تبكي بين ذراعيه
كان رقاد كارولين سيئا فقد استيقظت عدة مرات والعرق البارد ينضح منها , وكانت احلامها عبارة عن كوابيس رأت فيها ديبوراه تلاحقها بقسوة . ومع بزوغ الفجر غفت قليلا ولم تستيقظ الا على صوت جينى التى احضرت لها الفطور .
جرت كارولين نفسها من السرير وسكبت لنفسها كوب قهوة , فى هذه اللحظة شعرت بانها لن تستطيع البقاء ليلة اخرى فى هذا المنزل . كانت شاحبة منهكة منتفخة العينين , وشعرت بالراحة عندما تذكرت ان اليوم هو السبت يوم عطلتها .
كانت فى ثياب البيت ترتشف كوب القهوة الثاني , عندما طرق شخص ما بابها . تمنت لو تستطيع تجاهل الصوت ولكن عندما نادتها لورا : "هل أنت هنا يا آنسة دوغلاس؟ " لم تستطع تجاهلها .
فتحت الباب فدخلت لورا الى الغرفة مشرقة الوجه , وما لبث وجهها ان اظلم قليلا وهى ترى وجه كارولين الشاحب . فهتفت قائلة : " هل انت بخير ؟"
وعند ذلك ادركت كارولين ان الامور بالنسبة الى لورا حتى الان هي نفسها . فقالت بلهجة حازمة : " انا باحسن حال , انت مبكرة "
اومأت لورا تقول : " جئت فقط لاخبرك ان امى تريد رؤيتك فلديها ما تريد ان تسألك عنه , هل ستتأخرين ؟ "
تهالكت كارولين على سريرها بضعف : " حسنا , لم أرتد ثيابى كما ترين "
ولكنها لاتشعر بالقدرة على مواجهة ديبوراه , فبعد الليلة المزعجة التى امضتها شعرت بأنها مستنزفة القوى .
- متى ... تريد أن ترانى ؟
قالت لورا بلهفة : " الان , وفى اسرع وقت ممكن . هل اخبرها ... بعد ربع ساعة ؟ "
دهشت كارولين لهذه السرعة , فهي الى هذه اللحظة لم تر من لورا اى اهتمام بأوامر امها .
اخيرا قالت : " فلتكن نصف ساعة ! هلا ذهبت , فانا اريد الاستحمام"
فأومأت لورا مبتسمة : " لا بأس , سأراك فيما بعد إذن .. " خرجت من الغرفة .
اغتسلت كارولين ثم ارتدت تنورة وصدارا بلون الورد , مع قميص كستنائى اللون .
كانت ديبوراه بانتظارها فى غرفة الجلوس , فلما رأتها مدبرة المنزل تنزل الدرج ارشدتها الى مكانها . دخلت كارولين الى القاعة الانيقة بثقة لا تشعر بها فى الحقيقة , لأن رؤية ديبوراه بعد تلك الكوابيس أثارت اعصابها نوعا ما . ولكنها دفعت عنها تلك التصورات الصبيانية ثم قالت بأدب :
- هل طلبت رؤيتى يا سيدة بوث ؟
رفعت ديبوراه بصرها عن الصحيفة التى كانت تقرأها :
- آه , الآنسة دوغلاس , هل أبلغتك لورا رسالتي ؟ بالتأكيد والا ما أتيت الى هنا .
- يا سيدة بوث ...
قاطعتها المرأة : " اريد ان اطلب منك القيام بخدمة لي يا آنسة دوغلاس . لورا بحاجة الى بعض الملابس الجديدة ومن الطبيعى ان ترغب بإختيارها بنفسها , ولاننى لا احب ان يرانى الناس فى متاجر لندن على هذه الحال أطلب منك إقناعها بالذهاب "
تمتمت كارولين بفتور : " الى ... إلى لندن ؟ "
- نعم , سيقلكما غروم بالسيارة . تتفقان معه على موعد يوافيكما فيه فيما بعد . تعرفين لندن يا آنسة دوغلاس , اكثر مما اعرفها انا . انت تعلمين نوع الاشياء التى تحتاجها لورا .
شعرت كارولين بحاجة ماسة الى الجلوس , فقد كانت ساقاها تشعران بعدم الثبات , كما ان موجات من الدوار جعلتها تشعر بالضعف . ما الذى كان يجري ؟وكيف تخبر ديبوراه اي شخص بأن لزوجها علاقة مع المربية ثم تطلب من نفس المربية ان تختار ملابس لابنتها ؟ هل لفق جون موني القصة كلها ؟ لم يكن لديها سبيل للمعرفة , فأخذت تحدق في ديبوراه بعجز متمنية لو تعلم ما يدور خلف مظهرها الناعم.
أمالت ديبوراه رأسها وسألتها بفضول :
- هل هنالك ما يسوءك يا آنسة دوغلاس ؟ هل ستتناولين العشاء مع آل لستر هذا المساء ام لديك موعد اخر ؟
قالت كارولين وهي تنطق الكلمات بصعوبة :
- لا , ليس لدي موعد أخر يا سيدة بوث .
- هل تقرر كل شئ ؟
وكان هذا صوت لورا التى اختارت هذه اللحظة لتدخل الى الغرفة .
قالت لها امها باستنكار : " هذا ما اظنه يا لورا فأنا ملهوفة الى رؤيتك ترتدين شيئا اخر غير هذا البنطلون الشائن "
نظرت لورا الى كارولين فرأت الشحوب ما يزال باديا عليها .
