أذا كان فارسا حقيقيا فعليها مناداته بسير ليماند...
" يتوقف على الريّس".
أكما جوني عنها جملتها وقد أتسعت تكشيرته .
" هل هو فارس حقا؟".
" أفضل من فارس , لقد ورث لقب بارون عن جدوده".
شرحت نان وهي تضع أمامها صحن البيض مع اللحم وأكملت حديثها:
" هل ترغب في المزيد من الشاي يا جوني؟".
" كلا , شكرا يا أماه , عليّ أن أعود لعملي , أحد الجرارات يتعبني , ولقد وعدت ليماند بتصليحه".
أنهت ساندي فطورها وساعدت ديرميد في طعامه , حملت الصحون الوسخة ال المغسلة من أجل جليها لكن نان رفضت أن تدعها تنظفها قائلة:
" كلا , كلا يا صغيرتي , أتركي الصغير معي وأحملي هذه الصينية لمرتا في غرفتها , سنفاجئها بمفاجأة صغيرة , ستجدينها في غرفتها مقابل غرفة الصغير , سلمي عليها وثرثري وأياها قليلا ".
ظهر الممر رثا باليا أكثر من السابق في وضح النهار , تسلقت ساندي السلالم العارية من السجاد وأجالت بصرها في أطارات الصور الزيتية المطلية بالذهب المعلقة على الجدران , كلها رجال سود العيون والشعر .
كان يرتدي لباسا عسكريا لفارس في الجيش , كتب أسمه في أسفل صورته وعليها تحديد وظيفته في الجيش , فارس دانكريغان.
دخلت غرفة مرتا بلطف , مشت الى طاولة قرب السرير ووضعت عليها الصينية , حاولت فتح الستائر عن النوافذ , كانت غرفة مرتا تطل على المدخل الرئيسي للمنزل , الى جانبي الممر المؤدي الى المنزل , عشب أخضر ترعى البقرات السود والبيض منه مسرورة ****ة , بعضها يتمشى في الممر بدون حرج , خلف الممر منحدر تغطيه شجيرات شوكية صغيرة ملفوفة , وقربها بعض شجرات الحور الطويلة وقد مالت بأتجاه الرياح , السماء صافية وزرقتها لامعة.
" ساندي , وصلت , كم أنا سعيدة برؤيتك!".
أستيقظت مرتا لتوها , جلست في سرير نحاسي قديم ترتدي غلالة نوم شفافة , من اللون الأخضر الفاتح يكشف عن أحد كتفيها , جسمها البض ووجهها المستطيل الجميل يتوجه شعرها الأحمر الذهبي يتموج بثورة حول عنقها الفاتن , رفعت يديها لأستقبال ساندي بالعناق ولفورها مشت ساندي نحوها وجلست نحوها الى حافة السرير لتعانقها.
" جلبت لك فطورك , أسرعي بأكله قبل أن يبرد".
قالت لها ساندي بعد أن أنتهت من العناق والترحيب , حملت الصينية ووضعتها أمامها .
" شكرا , أنت حملت فطوري!".
" هي فكرة نان".
" وهل ديرميد معها؟".
" نعم , وعدت أن ترعاه في غيبتي عندك".
" حسنا فعلت , يمكنني الآن التحدث اليك من القلب للقلب , وجودك معنا سيكون مفيدا , كم تمنيت أن أجد قريبا لي أتكلم معه بصراحة , نان عطوفة وحنونة ولكنها غريبة عني , هي لا تتحمل مني أي أنتقاد أبديه بخصوص المنزل أو العائلة ".
سكتت مرتا لتأكل بعض الخبز المحمص ثم أكملت:
" ما رأيك في المنزل يا ساندي؟ ألا تجدينه صرعة , مفروشاته القديمة أثرية عفنة وبالية , أنواره خافتة , كل شيء هنا على الطراز القوطي( نشأ هذا الطراز في فرنسا وأنتشر في أوروبا الغربية في منتصف القرن الثاني عشر ) كل شيء في هذا المنزل يشير الى مظاهر العظمة والغطرسة للسيد الأعلى , والحاكم المطلق".
" تقصدين سير ليماند!".
" نعم , هو من أعني , أرجوك لا تناديه سير يا ساندي , هو صحيح متغطرس ومتكبر وغامض ولكنه يكره الشكليات , أعتاد أن يعيش على طبيعته عندما سكن في كندا , وغيرها من البلاد التي عمل فيها , كيف كان مشوار الطريق معه من دمفريز؟".
" ليس كما يجب يا مرتا , أرتبكت جدا لما عرفت أنه لا يعلم أي شيء عن موضوع حضوري للعمل هنا فترة الصيف , كان عليك أستئذانه قبل دعوتي".
حدقت مارتا بالسقف , عيناها الواسعتان جامدتان كعيني قطة , قالت:
" كيف عرفت أنني لم أسأله؟".
" شعرت ببرودة في أستقبالي ونفور من قدومي , واجهته بالحقيقة وسألته أذا كان يسمح لي بالبقاء فترة الصيف".
" أوه , يا ساندي , كيف تخذليني هكذا؟".
" أنا أخذلك ؟ أنا لم أخذلك بل أنت التي وضعتني في مأزق حرج , كيف لي أن أعرف أنك لم تستأذنيه ؟ أو لم تخبريه حتى بالأمر؟ ما علينا ألأن , أخبريني يا مرتا , لماذا لم تسأليه؟ هذه ليست من صفاتك ولا طباعك التي تربيت عليها ؟".
" صحيح أنني لم أسأله , وذلك لأنني كنت أخاف أن يرفض لي طلبي , قلت في نفسي , عندما تحضرين الى هنا سيذعن للأمر الواقع ويقبل أن تبقي , وهذا ما حصل معي أيضا عندما حضرت الى بابه مع أبني, سمح لي بالبقاء لفترة قصيرة فقط ... وها أنا ما زلت هنا للآن , وسأبقى حتى أحصل منه على كل ما أبتغي".
وصمتت ساندي بعد أن سمعت خطة أبنة خالها وقرارها الشديد , كانت تراقبها وهي تأكل فطورها , قالت ساندي في نفسها: أن مرتا طفلة مدللة أعتادت أن تحصل على كل رغباتها , فطورها تتناوله في الفراش , الكل في خدمتها ... هذه الفئة من الناس تعيش لنفسها وتحصل في النهاية على كل رغباتها في الحياة ولو على حساب الآخرين , ثم قالت لها:
" ألست يا مرتا طفيلية تمتصين تعب شقيق زوجك وتعيشين عالة عليه أنت وأبنك؟".
" خذي الصينية , ضعيها هناك يا حبيبتي".
