اعتذر لي
خرجت كارولين من مطعم " كوش إند هورس " ونظرت الى شارع فينبورن الرئيسي الهادئ , لم يكن هناك سوى القليل من المارة فى مثل هذه الساعة من بعد الظهر . لقد اعطوها اليوم عطلة لم تكن تتوقعها , فقد ذهبت ديبوراه بوث الى لندن فى ذلك الصباح ثم فى الطريق انزلت لورا فى منزل جدها .اما كارولين فقررت ان تسير مشيا الى القرية لتتذوق الطعام فى " كوش إند هورس "
منتديات ليلاس
كان صعبا عليها ان تصدق انه مر الان اسبوعان على وصولها الى منزل " ميتلاندس " كما لم تصدق ان بإمكانها العيش فى منزل مع ثلاثة اخرين دون ان ترى احدا منهم الا نادرا . هي ترى لورا بالتأكيد , وكانت مسرورة جدا للتقدم الذى حققته معها . ولكنها لم تكن ترى ايا من الزوجين تقريبا .
كانت كارولين وتلميذتها تتناولان غداء خفيفا فى الغرفة الصباحية , ومع ان ديبوراه تتناول الغداء ايضا الا انها لم تشاركهما قط تلك الوجبة . اما العشاء فكان يقدم اليها فى غرفتها . وهذا يعنى انه لم يحصل بينها وبين جايمس اي اتصال مهما كان نوعه , وهذا ما اشعرها بالراحة .
واثناء عطلة الاسبوع التي تتعطل فيها الدروس , كانت وجبات الطعام تقدم الى كارولين فى غرفتها وهذا ما جعلها تقرر القيام ببعض الترتيبات للخروج والا اختنقت .
كانت واقفة تستمتع بالشمس على ذراعيها العاريتين , عندما برزت سيارة من خلال الضباب الصيفى الذى يلف شارع القرية ووقفت امام المطعم . إنها سيارة فارهة خضراء اللون صمم شكلها للسرعة وللراحة فى آن . ولكن كارولين سبق ان رأت هذه السيارة متوقفة امام منزل " ميتلاندس " وهذا بعث الذعر الى قلبها .
- آنسة دوغلاس ؟
كان هناك رجلان يخرجان من السيارة , أحدهما اسمر ضامر الجسم يرتدى ثيابا اكثر بساطة مما اعتادت رؤيتها عليه : سروالا من الجينز وقميصا نصف مفتوح , اما الرجل الاخر فيماثله بالملابس ويقاربه طولا , ولكنه ذو شعر يميل الى الاحمرار وشارب متدل .
جعلتها تحية جايمس تقف بشكل آلي , فارتدت لتواجه الرجلين على كره بالغ منها . ولكنها كانت تشعر بالخجل لانها ترتدى سروالا من الجينز رقيقا وقميصا بلا اكمام , بينما شعرها مكوم على قمة رأسها وقد تدلت منه خصلات على رقبتها وحول اذنيها . لم يكن هذا لباس مربية ولكنه يوم عطلتها .
اجابت بأدب وقد بدا عدم الاهتمام والبرودة على ملامحها : " مساء الخير , يا سيد بوث "
كانت واعية الى ان رفيقه ينظر اليها متأملا , فارتسم فى عينيها نوع من السخرية وهي تفكر بمرارة انه سبق لها ان خبرت مثل هذا الوضع . المربية تجذب صديق العائلة فيلاحقها بشهواته ! لكنها باتت قادرة على معالجة كل الاوضاع المتعلقة بالرجال تقريبا .
نظر جايمس حوله وقال مقطبا جبينه : " اين غروم ؟ المفروض ان يحضرك الى القرية "
- لا , لم يقلنى لانه اصطحب زوجتك الى المدينة , اما انا فجئت الى هنا مشيا .
- مع لورا ؟
- لا .. اعتقد ان لورا تمضى النهار مع والديك
ازداد تقطيب جايمس : " هل مشيت كل هذه الطرق الريفية ؟ كنت عرضة للمعاكسات "
- ولكننى لم اتعرض لذلك
ادركت كارولين ان حديثها مع جايمس لا يليق بموظفة . ولكنها لم تستطع تجنب ذلك , فخوفه عليها من المعاكسات امر يدعو الى الضحك .
قال جايمس باقتضاب وهو يرمق رفيقه بنظرة مختصرة :
- حسنا , سنعيدك نحن . آه , اقدم اليك الانسة دوغلاس مربية لورا , يا كليف .
سكت ثم نظر الى كارولين قائلا : " كليف لستر "
فقال كليف لستر وهو يصر على مصافحتها : " كيف حالك آنسة دوغلاس ؟ كنا على وشك اطفاء عطشنا هنا . فهل لك ان تنضمى الينا ؟ "
- آه , لا شكرا .
رفع كليف حاجبيه : " ولم لا ؟ اليس من حسن الاخلاق ان تتناول مربية المرطبات مع مخدوميها ؟حسنا , سيكون ذلك على حسابى . فما رأيك ؟ "
قال جايمس باقتضاب : " ربما لدى الانسة دوغلاس رغبة فى الذهاب للتسوق قبل ان تعود الى المنزل "
ولكن رفض جايمس وليس دعوة كليف هو ما أثار شيطان العناد فى داخل كارولين , فقالت بحذر وهي ترمق كليف من خلال اهدابها : لا , ليس لدي ما أشتريه من السوق "
سمعت جايمس يجذب نفسا سريعا , ولكن كليف لم ينتبه الى شئ لحسن الحظ , وقال يستعجلهما : " هيا بنا الى الداخل , إذن "
كان المطعم خاليا تقريبا . أجلسهما كليف على مقعد قريب من مقعده . لقد دعاها كليف على نفقته الخاصة , وان لم يعجب ذلك جايمس فليس فى وسعه القيام بشئ لأن لا سلطة له على اوقات فراغها .
قال لها كليف : " كنا فى نزهة فى النهر عند " هاولوك " , ألم تقومى بالتجذيف قط آنسة دوغلاس ؟"
اجابت وهي تنقل نظراتها الى جايمس الذى كان ينظر الى الفضاء بذهن شارد : كان لدي ذات يوم صديق يملك زورقا , فذهبنا معا عدة مرات "
اومأ كليف : " وهل استمتعت بذلك ؟ "
هزت كارولين كتفيها : " لا بأس بذلك , ذلك وقف على شخصية الشخص الذى تبحر معه "
ضحك بصوت خافت , ولكنها وهي تنظر فى كأسها كاد تحس بالعداء ينبثق من الرجل الواقف خلفه .