هتفت تقول : " هل انت واثقة من انك بخير يا آنسة دوغلاس ؟ ان كنت تشعرين بتوعك فبإمكاننا ان نؤجل ذهابنا الى وقت اخر "
قطبت ديبوراه حاجبيها : " ماهذا ؟ لم تخبرينى بتوعكك آنسة دوغلاس ؟"
هزت كارولين رأسها وقالت : " انا بأحسن حال , هل يمكنني التحدث اليك لحظة على انفراد يا سيدة بوث ؟ "
طوت ديبوراه صحيفتها : " آسفة , ليس الان يا آنسة دوغلاس . لدي اشياء كثيرة على الاهتمام بها , اذهبى الان مع لورا وثقي اننى سأدفع الاجر المناسب لما تبذلينه من وقتك لنا "
اطالت كارولين من وقوفها لحظة ولكن العناد لم يبارح ملامح ديبوراه , اما لورا فكانت واقفة بجانب الباب ملهوفة للخروج , ولان كارولين تدرك ان ليس بإمكانها ان تقول شيئا اثناء وجود الفتاة تخلت عن الامر . فكان ان ابتعدت وهي تهز كتفيها عاجزة , ثم فجأة طالعهما جايمس الذى كان واقفا على عتبة الباب وقد بدا رشيق الجسم مليئا بالرجولة فى بذلته المخططة العاجية اللون وقميصه الكحلي . وكان الإنهاك الذى يلازمه هذه الايام يزيد من جاذبيته .
بدا السرور على لورا : " بابا , ظننتك خرجت , آه , هل ستقلني بسيارتك ؟ سيارتك " الجنسن " الرائعة "
جاء صوت ديبوراه :
- سيقلك غروم يا لورا .
ولكن جايمس لم يرهبه هذا فقال بهدوء : "وعدت لورا ان اقلها الى المدينة . اما العودة فلتكن على يد غروم بعد الظهر "
قالت ديبوراه بحدة :" انت ذاهب الى المكتب يا جايمس وليس بإمكانك التجوال مع لورا"
- إن اصطحابها معي الى المدينة لا يعني التجوال معها .
نقلت كارولين نظراتها متوجسة بين ديبوراه ولورا . ما الذى يعنى هذا ؟ اهذا يعنى انها لن تذهب ؟ وكم رجت الله ان يحدث ذلك في لا تستطيع احتمال عذاب قضاء ساعة مع جايمس فى سيارته .
قالت ديبوراه بإصرار : " افضل ان تذهب لورا مع غروم , كما ان الانسة دوغلاس ستصحب لورا , وسيارتك لا تتسع لثلاثة "
رد عليها بجفاء : " لن يشكرك صانعو السيارة على هذا القول .وانا اعلم ان الانسة دوغلاس قادمة هي ايضا , هل انت جاهزة يا آنسة دوغلاس ؟ "
ونظر الى كارولين ببرودة .
ارادت كارولين الاحتجاج , ولكن ماذا بإمكانها ان تقول ؟ فما هي سوي مربية . التفتت بعجز الى ديبوراه وإذا بها تلمح كراهية مفاجئة فى عيني المرأة الاخرى , كان ذلك للحظة سريعة فقط ولم تعرف لمن كانت تلك النظرة موجهة , ولكنها كافية لتقتنع بان بإمكان ديبوراه القيام بأى شئ .
وعادت تلتفت الى جايمس وقد احمر وجهها , فرفع حاجبيه يسألها بثبات : " سألتك ان كنت جاهزة , آنسة دوغلاس , صحيح اننى لست مشغولا كما تقول زوجتي , إلا اننى لا املك النهار بطوله "
ارتجفت شفتا كارولين فضغطتهما معا بشدة ثم قالت وهي ترتجف : " سوف .. سأحضر حقيبة يدي "
عندئذ تنحي جايمس جانبا ليسمح لها بالخروج .
عندما عادت كارولين الى الطابق السفلى وجدت لورا فقط فى انتظارها فى الردهة فهتفت بصبر فارغ : " هيا بنا ! أبى بانتظارنا "
كانت السيارة الجنسن واقفة ومحركها دائر . نزلت لورا الدرجات ركضا , ثم فتحت الباب الواسع وصعدت الى المقعد الخلفى , وعندما وصلت كارولين الى السيارة , كان جايمس قد نزل منها ووقف ينتظر لكي يغلق بابها .
مالت لورا الى الامام متكئة بمرفقيها على ظهري مقعديهما وهي تهتف : " أليست رائعة , آنسة دوغلاس ؟ لا اظنك ركبت من قبل فى سيارة " جنسن " ,أليس كذلك ؟ "
رد عليها ابوها باختصار: " ان الانسة دوغلاس اكبر منك سنا بكثير , ولعلها ركبت سيارة جنسن عشرات المرات "
فعبست لورا بوقاحة : " لا بأس , لا بأس , ولكنها ليست اكبر مني بكثير , كنت اجري فقط حديثا "
لم تكن كارولين تصغي اليها لانها كانت تنظر الى يدي جايمس القويتين على عجلة القيادة .
- ما رأيك يا آنسة دوغلاس ؟
اجفلت كارولين وقالت معتذرة : " أسفة , ماذا قلت ؟ "
فرمقها جايمس بنظرة جانبية وفي عينيه تصميم اخترق الحواجز التي وضعها بينهما , ثم اخبرها بهدوء : "سألتك لورا من اين عليها ان نبدأ : من شارع أكسفورد أو شارع كارنابي ؟ "
حولت كارولين عينيها عن يديه ثم نظرت من فوق كتفها الى وجه لورا المنتظر : " انا .. حسنا , اظن ان علينا ان نبدأ من شارع أكسفورد . فانت بحاجة الى بعض الملابس الرسمية وكذلك الملابس العادية "
سألته لورا برجاء : " ألا يمكنك القدوم منا يا ابى ؟ ليتك تأتى .."
________________________________________
- لورا , لدي اجتماع بعد ثلاث واربعين دقيقة بالضبط .)