قالت مرتا بلهجة آمرة وأكملت:
" أجلبي لي فرشاة شعري من فوق طاولة الزينة , سأمشط شعري بينما نكما حديثنا , ساندي حبيبتي , كذلك أجلبي لي المرآة وأمسكيها لي بينما أنا أمشط شعري".
عملت ساندي ما طلبت منها وهي تبتسم لنفسها , الظاهر أنها ستكون وصيفة خصوصية لأبنة خالها بالأضافة الى مربية لأبنها , ثم قالت مخاطبة مرتا:
" لم تجيبي على سؤالي؟".
" كلا , لا أعتقد أننني عالة عليه".
رمقتها مرتا بنظرة مزعجة عاتبة وأكملت:
" زوجي كروفورد ينتمي الى هذا المكان مثل ليماند , وأنا أرملة كروفورد ويحق لي البقاء هنا كما يحق لأبني".
ثم رمت فرشاة شعرها جانبا ولمست كتف ساندي وأكملت:
" لا تهتمي بهذه الأمور ولا تنزعجي , يمكنك البقاء بدون خوف , ليماند سيرحب بك مثلي بعد أن يرى بنفسه كم أنت بارعة في رعاية ديرميد".
أجابتها ساندي :
" أنا لست مهتمة , لقد دعاني ليماند بنفسه للبقاء هنا فترة أسبوعين".
" دعاك هو بنفسه! أذن لماذا كل هذا الجدل؟".
" ما يزعجني هو شعوري بأنني عالة عليه , بل كلنا عالة عليه , مرتا! لماذا لا تحضرين معي الى هامشير ؟ يمكنك الحصول على عمل وهذا أشرف لك من أن تكوني طفيلية عليه".
" أنا أجد عملا! أوه , لا تقنعيني يا ساندي فأنا لا أستطيع أن أعمل سوى عارضة أزياء , وهذا يعني أن أعمل ريجيما كي أستعيد شكلي ونحافتي , ثم من يؤكد لي الحصول على عمل؟ ومن يرعى ديرميد في غيابي؟".
" عمتك جين ترعاه , ألم تطلب اليك البقاء عندنا يوم وصلت بعد وفاة زوجك؟".
" كلا يا ساندي , سأبقى هنا ولن أعمل".
أكدت مرتا عزمها على تنفيذ خطتها , ثم تابعت:
" لقد أكتشفت هنا أنني أنسانة مهمة , أنت تعرفين حب الظهور عندي , أن أسم عائلة كالدويل بالرغم من ماضيها المريب وحاضرها المفلس لأن وضعها المادي مترد , هي عائلة عريقة ومعروفة في المنطقة ولها وزنها بين العائلات ,ومع أن السير كافن كان متطرفا ومنعزلا عن الناس ألا أنه بطل من أبطال الجيش , ولقد أنتخب ليماند مؤخرا عضوا في المجلس البلدي".
" لم أكن أعرف أن الوضع الأجتماعي يهمك الى هذا الحد".
" صحيح , لم أكن أهتم له بالسابق , لكن اليوم وبعد تجربتي هنا , عرفت قيمته ولمست لمس اليد أهميته وما يعنيه , الجميع يرغبون بالتعرّف اليّ لأنني أرملة كروفورد كالدويل , وكنة السير كافن كالدويل وزوجة أخ السير ليماند كالدويل – لهذا سأبقى , سأحاول أقناع ليماند بأعطاء ديرميد حصة أبيه في الميراث , وبعد ذلك سأكون سعيدة جدا".
" ولكن يا مرتا , ليس هناك ميراث أو مال قد تركه كافن , فقط هذه الأملاك وهي من نصيب الأبن الأكبر".
" كيف عرفت ذلك؟".
" لقد أخبرني بذلك ليماند ونحن في طريقنا الى هنا قادمن من دمفريز".
" يا ألهي! لقد تكلم ليماند معك كثيرا!".
ثم حولت مرتا الحديث الى ناحية أخرى وقالت:
" أنا أعرف أن لا وصية مكتوبة ولا شيء موصى لزوجي وكروفورد , ولكن ذلك لا يعني أن عمه لا يمكنه مساعدته , كل ما أبغيه لأبني علما لائقا في مدرسة محترمة , مثل والده كروفورد , ولا بأس لو دفع ليماند مصاريف تعليمه من جيبه , أن ذلك دين عليه يدفعه لأبن شقيقه التوأم , على كل , أبني هو الوريث الوحيد الآن لهذه الأملاك".
" أظن ذلك ".
تمتمت ساندي وهي مطرقة تفكر في خطط أبنة خالها ثم قالت:
" ما هو دوري في مخططاتك؟ كيف يمكنني مساعدتك؟".
" يمكنك مساعدة ديرميد على تحسين تصرفاته".
تنهدت مرتا وكأن حملا ثقيلا قد أزيح عن كاهلها وأكملت:
" أن تصرفاته بغيضة ورديئة , دائما يسيء التصرف أمام عمه ليماند ولا يوجد تقارب بينهما , يوم كنا عندكم في هامشير لاحظت أنه يستمع اليك ويحسن التصرف جيدا أمام الآخرين , حسب أرشاداتك , كم يسرني لو تفهميه أن علاقته الحميدة بعمه تهمني أكثر بكثير من حسن أنسجامه مع بوب سكوت أو ول برودي".
" من هما؟".
" هما أثنان من عمال المزرعة , هو يحب أيضا جوني كثيرا".
" أظنهم يهتمون به ويتكلمون معه ويشاركونه لعبه".
قالت ساندي :
" ألا يهتم به ليماند؟".
" أظنه يحبه , ولكن ديرميد يهرب منه كلما ألتقاه ويصرخ , حضر القاتل الأزرق".
رفعت مرتا حاجبيها أشارة لجهلها الأسباب , ثم نظرت نظرة فاحصة الى وجه ساندي وقالت:
" الظاهر أنك أستطعت من البداية أن تتفاهمي مع فارس دانكريغان , ولهذا السبب عليك أن تقنعيه في تلبية طلبي , عليك أن تلينيه ليعطف عليّ وعلى أبني".
" أنا أليّنه ؟ كيف؟".
" أوه يا ساندي كم أنت بريئة , يمكنك تليينه بأستعمال سحرك الأنثوي عليه , لقد دعاك ليماند للبقاء هنا , وهذه أشارة جيدة لنجاحك".
" أنا! لا أستطيع ! ولا أريد أن أفعل أي شيء من هذا القبيل ".
تراجعت ساندي الى الوراء خائفة وقالت:
" أنا لست من ذلك الصنف من البنات ! لماذا لا تجربين أنت بنفسك تليينه كما تقولين , أنت أكثر خبرة مني في هذا المضمار".