قال كليف وهو يهز رأسه : " لم اعرف قط امرأة استطاعت ان تصبح مجذفة جيدة "
قالت كارولين متعمدة : " ألا تجذف زوجتك بك ؟ "
عاد كليف يضحك مرة اخرى : " زوجتي ؟ ليس لدي زوجة , آنسة دوغلاس "
اردف وهو ينظر فى عينيها متحديا : " هذا لا يعنى اننى كرست نفسى للعزوبية . كل ما فى الامر اننى لم اقابل امرأة رغبت فيها او رغبت هي بي "
رأت كارولين انهما سارا شوطا طويلا فى هذا الاتجاه , فغيرت الموضوع : " ما اجمل ان تقوم بنزهة فى زورق ساعة تريد "
قال كليف عابسا : " لاننتهى جميعا من اعمالنا الساعة الخامسة كما تعلمين "
واجهته ساخرة : " آه , انت موظف إذن ؟ "
- هذا مؤكد انا اعمل فى تصريف البضائع . قد تريننى اتصرف كالفراشة , ولكننى حتما نحلة
- هل يمكننى الحصول على ما تقوله مكتوبا يا كليف ؟
ألقى جايمس عليه هذا السؤال رغما عنه تقريبا , ولكن بلهجة تنطق بالهزل المكبوت , فقال له كليف وهو يلكمه بقبضته مازحا :
- ظننتك اقسمت على الصمت يا رجل , هل تريد كوبا اخر ؟
- لا , شكرا .
قال جايمس ذلك وهو ينهي كوبه .
خرجوا جميعا الى اشعة الشمس مرة اخرى , وصعدت كارولين الى سيارة جايمس بشئ من التردد , ولكنها لم تستطع القيام بغير ذلك لئلا تبدو غير مهذبة . جلست فى المقعد الخلفى اما الرجلان فصعدا الى المقعد الامامى .
كانت نوافذ السيارة مفتوحة اثناء سيرها لذا سرعان ما حلت الريح شعر كارولين فانسدل على كتفيها واخذ يتطاير حول وجهها . وكانت تبعده بيدها عندما واجهت عيني جايمس تنظران اليها من خلال مرآة السيارة . حولت نظراتها على الفور رافضة ان تشعر بالرهبة ازاء البرودة في نظراته .لاحت امامهما بوابة المنزل , ولكن كارولين دهشت وهي ترى السيارة تجتازها كما بدت الدهشة على كليف ايضا.
قال جايمس : "من الافضل ان انزلك انت اولا يا كليف فلدي بعض الاعمال فى المنزل لذا لا يمكننى البقاء معك ابلغ اعتذارى لوالدتك من فضلك "
كان كليف لستر , كما يبدو , يسكن على مقربة فى منزل انيق من طراز العهد الجورجي . وعندما وقفت السيارة فى طريق المنزل اتكأ على النافذة بعد نزوله من السيارة وقال بمودة : " لا بأس يا صديقى . اراك مساء الاحد عل كل حال . لقد دعتنى ديبوراه الى العشاء "
وتحولت عينا كليف الى كارولين , الى منظرها الذى اكتسحه الريح .
- وداعا آنسة دوغلاس , سررت بمعرفتك
فابتسمت له كارولين , وإذ شعر كليف بفروغ صبر جايمس استقام فى وقفته فانطلقت السيارة مبتعدة
توقعت كارولين من جايمس ان يقول شيئا وذلك حالما اصبحا بعيدين عن مرمى السمع , ولكنه لم يفتح فمه بل ركز كل انتباهه على القيادة , وبعد دقائق ضغط على بوق السيارة للبواب حتى يفتح بوابة المنزل . ودخلت السيارة ثم ابطأت ووقفت امام الشرفة الامامية .
فتحت كارولين باب السيارة وترجلت منها قبل ان يتمكن جايمس من القدوم نحوها ليساعدها على النزول . بعد ذلك صعدا درجات الشرفة معا الى الباب حيث تقدمته كارولين الى الردهة شاعرة بشئ من الراحة ,ولكنها كانت قصيرة الامد .
قال بلهجة رسمية متكلفة : " رافقيني الى مكتبي من فضلك "
ثم أشار الى مدبرة المنزل التي برزت عند دخولهما بانه ليس بحاجة اليها . ولم يكن امام كارولين من خيار سوى الطاعة
لم يسبق لكارولين ان دخلت الى مكتبه الذي يقع فى نهاية ممر ضيق فى الجهة الخلفية من المنزل وهي الغرفة الوحيدة التى اخبرتها لورا بأن دخولها ممنوع حتى عليها .
تبعته الى مكتبه بشئ من التحدي غير ملقية بالا الى اناقة الغرفة . السجادة البنية اللون , الكراسي المكسوة بجلد الحيوانات والمكتب المكسو سطحه بالجلد , ولكنها عن غير وعي وقفت مستندة الى حافته وقد عقدت ذراعيها وبدت الحدة فى نظراتها .
اغلق جايمس الباب ثم استند اليه لحظة قبل ان يعدو فينتصب واقفا ثم يتحرك فى الغرفة . بدا أصغر سنا بهذه الملابس البسيطة التى كان يرتديها , ولكن بدا على جسده مظهر التوتر . عندما أخذت تختلس النظر اليه , عادت اليها ذكريات مطاردته لها طوال فصل ذلك الصيف . وكان من السهل استرجاع تلك الذكريات . ففى تلك الفترة ثابر على الخروج وتناول الطعام معها والتحدث اليها وممازحتها بالنسبة الى احلامها ومثلها العليا . وعندما اصبحت اخيرا بين ذراعيه , كان هو الرجل الوحيد الذى بادلته المشاعر , ولاجله لم تسمح قط لرجل , بعد ذلك بالاقتراب منها . لقد استغرق الامر بعض الوقت , عدة اشهر فى الحقيقة قبل ان تدرك ان ليس فى نيته الطلاق من زوجته والزواج منها .