قالت كارولين لكيلا يتصور جايمس انها قد تكون طرفا فى هذا الاقتراح : " بإمكاننا القيام بذلك بمفردنا يا لورا "
فاحنت لورا كتفيها : " لا بأس , لا بأس , فكرت فى انك تحب ان تظهر بعض الاهتمام بابنتك ولو مرة واحدة "
رأت كارولين يدي جايمس تتوتران ثم سألها بحدة : " ماذا تقصدين بذلك ؟ "
بدا الاستياء على لورا : " حسنا , لم تعد تمضى معي وقتا فانت دوما مشغول بالاجتماعات .. او الذهاب في رحلات بحرية .. انت تقوم باى شئ يجعلك تبتعد عن البيت .. "
- لورا !
فقالت ثائرة : " نعم , هذه هى الحقيقة , فأنت كأمى لا تهتم بي . خلتك تهتم بي , ألم تعودني علي .. "
- لورا , انت تحرجين الأنسة دوغلاس .
فقالت لورا بصوت باك : " لماذا على دوما ان اتوسل اليك لكي تهتم بي ؟ هل لأن امى تشعر بالغيرة عندما تصحبنى الى أي مكان ..؟"
تهدج صوتها , اما كارولين فراحت تحدق من النافذة وهي تتمنى لو كانت فى اى مكان غير هذه السيارة وغير هذه اللحظة .
اوقف جايمس السيارة فجأة ثم ارتد فى مقعده ينظر الى ابنته التى ما أن رأى وجهها حتى اطلق شتيمة ثم فتح بابه وترجل ليصعد الى المقعد الخلفى بجانبها .
دون أية كلمة , دفعت كارولين بابها ثم ترجلت وسارت مبتعدة عن السيارة . كانت السيارات تتجاوزها بسرعة ولكنها لم تهتم بها . ان علاقة جايمس بابنته شئ خاص بهما فلا دور لها فى ذلك . فجأة اصبح الالم غير محتمل , كان استمرار إنكار ذلك من باب العبث فلم تتوقف قط عن حبه .
وجدت جسرا ضيقا فوق قناة للري , وبوابة استطاعت ان تريح عليها ذراعيها . وكانت حرارة الشمس تشتد على ظهرها .. اليوم تركت شعرها مسترسلا وهي هي النسائمة التي تثيرها مرور السيارات تحرك خصلات شعرها فتدخل فمها . عندما جاء جايمس ليقف بجانبها , نظرت الى وجهه المنهك ثم الى السيارة الواقفة على بعد عدة ياردات . ثم همت بالتوجه اليها لولا ان يده التى وضعها على ذراعها منعتها من ذلك . كان موليا ظهره الى السيارة وبهذا لم يكن بإمكان لورا ان ترى ما يفعل .
قال بعنف : " لا تذهبى الان , ارجوك يا كارولين "
فارتجفت وسألته : " وماذا بالنسبة الى الاجتماع ؟ "
- فليذهب الاجتماع الى جهنم .
- انت لا تعنى ذلك . عليك ان تذهب .
فتنهد ثم اومأ يقول : " وعدت لورا ان اصحبكما الى الغداء , وفى تلك الاثناء يكون الاجتماع قد انفض , وبعد ذلك .. "
سارعت تعترض : " ليس عليك ان تأخذنى , سأذهب الى التسوق مع لورا ثم أوافيها فيما بعد .. "
فتمتم بصوت اجش : " لاتكونى حمقاء .. لأنك ستتناولين الغداء معنا"
تمتمت تقول : "مسكينة لورا "
فنظر اليها وقد بدا فى عينيه جوع ساخر ثم قال من بين أسنانه : " مسكينة لورا حقا , فالام لم تكن تريدها على الاطلاق وهي لا تهتم بها مثقال ذرة .. والاب عاشق لامرأة اخرى"
همت كارولين بالهرب بعيدا عنه , ولكنه لم يدعها تذهب بل قال بعنف : "هذا صحيح . على ان اخبرك , وما فائدة الانكار ؟ ولكن ما الذى يمكننى فعله بالنبسة لهذا الامر .؟ اخذ لورا واطلقها ؟ لقد فكرت فى هذا ولكن اتظنينها ستدعني افعل هذا ؟ ابدا , ولن اجد محكمة تمنحنى حق حضانة ابنتى . خصوصا اذا كان هناك شك فى وجود امرأة اخرى . حسنا , لورا فى السادسة عشرة من عمرها الان , وبعد سنتين سيكون بإمكانها ان تقرر مصيرها بنفسها , ولكن هل بإمكانى انتظار كل هذا الوقت ؟ وهل يمكننى ان اجرب حظي واعدا نفسى بان المرأة التى احبها لن تتزوج فى هذ الفترة من رجل اخر ؟"
اغمض عينيه لحظة ثم اردف يقول : " وهكذا اخبر نفسى ان على ان ارحل , وبعد سنتين ستكون لورا حرة فى القدوم إلى . ولكننى لا استطيع القيام بهذا ايضا .. هل تتصورين السم الذى ستبثه ديبوراه فى ذهنها ؟ هل يمكنك تصورها وهي تخبر لورا ان اباها قد عشق مربيتها ؟ كارولين , لقد ابعدتك عن ذهني, وكنت واثقا من انك تزوجت قبل ست سنوات . لم يكن لدي الحق بأن اطلب منك انتظاري "
- آه يا جايمس .
- بحق الله يا كارولين . لاتنظري الى بهذا الشكل . انت لا تعرفين العذاب الذى سببته لي فى الاسابيع الماضية , ولا ادرى كم يمكننى ان احتمل اكثر من ذلك . ولكنك لا تشعرين بالرضا وانت تستعرضين امامى غزواتك .
- جايمس , انت لا تفهم ..