ضحكت مرتا ضحكة مثيرة لها مئة معنى ومعنى , ضحكتها تلك تدير رؤؤس الجال مهما بلغ عنفوانهم , كانت ساندي تفكر مهمومة , ألتفتت اليها مرتا وقالت:
" جربت سحري عليه يا حبيبتي , فلم أفلح , أنه صلب وطينته تختلف عن طينة شقيقه كروفورد , من الصعب عليّ ايجاد نقطة ضعفه , وبما أنك من طينة مختلفة عن بقية النساء , ربما تفلحين أن حيث فشلت أنا, ربما تعرفين نقطة ضعفه , هو لا ينفر من الجنس اللطيف وجاذبيته , وله شهرة واسعة في هذا المضمار مع الفتيات هنا قبل رحيله الى الخارج ... أنت يا ساندي جذابة ومثيرة أذا خلعت بنطلونك الجينز ولبست فستانا يبين سحر أنوثتك".
" ولكنني أرتاح في البنطلون وأجده أقتصاديا".
أجابتها ساندي بحدة ونزق , وضعت المرآة التي كانت تحملها لتمشط شعرها ووقفت لتخرج من الغرفة بعد أن شعرت أن المحادثة بينهما أصبحت مزعجة , حملت الصينية ونظرت الى مرتا التي ما تزال في فراشها وقالت:
" يمكنك النهوض , ستصبحين ثمينة أكثر اذا بقيت وقتا أطول في الفراش".
تمكت مرتا في فراشها وقلبت شفتيها علامة الأمتعاض من تعليقها وقالت:
" فهمت قصدك يا ساندي , أحذرك أن يوما قريبا سيأتي وتتمنين رجلا يراك أمرأة مميزة , كلنا نمر بهذه التجربة آجلا أم عاجلا, هنا تكمن المشكلة عندئذ".
" ماذا ترغبين لي أن أفعل مع ديرميد اليوم؟".
سألتها ساندي وهي تتجاهل تشعب الحديث وأنحرافه عن طريقه الأصلي , ثم فتحت الباب لتخرج.
" خذيه الى الشاطىء , أنه يحب اللعب هناك, سأراك فيما بعد".
كان ديرميد فرحا وهو يقود ساندي الى الشاطىء , كان يقفز صامتا ويده الصغيرة في يدها , بينما يحمل في اليد الأخرى سطلا ومجرفة صغيرة.
وصلت وأياه الى خليج صغير حيث المياه نظيفة تتراقص فوق الرمال , تحيط بعض الصخور الرملية بالخليج, أطفال وشباب يمرحون على الشاطىء , وجد ديرميد أصدقاءه وهما فتاة صغيرة من عمره , شعرها أشقر حريري منسدل على كتفيها وعيناها زرقاوان واسعتان وأسمها لورنا وشقيقها ايوان في الثالثة والنصف من عمره , شعره أحمر بلون الصدأ ووجهه مليء بالنمش , كان مع لورنا وايوان مربية متوسطة العمر وقد جلست فوق مقعد وأمامها رمال الشاطىء , تركت الأولاد يلعبون أمامها ولم تشاركهم لعبهم, كذلك لم تكلم ساندي أو تحييها.
لعبت ساندي مع الأولاد بالطابة وصنعت لهم من الرمال أشكالا مختلفة وحفرت بمساعدتهم القنوات الرملية وغطست رجليها في المياه الباردة , أنتهى الصباح على هذا الحال , ولما حان وقت الغداء أخذت ساندي ديرميد عائدة به الى دانكريغان بعد أن وعدت الولدين برؤيتهما مجددا , وصلت ساندي الى المنزل فوجدت مرتا قد أغتنمت فرصة ذهابها مع ديرميد فذهبت برفقة جوني الى كيركتون لزيارة الحلاق وتصفيف شعرها وسوف لن تعود قبل الثالثة بعد الظهر.
تغدت ساندي وديرميد وصعدت وأياه من أجل قيلولته , بعد أن أطمأنت الى نومه دخلت غرفتها لتكتب لوالديها رسالة تخبرهما أنها وصلت سالمة وتعلمهما أخبار مرتا وديرميد , بعد أن أنتهت من رسالتها وضعتها في مظروف وكتبت عليه العنوان ثم وضعته في جيب بنطلونها لتضعها في البريد في طريقها الى الشاطىء بعد الظهر.
وقفت ساندي تمتع نظرها بالقلعة العظيمة من نافذتها, حجارتها الرمادية تلمع في ضوء الشمس , خلفها تنساب المياه تتلألأ عند مصب النهر بهدوء , تذكرت حلم ليلة الأمس , تساءلت هل يوجد سجن في قبو الحصن؟ نظرت الى ساعتها تستطلع الوقت , سيبقى ديرميد نائما نصف ساعة أخرى على الأقل , هذا الوقت يكفيها لتذهب الى الحصن وتلقي نظرة فاحصة عن كثب , ربما تتعرّف الى أماكن التنقيب التي بدأ يستكشفها كافن في حفرياته التنقيبية.
خلال دقائق كانت تمشي الى الحصن عبر ممر ضيق بين صفي حجارة تغطيها الزهور الملونة تطير فوقها جماعة من النحل تمتص رحيق الأزهار , رائحة الزهور ذكي والهواء دافىء هادىء وصوت خرير المياه ينساب الى الشاطىء البعيد , كل ذلك أجتمع ليعطي جوا آخر من عالم قديم , كانت ساندي تمضي وحدها وكأنها تدخل الى عالم الماضي.
تعاظم هذا الشعور لديها لما وجدت الممر أنتهى فجأة وظهر أمامها منحدر مغطى بالعشب الأخضر أنتهى في فجوة دائرية حول الحصن ثم بدأ يرتفع الى هضبة صغيرة بني فوقها الحصن , الفجوة هي الخندق المائي الذي يلف الحصن قديما , ركضت ساندي الى أسفل الفجوة ثم صعدت الى الجهة الثانية , الى الحصن , فوقها مباشرة حجارة البرج الرمادية أرتفعت عامودية منبسطة , وفوقها سطح الحصن ذو الفتحات التي تطلق منها النار وقت القتال , حجارتها خشنة وصلبة تتحدى السماء الزرقاء فوقها.
مشت ساندي الى الأمام , دارت خلف الحصن فوجدت بابا مزدوجا في الحائط الشرقي , يوصل هذا الباب الى طريق جانبية تؤدي الى جسر خشبي يرتفع فوق الفجوة , خندق الماء , ثم تنعطف الى غابة صغيرة تؤدي الى الطريق العام.