وها هو ذا الان يقف بجانب المكتب , وإذ اخذ ينظر اليها , قال بصوت غاضب منخفض : " اياك ان تفعلى هذا بي مرة اخرى "
ارغمت كارولين نفسها على التظاهر بهدوء كانت بعيدة عنه وهي تقول : " افعل ماذا ... سيد بوث ؟"
اخذ عرق ينبض فى فكه وانقبضت يداه : " انت تعلمين ماذا اعنى ؟ ان كليف لستر هو صديق لي , فلندع الامر عند هذا الحد ؟ أليس كذلك ؟ "
فاتسعت عينا كارولين بسخرية : " وكيف بإمكانى القيام بالعكس يا سيد بوث ؟"
فتمتم يقول بعنف وهو يشيح بوجه عنها تقريبا : " كفى مخاطبتي بلقب السيد بوث "
فسألته بصوت خفيف : "ربما تريدني ان اخاطبك ؟ جايمس ؟ لا اظن زوجتك سترضي عن ذلك "
احنى كتفيه بشكل انهزامي : " اظن الوقت قد حان لمناقشة هذا الامر"
فتصلبت كارولين فى وقفتها : " ماذا بالضبط ؟"
- لا تراوغي يا كارولين . هل تعمدت القيام بذلك ؟ اعنى القدوم الى هنا ؟
ردت عليه بحدة واختصار : " لا , لم اتعمد المجئ .. لقد منحتنى الوظيفة صديقتك السيدة فروبيشر "
- آيرين فروبيشر ليس صديقتى
- لا بأس .. صديقة زوجتك اذن . ما اعلمه انهم منحونى الوظيفة من اجل ابنتهم , وما كان يدرينى ان زوجتك وراء ذلك ؟
سحب جايمس نفسا عميقا : " فهمت , لقد تكهنت بكل هذا بالتأكيد "
التهبت عينا كارولين غضبا : " ما احسن ظنك هذا ! ما كان لي ان اقبل وظيفة فى بيتك "
لم يجب جايمس على هذا الا بتوتر خفيف فى شفتيه ثم قال بكآبة : " ولكنك بقيت هنا "
- نعم , لم يكن امامى خيار اخر , لانننى انفقت نصف الاجر الذى نقدتنى اياه السيدة فروبيشر مقدما .
التفت جايمس اليها عابسا ثم تمتم قائلا : "ما دمت مفلسة الى ذلك الحد فلماذا لم تطلبي مني ان اعطيك المبلغ ؟ "
- آه , نعم , ولو طلبت المال منك ماذا كنت ستفعل ؟ تعطينى النقود لاردها الى زوجتك ؟ لا ادرى بأى شرط توقعت ان يكون الدفع !
حدق جايمس اليها بمرارة ثم قال بفظاظة : " يالك من ساقطة "
قالت معتذرة على كره منها لانها شعرت فجأة بانها تصرفت بشكل صبيانى نوعا ما : " انا اسفة , كل ما فى الامر . انك اغضبتنى "
رفعت بصرها اليه رغما عنها فتحركت مشاعرها بسبب قربه منها كما لم يحدث معها من قبل .
تمتم بصوت مرتجف : " آه يا كارولين , ما الذى جعلك تعودين الى حياتى بحق الله عليك ؟"
ابتعدت كارولين عنه جاعلة المكتب بينهما . ثم قالت بثبات : " لم اعد الى حياتك يا جايمس . انا هنا من اجل ابنتك ليس الا .. اما مسألة تعارفنا فامر غير مهم البتة "
تجهم وجه : " احقا هو كذلك ؟"
- ربما كان الامر كذلك , حدث ذلك منذ ست سنوات , ومنذ ذلك الحين تغيرت فقد نضجت اكثر . عندما عرفت انك ستكون رب عملي . حسنا , اعترف ان اول ما خطر لي هو الرحيل . ولكن بعدما قابلت لورا ..
ازداد عمق الخطوط حول فمه : " نعم , لقد انسجمت مع لورا بشكل جيد "
- احاول ذلك
- وهذا ما اخبرتنى هي به .. انها تحبك
- شكرا
تخللت اصابعه فى شعره : " لا تشكرينى , ليتها كرهتك الى ابلغ حد!"
ذهلت كارولين لانه ما زال قادرا على ايلامها بسهولة . قالت : " انا اسفة "
قال بعدم تصديق : "احقا , احقا انك اسفة ؟ الا تهتمين حقا برأيى فيك؟"
رفعت كارولين رأسها : "لا "
سقطت يدا جايمس الى جنبيه , ثم تهالك على احدى الكراسى , ووضع ساقا على ساق متعبا : "لا بأس , يمكنك الذهاب "
- نعم يا سيد بوث
لم تعرف كارولين ما الذى جعلها تسخر منه بهذا الشكل , ولكن عندما اجتازت الغرفة متجهة الى الباب , كان عليها ان تمر بجانب كرسيه , واذا بيده تمتد لتقبض على معصمها باصابعه القوية .
قال من بين أسنانه محذرا : " لا تفعلى ذلك , يا كارولين "
عندما نظرت الى عينيه تملكها شئ من الخوف ولكنها لم تشأ ان تدعه يرى ذلك , فقالت : " ما الذى على عدم فعله يا سيد بوث ؟ "
تنهد جايمس ثم نظر الى المعصم الرشيق الذى يمسك به : " إن ادراكي بانك هنا فى البيت , ليس امرا بسيطا . سواء أصدقتنى ام لم تصدقي , فأنت المرأة الوحيدة التى رغبت فيها فى حياتى . فلا تغرينى على القيام بما قد تندمين عليه "
عند ذلك أطلقها , فابعدت معصمها عنه بعنف وقد ثار غضبها : " كيف تجرؤ على مثل هذا القول لي ؟.ما الذى جعلك تظن اننى لن اذهب الى زوجتك واخبرها اى حقير انت ؟ "
هز جايمس كتفيه , قائلا : " اذا كان هذا ما تريدينه , فلن أمنعك "
نظرت اليه بقنوط : " الا يهمك هذا ؟ "
ضاقت عيناه : " فلنقل انه عمل غير صائب حاليا "
تحولت كارولين الى الباب لانها لا تريد المضي فى هذا الحديث , ولكن صوته اوقفها : " هل كان هنالك . هل هنالك شخص اخر ؟"
ارتدت اليه بعنف : " ليس لديك الحق فى توجيه هذا السؤال إلي
- ولم لا ؟
- انه شئ لا يعنيك
- آه , دعك من هذا يا كارولين . كنا , انا وانت عاشقين ذات يوم
- انك مغرور بنفسك
- لا , هذا غير صحيح , حسنا . تقولين ان هذا الامر انتهى الان , و لكن ذلك لا يمنعنى من التفكير فيك متسائلا عما اذا كان هناك شخص اخر قد دخل قلبك البارد
مدت كارولين يدها الى قبضة الباب وقالت بازدراء :
- فى الواقع , دخل قلبي عدة اشخاص وان كان يهمك ان تقرأ فسأدعك تقرأ دفتر مذكراتي , انما لاتحاول ان تخبرنى بما على ان افعل يا .. سيد بوث .