رد عليها بحدة : " افهم انك تؤذينني مهما كان سبب ذلك "
انتبهت كارولين الى حركة مفاجئة من السيارة فارتدت اليه تقول بعجز : " لورا قادمة نحونا يا جايمس ولا يمكننا التحدث الان "
- وماذا هناك اكثر من ذلك ليقال ؟
قال ذلك ببرودة , ثم اشاح بوجهه عنها .
شعرت كارولين من الطريقة التى تعلقت فيها لورا بذراعه وهما عائدان الى السيارة , بانه عقد معها سلاما . وتملكها السرور , فلورا هى الشخص البرئ الوحيد فى هذا .
كانت لندن مزدحمة , مليئة بالسياح وكذلك بمتسوقي نهاية الاسبوع المعتادين , انزلهما جايمس على مشارف منطقة التسوق الرئيسية بعدما وعدهما بملاقاتهما فى الساعة الواحدة فى مطعم فرنسي صغير . كانت لورا مبتهجة للغاية لانها نالت ما تريد هذه المرة فجرفت بحمساتها كارولين معها .
لدى معظم المتاجر حسابات باسم بوث , وهكذا طافت كل متاجر الازياء مشترية كل الاشياء التى اعجبتها , تاركة كل شئ لكي يرسل الى المنزل " ميتلاندس " . وصمتت كارولين على تنحية المشاكل جانبا لكي تشارك لورا حماستها الصبيانية .
لم يكن من الصعب ان تجدا كل ما تريدانه .
هتفت لورا وهي تستعرض امام كارولين والعاملة ثوبا يصل لكاحليها , لونه بين القرمزي والليلكي :
- آه , لست سيئة المظهر , أليس كذلك؟ لم اكن اعلم اننى سأبدو بهذا الشكل .
ابتسمت كارولين : " لاتكونى مغرورة جدا . فعليك ان تدفعى ثمنه . وقد يرفض ابوك ان يضع توقيعه على قائمة الحساب "
اخذت لورا تضحك وقالت بثقة : " لن يفعل ذلك .. قال ان بمقدوري الانفاق كما اشاء "
تنهدت بسعادة : " نعم , سأخذ هذا الثوب ., آه , هل لديك ثوب ازرق غامق ؟ نعم , ازرق غامق , طويل ملتصق بالجسم "
حدقت كارولين الى الفتاة : "لورا , لن يلائمك هذا الثوب على الاطلاق"/)
- اعلم , لكنه سيلائمك انت . فقد قال ابى ان على ان اشترى لك شيئا بدل قدومك معي .
فهزت كارولين رأسها وهي تمنع العاملة من الذهاب لاحضار الثوب : " آه , لا .. شكرا على كل حال , ولكن لا ....يمكننى ان اشترى ثيابي "
بدا الكدر على لورا :" ربما ما كان لي ان اخبرك , كان على ان اشترى لك شيئا دون ان اخبرك "
هزت كارولين رأسها : " وكيف كان يمكنك ان تفعلى ذلك ؟ فانت لست بقياسي , هذا إلى اننى لست بحاجة الى شئ صدقينى.."
فبدت لورا اقل قلقا : " هل انت واثقة ؟ "
- كل الثقة ... والان اذهبى وارتدى ثيابك فالساعة تكاد تبلغ الواحدة الاربعا .
شهقت لورا : " احقأ ؟ مضى الوقت .. اظننى سأرتدى للغداء ذلك الطقم العاجي الذى اشتريته للتو , نعم , يمكننى ان ارتديه واذهب به الى البيت , اما قميصى وبنطلونى الجينز فليرسلوها مع الاشياء التى اشتريتها , الأ يمكنهم هذا ؟ "
اومأت كارولين موافقة : " لا ارى ما يمنع هذا "
اخذت كارولين تجول فى انحاء المكان . كان لطفا من جايمس ان يقترح شراء شئ لها هي ايضا . وهذا نوع من الشهامة اعتادها كما فعل حين طلب من غروم ان يقلها الى حيث تقابل جون فى القرية ليلة أمس .
وعبست عندما عادت اليها مشاكلها تهاجمها . ما الذى عليها ان تفعله بالنسبة الى جايمس ؟ ان حديثه عن انتظار بلوغ لورا الثامنة عشرة امر يناسبه ,ولكن هل سيتمكن من الانتظار كل هذا الوقت ؟ وان استخدم الضغط عليها , فهل ستقدر على مقاومته ؟ هذا اذا عرف شعورها الحقيقى نحوه ..
عليها ان تصمم امرها قبل نهاية الشهر , ولكن الافتراق عنه مرة اخرى سيكون مؤلما للغاية .
" لاسوتيريل " مطعم صغير فخم ...وصلا اليه ولورا مرتدية ذاك الطقم العاجي الذى بدا رائعا عليها , وصلتا بعد الواحدة بقليل فوجدتا ان جايمس لم يصل .
هفتت لورا بفروغ صبر والنادل يسير بهما الى المائدة التى كان حجزها ابوها : هذا لا ينبغى ان يحدث , فالفتاة هى التى تجعل مرافقها ينتظر وليس العكس "
واثناء كلامها , انفتح باب المطعم ودخل منه عدة أشخاص , لمحت كارولين فى الخلف رجلا اسمر طويل القامة . فقالت وهى تحاول ان توقف سرعة خفقان قلبها المفاجئ : اظن قلقك قد انتهى فقد جاء ابوك كما اظن "
رفعت لورا بصرها بسرور : " احقأ ؟ آه , هذا صحيح , وانظري من جاء معه "
كان تريفور فروبيشر يتبع جايمس . استقرت عينا جايمس على كارولين ثم رفع حاجبيه وهو يرى ابنته : " حسنا , حسنا , ماذا حدث للطفلة ؟ "
عبست لورا فى وجهه ثم عادت فابتسمت لتريفور : "مرحبا ما الذى تفعله هنا ؟ "
قال ابوها لاويا شفتيها وهو يتهالك على كرسي بجانب كارولين : "صدقى او لا تصدقى , جاء تريفور الى المكتب "
دهشت لورا : " الى المكتب ؟ ولكن لماذا ؟ "
فقال تريفور بلهفة : " علمت امك اننى ات الى المدينة هذا النهار , فاتصلت هذا الصباح بي مقترحة ما دام ابوك ايضا , ان نتناول الغداء , ولم اكن اعلم انه سيلتقى بك "
رأت كارولين عينى جايمس تنصبان عليها , فغضت بصرها باضطراب , انها رسالة بسيطة الفهم , فهذه طريقة ديبوراه فى التجسس عليه ومعرفة المكان الذى سيتناول فيه الغداء ومع من .