كان أحد البابين المزدوجين مفتوحا قليلا , أقتربت ساندي ومدّت رأسها مستطلعة , أنتابها شعور بأنها دخلت القرون الوسطى للحظة , ثم أختفت , وجدت نفسها داخل ساحة مربعة مليئة بالسيارات القديمة , كان هناك سيارة رولز رويس زرقاء لماعة يعود موديلها لعام 1910
قربها سيارة سبور بتنلي خضراء موديلها 1930, مقاعدها جلدية سوداء ويلفها شريط خارجي أسود , وهناك أيضا سيارة أوستن سبعة صغيرة جدا , ولكنها عريضة قليلا , عرفت ساندي أن هذه السيارات تخص كروفورد , أجالت بعد ذلك نظرها في الغرفة فوجدت موقدا حجريا كبيرا في وسط الحائط, وبعد مراجعة معلوماتها التاريخية قررت ساندي أن هذه الغرفة كانت مطبخا في حصن من حصون العصور الوسطى.
يوجد في زاوية الغرفة المربعة سلما دائريا مبنيا في الحائط , تسلّقت السلالم اللولبية الحجرية بتأن , لاحظت كيف كانت مجورة في منتصفها من كثرة ما مشى عليها بقوة جنود أشداء.
وصلت بها السلالم الى غرفة كبيرة فارغة , سقف الغرفة عارضات خشبية مائلة , كانت الشمس تدخل الغرفة من فتحات صغيرة هي نوافذ بدون زجاج , مشت ساندي ببطء وكانت تتحقق من موقع أقدامها خوفا من أن تكون الأرض الخشبية مهترئة , أقتربت من النافذة ونظرت الى أسفل حيث مياه النهر تلمع عند المصب , أنقشع الضباب ظهرا وتراءت لها تلال أنكلترا من مسافات بعيدة.
أعادت تفحصها في داخل الغرفة , لا بد أنها القاعة الكبرى في الحصن , هنا تجتمع العائلة للطعام, تخيّلت طاولة كبيرة عليها أباريق خزفية أو معدنية وقربها مناسف للطعام المدورة مليئة بالطعام , النساء يرتدين الثياب الفضفاضة الطولية , الرجال يلفون رؤوسهم بما يشبه الخمار , يلبسون ستراتهم الجلدية الطويلة والضيقة , بدون أكمام مع سراويل ضيقة , أمكنها أن تتخيل كلاب الصيد منبطحة , ممددة تحت الطاولة تنتظر العظام .
رجعت السلالم , أكملت صعودها الى الطابق الثاني , وجدت نفسها في العراء على السطح , سقف الحصن قد أختفى منذ أمد بعيد وما بقي سوى غرفتين , عرفت ذلك من المدفأتين الموجودتين في الحائط الشمالي .
نظرت الى ساعتها من جديد , وجدت أن عليها العودة الى المنزل , نزلت الى الطابق السفلي بتأن , لم تلاحظ وجود قبو أو سجن في الحصن , لا بد أن تعود الى هنا مرة ثانية لتكمل جولتها في الحصن وتكتشف بقية أجزائه.
لفت حول السيارات الثلاث وأقتربت لتفتح الباب الخارجي , تذكرت أنها تركته مفتوحا خلفها , هل من المعقول أن تكون قد أغلقته بدون أن تشعر؟ لم تعد تذكر , جربت فتح الباب , لم يفتح لأنه قد أقفل بمفتاح , يا لدهشتها , أحدهم أقفله حين كانت تتفرج على الحصن في الطوابق العليا .
يجب عليها أن تتصرف بسرعة وألا ستبقى سجينة الحصن بقية يومها أو ربما حتى ليلها أيضا , صعدت السلالم مسرعة الى الطابق الأول , قطعت الحائط الشمالي ومدت رأسها من فتحة النافذة , هناك أحد يمشي مبتعدا عن الحصن وقد خرج لتوه من الفجوة ,عليها أن تصرخ لتسترعي أنتباهه , مدت جسمها فوق الحجارة وجعلت من يديها بوقا أمام فمها وصرخت بأعلى ما يمكنها :
" يا هذا ... أنت , عد الى هنا! لقد أغلقت عليّ الباب!".
تسمّر الرجل لمّا سمع النداء , لأول وهلة ظن أن ما سمع وهما , عاود مشيته مبتعدا , أعادت ساندي الصراخ وأردفت بصفير شديد , ألتفت الشخص خلفه بعد أن توقف عن متابعة سيره وعاد هذه المرة أدراجه الى الحصن ثم نزل الخندق وصعد الى الجهة الثانية .
ولما أقترب من الحصن عرفت ساندي أن مخلصها هو فارس دانكريغان ليماند كالدويل , أقترب تحت النافذة ووضع يديه على ردفيه ورفع رأسه الى أعلى لينظر اليها , كانت هي تطل من النافذة فوقه , صعقت لما رأته , مرت لحظة ظنت نفسها تعيش حلم ليلة الأمس.
" ماذا تفعلين هنا؟".
سألها بسخرية .
كانت الشمس ترخي أشعتها على وجهه الأسمر وتحدد صلابة أنفه وفمه وحاجبيه وفكه , يلبس زيا رماديا من الصوف الجيد مع قميص أبيض وربطة عنق , تذكرت أنه كان في أجتماع مع أعضاء المجلس البلدي.
" أمتّع نظري فقط!".
قالت بطريقة محببة تحاول أن تخفف من ذنبها.
فرحت لما لاحظته يبتسم من طريقة جوابها كأنها تسخر من سؤاله , أخفى ضحكته بسرعة ولكنها عرفت أنه يتمتع بروح نكتة ولكنه يخفي ذلك عن الجميع , ثم أكملت بصوت متوسل:
" أرجوك , أفتح لي الباب لأخرج ".
حملق فيها كأنه يفكر قبل أن يجيبها الى طلبها.
" عليّ أن أبقيك سجينتي ".
أحتجت وبان على وجهها الخوف ولكنه أكمل:
" سأطعمك , وأجلب لك الحلويات واللحوم , والسمك الطازج , سأحمل لك أحواض الفاكهة المنوعة وأباريق الشراب المعتّق عن الطاولة في داخل الحصن , سأجلبها في ظلمة الليل حتى لا يراني أحد ولا يراك أحد , حتى لا يعرف أحد أن عندي ساحرة جميلة في الحصن سجينة , سنجلس نقتسم الطعام والشراب في ضوء الشموع وبعد ذلك....".
توقف فجأة ونظر الى مجموعة مفاتيحه التي أخرجها من جيب سرواله
ثم نظر الى أعلى مرة أخرى وقال:
" سأخرجك ."
قال ذلك ببرود وبدون أي أكتراث.