كانت قد فتحت الباب قبل ان يتمكن هو من النهوض عن كرسيه ,.ولكن هذا لم يمنع قلبها من الخفقان بعنف ورأسها من الدوار ثم ازداد شعورها هذا وهي ترى مدبرة المنزل واقفة فى الخارج . ظنت فى البداية ان المرأة تسترق السمع .
ولكن عندما اخذت تحاول تمالك اعصابها , بددت مدبرة المنزل اعتقادها هذا بقولها بصوت مضطرب : "آه ,انسة دوغلاس , هنالك شاب يريد رؤيتك "
وعندما برز جايمس خلف كارولين , هتفت وهي ترفع بصرها اليه وقد احمر وجهها : " انه ينتظر بالخارج , هل اسمح له بالدخول يا سيدي ؟ "
رأت كارولين مظهر العداء الذى بدا على وجه جايمس . ارادت ان تبتعد عنه ولكن السيدة فرنتش كانت امامها تسد عليها طريق الهرب.
سألها جايمس بهدوء : " من هو القادم يا سيدة فرنتش ؟"
حركت المراة كتفيها بشكل غير عادي قائلة : " شخص يدعى السيد مونى , يا سيدي "
فغرت كارولين فاها ذاهلة اما جايمس فسأل المرأة بهدوء ينذر بالشر : " هل قلت السيد موني ؟ "
- نعم يا سيدى , هل يمكننى ادخاله الى المكتبة يا سيدى ؟
نظر جايمس الى كارولين بغضب ثم سألها : "هل كنت تنتظرين زائرا ؟ "
قالت كارولين ساخطة : " لا , لم اكن بانتظار احد , لا اعرف اى شخص يدعي موني "
قال جايمس بلا حماس : "بل أظنك تعرفين "
نظر الى مدبرة المنزل : " حسنا جدا يا سيدة فرنتش , احضري السيد .. موني الى غرفة المكتبة "
- نعم يا سيدى
ابتعدت السيدة فرنتش اما كارولين فوقفت تحدق الى مخدومها . اخذ جايمس يحدق لحظة الى وجهها المستاء ثم سحب نفسا عميقا وقال بصوت فظ :
- لا بأس , ما الذى يعنيه جون موني بالنسبة إليك ؟
شهقت كارولين : " لى ؟ انا لا اعرفه حتى , سبق ان اخبرتك بذلك "
- وهل تتوقعين مني ان اصدقك ؟
فردت عليه بحدة : "لا يهمنى ما تصدق . فانا لا اعرف جون موني وانما سمعت باسمه فقط , وانا اعرف ما تفكر فيها انما لا صلة لى بهذا الرجل " .
انكمشت يدا جايمس , ثم دسهما فى جيبي بنطلونه الامايتين وهو يسالها : " اتنكرين انك دعوته للحضور الى هنا لرؤيتك حين علمت انه لن يكون فى المنزل احد ؟ "
نظرت كارولين اليه بعدم تصديق : "اهذا ما تظنه ؟ "
انتقل جايمس من مكانه بضيق , ثم قال غاضبا : " وما المفروض ان اظنه سوى ذلك ؟ يا الهى لقد جعلتنى اعتقد ان وجودك هنا محض مصادفة ؟ "
سحبت كارولين نفسا عميقا وقد ساورتها الرغبة فى ان تصعد الى غرفتها حيث تجمع حاجياتها وتترك هذا المنزل الى الابد .وليرفعوا عليها قضية لتحصيل نقودهم اذا شاؤوا فلن تهتم لذلك . ولكن شيئا ما , شعورا ما رفضت الاعتراف به , لم يسمح لها بالاستسلام بهذه السهولة .
قالت وهي تغرز اظافرها فى راحتيها : " هل لك ان تصغى إلى ؟ لم ادع هذا الرجل موني الى هنا اليوم , بل لم اكن اعلم اننى لن اشتغل هذا النهار . لقد اخبرتنى زو .. زوجتك , بعد الفطور , انما هي ولورا ستخرجان "
رد عليها ببرودة : " هنالك تليفون "
- نعم , هنالك تليفون , ولكننى لم استعمل التليفون , اسال السيدة فرنتش . لقد تناولت الغداء فى القرية
- كان بإمكانك الاتصال تليفونيا من هناك
تمالكت كارولين اعصابها بجهد : " ولماذا عدت انا اذن الى هنا ؟ ولماذا لم اتدبر الامر لألاقيه فى القرية ؟ "
- لأننى اصررت على احضارك الى البيت
قالت كارولين تفسر الامر بسخرية : "آه , نعم . وانا حيث اننى كنت اعلم بانك ستكون هنا , كنت ارجو ان يأتى الى هنا . هل يبدو هذا منطقيا لديك ؟"
اطال جايمس التحديق فيها مفكرا , ثم قال :
- لماذا جاء الى هنا إذن ؟ ولماذا طلب مقابلتك ؟ وما ادراه باسمك ؟
الا اذا .. الا اذا ..
قالت تحثه على الكلام وهي تحملق فيه : " إلا اذا .. "
تمتم جايمس متمتما : " الا اذا كانت لورا وراء ذلك كله "
تنهدت كارولين قائلة : " لورا ؟ لم يخطر لي ذلك ببال "
هز جايمس رأسه بفروغ صبر : " ولا انا .. يا الهى , ان كانت وراء هذا , فسوف .. فسوف .. "
قالت كارولين بجفاء : " ستعتذر إلي "
- طبعا , اذ أسأت الحكم عليك . الافضل ان اقابله بنفسى
- لا
اعاد رفض كارولين الفورى الى ملامحه اثرا من شكوكه السابقة ,اما هى فتوسلت اليه بقولها : " ارجوك دعني اقابله . لقد طلب مني مقابلته على كل حال "
عقد جايمس حاجبيه : " اذا كانت هذه حيلة "
نسيت كارولين لحظة الاحتفاظ بالحاجز بينهما , واندفعت تضع يدها على ذراعه فشعرت بتوتر عضلاته تحت أصابعها : اواه , يا جايمس . امنحنى ثقتك "
نظر الى اصابعها على ذراعه فشعر بلحمه يتحول الى جمر تحت لمستها , لكنها ما لبثت ان انزلت ذراعها وارتدت خطوة الى الخلف , إنما ليس قبل ان تلمح العذاب الذي بدا فى عينيه .