كان تريفور يحدث لورا عن سيارة ذهب لرؤيتها هذا الصباح . فى هذه الاثناء حاولت كارولين ان تركز افكارها على ما يقول , ولكن هذا كان صعبا وذراع جايمس ممتدة على مسند مقعدها .
وكان يسالها برقة : " هل كان صباحكما ناجحا ؟ "
اومأت بقوة : " كان ناجحا جدا , فقد اشترت لورا ثيابا جميلة جدا , أليس كذلك يا لورا؟
قالت لورا : " آه , ماذا ؟ آه , نعم "
ثم عادت بانتباهها الى تريفور , ولاحت على شفتى جايمس شبه ابتسامة وهو يقول لكارولين وانفاسه الدافئة تلفح وجنتها : " دعيهما وحدهما وتحدثي الى . انا احمق , اعرف هذا , ولكننى اريد ان اعلم ماهية شعورك نحوي حتي ولو كنت تكرهيني "
تملك كارولين الذعر لانها خشيت ان يسمعها الاخرون ولكن من الواضح انهما لم يسمعا شيئا .
تحركت كارولين فى معقدها وازداد جايمس اقترابا منها , واخيرا قالت بصوت خافت : " انا ... انا لا اكرهك . ولكننى لا استطيع الاستمرار فى العيش فى منزلك . فى نهاية الشهر .. "
- هل تريد ان تشرب شيئا يا سيدي ؟
كان النادل يقف بجانب جايمس , فالتفت جايمس الى الرجل مستاء. وبعد حديث قصير ابتعد الرجل .
قال جايمس : " ما الذى ستفعلينه فى اخر الشهر ؟ "
- يجب ان تعلم ان على ان ارحل .
- بسببى ؟
رفعت كارولين بصرها اليه , وعندما لم تستطع مواجهة النظرة التى بدت فى عينيه عادت فغضته بسرعة وهي تقول : " جزئيا "
قال وقد بدا عليه التوتر : "لماذا ؟ وما الذى فعلته لترحلي ؟ ابتعدت عن طريقك قدر المستطاع , انك جيدة جدا مع لورا , وماذا ستفعلين اذا رحلت ؟ "
اطلقت كارولين نفسا مرتجفا : " لا ادرى , اظننى سأبحث عن عمل اخر "
- فى انكلترا ؟
- لا ادرى .
- هل لك ان تسمحي لي برؤيتك احيانا ؟
- لا .
جذب رفض كارولين انتباه لورا , فقطبت جبينها :
- ما الذى تتجادلان فيه يا أبى ؟ ما الذى قلته لها ؟
هز جايمس كتفيه ثم قال : " انا والانسة دوغلاس مختلفان فى وجهات النظر فى بعض الامور . حسنا , هل نطلب الطعام ؟ "
كان من المستحيل الدخول فى حديث خاص اثناء تناول الطعام , ولكن الوجبة انتهت اخيرا , وعند تناول القهوة اقترح جايمس توصيل تريفور الى بيته اذا كان يريد ذلك .
هتفت لورا : " حسنا , انتهينا من التسوق يا أبى , هل يمكننا ان نذهب جميعنا الى البيت معا ؟"
قالت كارولين : " لورا , قالت امك انها سترسل غروم الينا بعد الظهر .. "
ولكن جايمس قاطعها قائلا ببرودة : "لا اظنها قامت الان باى ترتيبات , ومرحبا بك عائدا معنا اذا شئت "
فقال تريفور شاكرا: " اشكرك جدا يا سيدى "
قالت لورا بسعادة : " حسنا , ها قد اتفقنا اذن "
فقال جايمس وهو يوقع قائمة الطعام التى احضرها له النادل : " حسنا , على الذهاب الى المكتب لاحضار بعض الاوراق , فهل تريدون انتظار ام تفضلون العودة معي ؟ "
سألته لورا عاقدة جبينها : " الا يمكننا ان نتمشى قليلا ؟ ايناسبك هذا يا تريفور ؟ "
فأومأ تريفور موافقا ولكن كان ينظر بشئ من الارتباك الى كارولين , فاحست انه لا يحب فكرة ان تكون مع لورا حارسة ترافقها , وعندما شعر جايمس بتردد الفتى , نظر فى اتجاه كارولين :
- هل تريدين القدوم معي لرؤية مكاتب " صناعات بوث " ؟ ام تفضلين البقاء مع الطفلين ؟
سارعت لورا تقول : " آه , نعم . اذهبي معه يا آنسة دوغلاس "
وضعها قول لورا فى موقف لايمكن تجنبه , فقالت : " حسنا جدا "
وكانت تعلم ان صوتها كان باردا منزعجا , فقالت لورا وهي تقف : "اتفقنا اذن , سنراكما فيما بعد , يا أبي . فى اى وقت ؟ هل نقول .. بعد ثلاثة أرباع الساعة ؟ "
نهض جايمس الذى اخذ يقفل سترته ثم قال : " انه وقت كاف , سنراكما قرب محطة " كوينزواى " فترقبا السيارة "
اومأت لورا برأسها , وبعدما ابتسمت لكارولين معتذرة , خرجت مع تريفور . وخارج المطعم , استدعى جايمس سيارة تاكسي , وعندما اصبحت فى المقعد الخلفى جلست بعيدة عنه قدر المستطاع .