مشت ساندي الى ناحية الباب بعد أن سحرها حلمه الذي شرحه لها , كيف لا وهي جميلة الحصن السجينة , عاشت لحظات مسحورة , نزلت السلم اللولبي وكانت تنتظر الفتيات بالأثواب الفضفاضة ينحنين تحت قدميها , صدمتها الحقيقة لما وصلت الى أسفل السلم ووقع نظرها الى السيارات القديمة , فتح ليماند الباب , كان ينتظرها متوتر الوجه بدون أي أبتسامة , ألتقت عيناها الفزعتان بعينيه الخاليتين من أي تعبير , تحيّرت كيف تغيّر وبهذه السرعة , قال:
"قدومك الى الحصن وحدك وصعودك السلالم المهترئة جنون ".
ثم أكمل :
" الأرضية الخشبية فوق غير سليمة , ولو لم أسمع نداءك لبقيت في داخل الحصن الليل كله".
" لم أعرف أنك ستعود لتغلق الباب ! كان الباب مفتوحا عندما دخلت , ظننت أنه يبقى مفتوحا دائما ".
ثم فكرت في نفسها , لا عجب أن تجده مرتا غامضا ولا تفهمه , منذ لحظة كان يحيك أجمل الأحلام والآن هو بارد كجمود الصخر.
" في الغالب ترك جوني الباب مفتوحا حين حضر ليجلب بعض المعدات لأصلاح الجرار, نحن نستعمل الطابق الأرضي كمخزن للآليات وقطع الغيار والموترات , أنا أقفل عليها لأن للسيارات بعض القيمة الأثرية على ما أعتقد".
" هذه السيارات تخص كروفورد ! هل ستعطيها لأبنه ديرميد؟".
نظر اليها نظرة ريب وتشكك وقال:
"هل حضرت الى الحصن لرؤيتها؟".
" كلا , لم أكن أعلم أنها موجودة في داخل الحصن , أردت زيارة الحصن والتحقق من وجود سجن في القبو هناك , لكنني لم أعرف طريقي الى الطابق السفلي".
" الطريق اليه من هناك في الزاوية من باب يفتح من الأرض , هل تحبين رؤيته الآن؟".
" ليس الآن , شكر , لا وقت لدي , ربما يكون ديرميد قد أستفاق من نومه الآن وهو يسأل عني".
خرجت من باب الحصن مارة من أمامه , خرجت الى شمس آب الدافئة ونورها الواضح , تبعها , أقفل الباب خلفه ثم نزلا الى الخندق وصعدا الى الجهة الأخرى بأتجاه المنزل.
" ما سر أهتمام بسجن الحصن؟".
" حلمت البارحة أنني سجينة في الحصن".
أجابته ثم أكملت:
" لكنني شديدة الأهتمام بالحصن كله كأثر تاريخي , لقد أخبرتني نان هذا الصباح أن والدك بدأ كتابة تاريخ حصن دانكريغان قبل موته".
" هل أهتمامك ينصب على الناحية التاريخية للحصن؟".
" نعم , أنني أحمل شهادة بكالوريوس في علم التاريخ , تخرجت لتوي من جامعة دولتستر, تخصصت فيما يعرف بعصور ما قبل التاريخ , أي علم الآثار , وقد ساهمت فعليا في حفريت تنقيبية عن الآثار في مناطق عديدة من جنوب أنكلترا".
كانا يمشيان في أتجاه المدخل الرئيسي للقصر , النحل يطير حولهما يمتص رحيق الزهور ويؤكد أن الدفء ملأ المكان , دفء لذيذ يشعر معه الأنسان بالأسترخاء.
" لا أحد يراك ويتبين رابطة الدم بينك وبين مرتا ؟ ".
رمى ليماند هذه الملاحظة , رمقته ساندي بنظرة جانبية مستغربة ملاحظته وقالت:
" كلا لا أظن أحدا يلاحظ صلة الدم بيننا , فأنا أشبه والدتي وهي تشبه والدتها".
والد مرتا هو شقيق والدتي , ولكن جمال مرتا هو فريد في عائلتنا".
" لم أقصد الشكل الخارجي , فأنا لا أهتم للشكل الخارجي , أعني التصرفات والأهتمامات والطباع".
" صحيح , كذلك أنت وشقيقك كروفورد تختلفان كثيرا في طباعكما وتصرفاتكما , هذا ما سمعته أثناء وجودي هنا , أنتما توأمان وشكلكما مطابق لبعضكما , أذن ليس من المستغرب أن يختلف أبناء العمومة في الطباع والتصرفات".
" وماذا سمع أثناء وجودك في القصر؟".
تساءل بشك , فهمت ساندي أنها بدون قصد قد داست على طرفه , شعرت كأنها لامست جرحا عميقا لديه , وكأنما قد وافقامسبقا على التوقف عن المسير... توقفا يواجه أحدهما الآخر , كانا قد وصلا الى الممر بين ضفتي الحجارة , أصبحا كأنهما في مرفأ في الزهور العطرة , معزولان عن العالم كله.
" سمعت أن كروفورد يختلف عنك كليا ".
أجابته بسرعة كأنها ترفض أن ترهبها نظراته القاسية من عينيه السوداوين.
" هل هذا رأي أبنة خالك؟".
قال بسخرية وتهكم وأضاف:
" أظن أنه كان يتنازل لها دائما ويلبي لها جميع طلباتها , كانت تفعل ما تشاء بدون أن يردعها , هذه طباعه فهو يداهن ويمالق الجنس اللطيف بدون أستثناء".
" وهل أنت غير ذلك؟".
" أفضل أن أكون البادىء في أي دعوة لأي علاقة مع الجنس اللطيف".
" أعلم أن مرتا طائشة قليلا ومستهترة نوعا ما , ولكنني واثقة من أنتها أحبت أخاك وأبنه بصدق".
كانت تشرح له بحماس زائد بعد أن تذكرت مهماتها التي من أجلها أستدعيت للعمل في دانكريغان.
رفع حاجبيه السوداوين وتشنجت عضلات وجهه وظهر بريق في عينيه , رأت ساندي لهيبه قبل أن يبدي رأيه في ما قالته ساندي.
" وهل تظنين أن الحب موجود؟ بالرغم من شهاداتك العلمية وقراءاتك التاريخية , هل تؤمنين بوجود هذه العاطفة؟".
أما هي فتجمدت قسماتها وبسرعة قالت:
"نعم أنا أؤمن بعاطفة الحب , أن دراستي للتاريخ ساعدتني على ايماني بالحب".
ثم سألته:
" أنت لا تؤمن به؟".
أجابها ببرود:
" في أعتقادي , أنها كلمة فارغة من المعاني تستعملها النساء للتغطية والتمويه عن أطماعهن الشخصية".