قال بصوت خشن : " انا أثق بك يا كارولين , ولكن لا تثقي بي "
ودون كلمة اخرى ارتد عائدا الى مكتبه ثم أغلق الباب .
* * *
وجدت الشاب واقفا عند النافذة ينظر منها الى الطريق امام المنزل , ولكنه ارتد اليها حالما دخلت . رأته كارولين مختلفا كليا عن الصورة التى رسمتها له فى خيالها.لقد كانت مخيلتها وعادة لورا فى المبالغة قد خلقتا صورة لشاب قوى العضلات مزهوا وعدوانيا وبالغ الثقة بنفسه .
واذا بالحقيقة تأتى بشكل مفاجأة , ولكنها ليست مخيبة للامل تماما . فجون موني فوق المتوسط طولا بقليل , جسمه نحيل وشعره بني يميل للاشقرار , بدأ ينحسر عن جبهته . ولكنه بالاجمال رجل جذاب ومن هنا فهمت كارولين سبب افتنان لورا به , ففي ملامحه صفات مميزة وظرف ورقة تركت تأثيرا في كارولين نفسها .
- آنسة دوغلاس ؟ كيف حالك ؟
سمحت كارولين له بمصافحتها ثم وقف امامها منتظرا واضعا يديه خلف ظهره .
قالت كارولين : " كيف حالك ؟ "
كان الصمت الذى ران بينهما غير مريح , فجأة اندفع الاثنان بالكلام فى وقت واحد وهذا ما لطف الجو , فاخذ الاثنان يضحكان وعند ذلك قال : " هل اردت رؤيتى ؟ "
شهقت كارولين ذاهلة : " انا اردت رؤيتك ؟"
- حسنا , ألم تطلبى ذلك ؟
هزت كارولين رأسها بحيرة : " لا , وما الذى جعلك تظن ذلك ؟"
- تلقيت خبرا منك
- خبر ؟ وكيف ذلك وانا لم ارسل أى خبر؟
اخذ موني يحدق اليها متشككا ثم قطب جبينه :
- هل أنت واثقة ؟ هل قالت لك لورا شيئا بهذا الخصوص ؟
قالت كارولين محاولة التذكر : "لا , لا .. ارجوك . اخبرنى عن ذلك الخبر , من اوصله اليك ؟ "
- تلقيت اتصالا هاتفيا فى البناء الذى اعمل فيه
- وفى الخبر ان تأتى الى هنا لرؤيتى ؟
- نعم , لم افهم سبب ذلك . ولكننى ظننت . حسنا , اخبرتنى لورا انك لا تقفين ضد صداقتنا كليا
ازداد تقطيب كارولين : " هل اخبرتك لورا بذلك ؟ وكيف تخبرك وهي لم ترك ؟ ام لعلها رأتك ؟
- نحن نتكلم تليفونا احيانا ونتراسل بريديا . من المؤكد ان لديك اعتراضا على ذلك
فقالت بفروغ صبر :
- ليس الامر امرى كي اعترض على اى شئ . فلا يتعلق هذا بي . آه , لا ادرى . دعنى افكر , اتظن ان لورا هي التي رتبت امر هذا الاجتماع بيننا ؟
فهز كتفيه وهو يتنهد : " لا تسألينى فلا اظن ذلك . اذن فقد كانت رحلتى هذه عبثا . أليس كذلك ؟ "
- حسنا , ما هى نتيجتها برأيك ؟ وماذا تتصور ان بإمكانى القيام به من أجلك ؟
- ظننت انك رتبت لقاء لي معها . لكي نمضي بعض الوقت معا .
ويبدو اننى كنت مخطئا .
تنهدت كارولين التى شعرت بالعطف عليه .
قالت : " حسنا . انا اسفة . ولكن مهما يكن الشخص الى أرسل اليك الرسالة , فهو ليس أنا . ولورا ليست هنا , انها تمضى النهار مع جديها .
وضع يديه فى جيبيه : " آه , هذا عظيم . اظن على ان اقول إننى آسف على إزعاجك "
عضت كارولين شفتها : "لا بأس فى ذلك "
سار نحو الباب ثم عاد فتوقف : " لا أظن .. "
سكت برهة ثم عاد يقول : " جئت الى هنا على دراجتي البخارية , وهي هناك عند غرفة البواب الذى لم يسمح لي بركوبها الى باب المنزل . لا أظنك ترفضين ان تتمشى معي اليها ؟ "
بسطت كارولين راحتيها وقالت باسمة : " لا ارى ما يمنع ذلك . من المؤسف ان تأتى على دراجتك البخارية فمبقدورنا التمشى الى القرية معا . احب ان اتحدث اليك عن لورا "
- لكي تعرفى اى فلاح جاهل انا .. أليس كذلك ؟
لم تجفل كارولين : " اذا شئت "
ابتسم فجأة : " يمكننى ان احملك على الدراجة اذا شئت , فانا احتفظ بخوذة احتياطية "
ترددت كارولين , السير معه الى القرية شئ وركوب الدراجة معه شئ اخر . وماذا سيظن جايمس ؟
ولكنها أنبت نفسها بغضب : وماذا يهمها مما سيظنه جايمس ؟ هل سبق له قط ان اهتم بما تفكر هي به ؟ وبجانب ذلك , فالامر كله فى منتهى البراءة , واذا اراد ان يسئ الظن فذاك شأنه !