قالت : " لم يكن هذا ضروريا على الاطلاق , لم اكن بحاجة الى الذهاب معهما , كان بإمكانى ان اركب القطار الى البيت فهذا يوم عطلتى "
لم ينطق جايمس بجواب وهو يجلس بجانبها متراخيا ويداه على فخذيه.
قالت له بتردد : " جايمس .. "
فالتفت ينظر اليها مكتئبا :
- لا بأس , يا كارولين , لا تخافي مني , لم احضرك الى مكتبى لكى اغويك . فلدي حقا بعض الاوراق التى على احضارها . يمكنك اذا شئت ان تنتظرى فى الطابق السفلي .
نظرت كارولين من النافذة شاردة الذهن . عليها ان تخبره بامر ديبوراه لا التصرف كعذراء انتهكت حرمتها . ولكنها وجدت صعوبة لا تصدق فى العثور على طريقة تقترب فيها من الموضوع بدل ان تجعل الوضع أسوأ .
كانت ناطحة السحاب فى " إمبانكمنت " مبني قبيحا منيا من الزجاج والاسمنت . ولكن ما إن يصبح الشخص داخل الابواب الزجاجية , حتى تمحو الديكورات الانيقة تلك الصورة .
ما إن دخلا الى المبنى , حتى خرج حارس يرتدى زيا رسميا من مكتبه وعيناه على كارولين بفضول , ثم نظرالى جايمس : هل ستمكث مدة طويلة يا سيدي ؟ ام احضر لك السيارة الان ؟ "
قال جايمس : "سأحضرها بنفسى , شكرا يا تشارلس "
نظر الى كارولين : " الانسة دوغلاس ستنتظر هنا بينما ... "
- لا , اعنى , لا بأس يا جا .. يا سيد بوث , سأرافقك .
لم يكد جايمس يسمع هذا وهو يسير بخطوات واسعة الى المصعد وهذا ما جعل كارولين تركض لكي تتمكن من مجاراته فى السير , وطوال الوقت الذى استغرقه صعودهما الى الطابق الاعلى لم يتحدث اليها , وعندما انفتح الباب خرج مسرعا الى الممر .
انتظر وصولها قبل ان يدخل ما بدا انه مكتب سكرتيرته , ثم فتح الباب الداخلي الذى يؤدي الى مكتبه الخاص , لم تكد تجد وقتا لترى مبلغ جمال المكتب لأن جايمس اغلق الباب ثم سمرها وراح يعانقها وهو يهمس قائلا : "اردت القيام بهذا طوال فترة الغداء "
قالت محتجة : " ولكنك قلت ان هذا لن يحدث ؟ "
قال بجفاء : " ما كان لهذا ان يحدث لو امتنعت عن مرافقتى الى هنا . ولكنك تريدينه بمقدر ما أريده انا , أليس كذلك ؟ "
هزت كارولين رأسها ولكنه عاد يعانقها وهويقول :
- أوه يا كارولين , اننى افعل شيئا كان على ان اقوم به منذ سنوات .. شيئا اذا عرفت به ديبوراه سيعنى اننا انتهينا , ولتفعل ما تشاء فلن اهتم بشئ بعد الان "
- جايمس .. انك لا تعنى ذلك .
- كاورلين , انا احبك واحب لورا ايضا , ولكن اننى بحاجة اليك ربما اكثر مما تحتاجنى هي .
تنفست كارولين بعنف , ثم جذبت نفسا بعيدا عنه رغم ما وجدته من عذاب فى ذلك . سارت الى منتصف الغرفة تصلح من ملابسها وهي توليه ظهرها وتقول : "جايمس , انا احبك ولم اتوقف عن حبك قط , لقد ادركت ذلك منذ فترة ولكن .. "
- أواه يا كارولين , انك تعلمين ما تفعلينه بي , أليس كذلك ؟ اننى اريدك يا كارولين , اهربي معي يا كارولين وساحصل على طلاق , على اى شئ تريدينه , فقط لا تبعدينى عنك .
كانت كلماته تسكرها حتى لم تكد تستطيع مقاومتها . ان قضاء بقية حياتها مع جايمس هو كل مناها , ولكن هل بإمكانها ان تسمح له بالقيام بما يقوله ؟ وعل حساب زوجته وابنته ؟ كانت تعلم انها لا تستطيع ذلك .
وقالت وهى غير قادرة على مقابلة نظراته :
- لا يمكنك ان تفعل هذا يا جايمس , فأنا .. انا لن اسمح لك .
- ولماذا لا ؟
جعلتها كلماته المختنقة تستدير إليه , وقالت ببطء : " جايمس , لقد اخبرتنى هذه الصباح كيف ستتصرف ديبوراه اذا انت تركتها , وكيف انها قد تسمم عقل لورا ضدك . وسواء صدقت ام لا , فانت ستندم على منحها تلك الفرصة عاجلا ام اجلا , اما الان .. الان .. "
فتمتم يقول بعنف : "اما الان فانا اريدك , لا تقولى لى انك لا تشعرين بنفس الشئ "
فتنهدت : " جايمس , اننى طبعا اريدك ولكنك الان لا تفكر الا فى الحاضر وليس المستقبل . لابأس , فلنفرض انك تركت ديبوراه وانها وافقت على الطلاق , فما الذى ستظنه لورا بك ؟ انتظرنا طويلا يا جايمس , أفلا نستطيع الانتظار اكثر قليلا فقط ؟ "
- وهل يمكنك ذلك ؟
اشاحت بوجهها عنه : " سيتوجب علي ذلك , أليس كذلك ؟ "
ران الصمت عدة لحظات قال بعدها بصوت فظ : " وإذا رفضت ؟ "
سكت لحظة ثم عاد يقول : " ألا تهربين معي ؟ "
شعرت كارولين بالدموع توشك ان تتدفق من عينيها , فالتفتت تحدق اليه وقد تملكها التوتر وارتجفت شفتاها :
- آه .. آه , نعم , نعم , نعم , ساهرب معك , اذا كان هذا ما تريده حقا , ولكن هذا لا ينبغى لنا .. لا يبنغى لنا ..