" أوه ! كم أنت مخيف, كثير الشك , غامض!".
رمت كلماتها بدون حذر وقد نسيت وظيفتها الجديدة في التأثير عليه وتليينه... أنت تعتقد أن مرتا تحب نفسها فقط عندما تزوجت أخاك وأنها كانت تعمل لمصلحتها الشخصية حين لجأت اليك مع أبنها".
ضمّ يديه الى صدره ونظر اليها كأنها طفلة تحتاج الأرشاد وقال:
" أليس هذا هو الواقع؟".
" كلا , لم تحضر الى هنا ألا بناء على رغبة أخيك حيث طلب اليها أن تحضر ديرميد ليعيش في كنف عائلة آل كالدويل".
" لهذا السبب تمدد أقامتها ونرحب نحن بها؟".
لاحظت ساندي أنه يستزها ليثير غضبها ويخرجها عن طورها لذلك لملمت نفسها وبدأت هجوما معاكسا , سألته:
" وكيف تريدها أن تتصرف؟ هي هنا تنتظر منك مساعدة لأبنها ديرميد , ألا يتوجب عليك أن تساعد أبن أخيك؟ هل تطلب الكثير؟".
" أذن هي تنتظر مبادرتي , هل تعرفين ماذا ترغب ؟ من المؤسف أن مرتا لا تواجهني بنفسها أو تفصح عما يجول في عقلها , وتستخدمك كمراسلة بيننا , ما هي بالتحديد طلباتها من أجل ديرميد؟".
" أنا ... أنا أعتقد أن عليك أن تبحث الأمر معها هي ".
لملمت ساندي نفسها بعد أن وجدت نفسها مرة ثانية في موقف لا تحمد عليه وأكملت:
" ألم تبحث مرتا هذا الأمر معك سابقا؟".
هز رأسه نفيا وقال:
"كلما حاولت التحدث معها في أمور تتعلق بالمستقبل , تستقبلني بفيض من الدموع , وأنا لا وقت لدي لهذه التمثيليات".
وهز كتفه كأن ذلك لا يعنيه.
تذكرت ساندي يوم طلبت اليها مرتا أن تكتشف لها نقطة ضعفه لأنها لم تنجح هي بأكتشافها مع أنها جربت معه جميع أسلحتها الأنثوية , كانت تستعمل طريقتها المعهودة بأن تمثل دور المرأة الرقيقة التي لا حول لها ولا طول , دور المرأة التي تنتمي الى الجنس الضعيف اللطيف الخ... كلما باءت بالفشل , تعجبت ساندي وتساءلت : كيف تتوصل هي الى حواسه الداخلية والى تحريك عواطفه الأنسانية وما الى ما تحت درع الفارس ! هل عنده شعور وأحاسيس مثل البشر أم هناك فراغ متحكم في داخله.
وصلت جلبة من الأصوات أسترعت أنتباههما , ظهر أمامهما ديرميد تتبعه مرتا في الساحة أمام مدخل المنزل , كان شعرها تاذهبي الأحمر كأنه شعلة ملتهبة أو هالة نور حول رأسها الجميل , وجهها الأبيض المشبع بالحمرة وأنفها المروس في وسط وجهها ثم أنفراج شفتيها الورديتين المثيرتين , كانت تركض خلف أبنها.
" ها أنت يا ساندي , ديرميد يبحث عنك في كل مكان , عدت من كيركتون ولم أجدك".
ثم نظرت ناحية ليماند وأكملت :
" مرحبا ليماند , أهلا , لطيف منك أن تري أبنة عمتي الحصن والمزرعة ".
كانت مرتا تتصنع اللطف والكياسة وهي تخاطب ليماند , تحاول أغواءه بشكل فاضح , شعرت ساندي وينتقد تصرفاتها , نظر بأشمئزاز من تصرفات مرتا ,تأكدت ساندي أن مرتا بعملها هذا تعطي ليماند الفرصة ليسخر منها ويرميها بملاحظاته الجارحة وينتقد تصرفاتها , نظر ليماند الى مرتا نظرة مخزية مشمئزة , لم تبال مرتا بل كانت تركض ترنح فستانها الرقيق حول جسدها الملفوف البض , كان فستانها شفافا من اللون الأخضر والأبيض , فاجأ ساندي حين نظر اليها وغمزها بأحدى عينيه وهو يقول لمرتا:
" لكنني لم أكن أري أبنة عمتك الحصن , كنت أخلص فتاة الحصن الجميلة من السجن داخل الحصن ... أستأذنك لدي بعض الأعمال".
ترك ليماند مرتا وساندي أمام المنزل ودخل , دهشت مرتا وهي تواكبه بنظراتها وفمها منفرج قليلا , ثم قالت:
" بالحقيقة لم أفهم ماذا قال , أليس هو غريب الأطوار؟ ماذا يعني بقوله يا ساندي؟".
وجدت ساندي نفسها تخفي ضحكة عريضة في داخلها ولم تدر بماذا تجيب مرتا , أسعفها ديرميد حين سأل كعادته:
" من هي فتاة الحصن الجميلة يا ساندي ؟ هل أجد أنا في الحصن فتاة جميلة مثل عمي ليماند؟".
" لا أظن ذلك ".
أجابته وصوتها متهدج .
" الفتيات الجميلات موجودات فقط في قصص الفرسان : مثل لوجريز أو قصص الفردوس المفقود".
" من هو الفارس؟".
" هو رجل يركب حصانا ويقوم بالأعمال الحسنة , يخلص الفتيات الجميلات من التنين أو من السجن".
" لكن عمي ليماند لا يركب الحصان".
حاول ديرميد تصحيح معلومات ساندي.
" كان الأنسان يركب الحصان في العصور القديمة أما اليوم فالأنسان يركب بالسيارة أو الطائرة...".
" حقا يا ساندي أنت تفسرين أسوأ من ليماند عن جميلته سجينة القلعة , من سمع بفارس يركب سيارة أو يطير بطائرة ؟".
قالت مرتا ذلك بعد أن عيل صبرها من كثرة أسئلة أبتها , فتركته مع ساندي.
" ألم يكن كروفورد فارسا يوم تعرفت اليه أول مرة؟".
سألت ساندي أبنة خالها مرتا.
لكن مرتا نظرت اليها نظرة أستغراب وحيرة , ثم سأل ديرميد من جديد:
" أليس جوني فارسا؟ أنه فارس يركب الموتوسيكل , لقد نزل مرة بدراجته بسرعة هكذا...".
وبدأ ديرميد يركض ويقلد صوت الدراجة بأتجاه الطريق العام , صرخت مرتا:
" قف يا ديرميد".