واذ ادركت ان مونى ينتظر جوابها , قالت : " حسنا , لا بأس . يمكنك ان تأخذنى الى مكان ما لنتحدث فيه على الا يكون بعيدا "
اومأ قائلا : " هذا حسن . والان هل يمكننا الخروج ام علينا ان ناخذ اذنا بذلك ؟"
قالت ضاحكة : " بل نخرج , اتبعنى "
لم يكن مكتب جايمس يطل على طريق المنزل , ولكن كارولين لم تكن مقتنعة بانه لم يكن يراقب ما انتهى اليه لقاؤهما .او ربما السيدة فرنتش , ولا شك ان المطلوب منها ان تخبر سيدها .
لم تركب كارولين دراجة بخارية من الخلف منذ سنوات . منذ ايام الدراسة , ولكنها وجدت ذلك ممتعا فى عصر هذا اليوم الدافئ . وسرعان ما اخذ شعرها يتطاير ويتشابك فبدا عسليا ذهبيا قبل وصولهما طريقا ضيقا ينتهى الى ساحة معشوشبة تحف بضفة النهر الذى كان يلتوي عند هذه النقطة مشكلا بحيرة طبيعية ,وكانت هذه البقعة منعزلة كليا .
نزلت كارولين من الدارجة وخلعت خوذتها . قالت له : " يبدو انك تعرف هذه الانحاء اكثر مما أعرفها "
ثبت مونى الدراجة فى مكانها ثم خلع خوذته ومر بيده على شعره وهو يقول : أرتنى لورا هذا المكان الذى اعتادت القدوم إليه مع أبيها العجوز فى صغرها . البحيرة تلك عميقة وقد اعتادا أن يسبحا فيها "
جلست برشاقة على العشب وقالت :" حسنا , إنه مكان رائع "
ألقى بنفسه قربها وراح يملى ناظريه من الصورة الجميلة التى بدت فيها .
قال : " إممم .. رائع حقا . ما الذى جعلك تصبحين مربية ؟"
التفتت كارولين تنظر إليه : " لسنا هنا لنتحدث عني "
استلقى إلى الخلف عاقدا ذراعيه خلف رأسه :
- لا بأس , ما الذى تريدين معرفته ؟
تنهدت كارولين وهى تضع ساقا فوق الأخرى : " ربما هناك فائدة فيما لو .. لو فهم كل منا الأخر "
رفع بصره إليها وقد ضاقت عيناه : " وما الذى يهمك من ذلك ؟ فأنت لا توافقين على أية علاقة لي مع لورا , أليس كذلك ؟ "
- أنا .. لا أقول هذا
- لا تقولين ؟
- لا , اسمع انا احب لورا كثيرا وهي السبب الوحيد الذى يجعلنى أمكث هنا . عليك الاعتراف بأنك تكبرها بكثير , فما زالت تلميذة .
- كما إنها من أسرة بوث !
- وهذا ايضا
أرخى ربطة عنقه : " قد لاتصدقين ما أقول , ولكننى لم أبدأ بهذا . آه ,لا أقول اننى قاومت او ما أشبه ولكن لورا هى التى ابتدأت بإنشاء العلاقة "
سألته بفضول : " كيف تعارفتما ؟ "
عند ذلك ابتسم قائلا : "يمكنك ان تقولى انها اختارتنى , اعتادت مجموعة منهن التكسع حول مقهى فى بورنماوث . وقد ميزناهن عن غيرهن انا وبعض الاصدقاء لأنهن كن يرتدين الملابس المدرسية "
هزت كارولين رأسها : " وهل انت مستعد للانتظار حتى تبلغ الثامنة عشرة ؟ "
- أنتظر ؟ انتظر ماذا ؟ أن أتزوجها ؟ لن يسمحوا لي قط بالزواج بها.
فتملكت الحيرة كارولين وقطبت جبينها :
- هل أنت جاد ؟ أم إنها مناورة منك ؟
جذب مونى نفسا عميقا : " ليست مناورة وإنما أنا واقعي يا آنسة دوغلاس.تظن لورا أنها مغرمة بي ولكن إذا نجح والداها فى التفريق بيننا , فستعثر فى النهاية على رجل آخر . رجل مناسب بلا شك
شهقت كارولين ذاهلة : "إنك لا تحبها إذن ؟ "
- آه , انا لا أقول هذا . لا , لا أقول هذا . إننى مهتم بها كثيرا , ولكن هذه العلاقة لن تنجح . لقد اخبرتها بذلك .
قالت كارولين التى تقوست كتفاها : " ليتك أخبرت أمها واباها بهذا "
- ماذا ؟ واريحهما من تعاستهما ؟ بعد الطريقة التى عاملا بها لورا ؟ ولماذا افعل ذلك ؟ سأدع القلق يتملكهما مدة أطول , فلن يؤذيهما هذا أما أنا فلن أقوم بما يؤلم لورا .
لم تستطيع كارولين منع نفسها من الضحك . لقد تبدد التوتر الذى كانت تعانى منه طوال العصر كسحابة من الدخان وبدا لها النهار أكثر إشراقا .
قال لها برفق : " لماذا تضحكين ؟ هل قلت ما يضحك ؟ "
فهزت كارولين رأسها وهى تدس أصابعها فى شعرها :
- لا , لا فى الحقيقة , شكرا لصدقك معى
- ولكنك لن تخبريهم فى المنزل بما قلته لك , أليس كذلك ؟
بدا على كارولين التفكير قبل أن تقول : " لا , لن أقول شيئا قد تعرف به لورا . اكره ان اكون انا من يبدد أحلامها
نظر مونى نحو الأفق عابسا : " ما زال أمامها مدة طويلة لكي تنضج"فتمتمت كارولين بصوت لا يكاد يسمع : " ألسنا جميعا كذلك ؟"
ثم نهضت واقفة . فرفع بصره إليها بلا حماس : " لا داعى للسرعة , أليس كذلك ؟ "
تنهدت كارولين : " أكره العودة الى البيت فى الوقت الذى تعود فيه لورا من بيت جدها. قد تسئ الظن إن علمت بأمر خروجنا "
نهض مونى واقفا مستجيبا بهدوء : " هذا لا يهمنى . ما اسمك ؟ كارولين ؟ هل بإمكانى أن أدعوك به ؟ انت تعرفين اسمى . قابلينى مرة أخرى يا كارولين "
ارتدت كارولين مذعورة : " لايمكننى القيام بذلك "
فعاد الى العبوس : " ولم لا ؟ لست .. مخطوبة , أليس كذلك ؟"
- حسنا ... لا .. ولكن ..