عند ذلك تقدم جايمس نحوها ووضع يديه على كتفيها يجذبها إليه :
- آه يا كارولين . شكرا , شكرا لقولك هذا , ظننت اننى جننت .
فقالت : " وماذا ستفعل ؟ "
تنهد طويلا وادركت انه عاد فتمالك نفسه مرة اخرى : " اعلم انك على صواب بالنسبة الى لورا , ولكن ان تطلبى منى ان انتظر سنتين اخريين ... الى اين ستذهبين اذا تركت بيتى ؟ وكيف أراك ؟ "
- لا أظن ان علينا ذلك .
اظلمت عيناه : " ماذا ؟ انت مجنونة , يا الهى يا كارولين , ديبوراه لن تعلم ابدا "
- قلت هذا ولكنها عرفت بالامر بشكل ما .
قال عابسا : " ماذا ؟"
- ديبوراه تعمل .. بما جري بيننا منذ ست سنوات .
فقال وهو يميل رأسه : " ومن أخبرك بذلك ؟ "
قالت مترددة : " كان هذا شيئا قاله جون موني , هذا كل شئ "
اخذ يحدق اليها : " موني ؟ اتعنين الليلة الماضية ؟ "
اومأت تقول : "نعم "
- يا إلهى , وكيف علم بذلك ولماذا خرجت معه الليلة الماضية ؟
لم تعرف كارولين كيف تبدأ , واخيرا قالت :
- حسنا , هل تتذكر ذلك النهار الذى جاء فيه الى المنزل .. عندما ذهبت معه على دراجته البخارية ؟
- وهل انسى ذلك ؟
وانحنى يضمها ., فهتفت وقلبها يخفق : "آه , يا جايمس , ارجوك . دعنى اخبرك اولا "
- كارولين , ما دامت ديبوراه على علم بامرنا فليس علينا ان ننتظر , ألا تفهمين هذا ؟
قالت : " ولكن الامر ليس بهذا الشكل . جون .. "
- جون ؟
- نعم , جون . تلقى اتصالا تليفونيا او هذا ما قاله , يقول انه مني واننى اريده فى منزلكم
- ولكن الم تتصلى به ؟
- وهل افعل شيئا كهذا ؟
بدا الجد على وجه جايمس لحظة : " لقد أشارت ديبوراه امامي انك كنت تعرفين موني قبل حضورك للعمل عندنا "
شهقت كارولين : " ماذا ؟ ولكن هذا غير صحيح "
- استمرى .
لاحظت انه لم يقل ما اذا كان يصدقها ام لا , ولكن كان عليها ان تستمر:
- حسنا , لم نعرف قط من قام بذلك الاتصال . ولكننى اردت ان اتحدث اليه عن لورا , لا ادرى لما كانت لدى فكرة جنونية بانه قد يتحدث إلى . وقد فعل , لقد طمأننى الى انه لا يتخيل انك قد تسمح له يوما بالزواج بلورا . ويبدو انها وبعض الفتيات الاخريات هن اللاتي قمن بالتقرب اليه , قد اعتبرت هي الامرجادا اكثر مما كان هو ينوي.
عندما وصلت بحديثها الى هذه النقطة , اخذ جايمس ينظر الى الفضاء بذهن شارد , ما جعلها تنظر اليه بشئ من القلق : " انت تصدقنى ., أليس كذلك ؟ جايمس , اقسم لك اننى لم اعرف جون موني قبل ذلك النهار الذى جاء فيه الى المنزل "
نظر جايمس اليها بغموض اولا , ثم عندما رأى اهتمامها , تلاشت نظرة الحذر من عينيه وقال بثبات : " اصدقك , هل من مزيد ؟"
اومأت تقول : " لقد اتصل الى المنزل بعد ذلك طالبا التحدث الى . لا ادرى كم من المرات اتصل او ما اذا تحدث الى اى شخص اخر واظنه فعل . ولكنك دخلت عندما كنت اتحدث اليه "
- ولكن لماذا وافقت على الخروج معك ؟ لا تخبرينى انك كنت تريدين ان تتحدثي معه عن لورا .
- لا , لم يكن هذا هو السبب يا جايمس , لم اعلم ما على ان افعل . كانت لورا مع تريفور .. اه , يا الهى .. انهما ينتظراننا الان .
اجابها : " فلينتظرا , واستمرى فى كلامك "
تنهدت كارولين : " حسنا , هددني بانه سيعاود الاتصال ويطلب لورا ان لم اخرج معه . اعلم ان لورا ستتكدر اذا عرفت بالامر .. كنت خائفة مما قد يقوله لها عني "
- ماذا قال لك ؟
- سالنى عما اذا كنت افضل ان اكون معك .
رفع جايمس حاجبيه : " احقأ ؟ وماذا كان جوابك ؟ "
- انكرت ذلك ... وماذا كان بإمكانى ان اقول ؟ اننى افضل لو كنت خارجة مع والد تلميذنى ؟
فهز رأسه : " لا بأس , وماذا بعد ؟"
- سألته عن سبب إلقائه هذا السؤال . عند ذلك قال ان ديبوراه اخبرته بذلك .