ثم نظرت الى ساندي وقالت لها بلهجة آمرة " أجعليه يخفف ركضه , ربما تصدمه سيارة مسرعة , ألحقي به بسرعة".
ركضت ساندي خلفه في محاولة أخيرة , توقف ديرميد قرب أشارة جانبية على مدخل المنزل الخارجي , توقف ينتظر ساندي ووالدته , ولما وصلا اليه مشى الجميع الى الشاطىء , هناك التقى ديرميد لورنا وايوان , قامت ساندي تشارك الأولاد لعبهم ألا أن مرتا قالت:
" أتركيهم , لا خوف عليهم , لنجلس أنا وأنت نتحدث سوية.".
جلسا قرب مقعد مربية آل لندسي ولكن المربية لم تعرهما أي أنتباه .
" هي عجوز شمطاء! أليس كذلكّ ؟".
كانت مرتا تتكلم عن المربية مع ساندي.
" لا تتكلم مع أحد, لورنا وأيوام مرحين وينسجمان مع ديرميد , هل شاركتهم اللعب صباحا يا ساندي؟".
" نعم".
أجابتها ساندي , ثم قالت:
" هل يعيشون هنا؟".
" يأتون الى هنا في فصل الصيف فقط , والدهم بيل لندسي جراح يجبر الأعضاء ويقومها , هو يملك هذا المنزل الكبير هناك في الناحية الأخرى للخليج".
تعرفت ساندي الى المنزل لأنه يقع وحده على بقعة كبيرة من الأرض في الطرف الآخر للخليج , مربع ومتين ومدهون باللون الأبيض , تلف المنزل شجيرات خضراء تتجمع مع بعض وتحيط به حديقة كبيرة في نهايتها بعض درجات تصله بالشاطىء , قالت مرتا:
" بيل هو نائب رئيس نادي اليخوت هذه السنة وقد تعرفت اليه يوم سهرت برفقة جوني هناك , نشترك كلانا بأشياء واحدة , فهو أرمل وأنا أرملة , لقد توفيت زوجته السنة الماضية , توفيت على أثر مرضها بأبيضاض الدم أو اللوكيميا".
" أخبرتني نان عنه عندما ذكرت لها لورنا وأيوان , عرفت من نان أن عائلة لندسي وعائلة كالدويل لم يكونا أصدقاء , تقول نان هناك خصومة بين العائلتين".
" ماذا تعرف نان عن هذه الخصومة؟ ".
تساءلت مرتا:
" ما رأيك بنان؟ أليست عجوزا رجعية؟ أنها تبالغ بالأهتمام بجوني وليماند , في يوم سابق قرأت لي طالعي , تنبأت بأنني سأتزوج مرة ثانية من رجل يختلف كثيرا عن كروفورد , أتمنى أن تصدق تنبؤاتها بشأن الزواج".
أنتهت مرتا من ثرثرتها .
أعترضت ساندي:
" ولكن , لم يمض على وفاة زوجك كروفورد سوى أشهر قليلة , يجب أن لا تتسرعي!".
" أعرف , لكنني لا أرغب في البقاء أرملة بقية حياتي ".
قالت مرتا ذلك ونظرها ناحية الأولاد الثلاثة الذين يلعبون في الرمال , ثم غيّرت مجرى الحديث وقالت:
" أتعجب لماذا يبقي ليماند نان في أدارة منزله؟".
" من الصعب عليه أن يطردها من منزله بعد كل خدماتها السابقة , هي مربيته , لقد خدمت آل كالدويل عشرين عاما".
" لكن نان كانت تقوم بأعمال أخرى غير تدبير المنزل , لقد سمعت قصصا عديدة تحاك حول علاقتها بكافن".
" ماذا تعنين بذلك؟".
" ها أنت لا تفهمين من جديد ".
ضحكت مرتا وأكملت:
" بالحقيقة يا ساندي لا أحد يظنك من الجيل الجديد المفروض أن يعرف كل شيء ولا يدهش أذا قامت علاقة غير شرعية أو محرمة بين شخصين , في كل حال كافن كان رجلا وسيما وكذلك كانت نان في صباها , وهي تحمل دم آل كالدويل وتفهم طريقة حياتهم , ثم هل تعتقدين أنه من الممكن أن تعيش معه في منزل واحد, كل هذه السنين بدون أن يحصل بينهما أي علاقة؟".
" نعم, من الممكن أن لا يحصل بينهما أي علاقة , أن الجاذبية الحسية ليست كل شيء في الحياة , أنا أؤمن أن الرجل والمرأة يستطيعان أن يعيشا سوية في منزل واحد أو يعملا في مكتب واحد أو ورشة عمل واحدة بدون أي أرتباط حسي أو عاطفي بينهما".
ورمقتها مرتا بنظرة ساخرة من طرف عينيها ثم قالت:
"ماذا تعرفين عن هذه العلاقة؟ ما هي خبرتك؟ أنت تختلطين فقط بطلاب علم التاريخ , أو أساتذة تهتم بالحفريات والتنقيب في الماضي الدفين , كذلك لم تعيشي في منزل واحد مع رجل مثير".
" لا أظن أن والدي أو أخي توم يعملان لهما حسابا".
علّقت ساندي وهي تكشّر تكشيؤة شيطانية.
" أنت تعرفين ذلك بالطبع".
أكدت مرتا ثم سألتها:
" ألم تقابلي بعد رجلا شعرت أنك تحبين العيش معه وترغبين في الزواج منه؟".
فكرت ساندي بديريك سلون , هو الآن بعيد ينقب في جزيرة في البحر الأبيض المتوسط , أنه زميلها في الدراسة:
" نعم , ألتقيت أحدهم".
" أخبريني عنه".
أمرتها مرتا وقد أكتسى وجهها بريقا عجيبا لأنها ستشارك أبنة عمتها سرها وتكتسب بذلك ثقتها.
" ليس عندي ما أقوله ".
ضحكت ساندي ثم تابعت:
" هو زميل جامعي درست وأياه في الجامعة نفسها , تكلمنا كثيرا في علم الآثار , نتحمس أذا أكتشفنا قطعا فخارية ونحن ننقب , كنت آمل أن أذهب وأياه هذا الصيف في بعثة تنقيبية في منطقة البحر الأبيض المتوسط , ولكن طلبي رفض بينما قبل طلبه".
" ما أسوأ ذلك يا حبيبتي, لماذا لم تقبلي؟".
" كنت في لائحة طويلة ضمن الذين رفض طلبهم , العرض لديهم يفوق الطلب".
" هل تشتاقين اليه؟".