- ولكن ماذا ؟ ما يدرينا بأن علاقتى بلورا ليست سوى خطة وضعها القدر لكي نلتقى انا وأنت ؟
- سمعت عن التملق , ولكنني ..
بدت الضراعة فى عينيه : " ما هذا بتملق , صدقينى . لا اعرف الكثير عن الفتيات "
- لا أصدق هذا !
- ليتك تخرجين معي فانا اشعر بالوحدة احيانا
تنهدت قائلة : " لا استطيع ذلك . اضف الى هذا ان لورا قد تعلم بالامر ؟ "
- لن تعلم
- لا , لا .. لا استطيع
عندما ادرك جون انه لن يستطيع اقناعها سار الى دراجته ووضع خوذته على رأسه ملقيا بالاخرى الى كارولين . ثبتتها على رأسها , وبعدما صعد الى مقعده وادار المحرك , صعدت وجلست خلفه .
ولم يستغرق وصولهما الى بوابة ميتلاندس سوى دقائق , فنزلت كارولين وهي تشعر بالراحة . راح جون يتحسس شيئا داخل سترته , وما لبث ان اخرج بطاقة صغيرة مربعة من الكرتون مد يده بها إليها : " انها بطاقتى فيها رقم تليفونى فى البناء الذى اعمل فيه إن شئت الاتصال بي .."
هتفت قائلة : " ولماذا أفعل ذلك ؟ "
فقال ضاحكا : " من يعلم ؟ "
فتح دودز البوابة باتساع إنش او اثنين ليمكنها من الدخول . إنه رجل متوسط السن يعيش مع زوجته فى هذا المسكن.وكان يعتنى بالمروج الخضراء والازهار . وعندما اغلق البوابة خلفها , مط شفتيه بعدم استحسان وقال : " الآنسة لورا تفتش عنك , لم يعرف من فى المنزل إلى أين ذهبت "
قالت كارولين بذعر : " الأنسة لورا ؟ وهل عادت ؟"
- هذا ما يبدو . احضرها السيد بوث الى البيت بنفسه
فقالت وهي تمر بيدها على رأسها : " السيد بوث ؟ آه , تقصد السيد بوث الكبير . وهل اخبرت الانسة لورا إلى أين ذهبت أنا ؟"
- قلت لها إنك ذهبت مع شاب على دراجة بخارية يا آنسة فأنا أيضا لم أعلم إلى أين ذهبت
قالت وهى تصعد : " لا , لا طبعا . شكرا يا سيد دودز "
وفى منتصف الطريق , رأت لورا تركض لملاقاتها متوردة الوجه ولكن النكد بدا عليها , ثم هتفت تقول وهي تقترب منها : " ها قد جئت ! أين كنت ؟ وماذا كان يفعل هنا جوني , إنه جوني الذي ذهبت معه , أليس كذلك ؟ "
قالت كارولين مسرعة فى حديثها قبل أن تقاطعها لورا :
- نعم , وليتك لم تطلبى منه القدوم إلى هنا أثناء غيابك ! لم يكن أبوك راضـيا عن ذلك
أطلقت لورا مشاعرها المكبوتة بصرخة احتجاج : " أنا ؟ ولكننى لم أطلب منه القدوم الى هنا . ما الذى تتحدثين عنه ؟ "
قالت كارولين التى نجحت فى إظهار الدهشة فى صوتها : " لم تطلبى منه ؟ ظننتك انت من فعل ذلك ؟ "
سألتها لورا : " ولماذا أفعل شيئا كهذا ؟ "
- حسنا , ظننتك تريدين منى أن أقابله لكي أدرك أى نوع من الشبان هو .
- وهل أمكنك ذلك ؟
تنهدت كارولين , كانتا قد اقتربتا من الشرفة فرأت سيارة رولز فارهة تقف أسفل الدرجات ,.فافترضت انها سيارة روبرت بوث الجد الذى سيعرفها كما سبق ان عرفها جايمس . آه , يا إلهى.يا له من شرك معقد . ولكنه على الأقل لا يعرف شيئا عن علاقتها بجايمس .
هتفت تقول : " لا يمكننا ان نتحدث الان يا لورا . ان جدك هنا أليس كذلك ؟ ألا يجب علينا الاحتفاء به ؟ "
- أبى هنا , بحثنا جميعا عنك فأبى غاضب كثيرا . ولا ادرى لماذا . كان عليه ان يكون مسرورا لأنك ذهبت مع جون . فكري كم سيكون سرورهم عظيما إذا نجحت فى سلب جون مني .
أشارت كارولين الى سروالها الجينز والقميص وهما تصعدان الدرجات :
- أواه . يا لورا . انظرى الى ملابسى . على تغييرها . سنتحدث فيما بعد .
- أين كنت بحق الله ..
كانت كارولين مركزة انتباهها على لورا عندما انهالت عليها هذه الكلمات المفاجئة كدوش ماء بارد . كان جايمس فى الردهة يقف منفرج الساقين . عاقدا ذراعيه على صدره غاضب الوجه .
حولت كارولين عينيها عنه وهي تبلل شفتيها بلسانها , ثم أخذت تتفحص ما ارتسم على وجه لورا نتيجة ذلك وقالت آملة ان تجد المساندة من الفتاة : " أنا أسفة لاننى اختفيت بهذه الطريقة يا سيد بوث . وجدت ان من الاسهل ان نتحدث بعيدا عن المنزل "
قالت لورا التى استجابت الى ضراعة كارولين الصامتة :
- هذا صحيح يا أبى , حدثتنى الآنسة دوغلاس بكل شئ عن هذا .
ازداد عبوس جايمس : " وما الذى كان يفعله هنا يا لورا ؟ ولماذا طلب رؤية .. الأنسة دوغلاس ؟ "
هزت لورا كتفيها بعدم اكتراث , واخيرا قالت : " لقد . طلبت أنا منه المجئ "
فعرت كارولين فاها ذعرا , لانها لا تريد من لورا ان تذهب بعيدا الى هذا الحد . عادت نظراتها الى وجه جايمس , فلم يشجعها ما رات على ملامحه .
- ما الذى يحدث يا جايمس ؟
جاء الان دور روبرت بوث فى مقاطعتهم . كان واقفا عند الباب ينظر اليهم جميعا بتسلية , إنه رجل وسيم فى الستينات من العمر , وهو نسخة أكبر سنا عن ابنه . ولكنه عندما رآها توترت ملامحه المسترخية واظلم وجهه , وانتقلت نظراته الى ابنه بعد تصديق.أدركت كارولين وهي تراقبه أن روبرت بوث على علم بعلاقتهما .