بدت الحيرة على جايمس : " يا له من قول شيطانى ! "
- لا ادرى . ولا اظنه صدق هذا فى البداية , ولكن عند ذلك . استعملت اسمك الاول فساوره الشك .
خلل شعرها باصابعه وهو يقول : " لا تقلقى يا حبيبتى , فسينكشف الامر عاجلا ام اجلا "
- اعلم ذلك ولكن ما دامت ديبوراه على علم فلماذا لم تقل شيئا ؟ اعنى انها طلبت منى هذا الصباح ان اذهب للتسوق مع لورا , هذا شئ غير مفهوم .
قال جايمس بجفاء : " لا شئ تفعله ديبوراه هذه الايام يبدو مفهوما "
أراح رأسه على مسند المقعد .
- يا له من لغز غامض , أليس كذلك ؟ ليس من عادة ديبوراه ان تعرف شيئا كهذا ثم تسكت , الا اذا تغيرت . اعلم انها لم تكن على ما يرام صحبا مؤخرا . فقد استشارت الطبيب عدة مرات , ولكن عندما سألتها انكرت اى شعور بالمرض , فما الذى يمكننى عمله ؟
قالت : " ربما تريد ان تعرض عليك الطلاق "
ولكنه هز رأسه : " لا اظن ذلك , قالت لى هذا الصباح انها تقوم بترتيبات رحلة بحرية فى شهر آب لنا جميعا .. مع آل فروبيشر "
- وهل سيذهب معكم تريفور ؟
- ربما , ولكننى لن اكون معهم .
- ربما يتوجب عليك ذلك يا جايمس , لاجل لورا .
فسألها : " وماذا ستفعلين أنت ؟ "
- ابقى فى لندن ؟
- مع " فرانكلاند " ؟
- اه , يا جايمس , اظننى اخبرتك عنه , نحن صديقان .. زميلا داراسة اذا شئت , وهو معلم ايضا , ستحبه لو عرفته فهو ظريف الشخصية .
اظلم وجه جايمس , وانحنى يعانقها عناقا عنيفا اوهن قواها وزاد من شوقها اليه . ثم ابعدها عنه وهو يشتم ونهض واقفا .
نظرت اليه بقلق : " جايمس , هل حدث امر سئ ؟ "
قال والكآبة فى عينيه : "كل شئ سئ , أليس كذلك "
مد يده يتناول سترته وهو يضيف عابسا : " ولكنك ملكي .. لاتظنينني سهلا , يا كارولين , فلن ادعك ترحلين مرة اخرى "
قالت كارولين : " تعلم ان المفروض بي ان اتناول العشاء مع كليف لستر وأمه الليلة "
كان اثناء كلامها يخلل شعره باصابعه , فرأت كيف جمده يده على رقبته : " لم اعرف هذا "
تنهدت : " لقد طلب مني ذلك يا جايمس , و .. وفى ذلك الوقت بدت لي الفكرة جيدة "
- لماذا ؟
- حتى .. لئلا تظن اننى اهتم بك . جايمس , لقد القت ديبواه بنا على بعضنا البعض , فعدا عن عدم رغبتى فى إظهار سوء الادب والتهذيب لم تكن هناك طريقة .. لا يهمنى كليف لستر يا جايمس . لا يهمنى احد سواك .
واحنت رأسها . ران الصمت عدة لحظات , ثم بدا انه يقترب منها فرفعت رأسها تشهق باكية وتلقي بنفسها بين ذراعيه , شاعره به يرتجف وهو يدفن وجهه في شعرها .
سمعت كارولين الاصوات فى الممر قبل أن يسمعها هو بثوان , فابتعدت عنه وهي تقول بذعر :
- أظنها لورا ... وتريفور .
تجهم وجه جايمس : " آه , يا الهى . ما الذى يريدانه ؟ "
قالت وهى تحاول تسوية شعرها : " ماذا سيظنانه ؟ "
بدا وجهها خالية من أي زينة . نظر جايمس اليها وقد ضاقت عيناه ثم قال بهدوء :
- سيسيئان الظن بنا فالشعور بالذنب مرتسم على وجهك , فاهدئى . الامر لا يهمنى .
فصرخت : " ولكنه يهمنى انا , أليس هناك مخرج اخر من هنا يا جايمس ؟ "
قال وهو يشير الى باب اخر لم تسبق لها رؤيته :
- استعملى الحمام وكفى قلقا , فانا احبك .
لم تكد كارولين تغلق باب الحمام حتى سمعت صوت لورا وتريفور يدخلان الى مكتب جايمس .
قالت لورا متذمرة : " ما الذى تفعله يا أبى ؟ انتظرنا عند المحظة ثم قررنا التمشى لملاقاتك . اين الانسة دوغلاس ؟"
رد جايمس بجفاء : " فى الحمام . كنا علي وشك الخروج . اسف لهذا التأخر ولكننى أريت الانسة دوغلاس انحاء المكان "
قال تريفور شيئا عن المنظر الذى تطل عليه نوافذ مكتب جايمس , فى هذه الاثناء كانت كارولين تعيد زينة وجهها بسرعة وتمشط شعرها , وعندما خرجت من الحمام , كانت اقل اضطرابا .
هتفت لورا وهي تتاملها بفضول : "ها انت ذى .. وجهك متورد يا آنسة دوغلاس , هل حاول أبى مضايقتك ؟ "
تبادلت كارولين نظرة مع جايمس الذى سار نحو الباب متكاسلا وهو يقول لها بينما كانت تمر به فى طريقها الى الباب : " اهتمى بشؤونك الخاصة يا لورا وسأهتم انا بامر الانسة دوغلاس"
* * *