نظرت ساندي الى المياه المتلألئة في الخليج وأحست حرارة الشمس تلفح وجهها وسمعت جلبة الأطفال يلعبون , تذكرت أسرار الماضي الدفينة تحت أرض دانكريغان قبل أن تتكلم:
" كلا , لا أظن أنني أشتقت اليه بعد , ربما مع نهاية الصيف أتأكد من ذلك".
" أوه , هو ليس بالحب الحقيقي أذن".
" متى يكون الحب حقيقيا؟ ".
سألتها ساندي وهي تضحك .
" هل تدق الأجراس وتفرقع المفرقعات؟ ماذا حصل لك لما قابلت كروفورد؟".
" لا أعرف , لم يترك لي كروفورد مجالا لأكتشف الحب , ألتقينا في حفلة وقبل نهايتها تقدم بطلب يدي للزواج . كان دائما متسرعا ويتبع أهواءه , كلما أعجبه شيء , كان يصر على أقتنائه".
" وهل كنت أنت ذلك الشيء الذي أحبه؟".
" هو كذلك! أليس هذا صحيحا؟ لكن الأمر قد أنتهى كليا الآن!".
" ماذا تقصدين , أن الأمر قد أنتهى؟".
سألتها ساندي في صوت خافت بعد أن صدمت من حقيقة تغيير عواطف أبنة خالها بهذه السرعة , ثم أستفسرتها:
" ألا تشتاقين ألى كروفورد وتحسين بالفراغ لفقدانه؟".
" كلا , لا أشتاقه بعد اليوم, أظن أن تنبؤات نان ستتحقق , لقد وجدت شخصا مختلفا عن كروفورد هنا , ولهذا سأبقى , أنه متعقل ولا يتهور مثل كروفورد , كثير التفكير والحيطة , متأن وحذر , علي أن أقنعه أن الزواج هو الصواب لكلينا , أقناعه يحتاج للوقت , ربما سيأخذ ذلك مني فترة الصيف".
كانت مرتا تتكلم ببطء وجدية على غير عادتها , شعرها الأحمر الذهبي تدلّت خصلاته الى الأمام وعلى وجهها حين مالت برأسها الى أسفل , ألتقطت بيدها خشبة صغيرة ورسمت على الرمال حرف(ل) حدقت ساندي في الرمال , ولما تبينت بوضوح الحرف سرت قشعريرة في جسمها وأجفلت, أن حرف(ل) يعود الى ليماند , وحسب رأي نان ليماند يختلف كثيرا عن كروفورد في كل شيء ما عدا الشكل الخارجي , أرادت ساندي أن تستوضح الأسم بالكامل للحرف ولكن أبنة خالها كانت مشغولة بالأولاد , لقد أسترعى أنتباهها صراخ الأبتهاج الصادر عن لورنا وأيوان , ركض الولدان عبر الرمال بأتجاه شخص قادم نحوهما , كان طويلا وشعره أحمر , قدم من المنزل الكبير وتصحبة سيدة طويلة ترتدي ثيابا أنيقة جدا.
" هذا هو بيل لندسي".
قالت مرتا تخاطب ساندي:
" ومعه أخته هيلين هي طبيبة وصلت لتوها ما أميركا الجنوبية حيث كانت تعمل مع مؤسسة الأمم المتحدة , أود أن تتعرفي الى بيل , أظنك ستحبينه , وأنا أود التعرف الى أخته هيلين".
راقبت ساندي الرجل الطويل يرفع لورنا بين يديه ثم يمد يده بعد ذلك الى ايوان , وعلى مسافة قصيرة وقف ديرميد ذليلا وقد أكتسى وجهه بالحزن , مسكين ديرميد الصغير, في مثل هذه الظروف يفتقد فيها الصغير والده ومحبته وحنانه , لاحظ بيل لندسي وجود ديرميد , ضحك له وناداه :
" أهلا يا ديرميد , أين الماما؟".
وعلى الفور تألق وجهه الصغير بالفرح وأشار بمجرفته الخشبية الى ناحية مرتا , وللفور توجه بيل والأولاد الى مجلس مرتا وساندي , بقيت هيلين تتبع الركب ببطء , كان وجه بيل صبوحا ومرحا طبيعيا كما أنه يمتلىء بالنمش.
" أهلا يا مرتا , أراك تستفيدين من وجود الشمس ما أستطعت".
" الشمس جميلة , أليس كذلك؟ ".
كانت مرتا تتكلم وهي تضحك.
" أظن أن الشمس جاءتنا من الجنوب مع أبنة عمتي ساندي التي حضرت لتبقى معي في دانكريغان ".
تبادلت ساندي التحيات الشكلية مع بيل , أما هيلين فنظرت الى مرتا بدهشة ثم سألتها بترفع:
" دانكريغان؟ قلت أنك تعيشين في دانكريغان!".
" نعم , أنا مرتا كالدويل , أعيش مع شقيق زوجي ليماند هناك".
" مرتا هي أرملة كروفورد ".
شرح بيل لأخته بهدوء.
وعلى الفور أكتسى وجه هيلين كآبة , لم تحيي مرتا بل نظرت الى شقيقها:
" علينا أن نعود الى المنزل , والدتي تنتظر لترى الأولاد!".
دارت هيلين على أعقابها ومشت عائدة الى المنزل وتركت خلفها صمتا غريبا ودهشة , مشت بليلقة فطرية ورأس مرفوع وكتفين مشدودين , أما بيل فقد أرتبك ولم يعرف كيف يعتذر , قال:
" هيلين تشعر كالسمكة خارج الماء , هي لا ترغب برؤية هذا المكان بعد أن تغير كثيرا بعد مغادرتها أياه منذ خمس سنين , أعذريني عليّ الرجوع بالأولاد الى المنزل , سأراك في نادي اليخوت ,أنتظرك هناك يا مرتا".
" سأكون هناك في أنتظارك".
مشى بيل الى المنزل مع ولديه , كانا يقفزان حوله بفرح , نظرت مرتا الى ساندي وعلى وجهها أبتسامة مزيفة , قلبت مرتا شفتيها أمتعاضا وهزت كتفيها النحيلين أشارة لعدم الأكتراث, ثم قالت:
" ما هذا الصد!!".
حاولت مرتا أن تجد لتصرفات هيلين مبررا , شعرت ساندي أن قطرات الدموع ترقرقت في عيني مرتا من شدة تأثرها , تابعت مرتا قولها :
" لم تحبني! لم أعجبها! ما هو السبب يا ترى؟".
" ربما لأن أسمك كالدويل وربما تعتبر أن الخصومة بين العائلتين ما زالت قائمة".
" ربما ذلك".
مشت مرتا صامتة في عودتها الى دانكريغان , لقد جرحت كرامتها تصرفات هيلين لندسي لها , كان صدّها واضحا للعيان ولم يخف على ساندي.