قال الأب : " من الواضح ان الانسة دوغلاس لم تتعرض لسوء فى خروجها هذا . ليس لدي لورا الحق فى دعوة ذلك النذل الى هنا مهما كان السبب .. "
رأت كارولين ان عليها ان تحتج على هذا الوصف فقالت : " ليس نذلا . إنه , حسنا , أنه رجل مثقف وهو الى ذلك ليس صيادا انتهازيا أو أى شئ من هذا القبيل . لقد جاء الى هنا لانه .. حسنا , لانه دعى للمجئ ولا أرى ذلك سببا يجعل أيا كان بمثل هذا الغضب الملتهب "
قالت لورا : " ولا أنا . ليس منكم من يعرف جون , فكيف تحكمون عليه دون أن تعرفوه ؟ "
رأت كارولين كيف توتر فك جايمس بينما سقطت يداه على جنبيه , ثم قال ببرودة : " حسنا جدا يا لورا . بما أن لدينا رأى الانسة دوغلاس الخبير , فسنغفر لك سلوكك غير المسؤول هذه المرة . ولكن فى المستقبل يا آنسة دوغلاس . ارجو منك ان تخبرينى قبل ان تخرجى مع رجل غريب "
- نعم يا سيد بوث
كان الشعور بالسخط لدى كارولين , يماثل شعوره , فأشاح بوجهه فجأة ثم سار عائدا الى غرفة الجلوس ..واحدث ذهابه صمتا محرجا ما لبث روبرت بوث ان اخترقه بقوله : "سبق ان تقابلنا , أليس كذلك يا آنسة دوغلاس ؟ فى منزل آل فورستر "
ابتلعت كارولين السخط الذى احسته تجاه جايمس واغتصبت ابتسامة باهتة : " هذا صحيح يا سيد بوث , حدث ذلك منذ ست سنوات انه زمن طويل "
- وانت الان تشتغلين عند ابنى .
لم تكن تخطئ ما يعنيه بكلامه هذا .
أومأت تقول : " انه عالم صغير , أليس كذلك ؟ "
بدا على روبرت بوث عدم التركيز وكأنه لم يكن يتوقع هذا الجواب العفوى ثم قال : " هذا صحيح , إذا سمحت .. "
ولحق بابنه الى غرفة الجلوس , وعندما اغلق الباب خلف , تنهدت كارولين بصوت مسموع ثم هزت رأسها وسارعت نحو السلم , ولكن لورا لحقت بها :
- هل كنت تعنين ما قلته يا آنسة دوغلاس ؟ عن ... عن جون بأنه رجل مثقف . وليس صيادا انتهازيا ؟
أومأت كارولين على كره منها : " بالتأكيد "
ضغطت لورا براحتيها على وجنتيها وقد بدا عليها السرور بهذا الجواب , ثم عادت تقول : " انا مسرورة لانك قابلته "
قالت كارولين " يجب ان اغير ثيابى , لورا , اقترب مجئ أمك "
قالت لورا التى انحدرت زاويتا فمها : " آه , نعم . لا أدرى ما ستقوله عندما تعرف ان جون كان هنا "
لم تشأ كارولين التفكير فى ذلك , فقد خرجت الامور عن السيطرة فى هذا النهار , الذى كان رائع البداية أولا فى مصادفتها لجايمس فى القرية ثم حضور جون مونى غير المنتظر , والان تكتشف ان روبرت بوث على علم بالعلاقة التى كانت بينها وبين ابنه .. إن هذا لكثير .
- أراك فيما بعد يا لورا .
قالت ذلك بحزم أسبغ حدة على صوتها . ولكن الغرام الذى يمتلك تفكير لورا لم يسمح بان تدع كارولين تذهب دون الالحاح عليها بالسؤال عمن دعا جون الى الحضور الى البيت .
ولكنها عندما أصبحت فى حمي غرفتها , لم تستطع أن تنبذ من ذهنها ذلك السؤال . من الذى احضر موني الى المنزل ولأى غرض ؟ فإن لم تكن لورا الفاعلة فمن غيرها سيستفيد من شئ كهذا ؟
دخلت الى حمامها وفتحت الصنابير سامحة لمزيد من الماء البارد . هزت كارولين رأسها . ربما لن يستطيعوا أبدا معرفة الفاعل . وتنهدت , ما كان أكثر أهمية هو تصرفات جايمس وعدم اكتراثه الجلى بدور والده البرئ فى كل هذا , ماذا سيكون رأى روبرت بوث فيها ؟ ارتجفت وهى تفكر في ذلك .
خلعت ثيابها ونزلت فى ماء الحوض مستمتعة ببرودة الماء على جلدها اضطجعت فى الماء لتسمح للرغوة المعطرة بغمر جسدها . ما كان عليها ان تأتى الى هنا على الاطلاق . ما كان عليها قط ان تسمح لنفسها بالتورط .
فى الصباح التالى , تملكت كارولين الدهشة لأن ديبوراه بوث جاءت تزور ابنتها لورا ومربيتها , ولم تأت على ذكر زيارة جون موني . فى الحقيقة , بدا على ديبوراه الاستغراق فى أفكارها , وبدت فى عينى كارولين أكثر توترا من المعتاد .
بعد ذهابها , قالت لورا بامتعاض يخالطه شئ من الرضي :
- لم يذكر أبى لأمى شيئا عن مجئ جون الى هنا . اظن ان جدى اقنعه بذلك , إذ لن ينتج عنه سوى المزيد من الازعاج , بينما لم ينتج عن ذلك أى ضرر , أليس كذلك ؟
لم تعلم كارولين ما إذا كان عليها ان تكون مسرورة أم آسفة .
تابعت لورا التى عقدت حاجبيها : " ليتنى أعلم لماذا جاء . هل أنت واثقة من أنك لم تطلبى منه القدوم يا آنسة دوغلاس ؟
شهقت كارولين : " لا , كونى عاقلة يا لورا . ولماذا أطلب منه القدوم إلى هنا ؟ "
وضعت لورا مرفقيها على المائدة مريحة ذقنها على يديها : "لا أدرى . آه , ليتنى كنت هنا , ليتنى رأيته "